الفصل الأول
في اليوم الثلاثون من الشهر السادس من سنة 10281 فيريوسي كانت أجواء مدينة (نور الضياء) جميلة جدا و مائلة إلى الهدوء تقريبا
ممزوجة بنشاط سكانها للتحضير لعيد "مينرنو اي ميرلو" الذي سيصبح في الغد و الذي يحتفلون به سكان مدينة (نور الضياء) كل سنة
و في أحد شرفات قصر مدينة (نور الضياء ) ذو المرمر الأحمر يجلس هناك رجل على أحد الكرسيين الفاخرين الذين أمام المنضدة ,و هو في الثلاثينات من عمره قد بدا على وجهه نمو اللحية السوداء و يضع على رأسه عمامة فاخرة ذات لون ابيض مزركشة بفصوص و سلاسل رقيقة من الذهب و مزخرفة بخيوط حريرية ذات لون أحمر و هي متناسقة جميلة من كل النواحي و يتوسط هذه العمامة من الأمام جوهرة كريستالية لونها مائل للذهبي و على ذلك الرجل بدله ديباجية مليحة لونها ابيض و مزركشة بخيوط الذهب و خيوط حمراء و فصوص جوهرية بحرفية و فن و قد بدا على هذا الرجل التوتر و الإضطراب و الشرود في فكره , و قد أتى من خلفه صوت امرأة
و فيه نبرة التبشير يقول : سيدي !!.. سيدي !! يا صاحب الجلالة !!
قال الملك (جانشاه) ملتفتا لـلجارية و هو منشد إليها : نعم ؟؟ بشريني !! , ما الذي جرى ؟؟!
قالت الجارية و الابتسامة تعلو وجهها : أبشر أيها الملك السعيد , أن زوجتك قد أنجبت لك أميرة من الحِسان !!
تسأل الملك (جانشاه) و قد بدا عليه الهدوء من توتره قليلا : حسنا , و إمرأتي
ما الذي جرى لها ؟؟
قالت الجارية لملكها (جانشاه) : أن مولاتي بتمام الصحة و العافية يا سيدي
و إنها تنشدك بالذهاب إليها لترى أبنتك و تكحل عينك بها !!.
قال (جانشاه) الملك بفرح و سرور و قد نزلت الراحة على قلبه : حسنا .. حسنا , أذهبي أنتي الآن لتكملي عملك .
- أمرك يا مولاي . هكذا أجابت الجارية على سيدها قبل ذهابها .
و حمد الملك (جانشاه) الله و شكره على سلامةزوجته و على الابنة
التي رزقها الله له.
و بعد ذلك ما كان من أمر الملك (جانشاه) إلا التحرك و القيام من مكانه و هو سعيد متلهف لرؤية زوجته الأوروبية الشقراء (باثيلدا( , و ظل يمشي بسرعة
ابتداء من حجرة الجلوس التي بها الشرفة التي كان جالس فيها
إلى ممر مفروش و على حائطه السكري لوحات و تحف خلابة معلقة
عليه , إلى حجرات ثلاث خلف بعض مفروشات بأثاث ملكي فاخر مليح
و قد كان الخدم و الجواري يؤدون أعمالهم و آخرون ينتظرون الأوامر
كالعادة و قد كان كان بين الحجرات الثلاث الواسعة مدرجات صغيرة
تحوط كل حجرة على حدا و من ثم تعدى هذه الحجرات الثلاث أو بالأحرى القاعات الثلاث و من ثم دخل بزقاق ملتوي مفروش بأحسن
الأثاث و التحف و كان بأمامه ثلاث أبواب ذهبية خالصة و مزخرفة بحرفية
و فن و الباب الذي على يمين الملك (جانشاه) يؤدي إلى ممر مستقيم , فيه أبواب كل باب يؤدي إلى غرفة , فسلك الملك (جانشاه) الباب الذهبي الذي على يده اليمين ليدخل إلى ذلك الزقاق المستقيم و يفتح ثالث باب على يساره .
ليجد سرير برونزي فاخر ذو أعمدة طوال عليه خامة ذات لون أصفر فاتح و هي شبه شفافة و هي مطرزة بشكل جميل موضوعة على أعمدة السرير العالية , و قد كان السرير بعيد عن (جانشاه) نسبيا على بعد خمسة و عشرون ذراع تقريبا , و هذا من كبر الحجرة التي كانت مؤثثة بأحسن ما يكون من الأثاث الفاخر المختص بغرفة النوم و قد كان هناك شرفة طويلة مفتوحة تتطاير شراشفه البديعة إلى الخارج و يظهر من خلالها السماء الليلية البديعة بنجومها و شهبها و البدر الساطي من خلف الغيوم الخفيفة حوله , و قد كان هناك خزانات طويلة فاخرة من الأبنوس المطعم بالزمرد و الياقوت و الألماس و الذهب بفن و احترافية و تناسق و قد كان هناك منضدة مستطيلة من الخشب المصقول عليها قارورة للحبر و بها ريشة مائلة و بجانبها ورقة جلدية , و قد كانت هذه المنضدة قريبة من الشرفة , و قد كان فوق السرير المليح تجويف قبة كبيرة و عالية تتدلى من وسطها
ثرية من الشموع كبيرة و ذات شكل فخم ....
فهب الملك (جانشاه) على زوجته (باثيلدا) و التي كانت نائمة على السرير و هي تحتضن أبنتها , و تتوسط الجواري اللاتي يساعدنها و يخدمنها على تقديم لها الحساء الحار و تجفيف عرقها الذي على وجهها الجميل و هناك منهم من يجلسن تحت السرير على المدرج المرمري الأبيض الصغير الشبه دائري الذي يحوط سريرها الفاخر .
***
فقال الملك (جانشاه) بتلهف و شوق : عزيزتي .. عزيزتي (باثيلدا) , كيف هو حالك يا بدر البدور ؟؟
" فمد يده للطفلة و أنتشلها من حضن أمها و حرك شعرها الخفيف وهي تضع
أحدى أصابع يدها اليمنى بفمها , فقبلها على رأسها بكل رحمة و حنان "
فردت الملكة (باثيلدا) ذات الشعر الأشقر المنسدل على كتفها و هي مستلقية على السرير بإرهاق : أنا بخير يا عزيزي , لما أنت خائف علي بكل هذا القدر يا تاج الملوك ؟؟
" و للوهلة اومئت (باثيلدا) للجواري بالانصراف "
قال الملك (جانشاه) : و كيف لا أخاف على درتي الفريدة التي لا يوجد نفسها
لا في مغارب أورادس و لا في مشارقها .
"ثم أخذ منديلا ذهبي كان على منضدة ملتصقة بالسرير فمسح جبينها , و من
ثم قبلها برقة على جبينها تليها قبلة على خدها الرقيق و حرك غرتها إلى يمينها .
فابتسمت له و احمرت وجنتيها و بدا عليها الخجل . "
فقال لها و هو يبتسم : ما أجمل هذه الابتسامة , التي لو طلت من على غيوم أورادس لأشرقت أورادس بنورها و كسرت نور الشمس .
فضحكت (باثيلدا) قليلا و قالت : ما بالك يا (جانشاه) , غدوت تتغزل بي , هل نسيت أننا لم نسمي أبنتنا !! .
قال (جانشاه) مبتسما : أوه , صحيح نسيت هذا الأمر !!. و لكن أنا لا ألام
فأن عندي مشكلة عويصة !!.
قالت (باثيلدا) منشدة إلى زوجها متسائلة : و ما هي هذه المشكلة يا عزيزي ؟؟
نظر إليها الملك بغموض و قال : لكن مشكلتي ليس لها حل !!!
توترت (باثيلدا) و تنهدت بخوف من كلام زوجها ذو الوجه الذي بات لا تعلوه ابتسامة و قالت بشدة : حسنا !! و لكن ما هي ؟؟ قل لي , فأنك أقلقتني
يا (جانشاه) !!
قال الملك : و لكن !!
قالت (باثيلدا) : ماذا ؟!!
قال الملك (جانشاه) : أنتي قلتي لي أني نسيت أن نسمي أبنتنا صح ؟
قالت : صح ..
قال الملك (جانشاه) و الابتسامة تعلوا وجهه : إذا و لما تلومينني و أنا عندي بدر من بدور السماء البهية نازل في قصري !! و لم ينزل بدر على أورادس غيره قط !! و هو أمامي الآن !! و البدر الذي عندي يجعل الناظر إليه
يسكر من جماله و ينسيه أي شيء !! .
ضحكت (باثيلدا) من كلام زوجها و أحمرت وجنتيها بشدة و ظهرت مع
ضحكتها قمازتين جميلتين و شاركها الضحك زوجها الماكر !
قالت (باثيلدا) و قد زال عنها توترها الذي لم يمضي له سوى ثواني معدودة و هي تبتسم : اوه , يا إلهي يا أيها الحاكم المجيد لقد وترتني و جعلتني أضن أن عندك مصيبة ما .
أكملت قائلة : كل هذا الجمال فيني يا عزيزي , أنك لم تبقي شيئا للعذارى .
قال (جانشاه) ضاحكا : بل هذا الوصف كله لا يليق بحسنك و لا بقدك و اعتدالك ! فإنك بعيني كالضبي و الغزلان .
قالت (باثيلدا) و الابتسامة تعلوا وجهها : حسنا , ماذا تريد أن نسمي أبنتك الآن ؟؟
" فحركت يديها نحو أبنتها التي بيدي أبوها بإشارة تعني أعطني الفتاة !,
فأعطاها الملك جانشاه الفتاة جاعلا أمها تحتضنها "
قال الملك (جانشاه) : و لما لا تسمي أنتي أبنتك ؟؟
قال (باثيلدا) : حسنا , و لكن قل لي أسم و أنا سـأقول واحد و الذي يعجبني
أختاره لها أذا أردت ذلك يا أيها الحاكم المجيد .
قال (جانشاه) : حسنا . هممم ... أريد أن أختار أسم .. (شيريهان) !!
أكمل قائلا : ما رأيك به (باثيلدا) ؟؟
قالت (باثيلدا) : أنه جميل و لكن أنتظر لكي أفكر بأسم أخر ..
قال (جانشاه) : حسنا , خذي راحتك .
قالت (باثيلدا) بعد لحظات من التفكير : همم .. أعتقد أن أسم (ليزا) جميل
أيضا و لكن قد أعجبني أسم (شيريهان) أيضا , لذا أنا محتارة أختار هذا أو ذاك !!
قال الملك (جانشاه) : إذا لنسميها (ليزا) فإنه مليح يا عزيزتي .
قالت (باثيلدا) مقاطعة : لا أنتظر , لقد طرأت علي فكرة عجيبة , و هي
دمج الأسمين !! .
قال الملك متسائلا : و كيف ذلك ؟؟
قالت (باثيلدا) : إذا أسمينها بـ(شيريليزا) , نكون قد دمجنا بداية (شيريهان)
مع (ليزا) , و هذا الأسم أعتقد غير معروف و مليح .
قال (جانشاه) : أجل أنه أسم جميل بل رائع يا حبيبتي .
قالت (باثيلدا) و هي ناضرة إلى إبنتها و هي تمسح برأسها الصغير و الملك ينظر إليهما برحمة و إستعطاف : إذا ها .. أنتي يا (شيريليزا) .
"فقبلت الأم خد أبنتها برقة"
قال (جانشاه) لزوجته الشقراء : إذا أنا ذاهب لأعلم (ناشر الأخبار) بنشر خبر ولادتك فتاة و لجعل أهل المدينة يحتفلون في الغد بمولد أبنتي مع إحتفالهم بعيد " مينرنو اي ميرلو " و لتصبح الفرحة فرحتين !!...
قالت الزوجة (باثيلدا) الحسناء : حسنا يا عزيزي .
و من ثم أستدار الملك (جانشاه) للباب ولميكمل خمس خطوات
إلا و صوت زوجته يناديه بتنهد يقول : توقف يا أيها الملك السعيد !!
قال لها الملك (جانشاه) بحب : نعم يا عزيزتي , ماذا تريدين ؟
تنهدت (باثيلدا) له و بدت مترددة بوضوح : همم .. في الحقيقة ...
فسكتت لثواني ..
فقال الملك (جانشاه) و عليه أبتسامة صغيرة و هو يحدق لـ(باثيلدا) : الحقيقة .. ماذا ؟؟ ماذا تريدين أن تقولي ؟؟
قالت (باثيلدا) ذات العينان الزرقاوان : أريد أن أقول لك شيء لكن أنني منحرجة نوعا ما !!
قال (جانشاه) متسائلا : و هل تحرجين من زوجك ؟؟ ... إذا في قلبك شيء تريدين قوله فقوليه !!
قالت الملكة (باثيلدا) : حسنا .. و لكن تعال و أجلس هنا .. لكي أقول لك ما في بالي , يا أيها الملك السعيد !!
"و قد أشارت إلى كرسي ذو لون أحمر فاخر بجانب المنضدة الأبنوسية التي بجانب سريرها "
أستجاب (جانشاه) لأمرها .. و قال : ها أنا جلست .. الآن ماذا تريدين ؟
" كانت الأم تنضر إلى ابنتها (شيريليزا) "
- و قد أخرجت أنفاسها الكثيرة دفعة واحدة ثم أدارت وجهها إلى زوجها ..
قالت رادتا على كلام زوجها : أن الذي شاغل بالي أنه .. هو أنني كنت أملتا أني سأنجب بكرا ولد بدلا من بنت و أردت أن تفرح به لأنه هو و أبنأه سيحملون أسمك ... و قد أحسست بالضيق بأني لم أنجب ولد بكرا بدلا ابنتنا هذه !! فأنه إذا أصبح عندنا ولدا فسوف يرثك في الحكم أتوافقني الرأي ؟؟ و في الحقيقة هذا الذي في قلبي و قد أبحته لك !
" نظر إليها (جانشاه) بنظرة توحي على الحكمة و قد أستنشق الهواء ثم أخرجه لمدة أستغرقت ثانيتان !!"
قال لها (جانشاه) و الأبتسامة تعلو وجهه : و لكن (باثيلدا) هل معنى هذا أنك تكرهين أنجاب البنات؟؟
قالت (باثيلدا) : بالطبع لا . و أنا لا أكره (شيريليزا) فهي قطعة من جسدي , و لكن ما أعنيه هو أن أنجاب
بكرا ذكر أفضل برأيي .
قال (جانشاه) و هو ممسكا بيد أبنته الصغيرة التي بحضن أمها : و لكن انا أخالفك الرأي تماما .. صحيح أنه شائع أنجاب
الطفل الأول ولدا عند أغلب الحكام ... و لكن أنا احمد ربي الذي رزقني النعمة سواء كانت فتاة أم فتى .. و أنا معك أن
أنجاب الفتى مهم لإبقاء نسلي يستمر .. ولكن أن لم تنجبي فتى لنا الأن فإن شاء الله ستنجبيه لاحقا يا عزيزتي ..
قالت الملكة باثيلدا : أن رأيك سديد يا ملك (نور الضياء) الحكيم ..
- قالتها و هي تبتسم لزوجها .
قال (جانشاه) بحنان لزوجته : حسنا ... يا عزيزتي هل تريدين أن تقولي شيئا أخر لي الأن ؟؟
قالت (باثيلدا) : لا أريد سوى سلامتك و راحت بالك يا حبيبي ..
قال (جانشاه) : حسنا .. حان الوقت لأعلم ناشر أخبار مدينة نور الضياء .. عن أبنتي .. لكي يقيموا لها سكان مدينتي أحتفالا ..
فقام الملك من مقعده و أستدار للباب الخشبي الفاخر المزخرفة و المرصع به أحلى الأحجار الكريمة فمشى مباشر إليه و مسك بمقبضه النحاسي ثم سحب و خرج ...
فحينما خرج ملك مدينة (نور الضياء) من حجرة نوم زوجته ذهب إلى القاعة الطويلة التي بها عرشه و التي هي مبلطة بالسيراميك السـُكري و مفروشة بأحسن السجاجيد , و التي يقيم بها المقابلات مع أكابر البلدان و الحكماء و البلغاء و الشعراء ..
- وصل الملك (جانشاه) إلى تلك القاعة و جلس على عرشه ذو اللون الخشبي المحروق و الذي كان عليه طبقة قماش أحمر سميكة مزخرفة باللون الذهبي و قد كانت يدا هذا الكرسي الملكي من الذهب الخالص و على مقدمة كلتا اليدان ياقوتتان حمراوان و قد كان بجانب عرشه الفخم على اليمين مقعد مختلف عنه و لكنه تفرد بجماله و هو أصغر من عرش الملك بقليل , و أما على شمال العرش فقد كانت تركن هناك سيدة عجوز واقفة أمامها مرمر مستطيل طويل بني مائل للأصفر فاتح و يصل طوله إلى نصف طول أجسامنا و يتدرج حجمه من الأسفل و هو أكبر جزء و يصغر حجمه تدريجيا إلى الأعلى ليناسب البلورة السوداء التي على قمته و التي هي محاطة بخط سميك ذهبي من وسطها , و قد كان الحرس و العبيد منتشرون بإنتظام في القاعة الكبيرة الطولية الفخمة و بين العواميد المرمرية الصفراء الفاتحة , بينما كان هناك جواري حسان آتيات من بلاد الشام و الهند و الصين و من مصر و من الإمبراطورية البرانسولية الأوروبية التي تعرف بجواريها الشقر الملاح و قد كن الجواري يجلسن حول عرش الملك و الكرسي الذي بجانبه و حول مكان وقوف تلك السيدة العجوز ذات الملامح القاسية و لكن بعيد قليلا عنهم و تحتهن سجاجيد حمراء آتية من بلاد الهند و حولهن مطارح و وسائد يتكئن عليها من كل صنف و لون جميل و كن موزعات بكل القاعة على شكل مجموعات و هن يتمايلن و يجلسن جلوس الضبي و الغزلان , و قد كان بأعلى كل عامود من عواميد القاعة الضخمة معلق هناك خمس شموع بمقبض ذهبي مزخرف , بينما كان خلف عرش الملك على بعد خمسة عشرة ذراع مدرج شبه دائري يتكون من درجتين فقط و بعد ذلك المدرج سور أسود مطعم بالفضة و يبدو خلفه أن هناك رأس شجرة ذات أورق ذهبية و هي مأتية من كوكب السحر (مناليس) و عليه عصافير قمة في الجمال لهم ريش طويل في الخلف و على رأسهم ثلاث ريشات و ألوانهم البرتقالي و الذهبي , و يبدو أن جذع الشجرة الذهبية وجذورها مزروع بالأسفل في قاعة تحتية بإمكانك أن تراها إذا طللت من ذالك السور الأسود للأسفل ! , و خلف تلك الشجرة زجاج مجوف و هو كبير طويل طوله على إرتفاع القاعة و يتخلله عواميد نحيلة ذهبية بين كل عامود و أخر عشرون ذراع , و يبدوا من ورأه القمر المشرق الكبير و الذي يكتسب هذا الحجم فقط في مدن تعد على الأصابع في كوكب أورادس و منهم مدينة (نور الضياء) ويحوطه غيوم بيضاء شفافة و في أطراف السماء يبدو أن هناك الكثير من النجوم المتلئلئة و الشهب الخلابة, و بالتأكيد يستطيع أي أحد أن يرى هذا المنظر الجميل حتى و لو كان بعيد عن تلك الشرفة الزجاجية , و لكن يشترط أن يكون في القاعة بالطبع ! , و بما أن المقابلات الملكية تعتبر من أهم الأمور التي تحدث في هذه القاعة فقد كان أمام عرش الملك على بعد عشرة أذرع صفة أرائك خشبية أبنوسية مرصعة بالذهب , مرتصة بجانب بعضها البعض على اليمين و على الشمال , و قد كانت كل أريكة تسع ثلاثة رجال و أمام كل أريكة منضدة صغير جميلة و قد كانت هذه المناضد الأبنوسية على أشكال الورد ألجوري و على سطحها طبقة من زجاج دائري محفوف باللون الذهبي , و على طول تلك القاعة ثريات ضخمة كبيرة مملؤة بالشموع المضيئة و أضخم ثــُرية كانت فوق عرش الملك و التي كانت بقبة ضخمة مرسوم عليها سماء بها طيور حمراء مذيلة كأنها طيور العنقاء !!
- و عندما دخل الملك على قاعة الحكم بهيبته و وقاره نظرت إليه تلك العجوز ذات البلورة السوداء التي أمامها , فأنحنت لملكها فقاموا الجواري و أنحنوا له مع العبيد و الحرس كالمعتاد حتى جلس بعرشه و أبتسم لتلك السيدة و قال لها هامسا بعد أن أنتهوا من الأنحناء : كيف هو حالك يا (واندي بيل) الكشافة ؟
قالت العجوز (واندي بيل) كما يدعونها و الأ بتسامة تعلوا وجهها : أنني بأفضل حال , و لكن هل من الممكن أن أسألك سيدي ؟
قال لها الملك (جانشاه) : أجل , بكل تأكيد !!
قالت (واندي) ذات الشعر الأشقر الذي بان عليه الشيب و الخشم الطويل المتدلي : أنني يا سيدي قلقة على زوجتك , هل هي بخير ؟ و ما هو المولود هل هو ذكر أم أنثى ؟
قال الملك (جانشاه) : أن المولود بنت و قد أسمينها بـ(شيريليزا) , و أن زوجتي بخير و الحمد لله ..
قالت (واندي بيل) ذات الظهر المعكوف مبتسمة بفرح لملكها : مبروك .. مبروك عليكم يأيها الملك السعيد بــ(شيريليزا) , تتربى بعزكم إن شاء الله , و الحمد لله على سلامة زوجتك , و أني والله يا أيها الملك الحكيم أني سعيدة لكم .
قال الملك (جانشاه) : أن هذا من طيبتك يا (واندي) , و أشكرك على أهتمامك ..
و أقترب إلى أذنها أكثر و همس قائلا : هل فعلتي الذي بيني و بينك ؟
قالت (واندي) بضحكة ماكرة : هيهي .. يا سيدي , بالطبع .. أنه عملي , و لا
توصي حريصا أبدا .. هي هي هي !!
قال (جانشاه) مبتسم : إذا .. بما أنك وجدتي الطعام خالي من الذي في بالي و بالك فأمري بأحضاره حالما أقول لك ..
قالت (واندي) : أمرك .. يا سيدي !!
قالت (واندي) بعد لحضات من الصمت : سيدي .. أظن أنك نسيت أن تعلم ناشر الأخبار بنشر خبر إنجاب زوجتك لـ(شيريليزا) .
قال (جانشاه) لساحرته الكشافة : كلا , أن هذا سبب وجودي .. هنا يا
(واندي بيل) !!
قالت (واندي بيل) التي قد لبست شيء في أطراف أصابعها اليسار و هو شيء كالأضفر و لكنه حاد و هو ذهبي : أسفة يا سيدي .. حسبتك نسيت .
قال (جانشاه ) : لا بأس بذلك ..
قال الملك (جانشاه) لأحد الحرس صارخا : يا (فرهاد) ..
قال الجندي (فرهاد) بصوت قوي : نعم .. سيدي .
قال الملك و قد أشار له بيده اليمنى : تعال إلى هنا .
قال الجندي (فرهاد) و قد لبى أمر سيده وو قف أمامه بينه و بين الملك المدرج المكون من ثلاث درجات : أوامرك .. يا أيها الملك السعيد ؟
قال (جانشاه) بحزم :اذهب إلى أعلى البرج السابع و أطرق الباب على
مقصورة ناشر أخبار المدينة و قل له أن الملك يريدك .
قال الجندي ملبيا : حاضر .. سيدي .
- فجرى الجندي إلى باب القاعة العملاق المليح و قد أصدر قليل من الصدى من رجليه الراكضتين بالقاعة .
و بعد نصف ساعة من الزمان أتى الجندي و معه الرجل المطلوب ..
و بعد نصف دقيقة من المشي , قد أقترب الناشر من الملك (جانشاه) , و قد أمر (جانشاه) الجندي بمتابعة عمله .
فقال ناشر أخبار مدينة (نور الضياء) للملك : أهلا يا مولاي .. بماذا تأمرني يا أيها الحاكم المجيد ؟
قال الملك : أهلا بك يا (جيحون) .. أنني أريدك أن تنشر لي خبرا بالمدينة و سأعطيك عليها مكافئة .. بعد أن تنفذها .
قال (جيحون) : بتأكيد سأفعل ما تطلب يا سيدي حتى و لو بدون أي مكافئة ,
و لكن عفوا , أين
سيدتي (باثيلدا) فأنني لا أرها .. جالسة على مقعدها ؟!
" و قد أشار (جيحون) إلى الكرسي المليح الذي بجانب الملك (جانشاه) , بينما عينا
(واندي) المجعدتان لا تقادران (جيحون) " ..
فأعربت العرافة (واندي بيل) عن رغبتها بالتكلم بدلا من الملك , بإشارة كانت بينها و بين الملك , و قد أومئ الملك بدوره لها تاركا لها المجال للتكلم ..
فقالت لـ(جيحون) بابتسامة تعلوا وجهها ذو التجاعيد : أن الملكة يا ناشر الأخبار قد ولدت فتاة لتوها , لذلك
و بطبيعة الحال هي محتاجة الآن للنوم و الراحة , و أقول لك نيابة عن سمو الملك شكرا للسؤال , و قد ندهك الملك لكي تنشر له خبر مولد الأميرة التي أطلقوا عليها أسم (شيريليزا) ..
قال (جيحون) : أها ... مبروك لك يا أيها الملك الطيب على هذه الأميرة و تتربى بعزك إن شاء الله , و سوف نرى ملكتنا جالسه في مقعدها كالسابق بعد سلامتها إن شاء الله ..
قال (جيحون) هذا الكلام و هو ينظر للملك , ثم حول نظره لـ(واندي بيل) ...
فقال (جيحون) لها : و أمهليني الوقت يا سيدتي , لأجهز الورقة التي سأكتب عليها الخبر و أبلغ رجالي لنشر الخبر الليلة إن شاء الله ..
أكمل (جيحون) ناظرا للملك قائلا : و لكن يا مولاي , هل تريد أن أقول لأهل المدينة أن يبدو في مراسيم الاحتفال الليلة أو غدا ؟؟
قال الملك (جانشاه) : فليكن الليلة التحضير للاحتفال و غدا إن شاء الله سيبدأ الاحتفال بابنتي مع عيد "مينرنو اي ميرلو"
إلى أن ينتهي العيد بعد خمسة أيام .. و سأظهر مع أبنتي و مولاتك في الليل قبل موعد ظهور الجنية بقليل ..
أكمل الملك (جانشاه) قائلا : و لتخبر أهل المدينة بأن لهم هدايا كما أن للعيد هدايا و عطايا مني لشعبي ...
قال (جيحون) بابتسام و طاعة : كما تأمر .. يا سيدي ..
و أنصرف (جيحون) لتأدية الأوامر التي عليه , و لا يزال ضرب رجله بالأرض يصدر صدأ منخفض جدا إلى أن خرج من الباب القاعة الكبير ..
نظرت العرافة ذات العينان الخضراوان لملكها و همست : هل يمكنني أن أذهب يا سيدي لأرى الأميرة (شيريليزا) .. فأنني أحب الأطفال .
قال (جانشاه) : أجل بالتأكيد .. و لكن لا تكثري النظر إليها لكي لا تخاف فتبكي ..
فضحك (جانشاه) على (واندي) ..
قالت (واندي) بغضب : أنني كنت في يوم من الأيام .. من أجمل نساء (اورادس) يا سيدي .. كما أنني لست مخيفة ..
أنني أستطيع بوصفة سحرية صغيرة .. أن أمشي بأحد الحارات و أجعل الرجال يقعون بالأرض من جمالي ..
ثم نفخت العرافة (واندي بيل) من فمها الهواء من الغضب ..
و أنفجر الملك على كلامها ضحكا و قال : أنني أمزح معك يا (واندي) ..
قالت (واندي) و هي واثقة من نفسها ,: هم , أعلم ذلك .. أنني لا أحتاج
لبرهان !!
و ضلت ماشية إلى الباب الذي على يسار عرش الملك و الذي على بعد خمسة و عشرون ذراع , فاختفت (واندي بيل) بعد دخولها لذلك الباب الخشبي ذو المقبض اللؤلؤي ..
و ما زال الملك يقهقه عليها و هو ينظر إلى الجواري و العبيد الذين قد أعربوا عن ابتساماتهم و ضحكاتهم ..
و في مكان أخر في أعلى أحد أبراج القصر ذو المرمر الأحمر , في الغرفة الحجرية المفروشة بالسجاد الأحمر و و التي فيها منضدة عليها الكثير من الأوراق الجلدية وهناك الكثير من الكتب الباهتة المصفوفة بجانب بعضها البعض في خزانة الكتب التي بجانب المنضدة على بعد بضعة أذرع و في أحد الرفوف كان مصطف هناك عدد ليس بالقليل من قوارير الحبر على عكس باقي الرفوف المملؤة من الكتب , و بدا أن أحد أدراج المنضدة الخشبية كان مفتوح و يبدو من أنه مخصص لريش الكتابة , لكثرة ريش الكتابة الذي فيه ...
كان هناك رجل يلبس سترة صفراء خفيفة على الصدرية , و كانت مفتوحة من الأمام و تصل إلى منتصف ظهره , و قد كان يشد وسطه بحزام أحمر من الكتان و كان يلبس سروال أصفر داكن فضفاض واسع و قد كان خفه ذو لون ذهبي , و عليه عمامة متواضعة , وقد جلس هذا الرجل في ذاك الكرسي الخشبي الذي يقابل المنضدة و تسلح بريشة بيضاء كانت موضوعة على طرف المنضدة المربعة و غطسها بقليل من الحبر و سحب له ورقة جلدية جديدة ثم نضر من خلال الشرفة الصغيرة التي أمامه إلى البدر المشع و هو يفكر و يستلهم ما سيكتب لنشر خبر مولد الأميرة (شيريليزا) , و بعد لحضات .. شرع في الكتابة بتلك الريشة ..
كالأتــــــــــــي :-
اليوم هو الخملادس و هو الثلاثون من الشهر السادس من سنة 10281 من الأعوام الفيريوسية
نحيطكم علما أيها السادة و السيدات بأن في هذا اليوم قد ولد لصاحب السمو الملك (جانشاه) بن (شهرمان) الكريم و السخي كما يعرف
عنه , أميرة قد أطلقوا عليها صاحبي السمو أسم (شيريليزا) , و لذا نعلمكم بأن هناك احتفاء في يوم الغد على مولد الأميرة الجديدة و هذا
يوافق أول أيام أحد أهم الأعياد في مـــدينة (نور الضياء) ألا و هو عيد "مينرنو اي ميرلو" كما أنه سيستمر الاحتفاء بالأميرة إلى أن تنتهي أيام العيد , كما أن هنالك هدايا و عطايا وفيرة من الملك السعيد (جانشاه) بن (شهرمان) لكم يا أيها الشعب العزيز في الغد ........
و هنا توقف (جيحون) عن الكتابة بعد أن لمح البدر الذي أمامه بنظرة ..
و بدا عليه أنه نسى شيء و قال لنفسه بهمس و صوت خافت جدا : أوه , صحيح , قد أنساني الشيطان الملعون ..
ثم كتب بتلك الريشة البيضاء على تلك القطعة الجلدية لإكمال الكلام الذي قد كتبه :
كما ندعوكم يا سكان مدينة (نور الضياء) بأن تتجهزوا الليلة و تعليق الزينة على بيوتكم للاحتفال بمولد الأميرة (شيريليزا) و عيد "مينرنو اي ميرلو" بداية من الغد
و بعدها كتب في أخر الصفحة على اليسار :-
و الحاضر يعلم الغائب
و تمنياتنا لكم يا سكان مدينة (نور الضياء) بتمام الصحة و العافية و قضاء و قت ممتع في العيد و الاحتفال ..
و بعد ذلك خرج (جيحون) من حجرته و معه القطعة الجلدية التي كفتها في أحد جيوبه و نزل من خلال الدرج اللولبي , و قد كانت حجرة (جيحون) هي أعلى حجرة بالبرج السابع للقصر , و بعد عشرون درجة من النزول للأسفل وصل (جيحون) إلى باب على اتجاه يده اليمنى , ففتحه و وجد حجرة واسعة فيها رجلين , دخل عليهم (جيحون) و قال لهم : هيا يا رفاق أن عندنا الليلة خبر لننشره .
قالوا له : حاضر .. سيدي .
و في الواقع أن هذان الرجلين من عبيد الملك الذين أعطاهم لــ(جيحون) لمساعدته بأمور نشر الأخبار , و قد كان (جيحون) متواضعا لهم و يعتبرهم كأصدقاء , إلا أنهم يحترمونه أشد احترام .
و دخلوا هذان الرجلين لتبديل ملابسهم في حجرة أخرى صغيرة , و كان بابها موازي لمقعد (جيحون) الذي قد جلس عليه , و قد كان بابها على يسار على بعد بضعة أذرع , و بدا من تلك الحجرة الصغيرة سريرين من الخشب , و عندما انتهوا العبدين
خرجوا من حجرتهم الصغيرة و اتجهوا إلى إحدى زوايا الحجرة الواسعة و أخذ كل واحد منهم من تلك الزاوية طبلة كبيرة مع
عصاتيها و وضعوا حبلها السميك حول أعناقهم , و بعد ذلك قال أحدهم لــ(جيحون) : لقد انتهينا .. يا سيدي .
قال (جيحون) لهم متسائلا : حسنا .. و لكن هل لديكم من سائل ملكة جن (ينبوع الخلود) الإخباري ؟؟
قال أحد العبدين و هو مشيرا إلى خزانة أبنوسية كانت على بعد عشرة اذرع منه : أجل أنه في تلك الخزانة !.
قال (جيحون) : جيد , و كم قارورة عندكم ؟
قال أحدهم : لدينا الكثير من القوارير التي بحجم اليد .
قال (جيحون) : إذا , أعطني واحدة منهم .
قال أحد العبدين : أمرك .. سيدي .
ففتح باب الخزانة المزخرفة و بدا آن هناك رفوف بها الكثير من هذا السائل ذو اللون الأبيض المائل للذهبي , كانت القوارير
مصطفة بجانب بعضها البعض و هي فعلا بحجم اليد كما قال العبد , فأخذ العبد واحدة منها و أعطاها لـ(جيحون) .
نضر (جيحون) إلى تلك القارورة برفعها بيده اليسرى إلى فوق و لفها و التمعن بالسائل .
قال (جيحون) ناشر الأخبار : إذا .. هيا نذهب يا رفاق .
فأطاعوا العبدين طلبه , فخرجوا هـؤلأ الرفقاء من الحجرة الواسعة ,و ظلوا ينزلون بذلك الدرج الذي ينيره
الشموع ذات المقابض الذهبية بينما كان (جيحون) يتكئ على سور الدرج الذهبي الذي على يساره , إلى أن وصلوا لأسفل البرج و حينها كان مقابلهم باب خشبي كبير عند يمينه و شماله شمعدانات ذهبية تنير المكان و مسك (جيحون) مقبض الباب
الذهبي ثم سحب الباب و خرج مع رفاقه ...
إلى تلك الساحة المغطاة بالأعشاب المهذبة , و قد كان أمام (جيحون) على بعد مائتان ذراع مباشرة أشجار مليحة ذات لون أحمر جميل مرتصة بجانب بعضها البعض و تحتها أنواع الورود الخلابة التي تنتقل بينها الفراشات , و كانت الأشجار الحمراء مرتصة بسور القصر المرمري الأحمر و كان على السور الحجري سياج مزخرف أسود يتخلله نبات العليق , و كان القصر
محاط بأحواض دائرية من الورود , كما أن يخيم على المدينة الليل إلا أن أنوار النجوم و البدر المشع و أنوار المدينة و القصر
جاعل للمدينة نور و رؤية واضحة للماشي بها , و قد كان على يسار (جيحون) على بعد أربعين ذراع مدرج كبير جدا من المرمر البني المائل للاصفرار و الذي يصل إلى بوابة قاعة الملك الرائعة بحجمها الكبير , و قد بدا أن على يمين و على شمال
المدرج المرمري أسدين ضخمين من الذهب الخالص .
فأتجه (جيحون) إلى اليمين مباشرة و كان هناك خمس حصن مربوطة بوتد من حديد و ثاني واحد كان يأكل من
حشيش و أعشاب الأرض و كانت ورائهم شجرة متوسطة الحجم صفراء أغصانها فوق تلك الخيل و لكنه عالية , يسود تلك الشجرة الظلام .
فأخذ كل واحد منهم فرس و امتطاها , و ألتف (جيحون) تحت تلك النجوم البراقة متجه إلى البوابة التي تؤدي إلى خارج حرم القصر الرائع و هو يتقدم العبدان , و قد كانت البوابة على بعد ليس بقليل منه و كان أمام البوابة التي تؤدي للخارج بوابة القصر المرمري الأحمر , بين البوابة التي تؤدي للخارج و مدرج القصر بلاط رخامي ذو لون بني , فخرج (جيحون) من تلك
البوابة ممتطيا جواده و يتبعه العبدان و من ثم بعد خروجه أنعطف لليسار و سكان المدينة ينظرون له و للعبدين الذين هم ورائه , فأصبح سور حرم القصر على اليسار و بيوت السكان على اليمين , و التي هي ذات لون لؤلؤي كونها مبنية من عصارة اللؤلؤ , بما أن (نور الضياء) المدينة الثانية من البلدان العربية التي تبنى بيوتها و مبانيها من عصارة اللؤلؤ بعد حرقة و تمييعه بدلا من الطين !!
واصل (جيحون) جريه على الفرس بينما يلحقه العبدان و هو يشق طريقه من بين الناس و من الناس من يبتعد عن طريقهم , و قد تعدوا امرأة في الأربعينات من عمرها و هي تشد غلامها نحوها عن طريق الخيل الجارية ..
و بعد فترة من الجري بين سور حرم القصر و بين بيوت السكان البيضاء اللون , وصل (جيحون) إلى زاوية متكونة من جدار حرم القصر و جدار سور المدينة , عليها مصطبة كبيرة طولها يصل إلى أربعة أذرع و هي من الحجر , فنزل (جيحون) من فرسه و كذلك العبدان و هم يلحقانه فصعد على المدرج الذي يؤدي إلى أعلى تلك المصطبة الحجرية التي قد تساقطت عليها أوراق الشجرتين الحمراء و الصفراء التين بأقصى الزاوية و قد كان ينير المكان الشمعدانات المعلقة على جدران الزاوية ...
كانت المصطبة شبه دائرية و قد بدا العبدان بالضرب على الطبلتين على تلك المصطبة بأقوى ما يمكنهم لجمع الناس إليهم , و بعد أن تقدمت إليهم حشود من الناس و هم يتهافتون و يتساءلون فيما بينهم توقف العبدان من الضرب بالطبل , تقدم (جيحون) من بينهما إلى تلك القاعدة العمودية التي تصل إلى نصف جسمه , عليها إناء ذهبي منقوش في بطنه طائر كالبلبل بلون أسود , فأخذ (جيحون) القارورة ذات السائل الأبيض الممزوج بلون ذهبي بشكل غريب و التي قد ربطها بحزامه , ففتحها أمام الحشود التي أمامه و صب ما بها بداخل الإناء الذهبي , فأعطا القارورة الفارقة لأحد العبدان ليدسها عنده , فأخرج الورقة الجلدية التي معه و بدا يصرخ قائلا و تحته الإناء الذي به السائل :
اليوم هو الخملادس و هو الثلاثون من الشهر السادس من سنة 10281 من الأعوام الفيريوسية
نحيطكم علما أيها السادة و السيدات بأن في هذا اليوم قد ولد لصاحب السمو الملك (جانشاه) بن (شهرمان) الكريم و السخي كما يعرف عنه , أميرة قد أطلقوا عليها صاحبي السمو أسم (شيريليزا) , و لذا نعلمكم بأن هناك احتفاء في يوم الغد على مولد الأميرة الجديدة و هذا يوافق أول أيام أحد أهم الأعياد في مدينة نور الضياء ألا و هو عيد "مينرنو اي ميرلو" كما أنه سيستمر الأحتفاء بالأميرة إلى أن تنتهي أيام العيد الخمس , كما أن هنالك هدايا و عطايا وفيرة من الملك السعيد (جانشاه) بن (شهرمان) لكم يا أيها الشعب العزيز في الغد ..
و ندعوكم يا سكان مدينة (نور الضياء) بأن تتجهزوا الليلة بأن تعلقوا الزينة على بيوتكم للاحتفال بمولد الأميرة (شيريليزا) و عيد "مينرنو اي ميرلو"
ثم نضر إلى أخر الجلدة فقال بصوت عال و هو ينضر للناس :
و الحاضر يعلم الغائب
و تمنياتنا لكم يا سكان مدينة (نور الضياء) بتمام الصحة و العافية و قضاء وقت ممتع في العيد و الاحتفال .
توقف (جيحون) هنا عن الكلام ثم مسح الناس بنضرة سريعة و هو يطوي القطعة الجلدية و يدسها في أحد جيوب صدريته , فحول نضره إلى ذلك الإناء المملوء بالسائل فتمتم عليها قائلا : " نمرني ان شو فيرديو "
فأنطلق من الأناء شعلة بيضاء مذهبة بعد أن تكونت من السائل , فنزلت إلى الأسفل تحت أقدام أحد الحشود و الناس ينظرون و لم تبدا على وجههم الدهشة فأختفت تلك الشعلة البيضاء داخل البلاط الحجري , و الناس ينظرون إلى ذلك الموضع
متسائلين : يا ترى أين ذهبت تلك الشعلة الأخبارية ؟؟
و بعد فترة من التساؤل , أنطلق من وسط المدينة في ذلك المكان البعيد عن الزاوية الشعلة البيضاء و قد ألتف الناس ينظرون إليها و هي ترتفع و ترتفع بسماء المدينة و كلما أرتفعت أزداد حجمها و هي تشق الغيوم الخفيفة الداكنة و تنير السماء أكثر , بعد برهة و بعد أن تعالت في تلك السماء عن المدينة
تفجرت بطيور صغيرة بطنها أبيض و ظهرها مذهب فأنتشرت هذه الطيور التي لا تعد من كثر عددها في السماء بشكل عشوائي نازلة إلى المدينة , و الصغار بكل أنحاء المدينة يتهافتون و هم فرحة سعيدين بهذا المنظر و الذي
قد بدا كأنه ألعاب نارية قد فـُجرت عليهم للتو ..
فقد نزلت واحدة مثلا بينما يصدر منها صوت كالدلافين و هي نازلة كباقي الطيور بسكة بعيدة عن الزاوية التي ألقي بها الخبر و هذه السكة بها أناس جالسون و أناس يمشون و محلات مفتوحة و أخرى مغلقة
من بين البيوت , فتعلق الطائر الذي كأنه البلبل بالهواء من بين هؤلاء الناس و تغير شكله إلى كورات نورانية صغيرة متعلقة في الهواء و أنضار الناس تحملق إليها بينما يصدر منها صوت كصوت (جيحون) يقول الخبر الذي قد القي منذ فترة قصيرة بالزاوية الأخبارية , بعد أنتهاء الصوت و إنقطاعه نزلت تلك الكرات النورانية بالأرض مختفية عن الأنظار , بينما
تهافت الناس بفرح و سرور عن الأحتفال من بين تلك البيوت اللؤلؤية اللامعة من القمر المشع و النجوم البهية .
و هذا حال باقي الطيور فمنها من يقول الخبر بسكة ما و منها من يدخل على شرفات البيوت و يفشي الخبر هناك و منها من يدخل المحلات , و هم يطيرون بين السكك و البيوت مصدرين صوتا كصوت الدلافين , و هكذا أنتشر خبر مولد الأميرة الجديدة (شيريليزا) في مدينة (نور الضياء) العظيمة و فرح الناس أشد فرح للملك فهم لا يلامون بذلك فهو من أطيب حكام المدينة و أكرمهم و هو ليس بشرير قاسي القلب , و قد جعل الناس سواسية فهو يحكم بالعدل إذ أنه يعاقب من يتكبر على الفقراء و يعاملهم بقسوة , و هو أيضا لا يحب أن يرد من طلبه مال مثلا و خصوصا إذا كان فقيرا , فكيف لا يحبونه و هو طيب معهم ؟؟ أنهم حقا لا يلامون إذا فرحوا من أجله ..
بعد ما تجهزت البيوت بالزينات و الفرحة تملئ قلوب أغلب السكان , كما تغمر الفرحة قلوب صغارهم و هذا واضح من وجوههم البشوشة الضاحكة و هم ينتظرون الهدايا و العطايا , في اليوم التالي من بعد إشراق شمس (نور الضياء) و عندما أخذت البلابل بالتغريد بأعذب النغم والألحان , و بعد أن رفرفت الطيور المليحة فوق البيوت اللؤلؤية و حول القصر المهيب في ذاك الصباح الدافئ , بدا الناس صباحهم بالمعايدة و التبريكات و زيارة الأقارب و الأصحاب , و أعطاء الهدايا للأطفال و الصغار و ترى مجموعات من الأطفال هنا و هناك بالمدينة يلهون و يتسلون بأنواع الألعاب , و بعد هذا الصباح المفعم بالفرحة و البهجة , أسدلت ستائر الليل من بعد أن تربعت شمس الأصيل بعرشها على مدينة (نور الضياء) فتلئلئت البيوت أثر النجوم البهية و التي أصبحت بكامل جمالها و لا أقلل من حضور القمر الرائع تلك الليلة , و بدا الناس و كأنهم يتحرون أمور لتحدث !!
قال الملك (جانشاه) و هو يعلو عرشه بالقاعة للعبيد بأن يخرجوا و يفتحوا أبواب سور القصر ليدخلوا الناس إلى حديقة القصر الرائعة بكبرها و أتساعها لتضييفهم بـمناسبة العيد و مولد الأميرة (شيريليزا) بينما كانت أمامه أمه جالسة على مقعد من المقاعد الأمامية و هي تتحدث مع (واندي بيل) التي كانت على يمينها و هي ممسكة بعصا خشبية طويلة بيمينها و على يسار الملك تجلس الملكة (باثيلدا) التي أخذت لتوها أبنتها من الجارية التي كانت تحملها بينما يسدل القمر على القاعة أنواره من خلف الزجاج الهائل الذي يتقدمه عند أسفله رأس تلك الشجرة الذهبية بطيورها المميزة , ثم أن العبيد أجابوا بالسمع و الطاعة لمولاهم فأسرعوا متجهين إلى ذلك الباب الأبنوسي الذي كان منذ حين خلفهم , فبعد خروج العبيد الذين لا يقلون عن الخمسة و عشرون نفر تعدوا الأسدين الذهبيين راكضين إلى بوابة السور الحديدية المزخرفة و التي كانت تتوسط شمعدانات كبيرتان على شكل يد إنسان تضيئان ما حولهما , فتحوا العبيد تلك البوابة السوداء ليصرخ أحدهم على السكان قائلا لهم بأنه قد حان لهم بالسماح بالدخول للحديقة , بينما وقف أربعة عبيد بانتظام لتضييف الناس , فذهب باقي العبيد لإعلام الناس الذين لم يستطيعوا سماع هذا الأمر بأنهم باستطاعتهم دخول الحديقة إذا ارادو ذلك , ثم أن السكان حالما سمعوا بذلك شرع من أراد الدخول بالدخول و هم يتمتمون بفرح و سعادة فيما بينهم , و كان الناس متحلين بأحسن حلة لديهم حتى الفقراء لبسوا أحسن ما عندهم و لو بدا عليهم قديم و مخيوط في بعض الأماكن , حملقت عيون السكان على الزينة الملكية المزينة بالجدار و الأشجار الحمراء و رأوا أحواض الورود ذات الرائحة الزكية و من جملة ما رأوا مناضد أبنوسية فاخرة طولية ممدودة على طول السور بينما كانت
هذه المناضد التي عليها أطباق فضية تفوح منها رائحة ما لذ و طاب من الأكل و الشراب مـُرتصة بالقريب من سلسلة أحواض الشجر , و كذلك حملقت عيون الناس على تلك السجاجيد الكثيرة و المتشكلة بأنواع الألوان و التي يتخللها البعض من الحرير , و على كل سجادة أنية فضية مذهبة من جملة ما عليها إبريقين ذوي شكل طولي واحد به قهوة و الأخر به شاي بالزعفران اللذيذ , و في أنية أخرى بجانبها مكسرات و حلو و تمر ذو السمسم , بينما تتوسط هذه الآنية مع سجادتها وسائد متنوعة منقوشة بفن , و يشرف على كل سجادة جارية مليحة تبهج الناظرين , احتلت كل مجموعة سجادة من السجاجيد , جلس الناس يتسمرون و يضحكون , و هم يتسمعون إلى الفرقة الغنائية العازفة بالموسيقى الشرقية , فدخلت رجال و نساء ذوي الألعاب البهلوانية لتمتيع الناس و قد شرعوا بألعابهم المسلية على وسط البلاط الحجري الوسيع الذي يقسم الحديقة و الذي يؤدي لباب قاعة القصر ، و هم يتحرون خروج الملك و الملكة و رفقتهم المعتادة , و بينما يجرون الأطفال الصغار حول الجموع و هم فرحة يتسلون , نفخوا العبيد الأربع بالأبواق أثنان منهم بإقصى يمين سور الشرفة المستديرة و التي هي تتوسط القصر بحجمها الكبير و أثنان أخرين بأقٌصى شمال الشرفة ، فخرج الملك و معه الملكة حاملة أبنتها ذات الشعر الأسود و أمه (بدر العصور) مع العرافة (واندي بيل) مع عمه (جلمود) ذو الوجه المبتسم و أبنه (مروان) كما بدا أن مستشار و ساحر (جلمود) من بين جموع الوزراء و أكابر البلاد الذين وراء الملك ، و بدا الملك يحيي و يبتسم للناس و الجموع الذين تهافتوا له من تحته و هو من خلف سور الشرفة فجلس هو و الملكة مع أمه و (واندي بيل) مع عمه و أبنه بالصفة الأولى من المقاعد و أمامهم منضدة مستطيلة كبيرة عليها مكسرات و حلو وأباريق مع فناجينها و بعد أن جلس الملك جلسوا الوزراء بمقاعد مصطفة خلفه و بدا أن هناك كرسي أخر الصفة الأولى لم يجلس عليه أحد و مقعد أخر بين الملك و (واندي بيل) بدا خاليا بينما كانو كراسي و مقاعد خلف الوزراء الجلوس بدت فارغة أيضا , تهافت الناس و صغارهم محيين الملك و الملكة ذات التاج الذهبي البراق ، و بعد فترة بسيطة من التسامر و من بعد أكل أشهى المكسرات و شرب ألذ الشراب , أتى من خلف الملك صوت مع صوت قرع أرجل يقول : مبارك لك هذه الفتاة يا ملك نور الضياء .
فحيا (جمال الدين) جميع الجلوس فردوا عليه بمثلها بأوجههم المبتسمة .
قال الملك قائما لـ(جمال الدين ) الذي أصبح أمامه معانقا إياه : أهلا بك يا صديقي , بوركت يا ( جمال ).
بدت على أوجههم الأبتسامات , فبادر الملك قائلا : كيف هو حالك يا (جمال) , و لما أطلت الغياب و قطعت بيننا الأخبار؟
قال (جمال الدين) : أنني بخير الحمد لله , و في الحقيقة قد كان عندي عمل كثير يتوجب علي فعله في الوزارة و قد أشغلني أيضا الإجتماع الأخير لوزارتي و الذي يتكلم عن القوانين الجديدة إذ أطلنا الحوار !
قال (جانشاه) الذي ما زال واقفا مبتسما : حسنا , أليس هناك شيء جديد من المدائن الأزيريوسية ؟
لا ليس هناك شيء حتى الأن و الأمور بأحسن حال .
قالها (جانشاه) بينما هو يجلس على الكرسي الفارغ أٌقصى الصفة الأولى من المقاعة .
-أعتقد أني في بدايت الحفل يا صديقي الملك
قالها (جمال) رافعا صوته للملك من ضجة الناس الذين بالأسفل وصوت الغناء .
أجل من حسن حضك .
قالها الملك (جانشاه) لـصديقه (جمال الدين) رافعا صوته هو الأخر
و بعد فترة من النقاش و الحوار و سماع الغناء و أعذب الألحان , أتجه الملك ناحية العجوز (واندي بيل) هامسا له : أعتقد أن الوقت قد حان , لتفعلي ما عليكي .
حسنا سيدي فأنا تحت أمرك
قالتها (واندي) مبتسمة , فأبتسم لها الملك بإبتسامة توحي على الرضا.
فأخذت عصاها الطويلة الخشبية بيدها اليسرى من يدها اليمنى فقربت يدها اليمنى إلى وجهها و تمتمت عليها قائلة : دنارس أ فلينث
فضهر ببطن يدها المجعدة مكان عرش الملك و قمة الشجرة الذهبية فأقتربت الصورة إلى الشجرة الذهبية رويدا .. رويدا إلى أن وضحت تلك الشجرة بيدها و إقترب أكثر من يدها و قالت في تلك الشجرة ذات الطيور الكثيرة التي تتلون من الأصفر إلى البرتقالي و التي هي مذيلة
و عليها ثلاث ريشات على رأسها : هيا .. هيا قمن و أحملن الهدايا و وزعنها على سكان المدينة .. هيا .
و في تلك الأُثناء في قاعة العرش رفرفن الطيور من تلك الشجرة الذهبية و رحن يغردن في تلك القاعة الخالية من غير العبيد و الجواري فطرن مخلفات غبار ذهبي متجهات إلى صحون سعف النخيل المملؤة بالهدايا و الأكياس المخملية المحشوة المسطرة على يمين و على شمال القاعة فعندما أقتربن من تلك السلال تحولن من بعد تكون غبار ذهبي إلى نساء جميلات عليهن حلة من الذهب الأحمر تميزهن عن غيرهن فمشين يتمايلن كأنهن الغزلان و كل واحدة حملت سلة واحدة و أتجهن إلى باب القاعة فتحولن إلى طيور كسابق عهدهن من بعد حملهن لتلك السلال التي تلاشت مع تحولهن , فطرن إلى خارج القصر و الناس الجلوس يحملقون إليهم و إلتفن حول القصر و هن كثيرات العدد غبارهم الذهبي يتساقط منهم بإنسيابية , بينما تعدين زجاج القاعة الخلفي الطويل و هن يلمحن الجواري البشريات و العبيد من خلف الزجاج فأصبحوا موازين لأعلى القصر و هم يواجهون المدينة المشعة بالأنوار تحت تلك النجوم البراقة , فأكملن طريقهم من بعد ما لمحهم الملك و من معه من الجالسين و هن طائرات من فوقه تجاه اليسار منتشرات بالمدينة , فتحولن من بعد هبوطهن على المدينة
رويدا .. رويدا إلى نساء حاملات سلال و هن يوزعن على الأطفال المتهافتين الفرحون أكياس مخملية صغيرة و أخرى كبيرة من السلال.
فأخذ فتى يقول إلى أصدقاءه بعد أن فتح كيسه : أنظروا أنظروا ماذا أخذت .. لقد أخذت حلة جديدة مطرزة .
قالها و هو فرح يضحك , بينما فتاة أخرى تقول للفتيات
أللائي حولها : هيهي , لقد أخذت ثلاث قطع ذهبية و خاتم ذو جوهرة حمراء يا فتيات .
قالت أخرى بعد أن أطلقت زفرة تعبر عن غيضها : يا إلهي , أنني حقا تعيسة الحظ و لا يخرج لي إلا أبخس شيء .
فقد خرج لها مجرد قفازين مطرزين من القطن ..
فسمعتها أحدى النساء اللائي يوزعن الهدايا و هي بالقرب منها فأعطتها كيسين أخرين و هي تبتسم لها , و لكن ياللأسف لم يظهر لتلك الفتاة تعيسة الحظ ما رغبته و هو خاتم ذهبي ذو لؤلؤة سوداء كالذي عند أحد صديقاتها ..
فبعد أنتهاء عمل الجاريات من توزيع الهدايا تحولن إلى طيور ذهبية مذيلة جميلة مخلفين خلفهم غبار سحري و الأطفال سعداء يصفقون لهذا المنظر المبهر , فرجعن إلى القصر على تلك الشجرة الذهبي ..
و بعد أن لمحهم الملك و بعد أن عرف أنهم أنتهو قال الملك و الموسيقى تملاء المكان للعبد (فرهاد) بأن ينزل للقاعة و يأمر الجواري البشريات بحمل باقي الهدايا و توزيعها على الحضور الذين لم يأخذوا أي هدية بعد ، سمع (فرهاد) كلام الملك و فعل ما أمر به , بعد برهة من الزمان لمح الملك الجواري اللائي يحملن السلال و هن خارجات
من القاعة من تحته و قد شرعن بالتوزيع .
و لفت أنتباه الملك من الألعاب البهلوانية التي كانت أمامه رجل و امرأة , الرجل ينفخ فيخرج من فمه جسم تنين بلا أجنحة و له يدين فقط في المقدمة و المرأة تنفخ فيخرج من فمها جسم طائر عنقاء , فأمرت المرأة العنقاء بالطيران بالتنين إلى فوق فأخرج الرجل من جيبه شيء و جعله على شكل دائرة على ذلك الطريق الحجري فأشتعلت بالنيران بعد أن تمتمت عليها المرأة بكلمات غير مسموعة , فأوقع الطائر التنين على الحلقة النارية بعلو تسعون ذراع , فأرتطم التنين بالأرض محدثا صوتا مدويا و لكن لم يتأُثر أي شيء خارج الحلقة و كأن شيئا لم يكن فصاح صيحة رعب و ألم ..
و الناس خائفون منه و بنفس الوقت منشدون للتنين و لما حدث له , فلما دققوا النظر إلى داخل الحلقة لم يروا شيئا فتهامسوا فيما بينهم إلى أين ذهب يا ترى ؟ و كذلك الملك مثل حالهم و هو من على الشرفة !
ثم أتت سحابة سوداء فوقهم فجأة و خرج منه تنين أحمر طائر و قد أخرج صوتا مروعا و هو يزئر , و ما زال يزئر حتى أرعب الناس إلى النخاع إلى درجة أخافت المدربة التي قالت أن لونه الأخضر تحول إلى اللون الأحمر و هذا يعني أننا فقدنا سيطرة عليه , فقمن النساء بالصراخ من الخوف ، و فجأة و بلا سابق إنذار نزل عليهم بينما طار طائر العنقاء في الأفق بعد صيحاته الوجلة ، و أقترب التنين من الناس أكثر و هو يزئر و يصرخ
بينما دب بقلب الملك الرعب خوفا على نفسه و مدينته من هذا الوحش و إلتفت إلى (واندي) التي لا زالت تنظر إلى ذلك الوحش و هي لم تتحرك من مكانها و لا يبدو أنها خائفة أصلا منه ! , أتى الملك (جانشاه) صيحة من الملكة (باثيلدا) : ما الذي نرأه يا (جانشاه) هل هذا علم أم حلم ؟
قال : لا , بل علم .
وقد بدت أن تغرورق عيون الملكة لولا أن التنين تفجر ليتحول إلى عصافير مغردة لطيفة في السماء