كاتب الموضوع :
بركاى
المنتدى :
القصص المكتمله
12
قال لي شيخي :
نحن أنقذناك من الزعيم بعد أيام أذهب إلى الشيخ ايميري ، هو سيريك ما تحتاجه .
الشيخ ايميري كان قد جرح نفسه بعنف غريب ، قلبه كان صغيراً رغم سنوات المائة ، لم أره إلا مرات قليلة أثناء دروسه عن الصمت و الانفصال ، الصمت شعاره الحقيقي . الصمت الأشبه بالموت ، الدراسات العميقة عن قدرة تصفية الذهن من المشاعر الكريهة الصعود بها بهدوء إلى ملكوت الرحمن ، تصورات صغيرة عن الأرض الأولى ، كنت الأول في فصله ، نجلس من الرابعة فجراً حتى الثامنة ليلاً مرتين في الشهر ، شرائعنا الجديدة تبيح فكرة الحرية الكاملة ، بقية الطلبة لم يكونوا مهتمين إلا برسومات الجديدة ، أنا الوحيد الذي نبغ في دراسة الانفصال ، قال لي شيخي :
طوال تاريخ الشيوخ ، عشرة نبغوا في هذا الفن ، أنت الرقم الحادي عشر .
نظرت إليه بصمت مندهشاً ، كان يرسم على الرمال علامات صغيرة و غير مفهومة ، حركاته العصبية أثناء الرسم تجعلني أستغرب هذا العنف ، لم ؟ شيخي ، نظرت إلى ما يرسم ، خطوط متشابكة ، و كأنها خرائط لعالم قديم ، درسنا خرائط عن تحركات الروح في أزمنة القديمة و مدى قدرتها على تفسير عدة ظواهر غير مفهومة مثل القدر , قلت :
الحادي عشر خلال مئة سنة .
نعم ، أتعرف ؟
ماذا يا شيخي ؟
ثمة أثر صغير ، لا يتغير في طبيعة البشر ، أثر صغير أنت تعرفه جيداً .
شيخي ، ما هو ؟
إنه الروح ، روح التاريخ ، دائما معنا . لا تنسى أن تبحث عن الأرشيف القديم .خذ هذه الورقة قدمها لي أحد الذين مروا من هنا منذ خمسين عاماً ، قال لي بأن قصة الأرشيف صحيحة فعلاً خذ أنظر لهذه الورقة .
كانت ورقة صفراء قديمة ، أخذتها كانت ناعمة فخفت تفتتها مددتها أمام عيني و بدأت أقرأ ما جاء فيها :
الفقرة العاشرة من الكتاب الثالث ، جاءت في الصفحة " 531 " لتعلن :
(( إن طبقة الكتبة مدعومة من الشيوخ . الكاتب الذي يعرف الكثير سيتحرر ، الشيوخ يضعون الحقائق دون أن يعرفوا الحقائق ، زعماء يرسمون الطريق ، الكتبة يعرفون الطريق و خطط الشيوخ و يصلون إلى مخادع الزعماء ، الطموح يعمي الفكر الحر ، شخص من الكتبة ، لكي يكون زعيماً ، عليه أن يكتشف جسده أولاً ، بعيداً عن سلطة الروح ، أعتقد بأن معضلة أجدادي كان الشيوخ ، و لكن معضلة من بعدي يكمن في الكتبة الشبان ، الشيوخ أرواح منهكة .ضربة النهاية تأتي من الكتبة )) .
كان كلاماً حقيقياً ، شعرت بالقوة من الداخل .
شيخي ؟
إنها النبوءة يا بني ، أنت تعرف معنى ما كتب هنا .
ماذا ؟
أنت يا " ألي " ، أنت زعيم العالم الجديد .
قمت من مكاني ، الظل و الضوء في عيني ، شعرت بجسدي ، كانت كلمة مرعبة ، و لكنها أرعشت فؤادي ، ماذا قلت يا شيخي ؟
لست مضطراً لأن تشعر حيالي بالاحترام ، أنت لم تطعني طوال حياتك ، كنت دوماً مختلفاً ، حرمتك عن اللعب بفكرة الجسد و لكن قمت بما منعتك عنه ، أنت يا ألي ، زعيمنا القادم ، أنت يا من عشت وسط الزعماء ، لابد بأنك تعرف هذا في نفسك . ثمة أثر صغير لا يتغير يا بني ، أنت من سلالة الزعماء ، روحك الطامحة ، شعورك الذي لا يمت لأحد بصلة ، أنت عكس زعيمنا الشاب الذي قتل على يدي المخلوق القديم ، كان أنت من عليه توجد في ذلك العصر .
شيخي . قلت و أنا أنظر في وجه الظل و الضوء ، كنت أحسب قوتي و عقلي ينمو بسرعة رهيبة ، أشياء لم يكن شيخي يلاحظها قط .
إنها خطة جديدة للمخلوق القديم ، كتابة ذلك الشاب للكتاب لم يكن مجرد تنبؤ ، بل حقيقة محسوبة ، ألم تقل بأنك تحلم بالقتل ، بالموتى من كل الطبقات ، أنت زعيمنا الجديد .
ماذا ؟
المخلوق القديم رسم خطته بهدوء ، مقابلاته معك تمت عن طريق الأحلام ، نحن طورنا فكرة الانفصال لحماية زعيمنا ، فقط لكي لا يتصل بذلك المخلوق ، الانفصال خطة دفاعية فكرية لم تقدم لنا الكثير ، استطعنا قتل عشرة من الكتبة و لكننا لم ننجح في قتلك ، نجحت يا ألي ، أنت الزعيم الوارد ذكره في الأرشيف المختوم ، أنت لن تموت إلا وحيداً . خطتنا في قتل الجميع بدأت الآن أنت رأيت الشيوخ يموتون بيدي ، و الآن الكتبة قتلوا كل النساء و الأطفال ، و ربما فجروا أنفسهم في هذه اللحظات ، القلعة الطينية دمرت تماماً .
القلعة الطينية ؟
نعم مكان وجود النسخة الوحيدة من الأرشيف . نحن لا نعرف مكانه بضبط و لكننا نعرف بأنه في ذلك المبنى القديم أنت من دونه لا تساوي إلا ما أنت عليه ، ستكون محكوماً بالمشاعر مثلنا ،
كنت أنظر إليه مذهولا : شيخي . أنا ؟ شعرت بالأرض تدور أسفل قدمي ، نظرت بعيداً رأيت السحابة السوداء ، نظرت إلى الشيخ ، الضوء و الظل :
لم ؟ لماذا ؟
إنه قدرك يا بني . لا أحد يغلب قدره ، حتى الزعماء .
13
كل شيء ميت ، الدنيا كالحلم ، كنت وحيداً و أنا أرى الدخان الأسود ينتشر عبر الأفق ، قلت في نفسي : على أن أواصل البحث ، الأرشيف ، فتاتي . سرت ، كانت ليلة حنونة ، بكيت عدة مرات وحيداً و قلت في نفسي : على البحث عن الحقيقة ، اللعنة على الشيوخ ، اللعنة على الشيوخ ، إنهم لا يفهمون . على أن أواصل البحث ، أنا لست قاتلاً . . على مواصلة البحث : فتاتي و الأرشيف . لا يجب أن أتوقف ، إنه قدري . كل شيء ميت ، الدنيا كالحلم ، كنت وحيداً و أنا أرى الدخان الأسود ينتشر عبر الأفق .
القسم الثاني :
الطريق إلى الزعامة .
14
رؤيتي جديدة : التكون . الطريق طويلة و مظلمة ، سيرنا كان منهكاً و غير واثق . شرعنا في الانقسام ، الكتبة و الشيوخ أنهوا عملهم على أسوء ما يكون ، سيرتي بدأت تعرف ببطء ، من مناطق قريبة هبطت عوالم لم تكن تظهر نفسها على الملأ . مدوا أسلحتهم في وجهي و قال شيخهم : " نحن معك ، كتاباتنا تتحدث عن قدراتك " لم أكن أعلم قدراتي ، كنت قد رأيت شيخي الأكبر يموت أمامي ، سألته بحزن عن كلامه الغريب و لكنني لم أكن أجد شيئاً عن قدراتي ، العالم المحيط بي يبدو لي مزعجاً ، كنت في السابق أبحث عن متعة الجسد ، الآن أفكاري تبحث عن شيء أخر ، أفكاري تبحث بجنون عن إجابة مقنعة ، عما يوجد في الأرشيف . جسدي لم يعد يحلم بالرقص ، البهجة بل يحلم بحرارة رؤية فتاة ضاعت بين أروقة زمن لعين . منذ متى أنا ضائع ؟ ست سنين ، مئة . لأجل من ، و كيف حدث الأمر ؟ هل أنا زعيم ، لم لست مثل الزعماء الآخرين ؟ . مجموعتي أصبحت قرابة العشرين رجلاً ، إنهم أشبه بالخدم ، بعض من الكتبة الذين هربوا من نظام الشيوخ حاولوا الالتحاق بي ، إنهم لا يرون أنفسهم ضد أفكار الزعامة إذا ما غدت الزعامة نفسها ضمن الكتبة ، خططي لم تتغير بعد معرفتي بالحقيقة ، وجدتني أتساءل : هل سأدمر الزعامة ؟ أم أصلحها ؟ سؤالي الأول الآن : أين تكمن المشكلة في الزعامة أم في أفكار الزعماء ؟ رفاقي قالوا بوضوح :
كنا دائماً نعلم بأن الزعيم شخص مدمر ؟
كنتم تعرفون ؟
نعم .
و لكنكم سكتم و عاونتموه .
لم أرى في ذاتي المخلص الحقيقي لهذا الزمن ، الرقص يشعلني من عدة نواحي و لكنه يضعفني ، يمنحني شعوراً بالوحدة ، و أنا لست بحاجة لهكذا شعور أية لحظة أخرى ، سأضطر للقتل ، سأضطر للقتل ، الكتبة لا يعرفون من يعاونون ، لست مثل كل الكتبة ، لست من الكتبة على الاطلاق ، أنا عدو الجميع ، المدمر الأخير لأرواح الأحياء .
مملكتي : أنا أنهار ، لن أكون وحيداً ، لن أهزم بهذا السخف ، بفعل شيوخ لعناء من رعيتي ، لن أموت . لم يمت قط زعيم قتلا من قبل شعبه ، لن أكون الأول . سأدمر كل شيء . سأفعل ما يرضي زعيمي الأبدي " زعيمي ، سيدي : أنا هنا على أعتاب مملكتك ، أنا ابنك الأرضي ، زعيمي ، زعيمي ، لست لوحدي ، أتيتك بعدونا معاً ، عدونا من صلبنا ، أتذكر يا زعيمي حديثك القديم ، أتذكر طلبك القديم ، النبوءة اللعينة تحققت ، أنت أخبرتني بأني لن أموت كما يتوقع الجميع ، أنت قلت باني رجل حقيقي و أنت القديم بكل بهائك المشتعل ستمدني بالعون ، جعلتني أقوى الرجال ، و لكنك . اللعين ، أحد خدمي يقال بأنه من سلالة الزعماء ، سخف يا مولاي " لن أموت ، لن أنهار . سأقف مجددا ، يا الهي كيف دمروني بهذه السرعة ، شيوخي اللقطاء ، سلاحي يصيبني . مملكتي لن تهدم على أيدي شيوخ لقطاء .
تائه :صفحة ، جزء من صفحة ظللت أقرؤه منذ أن وجدته ، بعض الكلمات اختفت و لكني أحفظ النص عن ظهر قلب . أحفظ كل تعاليم الشيوخ ، أردد أحلامي و أنظر إلى السماء ، أنا لا أطلب العون ، في داخلي أعرف مدى قذارة المهمة التي أنا بصدد تأديتها . جزء من الصفحة كل ما أملك ، على أن أضع خطط بحث حقيقية ، الجبل ، لم يعد هدفي . بحثت هناك لسنوات ، نحلت أكثر ، و بدأت اشعر بظهري ينوء من الحمل ، كل صباح نخرج قبل شروق الشمس و نبدأ في الحفر ، جبلين من الأربعة غدتا هباء ، نحن الآن نهد الجبل الثالث ، أرشف الزعماء لا يمكن أن يكون هنا ، فكرت في مدن الشمال و لكني سمعت مرة من شيخي عن أساطير الجنوب ، أحلام رجال كثر ماتوا و هم في سبيل البحث عن ذلك الأرشيف . رجالي منهكون ، إنهم يموتون على الدوام بالأمس دفنا خمساً ، أنا لا أجبرهم على العمل ، ففي تلك الأعين اليائسة طموح غريب فيما يخصني ، إنهم منهكون منذ أمد بعيد ، فأنا نهاية آمالهم الطافحة ، أتذكر قول شيخي ايميري : أنت نهايتنا ، النهاية الحقيقية الأخيرة . و لكنهم هم ، هم من قتل الأطفال و النساء ، و لست أنا . أنا أبني عالمي الجديد . موت خمسة من الرجال في يوم واحد ، أمر محزن . كانوا ينطقون بالكاد ، ثمة أمر غريب فيهم ، أنظر إليهم يموتون ، يدمعون ، يشعرون بالقهر ، صامتين ، أنا أبني عالمي ، و لكنهم يموتون ، لا أشعر حيالهم سوى بالسطوة ، لم أحرمهم من الابتعاد عني ، دائماً ما أخبرتهم بعدم جدوى ما نفعله . العالم الجديد شيء و حياتهم هم أمر أخر .لست زعيماً ، أنا لا أبالي بهم ، مهمتي صغيرة و محددة ، القضاء على قصر الزعيم , و هذا الأخير دمر تماماً ، لا أعرف لم أنا موجود الآن ؟ "ضربة النهاية تأتي من الكتبة " ضربة النهاية أتت من الشيوخ . كيف أصدق إذن ذلك الأرشيف ؟
حدائق مخلوق بعمر الجميع : ممر طويل ، روائح ناعمة و حقيقية ، منذ عشر سنين لم أرى الأزهار سوى في حديقتي الخلفية ، سرت ببطء ، كنت أحفظ كل شيء ، و كأني أرى الأمور لأول مرة ، حاولت أن أوقف اندفاعي ، حب البهجة كان أكبر مني ، نفسي استعادت الجمال ، موسيقى بإيقاع واحد ، قلبي حي الآن ، قلبي حي ، الممر من العشب الأحمر ،العشب الأخضر على مد البصر ، تعلمنا في صغرنا بأن هذين اللونين لا يختلفان كثيراً ، أفكار تنمو موازية مثل هذين اللونين ، المخلوق القديم بنفسه شرح لي ميزة الأحمر و الأخضر ، رؤية غريبة لأبناء الزعماء . مخلوقات صغيرة هادئة ، و أمامي ظهرت فتاة في الثامنة عشرة رائعة و بديعة ، كانت بملابس شفافة كما أحب تماماً ، تسير و كأنها ترقص ، جسدها الفتي ملكي وقفت أمامي و قالت : سيدي ، أنا خادمتك . أمسكتها من عنقها ، مالت ناحيتي ، فتاة سلافية في قوام بديع ، شعرها الأشقر بدرجة مستحيلة ، في عينيها شيء من الضياع ، لا شك بأنها شربت لكي تلاقيني . السلافيات يكن عظيمات في سن الثامنة عشر حين يكن ثملات قليلاً ، قلت لها : سيدك يريد أن يستحم . ، قبلتني و قادتني إلى بحيرة قريبة ، نزعت ثيابي و دخلت في المياه . لساعتين استحممت ثم خرجت ، عادت نضارتي القديمة ، رأيت نفسي في المرأة ، لبست ثيابا رائعة . و أصبحت مستعداً لمقابلة زعيمي : المخلوق القديم
المطر الأسود : أنا عدو الجميع . ما لا أفهمه هو إنني أرغب في القضاء على الزعامة ، و عندما أظن بأني في الخطوة الصحيحة أجدني أدمر ذاتي ، الذات اللعينة ، هل كنت أحمل أثراً في صدري ؟ أي أثر هذا الذي يجري في دمائي ، أحلامي ، شهوتي التي أعمتني حتى كدت أقتل فتاتي الصغيرة ، كدت أذبحها كما ذبحت السلافية الصغيرة . كم أشعر بالعار و أنا أرى إلى رجالي يموتون مثل الذباب ، إنهم يتساقطون أثناء الحفر أجسادهم لا تحتمل ، و لكني أنا لا اشعر بذلك النوع من التعب ، أعمل لساعات طويلة ، من الصباح حتى الصباح التالي دون أن أشعر بقطرة عرق على جبهتي . هل هي تعاليم الانفصال ؟ أم قدرة الشيوخ على الاحتمال ، فكرت منذ أيام أن أقدم على خطوة جريئة ، سأعلم الجميع أسلوب الانفصال ، سأخسر سنوات أخرى و لكن لا مشكلة ، أنا لا أعرف هدفي بعد ، سنواتي تمر بلا هدف ، تعليم الشعب أسلوب الانفصال يمنحهم قدرة المقاومة ، الاحتمال و الصبر ، كلمات صغيرة بتفاسير قذرة . الانفصال و معرفة أساليب الزعماء القتالية سيمنح شعبي نوعاً من القوة . قبل أيام قررت أن أبدأ ، هيئنا الساحة و بسطنها لكي تناسب التمارين القاسية ، أول فوج دخل الساحة ، كانوا يشعرون بالفخر ، قدمت لهم الدروس بتكثيف بديع ، كنت قد قدرت تلك الأساليب في ليلتين ، قدرت إمكانيات شعبي و روح القتالية لديهم ، جزء كبير من العنف كان يجثم في أرواحهم ، ذلك العنف الأعمى يحتاج إلى جزء يسير من البصيرة ، منحت دروسي بصيرة قصيرة جعلتهم يتقنون الجزء الأول من التمارين ، الجزء الذي يمنحهم السرعة و القدرة على التحرك الموازي للضوء في محيطهم . كانوا منتبهين تماماً : الانفصال ، نظام حركة و التذكر ، نحن بحاجة لأمرين " التفكير و الفعل " التفكير عبر سنوات العمر بشكل أنيق و دقيق و مواصلة البحث عن المحرك الخفي لمشاعرنا الداخلية – كان المحرك لديهم هو الغضب ، غضب رهيب فعل كل خلاياهم الدماغية الخلفية ، صاروا مدركين تماماً هدفهم – إنهم جزء قديم من آلة قتل فعالة . أردت أن أشرح لهم في اليوم ما قدرات التحكم بتلك القوة التي حازوا عليها ، لم يكونوا قد جربوا بعد قوتهم الجديدة . أثناء تعلم و التجريب حدثت الكارثة ، الغيوم الكثيفة تجمعت فوق منطقتنا ، كنا في قلب الصحراء المنبسطة ، تجمعت بهدوء ، تحركت الرياح بلطف ، جلسنا و أخذ الشباب بالبكاء ، منذ سنين لم تتحرك نسمات باردة بهذا الشكل ، هيج المشاعر و تذكر الجميع الحدائق و رائحة المياه المفتوحة ، كانوا يبكون ، فيما وقفت في العراء أنظر إليهم ، دموعي لم تنزل أبداً منذ فقدت فتاتي ، لم اشعر بالبهجة قط ، بهجتي ماتت منذ سنين ، ربما كانوا قد فقدوا بهجتهم أيضاً ، إنهم سعداء ، هكذا فكرت في نفسي و رأيت في الأعلى البروق و سمعت الرعود ، تمنوا الكثير في اللحظة التي بدأت تمطر فيها ، الظلمة الكثيفة لم تمنعنا من أن نرى المطر ، و نعرف بأنه مطر أسود ، سقط على جلود رفاقي ، كانوا ثلاثمائة شاب ، أحرقوا بالمطر الأسود كلهم ، لم أنجح في التحرك ، لم افهم ما يمكنني أن أفعله ، وقفت هناك بلا حول و لا قوة . رأيتهم يتألمون و يحترقون . كان أمراً مريعاً .
****
جيوشي ، حرسي ، وصيفاتي : كان على أن أفهم حقيقتي الجديدة ، الرسائل التي تلقيتها من المخلوق القديم واضحة تماماً : أنت ستجمع جيوشاً جديدة ، حرساً جديداً . تحرك كل مواهبك لإعادة النظام إلى البلاد ، منحني قدرات أخرى كثيرة ، صار بوسعي أن أحرك بعض العناصر ، الكثير من العناصر القتالية . الشيوخ ماتوا ، الكاتب لم يعد له وجود ، قبل سنوات تمت عملية حرقه ، إني أضحك على الشائعات التي صدقتها في الأيام الأخيرة قبل المعركة الكبيرة ، من أنه الزعيم الجديد ، زعيم جديد و أنا حي ، ما كان على أن اصدق ذلك الهراء . ليتني حافظت على وصيفتي سيلينا ، ما كان على أن أمنحها لذلك الكاتب اللعين ، سلينا ليست سلافية و لكنها تحمل روحاً غريبة ، قلبها الضعيف و رقصها الجامح ، ليتني لم أقدمها لذلك الدعي ، اللعين كان على قتله بدل منحه هدية عظيمة كسيلينا . كنت جالساً على أريكتي و أنا أختار وصيفاتي الجدد ، هذه المرة كن من كل الأعراق : سلافيات فارعات و آريات رشيقات بشعور مظلمة كليلة شتوية و أنجلو سكسونيات مرحات يسرن عاريات بنهودهن الرجراجة الصافية و الأثيوبيات ذوات البشرة الخمرية الأنيقة ، بعضهن ببشرة عسلية شهية ، لم أعتقد بأن فتيات من عالم غير سلافي بوسعهن تحريك شهوتي العميقة . كان العالم أمامي . و جيوشي متحضرة حرسي القوي مثل ليلة مظلم ينتظر تعاليمي ، أنا الآن قوي ، لطالما كنت قوياً و لكني الآن قوي بكل الأعراق .
طريق النيران : لم تكن كل القصص صحيحة إذن . الشيوخ كانوا يرونني عدوهم ، كانوا يتعاملون معي كعدو ، هم يقولون بأن السياسة ليست من قضايا الدين ، في دروسهم كانوا يتحدثون عن عدو الديانات القديمة ، عدو الأنبياء و المصلحين العظام . السياسي . كانوا يكذبون ، ليست سوى عدو لهم ، أنا الذي كنت أعد خططي للقضاء على السياسة ، على نظام الزعامات . كل حياتي كانت وفق هدفي ، كل أفكاري طموحاتي الكبيرة و الصغيرة ، اختصرت كل آمالي لهذا الأمر ، القضاء على الزعيم و تتبع أثر الأرشيف . جعلوني هدفهم : هل أنا هو السياسي الأخير الذي أرادوا هدمه و إنهاء الملكية العريقة للأسر الزعماء الأربعة . ما الذي أرادوه مني ، من أين أتيت ؟ من أنا ؟ لن أفكر في هذا الآن ، على أن أضع نقطة في نهاية تفكيري ، أنا هنا لأجل إيجاد الأرشيف ، لفهم ما فيه . لست سوى عدو للكل ، إن أرادوا عدواً ، فأنا هنا . كنت قد قرأت قصة عن شخصية تحاول التحرر من ذاتها ، تحاول صنع واقعها التي حلمت به ذات ليلة ، كان الواقع أصعب من الحلم ، الشخصية قتلت كل من حولها و في نهاية وضعت فوهة المسدس و انتحرت . غاصوا جميعاً في عالم الحلم . أنا مثلها تماماً ، تلك الشخصية البسيطة و الرومانسية ، سأدمر الكل . هم صنعوا من عدواً ، سأدمر الزعماء و الآخرين ، إنهم سواء . فوق الجبل تركت جثة شيخي ، كان يعاني ألماً رهيباً شيخي رجل حكيم رغم أخطائه ، أكنه له الاحترام ، قتل نفسه فوق الجبل ، الجبل الذي درت حوله لسنتين ، دون أن أمس الجثة ، حفرته بدأب ، الطيور ، النسور و الودان ، كل المخلوقات كانت تنظر إلى بتوحش ، كنت الرجل المدمر لأول مرة ، مشاعري توقفت تماماً ، العالم لم يعد مكاناً للحياة ، كنت اختصرت كل التفاهات في هدف واحد ، لم أعرق حتى الشهر الثالث ، كنت بكامل قوتي ، أحفر بيدي ، بأصابعي ، كنت في قمة قوتي ، أطحن الصخور كوحش حقيقي ، بأصابعي شققت الجبل ، حتى سقطت عظام شيخي على رأسي . دفنته تحت الجبل . و لكن لم يعد ثمة أي جبل . بعيداً عبر الأفق الوردي ، كنت أرى ما يثيرني ، الشمس الواهنة ، الصافية تغرب بهدوء ، أقف كل غروب ، أحدق في نهايتي لذلك اليوم ، لم أكن تعباً ، رغم جمال الغروب و الوحدة ، لم أكن أدع دمعة واحدة تفلت من حدقتي ، كنت أنا عدو الجميع . الجميع بلا أحد .
شهادة صغيرة : أنت تركض ، دع الخوف ، فأنت تركض . الموسيقى ، الخوف ، كم أشعر حيالك بالحزن ، كم أنت محزن . أنظر إليك ، أنظر إلى المرأة ، أنت محزن . بائس . كانت الورود الصغيرة جافة قدمها باهتمام ، مع مزهرية مملوءة بالماء الأحمر " ما هذا ؟ " ماء أحمر . " إنه يشبه الدم " أنت تعرفين إنه ليس دماً ، الدم لزج و يتخثر ، هذا ماء أحمر ، ظننت بأني أضفي على الورود نوعاً من السحر ، أقصد الشعر . " شعر ؟ " نعم شعر ، ألا تحبين الشعر ، أنت تحبينه . لا تقولي غير ذلك ، الشعر روعة مثل الرقص ، أنت تحبين الرقص أليس كذلك ؟ جسدك البارع ينم عن ليونة رهيبة ، أنت راقصة . " نعم ، راقصة و لكني أحب الشعر أيضاً " لا يهم ، المهم بأنك تحبين الرقص ، إنه شعر أيضاً لطالما أحببت الراقصات ، العروض التي تقام في ليالي الصيف ، يا إلهي كنت مرة في بيروت ، كانت ثمة راقصة مذهلة أتت من الجنوب ، بشرتها عسلية مثلكِ ، كانت روعة مبهجة ، في تلك الليلة رأينا أجمل عرض رقص في حياتنا ، أعني أنا و بعض رفاقي . " رفاق ؟ " نعم رفاقي ، كنا خمسة سعينا لإنشاء مجموعة جديدة لعالم الأفلام ، كنا نريد أن نصور أفلاماً عن الرقص . و لكن بما أنك راقصة فأنت تعرفين الكثير ، دمرت مهنتنا ، بموت الملوك يموت الفن . أتعرفين ثمة من يقول بأن المخلوق القديم نفسه وضع تلك اللمسة لكي يغوي العقل ، صنع أمراً يوازي صنعة التي كرهها ، الفن . الرقص آتانا مباشرة من أفكار المخلوق القديم نفسه . و لكن لا تكوني خائفة ، يا إلهي ، الخوف ، نحن نركض منذ الأمد ، أنا كنت أمتهن الركض ، الخوف ، قتلوا كل رفاقي ، ميتة شنيعة ، أنت لم تريهم ، كانوا يصرخون بشكل مريع ، رفاقي من الكتبة ، إنهم من الكتبة ، أنت تعرفين لم يعد ثمة كتبة . " حقاً ؟ ، ماذا تعني ؟ " قتلوا كلهم ، الكتبة ماتوا بشكل فظيع ، عجوز صارم أمرني أن أصور مقتلهم ، لقاء تركي أعيش ، أنزلوا عليهم أفظع ميتة ، أفظع ميتة شهدتها في حياتي . المخلوق القديم جعل من الشيوخ مصابين بلوثة . " الشيوخ ، قلت الشيوخ ، ماذا تعرف عنهم؟ " يا إلهي أنت تحبين أن تعرفي ، لا ، أنا لا أحب الحديث ، قولي من أنت ؟ " أنا أدعى سيلينا ، راقصة من القصر ؟ " ماذا ؟ القصر ، القصر . " لا تخف أرجوك لا تخف ، أنا لن أوذيك ، زوجي من الكتبة أرجوك احكي لي ، احكي لي ماذا حدث لزوجي " حسناً ، حسناً أنت زوجة كاتب ، سأحكي لك ، أنت زوجة كاتب ، إذن فلابد بأنك خائنة . لن أخاف منك أنت لا تخشين الملك ، و إلا ماذا تفعل وصيفة من القصر في الصحراء ، كنت مثل المجنونة . احمدي الرب لأنك وجدت و ليس جاري اللعين . كنت الآن عارية في فراشه . أنت تشبعين ... " أرجوك أخبرني " حسنا ، حسنا . كنت مع رفاقي ، رفاقي من الكتبة ، شباب مثل النار ، يعشقون حب القهوة ، كنا نحتسي أكواب الكبيرة من القهوة المحلاة بالعسل ، كنا نجرب كل شيء ، لسنا مجانين ، كنا نحب أن نجرب المشروبات ، مرة شربنا ثلاثة دنان كاملة من النبيذ ، جلبها أحدهم من التشاد ، نبيذ من العنب الجيد ، كنا نجرب المشروبات جميعاً ، نحن لسنا مجرد هواة ، لا أحيانا نكون محترفين في كل شيء و لكن حبنا الأعظم هو التصوير ، تصوير الأفلام القصيرة و شرب لقهوة . الشيوخ منعوا القهوة ، لأن تجمعاتنا تسبب بمشاكل في الأحياء ، كنا مؤتمراً منحلا من شاربي القهوة بكل أنواعها , أمر دفع الشيوخ لمنعنا ، في تلك الليلة كنا جالسين نشرب كالعادة ، أحياناً نقف و أحياناً نجلس ، كنا نخشى سطوة الشيوخ ، أردنا أن نحتال عليهم و لكنهم كانوا أكثر فطنة ، ظهروا هكذا بلا صوت ، كالقدر المستعجل ، أحاطوا بنا ، و أخرجني الشيخ ايميري بنفسه قال لي بصوته المرعب : أنت لست كاتباً ماذا تفعل هنا ؟ لم أرد ، وضع سلاحه على رأسي و أمرني أن أصور ما سيجري بدقة و إلا فإني لاحق بالجميع . رفعت كاميرتي ، آلة تصوير صغيرة و جيدة و بدؤوا بأصدقائي ، مئات الكتبة جمعوا في الساحة الكبيرة ، كان مشهداً عظيماً و مروعاً ، بدؤوا بالقتل ، يا إلهي لولا السلاح الذي في وجهي لكنت مت من الرعب . صورت كل شيء ،وجوههم ، و أعينهم و جروحهم ، كانوا يتحدثون عن الدرجة السابعة و ألم الأنبياء ، يا إلهي هؤلاء الشيوخ مجانين ، عذبوا الشباب أفظع تعذيب ، هتلر لن يفعل مثل هذا الأمر . " أرجوك ، أرجوك دع عنك كل هذا ، أتعرف – ألي – أتعرفه ؟ " أجل أعرفه جيداً الكل يعرفه ، إنه أمل الجميع ، أقصد هذا ما كان رفاقي يقولونه ، أنا لا أعرف . أمل من ؟ و لكنه أمل على كل حال ، أمل ربما لأنه لم يكن هناك ، أمل ربما لأنه يحب الرقص أيضاً أمل لأنه يقابل الزعيم ، ربما ..... يا إلهي قلت بأن زوجك من الكتبة ، هل أنت زوجة " ألي " زوجة الأمل ، أعني .... يا إلهي : أنت الوصيفة سيلينا الراقصة العظيمة . سيلينا . أوه ، سيلينا .
بهجتي : أنا على سريري ، أسفل قدمي فتاتين أثيوبيتين ، مظفرات الشعر بطريقة رائعة ، شعرهن هش و طويل ، كلمسات حريرية تلامس وجهي . عصفوري الصغير لم يطلق صوتاً منذ الصباح ، قمت من مكاني و سرت على سجادي الناعم ، بسنوات افتقدته ، حمامي كان مضاء بالشموع ، نوافذي في السقف ، زجاج ثقيل معتم ، أحياناً أثناء الأمطار في السابق أجلس على المقعد لكي أتمتع بتساقط المطر من الحمام . استحممت بهدوء ، غسلت كل أطرافي ، المياه الباردة المنعشة . لبست الروب القطني . و عدت إلى غرفتي ، الفتيات جهزن الإفطار ، جلست و أنا أستمع إلى أغنية بلا موسيقى ، هادئة و تتحدث عن الألم الداخلي عندما يكون المرء محطماً و بلا أمل بعد . عند العاشرة خرجت إلى قادة جيشي الجديد ، كانوا أكثر شباباً مني و من قادتي القدماء ، أنا في الأربعين الآن ، و لكن من يراني يظن بأني في الثالثة و العشرين ، قادتي الصغار أكثر كبراً مني ، سألت أحدهم عن تحضيراته ، تكلم عن تمكن من أسر الكثير من المتمردين ، كنت أعرف أشياء قليلة من هؤلاء القتلة ، لم أكن سعيداً في السابق ، و لكني الآن أشعر بسعادة بالغة ، لا أريد أن أنقل لأحد مدى رغبتي في التدمير ، رغبتي العميقة بالشعور بالقوة ، قالوا لي بأن ثمة من يحفر في الجهة الجنوبية ، يحفر الجبال ، سألت عنه و لكنهم لم يعرفوه ، حسنا دعوه ، في نهاية فإنه لا يحفر في مملكتنا ، الجبال لا تسقط بأيدي الصغار . قمت من مجلسي مع القادة عند الواحد ظهراً ، سرت بهدوء إلى الشيوخ الجدد النظام الأمني في المملكة ، كانوا متحمسين لتغير الأوضاع ، فما حدث في المدة الأخيرة ليس سوى خطأ قدري يمكن تلافيه في المرة المقبلة ، هكذا قالوا ، كنت أعرف بأنه ليس مجرد خطأ قدري ، كان الخلل يكمن في أساسات المملكة ، الدولة التي أقامها الزعيم الأول على نظام السرية البالغة ، من الآن ليس ثمة سرية ، ليس ثمة طبقات متحكمة سوى الزعيم نفسه ، لا أفراد العائلة و لا شيوخ و لا طقوس ، السرية أساس نهاية الإمبراطوريات ، إمبراطوريتي الأولى سقطت بهذه البساطة . منذ هذه اللحظة ، الشعب هو أساس الحكم ، هو أساس التشريع ، ليقرروا الميزانيات ، ليلهو بالأموال القليلة ، أنا لست سوى ملك يوجههم في حالات الخطأ الشنيعة ، ليقتلوا أنفسهم ، ليعرفوا مقدار صعوبة الأمر . أنا ، سأكون في قصري متفرغاً بالكامل لبهجتي الخاصة ، الفن الخالص .
العمر الجديد : كل شيء غدا أشبه بكذبة سخيفة . لنرى ، ثمة فكرة في المملكة بأن الزعيم الجديد ليس هو القديم ، و إن الزعيم الجديد يعرف مصائبهم الكثيرة ، نحن لا نعرف حتى الآن الحقيقة ، في الجامعات القديمة نسعى لوضع بحوث قصيرة عن الأوضاع لكي نملأ أرشيفاً جديداً على غرار الفكرة الأسطورية لأرشيف القديم ، في أبحاثنا لا نركز على تقدم الدولة ، و لا مؤسساتها النخرة ، بل نركز كتاباتنا على القصص و الحكايات الحقيقية التي تجري في المنازل العادية ، الأحداث و المشاكل و الطفرات و الأمور الغريبة التي توجه شعبنا العظيم إلى الهاوية . نحن لسنا كتبة ، لسنا شيوخاً على الاطلاق ، نحن مجرد شهود صدف أن وجدوا هنا . نعمل 24 ساعة طوال الأسبوع ، نملأ البيانات و ننشر عبر المدونات ، الحقيقة ، لأجل من ؟ لا أحد . فقط حب الحقيقة . فنحن الآن نعيش الكذبة ، الكذبة الكاملة . يقال بأن النبوءات القديمة عن اليأس الملحدين ينتشر بيننا ، نحن لم نعد نثق حتى في الرب . المال ، الاقتصاد ، أشياء كثيرة تبقينا في حالة ركض دائم ، المرض و الجوع و الخوف ، الضعف المهين ، الاهانة في أرواحنا . مهمتنا أكبر من القادة و من الأفكار ، أن نقدم على أبسط أفكار البشرية على مدى التاريخ ، نحن شهود نعيد الحقيقة إلى التاريخ ، نعيد الرب إلى بشر منطقتنا .
كلمات مضيئة :
سيدي ، نحن ، هنا .
لم ؟
ألا تقوم معنا ، سيدي ؟
رشيد ، أنت تعرف ما الذي حدث ، أنا نهاية هذه الأزمان ، كل من يتبعني يموت ، لست أملك هدفاً و لا خطة ، رشيد ، دع الثقة بعيداً عني .
سيدي ، نحن نموت منذ ألف عام ، أن كنا تعلمنا شيئاً فأنه الموت ليس أمراً يمكن تأجيله و منعه . كل من مات فقد حان أجله .
إنهم يموتون بسببي .
لا يا سيدي ، كنا نموت قبل أن تأتي . قبل أن يأتي زعيمنا هذا كنا نموت . زعيمنا لم يمنع الموت و لن يستطيع أن يمنعه .
و أنا ، أتظن بأني قادر على إيقاف الموت ؟
أنت قادر على منع الظلم يا سيدي .
منع الظلم و أنت تناديني بسيدي . عن أي ظلم تتحدث يا رشيد ، أنت لا ترى شيئاً .
أنا أرى ما يحدث لأهلي ، إنهم يقتلون يومياً ، أرواحهم غدت جافة ، إنهم يتألمون ، أنا أفهم شعبي يا سيدي ، أ،ت بمقدورك أن تمنع الزعيم ، لقد رأيتك طوال سنوات تحفر في الجبل أنت لست رجلاً عادياً ، في روحك تلك القوة ، قوتنا كلنا ، سيدي منذ عرفتك شعرت بالأمان .
آوه يا رشيد ، كم أشعر بالغضب على نفسي ، كم أتمنى لو مت مع الشيوخ في ذلك اليوم ، دمرت البلاد .
سيدي ، أنا لم أقابل الشيوخ ، لم أرهم يوماً ، سمعت منهم عبر الأثير ، و رأيت صورهم الجامدة ، تلك الوجوه وكأنها من عصور غابرة ، سيدي ، الشيوخ تركوك لأنهم يعرفون بأن أوانهم ولى ، عرفوا بأنه لم يعد لهم وجود . أتعرف تلك التعاليم التي تدفع المغاوير في أحضان الموت .
أية تعاليم ؟
الشرف ، شرف الحياة يا سيدي ، الشيوخ دفعوا بأرواحهم في ذلك الآتون .
أتظن بأنهم ماتوا لأنهم لم يستطيعوا القتال ؟
هذا رأيي الصغير .
إذن اسمع ، كنت مع شيخي ايميري ، أنت تعرفه ، أخبرني بنفسه ما أعجز عن فهمه .
ماذا أخبرك يا سيدي ؟
أخبرني بأني الزعيم المذكور في الأرشيف القديم ، و إنني أنا مدمر الزعماء ، و العصر كله ، أخبرني ما أعجز عن فهمه ، رشيد ، شيخي قتلني ، قتل روحي ، أخبرني بأني لست سوى خطة قديمة للمخلوق القديم ، أتعرف ما يعني هذا ؟
ماذا يا سيدي ؟
آوه يا رشيد ، آوه ، تعبت لم أعد قادراً على الاستمرار . فأنا طريقكم للموت الأكيد .
وصيفتي سيلينا :
من أنت ؟
بدا لي مجنوناً ، عندما قالوا لي صاحب أفلام جيدة في الرقص أردت أن أقابله . في مملكتي القديمة كل الناس يعرفون عن حبي لأجساد اللدنة و الرقصات العنيفة . اسمه : مشيردي ابيه . في السابق كانت له رقصة بارعة جمع في تقنيات كثيرة ، يقال بأنه درب راقصيه سنتين لكي تعتاد أجسادهم على حركاته العنيفة ، كان يود لو يستطيع أن يقدم عرضه أمامي ، تمنيت أن أقابله في رحلتي الطويلة في العراء ، اسمه من الأسماء التي ظلت تدور في رأسي . نظرت إليه ، كان نحيلاً و أنفه المدببة يبين شيئاً لم أرتح له ، اشمئززت قليلاً و لكني ابتسمت له :
نعم خادمي ، أنت مشيردي ابيه .
رأيت الفرح في عينيه ، الحقير كان فرحاً لأني عرفته .
سيدي ، سيدي أنت تعرفني .
سمعت عنك قبل سنوات ، أنا لا أنسى شخصاً في رعايتي . قل لي ماذا تريد ؟
لست أنا من يريد يا مولاي .
إذن من الذي يريد يا ابيه ؟
أنت يا مولاي .
أحسست بالغضب يفور في صدري ، لثواني أردت أن أقطع عنقه ، حارسي الجديد كان أسبق مني ، جرد سيفه و لمع فوق رقبة اللعين ، لولا إني أوقفته لكنا الوغد ميتاً الآن .
تحدث و لا تقلل أدبك .
سيدي ، سيدي يا مولاي ، أنا أملك شيئاً اعتقدت بأن تريده .
ما هو هذا الشيء .
بل من هي يا سيدي .
أيها اللعين القميء ،
سيدي أنا أتحدث عن سيلينا ، وصيفتكم سيلينا .
ما الذي حدث لي عندما سمعت اسمها ، تحرك جسدي ، بعنف ، أحسست بأن جزءاً من روحي عاد إلى : " ما ، ماذا قلت ؟ "
سيلينا يا سيدي . إنها معي في البيت ، لم أعرفها من قبل و لو عرفت لكنت أحضرتها منذ الوهلة الأولى ، بالأمس أخبرتني ، أنا الآن هنا يا مولاي .
كنت قد قمت و جلست على عرشي عدة مرات ، سألته و أجابني ، سيلينا ، ناديت حارسي الخاص بالمهمات ، أرسلته مع مصمم الرقصات و انتظرته . عدة ساعات و حضروا ، دخلوا القاعة ، ديواني الشاسع ، في أخر الديوان ، هناك عند المدخل رأيتها واقفة ، بكل جسدها العظيم ، حزنها ، مسافة هائلة ، ظننتها تتلاشى و أنا أراها منعكسة على كل الرخام و المرايا ، قمت من مكاني و لم أتحرك خطوة ، ذهلت تماماً عرفتها ، سمعت دقات قلبها الضعيف ، كيف نجت ، ضحكت بأعلى صوتي ، ضحكتي كادت تطيح بالقصر العظيم ، كانت حرة و خالية من الكره ، تمتعت بها و أنا أعود إلى هدوئي و أمرها بالتقدم . تقدمت بخطواتها الباهرة ، ملابسها مناسبة تماماً ، حتى و هي ترتدي كل هذا الدانتيل الكثيف إلا أني كنت قادراً على التخيل كل جسدها ، منذ ثلاث سنوات لم أحظى بمثل هذه الأصالة ، يا إلهي ، إنها منهكة ، منهكة رغم سيرها الواثق ، بشرتها لوحته الشمس ، زادتها رونقاً و حنية ، شعرها لم يعد أحمراً ، لقد قصرته ، نظراتها مشتعلة كما هي ، لا بد بأنها عرفت السعادة من دوني ، عرفت ذلك الدعي . وقفت أمامي محنية الرأس أرادت أن تنحني لتقبل رجلي و لكني رفعتها لم أعد أحتمل أن ينكس الجمال ، عشت طويلا بعيداً عن جمال كجمالها ، لن تنكسي يا عزيزتي .
أين كنت ؟
لم تجبني .
سيلينا ، قلبي حزين .
كان الحرس بعيداً عند المدخل . لم يكونوا يسمعونني ، لم يرى أحد هذا الجانب مني ، حتى والدي المتوفى .
سيلينا ، كنت وحيداً من دونك .
سحبتها بهدوء إلى حضني ، كان قلبها يدق بانتباه . آوه .
آوه يا وصيفتي سيلينا . لم أعد وحيداً . زال حزني .
|