وبالفعل , كانت تينا تعرفها جيدا..... تعرفها وتحبها , بل أنها فخورة بهذه العمة النحيلة الرقيقة ,التي ما زالت تحتفظ بشبابها كاملا , برغم أقترابها من الأربعين , والتي أستطاعت بكفاءتها العظيمة أن تحتل مكانة عالية في ميدان علم النبات , بعدما تخصصت في أكتشاف النباتات الغريبة في الأماكنالبعيدة والمجهولة من بقاع العالم , وكريس تعمل حاليا في حدائق كبو الملكية , وتشترك في بعثات علمية الى أماكن خطيرة وصعبة , متحدية الأخطار , بحثا عن نبات جديد تكتشفه , أو تضيفه الى المجموعة النادرة في كبو.
وكانت ينا المساعدة الأولى لها في العمل , لكنها على عكسها تحب الأستقرار وتكره السفر , وأستطاعت عمتها أن تحسن تدريبها وتعليمها كل ما أكتسبته من خبرة , حتى بدأت تينا تثير الأعجاب في محيط العمل , وتشق طريقها في الدوائر العلمية الكبرى.
تركت تينا المطبخ , وألقت نظرة فاحصة على غرفة الجلوس المريحة الدافئة , وقبل أن تعبر الغرفة الى النافذة لتلقي نظرة الى الخارج , محاولة أختراق برودة تلك الليلة من ليالي شهر مارس( آذار) , رأت الباصات المضيئة تزدحم بركاب يرتدون الملابس الثقيلة , ورأت تينا أيضا رذاذ المياه القذرة التي نثرتها السيارات المسرعة على ملابس سيئي الحظ من المساكين العائدين سيرا على الأقدام الى منازلهم , ألقت نظرة سريعة على ساعتها , وبدا عليها القلق , فكثيرا ما تدعى عمتها الى الأشتراك في لجنة من لجان العمل في اللحظة الأخيرة قبل عودتها , لكنها أعتادت أن تتصل بها لتنبئها بتأخرها عن موعد العشاء , ولم يكن من عادة تينا أن تعود مع عمتها الى المنزل , بل كانت تسبقها دائما بنحو ساعة حتى تتمكن من أعداد طعام العشاء , وعندما وصلتا الى كبو هذا الصباح , أستدعى الرئيس كريس لمقابلته , وكانت هي المرة الأخيرة التي رأتها فيها اليوم , وقطبت حاجبيها , فكريس دونيللي تستطيع أن تتسلق الجبال , وتصطاد الوحوش , وتواجه الكجهول في الأرض التي لم تكتشف بعد , لكنها تصبح طفلة عاجزة في خضم حركة المرور في شوارع لندن , عضت تينا شفتيها وهي تتذكر حيرة عمتها وترددها لدى عبور الطرق المزدحمة , مدت يدها الى الهاتف , وقبل أن ترفع السماعه , مزق رنينه المفاجىء سكون الغرفة .
ردت بلهفة:
" هالو , هنا تينا دونيللي.".
" تينا".
وعرفت الصوت على الفور , صوت رجل واثق النبرات أنه الدكتور أليكس ماكسويل صديق عمتها , وسألته بسرعة :
" أليكس , هل تعرف أين عمتي كريس؟ أنا قلقة عليها , تأخرت عن موعدها , وأنت تعرف خوفها من حركة المرور!".
أجاب أليكس ماكسويل غاضبا:
" طبعا أعرف , حاولت مرارا أن أحذرها لكنها تضحك دائما من حرصي على سلامتها , ولعلها تعترف الآن بأنني كنت على صواب!".
وصاحت تينا بصوت قلق:
" لعلها تعرف الآن؟ أليكس ماذا تقصد؟ هل تحاول أن تخبرني أن عمتي أصابها مكروه؟".
وأجاب بسرعة محاولا تهدئتها:
" أطمئني , لا داعي للقلق , أنه حادث بسيط , صدمتها سيارة على باب المستشفى تقريبا , ومن حسن الحظ أنني كنت في مناوبتي , طبيب الطوارىء يعرف أنها صديقتي , فأتصل بي وأخبرني".
صاحت تينا بخوف:
" أرجوك أخبرني ماذا حدث بالضبط , وما مدى أصابتها؟".
" كسرت يدها , ولكن حظها من السماء , على هذه المرأة أن تجد شخصا يعتني بها ويحميها من نفسها , عليه أولا أن يحطم عنادها!".
وأبتسمت تينا برغم أضطرابها عندما شعرت بالغضب والقلق في صوت أليكس ,عرفت منذ سنوات أنه يحب عمتها ,لكن كريس كانت تعلن دائما أنه ليس من العدل أن تتزوج رجلا سيجد نفسه وحيدا بعد فترة وجيزة من الحياة المشتركة , فهي أمرأة مستقلة ترفض التقيد بالزوج والبيت.
وشعرت تينا بالعطف عليه , وقالت مؤكدة :
" أعرف ما تشعر به يا أليكس , وأنا أوافقك على طول الخط! ربما في يوم ما , وأذا لم تتع من الأنتظار , تشعر كريس أنك على حق , لكنها الآن في حاجة الى الراحة والهدوء , هل أستطيع أن أحضر الى المستشفى لأعود بها , أم أن الصدمة شديدة عليها , ولن تستطيع الحركة؟".
وأنتظرت الرد بقلق , فبالرغم من أن أصابة عمتها خفيفة كما يقول , ألا أنها لا تطيق أن تراها ملقاة جريحة ووحيدة في المستشفى!