المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
لحظات مسروقة
لحظات مسروقة لاحت تباشير فجر ذلك اليوم الذي طال انتظاري له أخيراً وكأنه تعزز في قدومه حتي يزيد شوقي ولهفتي إليه ..نظرت في ساعتي ومن شرفة شقتي تعلقت عيناي بالسماء ..أه ما زالت بعض السحب السوداء تتبختر في انسحابها الأزلي نحو الغروب مفسحة الطريق لأشعة الشمس كي تنشر بضيائها النور والامل للقلوب التي طال انتظارها لها .. وأخيراً انسحبت أخر فلول الليل ولكن ما زالت عقارب ساعتي تأبي التحرك هي الأخري ...فكرت بطريقة ينقضي بها الوقت سريعاً حتي يحين موعد اللقاء.....
لما لا أرتدي ثيابي وأستعد لابد أن أكون متأنقة وجميلة رغم أنه لا يهتم إلا بوجودي معه ولكنني لا أريد حرمانه أيضاَ من أن يراني كما كنت دائماً في عينيه أه ليتني أستطيع محو خطوط الزمن هذه من علي وجهي وملامحي كي يراني ابنة التسعة عشر كما رأني أول مرة منذ سنين نسيت عددها
نظرت في المرآة بعد أن انتهيت ثم همست لنفسي ...
لا فائدة أخاديد الزمن لا يمحوها أي شئ مهما حاولت عليه أن يتقبلني كما أصبحت ..وها قد انتهيت من ارتداء ثيابي ...
ما بها تلك الساعة اليوم كمن ترتدي في عقاربها حذاء السلحفاة ..ومع ذلك ها هو الوقت يقترب فلا بأس من النزول مبكرة لبعض الوقت قد لا أجد سيارة أجرة عندما أحتاجها كما أن الطريق في الصباح يكون مزدحماً ..
نزلت كالطائر المطلق سراحه علي درجات العمارة التي أقطنها وبالكاد كانت قدماي تلمسان الأرض و لا أصدق أنني سأراه أخيراً وقد تتحقق بعض أماني وأسرق معه بعض الوقت أكثر مما هو مسموح به لنا ..
لفح هواء الصباح وجهي فاستقبلته بانشراح ورحت أعب من نسيمه العذب ملئ صدري .. تعمدت ألا أعيد النظر لساعتي أخشي أن تصدمني مرة أخري بحديثها البطيء وأوقفت أول سيارة أجرة مرت بي ولدهشتي وافق السائق علي الوجهة التي أخبرته بها بل وهز رأسه بابتسامة كبيرة قائلاً بانشراح لوجهي الصبوح الضاحك
_صباح الخير يا أنسة تفضلي ..تبدين مستعجلة هل هو موعد هام أم تأخرتي علي عملك ولكنك لا تبدين لي كموظفة إذن فأنتي ...هههههههه علي موعد هام...
تجاهلت مزاحه السمج وسألته بهدوء وكأنني لا أعرف إجابة سؤالي ولكنني شعرت برغبة للثرثرة لتكون حافزاً للوقت كي يمر سريعاً
_هل الشوارع مزدحمة اليوم؟
التقت عينا السائق بعيني في المرآة وقال متفكهاً
_لا تقلقي ستصلين في الموعد حتي لو تأخرتي سينتظر هههههههههه
إحمر وجهي خجلاً فأشحت به أتابع مشاهدة الطريق من نافذة السيارة ثم انتبهت لدقات قلبي المتسارعة لقد اقتربنا من المكان ..
_وصلنا يا أنسة في الموعد هه...
أنقدته ماله دون النظر إلي وجهه الضاحك وأسرعت مبتعدة وكأنني أفر من أحد العيون التي لا أريدها أن تراني وأنا ألتقي بحبيب عمري ..ولكن فجأة تسمرت قدماي في الأرض وكأنهما تحولتا فجأة لقالبين من الأسمنت عندما رأيته هناك وكأنه واقفاً منذ الأمد بانتظاري ورغم أن موعدنا لم يحن بعد ..اقترب مني وكأنه ما عاد يطيق الانتظار ودون أن تتزحزح عيناه عن إختراق كل كياني همس بصوته الرجولي العذب فصرخت كل خلية في جسدي استجابة..
_لقد جئت مبكرة
رددت دون أن تتزحزح عيناي عن سواد عينيه
_وأنت أيضاً
مد يده إلي فحدقت بأنامله الطويلة المنسقة وراحت دقات قلبي تزداد جنوناً ويدي تغوص في راحته ...أأه كل هذا الأمان لمجرد أنه أمسك بيدي ..أفقت علي صوته من جديد يهزني
_ماذا بك ...هل سنقف هنا طول اليوم هيا بنا
هززت رأسي بشبه زهول
_نعم...نعم..
وعند هذه اللحظة ضاع منا الزمان و ضاع المكان حتي الناس ..لم نري وجوهاً لم نري أحداً بل مجرد خيالات وأشباح تهيم حولنا كنت أنا وهو فقط..ورحت أتملي بعمق في كل قطعة فيه ..شعره ..جبينه ..عيناه..شفتاه ..ورحت أختزن كل ذكري ممكنة منه ابتسامته.. إلتفاتته ..قلقه وحتي غضبه ..وددت لو أخفيه بين رموشي فلا يراه غيري أو أخبئه بين ضلوعي ولكني خشيت أن تزعجه دقات قلبي المجنونة به وكل آمالي ألا يبتعد عني أبدا ولكن ما الفائدة وكل هذري هذا مجرد آمال وأحلام تراودني من شدة شوقي إليه وهيامي به نظرت للساعة وفجأة صرخت بدون وعي فسألني بدهشة..
_ماذا بك هل حدث شيء ؟
صرخت بغيظ
_نعم إنها تلك الساعة الملعونة لقد بدلت أحذية عقاربها وارتدت صاروخ أرضي, عقد حاجبيه مستفهما بطريقة أذابت ما تبقي من مفاصلي فشرحت له معني جملتي وعندما فهم ضحك تلك الضحكة التي جمعت الدموع داخل عيوني ولكنني داريتها بمهارة وتمليت بوجهه الضاحك أختزن منه ذكري أخري أضيفها لأجندة زكرياتي
_حبيبتي هذه هي الأوقات الحلوة دائماً ما تمضي بأسرع من البرق
رددت عليه بصوت مخنوق العبرات
_ولكننا لم نلتقي إلا منذ لحظات فقط
_ لنكن حامدين للحظاتنا المسروقة هذه ونتمني قريباً لحظات أخري فهذا هو نصيبنا من الدنيا وأنا وأنت أقل شأنا من أن نعترض علي تدابير القدر
هززت رأسي وكأنني متفهمة رغم عيني الدامعتين
_نعم ..نعم ..أفهم
مد إصبعه ليلتقط دمعتي قبل أن تبلل وجهي وهز رأسه بعتاب
_لا أريد أن أتذكرك بالدموع ..أريدك أن تكوني دائماً في عيني كما كنت في لحظة اللقاء متوردة.. مشرقة.. حبيبة..
_حبيبي كل ثانية معك بعمري كله ولو أعطيت عمراً علي عمري ما شبعت من وجودك معي أبدا ..
فجأة حل الصمت بيننا وكأنه في تلك اللحظة أبلغ من أي كلام ولكن داخل عيناه كنت أقرأ كل قواميس الكلام وبكل اللغات ..وبعد وقت ظننته دهراً مر وأنا سابحة في بحور أحاسيسه الهائجة وكأنه يجتاز اختباراً قاسياً هو الآخر وخياراً أكثر قسوة ..أن يتركني أذهب أو يحتفظ بي بين زراعيه للأبد ولا يتركني مرة أخري أبدا
أشفقت عليه وأرتأيت أن أريحه من عذاب حيرته ..
_لقد تأخرت لابد أن أذهب
هتف بكلمات متسارعة
_ما يزال الوقت باكراً
رددت بابتسامة متألمة
_نعم ..ولكنه لن يكون متأخراً لنا أبدا ...لابد أن أراك قريباً ..سأراك حتماً أليس كذلك ..هه
أمسك بكلتا يدي بين يديه وضغط عليهما بقوة ما يختلج داخله من مشاعر غاضبة
_طبعاً حبيبتي لن تستطيعي ابعادي عنك ..حتي لو أردت ..
_الي اللقاء إذن ..
رد دون أن يترك يداي
_إلي اللقاء ...قريباً جداً
حاولت نزع يداي من يديه المطبقتين عليهما ثم تنهدت وابتسمت محاولة أن أمازحه
_حبيبي لو طلبتهما مني ما عززتهما عليك
رد بانتباه مشتت
_عفوا ً ..ماذا تقصدين
_لن أذهب بدون يدي لو كنت لا تدري فأنا أحتاجهما أحيانا
أحمر وجهه وتركهما معتذراً
_أسف ..لم أقصد ..ولكن ؟
لم أدعه يكمل جملته فقلت علي عجل وأنا أهرول مبتعدة قبل أن تفضحني دموعي
_ لابد أن أذهب حقاً ..إلي اللقاء
قفزت في أول سيارة أجرة قابلتها وقلت للسائق بصوت مخنوق عن وجهتي ولم أعرف إن كان حقاً سمعني ولكنه انطلق بسيارته علي أي حال ولم يحاول سؤالي فربما كان متفهما لوضعي أو يكون قد لمح دموعي التي علي وشك الإنهمار, وبعد وقت لا أدري إن كان طويلا أم قصيراً ولكنني وجدت نفسي في شارعنا وامام العمارة التي أقطن فيها ..أنقدته ماله علي عجل دون أن أري ما أعطيته ولكنني شعرت من عينيه الملتمعتين بسرور أن المبلغ لا بد أن يكون أكبر مما يستحق لم أهتم وأنا أسرع قافزة علي الدرجات التي كنت أكاد أطير عليها منذ ساعات قلائل وكأني كنت حرة كالطير في حضن السما وها أنا عائدة للقفص مرة أخري وألهمت نفسي
أكيد لن يتركني ..مؤكد سأراه مرة أخري
وأخيراً دخلت شقتي وأقفلت بابي بسرعة واستندت عليه بظهري للحظات قبل أن ينفجر البركان الثائر في صدري وآسال حممه الحارة دموع علي وجهي وانهرت في بكاء حارق .
النهاية
مع تحياتي
firefly
|