البداية
كانت أنامل سامنتا تضرب مفاتيح الآلة الكاتبة بعنف, وهي عابسة مقطبة الجبين , لأنها لم تكن قادرة على تحقيق السرعة المطلوبة , مهما بذلت من جهد , فهي لا تملك المهارة الكافية لذلك, ناهيك بأن الآلة كانت عادية لا تسيرها الكهرباء .
ولما نفذ صبرها ألتفتت الى جارتها بيث وقالت لها:
" المهارة تشفي جميع العلل , فلماذا لا تعيريني بعض ما عندك منها يا بيث؟".
وكان هذا الكلام ينطوي على شيء من الغيرة , وما ذلك ألا لأن بيث كانت تستطيع بمهارة فائقة , تشغيل أي نوع من أنواع الآلات الكاتبة .
فضحكت بيث وأجابت:
" لماذا لا تجربين الضرب على الآلة الكاتبة بأصبع واحدة؟ فهذه طريقة لا بأس بها , والسيد ليندسي أستعملها عدة سنوات".
وكان السيد ليندسي هذا صاحب الصحيفة التي تعملان بها ورئيس تحريرها.منتديات ليلاس
فقالت لها سامنتا :
" كلا , سأكون الصحفية الوحيدة التي تطبع بسرعة فائقة ,حتى ولو سبب لي ذلك أنهيارا عصبيا".
وعادت اليها روحها المرحة , فأبتسمت وتابعت كلامها قائلة:
" ما العمل الذي بين يديك الآن؟".
فتجاهلت بث سؤالها , وقالت لها:
" لا شيء , أتريدين أن أساعدك؟".
فهزت سامنتا رأسها , وكان سعرها الأسود الكثيف يتدلى على كتفيها , وأجابت بيث:
" لا, شكرا , ما أطبعه الآن هو عمود( أخبار المجتمع) , وهو من البلادة بحيث يبعث الضجر .....ليت السيد ليندسي يسمح لي أن أعيد كتابته بألوب شيق".
فقالت لها بيث:
" كيف يمكنك أن تفعلي ذلك؟ وأي أسلوب شيق تستعملينه في خبر كهذا: السيد فلان وعقيلته أقاما حفل عشاء في منزلهما دعي اليها...... وغير ذلك من الأخبار التي يحتويهل عمود أخبار المجتمع".منتديات ليلاس
فأصرت سامنتا على أن ذلك ممكن ,وقالت:
" خذيمثلا هذا اخبر عن فرانك هوارد محامي شركتنا هذه وخريج جامعة بيل , فالخبر يقول أنه أستضاف في عطلة نهاية الأسبوع زميلا سابقا له في الجامعة , وصادف أن هذا الزميل قدم طلبا للحصول على وظيفة في المدرسة الرسمية التي يرئس فرانك هوارد مجلس أدارتها ......... أفلا يشتم من هذه رائحة المناورة السياسية والتواطؤ؟".
فحملقت بيت وصاحت:
" أهذا صحيح؟ ولكن الوظيفة لم تسند الى أحد بعد".
فقالت لها سامنتا:
" أعرف ذلك ,ولكنني أشك في أن تكون من نصيب أحد غير زميل رئيس مجلس أدارة المدرسة!".
فسألتها بيث:
" هل يعلم السيد ليندسي بالأمر؟".
فأجابتها سامنتا وهي تضع ورقة بيضاء في الآلة:
" نعم , وأخبرني أنه لا ينشر هذا النوع من الأخبار".
والواقع أن ليندسي قال لها أكثر من ذلك ,حين حدثها خلال عشرين دقيقة عن السياسة التي يجب أتباعها عند أصدار صحيفة في مدينة صغيرة , فأي خبر بريء في عمود ( أخبار المجتمع ) يمكن تأويله وجعله شائعة تلوكها الألسن , وهذا واقع كانت سامنتا تدركه كل الأدراك.منتديات ليلاس
وأشار اليها ليندسي في حديثه أيضا أن أولك الذين يحبون أن يقرأوا أسماءهم في عمود ( أخبار المجتمع) هم على العموم رجال أعمال ويعتمد عليهم في الحصول على الأعلانات لصحيفته حتى تتمكن من الأستمرار , ثم أن المحرر الفهيم لا يسيء الى زبائن صحيفته طمعا بالمزيد من الأنتشار , ما لم يكن لديه المبرر الكافي , ولا مانع من أن يكون هناك شي من المسايرة السياسية , على أن لا تتناول أعمال الخداع والغش والنوايا الأجرامية.
ولم يكن بأمكان سامنتا أن ترمي هذا الكلام بحجارة لأن بيتها من زجاج , ذلك أن والدها كان يستعمل أسلوب المسايرة والمحاباة , فنفوذه الواسع العريض هو الذي فرضها على هاري ليندسي كموظفة خلال الصيف , فهي تدرس الصحافة ,ومن المفيد أذن أن تتمرس بها عن طريق العمل في صحيفة محلية , حتى أذا ما تخرجت في نهاية العام الدراسي المقبل , كان لها من المؤهلات ما يتيح لها الحصول على وظيفة في أحدى الصحف الكبرى.
ومن ناحية أخرى , لم يخف على سامنتا أن في كلام ليندسي حكمة عملية , ولذلك رأت أن تقمع في نفسها غريزة الغوص تحت سطح حدث من الأحداث , فمثل هذه الرغبة في الأستطلاع يمكن أن تؤجل الى ما بعد تحقيق ا تطمح اليه.
ولم تكن سامنتا تتحدث كثيرا عن هذا الطموح , لأن قلة من الذين تعرفهم يفهمون رغباتها , بل معظم زميلاتها في الدراسة , ناهيك برفيقاتها في العمل ,وفي طليعتهن بيث مثلا , يعتبرون الوظيفة شيئا ثانويا في الحياة , ولذلك كان الزواج غايتهن القصوى.
كانت سامنتا في الثانية والعشرين من العمر ,ولم تكن تجهل تصرفات الرجال , فهي لم تكن تكرههم ,ولكنها توصلت الى الأعتقاد أنه من غير الممكن أن تكتفي بحب رجل واحد في حياتها.منتديات ليلاس
لم يكن ذلك لأنها قبيحة المنظر , بل على العكس ,فملامحها الغضة الناصعة كانت بهجة للعين , وكان في أنحناءة شفتيها ما يوحي بالشهوة , وفي بريق عينيها العسليتين ما ينم عن حيوية وشغف بالحياة , وكانت في كثير من أوصافها مثال المرأة التي يتمنى الرجل صحبتها لا الوقوع في غرامها , أو هكذا ساد الأعتقاد , ولعل ذلك مرده الى أنها لم تجد الرجل الذي يمكنه السيطرة عليها.
وتبين لها ذلك جليا واضحا في ذلك الصيف الذي كانت تقضيه في مدينة صغيرة , فكونها وجها أنثويا جديدا جذب أليها أنظار بعض الرجال , ولكنهم سرعان ما تركوها , الواحد تلو الآخر , مخافة أن يتهموا بأنهم يعاشرون فتاة مسترجلة , أما الآخرون , فما أن يعرفوا أنها أبنة روبن غنتري حتى يبتعدوا عنها , لئلا يخيم عليهم ظل نفوذ والدها وثروته وجاهه العريض.