المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
سحابة صيف
بدايات صيف 2009
في أحد أشد أيام الصيف حرارة .. ومن خلف زجاج الشرفة .. وقفت كعادتي اليومية
ارقبه بشغف .. اتأمّل تفاصيله الدقيقة فـ تأسرني تلك التفاصيل حد الإنغماس فيه عشقاً ..
ابتسامة تعلو شفتيّ وأنا أراه يترّجل من سيارته الجديدة بطوله الفارع وجسده الرياضي الآسر ..
ورجولته الطاغية التي أهيم بها حبّاً حدّ الثمالة ..
أغمضت عينيّ لـ ثواني حين اختفى من أمامي تماماً فـ لمحت طيفي وأنا اتأبّط ذراعه بفستاني
الأبيض الواسع .. يقتادني هو بـ فرح نحو الحلم الوردي ..
" لك شو عامل بحالك انتا ؟ روح تسبّح وأنا بـ جهّـز لك ملابسك "
تناهى الى مسامعي صوت أمي ليوقظني من سكرة ذلك الحلم .. ضحكت بداخلي على لهجة
أمي الغريبة خليط من لهجتنا النجدية الحبيبة .. ولهجتها الشامية حيث تنتمي ..
نزلت السلالم بخطواتٍ حذرة لـ أختبيء في أقرب غرفة واطمس ملامح جريمتي اليومية
فتلك الغرفة الوحيدة المبنية على سطح المنزل ليست سوى مخزناً يضم كل ما يخصُّ أبي الراحل ..
ومخبأً سرّيـاً لـ عاشقة تمارس طقوس التلصص على من تعشق دون علم أحد ..
تأملت وجوه اخوتي المتذمّرة من توبيخ أمي الذي تلقيه على مسامعهم مع كل وجبة غداء ..
وجاهدت نفسي حتى أخفي ابتسامتي وأنا ارى عبوس وجه " غسّـان "
الذي كان له نصيب الأُسد من التوبيخ فهو الأكبر والمحرّض من وجهة نظر أمي العزيزة ..
فـ بـرغم سنواته الـ 13 إلا ان أمي مازالت تعامله كطفل حتى إشعار آخر ..
فتحت عينيّ على اتساعهما وأنا استمع الى " ريّـان " ذو الـ 7 سنوات وهو يفنّـد كل
الإتّهامات الموجهة لهُ ويتقمّص دور البريء بكل براعة ..
وتذيب حركاته وكلماته قلب أمي فتصفح عنه رغم ادراكها في قرارة نفسها بأنه المذنب
بـ كل الجرائم الواقعة في هذا المنزل ..
- يمّه أبي أصلّي العصر وأنوم هالحين .. اذا ماصحيت لصلاة المغرب قوميني ولا تخلين
ريّانوه الموذي يطّب غرفتي تراني متحلفة فيه لو شفته فيها لاطقّه بعصاة أبوي لين يتأدب ..
ابتسمَت بحنان وهي تحتضن ريّـان وتوميء لي برأسها مردّدة ..
- روحي الله يرضى عليكِ يابنتي ..
قبّلت رأس أمي وتوجّهت لغرفتي المتواضعة بأثاثها القديم وحجمها الصغير نسبيّـاً ..
أدّيتُ صلاة العصر واستلقيت على سريري انشد الرّاحة بعد عناء نهارٍ طويل .. يقتسم معي فراشي
بقايا أمنياتي و أحلامي ..
استيقظت بعد مغيب الشمس على صوت مُنبّه هاتفي المزعج .. تعوّذت من الشيطان الرّجيم
وقمت بكل كسل لـ أُمارس جريمةً من نوعٍ آخر ..
أنهيت استحمامي و وقفت أمام مرآتي اتأمّل تفاصيلي بتمعن .. لستُ جميلة أبداً ولم أكن
يوماً جميلة .. فـ ملامحُ وجهي تشبه أبي كثيراً ولون بشرتي الذي حاولت دوماً تفتيحه
بـ إستخدام كريمات التبييض دون جدوى يعتبر مصدر ضيقٍ وكدرٍ لي ..
فـ برغم بياض بشرة أمي الشديد إلا ان سواد بشرة أبي كان له النصيب الأكبر من نقل
المورّثات إليّ .. مع العلم بأننّي أحاول ان أتذاكى على لوني بـ إدعائي الدائم بـ عمل
" تّـآن " لـ بشرتي حتى في أشد أيام الشتاء برودة ..
لبست ملابسي البسيطة وحملت عبائتي بيدي متوجهة الى صالة المنزل لـ أجد أمي
تتابع بـ انسجامٍ تام أحد برامج التليفزيون الدّينية ..
- يمّه بروح من الحين عند أمل ولا راحو كل البنات بدق عليك ترسلين لي غسّـان
يجي ياخذني
لـ تقاطعني هي بـ كل صرامة ..
- أنتظري دقيقة لـ حتى نادي لك غسّـان يوصلك .. ما أبيك تمشين لـ وحدك ..
وقفت بكل برود انتظر هذا الـ غسّـان الذي يصغرني بـ 9 سنوات وفرضته أمي
علي كـ وليّ لـ أمري ..
جاء يمشي منتشياً فرحاً بدور الرجولة المؤقت الذي أهدته أمي له لـ دقائق معدودة ..
أحكمت اغلاق عبائتي ولبست نقابي حين استوقفني صوت أمي محذّراً ..
- سمر لا تتأخري كتير إنتي عارفتني ما أحبك تسهري برّات البيت لـ وقت متأخر
إذا ما اتصلتي بدري .. راح يجي غسّـان ياخدك الساعة 12 بالضبط ..
قبّلت خدّها وأنا أضحك بشدّة وهمستُ لها قبل أن اخرُج ..
- يمّه أرسي لك على بر كلمة سعوديّة وكلمة شاميّة .. " وأشرتُ الى عينيّ وأنا أُكمل
" أبشري من عيوني قبل 12 وأنا متصلة عليك ..
وصلت الى بيت صديقتي الوحيدة الذي يبعد خطوات معدودة فقط عن بيتنا .. أمل تلك
التي تمتلك جمالاً صارخاً تحسدها عليه كل الفتيات .. وُلدت بـ اطراف ضامرة لـ يبقى
جمالها سجين كرسيّها المتحرّك .. انحنيت لـ أطبع قبلةً رقيقةً على خدّها النّدي وأنا أهمس بـ توتر ..
- أمولة لا تضيقين صدري أكثر من ضيقتي إنتي تدرين من زمان نفسي احضر حفلة
و دي جي وماعندي إلا إنتي اتعذّر فيك قدام أمي .. تعرفينها ماتثق في أحد غيرك
ولا ترضى أروح حفلات ..
لـ تجيبني أمل بلا مبالاة ..
- تبين تروحين روحي أنا ما منعتك بس من هالحين ابّري ذمّتي لو صار شي وعرفت امك
أنا مو راضية ونصحتك لين أنبح حلقي إنتي اللي مادري وش تبين فيهم
تروحين لهم وأنتي ماتواطنينهم ..
اجبت على هاتفي بتردّد وعاودت النظر الى أمل وهي تشيح بنظراتها عنّي ..
- أبي أعيش مثل غيري أبي استانس زهقت من حياتي المملّة كل يوم نفس الروتين ..
حين هممت بـ الخروج استوقفتني كلماتها الحزينة لِـ تطعنني في الصميم ..
- احمدي ربّك يا سمر إنتي عايشة مثل غيرك .. أجل وش أقول أنا ؟! معاقة وما أقدر
اتحرّك إلا إذا أحد مسك لي الكرسي يحرّكني من مكان للثّاني ..
أردتُ احتضانها بشدّة واختزال جميع أوجاعها وهمومها .. فـ أمل رغم اعاقتها لم تشتكي
يوماً ولم تحسّسني أبداً بـ نقصها .. واليوم حينما فتحت قلبها لـ تزفر وجعاً استوطن بـ داخلها
عمراً خذلتها وأنا اسابق الخطى لـ اخرج من البيت دون ادنى كلمة مواساة ..
ركبتُ مع سائق مشاعل وعينيّ تراقب كل ماحولي .. تنفست الصعداء بعد خروجي
من حيّـنا بدون ان يراني أحد ..
يا الله كم أحسُّ بخوفٍ شديد يكاد يفتك بي .. فـ هذه أول مرة أكذِب على أمّي ..
احساس متعاظم بالذّنب بدأ يتوسّد أضلعي .. أيّ مغامرةٍ حمقاء زججت نفسي بها ..
بدا لي مشوار الـ نصف ساعة كما لو كان ساعاتٍ طويلة من فرط خوفي وقلقي ..
نزلت الى مزرعتهم الكبيرة التي يتوسطها منزلٌ كبير .. أو ربّما مقارنة بمنزلنا المتواضع
هو قصرٌ غاية في الفخامة والرقيّ ..
استقبلتني مشاعل الفاتنة بـ فستانها الأسود الذي بالكاد يصل الى نصف فخذها ..
و وجهها الذي زاد سحراً بالقليل من المساحيق لـ أضع نفسي على الفور في مقارنة
فاشلة معها .. فـ ازداد كرهاً لـ ذاتي .. و تتقهقر ثقتي بنفسي الى ادنى المستويات ..
هممتُ بالدخول معها الى إحدى الغرف بالطابق الثاني .. واثناء انشغالي بتأمّل كل
ما تملكه ولا أملكه صُعقت وأنا ارى الفستان الذي اختارته لي وبدأت أولى حملات احتجاجي
- إنتي صاحية ؟ شلون تبيني البس هالفستان الفاصخ لا تكفين دوري لي غيره ..
- سمر عن التعقيد وش فيه الفستان أكيد بيطلع روعة عليك إنتي ما شاء الله جسمك حلو ..
ما أخبثكِ يا مشاعل .. أردتُ حقاً تصديق كلمات المديح التي ألقيتيها للتو على
مسامعي لولا ادراكي التّـام بضعف مؤهلاتي أمام فتاة تمتلك كل شيء مثلكِ ..
- لا تحاولين أنا هالفستان ماراح البسه .. شلون تبيني أمشي فيه ؟!
- أووووف إنتي عاد لا تسوين لي فيها مستحية وما البس عارفين ان امك سوريّة يعني الدعوة فري ..
ذُهلْت من هذا الإتهام السّافر على أمّي .. ألا تكفيها جميع كلمات القذف والتحقير
من أهل والدي طوال سنوات زواجهم .. فقط لأنّـها من بلدٍ آخر لا يجزمون أبداً بـ طُهر
نسائه .. وكأنّهم هم أحفاد الأنبياء حتى لو غلّفو فسقَهم وفجُورهم خلف حجاب
بات عادةً أكثر منه عبادة !!
هزّتني كلماتها بـ عمق واستنجدت بـ كل المفردات لـ أُدافع عن أمّي .. و كأنّي بدفاعي
هذا أقف في وجه أهل أبي لـ أخبرهم كم هي عظيمة تلك السيدة التي غرست الاحتشام
بـ داخلي منذُ الصغر .. تلك التي كانت ومازالت توبّخني بشدة لو سقطت عبائتي على
كتفي .. وتمنعني من الخروج حين تشمُّ رائحة عطري .. رضخت أخيراً بعد جدالٍ
طويل لـ لبس ذلك الفستان العاري .. وتفنّنت هي بتلوين وجهي بمختلف مساحيق
الترميم إذا جاز لي تسميتها .. فـ هذه المساحيق لـِ من هم مثلي لا تستحق ان يُطلق
عليها مساحيق تجميل .. فـ أيُّ جمالٍ سَـ تمنحه لوجه يزداد قبحاً بـ استخدامها ..
لبستُ الفستان وأنا أغمضُ عينيّ فأيُّ منظرٍ فاضحٍ سَـ أبدو بِـه .. ومشيتُ خطواتي خائفة مرتبكة ..
نزلت السلالم وكأنّي أُساق الى موتي .. عاتبت نفسي كثيراً على مغامرة كنتُ أنا
الخاسرة الوحيدة فيها .. وقفت مكاني لـ أرى النظرات المتأمّلة حولي .. أحسستُ
حينها بـ انّني مومسٌ فاجرة تُقاد الى عشيقها ..
لحظة فقط لِـ تتوقّف عجلة الزّمن .. يا إلهي ما الّذي أراه أمامي ؟!
" حفلة مختلطة " همست بها بـ جنون لـ تتعالى ضحكات مشاعل الـ غير مبالية ..
تسارعت نبضات قلبي لـ تصُمّ أُذناي و يخيّل إليّ من فرط رهبتي انها تعلو على صوت
الموسيقى الصاخبة .. تناهت الى مسامعي همساتهم الخبيثة فـ أنا ابنة " السوريّة "
التي صوّر لهم عقلهم المريض رُخصها .. فـ أجزموا جميعاً على تحرّري وفسقي ..
رُحماكَ يا الله كيف اخرجُ نفسي من هذه المصيبة دون ان افقد عذريّتي !!!
تبّا ًألا يُقال أن المصائب حين تأتي فـ هي تأتي مُجتمعة ؟ هذا ما ينطبق تماماً على
وضعي الحالي .. فـ ما كدْتُ افيقُ من وقع الصدمةِ الأولى حتى فوجئت بمداهمة
المكان من قِبل رجال " الهيئة " ..
ارتعش جسدي وسقطتُ على الأرض بِـلا حراك .. أقلّب ناظريّ بـ حسرة على مصيرٍ
اخترته لنفسي في لحظة غباء ..
" أمّي العزيزة اعذريني فقد خذلتكِ و أضعتُ سنواتٍ حاربتي العالم أجمع من أجلي ..
فـ لن يخرجني من مركز الهيئة إلا عمّي صالح الّذي هدّدكِ مراراً بـ حرمانكِ منّي !
ليس هذا فقط يا أمّي.. فـ لقد أهديتهم أيضاً اثباتٌ نظريّ على كل اتهاماتهم السابقة
لـ يبرهنوا للجميع سوء تربيتك !! "
أحسستُ بـِ ألمٍ شديدٍ في ساعدي واظافر مجهولة تنغرزُ في لحمي .. فـ تنتشلني من دوّامة
تأنيب الضمير التي لن تجدي نفعاً .. لـ يسحبني الى الخارج بعيداً عن تلكَ الجلَبة ..
بدا صوته غاضباً وكلماته تخرج بصعوبة وهو يصّر على اسنانه ..
- هذي آخرتها يا بنت محمّد ..
رفعت نظري قليلاً لـ أُصدم برؤية آخر شخص تمنيت أن أُصادفه في هذا المكان .. تحاملتُ
على ألم جسدي النازف وألم روحي الأكثر نزفاً .. فـ خرجت كلماتي مثقلة بِـ الوجع ..
- خالد ؟!
تجاهل نظرتي المتسائلة وأكمل سحبي كـ شاةٍ تُقاد الى المسلخ لِـ يزُجُّ بي في المقعد الخلفي
لسيارته تِلك التي حلمتُ دوماُ بـ ركوبِ المقعد الأماميّ فيها بجواره .. أمسكَ شعري
بقوة من الخلف لـ ينظر في عينيّ مباشرةً .. و تلفحُ وجهي أنفاسه الحارِِقة ، الحانِقة !!
- انطقّي تحت وأنتبهي لا أحد يشوفك .. ثواني بس وجاي ..
لمْ أبكي ولمْ أصرُخ بل اكتفيت بالصّمْت .. فـ أنا مازلتُ تحت تأثير الصدمة الموجِعة ..
و كلُّ ماحدث اليوم أشبهُ بِـ كابوسٍ مزعج يؤرّق نومي ..
لا أعلم كم من الوقت مضى علي وأنا اتجرّع مرارة الصدمة .. حتى رأيته يفتح الباب
الخلفي لـ ينظر إليّ بكل ازدراء ويلقي عليّ عباءة وبِضع كلمات مؤلمة ..
- خذي استري نفسك ..
ركِب مكان السّائق ومشى خارجاً دون ان يلحظ ذلك أحد ..
بدأت أخيراً في استيعاب
كل ما حدث وتساقطت دموعي بـ غزارة تتبعها شهقات حاولت كتمانها قدر المُستطاع
لـ يتكلم هو أخيراً بعد صمتٍ طويل ..
- هذي آخرتها يـ الشريفة العفيفة حفلة كلها شباب ؟ وشو بعد علميني ..
كان غاضباً جداً فـ رعشة يديه وتعالي صوت أنفاسه أكبر دليل على تلك المعركة الطاحنة
بداخله .. صرخَ وشتَم ولمْ يُبقي كلمة قاسية إلا والقاها على مسامعي .. علا صوت
نحيبي فـ كلماته موجعة جداً ..
وقلبي لا يحتمل سماعها ممّن أَحَب .. أردتُ الدفاع عن نفسي ونفي كل التُّهم التي تُلقى
بهتاناً علي .. لكنّه لم يترك لي المجال أبداً ..
لففت نفسي بعباءة لا تقل عُريّاً عن الفستان فـ هي ضيقة جداً وتكشفُ أكثر ممّا تستر ..
لـ تتجمد كل اطرافي حينَ القى قنبلته المدويّة ..
- كنت أبيك .. أبيك إنتي كل ماشفت تعلق أمل فيك ومدحها لك تمنّيتك لي .. كنت أقول
لـ أمي مابي وحدة حلوة أنا مايهمني الجمال بس أبيها متديّنة وإخلاقها عالية و بكل
مرة كنتي إنتي الإسم الوحيد اللي دايم يرشحونه لي ..
َصمتَ قليلاً وكأنه يحٌدّ السِكّين لـ يعاود ذبحي في الصّميمْ ..
- بس الحمدلله ربي ساقني لهـ المكان قبل ما يصير كلام رسمي و اتورط فيك ..
وضعت يدي على قلبي أردت تهدئة دقّاته المتزايدة دون جدوى .. " كان يريدني " خالد بـ وسامته
الطاغية كان سـ يرتضي بـ فتاة أقل منه بـ كل المستويات من أجل أخلاقها .. فـ باتت اليوم
بلا أخلاق في نظرة .. لكن لا .. لا يا خالد فـ أنا كما أنا لم اتغيّر ولم اتبدّل .. لم تسوء أخلاقي
أنا مازلت نفس الفتاة التي أردتها ولكنّه القدر .. نعم القدر من جعل اجتماعنا اليوم هنا ..
لـ تأتي ضمن فرقة المداهمة رغم عملك في المباحث .. أتيت فقط لـ تبدو لي " انت " أجمل ممّا
رأيتُك طوال حياتي .. وأبدو لك " أنا " اقبح ممّا ظننْتَ طوال حياتك ..
- أمل أنسيها يا سمر لا تجينها ولا اشوفك بيوم معاها حتى اتصال فيها ما أبي ..
التفت إليّ غاضباً لـ تلتمع عينه بـ بريق خاص أشعل النيران في قلبي .. ليطلق عليّ سهام تهديده ..
- والله ثم والله لو عرفت بس انه فيه بينك وبينها أي اتصال لـ يوصل كل شي لـ عمك
وأنتي عارفة وش راح يصير وقتها ..
بلا شعور أمسكتُ بـ يده لـ تنتفض أوصالي وتسري قشعريرة موجِعة ًفي جسدي ..
- لا يا خالد تكفى إلا أمل ماعندي بـ الدنيا صديقة غيرها ..
ابتلعت ريقي الجّاف لـ أُكمِل بـ رجاء ..
- وربي ما صار شيء من اللي انت تظنّه هم كذبو علي وخدعوني ..
نفض يدي بـ اشمئزاز وعاود النّظر إليّ بـ ذات النظرة القاسية والسّاخرة ..
- كلهم مظلومين ومالهم ذنب تصدقين ؟!
ثم أكمل بـ ذات النبرة المهددة ..
- من الآخر كلام غير اللي قلته ماعندي ولا راح أزيد كلمة وحدة أمل تنسينها ..
أوقف سيارته بالداخل لـ يقول بـ كل برود ..
- لا أحد يشوفك من أهلي أنا بـ جيب لك عباية من عند أمل .. ومن تطلعين الحين
ماعاد لك دخلة ابد لِهـ البيت ..
فرّت كل الكلمات مني .. ونسيت كل ابجديات النقاش والحوار أو حتى الدفاع عن النفس ..
التزمت الصمت أمام من تشوّهت صورتي عندهُ " خالد " حب الطّفولة والمراهقة والصّبا ..
عدتُ الى منزلنا كسيرة .. مثقلة بالوجع .. أردتُ ان اطرق الباب فـ وجدته مفتوحاً ..
أسرعت الى غرفتي واغلقت الباب لـ اطمس ملامح جريمتي قبل ان يلمحني أحد ..
خرجت بعد نصف ساعة لـ أعلن لهم عن عودتي لـ اتلقى كلمات توبيخ من أمي على عودتي
بـ مفردي في هذه الساعة .. رغم انها لم تتجاوز العاشرة والنصف بعد .. أخبرتها
بـ أنّني أضعتُ هاتفي وانسحبتُ بكل هدوء الى غرفتي .. و ملاذي .. أقفلت الباب على نفسي
لـ أُغرق في دوامة بكاءٍ لا تنتهي .. نعم بكيت كما لم أبكِ قط .. فـ حياتي البسيطة الهادئة
كانت خالية من أي تعقيدات تذكر ..
عائلة مترابطة يجمعها الحب و صديقة عمر لم افارقها يوماً وفارسُ أحلامٍ اعتدتُ
مراقبته كلّ صباحٍ و مساء .. ثمّ ماذا بعد ؟! لحظة تمرّد و جنون تُفقدني كلّ ما حولي ..
ازدادت عليّ اوجاعي ولم أعد احتمل كل هذا الألم .. اخذني تفكيري لـ تفاصيل هذا اليوم
أمل وضعفها وروحها المنكسرة كانت آخر صورة احتفظت بها لها في قلبي .. وخالد
ذلِك الحُلم الّذي أجْزمت مراراً انّه مستحيل و أحببته بـلا أمل ..
ضاع مني بعد ان كان قاب قوسين أو أدنى .. ايُعقل أنّ من أردته طوال حياتي كان يريدني هو الآخر !!
لم أعد احتملُ هذا العذاب فـ أنفاسي ضاقت عليّ والحزن استوطن ذاتي .. استرقت
السّمع لـ اتأكد من خلو صالة المنزل من اخوتي وأمي وهممت بالخروج .. رأيتُ
أخي غسّان مستلقياً على الأرض و يتابع بشغف إحدى برامِجه المفضّلة .. وضعت
يدي على فمي لـ اكتم صوت شهقاتي .. ومشيت بخطواتٍ حذرة ..
صعدت الى سطح المنزل واستنشقت أكبر قدرٍ من الهواء .. دعوت الله أن يلهمني الصبر ..
فـ أنا قويّة ولم تزدني أحزاني السّابقة إلا إيماناً ويقيناً .. و أعلم جيداً بـ أنّني سـ اتخطّى
هذه المحنة بـ التأكيد .. فقط احتاج الى الصّبر .. " أرحمني يا الله "
مضت الأيّام سريعة وبدَأَتْ الدّراسة وبدَأْتُ أخيراً بالعدِّ التنازلي لـ تخرّجي الّذي
سـ يكون بـ حلول نهاية هذا العام بـ مشيئة الله ..
لم أرى صديقتي أمل طوال
شهرين رغم أنّنا لم نفترق يوماً .. كثُرت تساؤلات امّي وقضيتُ أنا على كل
الأعذار المُمْكنة .. فـ كان سفرهم لـ مدة شهر خيرُ منقذِ لي حتّى أُعاود ترتيب حياتي من جديد ..
اليوم عدتُ من الجامعة وبـ داخلي رغبَة ملحّة لـ تنفيذ ماعزمتُ عليه منذُ أيّام ..
ضغطت على تِلك الارقام الّتي أحفظها كما أحفظ اسمي تماماً ارتجفت يدي
وتسارعت نبضات قلبي فِـ انتظار الطرف الآخر ..
- الو !
أغمضت عينيّ وسحبت أكبر قدرٍ من الهواء الى رئتيّ .. أردتُ التّكلم
فـ ضاعت منّي الكلمات ..
- الوووو ؟
بنبرة متملّلة أو ربّما غاضبة .. لـ توقظني من شرودي .. استجمعتُ كل قوّتي
وهمستُ بـ ارتباك ..
- خالد ؟
- هلا
- ممكن أتكلّم معاك وتسمعني للآخر ؟
- عفواً من معاي !
خرج صوتي ضعيفاً جداً لـ يجيبهُ بـ كل خوف ..
- أنا سـ ـمـ ـر ..
سكتَ طويلاً ولمْ اسمع الاّ صوت أنفاسِه المتسارعة .. الصقت الهاتف أكثر على أذني
وإرهفتُ السمع لها .. ثواني فقط لـ أتذكّر هدفي من هذا الاتصال و أهمس ..
- خالد لو سمحت بس أبي أقول لك شي مهم ..
- وأنا من الأول انتظر ..
تردّدتُ قليلاً قبل أن أتكلّم ولمْ أعرف مـ الّذي سـ أقوله له وكيفَ سـ ابتديء بـ تبرئة نفسي ..
لكن ما إن بدأتُ أولى كلماتي حتى خرجت باقي الكلمات بقوة .. تكلّمتُ وتحاملتُ على نفسي ..
تساقطت دموعي فـ بلّلت وجنتيّ وغابت آخر كلماتي وسط شهقاتٍ لم استَطِعْ كتمانها ..
لـ يقاطعني بـ كلّ حنان ..
- خلاص سمر تكفين لا تصيحين الله يخليك ..
أحسستُ بفرح غامر يتسلّلُ الى قلبي فـ قلت متسائلة ..
- خالد انت مصدّقني ؟
- صدّقتك أو لا هـ الشي ماراح يغيّر قراري أبدْ ..
" طعنة " تجاهلتها بـ احتراف لـ إبرّر له ..
- تصديقك لي يهمني ..
- ليش .. وش يهمّك فيه ؟
" لـ أنّني أحبّك .. و أحلم أن تصبح لي يوماً .. وأن يحمل أبنائي اسمُكَ ودمُكَ وبعضِك
لأنّني اتنفسّك عشقاً وأذوب فيْكَ هياماً "
أفقتُ من أحلامي على صوته وهو يردّد على مسامعي ذاتَ السّؤال .. لـ أُجيب بـ وجع ..
- أمل هي الّلي تهمني .. أبي اشوفها اشتقت لها وربي ..
- أهااا
لا أعلم هل كان في صوتِه نبرة خيبةِ أمَل أمْ هذا ما صوّره قلبي العاشق لي ..
ثواني فقط لـ يأتيني جوابه ..
- مصدقك يا سمر لأنّي أعرفك زين وأعرف تربيتك .. بس انتبهي لـ نفسك من هـ الأشكال
ترى ما وراهم إلاّ المصايب ..
كانت هذه المرّة الأولى في حياتي الّتي اتجرّأ فيها على محادثة رجلٍ غريب في الهاتف ..
والمرّة الأخيرة كذلِك .. أغلقت سماعة الهاتف بسعادة .. وعادت المياه الى مجاريها ..
بدايات صيف 2010
عائلة عبدالله محمد الـ .......
يتشرّفن بدعوة حضرتكُّن لـ حضور حفل زفاف ابنهم الشاب " خالد "
على الآنسة " ......... "
اتسعت ابتسامتي وأنا اقرأ تلكَ التفاصيل في بطاقة الدعوة .. الحُلمُ أخيراً تحقّق
وسـ يزّف خالد كـ أمير أسطوري الى عروسِه ..
نعم عروسِه الجميلة الّتي اختارتها والدته له .. قرأتُ الإسم مراراً وأنا أتمنى ان تأتي
مُعجزة لـ تمحي حروف اسمها وتستبدلها بـ حروف اسمي لـ أكون الى جانبه ..
انعدمت الرؤية أمامي ولم أعد أرى شيئاً فقد أغرورقت عينيّ بـ الدموع .. ركضتُ الى غرفتي
و أحكمتُ اغلاق الباب لـ أمارس عادتي اليوميّة التي بتُّ أتقنها منذُ ثلاثةِ أشهر حينَ تمَ الاعلان
عن الخطبة رسميّاً ..
واليوم فقط اشيّعُ أحلامي
الى مثواها الأخير .. بعد ان اغتالتها " سحابة صيف " ..
تــمّــت
•غٌـمـوضٌ ـآٍْاْلٍْــورد•
|