المنتدى :
خواطر بقلم الاعضاء
قصاقيص ورق مصير الحي يتلاقى
• قَصاقيص وَرَق (1)
مَصير الحَيّ.. يتْلاقَى..!!
كثيرَةٌ هي جُذاذات الوَرَق التي نجدها دوماً في أدراج مَكاتبنا وجيوبنا أو بين دِفَّتَيْ كتابٍ نََتصَفَّحه أو عُلْبَةٍ أو صُندوقٍ نبحثُ فيهما عن شَيْء ما. هذه القصاصات الصَّغيرة من الورق تَحْمِلُ في العادة أسْماء أشخاصٍ التقَيْناهم يَوْماً في مكانٍ ما أو مُناسَبَةٍ ما أو قطارٍ أو باصٍ أثناء السَّفر وتَعَرَّفنا عليْهم، وتَجاذَبْنا معهم أطرافَ حَديثٍ يطولُ أحياناً ويَقْصُرُ أحياناً أُخرى، ثُمَّ تبادلنا معهم أرقام هواتفنا وأحياناً عناوين العَمَل ومَحالّ الإقامة، وافترقنا كُلٌّ في حالِ سَبيلِه على مَوْعِدٍ بِلِقاءْ. وتَمْضي الأيّام، وتأخُذُنا دَوّامَةُ الحياةِ بَعيداً فتُنْسينا أقاربنا وذوينا بل تُنسينا أنفسنا أحياناً، حَتَّى نَعْثُرَ ـ مُصادَفَةً ـ على واحِدَةٍ أو أكثر من هذه القصاصات الصَّغيرة التي تُؤرِّخُ لهذه اللِّقاءات العابرة، لِنَكْتَشِفَ أننا لا نَتَذَكَّرُ حتى وجوه هؤلاء الأشْخاص وفي أيِّ ظَرْفٍ أو مُناسَبَةٍ التقيْناهم، ونُحاولُ في دأبٍ أن نَسْتَحِثَّ الذَّاكرة لتُسْعِفَنا بما نَسيناه، وقَد نَظْفِرُ أو لا نَظْفِرُ بشيءٍ من هذه الذِّكريات، فَنُبادرُ بتمزيقِ هذه الجُذاذات الوَرَقِيَّة وإلقائها في سَلَّة المُهْمَلاتْ. نَفْعَلُ هذا دونَ أسَفٍ أو نَدَمْ فهُم أيضاً نسيونا، ألْهَتْهُم مَشاغِلُ الحياةِ عن الوفاء بوعودهم، فلم يَسْعوا للقائنا، وقصاصات الورَقْ التي دَوَّنوا فيها أسماءنا وأرقام هواتفنا كان مَصيرها المَحْتوم ـ أيضاً ـ سَلَّة المُهْمَلاتْ..!!.
أنا واحِدٌ من الناسِ الذين يُمارسون هذه العادة دون مَلَلْ. أدَوِّنُ أسماءً لأشخاصٍ بعضهم التقيتهم لأوَّلِ مَرَّةٍ وتَعَرَّفتُ عليهم، وبَعضهم الآخَر أصدقاء قُدامَى أو زُملاء دراسةٍ أو عَمَلْ باعَدت بيني وبينهم الأيامُ والأحداثُ والخُطى، ثُمَّ التقيْنا مُصادَفَةً وتبادلنا حديثاً قصيراً ودَوَّن كُلٌّ منّا للآخَر عنوانه ورَقَمَ هاتفه وافتَرقْنا على مَوْعِدٍ بلِقاء. وهو لقاءٌ لا يَتَحَقَّقُ في الأغْلَب الأعَمّ من الحالاتْ. وهي جُذاذاتٌ مآلُها إلى الإهمال والنِّسْيان ثُمَّ التخلُّصِ منها كَكُلّ الأشياء الزائدة عن الحاجَة. وشَأني شَأْنُ السَّواد الأعظَمِ من الناس، أنسى وجوه هؤلاء الذين التقيتهم وتفاصيل اللقاء بل حَتَّى مكانه وزَمانه. الوَجْه الوحيد الذي أتذكَّره حقّاً بِكُلِّ ملامِحِه وقَسَماته، وأتذكَّرُ تفاصيل لقائنا وحديثنا الذي طالَ لساعَةٍ أو بَعْضِ ساعة، هو لِشَخْصٍ الْتَقَيْتُه مُصادَفَةً ذاتَ يَوْم، وحين حانَ وقتُ فراقِنا هَمَمْتُ بتدوين رقم هاتفه فأجابني ضَاحِكاً: لا تَفْعَلْ.. لَوْ قُدِّرَ لنا اللّقاءُ ثانِيَةً سَنَلْتَقي.. و.. مَصير الحَيِّ يِتْلاقَى..!!
لَكنْ.. بَقِي فِراقُنا ـ حتَّى الآن ـ بغَيْرِ لقاء. ومَعَ ذلك ما يَزالُ خَيْطُ أمَلٍ يُراودني. من يَدْري..؟ رُبَّما تدفعنا أمواجُ الحياةِ يَوْماً إلى الشَّاطئ ذاته. فيكون لِقاءْ.
|