يبحث الإنسان دائماً في كل زمان ومكان عن الحب، والأمل،والأمان، وهذا ما فعلته ميّاسه عندما ضمت اخوتها إليها
بعد وفاة والدتهم وتخلي الأب عن مسؤوليته تجاههم ، وتنكر الأختين لهم
وجشعهما للمال والرفاهية، ،وبعد غدر ابن خالتها كرهت الحب، ترى من هذا الذي سيرضى أن يتزوجها وهى ترعى اخوتها الصغار فهى الأم البديلة لهم
أهلاًوسهلاً في رحلة مع قلمــي
قراءة ممتعة
-----------------------------------------
الجزء الاول:
قالت عليا بحماس و ابتسامتها تشرق في ردهة مكتب فهي وزميلاتها يعملن في القطاع الخاص ومديرهن من جنسية الهندية.. وأغلبية الموظفين من هذه الجنسية إلا كم مواطنة؛ اللآتي لا تعد على أصابع اليد.. يعملن في وظائف متواضعه و راتبهن لا يتعدى ستة الاف درهماً...
- تعاااااالي! ستكون حفلة غير رسمية.. أعرف أن الحفلة في الساعة الثامنة مساءً
وقد تشعرين بــ أنه أمر غير مريح في أن تعودي إلى البيت متأخرة.. صدقيني أنه
حفل صغير يحضره بضعة زملاء وزميلات العمل للاحتفال بيوم السنة الميلادية..
- اتسعت عينا ميّاسه وسألت و مشاعر الضجر يتآكلها: عليا! أأنتِ متـأكدة أن هذا
الأمر طبيعي ، والاحتفال بهذا اليوم الذي لا يمت بصلة لديننا ولا لعاداتنا.. صحيح أننا
نعمل في قطاع خاص ولكن ليس معناه أن نترك التيار يجرفنا..
ردت عليا وسيمات السخرية بادية على وجهها: اوووه ميّاسه لا تصبحي جامدة ومتشددة، الدنيا تطورت وأصبح كل شي easy ... وضحكت بصوت ساخر وخافت
عليا تغري بجمالها كل من ينظر اليها بيضاء البشرة ذات عواطف رقيقة تحب المرح
وتعيشه بكل لحظاته كانت تقنع نفسها أن الرقه تلد الرقه تمتلك قلوب الناس بالوداعه
تجسد الغنج بكل احترافية لانها تحب الغنج ولا تخضع له...تبلغ من العمر اثنين
وثلاثين عاماً وقد ملت من حياتها فهى دائماً تبحث عن رجل يثير غرورها رشيقة
القامة تحب الرياضة وتدمن الأكل عندما تكون مقهورة كانت أطول زميلاتها مما جعل
الرجال يلتفتون إليها..ميّاسه جميلة وتريح العيون لا تحتاج مساحيق التجميل ذات
رموش كثيفة طويله طولها تحت المتوسط بالرغم أنها لا تمارس الرياضة كثيراً فهى
مازالت تحتفظ بقوامها المعتدل... متوسطة البياض...تمتلك أنف شامخ وملفت، أصابع
يدها طويلة لحد الاغراء..ذات وجه حسن صافي
حاولت ميّاسه أن تتملص من هذه الدعوة فأخذت تتلهى بالأوراق الموجودة أمام مكتبها
وترد على كم الإتصالات التي تعتبر جزء لا يتجزأ من عملها الدائم.. فهي تحضر
لدوامها من الثامنه صباحاً حتى الرابعة مساءً... كان عملها في المؤسسه يشغل معظم
أوقاتها .. إضافة إلى أنها هي المسؤولة عن أخوتها الصغار المكون من ثلاثة أولاد
وطفلة صغيرة لا تتعدى الثلاث من عمرها.. فهي المعيلة الوحيدة بعد تخلي والدهم عن
الإنفاق، والمربية اليتيمة بعد وفاة والدتهم.. بالرغم أن لها اختان تكبرانها فالعمر...
يكفي أنها تخلت عن دراستها الجامعية وضحت بكل شيء حتى تُشعر هؤلاء الأيتام بأنها
معهم وعلى قلب واحد... لا وقت لديها لحياة اجتماعية.. ومع كل هذا لم يكن بإمكانها
تجنب زميلاتها .. فهي تنظر إليهن كأنهن خرجن من المجلات التي تهدف الفئة المهتمة
بكل مباهج الحياة من الزينة إلى آخر صيحات الموضة...
نمط حياتهن مختلف تماما عن حياتها..ولباسهن يختلف عن لباسها.. فهى تأتي إلى
عملها بلباس متواضع ولا تضع مساحيق التجميل..
- من الذي يستأهل، والدنيا لا تستحق وكل العاملين من الجنسية الهندية.. ضحكت في
سرها عندما ترى البنات يبالغن في الزينة ثم استغفرت و دعت الله لهن ولها
بالهداية .
بعد انتهاء الدوام ركبت سيارتها ، وهي تنظر إلى الشارع المزدحم بتأفف،و السماء
ملبدة بغبار أشبه بالغيوم من كثرة أعمال البناء و الصيانة، وكثرة بناء الأبراج في ذلك
الشارع الذي لا ينفك ينتشر كالهشيم المحتظر.
- أووف ..لا يوجد موطأ قدم في أن نمشي بروية ورواق.قالت وهي تهز رِأسها
بضيق وضجر تحاول الوصول ِإلى أقرب مكان حديقة ما، مسجد، أو حتى بيت
صديقتها حصة،ولكن الناس لا يعطونها فرصة، وهم من كل حدب ينسلون.. وكل ٍ
يحاول أن يسابق الآخر لـلوصول إلى بيته بسلام ليخرج جسده المعبأ بتعب العمل و
الشارع المزدحم، والانسانية التائهه ،والمتهالكة بـ ضغوطات الحياة.. وكلهم يهزون
رؤوسهم بأسف مما يحدث ويوميًا ، ولسان حالهم يقول: إلى متى هذه المعاناة؟!
بصرخة داخلية مكبوتة لما يحصل لهم ويهزون أكتافهم بسأم وفرط غضب.. من الأزمة
الخانقة التي تعصف بهذه المدنية الوليدة والتي جعلت كل التجار والرجال وأصحاب
المال ينظرون إليها نظرة اشتهاء خاصة..فهم يريدونها لشم الهواء... لمشوار الثراء
في ساعة.. كأس الثمالة.. رقصة.. ولا يريدونها لمحطة البناء الحضاري.. والتكافل
الاجتماعي فالمال سيد الموقف وعصب الحياة...
- صرخت داخلياً:صدق من قال المال في الغربة وطن... والفقر في الوطن غربة..
انحرفت بسيارتها إلى شارع فرعي حتى وصلت إلى حي متواضع من أحياء دبي وهي
في حالة ثورة.. فــ كل شيء يبعث على السخط ونزلت عن سيارتها تحاول أن
تهدئ أعصابها وتتمشى لتحرك دمها فلن تستطيع الوصول إلى البيت في الساعة
المحددة. فالشمس على وشك المغيب.. وبينما هي تسير دون أن تعرف وجهة سيرها
وكانت الساعة تشير إلى الخامسة والنصف مساء، فإذا بسيارة مرسيدس بحرية اللون
وعليها رقم أبوظبي مميز تقف بالقرب من الرصيف وكان يقودها شاب في منتصف
العمر عليه سمات الرفاهية والثراء.. ولم يحدث لها أن تأخرت لمنزلها في مثل هذه
الساعة ولكنها الصدف.. ونظر إليها الشاب ، فاقترب من نافذة سيارته ..وترددت هي
ثم دفعتها الحشرية في أن تقترب
- وقالت له بلهجة جافة: ماذا تريد.. لا وقت لدي للعبث كانت تحاول أن تصب جام
غضبها عليه حتى تهدأ نفسها وتوترها من ضغط الشارع وتأخرها عن البيت وكان
هو عباره عن كيس ملاكمة كهذا وجدته..
- ابتسم لها وقال بصوت عميق ذو نبرة جادة: أنا لا أريد مما تتصورين ولكن أريد
أن أنبهك بأن مؤخرة سيارتكِ مفتوحة ... ثم ذهب مع الريح
كان حنطاوي اللون، عريض الكتفين، يمتلك رقبة قوية، شعره أسود ناعم ،
كان ذو ملامح مميزة حليق الوجه موضة بين شباب اليوم،وجه للخلق للابتسام
لم تعرف ما لون عينيه حيث كان يرتدي نظارة سوداء..
لا تدري لماذا طبع ملامح وجهه في ذاكرتها بهذه اللمحة الخاطفة لا تدري كم يبلغ من
الطول لأن من أصابع يده وهو يشير إلى سيارتها يدل على أنه فارع الطول
و أخيراً و صلت إلى البيت في الساعه السابعة بعد أن خف الزحام.. يارباه منطقتي لا
تبعد أكثر من ربع ساعه وكأني قطعت مشوار امارتين وليست منطقتي
ها هو ملامحه يعاودها من جديد كانت تبتسم عندما يمر طيفه وهي تخلع عباءتها
وخمارها، دخلت منزلها الصغير المكون من أربع غرف بالإضافة إلى صالة كبيرة
متصلة بمجلس الرجال.. رمت بعباءتها على الأريكة واستندت على باب الصالة
يرافقها شعور بالذنب لتأخرها عن اخوتها الصغار..
- هيييييه لقد جئتِ وارتمى سيف في حضنها ليستمد منها بعض الأمان والحنان
المفقود.. أين كنتِ ولماذا تأخرتِ؟!! قالها بصوت خائف ومحتج
جلست ميّاسه على أطراف الكرسي القريب منها، تمسح على رأسه بحنان يخالطه بعض
الذنب.. خاصة أنها تجد صعوبة في أن تشرح له سبب قبولها بهذه الوظيفة وهو يــ كاد
يبلغ الثامنة كان نحيف الجسد أسود الشعر والعينين كــــ والدته.. وكانت مضطرة أن
توصل له رسالة في أن يتفهم طبيعة عملها
- حبيبي تعلم أنني أعمل في قطاع خاص، والمكان بعيد وبالذات الشارع الذي يؤدي
إلى البيت مزدحم .. تحملني حتى أبحث عن وظيفة تناسبنا.. لم تستطع أن تقول له
أن لا وجود لوظائف مناسبة لمثل حالتها.. وحاولت أن تخفف من التوتر ببعض
الفرفشة والضحك لــ تبعث جو من المرح والراحة
- حمدالله على السلامة آنسة ميّاسه! وأخيراً تشرفتِ ووصلتِ إلى البيت، تعرفين أنني
زوجة و حامل ولا وقت لدي لأجالس اخوتكِ ، فقد سببوا لى الصداع والسأم! وزوجي
حمد يتصل كل لحظة متى ستعودين إلى البيت؟! وأنا أحاول أن أمتص غضبه، و لآخر
مرة تطلبين مني أن أبقى مع اخوتـكِ.. سمعتي!! بصوت صارخ ومؤذي سلمى
الأخت الوسطى والتي تكبرها بــ ثلاث سنوات.. تزوجت ابن خالتهن.. الذي خدع
ميّاسه في يوم من الأيام.. ووعدها بالزواج ولم تعي ميّاسه حتى علمت أنه خطب
سلمى وهي متوسطة الجمال وبليدة المشاعر ولكن لله مقاليد الحكم ؟...
- كما هم اخوتي فهم اخوتكِ لا تنسين!.. وحجة الغائب معه.. ماذا في الأمر لو
انتظرتي؟! فبيتكِ لا يبعد عن بيتنا سوى بضع دقائق .. وليس عيباً أن تنامي هنا!!
قالتها وكلها أمل في أن تغادر ما عادت تأمن على نفسها من زوج أختها.. المخادع
والذي مازال ينظر إليها بنظرة ذئب... غادرت البيت وهي تنظر إلى ميّاسه نظرة سقم
ومرض... كأن ميّاسه عجوز شمطاء خربه..
- حمد ابن خالتها قبل غدره...
- كانت أجمل أيامي معه عندما كان يتصل بي في الساعة السابعه مساءً ويومياً،
ليخفف عني الألم، وفقداني لأمي، لقد أخبرته بأسرار قلبي.. ومنحته حبي وعاطفتي
له.. وأخبرته بكل شي توقي إلى الجامعة.. وعن أنانية أختيّ اللتان رفضتا التضحية
لأجلنا نحن الأصغر منهما.. كلتاهما تخرجتا في الجامعة.. وأجبرتُ أنا على أن أضحي
لأجل اخوتي الصغار.. بحجة أني كثيراً ما أخفقتُ في الدراسة.. صحيح أنني تخرجت
من الثانوية متأخرة. لم أتوقع من بعد وفاة والدتنا أن كل شيء سيتضح.. من والدي
لاختيّ الكبيرتين ... وأن أنا واخوتي الصغار سنكون فريسة أنانيتهم.. كم كان عمري
عندما تخرجت من الثانوية أجل خمس وعشرون عاما التحقت بالجامعة وكنت على
وشك التخرج عندما جاءني خبر مرض أمي الشديد... تركت كل شيء لأكون
بجانبها.. كنت أتكلم معه لـــساعات طوال.. أبث له شوقي والآمي ويبث لي شوقه
ومواساته لي... كان يدعي أنه مهتم بي.. في وقت لايريد سوى أن يلهو معي.. حتى
شكت صديقتي حصة بالأمر وطلبت مني أن أقول له أن يتقدم بطلب يدي... ووعدني
بذلك ...و بعد أن نطقت خالتي أن حمد طلب يد سلمى.. أصبتُ بالانهيارالعصبي.. ولم
يعلم أحد سبب انهياري سوى حمد الذي طعن قلبي وصديقتي المقربة حصة...
راحت ميّاسه تتقلب على فراشها أرقاً وتعصر دماغها.. بحثاً عن لحظة نسيانه. قالت
بصوت خافت:
- لا ما عدتُ أحبه، ولكن قلبي أعطيته له لمدة عامين ، وكافأني بزواجه من أختي،
بقلب ملؤه الألم والعارابتسمت كانت حياتها عباره عن فلاش باك...وميض أبيض
يسطع في عينيها المملوءة بالدموع... الإشفاق على النفس لم يكن أمراً تسمح بأن
يتملكها طويلاً.. فنهضت من فراشها ودخلت إلى المطبخ لتحضر فنجان من شاي
البابونج وحضرت بعض من الخبز وجلست على الأريكة تمد رجليها على الطاولة
وتقلب بآلة التحكم تبحث عن شيء يستحق المشاهدة فوجدت مباراة تتسلى بها حتى
يأتيها النعاس.. كانت تعشق كرة القدم جداً والآن لا تهتم بسبب المسؤولية
- هل قمت بالأمر الصائب عندما اخترت هذه الوظيفة؟ للمرة ألف تسأل نفسها هذا
السؤال وهي تحس بأن الوظيفة أخذ أوقاتها وحياتها، واستنزف كل جهدها فهي تعود
منهكة لا قدرة على التواصل مع اخوتها.. شعرت بتأنيب الضمير لأنها لم ترى أختها
الصغيرة فقد غفت من شدة الإنهماك والتعب... ولم تتعشى معهم...