كاتب الموضوع :
سفيرة الاحزان
المنتدى :
الارشيف
أغمضت فالنتينا بصرها وقالت :
((أين هو ؟ في المتشفى طبعاً ، في أي مكان آخر تتوقعين ؟))
((في المتشفى ؟ بالتأكيد ليس مشفى سانت ماري ))0
(( لا ، هو في مشفى جود ن أخذوه إلى هناك بعد الحادث ))
بدأ الخوف في عينيها وتابعت :
((يا الهي كم كان منظره يبدو مخيفاً ، ظننت في بادئ الأمر أنه مات ))
وضعت كاترين يدها على ذراع أختها بحنان ، وقالت :
((مسكينة فالنتينا ، ليس الغريب أن تكوني على هذه الحالة ، ولكن كيف هو الآن ؟ أعني هل يتوقع الأطباء شفاءه ؟ ))
صاحت فالنتينا بعنف :
((يجب أن يشفى ، نعم يجب أن يشفى ، وإلا فإني لا أدري ماذا سأفعل 000))
لم يسبق أن رأت كاترين أختها على مثل هذه الحالة من الهيجان والقلق ، فقالت تحاول تهدئتها :
(( لا تضطربي ن سيشفى بكل تأكيد ن فالأطباء يستطيعون فعل المعجزات في هذه الأيام ))
((نعم هذا صحيح))
((اخبريني ، متى حدث ذلك ؟ أقصد الحادث ، لماذا لم تتصلي بي حينما سمعت الخبر ؟))
نظرت فالنتينا إلى أختها شاحبة مشدوهة وتمتمت :
((سمعت!!))
قالت كاترين بلطف :
((سمعت عن الحادث ؟ متى عرفت ؟ يبدو أنه الليلة الماضية ، هل علم أهل غبين بذلك ؟ أني أتوقع أنهم 0000))
قاطعتها فالنتينا وعيناها تتطلعان بقلق ، والكلمات تخرج من بين شفتيها كلمة تلو الأخرى ، وكأنها تجاهد في إخراجها :
(( آه ، إنك لم تفهمي شيئاً أختي ، أنا لم أسمع بالحادث ، أنا كنت هناك ، كنت معه ، لقد كانت غلطتي !! ( وتابعت باكية ) ألم تفهمي بعد ؟ الحادث حصل الليلة الماضية ن ليلة عطلتي ، وأنا التي كنت أقود السيارة ))
تكلمت كاترين لاهثة :
(( أنت ؟ لكنك لا تحملين إجازة قيادة!!))
أشاحت فالنتينا بنظرها وهي تقول :
(( ليس هذا هو المهم الآن ، ليس هذا ما أحاول أن أخبرك إياه ، آه كاترين ، ماذا يمكنني أن أفعل ؟ من الممكن أن يموت غلين وإذا حصل ، فأنا التي سيقع عليها اللوم 0))
أحست كاترين بالغثيان ، لم تعد قادرة على الوقوف ، القت الجزء الباقي من السندويش من يدها على صينية بجانبها ن ودون أن تفوه بأي كلمة 0
امتلأت عينا فالنتينا بالدموع وهي تتابع ك
((ألا تستطيعين أن تقولي شيئاً ؟ ألا تستطيعين أن تقولي على الأقل أنك فهمت ؟ يا الهي !! كاترين ، إذا لم تساعديني فمن غيرك يفعل ؟ أختاه 00أني خائفة , خائفة جداً ))
وضعت كاترين الكأس على الصينية ن وفركت يديها ببعضهما ، ثم تمتمت بضعف :
(( يجب أن تمهليني بعض الوقت ، يا فالنتينا ، فلا أعرف ماذا أقول ))9 تمتمت فالنتينا وهي ترتجف :
(( أمهلك ؟ كاترين أنني لم أنم ليلة أمس ، حتى ولم أتمدد على فراشي ن لقد بقيت أهيم على وجهي بالطرقات عدة ساعات ن منهوكة القوى ، ومع ذلك لم أستطع العودة إلى مشفى سانت ماري ))
قاطعتها كاترين :
(( انتظري لحظة ؟ ماذا تعنين مشيت عدة ساعات في الطرقات ؟ !! لقد قلت أن غلين أخذوه إلى المتشفى بعد الحادث ))
((نعم هو كذلك فأنا التي اتصلت من أجل سيارة الإسعاف ))
((ولم يطلبوا منك مرافقتهم ؟ أعني الشرطة ن لا بد أن الشرطة كانت هناك ، ألم يطلبوا منك تقديم إفادتك ؟!))
أحنت فالنتينا رأسها والألم يعصر قلبها ، وقالت :
((الأمر ليس كما تظنين ، عندما وقع الحادث لم يكن هناك أحد في المكان ، آه أنا لا أعرف كيف حدث هذا ، كنت أقود السيارة وأنا في غاية الفرح والسرور ، وإذ بقطة تقفز أمامنا ، صاح غلين توقفي ،و لكن على غير وعي مني ، وفي حركة عكسية ضربت قدمي دواسة البنزين ، فارتطمت السيارة بعامود الكهرباء ))
((آه ، فالنتينا !!))
((لقد كان حادثاً مريعاً ، لا بد وأن رأس غلين أرتطم بالنافذة رأيته مغطى تماماً بالدم ، فتملكني رعب شديد ، ولم أكن أفكر في شيء ، إلا أن ابتعد عن مكان الحادث بأي طرقة خوفاً من أن يراني أحد ، أو يشهد علي أحد ))
((انتظري لحظة ، قلت أنك اتصلت هاتفياً بنفسك ، من أجل سيارة الإسعاف 000))
(( نعم 00نعم ، من هاتف عمومي قريب اتصلت وفررت هاربة 00))
ذعرت كاترين مما سمعت ، وصاحت :
((فالنتينا!!))
فالنتينا أخذت تعبث بخصلات شعرها بحركة عصبية لا إرادية ، ثم قالت :
(( ماذا ؟ ما الذي كان يمكنني عمله ؟ لقد أخبرتك ، كان منظره مريعاً ، لم استطيع البقاء ، هل كنت تتوقعين مني أن أنتظر حتى تأتي الشرطة ، وتلقي القبض علي ؟))
تناولت كاترين بقية شرابها ، وهي تجمع شتات أفكارها وحاولت أن تتكلم بهدوء :
(( فالنتينا ، الشرطة ستعرف أجلاً أو عاجلاً أن هناك شخص آخر كان مع غلين ، وأن هذا الشخص هو الذي كان يقود السيارة ، فدعينا نواجه الحقيقة ، أنت أول المشبوهين ، فأنت صديقته ، ولا بد أنه أطلع أصدقاءه على ذلك))
قاطعتها فالنتينا :
(( لا ، لا كان الوقت متأخر ، ولم يرني أحد من أصدقائه معه ، كنا في طريق العودة إلى المتشفى ، واتخذنا الطريق الجانبية ، حتى أتمكن من القيادة ، ولولا ذلك ، لكان بإمكانه أن يوصلني خلال هذا الوقت ، وأن يكون في طريقه عائداً إلى شقته ))
قالت كاترين بحزم :
((ولكنه لم يفعل ، فالنتينا واجهي الحقائق ولو لمرة واحدة ، لم لا تكوني واقعية ؟فإن غلين لم يكن أمام المقود))
((لن يعرف أحد ذلك))
(( ماذا تعنين ؟؟))
هزت فالنتينا رأسها وقالت :
((أخبرتك أن رأس غلين ارتطم بزجاج النافذة الذي تحطم ، فسحبت رجليه أمام مقعد القيادة ))
((يا الهي !!! أحسبك قلت أنك مذعورة؟! ))
كان صدر فالنتينا يعلو ويهبط بسرعة كبيرة وهي تقول :
(( نعم كنت مذعورة ، كنت أرتجف رعباً ، ولا يمكنك أن تتخيلي ما كنت أحس به هناك ، في الظلام الرهيب ، وأنا أعلم أن غلين قد يموت بين لحظة وأخرى ))
زفرت كاترين بقلق قائلة :
(( هل تدركين ، أنك ستتهمين بجريمة قتل عن غير قصد ؟ ( وتابعت صارخة ) كيف فعلت ذلك ؟ كيف فعلت؟!))
وضعت فالنتينا يديها في جيبها ، وتلفتت حولها بقلق وهمهمت :
(( يمكنك أن تتكلمي كيف شئت ، فأنت لم تقعي في مثل هذه المتاعب من قبل ، لا شك أنك لم تحبي أحداً ، حتى ولا سيمون ، أنا متأكدة من ذلك أيتها المتكبرة المتزمتة ))
وضعت كاترين يدها على ذراع أختها تهدئها ، وقالت :
(( لا يمكنك أن تكسبي عواطفي بالتعرض إلى سيمون ترافس ، فسيمون صديق حميم ، وأنت تعلمين أنني معجبة به ، ولكني لا أعرف ما سيكون شعوره عندما يعرف القضية ))
لم تفارق علامات الخوف والرعب وجه فالنتينا ، وهي تعلق على كلام أختها :
((معجبة ، ما أروعها من كلمة تستعملينها عن الرجل الوحيد في حياتك ))
تجاهلت كاترين كلام أختها الأخير ، فالمسألة الآن أخطر من أية مشكلة سبق وأوقعت فالنتينا نفسها فيها ، ولكنها هي الأخرى لا تعلم بماذا تنصحها ، فهل من الخير أن تقنعها بالاعتراف ؟ وهل اعترافها سيساعد غلين على الشفاء ؟
بالتأكيد لا ، أو تسمح لأختها بالهرب من وجه العدالة ؟ في أية حال ، هناك حقيقة واقعية لا يمكن لشيء أن يغيرها ، فالنتينا هي التي كانت تقود السيارة ، وكلاهما كانا لا مباليين ، فإذا توفي غلين فإن أختها هي المسؤولة ، وعليها أن تتحمل وزر عملها ، ولكن إذا شفي غلين ، فما فائدة تقديمها للعدالة ؟ وتكفيها هذه التجربة التي تمر بها عقاباً لها وعبرة ، فلعلها لا تعود في المستقبل إلى مثل هذه الأعمال الطائشة 0
فالنتينا كانت تراقب أختها بفارغ الصبر تنتظر منها حلا ينتشلها من هذا المأزق الذي وقعت فيه ، ثم قالت :
((هل تريدين كأساً آخر من الشراب ؟))
((لا ، شكراً يجب أن أذهب حلاً ))
أمسكت فالنتينا بأختها تحتجزها وقالت :
(( إلى أين ؟ لم أسمع رأيك حتى الآن !!))
((رأيي ؟ فالنتينا كيف عرفت أن غلين لا يزال في غيبوبة ؟ هل اتصلت هاتفياً بالمشفى تسألين عنه ؟ ))
((لا ، هم اتصلوا بي ))
رفعت كاترين حاجبيها باستغراب ودهشة وقالت :
((اتصلوا بك ؟))
هزت فالنتينا كتفيها :
((نعم هم اتصلوا بي ، إنها حقيبتي ، لقد نسيت حقيبة يدي في السيارة هل تتصورين ذلك ؟ ))
((فالنتينا!))
(( من أجل هذا أردت أن أراك ، أريد منك فقط أن تقولي لهم أني أمضيت الليلة في شقتك ))
دب الهلع في قلب كاترين وبدا الشحوب على وجهها ، وقالت وشفتاها ترتجفان :
((لكن 00لكن لماذا ؟ ماذا يفيدك ذلك ؟))
(( أسمعيني كاترين ، إن شقة غلين ليست بعيدة عن المتشفى كما أعلمتك ، وأريد أو أوهمهم أنه أوصلني إلى شقتك أولاً ، ثم تابع طريقه قاصداً منزله))
((لماذا أوصلك إلى شقتي ، وليس إلى المتشفى ؟ ))
قالت فالنتينا بفارغ صبر :
(( أوه كاترين ، ما بك ؟ يجب أن أثبت لهم أني كنت في مكان آخر وقت وقوع الحادث ، أخبرتك بما جرى ، فقد سرت في الطرق بضع ساعات أهيم على وجهي ، ولم أعد إلى المتشفى إلا في الصباح ، حيث اكتشفت أنهم يبحثون عني ، فماذا تردين مني أن أقول لهم ؟ وما عساي أن أقول ؟))
أخيرا فهمت كاترين كل شيء ان أختها لم تكن لتفضي بسرها لولا أنها أخطأت بترك حقيبتها في السيارة ، ، وكالمعتاد فهي تريد منها أن تجد لها حلاً 0 ثم سألتها ببرود :
(( ماذا قلت لهم ؟ ))
أجابت فالنتينا صارخة :
(( أخبرتهم إني كنت معك في شقتك ماذا يمكنني أن أقول غير ذلك ؟))
ردت كاترين بغضب :
(( إذا أنت لا تطلبين مساعدتي ن بل تخبرينني بما يجب أن أفعله؟))
(( لا ليس الأمر كذلك كاترين ))
((ما هو إذن ؟))
خفضت فالنتينا من صوتها وقالت بشيء من الاستعطاف :
((كاترين لا يمكنك أن تتخيلي ما أحس به ، كان يجب أن أجد سبباً منعني من النوم في بيت الممرضات تلك الليلة ، هل كان بإمكاني إخبارهم الحقيقة ؟ 000ساعديني إنه شيء بسيط !!))
((شيء بسيط !! وإذا مات غلين ، ماذا سيحدث ؟ تجعلين مني شريكاً في الجريمة ، لأني تسترت عليك ؟))
(( لا لن يموت 000))
(( آمل ذلك ، لأنه إذا مات ، لن أقف جانباً وأتركك تفلتين من العقاب))
****************
عادت كاترين إلى مكتبها بعد الظهر ، وكان من الصعب عليها أن تركز تفكيرها في نقطة معينة ، فقد كان رأسها يضج بالأمور التي أخبرتها بها فالنتينا ، كان من الصعب عليها أن تصدق أن أختها ألقت بنفسها في مثل هذه الورطة الكبيرة ، وعجبت كيف يمكن أن تكون ÷ي وفالنتينا أختين ومختلفتين إلى هذا الحد / أنه منذ تركت أختها المدرسة ، وهوة سحيقة تفصل بين طباعهما وتصرفاتهما لآ يمكن اجتيازها 0
السيد جورج يات مديرها الحالي ، رجل متوسط السن ، سريع الغضب ولكنه رجل أعمال ناجح ن ومعجب بعملها إلى حد كبير فهي سكرتيرة جيدة ن لا تعتمد على أحد ، ويمكنها أن تقوم بالعمل وحدها إذا اقتضى الأمر 0
كان السيد جورج مصاباً بقرحة في معدته ويعاني منها الكثير ، وحتى الدواء لم تكن تفغل كاترين عن إعطائه إياه عندما يحس بالألم ن ولكن بعد ظهر ذاك اليوم ن كانت قلقة شاردة الذهن ، مما أثار المدير وجعله يصيح بها :
((ما بك كاترين ؟ هل تحاولين إغضابي ؟ لقد طلبت منك مرتين أن تناوليني ملف السيد ماكودونالد ن ولكنك وبكل بساطة تجاهلت طلبي!))
(( إني آسفة ، سيد جورج ن إني أشعر بصداع ، وهذا كل ما في الأمر ))
أجابها وعدم الرضا باد في عينيه :
(( إن الألم الذي أعانيه من معدتي ، يكاد يمزقني فهل هذا يعني أن أتخلف عن إتمام أعمالي ، وأقول إني أحس بشيء من الألم ، وهذا كل ما في الأمر ؟ ))
حاولت كاترين أن تقول شيئاً ولكنها لم تستطع ، واكتفت بإيماءة من رأسها ، محاولة أن تركز انتباهها على ما يمليه عليها ، لم يكن ذاك بالأمر السهل ، وكم كانت تتمنى ألا يتذكر السيد جورج كل كلمة أملاها عليها عندما يراجع اختزالها 0
كانت مدة اجتماع المجلس قصيرة هذه المرة ، وتنفست كاترين الصعداء عندما وجدت نفسها خارج المبنى ن وسيارة سيمون بانتظارها في مرآب الموظفين 0
كان قد انقطع المطر ، وتلاشت الغيوم ، وانقلب الجو فجأة كأنما الربيع حل معتدلاً لطيفاً ، أمسية من أمسيات نيسان الجميلة ، وأنوار المدينة تتلألأ في كل مكان ، تدحر الظلام وتضيء جميع الشوارع المعتمة 0
حياها سيمون بلمسة لطيفة ، عندما جلست إلى جانبه داخل السيارة وردت عليه التحية بأحر منها 0
هز سيمون رأسه وهو يتفحصها ، ثم قال :
((تبدين شاحبة اللون ، ما بك ؟ هل كان السيد جورج عصبياً مرة أخرى ؟))
أدارت كاترين وجهها بحركة من كتفها تدل على عدم رغبتها الخوض في أي موضوع ، وقالت :
((دعنا من هذا الآن , ولنذهب أني أكاد أموت من الجوع ))
وراحت في شرودها ، فالطعام آخر ما كانت تفكر به ، أما سيمون فقد حرك مقود السيارة ن وهو يحاول أن يلفت انتباهها بحديثه ، فقال :
((بالمناسبة ، لقد قطعت تذكرتين لحضور الحفلة الموسيقية ، التي ستقيمها فرقة بارتوك ،يوم الأحد أنا أعلم أنكل لست كثيرة الحماس لهذا الموضوع ، ولكنك في أي حال سوف تستمتعين ولو لبعض الشيء))
كانت فكرة حضور حفلة موسيقية بالنسبة إليها في هذا الوقت ، كفكرة تناول الطعام تماماً ، لاحظ سيمون تغير في هيئتها ، وكذلك في تصرفاتها ، فتابع قائلاً :
(( ما الأمر ؟ ما بك كاترين ؟ يبدو أن أعصابك متوترة ونظراتك شاردة ، هل هناك ما يقلقك ؟))
تظاهرت كاترين بالابتسام ، وقالت :
((لا ، ليس هناك أي شيء سيمون ، ولكني متعبة فقط))
((لا أظنك غاضبة مني بسبب يوم الأربعاء الفائت ، فقد كان لدي الكثير من العمل ))
|