(( قطار اللا عودة ))
منتدى ليلاس الثقافي
مدت يدها, مد هو الآخر يده, للتلامس الأيدي بدون سابق إنذار, لتسحب يدها بسرعة تشابه سرعة البرق, ليسقط ما كانت تحمله فيها أرضاً, تتبعه عيناه الحزينتان, ليجده وجد سكنناً آخر, أصبح يعيش على الأرض الجرداء, انحنى, انتشله من الأرض, رفع رأسه نحوها, ليجدها قد أولته ظهرها, أخذ نفساً عميقاً وقد باتت رسالتها له واضحة وضوح الشمس في كبد السماء, أخرج ذلك النفس العميق بصعوبة, وشعر حينها كأنه يخرج روحة المعذبة من جسده المنهار, قام منتصباً, ألقى عليها نظرة الوداع, وأولها ظهره هو الآخر, وهم بالمسير بخطى مثقلة بالحزن المضرج بالألم, بات على مشارف عتبت الباب, خطوة واحدة تنهي كل شيء, وتبدأ حكاية أخرى تُكتب في صفحات حياته, رفع قدمه لكنه تسمر مكانه, لم يقوى أن يتابع المسير والقُدم نحو حياة أخرى بدونها, ألتفت نحوها, لترتسم الصدمة في أركان وجهه, فما وقعت عيناه عليه, كان أكبر مما يقدر على تحمله, لقد كانت واقفة بلا حراك, ودمع يكسو عيناها, وتجاعيد الحزن ترتسم على محياها لتشوه ملامح وجهها الندي, لم يقوى على رُأيت دمعها, فهرع نحوها, أحاطها بكلى يديه وحاول أن يغرسها إلى صدره, لكنها أبت أن تسكن صدره, فدفعته بعيداً عنها, نظر نحوها بعينين تحملان الدهشة, أشاحت ببصرها بعيداً عنه, وصوبت سبابتها نحو الباب آمرة إياه بالرحيل, فصرخ بها:- " كلا لن أرحل"
و توجه نحوها, وقف أمامها مباشرة, وقال:- " أنا لن أبرح مكاني, فهذا هو بيتي"
نظرت نحوه, لفحت وجهها أنفاسه الثائرة, أجبرت عيناه عينيها بالتوقف في محطتهما, ليُخرج بعينيه هاتين كل ما يتقد في قلبه.
أغلقت عيناها بعد حوار طويل دار بينهما وبين عيناه التين لم تفرغا كل ما في جعبتهما.
وبصوت يحمل كل معاني الرجاء قال:- " أرجوكِ, دعيني أبقى, فأنا..."
لتباغته راحة يدها التي سدت الطريق لكلماته عن الخروج للعلن.
لتدلوا بصوتها المرتعش بكل الحزن الذي يغرق فيه قلبها الجريح:- " لقد فات الأوان, لقد اخترت, لقد انتهى الأمر"
وعصرت تلك العينين الذابلتان, لتدفع بفوج الدمع المتحشرج في مقلتيها.
أمسك بيدها الملامسة لشفتيه, أبعدها, وقال:- " كلا, لم يفت الأوان بعد"
وطبع قبلتاً على يدها.
لتسحبها من فورها, وتقول والبكاء يخنق صوتها:- " ربما لم يفت بنسبة لك, لكنه فات بنسبة لي, ارحل واتركني أعيش بسلام, بعيداً عن الألم و الوجع الذي تسببه لي"
كور كلتا يديه, الأتي بتتا يرتعشان من شدة الغضب الذي يتقد في صدره.
من وراء دمعها المتكدس في مقلتيها نظرت إليه, ومن ثم قالت:- " ارحل .. ارحل ... ارحل "
قالتها بصرخة دوت في أرجاء المكان.
ليرُد عليها بصرخة أشد من صرختها:- " كلا ااااااااااااااااااااااااااااااااااااا, لن أرحل, فهذا بيتي وأنتِ زوجتي, وتعلمين جيداً بأني لم أفعل هذا إلا لأجلكِ ... لأجلكِ أنتِ " قلها والألم يعتصر أركان وجهه.
أطلقت سهام عيناها إلى عيناه, وقالت وجمر الغضب يشتعل في وجنتيها:- " كاذب, مخادع, لم تفعل هذا لأجلي, لقد انخدعتُ بك, ظننتك حقاً تحبني, لكن في الحقيقة كُنت تلعب بي وبمشاعري , أنت لم تحبني قط , أحببت مالي وجاهي, والآن بعد أن رحل سر حبك لي, ذهبت لتبحث عن امرأة أخرى تخدعها وتحصل على الثروة من جديد, ولقد نلت مرادك, تلك المسكينة انخدعت بك كما فعلتُ , ارحل وأستمتع بثراء زوجتك المستقبلية, قبل أن تفوتك الفرصة, أذهب, أذهب "
أخذت تدفعه بكل ما أوتيت من قوتها التي كانت تستمدها من بركان الغضب المتدفق في داخلها .
بات خارج المنزل, خطى الخطوة التي كان يصارع في سبيل ألا يخطوها مجبراً, صفقت الباب في وجهه الذي رسم تعابير الصدمة, لم يتوقع ولو لثانية بأنه سوف يتألم لتركها, ضن بأنها لعبة بين يديه تدر عليه المال, ولم يُخيل له بأن كل دقيقة قضاها معها كان حبها ينغرس بهدوء رويداً رويداً في قلبه.
لقد ركب قطار اللا عودة بدون أن يدرك ذلك ...