2- العشاء المردود
منتديات ليلاس
لعدة دقائق كان هناك سكون تام في الغرفة لم تستطع هيلين أن تصدق أنها سمعت جيدا ما قاله ولكن شيئا ما في وجهه النحيف الخشن أكد لها أنها سمعته جيدا .
قالت أخيرا:
"لا يمكن أن تكون جادا فيما قلت!".
" للأسف أنني جاد يا آنسة جيمس".
" ولكن لماذا.... لماذا؟".
" بالتأكيد هذا واضح أيضا- فأنا لست مستعدا لذلك النوع من الدعابة الذي سيؤدي الى أكتشافي في هذا المكان".
ورفضت هيلين أن تقبل شعور الخوف الذي بدأ يضطرب بداخلها :
" ولكن... ولكني لن أخبر أحدا ".
قالت محتجة وهي تكرر الكلمات نفسها التي سمعتها كثيرا في الأفلام وفي التلفزيون , عندما كان البطل يواجه بعض الهاربين من القانون , ألا أن دو**** لايول لم يكن هاربا من القانون , كان هاربا فقط من المجتمع .
" للأسف لا أستطيع أن أجازف- أخشى ألا يمكنك مقاومة الأغراء بأن تقولي لوالدك أن الرجل الذي كان يظن أنه مات ما زال حيا وبصحة جيدة ويعيش في منطقة البحيرات".
" لا .... لن يحدث".
وضغطت هيلين على يديها :
"" في أي حال لا يمكن أن تبقيني هنا , هذا غير قانوني!".
فأبتسم أبتسامة كريهة :
" حقا؟".
" ولكنه جنون ! أقصد أن والدي سيبحث عني!".
" قلت لي بنفسك أنه لن يخطر بباله أبدا البحث عنك هنا".
" ليس في البداية , ولكن عندما لا يجدني في أي مكان آخر".
" عندئذ ستكونين حرة في العودة اليه".
وأرتعشت :
" ماذا تعني؟".
" ببساطة أنوي ترك هذا البلد- وحتى أفعل ستبقين هنا".
وشهقت هيلين :
" ولكن هذا قد يستغرق شهورا".
ورد موافقا ببرود:
" على الأقل أسابيع".
وأنفتح الباب فجأة خلفها فتحركت بعصبية , كان بولت وهو يقف على العتبة وكتفاه العريضتان يكسوهما الثلج.
" آه بولت لقد عدت".
وحياه دو**** لايول بدفء لم يظهره لهيلين .
" هل وجدت السيارة؟".
فأبتسم بولت وقال:
" نعم يا سيدي , الحقائب في الردهة , سأخلع معطفي في لحظة وآخذ الآنسة الى غرفتها".
وهز دو**** لايول رأسه موافقا:
" نعم أفعل ذلك يا بولت , وبالمناسبة أن أسم ضيفتنا هو الآنسة جيمس , هيلين جيمس وستبقى معنا فترة أطول مما توقعناه".
لا تعرف هيلين ما تناقله الرجلان لكن كل ما أبداه بولت من أندهاش هو تقطيبة من حاجبيه ثم ألقى بمفاتيحها الى سيده وهو يقول:
" نعم يا سيدي ".
" سأخذ هذه المفاتيح".
قال مخدومه هذا وهو يلتقطها عندما ألقاها له بولت.
" سأشرحلك الموقف فيما بعد – هل هذا حسن ؟".
" نعم يا سيدي".
كان بولت مستعدا لأرضاء سيده بطريقة مثيرة – وشعرت هيلين وهي تراقب الرجلين أنها ستنفجر بالبكاء , لا يمكن أن يحدث هذا لها , لا يمكن أن يكون دو**** لايول جادا فيما ينويه من أبقائها هنا حتى يرتب أمر رحيله من البلد , أن هذا غير ممكن.
وأنفجرت قائلة وهي ترتعش:
" لا أريد أن أرى غرفتي , لا تستطيعان أبقائي سجينة هنا , هذا مستحيل!".
لوى دو**** لايول شفتيه بشيء من القسوة وسأل بلهجة تهديد هادئة:
" وكيف تنوين أن تمنعيني ؟".
" أنا.... سأهرب".
" مرة أخرى؟".
" سأذهب الى أقرب مزرعة أو قرية ,سأتصل تلفونيا وأطلب النجدة".
" لا توجد تلفونات هنا يا آنسة جيمس".
" أقصد في القرية ".
سألها دو**** لايول بهدوء:
" وهل تعرفين الطريق الى القرية؟".
"لا أظن أنه يصعب العثور عليه".
" في هذه الظروف؟".
وأمتلأ حلقها بالبكاء :
" أنك مجنون ... مجنون! لا أريد أن أبقى هنا , أريد فقط أن أذهب الى باونيس وأعدك أنني لن أخبر أحدا عنك , فقط دعني أذهب".
" أخشى أن يكون ذلك مستحيلا يا آنسة جيمس".
أتجه معذبها الى بولت قائلا:
"يجب أن ننقل السيارة غدا قبل أن يذوب الثلج".
" سأتولى ذلك في الصباح".
شعرت هيلين بحالة من اليأس الفظيع , وبدا أنه لا حل لهذا الموقف الغريب , لقد وضعت نفسها في هذا المأزق بما قالته , لو لم تخبره عن هروبها من والدها ولو لم تتعرف عليه ولو .... ولو...
" لا تستطيع أن تمنعني من محاولة الهرب".
رد دو**** لايول وهو يحرك عضلات ظهره :
" لا أنصحك بذلك".
كان يدو مرهقا بشكل واضح وتبينت هيلين بوخزة أسى أن الوقوف لمدة طويلة سبب أرهاقه كان من المفروض أن تشعر بالسرور لأنه ليس قويا الى الحد الذي يريدها أن تتخيله , ولكن هذا لم يكن شعورها , كان يتحرك في داخلها شعور خائن بالعطف , وتساءلت عن السبب الذي جعله يلفظ العالم الذي كان يعيش فيه لهذه العزلة الزاهدة.
وشعر بولت أيضا بتعب سيده وبعدم الكلفة التي ولدتها سنوات خدمته معه , قال له بلوم وقلق:
" أنه موعد علاجك يا سيدي- أذا نزلت الى الدور الأرضي سألحق بك على الفور بعد أن أصحب الآنسة جيمس الى غرفتها".
كان تعبير دو**** لايول وهو ينظر الى هيلين ينم عن السخرية من نفسه وسألها بمرارة:
" هل ترين كيف الحال معي؟ أنني مثل آلة مخربة تحتاج للتزييت دائما- أليس كذلك يا بولت؟".
أنفرجت شفتا هيلين ولم تستطع أن تمنع نفسها من أن تقول:
" أنك لست مسنا".
"على الأقل بضعة سنوات أكبر مما كنت سمعت أسمي لأول مرة".
قال ذلك بضيق بينما تقلص وجهه من الألم.
" أرجو أن تعذريني...".
وخرج وهو يعرج بثقل وقد ألتوى فخذه في تشويه بشع , راقبه بولت وعلى وجهه تعبير الأخلاص والحب الكبير مما جعل هيلين تشعر بأنها دخيلة , وقامت أيضا الفهدة وسارت خلف سيدها.
ثم أستدار بولت نحوها وقال وهو يفك أزرار معطفه ويخلعه:
" لحظة واحدة يا آنستي ... هلا أتيت معي ؟".
كانت هيلين تريد أن تحتج- المفروض أن تحتج , يجب أن تكرر أن هذا جنون وأنه ليس من حقهم أن يبقوها برغم أرادتها وأنها ستجد طريقة للهروب , ولكنها بدلا من ذلك راقبت بولت وهو يحمل حقائبها ثم تبعته صاعدة السلم الخشبي الواسع وقدماها تغوصان في السجادة ذات اللونين البني والذهبي التي تغطيه.
كان مطلع السلم كالصالة له نوافذ زجاجية , وفي منتصف الطريق الى أعلى نافذة مستديرة تطل على خلفية المنزل , وكان من غير الممكن رؤية أي شيء من خلال الجليد لكن لمعان الثلوج أعطى للمكان أضاءة خاصة.
وفي أعلى السلم دهليز يؤدي الى أتجاهين وسياج السلم يطل على غرفة الجلوس الواسعة.
وأخذت هيلين تتأمل الثريا الكريستال الرائعة.
وسار بولت في الممر الى يمين السلم مارا بعدة أبواب قبل أن يقف أمام باب الغرفة التي ستكون غرفتها , ففت الباب وأضاء الأنوار وأفسح لهلين لتسبقه داخل الغرفة.
وكانت الأرض مغطاة بسجادة ناعمة بلون الزيتون تتناسب مع لون غطاء السرير الزيتوني والسكري وكذلك لون الستائر الطويلة الحريرية التي تغطي النوافذ , وكان الأثاث المكون من سرير وثلاث مرابا وخزائن كبيرة من خشب الماهوغني القاتم , أضخم قليلا مما يجب لكنه مقبول في هذه الغرفة ذات السقف العالي , وهناك مدفأة تحت الشباك والغرفة دافئة بشكل مريح.
ووضع بولت حقائبها على الأرض وأشار الى باب قرب الخزانة في الطرف القصي للغرفة قائلا:
" هنا الحمام".
ثم نظر حوله ليتأكد أن كل شيء على ما يرام".
" وضعت زجاجات ماء ساخن في السرير , ويمكن أعادة كلئها مرة أخرى أذا أحتجت لذلك".
قالت هيلين وهي تعض شفتيها متعجبة كيف تقبلت الموقف بهدوء:
" أشكرك يا بولت".
ثم أضافت وهي تتجه الى الباب :
" على فكرة...".
نظر اليها بأدب برغم أستعجاله الذهاب لسيده .
" نعم يا آنسة ؟".
" هل تنوي.... أن تغلق الباب علي؟".
أبتسم وخرج وأغلق الباب وحينئذ فقط رأت المفاتيح من الداخل , بعد خروج الخادم ذهبت هيلين نحو النوافذ وجذبت الستائر جانبا لكنها لم تستطع أن ترى ألا بضع أشجار مغطاة بالثلوج , فتركت الستائر تعود الى مكانها وأستدارت لتتفقد غرفتها.
وفكرت بشيء من عدم الأتزان , أن أي غرفة لايمكن أن تكون أكثر راحة , وأي صاحب فندق لا يمكن أن يكون أكثر أهتماما براحة ضيفه من بول , يا للغرابة! كلما فكرت في الأمر كلما بدا خياليا , فكم من المتوقع أن تبقى هنا؟ وكم من الوقت سيستغرق دومينيك لايول ليسوي أموره كما يريد ويترك البلد؟
أخذت تذرع الغرفة بقلق محاولة تهدئة مخاوفها التي عاودتها عندما وجدت نفسها وحيدة , هل يعني حقا ما قاله؟ أم أنها خدعة متعمدة ليخيفها ويتسلى بها , ورجحت الأحتمال الأخير ومع ذلك فهو شخص مهذب ومثقف! كيف يمكن أن يقرر بشكل هادىء أن يحتجزها على غير أرادتها ولا يتركها ألا في الوقت الذي يناسبه هو ؟ ما هي طريقة الحياة التي كان يحياها هذه السنوات الأخيرة والتي جعلت ضميره ينام؟
نظرت الى ساعتها التي تجاوزت السادسة , لقد قال دو**** لايول أنه يتناول عشاءه في الثامنة ولكنها الآن تشك في قابليتها على الطعام ,وأين هو وما هو نوع العلاج الذي يعطيه له بولت؟
نظرت الى نفسها في المرآة , فلم يعجبها منظرها المشوش , كانت ساقا سروالها مجعدتين بسبب طيهما وشعرها غير منسق بفعل الهواء وفي خديها خدوش أحدثها أختراقها الحاجز النباتي على جانب الطريق.
ورفعت يدها المرتعشة ولمست خصلة من شعرها الأسود الناعم ,ماذا ستفعل الآن؟
فحصت الحمام فتأكدت من عدم وجود أي مخارج سوى باب غرفة النوم , أغلقت باب الغرفة بالمفتاح ودخلت لتستحم , كان الحمام فسيحا والمياه الساخنة وفيرة وشعرت بالراحة والأنتعاش وخرجت من الحمام وقد لفت جسمها بمنشفة بيضاء كبيرة وذهبت لتحضر بعض الملابس النظيفة , لكن لشدة ضيقها كانت حقيبتها مغلقة ومفاتيحها في الحلقة التي أخذها دومينيك لايول.
وقفت مترددة وسط الغرفة لا تدري ماذا تفعل , كانت تريد أن تخرج الى الممر وتنادي بولت ليحضر المفاتيح ,ولكن حرج موقفها جعلها تعيد النظر في هذه الفكرة , وبضيق أرتدت ملابسها التي خلعتها للتو , وأكتفت بتصفيف شعرها وبمكياج خفيف , لحسن الحظ أن أدوات الماكياج كانت في حقيبة يدها فلن تبدو غير مرتبة , كما أن ملابسها لا بأس بها وفي أي حال فهي تشك أن كان دو**** لايول سيلاحظ أي شيء , وصممت أن تحصل على مفاتيحها قبل النوم فهي لا تريد أن تنام بدون قميص نومها.
شعرت بشيء من القلق لهذه الفكرة ,ولكن ليس هناك خوف من أن يضايقها أحد خلال الليل , بابها يغلق بأحكام ,وهو متين لدرجة تحبط أي متطفل عنيد , كما أن بولت لا يبدو من ذلك النوع الذي يفرض نفسه على أحد ودو**** لايول... أنها لا تريد أن تفكر في دو**** لايول ,ولكن من المستحيل ألا تفكر فيه , لا تريد أن تتذكر الأرتباك الذي أنتابها عندما لمسها من قبل أو السحر الشديد الذي شعرت به نحوه , تقول لنفسها أنه نفور وأنها تكرهه وتحتقره , ومثل هذا الرل لا يمكن أن يجذبها فهو كسيح , كما أنه لا ضمير له , وقد سمح لنفسه أن يفسدد خططها لمصلحته الخاصة.
ومع ذلك فهي تذكر كل التفاصيل الخاصة به , شعره الفاتح اللون وعينيه الصفراوين وجلده الغامق وجسمه القوي , وعضلات فخذه التي كانت تبدو تحت قماش سرواله الضيق وحذاءه الطويل حتى ركبتيه , والكرب الذي بدا فيه عندما شعر بالألم , أمسكت أنفاسها , ليس من المعقول أن تشعر بالعطف عليه ولكنها تفعل!
هزت رأسها وألتف شعرها الأسود حول وجهها , وفتحت الباب وخرجت , وكان الدهليز معتما وخاليا ,أضاءت نور غرفة النوم وسارت بتصميم نحو السياج على رأس السلم.
ونزلت الى الصالة , ونظرت حولها في حيرة , أي باب يؤدي الى غرفة الجلوس ؟ أنها لا تتذكر , أقتربت من أحد الأبواب وفتحته فوجدته يؤدي الى غرفة ملابس فأغلقته بسرعة وأتجهت الى باب آخر وهي تشعر كأنها ( أليس في بلاد العجائب) كانت هذه غرفة طعام صغيرة فيهامنضدة مستديرة يغطيها مفرش أبيض , هل هذه هي الغرفة التي ستتناول فيها طعام العشاء؟ وتنهدت ثم أستدارت لدى سماع صوت خلفها , كان أحد الأبواب في الصالة قد فتح وظهر دو**** لايول منخلاله والفهدة شيبا وراءه.
" هلا أنضممت الي ؟".
ودعاها بصوته العميق الجذاب الذي يدأت تتعود عليه في هذه الفترة القصيرة , هزت كتفيه بعجز وأطاعته , أفسح لها الطريق لتسبقه الى غرفة الجلوس ثم أغلق الباب خلفهما ,كان قد غيّر ملابسه السوداء الى قميص حريري بنفسجي اللون وسروال بيج فاتح وصدرية بلون أغمق قليلا من السروال , وكان وجهه لا يبدو عليه التعب الذي بدا عليه من قبل , وفكرت هيلين أن بولت لا بد قد قام بعمله , فله جسم مصارع ,ولكنه يمكن أن يكون محترف تدليك.
وأتجهت ناحية المدفأة وهي تراقب بخوف الفهدة التي تبعتهما , وكانت المدفأة قد ملئت بالأخشاب في غيابها , والمنضدة التي تناولا عليها الشاي من قبل غطيت بغطاء جميل.
أشار دو**** الى الكرسي الذي جلست عليه من قبل قائلا:
" تفضلي بالجلوس ... هل أقدم لك مشروبا قبل العشاء ؟".
كان يعاملها كأنها ضيفة منتظرة فشعرت بالأحباط , هل كان يتوقع أن تتصرف على هذا الأساس ؟ هل ستتركه ينفذ خططه بدون مقاومة؟ كيف يجرؤ أن يتصور أنه ليس لها رأي في الموضوع ؟ قالت أول كلام خطر لها:
" في الواقع أنا لم أنزل لأتعشى معك ! أريد مفاتيحي! مفاتيح حقائبي! ليس من حقك الأحتفاظ بها! لم أستطع حتى تغيير ملابسي بعد الحمام!".
عبس دو**** وهو يدفع يده في جيب سرواله ويخرج حلقة مفاتيحها , وفحص المفاتيح بأهتمام ثم قال:
" آسف طبعا تريدين مفاتيح حقائبك , أرجو أن تبينيها لي....".
حدقت فيه هيلين بغضب للحظة ثم بدون أن تفكر في النتائج أندفعت محاولة خطف المفاتيح من يده , لم تكن تعرف بالضبط ماذا يمكن أن تفعل بها لو نجحت في أخذها , الفكرة الجنونية في الركض الى سيارتها ومحاولة أدارتها مع عدم أمكانية ذلك , والهروب بها كانت فكرة غير عملية على الأطلاق ,ولكن كان يجب عليها أن تفعل شيئا , أي شيء لتثبت له أنها ليست عاجزة كما يتصور.
فشلت محاولتها فقد أطبقت أصابعه على حلقة المفاتيح , وباءت محاولاتها لأنتزاعها بالفشل , أذا كانت قد تصورت أنه ضعيف أو أن أصابته أدت الى عجزه عن رد الهجوم فقد تحققت على الفور من أن أعتقادها خاطىء , وعندما هاجمته كانت تتوقع أن يفقد توازنه , لكن هذا لم يحدث وكان جسمه القوي يقاوم بشدة , كما أنها لم تنتبه على الأطلاق للفهدة التي كانت تراقبهما بعينين متحفزتين ذكيتين والتي أمتنعت عن التدخل بأمر من سيدها , وبينما هي مستمرة في محاولة أنتزاع مفاتيحها من يديه لم تستطع ألا أن تشعر بوجود دمينيك لايول , كانت تشعر بسخونة جسمه وبالعطر الذي يفوح منه , ولكن عندما نظرت اليه ورأت الأبتسامة القاسية على وجهه , أنسحبت بعيدا بصرخة خائفة:
"أنت.... أنت متوحش! أنها مفاتيحي وأنا أريدها".
سألها وقد أرتفع حاجباه:
" ألا تظنين أنك تتصرفين بغباء ؟ عرضت أن أعطيك المفاتيح التي تريدينها".
وحركت رأسها يمينا ويسارا بشعور العجز , وقالت بصوت مهزوم:
" لماذا تفعل ذلك ؟ لماذا لا تتركني أذهب؟".
سألها بسخرية:
" الليلة؟".
" لا غدا.... أرجوك".
قال بأزدراء:
" لا تستعطفيني – أنا أحتقر الضعف".
شعرت هيلين كأنه صفعها , ضغطت بيدها على حلقها وأستدارت بعيدا عنه وهي تستند على ظهر الأريكة لتستعيد رباطة جأشها , وكانت تشعر بعينيها تؤلمانها لشدة رغبتها بالبكاء , شعرت بالضياع والوحدة وعدم القدرة على التفكير المتزن وحتى النظرة الشريرة التي كانت شيبا توجهها اليها لأنها تجرأت وتحدت سيدها لم تستطع أن تثيرها.
" خذي أشربي هذا!".
دفع دو**** لايول كوبا في يدها.
نظرت الى الكوب بلا تعبير وسألت:
" ما هذا؟".
" أنه.... سيساعدك على أن تستعيدي تفكيرك السليم".
وأجتاحتها الرغة في ألقاء الكوب بما فيه على الأرض لكنها كانت محتاجة لشيء ينعشها , فرفعت الكوب الى شفتيها المرتعشتين وشربت منه قليلا ثم شربت الباقي دفع واحدة , لسعها الشراب في حلقها فسعلت وصعدت الدموع الى عينيها ولكنها شعرت بالدفء يسري بداخلها.
ودار دومينيك لايول حول الأريكة وبدون أن ينتظرها جلس في الكرسي قرب النار المتقدة ثم سكب لنفسه كأسا من زجاجة على الصينية بجانب كرسيه, أخذ سيكارا وفيعا من صندوق على رف الكتب بجواره , وأشعله بأستمتاع واضح من المدفأة بواسطة شمعة رفيعة , ووقفت هيلين تراقبه من وراء الأريكة وتتعجب لعدم أهتمامه الشديد رغم علمه بلا شك بحالتها.
وبعد أن أشعل سيكاره كما يريد وضعه بين أسنانه وأخرج مفاتيحها من جيبه وفحصها جيدا ثم أستخرج أثنين منها وألقى اليها بالباقي , ولم تكن سريعة بما يكفي لألتقاطها فسقطت المفاتيح على الأرض أمامها, أنحنت لتلتقطها وهي تشعر بالمهانة ولاحظت أنه أخذ مفاتيح السيارة وقال وهو يفرد ساقيه الطويلتين أمامه :
" والآن... ألن تجلسي؟".
" لا سأذهب الى غرفتي , وآمل أن تكون في الصباح قد عدت الى رشدك".
رد بأبتسامته الساخرة التي أصبحت تتوقعها وهو يخرج سيكاره من فمه:
ط لا تشعري بخيبة الأمل أذا لم ألعل!".
" أنت.... حقير!".
" رأيك فيّ لا أهمية له".
وراقبها وهي تسير نحو الباب ثم قال:
" ألم تسمعي أن الحرب تعتمد على بطون قواتها؟ وأذا لم تتناولي عشاءك فستكونين في الصباح جائعة جدا".
وتخشيت هيلين , فعلى الأقل فيما يختص بالطعام , تستطيع أن تقرر لنفسها .
" لا أستطيع أن ألمس طعامك!".
قالت وغضبها يزيد من تصميمها:
" لو أكلته سأمرض".
وقبل أن تخرج بعد هذه الكلمات أنفتح الباب ودخل بولت يحمل صينية- لم تستطع أن ترى كل ما عليها – لكن رائحة صلصة الكاري كانت واضحة , ولاحظت أبريقا من القشدة مع فطيرة فواكه لذيذة على جانب الصينية.
ونظر الخادم الى هيلين بأندهاش ثم قال:
" فكرت في أن أقدم لكما العشاء هنا يا سيدي فالليلة باردو جدا".
قال دومينيك وهو يبتسم بسرور أكثر من العادة:
" أنها فكرة حسنة , هلا أكلت معي يا بولت".
وألقى بولت نظرة على هيلين وهي ما زالت تحوم بجانب الباب وقد خدرتها رائحة الطعام , بدأت الآن تشعر بالجوع الشديد وأسفت لتصرفها المتسرع في رفض الطعام , وقال بولت:
" ولكنني ظننت أن الآنسة :
" ولكنني ظننت أن الآنسة....".
وهز دومينيك رأسه قائلا:
" الآنسة جيمس ليست جائعة يا بولت , قالت أن الطعام سيمرضها ".
ونظر الى وجه هيلين المتردد بعينيه القاسيتين فحركها للرد:
" نعم... هذا صحيح .... أنا أهتم بأختيار الشخص الذي أتناول الطعام معه".
ثم خرجت وصفقت الباب وراءها .
ووقفت لحظة في البهو متوقعة أن يتبعها ليرد على تصرفها لكت كل ما سمعته هو أنفجار بالضحك من دومينيك لايول , وتحققت من أن بولت هو الذي سيستعمل الكوب الآخر على الصينية.