1-أريدك ممرضة
تقع مكاتب شركة ثورن للكيماويات في احدي ناطحات السحاب الحديثة التي تعتز بنوافدها الزجاجية الضخمة.كان حارس المبنى يتجول بتمهل وهو يراقب المدخل الرئيسي والأشخاص الذين يعبرونه دخولا أو خروجا. وشعرت ايما بأن هذا الرجل ربما يمنعها من دخول ذلك الباب العريض ولكنها استجمعت كافة قواها وثقتها بالنفس ....ودخلت المبني.
احست على الفور بأن قدميها غرقتا في سجادة خضراء رائعة ممتدة حتي مكتب الاستقبال,الذي تجلس وراءه صبية شقراء بارعة الجمال .ورفعت الموظفة رأسها نحو ايما وبدت انها اصيبت بشيء من الدهشة. بلعت ايما ريقها بصعوبة وقالت لها:
"لدي موعد مع السيد ثورن في الحادية عشرة".
تفحصت الموضفة سجل المواعيد بسرعة وقالت :
"هل أنت الآنسة هاردينغ ؟"
هزت ايما برأسها علامة الايجاب.آه من الخوف ! بدأ الضعف يعود مرة اخري إلي ركبتيها وخافت من الانهيار !آه منك يا جوني ,لماذا دفعتني الي هذا الوضع المزعج و...الرهيب ؟وسمعت ايما موظفة الاستقبال تتحدث هاتفيا مع سكرتيرة دايمون ثورن.
تبادلت الموظفتان الاسماء وأوقات المواعيد وكلمات الشكر المعتادة, ثم اعادت الشقراء سماعة الهاتف الى مكانها وتطلعت نحو ايما قائلة بصوت هادئ:
"سترسل سكرتيرة السيد ثورن شخصا يصحبك الى جناحه"
ثم اشارت بلا مبالاةالى عددمن المقاعد والكراسي الوثيرةوالمريحة وهي تقول:
"استريحي لحظة,فالموظف سيصل خلال دقائق قليلة".
وعادت الى اوراقها وسجلاتها التي تشتغل فيها قبل قليل, فيما توجهت ايما الى احد المقاعد وجلست على حافته بعصبية وترقب ,خائفة من عدم قدرتهاعلى ايجاد الكلمات الصحيحة اثناء المقابلة المرتقبة. آه منك يا جوني, تجلس الآن مرتاحا وبعيداً عن المشاكل بينما تترك لي الأعمال الصعبة والقذرة ! ولكن,هل كان بامكانه ان يعرف مدي الصعوبة والعذاب اللذين دفعهااليهما ؟ انها تساعده الآن....ولكن,هل ستحمل عنه عبء ذنوبه ومشاكله ؟ بالنسبةالى جوني والى تحليله العادي البسيط, فإن مجرد اقامتهااكثر من علاقة صداقة مع دايمون ثورن قبل عدة سنوات يكفي لكي تتدخل لمساعدته وانقاده. ولكن جوني لا يعرف, ولا احد غيره ايضا يعرف, القصة الكاملة لعلاقتها مع دايمون ثورن. وبالتالي فإنه لم يكن بامكانه ان يعرف انها اخر انسان يمكن ان يحصلعلى خدمة او مساعدة من دايمون ثورن.
www.liilas.com/vb3
نظرت ايما حولهابعينين فاحصتين , تتأمل المدخل الفخم والعدد الضخم من المصاعد الكهربائية السريعة.وتمنت لو ان الشخص المنوي ارساله لاحضارها يصل خلال لحظات ,لأن الانتظار يزيد من آلامهاوعذابها.لماذا ؟ اوه ! لماذا بلغت السخافة بجوني الى الحد الذي أوقعه في هذه الورطة ؟
وتطلعت الى ساعة يدها فلا حظت ان فترة انتظارها تجاوزت الدقائق العشر.كم سيبقيها علي هذه الحالة قبل ان يستدعيها ؟ ونظرت نحو موظفة الاستقبال علها تحظى بكلمة مشجعة او معلومات مفيدة ,ولكن الشقراء الجميلة بدت وكأنها لا تشعر بوجودها.
"آنسة هاردينغ ؟ تفضلي معي .....من هذه الناحية ".
اوصلها المصعدالى الطابق العلوي حيث يقع جناح دايمون ثورن,الذي يضم مكاتب فخمة وشقة خاصة يستضيف فيها بين الحين والآخر بعض الاصدقاء او زملاء العمل . وابتسمت ايما بطريقة لم يشعر بها مرافقها الشاب . فهي تعرف شقة دايمون في هذا الطابق مع انها استخدمت لدى زيارتها الوحيدة المصعد الخاص الذي يصل الى قاعتها مباشرة.
سار معها الشاب الذي عرّف عن نفسه بأنه جيرمي مارتن الى اخر ذلك الممر الطويل, حيث دخل واياها مكتبا مريحا للغاية تستخدمه سكرتيرة دايمون الخاصة جينيفرولدن . وتذكرت ايما ان جينيفر هي سكرتيرة دايمون منذ اكثر من عشر سنوات في مكاتب الشركة بلندن . وتساءلت عما اذا تذكرت جينيفر اسمها ، لأنها كانت على علم بعلاقتها مع رئيسها قبل ثماني سنوات .
وقال جيرمي وهو يقدمها الى جينيفر :
"الآنسة هاردينغ ".
ردت عليه جينيفر بابتسامة ناعمة :
" شكراً يا جيرمي ".
ولما غادر المكتب واغلق الباب وراءه, وقفت جينيفر وتطلعت الى ايما بدقة وعناية قبل ان تقول لها ببرودة ملحوظة :
"صباح الخير يا آنسة هاردينغ . السيد ثورن مستعد لاستقبالك الآن. ولكني مضطرة لتحذيرك بأنه يكون مشغولاًجداً عندما يأتي الى لندن, وبأن الموعد التالي هو الحادية عشرة والربع ".
"عملي مع السيد ثورن يجب الايستغرق فترة طويلة. هل ادخل الآن ؟ ".
www.liilas.com/vb3
هزت جينيفرولدن رأسها قليلاً علامة الموافقة, فرفعت ايما يداً مرتجفة ودقت الباب, سمعت صوتا عميقاً يطلب منها الدخول .
فتحت الباب بهدوء مصطنع ثم اغلقته بشيء من التحدي في وجه جينيفر . نظرت ايما حولها بسرعة وهي تتفحص تلك الغرفة الضخمة التي توحي بأن الرجل الذي يعمل فيها عملي الى ابعد الحدود. سجاد ذو لون داكن , وستائر زرقاء ثقيلة تغطي النوافد العريضة التي توفر منظراً رائعاً للمدينة . وكان ثمة مكتب خشبي ضخم يتوسط الغرفة وقد امتلأت صفحته بالاوراق وأجهزة الهاتف فيما كانت الجدران مغطاة بالرفوف الخشبية التي تغص بالكتب القيمة والجيدة , وخاصة العلمية والتقنية .
وتأملت ايما باهتمام بالغ الرجل الذي قام من وراء مكتبه بتهذيب لدى دخولها. هل من تغييرات كبيرة في منظره ؟ سبع سنوات ونصف السنة فترة طويلة جداً....وكان كل ما شاهدته منه طوال هذه المدة بضع صور في الصحف لم تفه حقه . فدايمون ثورن رجل في مستهل الاربعينات من عمره ولكنه يبدو اصغر سناً .
www.liilas.com /vb3
رجل طويل القامة عريض المنكبين , يغطي رأسه شعر اسود قاتم تزيد من هيبته وجاذبيته خصلات قليلة من الشيب الخفيف. وجهه قوي الملامح ,عيناه خضروان واسعتان , وفمه ممتلئ وشهي.
وخلصت ايما في تحليلها الصامت الى ان دايمون رجل تجده النساء جذاباً....حتى من دون ان يأخذن بالاعتبار ثروته الطائلة ومكانته في المجتمع.
ضاقت عيناه قليلاً لدى دخولها وغطت اهدابه السوداء الطويلة تعابير العينين وما تعكسانه من افكار وآراء. ولكن ابتسامته كانت ساخرة الى حد ما ولهجته تنم عن تهكم واضح :
"ايما.....ايما ! لم ارك منذ زمن طويل ".
رفعت رأسها وحاولت ان تسير نحوه بشيء من الكبرياء وعزة النفس , فبالنسبة اليها دايمون لم يتغير كثيراً وهو لا يزال الآن.....كما كان دائماً....شخصية قوية وساحرة .
لم تعرف كيف ستناديه الأن.....السيد ثورن او دايمون, كما كانت تفعل قبل ثماني سنوات ! تجاهلت الأسم كلياً وقالت له بهدوء :
سار نحوها وهو يبتسم , ثم دعاها الى الجلوس.....
"هل تشربين شيئاً ".
هزت برأسها نفياً , فعاد الى السؤال :
"قهوة ربما ؟".
"لا. شكراً. انا....انت تعجب بالتأكيد لماذا ....لماذا طلبت مقابلتك !".
عاد دايمون الى كرسيه , واخذ سيكاراً من صندوق على مكتبه واشعله بهدوء فيما كان يراقبها بدقة وعناية .
ارغمت ايما نفسها على التطلع نحوه وقالت بصراحة متناهية :
"سبب الطلب هو جوني . اذ يبدو انه اوقع نفسه في ورطة مزعجة ".
"هكذا اذن ؟انت تعنين بالطبع شقيقك جوني ".
هزت ايما برأسها قائلة :
"طبعاً ".
" استمري".
www.liilas.com/vb3
بحثت ايما بسرعةعن الكلمات التي يجب ان تستخدمها . فلوابلغته القصة والوقائع كتقريرطبي او تحليل علمي جاف , فانها ستشك اعترافاً تاماً بخطأ اخيها وذنبه,مع ان جوني في الحقيقة لم يكن سوى ضحية لتصرفاته الرعناء المتهورة .
ولكن كيف سيمكنها ابلاغ رسالتها كما يجب الى احد عمالقة رجال الأعمال الذي يبدو غير متعاطف معها ومع مشكلتهاعلى الاطلاق ؟ كيف ستخبر هذا الشخص الذي تنتشرشركاته وفروعها في دول العالم ، والذي عمل دائماً بقسوة وبدون رحمة لتحقيق كل ما يريد ويبتغي؟ انه لن يتفهم او يقبل ابداً ان يشعر احد موظفيه.....اخوها الذي يعمل في دائرةالمحاسبة في هذا المبني بالذات , بأن راتبه الشهري لا يكفي لتغطية خسائره الناجمة عن المقامرة !
ولكن هذه ليست القصة الحزينة بكاملها.فقد اوجد جوني لنفسه طريقة لاستعارة بعض الأموال من الشركة . واستخدم هذا الأسلوب طوال الاشهر الستة الماضية لزيادة دخله, آملاً دوماًفي ان يحقق يوما ًكسباً كبيراًيمكنه من اعادة هذه الأموال الى صندوق الشركة.ولم يجرؤ جوني على اطلاع شقيقته على ما يحدث معه . ولم تكن لتعرف بالمشكلة لو لم يقرر بعض المسؤولين فجأة اجراء تدقيق على حسابات نصف السنة ،ويكتشف جوني انه لم يعد لديه الوقت الكافي للتلاعب بالحسابات لتغطية سرقاته.
ناشد اخته ان تساعده, فقبلت مرغمة , لأنها تعرف ان التوسط لدى دايمون ثورن هو الوسيلة الوحيدة لانقاد جوني من السجن او دفع غرامة كبيرة ....او الاثنين معاً, بالاضافة الي فقدان وظيفته....شعر دايمون بترددها فأعاد المقعد الى وضعه الطبيعي وقال لها بهدوء :
"أظن ان مصاعب شقيقك ليست لها اي علاقة بعملية تدقيق الحسابات في الاسبوع المقبل".
نظرت اليه بسرعة وعصبيةلتشاهد تلك التعابير الساخرة والهازئة تملأ وجهه وعينيه.
حدقت به بضع لحظات وهي تحاول ملاحظة شعوره, لم يكن وجهه ينم عن شعور بالمفاجأة....او الاستياء....او الاهتمام.