يقولون : لكلٍّ وارث !
ولئن مات أبو جهل فإن جهله باقٍ لم يندرس !
ولئن هلك أبو لهب فتركته لا زالت تُقسم !
ولئن قتل الله أبيّ بن خلف فميراثه لم ينفد !
فلا يزال في الناس " ورثة " لأولئك القـوم !
وَرِثوا الجهل ! فأخذوا منه بِـحـظٍّ وافـر !
فلم يكتفوا بذلك ، بل نشـروه ! وعملوا بـِـه !
وما بعض العبارات التي نسمعها بين حين وآخـر إلا دليل على بقاء ذلك الميراث !
وهذه عبارة جاهلية تتردد بين الحين والآخـر .
يقولها بعض الجاهلين في مقابل فضيحة أو خـوف عـار !
ثم مـاذا ؟
ثم تقع الفضيحة والعـار ، ويُعرّض نفسه للنار .
فإذا ما وقعت فتاة تَـمُـتّ بِـصِـلَـةٍ إلى أحد أولئك ، إذا ما وقعت في فاحشة ، أو سقطت في أوحال الرذيلة تنادوا مُصبحين : النــار ولا العــار !!
وأقسموا بالله جهد أيمانهم ليدفُـنّـنـها ولو بعد حين ؛ ليُدفن معها العار ، ولتتوارى معها الفضيحة !
مساكين أولئك !
هلكوا وأهلكوا !
هلكوا بأنفسهم بفعلهم ذلك ، الذي هو صورة من صور العـار ، أو وجـه قبيح من وجوهـه !
وأهلكوا غيرهم مرّات وكرّات !
أهلكوا غيرهم يوم أهملوا بُنـيّـاتهم حتى إذا وقعن فريسة سهلة لأنياب الذئاب ، صرخوا وضجّـوا وضوضوا !
أليسوا هم من سلّموا بُنيّـاتهم للسائقين ؟؟ يَـداً بِـيَـد دون تماثل في المَبيع !
أليس هـذا صنيع أيديهم ؟؟؟
أليس هذا بما كسبت أيديهم ؟؟؟
( لست ألتمس الأعذار لمن وقعت في الفاحشة )
ثم أهلكوا غيرهم بأن أقحموه في الجريمة
إن لم تفعل فلست مِنّـا ولسنا منك !
إن لم تغسل العـار غسلناه نحن !
إن لم تقتل فشارك " اشهد واحضر وادفن " !
وربما صاح بهم صائـح
أو هتف بهم أوسطهم سِـنّـاً وأرجحهم عقـلا :
يا قوم ... أيهما أهون عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ؟؟؟
يا قوم ... أتدرون ما النار التي تُفضِّـلونها على العـار ؟؟؟
يا قوم ... إن غمسة واحدة في النار تُنسي نعيم الدنيا وملذّاتها لأنعم أهل الدنيا ، وأكثرهم تَـرفـاً .
يا قوم ... إن ضمّـة القبرِ تُمسي ليلة العُرس ! فكيف بعذاب الله في الآخـرة ؟؟؟
صـاح حتى بُـحّ صوته !
وهتـف حتى انقطع الصدى !
ولا مُجيب ولا أُذن ...
ربما كانوا يدرون ...
ولكنهم لا يُحبُّـون الناصحين !
حقيقة هذه الكلمة تقشعر لها الأبدان( النار ولا العار )
ولكن من يُطلقها مُدوّيـة لا يحسب لها حِساباً ، ولا يُفكّر في معناها .
أمَـا إن ماعز بن مالك – رضي الله عنه – آثـر عذاب الدنيا على عذاب الآخرة .
وما ضرّه ذلك :
لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم . كما في صحيح مسلم عنه عليه الصلاة والسلام .
ومثله الغامدية التي لم يهدأ لها بال حتى أُقيم عليها الحد علانية ، وما ضرّها ذلك أيضا :
لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم . وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى . كما في صحيح مسلم أيضا .
والمسألة تحتاج إلى فقه دقيق وإلى نظرة شرعية مُـتّـزِنـة ، لا نظرة جاهلية مختلّة مُضطربة !
ومثل تلك الكلمة الآثمة " النار ولا العار " كلمات أخرى لا تقل جُرماً عنها !
قبل أيام سُئلت عن كلمة هي أشد فظاظة ، وأعظم جُرمـاً
يقول السائل : شخص بينه وبين آخـر عداوة ، وحملته شِدّة العداوة على أن قال : لو أعلم إن " فلان " يدخل الجنة ، تمنّيت النار ولا رؤيته !
عياذاً بالله من الاستهانة بعذاب الله ، أو بأمره ونهيه .
أنسي هؤلاء مشهدا من مشاهد يوم القيامة ؟؟؟
(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا)
نسوا يوم يكون الموت والمساواة بالبهائم أغلى الأماني ؟؟
(يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا)
ويوم يكون العدم خير من الوجود ؟؟ (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ)
ويوم يَسال أهل النار تخفيف العذاب ليوم واحد ؟؟ (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ)
أم تناسوا هذا الموقف (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ)
لـمــاذا ؟؟؟
لأنها (لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى)
فاللهم أجرنا من خزي الدنيا ، ومن عذاب الآخـرة ..
وسبحانك اللهم ، وبحمدك .. أشهد أن لا إله إلا أنت .. أستغفرك وأتوب إليك ..
لـ : الشيخ عبد الرحمن السحيم