قال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)﴾ (ق). كثير من الناس يقضى وقته في
الثرثرة وكثرة الكلام الذي ليس منه نفع ولا فائدة، فلربما خاض في محظورات، وارتكب مخالفات من
كثرة الكلام والثرثرة.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليقول الكلمة, لا يقولها إلا ليضحك بها المجلس يهوي بها أبْعَدَ ما بين السماء والأرض, وإن الرجل ليزِلُّ عن لسانه أشدَّ مما يزلّ عن قدمه".
وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَلاَ هَلْ عسى رَجُلٌ منكم أن يتكلم بالكلمة يضحك بها القوم, فَيَسْقُطُ بها أبْعَدَ مِن السماء, ألاَ هَلْ عسى رجل منكم يتكلم بالكلمة يُضْحِكُ بها أصَحابَهُ, فَيَسْخَطُ الله بها عليه, لا يرضى عنه حتى يدخله النار".
انظر إلى الأحاديث سالفة الذكر تجد أنها تحذر تحذيرًا شديدًا من
الثرثرة وإلقاء ما يسمى "بالنكت" التي تتناول صنفًا من الناس بالسخرية، وقد حذرنا الشارع الحكيم من ذلك؛ حيث قال الله تبارك وتعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)﴾ (الحجرات). وقال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)﴾ (ق)، وقال صلى الله عليه وسلم "إنما يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم".
فعلى المسلم أن يشغل نفسه بالذكر خير له من الكلام الذي إن لم يضر فهو لن ينفع والعمر لحظات، فيجب أن نغتنمها في الذكر بدلاً من الكلام الذي لا يجدي نفعًا، فالذكر من أيسر العبادات ومن أجلها وأفضلها؛ وهو غراس الجنة.
ومما جاء من الأحاديث النبوية في فضل الذكر كثيرٌ منها قوله صلى الله عليه وسلم موصيًا أحد الصحابة "لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "سبق المفردون"، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات"، وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".ولأن
كثرة الكلام بما لا يفيد من الغفلة، والغفلة هي مرض القلب وداؤه؛ ولأن الإنسان إذا انشغل باللغو سيقع في الغيبة والنميمة والكذب، وغيرها من المكروهات والمحرمات.
قد يتساءل البعض: فهل المرح والمزاح حرام؟ فنقول له: لا، بشرط عدم مخالفة الشرع فإذا كان المرح والمزاح يتناول شخصًا أو جماعة أو عرقية بالسخرية؛ فهذا ما لا يقره الشرع. فمثلاً قد تطلق ما يسمى "بالنكات" على فئة معينة أو شخص ما بما يعيبه أو يسيء إليه، فهذا ما لا يقره الشرع؛ لأنه يدخل في السخرية التي نهى عنها. ومع ذلك كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يَمْزَحُ, ولكن لا يقول إلاّ حقًّا, وكان يضحك, ولكن كان ضحكه تبسمًا, وكان عندما يضحك ضحكه تبدو نواجذه, أي قواطع أسنانه الأمامية, وكان لا يضحك بصوت مرتفع ولا يقهقه. جاءت امرأة عجوز إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أأدخل الجنة يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها ممازحًا: "لا يدخل الجنة عجوز". فقصده هنا أن الإنسان لا يدخل الجنة إلا وهو على هيئة شبابية وليس وهو عجوز. وكثرة الكلام تميت القلب, وإن أَبْعَدَ الناس من الله تعالى القلبُ القاسي, وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله, فإن
كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوةٌ للقلب, وإن أبْعدَ الناس من الله تعالى القلب القاسي".
هذا هو وبال
كثرة الكلام الذي يترتب عليه قسوة القلب، ثم البعد عن الله تبارك وتعالى، عن بلال بن الحارث المُزَني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله, ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله تعالى له بها رضوانه إلى يوم يلقاه, وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله, ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يَكتب الله تعالى له بها سَخَطَهُ إلى يوم يلقاه". ثم إن من كَثُر كلامه كَثُر خطؤه, ومن كثر خطؤه كثرت ذنوبه, ومن كثرت ذنوبه كان مصيره النار، وعلى العاقل أن يكون بصيرًا بنفسه حافظًا للسانه, ومن حَسِب كلامه من عمله قَلَّ كلامه؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". وقال صلى الله عليه وسلم: "كل كلام ابن آدم عليه لا له, إلا: أمرٌ بمعروف, أو نهيٌ عن منكرِ, أو ذكرُ الله".