تعتبر الأحلام عوالم واسعة ومجهولة، جميلة ومخيفة، غريبة وقريبة، متنوعة ويختلف تفسيرها من شخص لآخر ومن ثقافة لأخرى.
ومنذ قرون خلت حاول الإنسان معرفة سبب الأحلام، وتفسير قيام الدماغ بها، فعلى سبيل المثال اعتقد الإنسان القديم أن الأحلام هي جزء من الواقع الذي يظهر في عالم النوم. ومنذ القدم لا تزال النظريات حول الأحلام تتنوع وتتجدد، فمنها ما اقترن بالخرافات والأساطير، ومنها ما اعتمد على حقيقة الأحلام وجديتها، والبعض الآخر اعتقد أن الأحلام هي رسائل سماوية أو دينية معينة، فيما لم يفسرها البعض بأكثر من مجرد تكثيف تفكير في شيء أو اهتمام معين.
لعل من أولى النظريات ما خرج بها العالم النفسي النمساوي سيجموند فرويد حيث كان معظم تفسيره يرتكز على نظرية الحاجات المكبوتة، فلكل حاجة أو رغبة لا يتم تحقيقها على أرض الواقع تجد طريقها إلى عالم الأحلام حيث تسمح تلك الأحلام عبر اللاوعي البشري أن تظهر أفكاره المختبئة مهما كانت عميقة، وقام بعده العالم كارل جنج، بمتابعة الدراسة في هذا الميدان، ولكنه ابتكر واقترح أفكاره الخاصة، ومنهجه المميز.
واتفق مع العلماء حول نشوء الأحلام، ولكنه بدلاً من تفسيرها بأنها رغبات مختبئة لرغباتنا وشعورنا الخفي، عبر عن رأيه بأن الأحلام عبارة عن حل وانعكاس لقضايانا ومشكلاتنا اليومية والنفسية. وفي عام 1973 طرح الباحثان آلان هوبسون وروبرت ماكيرلي نظريات جديدة ناقضت القديمة، واختلفت منها تماماً حيث نظروا للأحلام من وجهة علمية وعملية بحتة، وقدموا نظريات عن تفسيرها بكونها تأثيرات لنبضات صادرة من الدماغ، تتأثر بالصور والمعلومات المختزنة في المخ، حتى لو كانت حكايات لم ترد سابقاً أو غريبة أو متناقضة، فإنها نوع من إدراك الحس عند الشخص في الدماغ.
مراحل النوم
عندما ننام فإننا نمر بخمس مراحل، المرحلة الأولى هي مرحلة خفيفة للغاية ويمكننا الاستيقاظ عندها في أية لحظة، أما المرحلة الثانية فتصبح أعمق بقليل، وتكون الرابعة والخامسة الأعمق، حيث تضعف فعالية الدماغ شيئاً فشيئاً حيث لا يظهر شيء في جهاز تسجيل الموجات الدماغية وبعد 90 دقيقة من خلودنا للنوم، فإننا ندخل بمرحلة نوم rem، وهي اختصار لجملة تعني حركة العين السريعة، واكتشفت عام 1953 من قبل طلاب وباحثين أمريكيين.
وخلال نوم rem فإن عدداً من فعاليات أجهزة الجسم تتغير، وتتباطأ كمعدل دقات القلب، وسرعة التنفس، وضغط الدم، وتمر كل أجزاء الجسم بمرحلة توقف عن النشاط وسبب توقفه يرجع لتحرير مادة الجلوسين في الفترتين اللتين تتميزان بالنوم العميق، تحدث فيهما أغلب الأحلام.
وهذا لا يمنع حدوثها في الفترات الأخرى، ولكنها لن تكون مكثفة مثل نوم فترة rem.
وفي الحقيقة حيث تضاربت التحليلات حول نوم rem وقام بعض العلماء بالتوصل إلى أن تلك الفترة تزيد من شهية الشخص على تناول الطعام كما أن قلتها تسبب ضعفاً عاماً في عملية التذكر والاستيعاب. وتشير بعض الدراسات الحديثة إلى ارتباط نوم rem بالقدرة على التعلم والتذكر والاستيعاب.
حقائق وطرائف
يمكن أن يحلم الناس بالألوان، وليس فقط بالأبيض والأسود كما كان شائعاً، وتستغرق أغلب الأحلام من 5 إلى 20 دقيقة.
الأشخاص الذين ولدوا عمياناً يحلمون عن طريق تأثرهم بحواسهم الأخرى مثل الشم والسمع واللمس، والذين يشخرون فإنهم لا يحلمون في هذ الوقت.
أما الفيلة فتنام وبعض الحيوانات واقفة، وعندما تنام نوم rem فإنها تستلقي.
وهناك تساؤل حول حقيقة أن الإنسان ينسى 50 في المائة من أحلامه، بعد 5 دقائق من استيقاظه و90 في المائة بعد عشر دقائق.
حيث حاول فرويد الإجابة عن هذه التساؤلات، بأنها وباعتبارها أفكاراً ورغبات حدثت في اللاوعي، ولا يوجد رغبات في تذكر الأحداث والتفاصيل في الوعي، بينما يعيد بعض المحللين عدم تذكر الأحلام إلى أنه عموماً ليس هناك قدرة على التذكر في فترة الاستيقاظ الأولى.
ويرى الباحث النفسي إل. سترومبل أن من أسباب عدم تذكر الأحلام هي عدم القدرة على تذكر أي شيء لدى الاستيقاظ من جهة، ويرى أن أغلب الأحلام التي نراها ليست مكثفة، وهي سطحية ولذلك فإنه يتم نسيانها ببساطة، كما أنه يقول إن هذه حالة عامة بمعنى أن الأحلام لا تتكرر أو ترسخ، فمن الطبيعي نسيانها وهذا شيء عام فعلى سبيل المثال إذا ردد أحدهم عبارة جديدة عليك لم تسمعها من قبل، فإنه من السهل نسيانها.
تمرينات على التذ كر
هناك بعض الخطوات التي تمكننا من استعادة وتذكر أحلامنا، منها:
عندما تخلد إلى النوم، ذكر نفسك مراراً بأنك ستقوم بحفظ وتذكر الأحلام في اليوم الثاني. حيث تشير التجارب والأبحاث إلى أن ترديد تلك الملاحظة على نفسك والتركيز عليها سيجعلك تتذكر أحلامك في اليوم التالي.
قم بربط ساعة المنبه لتوقظك كل ساعة ونصف الساعة على سبيل المثال، وعندها ستتذكر الحلم الذي كان يرافقك لدى لحظة الاستيقاظ. أو قم بشرب كمية كبيرة من المياه لتضطر إلى القيام بشكل مستمر، عندها ستتذكر أحلامك.
قم بحفظ مذكرة وقلم بقرب سريرك.
حاول الاستيقاظ بهدوء لمحاولة تذكر آخر حلم لك.
التحكم في الأحلام
هناك الكثير من الأبحاث حول إمكانية التحكم بالأحكام وتبين من خلال إجراء احصائية على عدد من الأشخاص في الولايات المتحدة أن مجموعة كبيرة منهم يستطيعون التحكم بأحلامهم.
وفي الحقيقة شغلت تلك النقطة اهتمام العلماء وكرسوا لأجلها الكثير من الأبحاث.
وبدأت تلك المحاولات عام 1959 وتم تطويرها وفي عام 1989 قام عالم نفسي ألماني بدراسة تقنية تسمى الأحلام النقية، وتعتمد على تقنية الانعكاس والقدرة على التذكر داخل الحلم، والتحكم بتفاصيله أو إذا ما كان الشخص في حلم أو وعي.
وقام العالمان ستيفن لابيرج ولوني لامنتيان من جامعة ستانفورد بدراسة ظاهرة الأحلام المكثفة، وطريقة التأكد من كون الحال حلماً أم علماً، وتسمى “امتحان الحقيقة”، وفي الحقيقة ثبتت على فئة واسعة من الناس حيث استطاع بعضهم اتخاذ قرار بالطيران على سبيل المثال، وفعلاً تم تحقيق ذلك.
وتتطلب تلك الطريقة تمريناً ذهنياً وتركيزاً معيناً وقراراً بالتحكم والتنفيذ خلال الحلم، وفي الحقيقة فإن تلك العملية تسمى “توجيه الأحلام”، حيث تحث على أحلام معينة أو توجيهها، فعلى سبيل المثال فإن أحد الأشخاص يقرر رؤية عرض أو محاضرة يريد القاءها في اليوم التالي على سبيل المثال، أو مشكلة يأتي حلها في المنام، وهنا يبرز ما يدعى توجيه اللاوعي والأحلام والتحكم في تفاصيله نوعاً ما.
اختراعات شهيرة جاءت في الأحلام
عبر التاريخ شاهد عدد من الناس وخاصة مخترعين أو علماء أو كتاباً عدداً من الأحلام التي كانت مفتاحاً لحل كثير من المشكلات والقضايا ومنهم:
كيكول: وهو كيميائي ألماني قام باكتشاف تركيب جزيئات البنزين، وذلك بعد محاولات مضنية لاكتشافه عبثاً، حيث شاهد في أحلامه أفاعي على شكل دوائر، وخطر في باله شكل الجزيء الدائري للبنزين، واستفاق وسجله وطبق على أبحاثه مشاهداته حتى نجح في مسعاه.
وهناك مخترع آلة الخياطة إلياس هوي حيث حاول مراراً معرفة ايجاد طريقة لعملها، وفي عام 1884 شاهد حلماً حول طريقة إيجاد ثقب في الآلة وسرعان ما طبقه.
والكاتبة ماري شيلي أوجدت فكرة رواية “فرانكشتاين” التي كتبتها خلال حلمها.
والكاتب ادجار بو استلهم فكرة قصيدة “السيدة ليجيا” من منامه.
واستلهم عدة موسيقيين من أمثال ماكارنتي وبيلي جويل وبيتهوفن مقطوعات وألحاناً من أحلامهم.
أحلام شائعة
تتجول عارياً في الأماكن العامة: كالمدرسة ومكان العمل والشارع، وهذا يعني أن من يشاهد هذا الحلم يحاول اخفاء شيء، أو أنك غير مستعد لشيء كامتحان، أو تقديم شيء ما.
السقوط من مرتفع: يدل على القلق الكامن في الداخل، وفشل ربما في المدرسة أو العمل أو الجامعة.
المطاردة: تعني أنك تحاول الهروب من أشياء تطاردك ومشكلات والتزامات.
الخوض في امتحان أو أنك فوت أحدها، أو نسيت القلم أو لست مستعداً لها، أو أنك أضعت قاعة الامتحان: ويدل هذا الحلم على عدم قدرة الإنسان على شيء ما أو عمل ما فيشعر أنه غير كفؤ له.
الطيران: يعني أنك متحكم بكل شيء، والأمور تسير على ما يرام، وتتخذ القرار، وتقوده وتشرف على كل شيء تقريباً بشكل جيد.
الركض بشكل عبثي والضياع أو عدم القدرة على تحريك الأطراف عند الرغبة في الحركة: تعني أن هناك مشاريع وأفكاراً كثيرة في ذهنك ولكنك غير قادر على تحقيقها.
تساقط الأسنان: وهذا يعني فقدان القدرة والقوة والتحكم كما يعني قلة قدرتك على التواصل وضعف ثقتك بنفسك.
الكوابيس: وهي أحلام مكثفة تؤدي إلى الاستيقاظ المباشر وتكثر عند الأطفال، ويتكرر الحلم عدة مرات، ويؤدي إلى ازعاج متكرر، ويفسر الكابوس بوجود مشكلة كبيرة أو ضاغطة على الشخص، ولم يستطع حلها بسهولة وتكرار الكابوس يعني عدم قدرة هذا الشخص بعد على حلها.
وكنوع من العلاج سعى الأطباء النفسيون لمقارنة تلك الكوابيس بالواقع ومعرفة مدى حلها أو تجاوزها، كما تؤدي الوجبات الدسمة قبل النوم إلى حالة تكثيفية للمعدة والأعصاب تتسبب بأحلام سلبية