القرية الصغيرة ماراتون من بلاد اليونان تقبع تحت رحمة الشمس المحرقة في فصل الصيف . حتى النسيم لا يلطف من الحرارة ولا يؤثر بأكثر من تحريك الغبار في الشوراع الضيقة , يلفح المزروعات القليلة التي تصارع الحرارة ويسمع حفيف اوراقها اليابسة بلونها البي المغبر . نزلت مارغو غرانت عن الرصيف فكادت شاحنة ان تدهسها . فأجفلت وصعدت الرصيف من جديد .
فتحت مارغو كتاب "دليل السياح" بعدما اخرجته من حقيبتها , تستطلع برنامجها السياحي لهذا اليوم . انها تحتاج لثلاث ساعات مشيا على الاقدام من قرية ماراتون الى راموس تحت أشعة الشمس اللاهبه .ألقت نظرة الى اشارة الطريق المؤدية الى راموس وفكرت في نفسها : هل ان مشاهدة آثار راموس تستحق هذه المشقة ؟ كانت منذ الصباح تفاضل بين بقائها في أثينا دون برنامج ليومها او زيارة راموس وآثارها .وقررت ان تمضي في طريقها مهما كان الجهد . الآن بعدما قطعت شوطا من رحلتها واشتدت الحرارة لم تعد متحمسة كثيرا . السياحة جميلة وممتعة مع الاصحاب ولكنها سائحة تنفرد بنفسها مما يجعل الرحلة مملة ومزعجة .
حملت حقيبتها فوق كتفها من جديد ودخلت مكانا لاستراحة السياح وطلبت زجاجة عصير
منتدى ليلاس الليمون علها تشعر ببعض البرودة . قالت للسيدة التي تبيع المرطبات بيونانية ضعيفة : مرحبا . واشارت الى زجاجة العصير حملت السيدة الزجاجة وفتحتها ودفعتها اليها وسألتها : هل انت المانية؟
هزت مارغو رأسها نفيا وقالت: انكليزية
قالت البائعة : الدنيا حر في الخارج.
هزت مارغو رأسها موافقة ومشت خارجة من المتجر تجر نفسها جرا الى ان وصلت الى المفرق المؤدي الى راموس واسرعت حاملة حقيبتها.كانت تسير بسرعة حتى انها لم تلحظ السيارة التي توقفت قربها ... وسألها صوت خشن : هل تردين ان اوصلك في طريقي ؟
حدقت به مليا والعرق يتصبب من وجهها .هل تريد مساعدته ؟ حتما! ولكنها ليست واثقة من انها ان قبلت تكون تصرفت بتعقل .وقفت محتارة .. الصراع عنبف في ان تقبل او ترفض .ولدان يجلسان في المقعد الخلفي والمتكلم يقود سيارة مقودها على اليمين ويتكلم الانكليزية بطلاقة مما يؤكد انه من بلاد الانكليز مع ان شكله يؤكد انه ليس انكليزيا ..
شعره أسود مجعد وقد لوحت الشمس وجهه الاسمر .عريض المنكبين وجذاب وقد تدلت فوق صدره سلسلة ذهبية...
قال الرجل بعد ان نفذ صبره : ادخلي بسرعة.
قالت متلعثمة : ولكن...ولكن هل انت ذاهب الى راموس؟
قال صارخا: نعم .ادخلي .
نظرت مارغو الى حقيبتها المعلقة في كتفها . فابتسم ببطء وخرج من السيارة وساعدها على وضع حقيبتها في صندوق السيارة . أسرعت تجلس في المقعد قربه وقالت تخاطب الولدين: مرحبا.
ولد وبنت في الحادية عشرة من عمرهما .متشابهان في الشكل والشعر والنظرات المتفحصة .رحبا بها ثم قالت الفتاة تخاطبها وهي تبتسم ابتسامة عريضة :
_هل خفت من والدي؟لقد طلبت منه ان يقص شعره قبل ان نصل عند جدتي...
أضاف والدها بنزق: نعم طلبت مني ذلك عدة مرات .
أكمل حديثه بخبث ظاهر : ولقد أقتنعت الان ان منظلاي يشبه برباروسا...
قالت مارغو على الفور : لا. لأن برباروسا له لحية حمراء!
_وأنا لحيتي سوداء لو لي لحية.
ابتسم الرجل لها ابتسامة ودية وكأنه يعرفها منذ فترة طويلة . قفز قلبها من مكانه وهي ترد نظرته الوديه بنظرة مشابهه.
_هل تقصين لي شعري في مقابل ايصالك الى راموس ؟
بلعت مارغو ريقها بارتباك واجابته : اذاكنت تريد .
قال : اعتقد اني اريد ذلك... اسمي بركليس هولمز وولداي كيمون وبيغي .
قالت مارغو تخاطب الولدين : كيف حالكما ؟
منذ مدة طويلة لم تجلس قرب رجل وسيم وجذاب . ستترك خجلها بعيدا . ابتسمت ابتسامة ودية وهي تحاول ان تبقى متوازنة في اعمالها وافكارها وقالت:
اسمي مارغو غرانت .
_اسمك جميل.
_انه ليس اسما انكليزيا فأنا من اسكتلندا مع انني عشت كل حياتي في انكلترا .