المنتدى :
المنتدى الطبي - Medical Forum
الجديد في التدبير الجراحي لأورام القولون والمستقيم المترافقة بانتقالات كبدية
الجديد في التدبير الجراحي لأورام القولون والمستقيم المترافقة بانتقالات كبدية
د. عاصم قبطان
تمهيد:
يقدم البضع الجراحي أحسن الفرص لشفاء سرطانات الكولون و المستقيم المترافقة بانتقالات كبدية عتدما يكون القطع الكامل للورم و للانتقال الكبدي ممكناً. و من الناحية التاريخية يمكن اعتبار 10% - 20% من المرضى المصابين بسرطانات الكولون و المستقيم المترافقة بالإنتقالات الكبدية ضمن المستفيدين من البضع الجراحي الشافي.
إن التقدم في إمكانيات الإستقصاء قبل العمل الجراحي ، و انتقاء المرضى و تحسن التكنيكات الجراحية ، إضافةً إلى استعمال الحديث من الأدوية القاتلة للخلايا و الأدوية الحيوية في المعالجات الكيميائية قبل وبعد العمل الجراحي، أدى إلى زيادة نسبة المرضى المرشحين لتطبيق القطع الجراحي و ضاعف مدة البقيا ( الخمس سنوات ) لدى المرضى المصابين بسرطانات الكولون والمستقيم المترافقة بالانتقالات الكبدية حيث ارتفعت النسبة من 30% قبل عشرون عاماً سابقة إلى ما يقارب الـ 60% حالياً. وأكثر من ذلك، فإن المعالجات الكيميائية الحديثة لدى المرضى المصابين بالانتقالات غير القابلة للبضع الجراحي قد زادت في متوسط نسبة البقيا لسنتين أو أكثر. و إن 20% من المرضى المصابين بانتقالات عصية على الاستئصال الجراحي بقوا أحياء لأربع سنوات بعد اكتشاف إصابتهم بالانتقالات الكبدية الغير قابلة للإستئصال الجراحي.
باختصار لقد تسارعت التبدلات في نظريات العناية بالمرضى المصابين بسرطانات الكولون والمستقيم المترافقة بالانتقالات الكبدية مع تزايد عدد المرضى المؤهلين للمعالجة الجراحية، وفي هذا الجو الجديد بات لا بد من إعادة تعريف وتطوير المبادىء المعتمدة لتقرير خطة العلاج لدى هؤلاء المرضى.
لقد كان ذلك هدف مؤتمر الجمعية الأمريكية للكبد و البانكرياس و الطرق الصفراوية ( AHPBA ) الذي انعقد في كانون الثاني 2006 في مدينة سان فرنسيسكو في كاليفورنيا. في هذا التقرير نبحث المعايير الجديدة المقترحة في تدبير المرضى المصابين بسرطانات الكولون و المستقيم المترافقة بانتقالات كبدية .
*القواعد السابقة المعتمدة للعمل الجراحي:
أكدت الدراسات السابقة على إمكانية إجراء الاستئصال الجراحي لسرطانة الكولون أو المستقيم المترافقة بانتقالات كبدية لا يزيد عددها عن ثلاثة بؤر، و اعتُبر أن ظهور الانتقالات الكبدية بعد 12 شهراً من المعالجة الجراحية البدئية لسرطانة الكولون أو المستقيم مستحسناً، أكثر من وجود الانتقال الكبدي مباشرةً كانت القاعدة سابقاً تتضمن استئصال الانتقال الكبدي مع هامش أمان من نسيج الكبد غير المصاب بسماكة لا تقل عن 1 سم على أن لا يكون هناك أي عقد مصابة في سرة الكبد أو انتقالات بعيدة أخرى خارج الكبد. إن اعتماد هذه النظرية كان يعقد الأمور و يقلل من نسبة أولئك الذين يمكن أن يتعرضوا للإجراءات الجراحية. ، و يبدو أنه لم تكن هناك دراسات متعددة المراكز لتدعم هذا التوجه.
مؤخراً ، ظهرت تقارير عن خبرات متقدمة من مراكز مرموقة عالمياً مهتمة بأمراض الكبد والأقنية الصفراوية ، أثبتت أن المرضى المصابين بعوامل كبدية مرضية قد يتمتعون ببقيا طويلة بعد قطع الانتقالات الكبدية، و قد كشفت التقارير تحولاً في استطباب البتر الكبدي من الاعتماد على الشكل العياني فقط إلى الاعتماد على الشكل العياني والمجهري .
*المبادئ الجديدة المعتمدة في عمليات سرطانات الكولون و المستقيم المترافقة بانتقالات كبدية:
في مؤتمر سان فرنسيسكو اعتُمدت أسـس جديدة في فلسفة قطع الكبد من مفهوم تعريف القطع بالجزء الذي يمكن قطعه من الكبد إلى مفهوم الجزء الذي يمكن تركه من الكبد بعد القطع ، و كانت أهمية هذه الخطوة في زيادة عدد الذين لديهم الاستطباب للتعرض لقطع الكبد.
و بشكل أدق فقد أصبحت الانتقالات الكبدية لأورام الكولون والمستقيم قابلة للإستئصال فيما إذا تحققت الشروط التالية:
1. أن السرطان في الكولون أو المستقيم قابل للإستئصال تماماً.
2. إمكانية المحافظة على قطعتين مجاورتين من قطع الكبد مع المحافظة على ترويتهما الشريانية و الوريدية والجريان الصفراوي.
3. أن ما يتبقى من حجم الكبد المتروك ( Future liver reminent FLR ) يكون كافياً لتأدية وظائف الكبد .
لقد قرر هذا التعريف الجديد نهاية النظرية السابقة التي تعتمد على ترك 1 سم من النسيج الكبدي السليم كهامش محيط بالانتقال الكبدي . و في الحقيقة لقد تبين لدى العديد من الباحثين أن سماكة النسيج الكبدي السليم المستأصلة مع الانتقال ليس لها تأثير على معدل البقيا حتى و لو كان الهامش في حدود 1 مم فقط. وقد نشر باوليك و زملاؤه في دراسة متعددة المراكز تقريراً عن 557 مريضاً أن سماكة هامش الأمان من النسيج الكبدي السليم لم تؤثر على معدل البقيا، أو نسبة النكس، أو موضع النكس التالي. و بالرغم من ذلك فإنه يتوجب على الجراحين متابعة المحافظة على هامش أمان مناسب وتجنب تصغير هذا الهامش إلى الحد الأدنى، إلا أن وجود سماكة أقل من 1 سم من النسيج الكبدي السليم يجب أن لا يعتبر معياراً لإلغاء استطباب الجراحة.
ومن الناحية التاريخية وبالرغم من اعتبار أن وجود انتقالات خارج كبدية لسرطان الكولون والمستقيم كانت دائماً تعتبر مضاد استطباب لقطع الكبد . فإن معهد غوستاف روسيه الفرنسي أشار في دراسة كبيرة أن معدل البقيا لفترة خمس سنوات تراوح ما بين 12% - 37% في بعض الحالات الانتقائية لانتقالات خارج الكبد، دون النظر إلى توضع الورم الانتقالي ( الرئة،الانتقال الكولوني المستقيمي، الانتقالات خلف البيريتوان، أو لسرة الكبد، العقد اللمفاوية، الانتقالات البيريتوانية، و الانتقالات الأخرى). وبهذه المعطيات فإن الانتقالات خارج الكبدية لم تعد مضاد استطباب قطعي لقطع الكبد، إلا أنه يجب الإشارة إلى الحذر في انتقاء هؤلاء المرضى الذين سيتعرضون لاستطباب قطع الكبد. و بشكلٍ عام فإن انتقاء هؤلاء المرضى يجب أن لا يتم إلا بعد التأكد من وجود استجابة لديهم للمعالجة الكيميائية والتأكد من إمكانية التعامل جراحياً مع الانتقالات الكبدية وخارج الكبدية .
*تحديد درجة الورم قبل العمل الجراحي هي المفتاح الصحيح لانتقاء المرضى المناسبين لهذه الجراحة:
إن تحديد قابلية القطع الجراحي تعتمد على تحديد درجة الورم كما ذكرنا، و إن وجود العديد من الإمكانيات الاستقصائية التي يمكن استعمالها قبل العمل الجراحي مثل التصوير الطبقي المحوري (CT) ، والمرنان (MRI)، و تصوير التوموغرافي المطلق للبوزيترون (PET) تضيف بعض نقاط القوة وأحياناً الضعف. وعلى هذا فإن الوصول إلى قرار بملائمة المريض للبضع الجراحي يعتمد على دراسة نتائج كل هذه الاستقصاءات مجتمعةً. وإن الاجماع على التوصيات التالية وتواترها يعتبر الموجه الوحيد لاتخاذ أي قرار بشأن المريض:
1. إجراء التصوير الطبقي المحوري (CT) المعزز بحقن المادة الظليلة للمرضى الذين يعتقد بوجود انتقالات عديدة لديهم باستعمال فليورو ديوكسي غلوكوز (FDG) والـ (PET) لتحديد درجة الورم قبل العمل الجراحي.
2. المرنان المعزز باستعمال الغودالينيوم والمادة الظليلة يفيد جداً في اكتشاف الأورام الانتقالية إلا أنه ضعيف الحساسية تجاه اكتشاف الانتقالات البيريتوانية و الصدرية، و لذلك لاينصح باستعماله كخط استقصاء أول.
إن تعيين درجة الورم قبل العمل الجراحي وثيق الصلة بحيث ترتبط ارتباطاً أساسياً بالحجم الذي يجب قطعه من الكبد مع المحافظة على وظيفة كبدية مناسبة ( FLR function after liver resection ) لمريض قد يحتاج إلى قطع ما يعادل أو يزيد عن خمس قطع من قطع الكبد التشريحية، والهدف من قياس حجم الكبد بواسطة التصوير الطبقي المحوري قبل الجراحة هو لتوقع رقم الـFLR الذي يعبر عنه بالتناسب مع الحجم الكلي للكبد ( TLV total liver volume )، و بعد الدراسات المتأنية تبين أن الخطوط الأساسية الناظمة لتحديد قطع الكبد FLR مع الآبفاء على وظيفة كبدية مناسبة لكبد وظيفي سليم تتركز عند نسبة الـ 20%، و لقد توصل الباحثون لهذه النسبة بعد دراسة سلسلة من الحالات التي أجري لها قطع واسع للكبد تزيد عن 100 حالة، و ينبغي الحكمة في تطبيق المعالجة الكيميائية االحادة قبل قطع الكبد التي قد تؤدي إلى تأذي بالكبد حيث أن هناك تنامي واسع بالمعلومات التي تؤكد على أن المعالجة الكيميائية المديدة قبل العمل الجراحي قد تؤدي إلى حصول اعتلال الكبد الشحمي في مرحلة ما بعد العمل الجراحي. بالرغم من أن بعض الحالات الانتقائية من المرضى الذين تعرضوا لمعالجة جهازية كيميائية واسعة أمكن إجراء قطع واسع للكبد لديهم تجاوز الـ 30% من الحجم الكلي للكبد TLV .
لذلك ينصح بتجنب إجراء القطع الجراحي لأي مريض تنقص نسبة الـ FLR عن الحدود المقترحة أي 20% والاستعاضة عن ذلك بإجراء تصميم الوريد الباب (PVE portal vein embolisation ) لتشجيع حدوث فرط ضخامة في القسم غير المصاب من الكبد ، و يبدو أن المسوغ لهذا الاجراء هو زيادة في حجم الـ FLR مع تنشيط في وظائف الكبد ويقاس ذلك بزيادة الافراز الصفراوي، و زيادة قنص TC99-Galactosyl المرتبط بالألبومين، و معايرة وظائف الكبد الأخرى.
ومن الناحية العملية، فإن تصميم الوريد الباب في الكبد الأيمن له أهمية كبيرة من حيث تحويل الدوران للجهة اليسرى من الكبد لمضاعفة تحفيز التضخم الكبدي Hypertrophy وتقليل خطورة التكاثر الورمي، وينبغي اعتبار هذا الإجراء مساعداً لتحسين نتائج قطع الكبد لدى المرضى الذين لديهم مدخر قليل من الوظائف الكبدية.
*المعالجة الكيميائية الجديدة المساعدة Neoadjuvant Chemotherapy:
يتم تشخيص سرطان الكولون أو المستقيم المترافق بانتقالات كبدية في مرحلةٍ متقدمة في 80% من الحالات مما يمنع إجراءات قطع الكبد. وسابقاً كانت نسبة الإفادة من المعالجة بالـ 5 فليوروأوراسيل (5-FU ) العلاج الكيميائي الوحيد المتوفر لجعل اورام الكبد الانتقالية قابلة للبضع تقل عن 20%. وقد ترافق ظهور الريجيم الثلاثي الجديد الذي يتكون من الـ 5-FU ، و حمض الفولينيك Folinic acid و الـ أوكساليبلاتين Oxaliplatin أو الـ إرينوتيكان Irinotecan أو الاثنين الأخيرين معاً بنتائج إيجابية رفعت نسبة الإفادة إلى 50%، مما زاد في نسبة المستفيدين من القطع الجراحي ما بين 10% - 30% من أولئك الذين اعتبروا سابقاً في خانة غير المرشحين للبضع الجراحي. إضافةً لذلك فإن النتائج الأولى للدراسات التي تقيم جدوى المعالجة الحيوية الجديدة بالـ بيفاسيزوماب Bevacizoumab و الـ سيتوكسيماب Cetoximab التي تهدف إلى منع النشاط التكاثري الوعائي الشعري Angiogenesis وتعاكس مستقبلات عامل النمو الأدمي Epidermal Growth Factor Receptor ترجح أن هناك عدد أكبر من المرضى الذين صُنفوا مبدئياً غير قابلين لقطع الكبد، تحسنت فرصهم لإجراء قطع الكبد بإيجابية تصل إلى 70%. وعلى كلٍ فإن عدداً من الباحثين نشروا تقاريراً ترجح جدوى المعالجة الكيميائية الجهازية والموضعة في زيادة عدد المستفيدين من البضع الجراحي للكبد. و لا بد من الإشارة إلى أنه في المرحلة الحاضرة لا زالت التقارير قليلة عن جدوى المعالجات الكيميائية على المدى البعيد لدى المرضى المصنفين ضمن قائمة الغير مستفيدين مبدئياً وقابلين للبضع الجراحي. وإن أكبر دراسة أجريت حتى الآن تضمنت 1104 حالة نشرها آدم و زملاؤه ووجد أن 12.5% من المرضى الذين صُنفوا سابقاً غير قابلين لبضع الكبد قد تحولوا إلى إمكانية قطع الكبد، كما أن مدة البقيا لخمس سنوات ونسبة السلامة من النكس وصلت إلى 33% و 22% بالتتالي.
إن هذه المعلومات تقوي القناعة بقيمة بضع الكبد حتى في الدرجات المتقدمة من تصنيف الورم، و تؤكد على أن قطع الانتقالات الكبدية يجب أن تكون النقطة النهائية في استراتيجية المعالجة.
ومن المهم الإشارة إلى أن تطبيق الجراحة على الانتقالات الكبدية يجب أن يجرى بمجرد تحقق قابلية الانتقالات للإستئصال، و لتجنب فقد فائدة المعالجة الكيميائية لدى المرضى الذين لديهم أورام منضبطة، وفي الحقيقة فإن عدم تأثر الورم بالمعالجة الكيميائية واستمرار تقدمه يمثل إشارة سلبية في تقدير مستقبل المريض واستفادته من المعالجة.
*استراتيجية المعالجة الجراحية الجديدة:
بعد تطبيق المعالجة الكيميائية الجديدة ارتفعت نسبة الاستطباب الجراحي لبضع الكبد في الحالات المتقدمة من إصابة الكبد التي كانت غير قابلة للإستئصال أو المحتملة الاستئصال بنسبة قليلة جداً، ، لقد تزايد الحماس للجراحة الاسـتئـصالية لقسم من الكبد وأصبح من الممكن إجراء قطع الكبد على مرحلتين متتاليتين (2-Stage hepatectomy ) مع تصميم الوريد الباب أو عدمه، و إجراء القطع المترافق مع استخدام القطع بالمايكروويف (Radiofrequency ablation RFA )مع أو بدون الـ PVE ، وأصبح من المؤمل أن تزيد هذه الجراحة في فترة البقيا.
وإن ظهور هذا النوع من التدبير أدى إلى زيادة عدد المرضى المناسبين لإجراء القطع الجراحي الواسع للكبد، و في السنوات الأخيرة أصبح استعمال الـ RFA مفضلاً للقضاء الموضعي على الانتقالات والغير قابلة للإستئصال بالجراحة الروتينية، و أصبحت الـ RFA طريقة فعالة موضعياً مع العلم و للأسف بأن إمكانية النكس الورمي تبقى عالية. و على كلٍ ففي بعض الحالات الانتقائية يمكن تحقيق كامل المعالجة الكبدية بطريقة الـ RFA .
*الخاتمة Conclusion:
يبقى تدبير أورام الكبد الانتقالية من أورام الكولون أوالمستقيم يمثل قضية معقدة بالمقارنة بما هو قبل عشرة سنوات، بالرغم من التقدم الأخير الذي حصل في التقنيات الجراحية والعلاجية والعناية ما بعد العمل الجراحي، وإن التوسع في استطبابات بضع الكبد يجب أن لا يؤخذ بسهولة ولا بد لصاحب القرار الجراحي أن يكون ذا خبرة متقدمة في هذا المجال. ومن الإيجابيات أن هذا التقدم الأخير أدى إلى زيادة في مدة البقيا، وفي المستقبل القريب سوف تزداد أعداد المستفيدين والأحياء من المصابين بأورام الكولون والمستقيم المنتقلة إلى الكبد.
|