من يطفئ نيران القلوب ؟!
إن في القلوب جراح لا يزال يثعب منها المكدرات والسيئات... وبها نيران تختلجها فاقةٌ أورثتها محرمات ومحرمات.. امتلأت من دخان ذنوب بني آدم حتى أسود.. فأوجب ذلك تشتتا وهما.. فتعذبت الروح.. وانغمَّت النفس.. وانسجن القلب.. فضمدت بحب الدنيا والتلذذ بشهواتها فزاد الأسى في القلوب..
إذاً.. من يضمد هذه الجراح ؟ من يطفئ نارها المشتعل ؟ من يزيل وحشتها ؟ من يذهب حزنها ؟ إنها وقفتان سوف أقف معها عبر هذه المقالة.. فيا أخي صاحب القلب الجريح.. قبل أن نوضح المعالم ونرسم الطريق، استشعر بأنك مطلوب للتطبيق والعمل من خلال قراءتك لهذه الوقفات..
** أول هذه الوقفات..
مع قول الله سبحانه وتعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )... إن العظيم المنان غنيٌ عن العالمين، غنيٌ عن عبادتهم وطاعتهم، لا تنفعه طاعة من أطاع ولا تضره معصية من عصاه..
ولِنعلم أننا ما وُجِدنا في هذه الحياة الدنيا إلا لعبادة الرحيم الرحمن، فمن تقرب إليه شبرا تقرب إليه ذراعا، ومن تقرب إليه ذراعا تقرب إليه باعا، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة، ومن أقبل عليه تلقَّاه، ومن أعرض عنه ناداه، ومن ترك من أجله أعطاه..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:- من أراد السعادة الحقيقية فليلزم عتبة العبودية. (كرر هذه المقولة في ذهنك عندما يقسو قلبك وتشعر بالضيق والهم )..فما أعظم من أن يضمد الإنسان جراح قلبه بعبودية الله عن نفسه حتى يكفيه الله مؤونة الناس.. وما أعظم أن يضمد الإنسان جراحه بأن يشتغل بالله عن الناس حتى يكفيه الله مؤونة الناس..
إلى كم ذا التخلف والتواني وكم هذا التمادي والتمادي
فالطريق شاق، والعاقل اللبيب لا يبيع الياقوت بالحصى، ولا يرى لنفسه ثمنا إلا الجنة.. فمن لم يجمع همته.. ويعلي إرادته.. ويقوي عزيمته.. ويتخفف من دنياه.. فلن يستطيع بلوغ العبودية الحقة لله تعالى..
قال تعالى: ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا )..وقال تعالى: ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا )...
أيها المسلم الذي يسمع ويعقل: حافظ على تكبيرة الإحرام، وأفشِ السلام، وصِل الأرحام.. وصلِّ بالليل والناس نيام.. كن للمعروف آمرا وللمنكر ناهيا، وللخير داعما واعلم أن هناك ركعتين خير من الدنيا وما فيها وهي ركعتي الفجر.. ولا تنسى أن تبني لك كل يوم قصرا في الجنة بمحافظتك على السنن الرواتب..
الحرص الحرص على متابعة الأذان والإحسان،، الإحسان فإن ذلك غاية أهل الإيمان.. القرآن القرآن.. يا محبَّ القرآن، القرآن القرآن.. يا محبَّ القرآن، القرآن القرآن.. يا محبَّ القرآن..
جالس الصالحين، واكفل اليتيم، وصاحب الأخيار المؤمنين، وأكثر من الخلوة، وأسبل الدمعة، وخاف من يوم لا بيع فيه ولا ظلَّة.. نفِّس كربا، أزِل همَّا، أكظم غيظا، عد مريضا، أستر مسلما، أطعم جائعا فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا..
صلِّ الضحى، وأزل الأذى، ومساجد الله أكثر إليها الخطى.. علق قلبك بالمساجد، وكن لله راكعا ساجدا.. وتعوذ بالله من كل شر وعائق.. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( أوصاني خليلي بثلاث، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى وأن أتوضأ قبل أن أنام )..
الله الله في بر الوالدين، الله الله في بر الوالدين والإحسان إليهما والأدب معهما واحترامهما وتوقيرهما.. توكل على الله، واجعل لسانك رطباً بذكر الله، واجعل الزهد والورع إزارك والخشية ردائك، والمراقبة لله أساس حياتك..
ومن خلال رسمنا لهذه الوقفات، نقف مع الوقفة الثانية:
وهي الحقيقة الغائبة عن نفوس أكثر المؤمنين، ألا وهي استشعار عظمة الله سبحانه وتعالى في النفوس.. أيها الموحد..
عظمة عالم الغيوب غابت عن نفوسنا، عظمة أكرم مسئول، وأعظم مأمول تلاشت في حياتنا، عظمة مفرِّج الكروب، ومجيب دعوة المضطر غابت عن أذهاننا..
أيها المسلم: لمن خرجنا للصلاة ؟ ولمن حججنا وصمنا ؟ ومن ندعو ونرجو رضاه ؟ إنه الله... إنه الله... إنه الله..
فحقٌ علينا أن نتعرف على خالقنا ورازقنا.. ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)، ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، ( هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). الحشر
لا إله إلا الله.. أي عظمة أكبر من عظمته جلَّ وعز.. فسبحانه ما أعظمه.. ما أقدره.. ما أحلمه.. لكن.. ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ )..لا إله إلا الله ما قدرنا الجبار حق قدره، وهو كل يوم في شأن، يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين، يحيي ميتا، ويميت حيا، ويجيب داعيا، ويشفي مريضا، يعز من يشاء ويذل من يشاء...
سمِع نداء يونس في الظلمات، واستجاب لزكريا فوهبه على الكبر هاديا مهديا، أزال الكرب عن أيوب، وألان الحديد لداود، وسخر الريح لسليمان، وشق البحر لموسى، وفلق القمر لمحمد صلى الله عليه وسلم، ونجى هودا وأهلك قومه، وجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم.. فيا رب... يارب... يارب...
أمام بابك كل الخلق قد وقفوا وهم ينادون يا فتَّاح يا صمدُ
والخير عندك مبذولٌ لطالبه حتى لمن كفرو حتى لمن جحدوا
إن أنت يا رب لم ترحم ضراعتهم فليس يرحمهم من بينهم أحدُ
فأنت وحدك تعطي السائلين ولا ترد عن بابك المقصود من قصدوا
ليس المقصود من معرفة الله الإقرار بوجوده فقط.. فهذا يعرفه كل الخلق انسهم وجنهم مؤمنهم وكافرهم.. وإنما المقصود المعرفة والاستشعار الذي توجب الحياء من الله والخوف منه، والإقبال عليه ومحبته والانكسار بين يديه والصدق في معاملته والرضاء بأمره ونهيه وقضائه وقدره والأنس بخلوته..
وحتى نكشف حالنا.. نسأل أنفسنا عن حقيقة استشعارنا لله في.. صلاتنا ووقوفنا بين يديه ؟.. وكيف حالنا عند قراءة كلامه سبحانه ؟.. وكيف حالنا عند حلاله وحرامه ؟.. والله أعلم.. كيف يكون حالنا إذا وقفنا ين يديه يوم العرض الأكبر.. (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً)..( وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً )..( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً )..(وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً).. ( وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً )..( ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً )..( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً )..( لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً ). نوح ..
.. مما قرأت ..