المنتدى :
الارشيف
الزوجة الملعونة المظلومة
احذرى أن تتزوجى عبقرياً
بهذه الكلمات نصحت كاتبة أمريكية بنات جنسها فالعبقرى - من وجهة نظر الكاتبة - رجل يعيش بالمقلوب وطريقته فى التفكير تختلف تماماً عن طريقة الآخرين .انه لن يحتمل ثرثرة المرأة وضجيج الأطفال وهو غالبا مايبنى حياته على أساس من الوحدة والعزلة انه يريد أن يعيش مع افكاره ونفسه أكثر من الحياة والمجتمع والناس
بلزاك أكبر قصاص فرنسى من القرن الماضى كان يعيش لفترة طويلة فى بيت ليس فيه أثاث سوى بلزاك نفسه .. ومع ذلك كان يتصور أنه يعيش فى قصر من قصور فرنسا لقد أمسك بقلمه وكتب على جدران البيت هنا لوحة لمايكل انجلو هنا لوحة لدافنشى وبهذه الطريقة الوهمية ملأ البيت بالأثاث الفاخر واللوحات الرائعه واذا نام على الأرض بعد ذلك فقد كان يتصور انه ينام على سرير من ريش النعام !!!
برنارد شو ، عندما عندما تزوج بعد الأربعين اشترط على زوجته ألا يكون بينه وبين زوجته أى علاقة زوجية وعاشت معه ثلاثين سنة فى " زواج روحى " !!
هافلوك أليس العالم النفسى المشهور اتفق مع زوجته أن يعيشا فى بيتين منفصلين وألا يلتقيا الا شهرين فى السنة .. واستطاع الزوج العبقرى أن يحتمل هذه الحياة أما الزوجة فلم تستطع فانهارت أعصابها وانتهى بها الأمر الى المستشفى ثم ماتت
لكن أكبر ماساة من هذا النوع هى ماساة زوجة الأديب الروسى الكبير " تولستوى "
لقد ماتت هذه الزوجة بعد أن هجرها كل الناس حتى أولادها . وماتت مجنونة
ولم ينته السُخط عليها بعد موتها لقد ظهرت عشرات الكتب والمقالات تهاجم الزوجه وتقول أنها كانت
سبب تعاسة وعذاب حياة زوجها العظيم واصبحت مع زوجة سقراط أسوأ مثال لزوجات
عشات صوفيا مع تولستوى خمسين سنة وأنجبت له ثلاثة عشر ولداً وبنتاً وكان تولستوى يحبها حبا جماً فما سبب المأساه اذن ؟
ا ن اكبر حادثة فى حياة تولستوى هى هربه الأخير لقد ضبط زوجته وهى تفتش مكتبه وأوراقه ولم تكت هذه هىالمره الأولى التى يضبطها تفعل ذلك لقد كررت هذا التصرف مرارا وتكراراً بحثا عن أسرار زوجها ومذكراته ووصاياه
لم يقل لها كلمة واحدة وذات ليلة بعد ان نام الجميع خرج من قصره وقد قرر الهروب الى الابد من زوجته وحياته القديمة حمل قلمه وبضعه اوراق ولبس ملابس الفلاحين الخشنة المتواضعه ووضع طاقه اخفت معظم ملامح وجهه وحاول ان يخفى شخصيته تحت هذه الملابس بل وغير اسمه الى " ت نيقولاييف " وكان يريد أن يبدأ وهو فى الثانية والثمانيين أن يبدأ حياة جديدة
ركب القطار وحاول ان يذهب الى اخر حدود البلاد بعيدا عن المجد والشهرة وعن زوجته كى يموت بعيد ا عن تلك الأشياء الزائفه فى الحياة لكن الناس اكتشفوا امره فى اللحظات الأخيرة غير أنه كان قد اقترب من الحدود الأخيرة للحياة ولم يعد بينه وبين الموت الا مشوار قصير لا يزيد عن أيام
نزل الفنان الكبير فى احدى القرى الصغيرة حيث رقد على سرير حديدى قديم فى مكتب ناظر المحطة ورفض أن يرى أحد ورفض على وه الخصوص أن يلتقى بزوجته التى كانت تقف امام مكتب ناظر المحطة حيث قضى تولستوى بضع ليال لم يستقبل غير الطبيب
ان أول خلاف بين تولستوى وزوجته كان حول الأرض لقد كان تولستوى اقطاعياً كبيراً ورث عن اهله أراض واسعه ولكنه كان فنان ومفكراً وكان قبل كل شيىء انساناً عميق الانسانية
وبعد أن قضى شباباً سعيداً وفى لحظة باهرة من حياته وقف يسأل : لماذا أملك الأرض ويجوع الفلاحون ؟ لما آكل فى أطباق من ذهب ولا يجدون مايأكلون ؟
لماذا بعملون فى الأرض وفى الآخر تكون الثمار لى
هل هو الفن الذى أكتبه سبب ذلك ؟
ان الفن شيىء تافه انه عبث وترف يفكر فيه الكسالى الذين لا يعرفون معنى الألم
وثار الانسان العظيم فى قلب تولستوى على الاقطاعى وقرر أن يوزع الأرض على الفلاحين !!!!!!
وبالطبع صوفيا زوجته فى وجه زوجها وانصدمت من هذا القرار
ةالارض التى وزعها على الفلاحيين أعادتها بالقوة والفلاحين الذين الذين أصبحوا مالكين أعادتهم أجراء من جديد
واستسلم تولستوى لزوجته بعد صراع لكنه كان استسلام ظاهرياً فقد كا ن لايكف عن تعذيب نفسه واذلالها كان يذهب الى العمل مع الفلاحين وكان يقضى أياماً فى صنع حذائه الخاص بيديه وكان يهاجم القيصر أمام الجميع ويتمنى من وراء ذلك أن يسجنه القيصر أو ينفيه فيتحول الى شهيد .. الى رمز لأفكاره التى ينادى بها ولا يستطيع تحقيقها فى حياته الخاصة
لقد تحول تولستوى الى مايشبه النبى عنما تحول من كتابة القصص والروايات الى المناداة بدعوة سياسية واجتماعية شاملة : دعوه الى الحب ودعوة الى الغاء نظام الامتلاك كان يقول : ان كل شيىء يجب أن يتبدل زكان يقول ذلك فى عالم تسوده القيصريه والاقطاع وينتشر فيه الظلم بصورة وحشية
وعندما تحول الى ذلك كثر اتباعه وأصدقاؤه وأصبح قصره كعبة كل ايامها مواسم حج دائمة مئات الناس يجيئون ويذهبون شاب يستوضحه فى راى .. كاتب يعرض عليه انتاجه .. رجل دين يحاول ان يقنعه بالعدول عن الطريق الذى يسير فيه .. صحفى يعد حديث معه ... يائس من الحياة يسأله هل من أمل
وكان على زوجة تولستوى أن تتحمل كل هذا كان عليها ان تتحمل عشرات اللاجئين الى بيت تولستوى كأنهم من أهله
وكان كثيرون منهم يخرجون بعد ذلك ليهاجموه ويقولا أنهم اكتشفوا سر هذا الدجال
ولقد سجل أحد الأصدقاء المخلصين لتولستوى مجموعة من الصور الحية عندما كتب عن هؤلاء الذين كانوا يسيئون الى تولستوى أيبشع الاساءات لقد كان كثير من هؤلاء الأتباع أدعياء زائفين انهم طائفة تحيط بالرجل العظيم عادة وتتغذى على حياته ثم تحاول أن تبنى وجودها بالهجوم عليه والتنكر له
وكانت زوجة تولستوى تدرك ذلك وتحس بغريزتها مدى ما فى هؤلاء من انحطاط ولذلك فقد كانت تكرهمم وتنفر منهم وتحاول أن تبعدهم عن زوجها ولكن تولستوى كان يفكر بطريقة اخرى كان كل مايفكر فيه أن يقدم تعاليمه ويلقيها الى الناس لذلك فتح صدره واعطى بيته ووقته وكل مايملك لهؤلاء الناس بدون تمييز بين من يستحق ومن لايستحق
وهذه نقطة خلاف اخرى بين تولستوى وزوجته لقد كانت تكره معظم اتباعه وأصدقائه ويقول جوركى - وقد كان من المؤمنين بتولستوى والمعجبين به :
ان تولستوى قد نجا بفضل زوجته من كثير من رفسات الحمير ولم يصل اليه بفضلها الكثير من الطين
وهكذا وقف صوفيا فى وجه تولستوى رفضت أن يتحول هذا الرجل المسئول عن أسرة كبيرة الى رجل معدم لا يجد مايأكله ورفضت أن يقدم حياته ليعيش عليها هذا العدد الضخم من المعجبين الزائفين
وقد دفع هذا كله زوجة تولستوى الى ان تتدخل فى حياته تدخلاً عنيفا ومن هنا كانت المأساة
كانت مجرد إمرأة أما هو فكان أكثر من انسان
كانت تعيش فى الحاضر وكان يعيش فى المستقبل
كانت تعيش فىالمجتمع أما هو كان يعيش فى الانسانية
كانت تعيش من أجل حياتها وحياة أسرتها أما هو فكان يعيش من أجل مبادىء عالية من أجل الانسان فى كل مكان
ومن أجل ذلك كانت تحاول دائماً أن تعرف أسراره وتدخل الى عالمه الخاص بقسوة لتعرف كل شيىء
وانهزمت هذه الزوجة فى آخر الأمر لقد قرر أن يترك لها كل شيىء ويهرب انه يريد أن يعيش مابقى له من أيام وحيداً نقياً لاتلوثه أراض يملكها ولا يشعر انه سعيد على حساب فلاحين عبيد أو شهرة تفسد احساسه البسيط بالحياة
انه يريد الحقيقة المطلقة والحب الخالص الكلمة النقية البرئية
ومات تولستوى فى هربه الاخير ميتة متواضعه بسيطة لعلها كانت أجمل ماتمناه
هل كانت زوجته سر مأساته ؟
اجل كانت جزء من هذه المأساه لانها لم تفهمه جيداً .. ولكن تولستوى كان لابد سيقع فى المأساة سواء كانت معه زوجته أو لا فقد كان قلقه فظيعاً بشكل لا يمكن أن يعطيه أى لون من ألوان السعادة فهو لغم من الألغام النفسية التى تدمر كل استقرار وهدوء فى حياته
كان يصر على كتابة المسودة سبع مرات وعلى ان يكتب الكتاب كله من الاول كلما قرأه من جديد
وكان يكره عالمه الخاص والمجتمع الذى يعيش فيه ويريد تعديلا شاملاً للوجود البشرى
وهذا هو سر مأساته
ومن الضرورى أن يكون العالم أكثر انصافاً وهو يتذكر زوجة تولستوى
فيكفى هذه الانسانة أنها استطاعت أن تتحمل خمسين سنة قلقاً لا ذنب لها فيه
ولم تكن مستعدة له لا بتربيتها ولا بطبيعة شخصيتها وكانت فتاة جميلة مترفة تأخذ الحياة بيسر وسهولة ولا تعرف أبداً معنى الألم
ولكنها لم تكن تعرف أيضاً أنها عندما تزوجت الاقطاعى تولستوى قد ربطت مصيرها بأكبر عاصفة من القلق والتمرد ظهرت خلال مائتى سنة تقريباً ، وقد استقرت هذه العاصفة فى قلب رجل واحد هو زوجها فدمرت احساسه واحساس من حوله بالسعادة
لقد هجرها الناس بعد موت زوجها واعتبروها مسئولة عن مأساته وعاشت أيامها الأخيرة وحيدة .. حزينة .. ثم اصابها الجنون الذى قادها الى القبر
انها زوجة مظلومة وهى لا تستحق من العالم أن يلعنها كلما تذكر زوجها العظيم بل أن يقدم لها زهرتين من الفهم والانصاف
|