01-09-09, 05:44 PM
|
المشاركة رقم: 1
|
المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
الطائر الحزين |
|
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
المنتدى :
الكتب الإسلامية
محمد دراز , دستور الأخلاق في القرأن , مؤسسة الرسالة , 1998
للتحميل
اضغط هنا
إن الهدف الرئيسي من هذا البحث هو إبراز الطابع العام للأخلاق التي تستمد من كتاب الله الحكيم، وذلك من الناحيتين النظرية والعملية.
أما عن البحث في الأسس النظرية التي تقوم عليها المبادئ الأخلاقية في القرآن الكريم، فإن المؤلف يعبر لنا، دون مواربة، عن شعوره بأنه كان يضع قدميه لأول مرة على أرض لم تطأها قدم من قبل. لكن وعورة المسالك التي عزم على الخوض فيها لم تضعف من عزيمته، بل كانت حافزاً له على تحدي الصعاب في سبيل خدمة دين الله الحنيف.
وهو لا ينكر أن عدداً من فقهاء المسلمين قد بحثوا في مقاييس الخير والشر، وأن عدداً من رجال الشرع قد تكلموا في شروط المسؤولية، وأن بعض الأخلاقيين قد ناقشوا جدوى "الجهد الإنساني" وضرورة "النية الطيبة" غير أن هذه الجهود التي لا ينكر أحد قيمتها ظلت مبعثرة في بطون الكتب التي لم تقتصر على معالجة الأخلاق، بل غلبت عليها آراء أخرى في الفقه والشريعة وعلوم الدين واللغة.
أما مؤلفنا فقد وضع نفسه منذ اللحظة الأولى على أرض الأخلاق، وأخذ يعالج المسائل الأخلاقية الواحدة بعد الأخرى، بحسب المفاهيم والمعايير التي تعالج بها عند علماء الأخلاق المحدثين. ومن ناحية أخرى نجده يعني بمناقشة الحلول التي جاء بها بعض المفكرين في الشرق أو العرب، متخذاً من آرائهم ومبادئهم وسيلة للمقارنة. وهو أثناء ذلك كله يجعل من القرآن دائماً نقطة ارتكازه، ويعتمد في استخلاص للإجابة الشافية على المسائل المطروحة، اعتماداً مباشراً على النصوص القرآنية.
وإذا ما حاولنا تحديد الأفكار الرئيسية التي تهيمن على هذا الكتاب من أوله إلى آخره نجد أن هناك فكرة رئيسية يدور حولها وهي أن الحاسة الخلقية انبعاث داخلي فطري، وأن القانون الأخلاقي قد طبع في النفس الإنسانية منذ نشأتها "ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها". والواقع أن الإنسان العادي يستطيع أن يميز، إلى حد ما، وفي كل ما يقوم به من أنواع السلوك، بين ما هو "خير"، وما هو "شر" وبين ما هو "محايد" لا ينفع ولا يضر، وذلك مثلما يميز في عالم المحسوس بين "الجميل" و"القبيح"، و"المجرد" من كل تعبير.
ننتقل الآن إلى فكرة رئيسية أخرى ألح عليها المؤلف، وأبرزها بكل وضوح في ثنايا مؤلفه، وهي: أنه لا مكان للأخلاق بدون عقيدة. والعقيدة هنا تتصل بالأخلاق ذاتها، ومعناها الإيمان بالحقيقة الأخلاقية كحقيقة قائمة بذاتها "تسمو" على الفرد"، و"تفرض" نفسها عليه بغض النظر عن أهوائه ومصالحه ورغباته.
واستقلال القاعدة الأخلاقية بالنسبة للفرد قد يجعل من الحياة الأخلاقية "خضوعاً". غير أن الخضوع المطلق يعتبر نفياً "للحرية"، وهو تبعاً لذلك نفي للأخلاق ذاتها. هذه إحدى النقاط الشائكة التي تعرض لها المؤلف بالتحليل في فصله الأول عن "الإلزام الخلقي".
وتنبثق عن فكرة الإلزام فكرة "المسئولية"، وهي موضوع الفصل الثاني. وقد شرح المؤلف جوانبها الأخلاقية والدينية والاجتماعية، ثم أخذ يدرس بالتفاصيل المظهر الأخلاقي لفكرة المسئولية.
ويعالج المؤلف موضوع "النية والبواعث" في الفصل الرابع. فإلى جانب اختيار الموضوع المباشر للعمل، هناك اختيار الهدف البعدي، وفي حسن اختيار هذا الهدف تكون النية الطيبة بمعناها الأخلاقي الصرف.
وكانت آخر مسألة عالجها المؤلف في الفصل الخامس من الكتاب هي تحليل طبيعة "الجهد" الإنساني الذي يأمر به القرآن الكريم، ودرجة هذا الجهد وقيمته في اكتساب الثواب.
وقد عالج المؤلف العلاقة بين الجهد والانبعاث التلقائي من ناحية، وبين الجهد وروح التيسير من ناحية أخرى. ووضح أن القرآن الكريم قد وازن بين كلٍّ من الطرفين المتعارضين، ودمج بينهما في تركيب يجمع بين الكمال والحكمة. وناقش فكرة المتشددين الذين يرفضون التلقائية في الفعل الأخلاقي، ولا يمنحون السلوك أية قيمة إلا إذا كان نتيجة لجهد أو معاناة كبيرين.
أما فيما يتعلق بالقسم الثاني من الكتاب، وهو الخاص بالأخلاق العملية، فقد اختار المؤلف طريقة للعرض تختلف عن طريقة "الغزالي"، ومن حذا حذوه من المصنفين لآيات القرآن الكريم. فبدلاً من أن يجمع جميع الآيات التي لها صلة بالسلوك الإنساني، اكتفى بذكر عدد من الآيات التي تشرح بوضوح كل قاعدة من قواعد السلوك الإنساني، اكتفى بذكر عدد من الآيات التي تشرح بوضوح كل قاعدة من قواعد السلوك، وتحاشى التكرار على قدر الإمكان. وبدلاً من التقيد بتسلسل السور، أو التسلسل الأبجدي للمبادئ الأخلاقية، فضّل انتهاج نظام منطقي. فجمع النصوص القرآنية، كل طائفة في فصل خاص، بحسب نوع العلاقات التي تنظمها كل قاعدة من قواعد الأخلاق: فينطوي الفصل الأول الخاص "بالأخلاق الفردية" على الآيات المتصلة بالتعاليم الخلقية للفرد، والجهد الأخلاقي، وصفاء الروح، والاستقامة، والعفة، والسيطرة على الشهوات، وكبت الغضب، والإخلاص، والوداعة، والتواضع، والتحفظ في إصدار الأحكام، والامتناع عن الشك، والمثابرة، والتحمل، والاقتداء بالمثل الطيب الخ...
ومن حيث التحريمات نجد الآيات التي تمنع الانتحار وبتر الأعضاء أو تشويه الجسم، وتحرم الكذب، والنفاق، والبخل، والإسراف، والتفاخر، والتعالي والحرص على متاع الدنيا، والحسد، والفسق الخ...
ويهتم الفصل الثاني بتجميع الآيات التي تتصل بالأخلاق العائلية، ويصنفها تحت أقسام: الواجبات نحو الزوج، والواجبات نحو الأقارب، والميراث. ويندرج تحت كل قسم من هذه الأقسام أقسام فرعية.
وفي الفصل الثالث نجد الآيات المتصلة بالأخلاق الاجتماعية ويندرج تحتها: تحريم القتل، والسرقة، والاختلاس، والقرض بفائدة، وتبديد مال اليتامى، والخيانة، الخ...
والأمر برد الوديعة، وكتابة الدين، ومراعاة العهود، وشهادة الصدق، وإقرار الوئام بين الناس، والتعاطف مع الآخرين، والإحسان إلى الضعفاء، وتحرير الرقيق الخ...
كما نجد الآيات التي تنظم قواعد التأدب: كالاستئذان قبل الدخول، وخفض الصوت، والمبادرة بالتحية، والرد على التحية بأحسن منها، وحسن الهندام، وحسن اختيار الحديث.
ويهتم الفصل الرابع بالأخلاق الخاصة بالدولة، وفيه نجد الآيات التي توضح العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والآيات التي تنظم العلاقات الخارجية الخ... وفي الفصل الخامس الأخلاق الدينية وتنطوي على الآيات التي تنظم واجبات الإنسان نحو الله. في ضوء هذا العرض السريع لفصول الكتاب، يمكن القول إن المسلم يجد في القرآن الكريم كل ما يشبع حاجته في مجال الأخلاق سواء من الناحية النظرية أو العملية. بل يمكن القول إن الإنسانية كلها، على مرّ العصور والأجيال، وعلى ما قد ينتابها من تغيرات عميقة في الوجود، سوف تجد دائماً في القرآن الكريم قاعدة تنظم نشاطها الأخلاقي، ووسيلة تحفز جهودها، ومثالاً أعلى تهتدي به.
|
|
|