كاتب الموضوع :
جنات العوفي
المنتدى :
الادباء والكتاب العرب
" بيت لا تفتح نوافذه " مجموعة قصصية لهشام بن الشاوي :
الرثاء المفعم بالألم والفقد :
القاريء للمجموعة القصصية للكاتب المغربي هشام بن الشاوي الأولى والتي اختار لها عنوان " بيت لا تفتح نوافذه " ، لا بد أن يلاحظ اهتمامه المفرط في كتابة الواقع كما هو ونقله إلينا ، إلى القاريء ، كما هو لا تبديل ولا تغيير فيه ، الواقع وما يحيط به من التباسات ومفارقات ومتناقضات وأحداث غريبة وواقعية وتجارب حياتية قد عاشها الكاتب نفسه وعاشها معه أبطال قصصه داخل حيه الذي يسكن فيه . المكان له حيز كبير في المجموعة القصصية الأولى للكاتب . فهذه القضية بالذات باتت الهاجس المؤرق لهشام بن الشاوي في كل كتاباته والدافع الأساسي للإبداع .
إن المكان هو الفكرة المحورية التي تدور حولها مجموعته القصصية ومن خلاله يحاول نقل أحداث الواقع المعيش بكل أشكاله المختلفة من حب وعشق ودعارة وخيانة وجنون ووفاء ، يقيم بين كل هذه الأشكال علاقة وثيقة في نصوصه الإثنى عشر المكونة للمجموعة .
إن المجموعة القصصية لهشام بن الشاوي " بيت لا تفتح نوافذه " بكل ما يروج فيها من أحداث هي المعادل الإبداعي لفكرة الحياة الحديثة بكل تجلياتها . وهي بالتالي تلك الحوار والتفاعل المجتمعي الذي نراه في كل حي شعبي بالمدن المغربية ، على أن هذا التفاعل المجتمعي لا يتم في إطار وعظي وإرشادي للمجتمع ، بل إنه قراءة متأنية ونقل موضوعي مميز للحياة بهذا المكان يتقاسم البطولة فيه نساء وفتيات في مقتبل العمر ورجال وشبان وأطفال صغار .
تشكل المجموعة القصصية لهشام بن الشاوي بداية طبيعية لمشروعه الإبداعي والأدبي والفكري ، وتأكيدا على فكرة نقل الواقع بدون رتوشات وتزويقات ، الواقع المتأرجح بين المعيش اليومي وبين الفكر المتقدم عند الكاتب ، بين الحياة الشعبية وبين المتغير الحاصل في عقل الكاتب نفسه . فالكاتب هشام بن الشاوي هو الذي يحاول اكتشاف ذاته داخل هذه المتغيرات ، من خلال ذاتيته الصرفة ، بل من خلال الانتساب الفكري والإنساني والوقوف على حيوات أولئك الذين جعلوه يخرج إلى الوجود الأدبي ومنحوه بطاقة الانتماء إلى عالم الكتابة وموهبتها العظيمة وطريقة التعبير والتقييم وبناء الشخصية الفكرية في عالم يسوده التخلف .
ونرى أن الدافع وراء كتابة المجموعة كان ذلك التفكير المضني عند الكاتب ، والذي جعله يبدع لنا نصوصا راقية في أسلوبها وفي مقاربة المغزى الحقيقي من وراء إخراجها إلى الوجود الأدبي وإلى سوق القراءة الذي مازال يعيش أكبر معاناته المتمثلة في ضعف المتابعة والقراءة . ولكن كاتبنا قرر العكس وتحدى كل هذه العوامل كاملة من أجل أن ترى مجموعته النور حتى ولو كان على حساب لقمة عيشه .
لم يبذل هشام بن الشاوي كبير عناء لكي يضعنا كقراء أمام صورة حيه المنقسمة بين التفكير المتقدم والتفكير المتخلف ، وبين الجذور الأصلية لحياة الناس وبين الممكن تغييره من واقعهم ، " لعنت والدي ، وهما في قبريهما ، لأنهما أخرجاني إلى هذه الحياة التي لم أختر المجيء إليها ، ولعنت اللحظة التي كان فيها إيروس ثالثهما … ص : 7 " .
إذن ، نقرأ على لسان الكاتب أن خروجه إلى الحياة كان خطأ أو كان في غير محله ، بل لعنه لإيروس الذي كان ثالث أبويه وهما في لحظة الشهوة يمارسان طقوس الحب لإخراجه إلى الحياة ، هذا الإيروس الذي أمطره الكثير من الناس من غير الكاتب باللعنات والشتائم لأنه كان حاضرا فب لحظة توليد الشهوة بين ذكر وأنثى والدفع بهما إلى إخراج منتوج هذه اللخبطة . مسكين إيروس هذا …
ثمة في الخفاء بين السطور رثاء مفعم بالألم لكل أشياء الحياة التي تبددت . رثاء لذات الكاتب ولذوات أبطاله الذين صاروا في فقد وضياع . ومن يتصفح ويقرأ عناوين قصصه المكونة للمجموعة من مثل : " خطأ تمارسنا الحياة " و " أسعدت حزنا أيها القلب " و " أوراق مهربة " و " بيت لا تفتح نوافذه " و " الضحايا " و " مشاهد من حياة عادية " وغيرها ، يتأكد له نزوع الكاتب إلى تأبين ما ناصرم من لذاذات الحياة عند أبطاله ، حيث " كنت أتوهم ، وأنا مراهق حالم ، غارق في رومانسيتي ، أني حين أصبح شاعرا … ستطاردني البنات في كل مكان ، وسأختار دائما من هي أجمل … ص 7 " . وحيث اسودت الدنيا في عينيه وتملكه الحزن الغامض الذي لا تصفه غيرالدموع . فالإحساس بالحزن والفقد هو ما يجثم فوق صدر الكاتب وفوق صدور أبطاله كلهم .
إن الشخصيات السردية في مجموعة هشام بن الشاوي " بيت لا تفتح نوافذه " ذوات فاعلة في كل الأحداث القصصية حيث نجد لها تأثيرها الفاعل في أحداث كل قصة على حدة ، وقد حضرت الأنثى بشكل كثيف في كل القصص ، وهذا يدل على أن الكاتب يوظف الكتابة لعرض أحداث تكون فيها الأنثى حاضرة كعشيقة وحبيبة وكجسد مادي .
إن كثرة أفعال التذكر توضح بجلاء أن الذاكرة لعبت دورا كبيرا في الكتابة عند هشام بن الشاوي . لقد حول الكاتب ذاكرته إلى أداة لسرد الوقائع الآنية وتوظيف هذه الدلالة كان ناجحا بحكم أن مشاعر الكاتب في الحاضر لا يمكنها أن تبتعد عما كان يحلم به هو نفسه في زمن مضى …
عزيز العرباوي
كاتب وشاعر من المغرب
|