لاحظ كول أن مقتحمة المنازل الصعبة المراس تلك بقيت متوارية عن الأنظار طيلة العطلة الأسبوعية في حين أن الأخرى التي تضحك بصوت عال كانت اجتماعية أكثر، حيث أنها تحييه كلما صادف والتقته بينما بقيت الآنسة الباردة في الداخل، للأسف! هذا لا يعني أنه كان متشوقا لرؤيتها، لا مطلقا كل ما في الأمر أنها شاحبة اللون وسيفيدها أن تتنزه قليلا على الشاطئ تحت الشمس
صباح الاثنين، وبينما كان كول يخرج من الماء بعد ساعة من السباحة المنشطة، لاحظ سيارة غريبة في الطريق الخاص المؤدي إلى المنزل. فراح يتساءل وهو ينشف شعره، عن نوع المقابلات التي تجريها هاتان المرأتان ولكن ما همه هو؟ ولم يبالي؟ لديه أمور يقوم بها.
وعلى الرغم من أنه جاهد ليحافظ على لا مبالاته، لم يستطع إلا أن يلاحظ أن كل نصف ساعة تأتي سيارة وترحل أخرى. وعند الساعة الثانية بعد الظهر قرر أن يشذب الأغصان اليابسة من شجرة السنديان العالية القائمة أمام المنزل كانت الرؤية ممتازة من فوق. وسمع صوت إطارات سيارة على الحجارة المرصوفة في الطريق الخاص، فالتفت ورأى سيارة أخرى تركن أمام الباب الأمامي ليترجل منها رجل نحيل أصلع يرتدي بذلة بنية اللون. وما استرعى انتباه كول هو أن كل الزائرين من الرجال الأنيقين وليس من الإناث وأن امرأة واحدة لم تأت إلى المكان وكان معظم الرجال يحملون حقائب أوراق.
تملك الفضول كول رغم أنه ليس من النوع المتطفل. انتهى عند الساعة الرابعة من تشذيب الشجرة فنزل منها وأمسك صندوق العدة غاضبا من نفسه لهذا القلق الذي ينتابه بسبب ما يجري في المنزل. كان يود أن يعرف ما تقدم عليه هاتان المرأتان. لقد أوضحت الآنسة الصعبة الإرضاء أنها لا تريده أن يصدر ضجة في المنزل. ولكن الحنفية التي تسرب الماء في المطبخ لا يتطلب إصلاحها سوى جلدة مطاطية وذلك لا يسبب أي ضجة، وبالتالي يمكنه إصلاحها من دون أن يزعج أحدا.
استدار حول المنزل وصعد الدرجات الخشبية الثماني بأقل ضجة ممكنة ثم انسل إلى الداخل من الباب الخلفي الذي يؤدي إلى
مطبخ قديم الطراز كان هذا المكان هو المفضل لديه في المنزل الكبير، حيث أنه أكثر حميمية من الغرف الأمامية وكان يعجبه الأثاث الجلدي والديكور الهندي الذي يطبعه. وعلى الرغم من أنه يستمتع بالبقاء في الكوخ في زياراته المنفردة، إلا أن المنزل الكبير يعيده إلى الماضي وإلى الذكريات.
استدار بهدوء حول المائدة الرخامية المرقطة باللونين الأخضر والذهبي، التي تفصل المطبخ عن الغرفة لتي تتم فيها المقابلات، ووضع صندوق العدة على الطاولة، فصدر صوت قوي عن احتكاك الحديد بالرخام أتت على إثره تلك السيدة ذات الوجه الضحوك. وعندما رأته تحولت تعابير القلق على وجهها إلى ابتسامة عريضة وهمست قائلة"ظننت أنك لص"
ألقى عليها نظرة مشككة، وسألها:"وماذا كنت لتفعلي لو أني لص فعلا؟"
ـ كنت لأبرحك ضربا أيها الوسيم
قالت ذلك وهي تدخل المطبخ وتستند إلى الطاولة بالبرب من الباب
ـ كنت ملازما في البحرية ولو أردت ذلك، لأوقعتك أرضا تماما حيث تقف
ـ وهل هذا نوع من الغزل غير الإعتيادي؟
ضحكت ورفعت له يدها اليسرى لتريه محبس الزواج:"لا ولكن... خطرت لي الفكرة"
وفجأة سمعا صوت الآنسة الصعبة الإرضاء تنده من غرفة الجلوس ."روثي؟ لقد رحل المرشح الأخير"
ـ إذا، اسمك روثي؟
سأل كول ذلك بصوت خافت بما يكفي لئلا يسمعه من هو خارج المطبخ
ـ روثي توتل
ثم توجهت نحوه ومدت يدها وهي تتابع:" وتقول رئيستي إنك تدعى كول لا أحد، تشرفت بلقائك لا أحد
أمسك يدها مصافحا ودنا منها وهو يهمس:"أظن أن من الأفضل ألا تذكري أنني هنا
غمزت بشكل تآمري:"فهمت. لكن رئيستي ستقطع رقبتي لو عرفت. ثم إنني أريد فعلا لهذا الهراء أن ينتهي. في الليلتين الماضيتين، كدت أجن"
قرع جرس الباب:"روثي ماذا تفعلين في الداخل؟ أرجوك افتحي الباب"
فبدت التكشيرة على وجه المساعدة الحمراء الشعر
ـ الواجب يناديني
وأسرعت نحو الباب:"أنا قادمة"
عاد كول إلى عمله وأمضى ربع الساعة التالية وهو يصلح الحنفية بهدوء وكان انتباهه مركزا على المقابلة الجارية في غرفة الجلوس أكثر منه على عمل التصليح الذي يقوم به. لم يستطع سماع الحديث بأكمله ولكن ما سمعه كان صعب التصديق. بدا له أن الآنسة سانكروفت تجري المقابلات بحثا عن زوج. انتهى كول من عمله وبسط راحتيه على الرخام البارد وهو يهز رأسه خائب الأمل. لم يكن أي شيء يفاجئه ولكن ما سمعه أدهشه فكان من الصعب عليه أن يكبح انزعاجه. لم بحق الله، تلجأ هذه المرأة إلى مخطط سخيف عقيم كهذا؟.
ـ حسنا... شكرا على وقتك، سيد روبرتسون
ألقى كول نظرة من فوق كتفه. يبدو أن الآنسة ذات الشفتين المثيرتين أصبحت قريبة منه
أجاب الرجل ضاحكا:"كان ذلك...مثيرا للاهتمام. إلى اللقاء آنسة سانكروفت وحظا سعيدا"
ـ شكرا على مجيئك
سمع كول صوت الباب ينغلق ثم ساد الصمت.
ـ متى يحين الموعد التالي، روثي؟
ـ ليس قبل خمس عشرة أو عشرين دقيقة اتصل ليبلغنا أنه سيتأخر قليلا
ـ الحمد لله أحتاج لقليل من الراحة وإلى كوب من..
وإذ دخلت المطبخ ورأته، ماتت الكلمات على شفتيها وانشلت فيها كل حركة وتغيرت تعابير وجهها:"أنت !"