المنتدى :
المنتدى الاسلامي
تجسس الزوج على زوجته والعكس
بسم الله الرحمن الرحيم
س:ما حكم استئجار الزوج "محققا خاصا" للتجسس على زوجته؟ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه الطاهرين وبعد:
يحرم تجسس الزوج على زوجته بنفسه أو عن طريق محقق خاص، والمرأة مثل الرجل في الحكم، لما يلي:
1- النصوص التي تنهى عن التجسس بشكل عام، من ذلك قوله تعالى:{...وَلَا تَجَسَّسُوا...}الحجرات:12.
2- الارتياب والشك وسوء الظن لا يعتبر مسوغا لتجسس الزوج على زوجته أو العكس؛ لأن ذلك اعتداء على الحرية الشخصية المكفولة بيقين. ومما يؤسف أن بعض الأزواج يظن أن عقد النكاح أباح له تعدي الحدود الشرعية مع زوجته بحجة أنه ملكها بالعقد، وهذا تصور فاسد، فعقد النكاح عقد انتفاع لا يجوز به إلا ما جوزه الشرع، وما بقي يكون على أصل المنع.
وفي حال حدوث الظن والشك عند الزوج أو الزوجة فإن الإسلام بين المنهج في كيفية التعامل، ألا وهو اجتنابه وطرح الشك باليقين، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ..}الحجرات:12.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إيَّاكم والظنّ فإنَّ الظنّ أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا"{رواه الشيخان واللفظ لمسلم}
، ففي الحديث التحذير من الظنّ وبيان كونه أكذب الحديث. وفيه النهي عن التحسس والتجسس، وقد فسره شراح الحديث بأنَّ التحسس بالحاء: الاستماع لحديث القوم، والتجسس بالجيم: البحث عن العورات أو التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشرّ، وقيل: التجسس بالجيم: أن تطلب الأخبار الغائبة والأحوال لغيرك فيكون متضمنا معنى الغيبة أيضا، والتحسس بالحاء أن تطلبه لنفسك؛ كما أن فيه النهي عن التباغض الذي يؤدي إليه التجسس غالبا.
يجب على الزوج ألا يبحر في مساوئ الظنون الكاذبة ومتاهاتها العمياء، فالغيرة المشروعة مشروطة بألا تساق في تيار الظن الذي يدفع إلى المبالغة في الريبة والتجسس وسوء الظن ومحاولة التعنت في استطلاع بواطن الأمور، فإن ذلك مما يفسد العشرة وينكد الحياة ويؤدي إلى قطع الصلة، وذلك يبغضه الله ويكرهه، فلا أفضل من إشعار الرجل زوجته بالثقة والتحاشي عما يخدشها.
ومن النماذج التطبيقية الدالة على وجوب حسن الظن ماجاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، وَإِنِّي أَنْكَرْتُهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟" قَالَ:نَعَمْ. قَالَ:"فَمَا أَلْوَانُهَا؟" قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ:"هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟" قَالَ: إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا. قَالَ:"فَأَنَّى تُرَى ذَلِكَ جَاءَهَا؟" قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِرْقٌ نَزَعَهَا. قَالَ:"وَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ"{متفق عليه}،
وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ.
ووجه الدلالة من الحديث هو أن النبي نهى الرجل الأبيض عن سوء الظن بزوجته التي أنجبت ولدا أسود وحثه على ضرورة حسن الظن من خلال تنبيهه إلى احتمالية وجود مثل لون ولده في أصول زوجته، فاجتذبه إليه فجاء على لونه.والأصل في الحياة الزوجية أن تقوم على العشرة بالمعروف وحسن الظن بالطرف الآخر والبعد عن الشكوك والمظان السيئة؛ لأنه أدعى لدوام الهدوء والاطمئنان في الحياة الزوجية، ومن مقاصد النكاح -فضلا على الذرية التي تتحقق فيها وراثة الأرض- تحصيل الألفة والمودة بين الزوجين، لذا أباح الشرع الإسلامي الحنيف أن يسكن أحدهما إلى الآخر،
قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}الروم:21.
قد يقول بعض الناس إنه يشك في زوجته لأمور ثبتت لديه، وهنا يقال له يجب الانتقال إلى باب آخر وهو التحكيم والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالدرجة التي يقتضيها الحال، وفي حدود الرعوية الشرعية على الزوج، فإن ضاقت الأمور عن حلول شرعية فقد أباح الإسلام الفرقة بطلاق أو خلع أو فسخ.
والله تعالى اعلم
اشكركم ودمتم سالمين
|