المنتدى :
المنتدى الطبي - Medical Forum
مفتاح السيارة
مفتاح السيارة
الدكتور احمد عدنان الجبوري
اختصاص الجراحة العصبية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد:
فعندما تصل إلى باب سيارتك ثم تخرج مجموعة المفاتيح فتختار أحدهما ثم توجهه بإصبعيك إلى مكان القفل من الباب فتفتح لك بعد أن تدير المفتاح ثم تصعد إلى السيارة ...
هل هذه الحادثة جديرة بالذكر والتدوين ؟ تقوم بها عشرات المرات في اليوم الواحد بكل بساطة وسهولة ولا تلقي لها بالاً أو اهتماما لأنها (في نظرك) ليست جديرة بذلك.
ولكنها ليست كذلك عند علماء الأعصاب أو قل عند كل من نظر إلى الظواهر البسيطة المألوفة بدقة وتفكر فعلم أن وراءها إبداعاً رائعاً وتعقيداً شائكاً يستشكل فهمه على أذكى العقول.
فهذه الحركة على بساطتها لو أنك أردت إن تصنع انساناً آلياً (1) (روبوت) يقوم بها –حيث انك تسلمه المفاتيح فيذهب إلى السيارة فيفتح الباب بنفس الخفة والرشاقة التي تقوم أنت بها – لأعجزك ذلك ولعلمت يقيناً وتحقيقاً استحالة محاكاة هذا الأمر البسيط في ظاهره المعقد في حقيقته كما ستعلم بعض التفاصيل عنه.
بداية أقول لك أن هناك ما لا يقل عن ثلاثين عضلة في اليد والذراع والساعد تشترك جميعها بشكل متناسق دقيق للقيام بهذا العمل، فكل عضلة عليها أن تعلم إلى أي مستوى يجب أن تتقلص – أي التغيير في الطول – ثم القوة المطلوبة لمسك المفتاح وبأي سرعة يجب أن يدار ذلك المفتاح .
أما الذي يسيطر على هذه العضلات ويحركها بتناسق وانسجام؟ فهو الدماغ أو بمعنى أدق مراكز محدودة ثابتة منه تعمل بشكل متناسق ومنسجم كي تسيطر على عمل العضلات وهاك شيئاً من التفاصيل عن هذه المراكز وكيفية عملها:
الدماغ: إنه الجزء الأكثر تعقيداً في جسم الإنسان، يحوي أكثر من مئة تريليون خلية أي 100000000000000 وهذا عدد ضخم جداً، وهو عدد تقريبي وقد يكون العدد الحقيقي أكبر بكثير، والله أعلم. ويقول العلماء إن دماغ الذكر منذ بداية خلقه (في الجنين) يختلف عن دماغ الأنثى .
1- منطقة البرمجة الحركية : وهي تقع في الفص الجبهي وعملها هو وضع الخطة الزمنية والمكانية لحركة كل عضلة مشتركة في العمل أي أنها تحسب لكل عضلة القوة اللازمة لها مع سرعة تنفيذ الأمر والمدى الذي يجب على العضلة أن تتقلص إليه، ثم أنها تنسق بين عمل العضلات كأن تحرك عضلة الساعد أولاً، ثم عضلة الذراع، ثم عضلة اليد كي تقبض على المفتاح وهكذا حتى تتم الحركة بشكل متناسق وبتسلسل زمني صحيح .
2- منطقة الذاكرة الحركية : وتقع أمام منطقة البرمجة وهي تقوم بجلب المعلومات من خزينة الذاكرة في الفص الصدغي ووضعها بين يدي المنطقة الحركية كي تستفيد منها في أجزاء الحركة المقصودة، فمثلاً عندما تكون بيديك مجموعة من المفاتيح فإن منطقة الذاكرة الحركية تختار المفتاح المناسب للقفل وتضعه في الاتجاه الصحيح وهي " أي منطقة الذاكرة الحركية " تقوم بذلك بعد أن تستعيد من خزينة الذاكرة شكل المفتاح والاتجاه الصحيح لاستعماله. وهكذا فكل حركة تقوم بها تحتاج إلى معلومات آنية بخصوص هذه الحركة. وجلب هذه المعلومات ووضعها تحت تصرف منطقة البرمجة الحركية هو وظيفة منطقة الذاكرة الحركية.
3- المنطقة الساندة للحركة: لو أمعنت النظر في أي حركة تقوم بها لوجدت أن جسمك يأخذ وضعا معيناً وملائماً لتلك الحركة حيث أن بقية عضلات الجسم التي لا تشترك بالحركة بشكل مباشر تسند الجسم لتقوم الذراع بالحركة المناسبة، فعندما تقوم يدك بتدوير المفتاح فإن عضلات رقبتك تتقلص بشكل يسمح للرأس والعينين بالتقلص لإسناد الجسم عند حركة اليد، فتهيئة الجسم لتقوم بعض أجزائه بحركة معينة هي وظيفة منطقة صغيرة في الدماغ لا تتجاوز مساحتها 12 سم2 تقع الى الأعلى من منطقة البرمجة الحركية .
4- منطقة (SII): عندما تقوم بعمل ما بيدك فلابد من أنك تعير هذا العمل اهتمامك وتركيزك ففي مثالنا السابق عندنا تستخدم المفتاح فإنك تنظر إليه وتركز على إدخاله في القفل وهكذا تبقى منتبهاً يقظاً حتى نهاية العمل ولكي تركز على كل عمل تقوم به فإنك تستعمل منطقة خاصة في الدماغ تسمى بمنطقة (SII) تراقب الأجزاء المتحركة من الجسم بدون شعور ووعي منك ولو أن هذه المنطقة أصابها التلف لما استطعت أن تقوم بأي عمل بيديك على الرغم من قابليتها على الحركة وذلك لأنك لا تستطيع التركيز على حركة اليد فتبدو لك وكأنها مشلولة تماماً وما هي كذلك إلا انك لا تعير لحركتها اهتمامك وتركيزك.
5- منطقة القشرة الحركية الأولية:كل ما ذكرناه من مناطق ترسل أوامرها للسيطرة على حركة اليد من خلال هذه المنطقة (MI)، وهي تقع في النهاية الخلفية للفص الجبهي وتعتبر من أهم المناطق الحركية حيث تتجمع فيها المعلومات بشكلها النهائي، فترسل الأوامر من هذه المنطقة إلى خلايا الحركية في الحبل الشوكي فتحمل هذه الأوامر من هذه في طياتها كل تفاصيل الحركة التي جاءت من بقية مناطق الدماغ سالفة الذكر.
6- العقدة القاعدية والمخيخ:هذان المركزان يختلفان عما ذكرنا من مناطق حيث انهما لا يقعان في قشرة الدماغ بل الأول مدفون في أعماق الدماغ والثاني يقع أسفل الدماغ أما وظيفة الأول فهي منع ارتجاف العضلات التي تقوم بالحركة كما أنها تضفي السعة المناسبة للحركة، فمثلا عندما تريد أن تكتب اسمك على لوحة أو في ورقة فإنك وبشكل تلقائي تكتبه بما يناسب حجم الورقة أو اللوحة " السبورة" وذلك لأن حساب مدى الحركة يتم بشكل تلقائي عن طريق العقدة القاعدية فإن أصابها تلف فإن ذلك يؤدي إلى مرض الشلل الرعاشي "الباركنسون" المعروف لدى الناس.
أما المخيخ فإنه أشبه ما يكون بالحاسب الآلي العملاق ذلك لأنه يتسلم معلومات من كل المفاصل والأوتار والعضلات المشاركة في الحركة فيقوم بمراقبة الحركة وتصحيحها إن انحرفت عن الخطة الموضوعة لها في قشرة الدماغ. وهكذا وبعد كل هذه التفاصيل تقوم باستعمال المفتاح بشكل صحيح، وما ذكرت لك من عمل مناطق الدماغ هو بدائي ومختصر جداً أما إذا أردت التفصيل فإن ذلك يحتاج إلى مجلدات ضخمة حيث إن عمل هذه المناطق شائك معقد ولا تعلم منه إلا الجزء اليسير، فمثلا نحن نعلم أن منطقة البرمجة الحركية تقوم بوضع خطة الحركة ولكن كيف تقوم بذلك؟ لا نعلم . ثم كيف تتحول هذه الخطة الى حركة في اليد؟ لا نعلم .
وكذلك نحن نعلم أن منطقة الذاكرة الحركية تأتي بالمعلومات اللازمة للحركة من خزينة الذاكرة لكن كيف تقوم بذلك ؟ لا نعلم. وكيف تستفيد بقية مناطق الدماغ المسؤولة عن الحركة من هذه المعلومات؟ لا نعلم .
ختاماً أود أن اذكر هذه القصة الرائعة التي حدثت لإمام علم الأعصاب في العالم سير جون اكلس في مركز أبحاث العلوم العصبية في جامعة أكسفورد...
يقول هذا العالم:" في أحد الأيام جاء أستاذي وهو العالم الكبير شيرنكتون مؤسس علم الأعصاب وهو منفعل جدا ويحمل في وجهه علامات الدهشة فدخل المختبر..
وقال لي : اكلس لقد رأيت اليوم أمرا رائعاً مدهشاً.
فقلت له : وما ذاك؟
قال : رأيت قطاً يمشي على أحد الجدران فلما وصل الى النهاية قفز بكل خفة ورشاقة إلى جدار مجاور ثم استمر بالسير على الجدار. ثم سكت أستاذنا العَلم...
فقلت له : وما الدهشة في ذلك؟ قط يسير على الجدار ثم يقفز إلى جدار مجاور ظاهرة عادية جداً نشهدها عشرات المرات ولا نلقي لها بالاً، فما بالك اندهشت بها؟
فأجاب :تمنيت لو أن غيرك قال هذا المقال، تقول ظاهرة عادية جداً ؟ هي ليست كذلك فاسمع مني: كيف استطاع القط النظر الى الجدار المجاور؟
ثم كيف قام بحساب المسافة من جدار الى جدار؟
ثم كيف استخدم هذا الحساب وحوله الى تقلص في العضلات؟
ثم كيف هبط بشكل رشيق على الجدار المجاور؟ كل هذه أمور لا نستطيع الإجابة عنها.
يقول عالم الأعصاب اكلس بقيت بعد أستاذي شيرنكتون أحاول أن أفهم هذه العملية وبعد أربعين سنة فإن كل الذي علمته هو آلية الهبوط وظلت بقية الأمور التي أثارها أستاذي مبهمة مجهولة!!.
وبعد...فصدق الله تعالى للقائل:(وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذريات: 20 - 21) .
فعندما وجدنا هذه الآيات شاخصة أمامنا فباحت لنا بشيء من أسرارها، وأخفت عنا الكثير، مصداقا لقوله تعالى :
(وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (الاسراء: 85) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا المصطلح فيه نظر، فالإنسان بأجهزته وأعضاءه وخلاياه، وبأحاسيسه ومشاعره وعواطفه، وبجسمه وروحه هو خلق معجز،كباقي المخلوقات الحية ،عجز العلماء عن فهم سر الحياة التي فيه، وعجزوا عن صنع مركب بروتيني حي واحد من مركباته . والمقصود بالإنسان الآلي هي تلك الآلة الجامدة التي تستطيع أن تنجز بعض الأعمال التي يحتاجها الإنسان . (المشرف العلمي)
اغلى امنياتي ،،ان تنالو الفائده منها ..
التعديل الأخير تم بواسطة Rehana ; 30-05-13 الساعة 01:49 PM
سبب آخر: حذف الصور المعطوبة
|