جلس الطفل الصغير مراد, يلعب بالدمى.. ويضحك ويمرح بالألعاب.. التي اشتراها له والده بمناسبة العيد الجديد واليوم السعيد.. عيد الفطر المبارك.. ونسي الدنيا وما فيها وعاش في ملكوت وحده.. حقًا ما أجمل الطفولة وما أحلاها..
ولكن فجأة..!!
شق سكون الليل صوت والده المرتفع وهو يصرخ, أنتِ حمقاء, لا تفهمين, أنتِ زوجة فاشلة!!!!
سقطت اللعبة من يد مراد!!
وانكسرت على الأرض..
وأسرع بهدوء يمشي على أطراف أصابعه, حتى لا يسمعه أحد, متجهًا إلى مصدر الصوت, إلى غرفة النوم الخاصة بأمه وأبيه, اقترب بهدوء إلى الباب الذي كان مغلقًا إلا فتحة صغيرة,. وقف مراد أمامها يتابع أحداث هذا المسلسل اليومي,
أنا حمقاء, وصل بك الأمر أن تسبني..
والله لم يتبقّ إلا أن تضربني, أيها القاسي, المتوحش..!!
حسنًا أنتِ التي طلبتِ ذلك
آه.. تضربني على وجهي.. والله لن أبقى في هذا البيت أبدًا وسآخذ الولد وأذهب لأمي..
لا صحبتك السلامة..
انخرطت الأم في البكاء واتجهت إلى باب الغرفة لتغادر المكان!!
فإذا بمراد الطفل المسكين واقف أمامها..!!
أنت السبب
كثيرًا ما يشتكي الآباء من عدوانية أطفالهم وهم لايعلمون أنهم قد يكونون إلى حد كبير هم السبب فيها وهم المحرك الأساسي والرئيسي لها.
إن الطفل ليس عدوانيًا بطبعه بل خلقه الله بفطرته البريئة لايعرف العدوان ولا يسلك له طريقًا ولكننا نحن الذي علمنا أطفالنا العدوانية.
علمناهم تلك العدوانية من خلال مثلث القسوة ومحرك العدوان الذي نحن اليوم بصدد الحديث عنه.
فنحن اليوم نقدم لك عزيزي المربي ثلاث أسباب رئيسية لعدواينة الأطفال تمثل هذه الأسباب الثلاثة المحرك الدافع لتلك العدوانية التي هزت أركان البيوت وأرقت مضاجع الكثير وعجت بها المجتمعات وتفشت في كل الساعات.
السبب الأول: التوتر الأسري:
يرى علماء النفس أن من أهم العوامل التي تؤثر على التكوين النفسي والعصبي للطفل هو الجو الأسري, فإن كان الجو مليئًا بالمحبة والعطف والهدوء والعلاقات المستقرة كان الطفل مطمئنًا على نفسه وقوته, واثقًا بنفسه وبمن حوله, أما الاضطراب الأسري والمشاجرات والمنازعات بين الأب والأم؛ فإنها تؤدي إلى فقدان ثقته بنفسه نتيجة لفقدان الاطمئنان في أسرته, وتشير دراسة علمية حديثة إلى أن الأطفال الذين ينشأون في بيئة متوترة يكونون غالبًا منخفضي الذكاء.
والطفل الذي ينشأ في ظل حياة زوجية سعيدة وفي جو أسري من المرح والضحك المشترك, وفي جو يقدر فيه كل طرف مشاعر ومصالح الطرف الآخر, فإن ذلك أيضًا يقدم له قدوة حسنة في كيفية التعامل مع الآخرين ويشعره أنه بيئة آمنة يستمتع بأوقات الطعام واللعب والمناسبات الأسرية.
وعلى العكس فالجو المشحون بالكثير من الخصومة والخلاف والغضب والانزعاج والخوف والألم بين الزوجين يجعل الطفل يشعر بالخوف والقلق والاضطراب, فخصام والديه وصوتهما يرتفع وهو يتناول طعامه أو يحاول النوم يصيبه بضعف الانتباه والتركيز, ويضعه في موقف اختيار أحدهما دون الآخر ومهما كانت لدى الطفل قدرة على التحمل فإنه لن يخرج من معركة أبوية سليمًا دون جراح وسيستنتج من خلال حياته أن ظروف حياته الصعبة هي الشكل الطبيعي للحياة, لأنه يمتلك نموذجًا آخر يقارن به في حدود تفكيره وقد يجعله هذا عدوانيًا من أجل أن يجذب انتباه الآخرين.
والأهل ذوو المشكلات الزوجية الحادة يلجئون إلى استخدام متكرر للعقوبات الجسدية للأبناء, ونادرًا ما يعتمدون الحوار المنطقي في استراتيجيتهم التربوية مع الأبناء, وكثيرًا ماتؤدي العلاقات الزوجية المتوترة إلى جنوح السلوك لدى المراهقين, وقد لوحظ أن هناك علاقة بين اضطراب الطفولة وبعض خصائص الحياة الأسرية كعدم التفاهم بين الزوجين أو انفصالهما وبالتالي قد يسبب ذلك رفض أحدهما للأبناء.
وقد تبين علميًا أن اتفاق الوالدين ووحدتهما في الفكر يؤثر ايجابيًا على مستقبل الأبناء لذا فإنه من الخطأ اظهار الأبوين أي مظهر من مظاهر الخلاف أمام الأبناء بل إن عليهم أن يسعدوا الأطفال بإظهار الحب والاهتمام المتبادل بين الأبوين.
وقد أكدت دراسة أن اهمال الأسرة أو فقرها أو خلافات الأبوين كان السبب في فشل الطفل في ملائمة ذاته في الحياة المدرسية وذلك بسبب تشتت فكره ويتبين لنا أن هناك علاقة طردية بين التفكك الأسري وأسلوب المعاملة الوالدية من جانب وبين انحراف الأبناء من جانب آخر.
فوجدت الدراسات العلمية أن الطفل الذي يعيش بين زوجين مختلفين دائمًا يتعرض للأمراض بنسبة 40% عن الطفل العادي.
وأظهرت بعض الدراسات أن انحراف 70-90% من الأطفال الجانحين في المجتمعات الغربية يعود إلى عدم وجود وحدة في الرأي والإتفاق بين الأب والأم.
وأن الأطفال الذين لا يشعرون بالأمن إلى جانب آبائهم يتصفون بالخوف والكآبة والصمت, أو يصابون بعقد نفسية ويكونون أفرادًا غير أسوياء, كما أن فقدان الأمن في الأسرة عمومًا يصيب الطفل بالهزال وعسر الهضم, ويجعله يتصف بالعصيان والكذب وبعض الاضطرابات السلوكية الأخرى.
وتبين أنه من أبرز آثار الخلافات الزوجية على الأبناء تنمية الميول العدوانية لدى الأبناء تجاه الآخرين.
فهذا الطفل الذي يعيش في جو أسري مضطرب لا يمكن أن يكون سعيدًا؛ وكل ما يرى من مشاجرات ومنازعات بين أباه وأمه يشعر بالألم والضيق والضجر، وهو بالطبع لا يستطيع أن يفجر هذا الضيق في وجه أبيه أو حتى أمه، ولذلك يخرج هذا الضيق في صورة سلوك عدواني يوجهه إلى نفسه أو إلى الآخرين) [مستفاد من: التربية العملية للطفل, هداية الله أحمد الشاش]
السبب الثاني: رفض الوالدين للطفل:
ونعني بالرفض الوالدي:
الأسلوب الذي يعامل به الوالدان طفلهما، والذي يجعله يشعر بأنه مكروه، وغير مرغوب فيه من قبل والديه، مثل: الاعتداء الدائم على الطفل بالقول أو بالفعل، ومعاملته بقسوة حين يخطئ، وضربه لأتفه الأسباب، وتوجيه الكلام الجارح إليه، وتعمد جرح مشاعره أمام الآخرين، وتجاهله عنـدما يحتاج إلى مساعدة، وتجنب صحبته.
وتوجد علاقة ارتباط بين إدراك الأطفال للرفض الوالدي من قبل الأب والأم والسلوك العدواني لديهم، وتعتبر أساليب المعاملة الوالدية من أهم العوامل التي تؤثر على التوافق النفسي والاجتماعي لدى الأطفال، بما في ذلك ظهور العدوانية على سلوكياتهم من عدمه، ولقد علمنا أن أساليب المعاملة الوالدية تتمثل في بعدين رئيسين، هما: القبول مقابل الرفض الوالدي.
فالقبول الوالدي يعبر عنه بمدى الحب الذي يبديه الوالدان للطفـل في المواقف المختلفة، وهذا يؤدي إلى تكوين عدد من سمات الشخصية المرغوب فيها لدى الطفل، أما الرفض الوالدي للطفل فإنه يأخذ عدة مظاهر، منها: الرفض الصريح، والإهمال، والعقاب البدني، وهذا يؤدي إلى عدم التوافق النفسي والاجتماعي لدى الطفل، كما أن سلوكه يأخذ الطابع العدواني. [أسلوب المعاملة الوالدية ومفهوم الذات وعلاقة كل منهما بالسلوك العدواني, د.فائقة محمد بدر]
إن (الحب هو الغذاء النفسي الذي تنمو وتنضج عليه الشخصية, وإذا أعطى الطفل الحب الواعي المستنير سيمتلئ ثقة بنا واطمئنانًا إلينا, وبالتالي ثقة في نفسه واطمئنانًا إلى العالم الذي حوله, وهو أهم عوامل خروجه عن أنانيته وتركيزه على نفسه, ولا نقصد بذلك الحب الغشيم المطلق الذي يخاف عليه من الأذى فنحوطه بعناية مبالغ فيها ونحصي عليه خطواته ونكاد نمنعه من أي نشاط مستقل خشية لما يتعرض له من ضرر, فهذا الحب سيجعله ينظر إلى العالم حوله كأنه مستودع أخطار لايعرف كيف ومتى يواجهه, أما الحب الناضج فإنه ينمي قدراته)[الصحة النفسية للطفل, د.حاتم محمد آدم]
السبب الثالث: الشعور بالإحباط والنظرة السالبة:
إن الطفل الذي يشعر بالإحباط نحو تحصيله الدراسي, والطفل الذي تشعره الجماعة المحيطة به أنه أقل ذكاء من الآخرين, والطفل الذي ينتابه الإحساس بالعجز والقلق نحو التعامل مع الآخرين, والطفل الذي يشعر بعدم الرضا عن مظهره أو صفاته الشخصية, والذي لا يعرف إن كان ناجحًا أم فاشلًا, كل هؤلاء يشتركون في الشعور بالنقص وبالدونية ويحسون بالعجز في مواجهة الآخرين, وقد يصلون إلى نوع من الرفض وعدم التقبل للذات نتيجة لما يشعرون به من الهزيمة من الداخل عندما يواجهون المواقف الجديدة أو الصعبة لأنهم يتوقعون الفشل مسبقًا, ومن هنا يكون إحساسهم الذي يهدد الذات فيحاولون وقاية أنفسهم من القلق والإحباط عن طريق الحط من قدر الآخرين أو الحقد عليهم وحسدهم أو توجيه الإساءة إليهم بأي شكل من أشكال العدوان, حيث يجد مثل هؤلاء الأطفال في العدوان وظيفة دفاعية مهمة في حماية الذات وحتى إذا لم يظهر السلوك العدواني الصريح؛ فإن المشاعر العدوانية تظل تعمل لديهم على خفض القلق والتوتر الناشئ من الإحباط.
كذلك كان من المهم أن يتواءم الفرد مع نفسه ويتقبل ذاته, لأنه كلما زاد تقدير الفرد لذاته قلت عدوانيته وهكذا يصدق المثل السائر (إن من لا يحب نفسه لا يحب غيره) [عدوان الأطفال, محمد علي قطب ووفاء محمد عبد الجواد]
ولأن الطفل لا يستطيع غالبًا وحده أن يتخذ الموقف الايجابي تجاه الإحباط والشعور بالفشل فيولد الإحباط لديه في كثير من الأحيان تلك النظرة السالبة للنفس.
ويرى العلماء أن المفهوم السالب الذي يكونه الطفل عن ذاته يرجع لأسباب عديدة؛ منها على سبيل المثال وليس الحصر: اضطراب علاقة الطفل بوالديه، أو بزملائه، مما جعله يفقد الثقة بنفسه، ويشعر أن الآخرين أفضل منه، فيتولد الحقد والكراهية لأقرانه وللمحيطين به، وينعكس ذلك على سلوكه الذي يأخذ الطابع العدواني[أسلوب المعاملة الوالدية ومفهوم الذات وعلاقة كل منهما بالسلوك العدواني, د.فائقة محمد بدر]
ونحن إن أردنا أن نعالج عدوانية الطفل في هذه الحالة فعلينا أن نسعى لتغيير نظرة الطفل إلى نفسه من النظرة السلبية إلى النظرة الإيجابية، والشعور بتقديره لذاته، من خلال تقوية علاقته بالآخرين، وتقوية ثقته بنفسه، وحسن المعاملة الوالدية؛ ثم اصلاح التوترات والخلافات داخل البيت ولا نجعل الطفل يعيش مشاكلنا حتى يتمكن من التكيف مع المجتمع ويعيش سعيدًا سالمًا، لا يكن في قلبه عداءً لأي أحد.
منقول للفائده ..