الفصل الثالث
استمتعت ميغ بدوش طويل دافئ , لتمضى بعد ذلك وقتا لا بأس به فى اختيار ثوب تلبسه لهذا المساء , وفى النهاية , استقر رأيها على ثوب بسيط عسلى اللون ذو تنورة واسعة . ووضعت فى أذنيها قرطين ذهبيين , ثم نثرت على جسدها عطرها المفضل من روائح نينا ريتشي
وقفت تتأمل مظهرها فى المرآة . مقطبة الجبين , ابتداء من شعرها المنسدل على كتفيها وعينيها العسليتين الواسعتين , إلى قدميها الرشيقتين فى النعل الخفيف ذى الأربطة , والبرونزى اللون , ثم هزت رأسها وهى تفكر فى أنها تبدو غريبة عن ذاتها .. وأنها أشبه ما تكون بالمرأة العجوز المذكورة فى أغانى الأطفال . منتدى ليلاس
شعرت بالإحباط وهى تفكر فى أن جيروم مونتكورت لو كان قد جاء إلى المكتبة حيث كانت تعمل طوال ثمانية عشر شهرا الماضية , ربما ما كان ليوليها أى اهتمام , إنها ما زالت لا تعرف لماذا قبلت دعوته هذه إلى العشاء , فهذه لا تبدو لها خطوة حكيمة مطلقا . ذلك أنها لا تعلم عنه شيئا ما عدا اسمه الذى قد يكون مزيفا , على كل حال .
انتابها الضجر , أخيرا , من كل هذه الوساوس , ألا يمكن أن تكون مخاوفها , تلك من أن يكون مخادعا , ناشئة عن أنها هى نفسها تقوم بدور مخادع ؟ إنها لاتنكر حماسه الفائق فى تقديم المساعدة لها , ولكن ألا يمكن أن تكون هذه ناحية من شخصيته ؟ وتذكرت ذلك التعبير الجامد المخيف الذى سبق ولمحته على وجهه المنعكس فى زجاج النافذة , وقبل ذلك فى السيارة حين شعرت للحظة وكأن غضبه يمتد إليها كشئ حقيقى تماما .
ربما كان من أولئك الأشخاص الذين يتبدل مزاجهم بسرعة .. وربما , وهذا أكثر احتمالا , كان هذا كله مجرد تخيلات منها , وفكرت وهى تتحول عن المرآة , فى انها لم تعد تعرف شيئا , ولكن هذه الدعوة قد حصلت بحضور الموظفة المسؤولة , وهذا يجعلها فوق مستوى أية شبهة , وبعد , أنها على الأقل , لن تتعشى وحدها فى أول ليلة لها هنا فى اللانغيدوك . وتملكها , لذلك شعور بالبهجة .
حملت حقيبتها اليدوية وكتابا عن الكاثار كان السيد اوتواي قد قدمه إليها عندما ودعته , ثم نزلت إلى الطابق الأسفل لتنتظره . وفى قاعة الاستقبال , كانت الموظفة مستغرقة فى جدل حام فى الهاتف مع واحد سيئ الحظ من ممثلى شركة الكهرباء . ولكنها ابتسمت لميغ مشيرة إليها بأن تذهب إلى باحة الفندق .
كانت الشمس قد عادت , بكل قوتها وتألقها , لتغرق الكائنات بفيض أشعتها الذهبية . وجلست ميغ إلى أحدى تلك الطاولات الحديدية المزخرفة المنتشرة فى الباحة ترشف كوبا من العصير وتقرأ فى الكتاب .
لم يكن من السهل , فى هذه الأمسية الرائعة , أن تركز ذهنها فى ما تقرأه , كما انه مما يدعو للاكتئاب أيضا , أن الكاثار كانوا يعتقدون أن الجنس البشرى وكل شئ أخر هو مكون فى جوهره , من الإثم . ولكى يتجبنوا اللعنة اتبعوا نظاما صارما من الصلاة والصوم والامتناع عن الكحول بما فى ذلك الامتناع عن أكل اللحوم . كما كان يدعون أيضا إلى العزوبية دون الزواج .
وفكرت ميغ فى أنه لابد أن الغالبية من أتباع هذا الدين لا يتبعون أوامر دينهم تماما , وإلا لانقطع نسلهم منذ أجيال , ومن وجهة نظر العصر , يبدو دينهم غريبا أكثر منه خطرا , وبعد فإن الجيوش قد أرسلت لتمحوهم عن وجه الأرض , تماما كما تضرب الذباب بمطرقة ثقيلة .
أدركت أن جيروم قد وصل حتى قبل أن يسقط ظله على صفحة الكتاب التى كانت تقرأها . فقد انتبهت إلى حركة حول الطاولات المجاورة , ورفع النساء لحواجبهن وتمتماتهن وهن يدرن رؤوسهن لكي ينظرن إليه أثناء عبوره الباحة .
قال لها بالفرنسية :" مساء الخير " وكان يرتدي بنطالا عاجى اللون وقميصا كستنائيا مفتوحا عند العنق . وكانت غرته السوداء الكثيفة العاصية فوق جبينه قد نظمت نوعا ما .
وعندما ردت عليه التحية , خطر لها ان غرته المتمردة تلك قد تكون هي مفتاح اللغز فى شخصيته . وأن تحت هذه الملابس الغالية , والسلوك المتمدن , تكمن نزعة إلى العنف تنتظر لحظة الانفجار . وتساءلت عما إذا كان فنانا , فلابد أنه ناجح جدا . إذ أن ساعته وسيارته , وكل شئ يتعلق به يدل على الثراء .
ولم يبد عليه أنه لاحظ شيئا من الاهتمام الذى أثاره قدومه , وهو يجذب كرسيا ليجلس عليه , مشيرا إلى النادل لكى يحضر له الشراب واعجبها منه عدم انتباهه إلى مقدار جاذبيته , فقد اعترفت ميغ . بينها وبين نفسها , أنها لأول مرة فى حياتها , تواجه رجلا تطغى الجاذبية المتدفقة منه على أية وسامة أو جمال مظهر . ولم تعرف كيف تتعامل مع ذلك .
قال : "إنك تبدين فى منتهى الجد , أرجو أن لا تكون ثمة صدمة ما زالت فى نفسك مما سبق وحدث . "
فهزت رأسها نفيا وهى تقول باشمئزاز : " كلا , وإنما أفكر فى ظلم الإنسان للإنسان ."
فألقى نظرة على الكتاب الذى فى يدها وهو يقول : " انها أفكار حزينة بالنسبة لأمسية مثل هذه . " ورفع حاجبيه وهو يقرأ عنوان الكتاب : " بلاد الكاثار . هل تهتمين بقراءة مثل هذه المواضيع ؟ "
فقالت وهى ترفع ذقنها متحدية : " ولم لا ؟ " وتساءلت باستياء , أتراه يظنها غبية لمجرد تركها لقضية سيارتها تحت سلطته ؟
وأخذ يتأملها فترة طويلة وعلى وجهه تعبير غامض . ومالبث أن هز كتفيه قائلا : " حسب قولك . لم لا ؟ إنك مخلوقة مليئة بالمفاجآت , يا مارغريت ."
فقالت : " ليس أنا فقط . إن كلانا منا لا يعرف شيئا عن الآخر ."
قال برقة : " هذه الليلة , إذن , ستكون رحلة استكشافية ."
ربما كان يسيطر على السيد مونتكورت فكرة تأثيره على النساء , فأصبح مطمئنا إلى قدرته على إغرائها بسهولة ؟ وربما يعتبر ذلك ثمنا لمساعدته تلك لها . حسنا , ليس عليه ان يتوقع شيئا .. كانت عابسة وهى تفكر فى ذلك بصمت .
وفكرت ميغ فى أن مارغوت كانت , بلا شك , ستستمتع بهذه اللعبة جدا لو كانت مكانها , فتتقدم وتتأخر , وتقدم وعودا كاذبة وفى النهاية , إما أن تبتعد نهائيا وإما أن تبقى .. حسبما تشاء .
وربما لايتنج أى ضرر فى ما لو زاولت هى هذه اللعبة لهذه الليلة فقط , أوربما تتعلم بعض قواعدها . وفكرت فى أنه ربما هذه هى فرصتها لكى تتعلم كيف تعيش ضمن الخطر !
وفرغ جيروم مونتكورت من احتساء شرابه ., ثم نظر إلى كأسها الفارغ وسألها : " هل نذهب , أرجو أن تكون مغامراتك هذه النهار قد منحتك شيئا من الشهية ."
أشرق وجهها بالابتسام وقالت وهى تدفع كرسيها إلى الخلف ثم تقف منتصبة :" إنها أولى تجاربي مع الطعام الفرنسي , ولا يمكننى الانتظار أكثر من ذلك ."
كانت الشمس قد مالت إلى المغيب , بلونها القرمزى الأخاذ , عندما قاد السيارة خارجين من الوادي .
ومالت ميغ برأسها نحو الشمس وهى تهتف : " ما أروع هذا ., سيكون نهار غد رائعا . "
ابتسم وقال يغيظها :" هل ستحدث عواصف أخرى ؟"
هزت كتفيها قائلة : " أرجو أن لا يحدث ذلك ."
قال : " لقد كان حظك سيئا . ذلك أن العواصف ,. عادة تحدث فى الليالى , وأحيانا أثناء قيادتك للسيارة , ترين البرق بتلاعب حول التلال مشبها أضواء مسرح صامت . وفجأة تقتلع شجرة من جذورها ليجن بعد ذلك الكون كما سبق ورأيت بنفسك ."
قالت بأسى : " لقد رأيت . أليس عندك شئ أفضل من ذلك يمكن للسائح أن يراه ؟"
أجاب : " ربما سيناسبك الفجر أكثر , حيث ذلك الخط من الضوء النقى فى السماء الذى يفرق النجوم , قبل أن ترتفع الشمس فوق الأفق . "
فألقت عليه نظرة جانبية وهى تقول : " إنك تتكلم كشاعر . هل أنت كذلك ؟ "
فضحك قائلا : " كلا مع الأسف , إن عملى بعيد عن الشاعرية , مع ان والدى كان يهتم كثيرا بأشعار هذه المنطقة .. أغانى التروبادور وما يليها ."
سألته : " هل كان يكتبها بنفسه ؟ "
فهز رأسه نفيا وهى يقول : " كان أبى يعيش فى أرض تعود إلى عائلته , يغرس كرومه بنفسه . كان يعشق الحياة البسيطة ."
قالت : " هذه الحياة تتراءي لى جميلة حقا "
قال : " أظنها كانت قاسية , فى إحدى الفترات , ذلك أن الحياة البسيطة تصبح معقدة أحيانا , وفى النهاية , عاد أبى إلى باريس ."
سألته : " وهل تعيش أنت أيضا تلك الحياة البسيطة ؟"
أجاب باسما : " حسب استطاعتى , ولكننى مهندس فى أغلب الأحيان . وقد اعتدت العمل فى باريس , ولكن أعمالنا تمتد وتتشعب فى أنحاء البلاد , وأنا حاليا مستقر فى تولوز ."
قالت : " أى أنك عدت إلى جذورك ؟"
أجاب : " تماما . وأنا أعمل بصورة رئيسية , مستشارا فى حفظ وترميم المبانى القديمة . أى البيوت التى كانت قد أهملت فى غمرة الانجراف الكاسح من الأرياف إلى المدن . والتى عادت الآن مطلوبة .
قالت مفكرة : " أظن أن إصلاح نسج التاريخ هذا فيه من الشاعرية والخيال بقدر ما فى الشعر نفسه "
فازدادت ابتسامته اتساعا وهو يقول : "إننى فى الواقع . أتفق معك فى هذا , ولكننى لا أقول ذلك لعملائى وإلا فهم يتوقعون منى أن أعمل لأجل الحب وليس لأجل النقود ."
سألته : " هل تعمل حاليا , فى مشروع ما .؟ "
أجاب : " تقريبا , وأنا الأن فى إجازة رسمية " ولما لم يبد عليه رغبة فى التحدث فى هذا الموضوع . سكتت .
وسألته بعد برهة : " هل تفتقد الحياة فى باريس ؟ "
هزرأسه نفيا وهويقول : " إننى لا أفتقد أية مدينة . لقد اختارت أسرتي الحياة هناك ما عداي ."
فعادت تسأله : " هل أسرتك أصلا , من المنطقة من البلاد ؟"
أجاب : " نعم . إن جذورنا دوما كانت هنا , وفى الواقع , كان جدي هو أول من انتقل من هنا كليا ."
سألته : " ألم تخطرله العودة قط ؟"
هز كتفيه قائلا : "لقد كانت جدتى باريسية لا تحب الحياة فى الريف ."
قالت : " ولكنك أنت عدت "
اجاب :" نعم , عدت إلى حيث أنتمى ويسعد قلبى ."
فكرت ميغ بشئ من الكآبة فى أنه لم يحدث قط أن كانت هى متأكدة ,. يوما مما تريد , كما يبدو عليه هو . فهى ما زالت تعيش فى آخر منزل لأبيها ولكنه قد تحول كليا حسب ذوقة زوجة أبيها ايريس مما جعل ميغ تشعر , فى أغلب الأحيان وكأنها غريبة , وهى قد أصبحت الآن دون عمل تعول به نفسها , وهكذا شعرت بنفسها هائمة فى العالم ,. وربما حان الوقت لكي تجد لنفسها مستقرا تمد فيه جذورها .
وابتدأت الان تتساءل عن المكان الذى كانا ذاهبين إليه . فقد كانت تظن أنه سيأخذها إلى مطعم محلى لاتكون فيه الكهرباء مقطوعة . ولكن سيارته الستروان كانت تسير فى سرعة فائقة , وتمنت لو كانت لاحظت إشارات السير , لترى على الخارطة التى تحملها معها فى حقيبتها , وجهة سيرهما هذه .
وكأنما لاحظ شرودها . فسألها : " أتحبين أن تسمعى شيئا من الموسيقى ؟ "
أجابته بسرعة : " كلا . إننى أفضل متابعة المناظر والحديث , ولكن إذا رأيتنى أكثر عليك بالأسئلة . نبهنى إلى ذلك ."
فرمقها بنظرة سريعة , ثم عاد ينظر إلى الطريق وهويقول : " لا أظنك توجهين إلى اسئلة لا أحب الإجابة عنها . هل الأمر كذلك بالنسبة إلى يا مارغريت ؟ "
أجابت : " طبعا . فليس لدي ما أخفيه ."
قال هازلا : " امرأة دون أسرار ؟ ذلك شئ غير معقول . "
فضحكت وهى تقول : " كلا , إن حياتى غير معقدة , بل ومملة أيضا . " وفكرت فى أن حياتها كانت كذلك فى الحقيقة .
قال : " ومع ذلك , أراك تسافرين بمفردك , وتهتمين بهذه المنطقة أكثر مما يفعل السياح عادة , وهذا لايدل على انعدام فى النشاط . أظنك تخفين شيئا فى أعماقك , يا مارغريت ."
كان فى صوته نبرة جعلت قلبها يقفز من موضعه وأجابت بشئ من الإنفعال : " إن ذلك يقال عن كل شخص يولي إجازته اهتماما غير عادي ."
سألها بعد صمت قصير : " أخبريني . لماذا تلكأت بالجواب حين سألتك أن تتعشى معى ؟ هل هنالك صديق فى انكلترا , قد يعقد الأمور ؟ "
وفكرت ميغ ساخرة فى تيم هانزبي , ثم قالت :" لا يوجد أحد ."
فقال بلهجة يبدو فيها الشك : "لا أصدق أنه لا يوجد ثمة شخص تهتمين به ."
هزت كتفيها وقد منعها الكبرياء من الاعتراف بأنها حتى الآن , ما زالت تحتل مكانا غير ملحوظ على الرف . وان هنالك شخصين فقط يهمانها حقا , هما صاحب المكتبة الذى تقاعد الآن , وامرأة مسنة كانت لها بمثابة الأم ومنحتها من الحنان والعزاء ما عجز أبوها إزاء حيرته وألمه لفقد زوجته الشابة , عن تقديمه إليها , وأنها هنا الآن , بسبب هذين الشخصين .
وازدرت ريقها . ليس لديها الكثير لتتحدث عنه , فى سنيها العشرين هذه , ثم ان هذا ليس الوقت المناسب للشعور بالحزن لأجل نفسها , ولكن . ما شأنه هو بذلك فى ما لو لم تشأ هى أن تكون صريحة ؟ ثم لماذا هي تسعى لأن تبدو مثيرة للاهتمام فى الوقت الذى عندها فيه ما تخفيه ؟
قالت متحدية : " وهل هذا يغير من الأمر شيئا ؟ إن دعوة إلى العشاء لا تستلزم موعظة فى الوفاء . " والتقطت أنفاسها وهى تتابع : " ثم انك أيضا قد تكون متزوجا."
فرد عليها قائلا : " وهل لكونى متزوجا أية أهمية ؟ "
شعرت بانه يراوغ فى كلامه , مما جعل قلبها ينتفض هلعا بشكل غير معقول .
أجابته : " اظن الأمر مهما جدا بالنسبة إلى زوجتك ."
قال : " من حسن الحظ إذن , ان لا زوجة لي بعد . " كانت لهجته , وهويقول ذلك , مزيجا من السخرية وشيئا غامضا لم تدرك كنهه .
فغمغمت تقول : " هذا من حسن حظها هي , على كل حال ."
وشعرت , وهى تقول ذلك , بالاشمئزاز من نفسها لهذا الشعور بالارتياح الذى اكتنفها والذى جعلها سيئة الخلق لتقول شيئا كهذا .
فقال بلهجة تحوى شيئا من اللوم : " ليس هذا من اللطف فى شئ , ألا تظنين أننى ساكون زوجا جيدا ؟ "
فأجابت باقتضاب : "لايمكننى إعطاء رأى صحيح فى هذه المدة القصيرة من تعارفنا . " كانت تعلم أنه يضحك منها رغم الجد الذى يبدو على ملامحه والذى يقرب من العبوس .
فقال : " ولكن لا شك أن عندك مثلا أعلى فى خيالك , ماهى الصفات التى تريدينها فيه ؟ هل تتطلبين فيه الأمانة الزوجية ؟"
أجابت ميغ وهى تعبث بشريط حقيبة يدها : " أريده أن يحبنى , ويحبنى أنا فقط , كما أحبه , وأظن هذا يسهل أمورا كثيرة . "
سادت فترة صمت قال بعدها : " هذا يكتسح كل شئ بالتأكيد . ولكن إذا حدث , بالرغم من هذا الحب , وتدخلت امرأة أخرى تريد أن تسلبك مثلك الأعلى هذا , ما الذى ستفعلينه , عند ذاك ؟ هل تضحين بنفسك ؟ هل تطلقين سبيله ليذهب إليها ؟ "
فأجابت بعنف : " كلا . سأكافح للاحتفاظ به بكل ما أملك . "
فقال بصوت منخفض : " هل ستكونين عديمة الرحمة ؟ هل ستستعملين السلاح ؟ "
فأجابت مترددة : " طبعا , ولكن لماذا توجه إلى كل هذه الأسئلة ؟"
فقال بلطف : " لأننى أريد أن أعرف يا صغيرتي , فهذه المعرفة هى جزء من رحلة الاكتشاف التى تحدثت عنها , وقد وجدت أنك ستدافعين عن حبك كالنمرة ."
ومرة أخرى , ظهرت تلك النبرة الغامضة فى صوته . ووجدت ميغ نفسها ترتجف . فلاحظ هو ذلك وسألها : " هل تشعرين بالبرد ؟"
فقالت وهى تتصنع ابتسامة :" أوه , كلا . ربما أنا جائعة ."
وذهب بها التفكير , وهى تقول هذا إلى الغداء الذى سبق واشترته للنزهة تلك , وسحق مع السيارة .
فقال : " لقد صبرت وقتا كافيا وآن لك أن تأكلى ."
واستدار بالسيارة فجأة خارجا من الطريق العام ليدخل فى طريق يقود إلى أسفل التل . واستندت ميغ بيديها عندما تأرجحت السيارة ثم قفزت فوق الأحجار والأخاديد العميقة.
وشهقت قائلة : " هل يوجد ثمة مطعم فى هذا المكان ؟ أرجو أن يكن هناك طريق آخر نخرج منه ؟"
فأجاب : " انه ليس مطعما . " كان أمامهما مجموعة من مبان سابحة فى الشفق الوردى للشمس الغاربة . وكان ثمة دخان ينبعث من مدخنى من إحدى تلك المبانى , ليعلو متلويا بكسل فى الهواء الساكن . منتدى ليلاس
قالت : " أين نحن إذن ؟ " لقد بدا وكأنهما فى متاهة . وشعرت بالعزلة تكتنفهما إذ لم تر أية سيارات هناك . لا شك ان هذا المكان غير مأهول .
قال وقد عادت السخرية إلى صوته : " هذا هو منزلى . منزل العائلة الذى حدثتك عنه . "
سكت برهة ثم عاد يقول : " لقد صممت يا جميلتى , على تناول الطعام فى منزلى هذه الليلة , مستمتعين باستكشافنا المتبادل وحدنا , وآمل أن يوافقك هذا . "