كاتب الموضوع :
زونار
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الفصل السادس
الحب . هي ودوغ ؟ قد تكون ماري أفضل طباخة في بلاد الساميت ، ولكنها لا تستطيع اصدار أحكام عندما يتعلق الأمر بطبيعة إنسانية . بعد ساعات كانت الفكرة ما تزال سخيفة . وضعت سامنثا الطعام للعاصفير ، ورمت بذور دوار الشمس على الثلج في الباحة الخلفية . كان النسيم بارداً والغيوم تحمل معها الثلوج وتحجب الرؤيا عن أعالي الجبال . بدأ الثلج يتساقط ، ومن حسن حظها أن أمها لم تكن في الجوار لتراها في الخارج تقف تحت الثلج من دون معطف . سبب غياب أمها جعلها تبتسم . لم يلبِ آيك كلايبورن طلب سامنثا فقط بل أيضاً نجح في اختطافها من الفندق لتناول الغذاء والقيام بنزهة ، كانت أمها في أشد الحاجة إليها . لم يعجبها منظر أمها في الصباح مثل ماري . حان الوقت لتقوم السيدة آردن بفحوصات طبية شاملة ... هذا إذا تمكنت سامنثا من اقناعها بالذهاب إلى الطبيب.http://www.liilas.com/vb3
" سامنثا!"
هذا الصوت جعلها تدرك أن دوغ قد ناداها لأكثر من مرة التفتت إلى الأعلى فوجدت دوغ واقفاً على شرفة الطابق الثاني ." ماذا تريد؟"
" أوقفي عملك وانتظريني حيث أنت ." دخل غرفته وهو يقول :" لاتبدلي ملابسك ." واختفى عن الشرفة.
أصدر ثلاثة أوامر في بضع ثوانٍ . وقد وعدها بالأمس أن يتنازل عن تسلطه وهو الآن يملي عليها الأوامر ، متوقعاً أن تقوم بتلبية طلباته دون تفسير . نظرت إلى الجينز الذي ترتديه وإلى كنزتها بلون الكريم . لماذا أمرها بعدم تبديل ملابسها ؟ ولم عليها أن تفعل ذلك ؟ إذا كان هذا يعود لقرارات الليلة الماضية فيجب إعلامه بما تفكر به تماماً حول ما يسميه بالهدنة.
" أتريد التقاط صورة لي ؟" سألته بتعجب ، بعد بضع دقائق ، عندما كان يثبت آلة التصوير.
طأطأ رأسه ." كنت أفكر بهدية عيد الميلاد للوسي عندما رأيتك في الخارج وتحت الثلج ... فقلت لنفسي ، وجدتها . سألتقط لك صورة تحت الثلج."
" إنك قريبة بشكل كاف." كلن يحمل مظلة فوق آلة التصوير . انحنى ونظر عبر العدسة ." هيا تابعي ، وأنهي طعام العصافير ."
" لن تلتقط لي صورة لي الآن . فشعري غير منظم ."
" تبدين جميلة !"
" إذا لم تكن تلاحظ ، فإن الثلج يتناثر هنا."
" هكذا أفضل . الخلفية بيضاء ، الثلج أبيض ، الثياب بيضاء ، وفي الوسط وجهك ." وعاد إلى آلة التصوير . " تجاهلي ذلك ."
" تقصد أن أتجاهل حماية نفسي من المطر تحت المظلة وأنا أتجمد حتى الموت وسط هذه العاصفة الثلجية المخيفة ."
" لاتكوني كالأطفال . أديري وجهك ناحية اليسار قليلاً."
انحنى ومسح وجنتها بمنديله ." إني أستعمل المظلة لأحمي آلة التصوير من البلل ."
" أتمنى أن تكون الصورة مذهلة لتجعل موتي بمرض الرئة ذا شأن."
" تفائلي قليلاً . فكري بشيء مسلٍ."
" لاأستطيع التفكير بسوى فنجان ساخن من الشوكولا ومعه قنينة ماء ساخنة ."
" ماذا بالنسبة لتلك المرة حين أخبرت الفتاة التي اتصلت بي أنني ذهبت إلى السينما مع لوسي ؟"
" ولكنك كنت فعلاً في السينما ."
" أجل . لكنك لم تكلفي نفسك عناء إخبارها بأن لوسي والدتك ووالدة دافيد. فاعتقدت سالي أني أعبث معها ومع غيرها في الوقت نفسه."
" كيف كان لي أن أعرف أنك تضرب مواعيد لنساء يغرن ويتشككن ؟" ولم تتمكن من اخفاء ضحكتها . " أخبرني دافيد أنها رمتك بالمصباح عند عودتك إلى المدرسة . أعتقد أن ذلك أثار ندمي."
" خطأ دافيد ، أنه يعتبرك جيده مثله."
" إن دافيد عصامي . أما أنا فلا أدَّعي ذلك ."
" تقصدين أنك لم تنجحي في خداع أحد قط . أتذكرين ذلك الوقت حين حاولت فيه إقناعي أن توم يصرخ في الخارج وذهبت مسرعاً للإمساك به . لقد إدعيت ذلك فقط لأنك أردت الكرسي الذي أجلس عليه."
" لقد كان الكرسي الأكثر راحة . نسيت ذلك . إنك كنت غاضباً."
" لديك ذاكرة قوية . والآن فكري بالقبل ."
" القبل ." نظرت إليه بارتباك.
" قبل قوية ، مثيرة ." قالها وضحك . " لا تقولي لي أنك لا تحبين هذا النوع من القبل . لن أصدقك أبداً . ليس بعد ما حصل ليلة الأمس."
وبشكل لا إرادي ، تراءت لها صورة عن ليلة الأمس ، بينما لمع ضوء آلة التصوير .
" أرى أنك تعرفين ما أقصد ." وأضاف :" انتظري هنا ."
أخذ الكاميرا ودخل غرفته ، وعاد سريعاً ممسكاً بمنشفة كبيرة بدلاً من آلة التصوير . وعندما حاولت سامنثا أخذها أعادها إلى الوراء قائلاً :" أنا من سيفعل ذلك . سأحاول مسح الماء والثلج عن وجهك."
وجهها تورد ، من الخجل ، بلا شك . وأجابت :" كنت أفكر بآندي ، وليس بالليلة الماضية ."
لف دوغ المنشفة حول رأس سامنثا على شكل عمامة .
" هل كنت تفكرين فعلاً به ؟ هل تعنين أنك كنت تفكرين بقبلاته التي أنعشت فمك وشفتيك ؟" وضع أطراف المنشفة تحت العمامة ، وأنزل يديه على كتفيها ." تبدين فاتنة ، وبدأ يداعب رقبتها بإبهامه."
تراجعت سامنثا إلى الوراء قائلة :" إني أتجمد."
ارتعش فمه وهو يقول :" كنت أعتقد أن في استطاعتي تدفئتك ."
" أفضل فنجاناً من الشاي."
" الآن يوجد تغير ملحوظ . بدأت تسلكين الطريق الصحيح."
" أنت من يقلق بشأن أمي وبشأن الزواج القسري."
" لوسي ليست في البيت . ولو كانت رأتني أرسلك إلى المنزل وأنت ترتجفين لأصابتها نوبة قلبية ." دفعها أمامه إلى شقته في الطايق الثاني ، وأجلسها على كرسي مريح .
" سأحضر لك الشاي ." وضع يده على طرفي الكرسي ، وانحنى وهو يقول :" لا ، ليس عليك أن تخافي."
" لا أخاف منك أبداً."
" لسوء الحظ يبدو أن بيننا مشاكل تخرق هدنتنا . أليس كذلك ؟"
" ماذا تعني بنحن ؟ كل ما قلته إنه كان عليَّ ارتداء ملابس غير ... لكني أرتدي ثياباً لائقة ."
حدق دوغ بها وهو يقول :" جينز ضيق وكنزة تناسب مقاسك ."
" ربما أحببت أن أسير وأنا مرتدية سروالاً للتزلج وسترة الفراء."
اكفهر وجه دوغ وقال :" ألا تريدين معرفة ما أحب ؟ سأحضر الشاي."
كانت الشقة دافئة . وأدركت الفرق بين الداخل وبين البرد في الخارج. أزالت المنشفة عن رأسها ، ونظمت خصلات شعرها . آه لو كان في الإمكان ترجمة ما تقوله عينا دوغ الزرقاوان . ألقت رأسها على الكرسي . لقد حان الوقت لتكف عن خداع نفسها . إن الدفء الذي أحست به ويسري في جسدها سببه الرغبة الطبيعية التي لا تقاوم والتي ظهرت بينها وبين دوغ . إنهما يحتقران بعضهما مما جعل الأمر أكثر خطورة . وأكثر
شهوانية . إن ذلك موجود منذ الليلة التي وضعته فيها في السرير ، وبدأت الوعود الكاذبة تظهر تحت نقاشاتهم المملة . رجاحة العقل والفطرة السليمة ... بدأت تضعف في مواجهة هذه المحاولة الباهرة ، إنها محاولة لقطف ثمار ممنوعة .
ناولها دوغ فنجان الشاي الساخن . وسألها :" هل جفت ثيابك ؟"
" أجل ، شكراً."
جلس أمامها على الكرسي ." أترين ؟ في إمكاننا أن نكون عاديين عندما نكون معاً."
تلاقت نظراتهما . نظرت حولها بيأس . لابد من وجود شيء عادي يتحدثان عنه . كان على الطاولة بجانبها مجموعة من المجلات التي تتحدث عن العناية بالحدائق .
" ما هذا ؟ لا تخبرني أنهم قد طلبوا منك اصلاح الفناء هذا الصيف ؟" وتناولت بعض المجلات.
قال بصعوبة :" هل تتذكريمن آنا سبتون."
" لابدلا أنها أصبحت في سن المائة والعشرين ."
" ليس تماماً . لم تعد تهتم بنفسها كما كانت في السابق. إنها تمضي الساعات الطوال جالسة على النافذة تراقب الخارج . كما رفضت الحصول على التلفاز . إنها تدعي بأنه اختراع جديد يثير الضجة."
تناول مجلة وأخذ يقلب صفحاتها إلى ان وجد ورقة عليها تصميم . " إني أصمم حديقة طبيعية لها . لقد وجدت جذع شجرة قديمة قطعه شاب للاستفادة منه فاشتريته . سأجعل فيها حفرة تبني العاصفير فيها أعشاشها. الأغصان تحتاج وقتاً للنمو ، لكن الأزهار الحمراء ستجذب العاصفير . بالطبع ، عليك الحصول على بعض الحمام وأزهار الخشخاش. لقد أوحي إليَّ بهذا فيما كنت أراقب الأزهار الجميلة الموجودة في المتاجر على الطريق الرئيسي . أعتقد أني تحدثت مع كل بستاني موجود في بريكنريدج . فهنا توجد حديقة الفراشات . بوتنتيلا ، كوزموس ، الجزر البري إضافة إلى بعض النباتات البرية والأعشاب الأخرى . إني أكره الحدائق التي يعلو العشب فيها ، مسافات شاسعة ، وتحتاج إلى كميات كبيرة من المياه لرّيها . إني لم أختر بعد أنواع الأشجار . أريد شيئاً يتلاءم مع المناخ صيفاً وشتاءً وفي الوقت نفسه يؤمن علفاً للحيوانات . لم يكن عليك أن تجعليني أبدأ الحديث."
" كيف حصل وتعرفت على آنا ؟"
" أرسلتني أمك إلى هناك فيما كنت أبحث عن بعض المعلومات . إنها تعيش هنا منذ بداية القرن تقريباً . إنها تعرف كل شيء عن مقاطعة ساميت . لديها الكثير من الصور . كان زوجها السابق من هواة التصوير. وما حققه بآلته البدائية كان مدهشاً . ساعدت آنا على ترتيب الصور ، وأعتقد أنه أصبح لديها كتابٌ عن ذلك . وأصبح في استطاعتها الإستفادة من المال الذي وفرته لها الصور."
" لابد أنها ممتنة لك ."
" إنها تسدي لي خدمات عن طريق السماح لي بالاهتمام بحديقتها ومشاهدة الصور التي التقطها زوجها السابق ماتيو ."
" ألا يبدو ذلك تواضعاً منك ؟ إنه كرم منك ."
" ألا تبدين غير منطقية ؟ إذ لدي بعض الصفات الحسنة ."
" لم أقل العكس." إن احتقارها له لا يجعلها تتغاضى عن مزاياه الحسنة . لم تحاول المناقشة . وهمّت بالمغادرة .
" أشكرك على الشاي ومن الأفضل لي أن أعود ."
وضع دوغ فنجانه على الطاولة ووقف ." لا تخبري والدتك بما فعلناه اليوم."
" لن أفعل . هل أستطعت أن ... هل في إمكاني الذهاب معك لزيارة آنا ذات يوم ومشاهدة الصور ؟"
نظر إليها دوغ محدقاً بهها وكأنه يعيش داخلها ." أود ذلك ." تلاقت نظراتهما . أزاح بعض خصلات الشعر عن وجنتيها وأخفض رأسه بإتجاهها.
خرجت سامنثا من غرفته ونزلت الدرج . كانت قد أصبحت في منتصف الطريق لمنزلها ، عندما أحست بإباحية تصرفها . توردت وجنتاها . وارتعش جسدها . كان الطقس بارداً جداً بالنسبة للبقاء دون معطف . وأزالت الثلج عن ثيابها وهي تدخل من الباب الخلفي.
أتت آندا باكية من الباب إلى غرفة الطعام ." إني سعيدة لرؤيتك . إن السيد كلايبورن على الهاتف . ووالدتك في المستشفى في فايل ."
تناولت سامنثا السماعة وهي ترتجف ، لابد أن آندا مخطئة . وأول كلمة قالها آيك خيبت أملها . استمعت إليه وهو يخبرها عن وقوفخما عند حافة النهر الأزرق ، وكانت السيدة آردن تروي له العملية التاريخية لإستخراج الذهب ، وأصرت على الإنزلاق لجمعها ، ثم انهارت وهي تحاول الصعود . وصل دوغ عندما أقفلت السماعة.
" أخبرتني آندا أن والدتك في المستشفى . احضري معطفك . سأرافقك إلى هناك ."
كانت سامنثا عاجزة عن التفكير . كانت تتصرف بشكل آلي تفعل ما يأمرها به دوغ . بدا الطريق إلى فايل طويلاً ممتلئاً بالشقق وأماكن التزلج . عندما كانا على الطريق . بدأ غرابٌ في السماء يطلق أصواتاً مزعجة . أوقف دوغ السيارة في موقف المستشفى .
كان آيك في الداخل شاحباً . أمسك بيديها . دفعها دوغ إلى كرسي في غرفة الإنتظار ولحق دافيد فور تلقيه الخبر. مرَّ بالمدرسة لإخبار ليندا بما حصل فأتت معه . كان دوغ وعمه يتحادثان منفردين بصوت منخفض في زاوية أخرى . كانت سامنثا تراقب يديها بتوتر . بينما المستشفى من حولهم ينبض بالحياة .
الحياة . لابدّ لها من التمسك بهذه الفكرة . الأبواب تفتح وتغلق . رؤوس تبدو من الأبواب ثم تختفي . وعلى مسافة منهم يرن جرس الهاتف والأصوات تملأ الصالة.
كانت يدا دوغ تمسك بيديها عندما قال لها :" إننا ذاهبان لتناول القهوة . هل ترغبين في ذلك ؟"
هزت رأسها رافضة ." إني لست عطشى ." رحل دوغ وجلست ليندا بجانبها . ومن دون أن تنظر إليها عرفت أن قضاء نصف يوم مع اأطفال لم يغير شعرها المنظم . العطر الذي تضعه قديم الطراز ، لكنه رائع ، وجعلها تتذكر قوة رائحته . إنه عطر جميل يساعد في إسكات طفل يتألم أو يرتبك . جلست ليندا بهدوء . كان صمتها يهدئ من ألم سامنثا . وأخيراً تمكنت سامنثا من الكلام ." كنت أحس أنها ليست على ما يرام . كان عليَّ أن ألح عليها في مقابلة طبيبها اليوم."
لمست ليندا يدها بنعومة وقالت :" إن والدتك متقدمة في السن وليس عليك أن تلومي نفسك ."
عاد دوغ وناولها كوباً من الماء ." إشربيه ."
أخذت سامنثا جرعة ، ورأت ليندا تجلس بجانب دافيد ، وابتسامته تحيطها بالحب . " إني سعيدة لأن لدى دافيد ليندا ." هذا ما قالته لدوغ ." لن يكون وحيداً إذا ما حصل شيء لوالدتنا ."
كان آيك جالساً يتصفح إحدى المجلات . كان يقلب صفحاتها بسرعة دون أن يقرأها . أخذ دوغ الكوب الفارغ من يدها ووضعه جانباً . وأخذ يتحدث عن المرة الأولى التي زارهم فيها برفقة دافيد . ثم تذكر زيارات أخرى وما
حدث فيها . حدثها عن رحلة المخيم التي قام بها الخريف الماضي مع والدتها ، سمعت خطوات في الصالة ، لكن دوغ تابع حديثه بصوت ناعم .
" سيد آردن؟" قال الدكتور وهو يقف على عتبة الباب ويبتسم لدافيد .
عندها أحست سامنثا بالضعف وساعدها دوغ على الوقوف . إن والدتها على وشك استعادة وعيها .
كانت ما تزال متوترة وكلمات الطبيب المخيفة _ نوبة قلبية نوبة قلبية _ تترد في مخيلتها . كانت مرتبكة عندما وضعت الأطباق و الأواني على المائدة لفطور اليوم التالي .
لن تموت والدتها وتتركها وحيدة . لن تتركها أبداً . المرء بحاجة ماسة إلى والدته . في استطاعته تركها . ولكن عند شعوره بالحاجة إليها يجب أن يجدها . دائماً . عادت سامنثا للبكاء . ماذا لو لم تتمكن والدتها من التغلب على الموت ؟ أخذت الفوط المطرزة . ماذا فعلت بهذه ؟
" هل أنت بحاجة للمساعدة ." سألها دوغ وهو يدخل .
هزت رأسهالا دون الالتفات إليه . وإذ فتحت فمها ... فإنه كان يرتجف .
" ليس كافياً طي الفوط على هذا النحو ووضعها على الأطباق ." أخذ دوغ الفوط من يديها ." إن للوسي قلباً..." أخذ يوضح فكرته قائلاً :" هل تعرفين أن نصف شهرة هذا الفندق تعود للطريقة الرائعة التي يتم بها تنظيم الفوط ، وأنت ماذا تحاولين أن تفعلي ؟ هل تريدين الإساءة إلى سمعة هذا الفندق ؟"
كانت سامنثا تحدق به .تابع دوغ :" صرحت للوسي أنني أحب هذه الطريقة بسبب تاريخي العسكري ، أو ما شابه ذلك . لا أستطيع تذكر الأسماء . والدتك تعرف الكثير عنها ." ثنى أحد أطراف الفوطة وطلب رأيها ." ما رأيك ؟"
اغرورقت عيناها بالدموع .
وقالت :" لا بأس بها ."
هزت رأسها وغطت وجهها محاولة إيقاف الدموع ، لكن دون جدوى . وربت دوغ على كتفها بلطف . جفلت من لمسته . وقالت بصوت متألم :" ارحل من هنا."
" كلا ." جلس على أقرب كرسي في غرفة الطعام وأجلسها في أحضانه .
حاولت سامنثا الوقوف ، لكنه منعها . ضربته على كتفيه قائلة :" اتركني وشأني ." جوابه الوحيد كان شد وثاقها. لم تقاومه . التصقت بصدره . تركت لعواطفها العنان . كان جسدها يرتجف من المخاوف التي أحست بها منذ أن اتصل بها آيك . عادت لتسيطر على نفسها . إنها ممدة في حضن
دوغ ، ذراعاه القويتان تحيطان بها . وابتل قميصه من دموعها بينما كانت تتنفس بصعوبة .
" اشهقي ." أمسك منديلاً وناوله لها.
فعلت ما أمرها به . ثم أدركت ما أعطاها . قالت بإحتجاج والدموع في عينيها ." إنها فوطة المائدة ."
طأطأ رأسه موافقاً.
" لاتقل لي أنه المنديل الذي طويته ؟"
" إنك لاتقدرين أعمالي اليدوية ."
" إنك تعرف أن لا ..." توقفت ولم يعد في إمكانها المتابعة .
" إن مرفقيك يشدان على معدتي ." ووضعهما على الكرسي . " هكذا أفضل ." شد قبضته عليها فيما كانت تحاول النهوض . " الآن أخبريني الحقيقة . قال الطبيب إن والدتك ستكون على مايرام . إذاً ، لماذا كل هذا البكاء؟"
" أشياء كثيرة تثير البكاء لدى النساء."
لامس ذقنها ." أعرفك منذ إثنتي عشرة سنة . إنك لم تبكي عندما كسرت يدك . ولا عندماغادر دافيد المنزل ، ولا عندما غادرت المنزل ، ولا عندما تزوج دافيد . في الواقع ... لا أذكر يوماً رأيتك فيه تبكين . ماذا هناك إذاً؟"
أغلقت جفنيها . إنها لم تتهم دوغ أبداً بحدة الذهن ، لكن مخاوفها وضعفها كانت واضحة في عينيها ." لا بد أن مظهري شنيع."
" أنفك أحمر ، عيناك منتفختان حمراوان ، ولا يوجد أحمر شفاه . على ... ما عدا ذلك تبدين رائعة . والآن ما الأمر ؟"
بلعت ريقها وقالت :" لا شيء ، ارحل من هنا ."
" حسناً." نهض بعد أن أطلقها . ولو لم يكن ممسكاً بمعصمها لوقعت على الأرض . توجه نحو الباب ، ثم التفت وقال :" أعطيك فرصة أخيرة . اخبريني ما الأمر ..." نظر إلى ساعته ." ... سأتصل بدافيد . إننا بعد منتصف الليل . ربما كان وليندا نائمين في السرير."
" لا تهددني ..." سارت في الغرفة متجهة إليه وأمسكت يده ونظرت إليه.
ضحك دوغ وقال :" أو ماذا ؟ ستضعين ثيابي في الثلاجة ؟ أم ستخيطين قميصي الممزق؟"
" سأخبر دافيد أنك مغرم بزوجته." خرجت من فمها الكلمات دون إرادة .
تجمد وجهه ." أفلتُ هذا الصباح للحظة ... لكنك لم تتغيري ، أليس كذلك ؟ ما زلت فتاة مزعجة ولا تتحلين بالأخلاق و الحكمة."
اكفهر وجه سامنثا عند سماعها هذه الكلمات التي طعنتها في الصميم ." هذا صحيح ." لقد نجحت في الاعتراف . إنك على حق . وتنفس خلفها بعمق.
" لقد ربحت ." قالت ببرود . " لن أتصل بدافيد ." وخرج من الغرفة .
كانت وحيدة لكنها لم تبك . إن دوغ يتدخل في خصوصياتها وبشكل دائم . ما يهمه إن بكت أم لا . ولماذا ؟ لقد أوضح لها كم يفكر بها . رمت المنديل على الأرض ونظرت إلى الفوط الأخرى.
" يوماً ما سأتسلم لنزوتي وأشنقك ، أو أضربك ... أو أفعل شيئاً بك ." كان دوغ ما يزال واقفاً عند الباب محدقاً بها مكتوف اليدين.
" لماذا عدت؟ هل خفت أنك لم تسئ إلي بما فيه الكفاية ؟"
تقدم وتتناول بعنف أقرب كرسي وجلس عليه . أخذ المناديل يطويها . قائلاً :" سأفعل هذا من أجل لوسي وليس من أجلك."
قبلت سامنثا مساعدته بصمت . وبعد دقائق كان الصوت الوحيد المسموع هو فرقعة الأطباق فقد كانت سامنثا تضعها على الطاولة ، وهي تحدق بدوغ من وقت لآخر . كانت عضلات كتفيه مشدودة ، وهو يعمل بجد . أخيراً أجبرت سامنثا على الكلام ." سأخبر والدتي أنك ساعدتني . وستقدر لك ذلك."
" هل هذا يعني أنك لا تقدرين ما أفعله."
" لم أقل هذا ."
" ليس عليك أن تقوليه . إني أعرف ما تفكرين به ."
" أنت قلت ذلك ." ثم أخذت بعض الفوط المطوية.
" لقد قلت أشياء كثيرة . اللعنة ... تعلمين أني لم أقصد التعرض لأخلاقك . إني أعرف تمام المعرفة أنك لن تقولي أي شيء لدافيد قد يسبب له الألم . إني أسحب كلمة . " دون مبادئ."
" وكلمة . " فتاة مزعجة ؟"http://www.liilas.com/vb3
أعطاها باقي الفوط وقال :" إن لوسي قد وضعت مجموعة من الكتب في فن وطرق طي الفوط . لابد أنها هنا في مكان ما . إذا لم تجديها ، أعلميني بالأمر وسوف أساعدك غداً مساءاً." ثم نهض.
" إنه أمر غريب أنك تعلم كيفية القيام بهذا."
" الغريب أنك تجهلينها . إن دافيد يحسن القيام بهذا هو أيضاً. لقد جلسنا سوية لليالٍ كثيرة نتحدث مع لوسي ونساعدها في طي الفوط."
ابتسمت سامنثا ابتسامة صغيرة ، وقالت :" أمّا أنا فكان عليّ وضع الأطباق وآنية المائدة . اعتقدت أن والدتي ستكون دائماً هنا معي لتقوم بطي الفوط ." أغمضت عينيها ، وضمت الفوط إلى صدرها . " أمي تعتمد عليَّ."
خرجت الكلمات من فمها قبل أن تتمكن من السكوت . " أعلم أني سأخيب ظنها . إنها مسؤولية كبيرة . الكثير من القرارات والفواتير ، واختيار طعام الفطور حتى تحضره ماري . كما عليّ الحفاظ على راحة وسعادة النزلاء . لم يكن على والدتي أن تطلب مني هذا . لا أستطيع القيام به . يجب أن تتحسن حالتها . يجب أن تعود إلى المنزل . يجب عليها ذلك . إني خائفة ." لا تدري كيف استطاعت الاعتراف بذلك أمام دوغ.
أخذ الفوط منها وجال في أرجاء الغرفة واضعاً إياها على الطاولات . حاولت وضع الآنية الفضية وهي مرتبكة . إنها غير قادرة على مواجهة دوغ ." هيا ، أتريدين أن أساعدك في شيء آخر؟"
هزت رأسها . والاحراج والإرتباك يمنعانها من الكلام.
قد يعتقد بأنها مجنونة أو جبانة . أو الإثنين معاً . كان عليها التفوه بشيء ما. أخيراً قالت :" شكراً لك على مساعدتي."
" إنك على الرحب والسعة ." شد على كتفيها وأجلسها على كرسي . " اصغي إلي جيداً الآن . كوني هادئة . " قال هذا وهي تهم بالكلام . " أولا ً، أمك ستكون بخير . فما من سبب يجعل الطبيب يكذب . ثانياً ، إنك قادرة تماماً على إدارة الفندق . قلت اسمعي ، لم أنته بعد . ثالثاً ، حتى لو لم تكوني قادرة على ذلك . فما هو أسوأ مايمكن حصوله ؟ صحيح أن هناك بعض الأشياءلن تستطيعي مضاهاة والدتك بها ، ولكن عندما يعلم جميع النزلاء أن والدتك في المستشفى ، سيدركون أنهم لن يتوقعوا منك كل شيء على أتم وجه."
" ثم . من قال لك أنك ستتولين بنفسك أمر كل شيء . إن ماري تهتم بالمطبخ منذ أكثر من تسع سنوات . ألا تعتقدين أنها قادرة على اختيار طعام الفطور؟ ولا أدري كم مضى من الوقت على وجود آندا ولويس هنا يساعدان والدتك ، لكني أعتقد أنهما أمضيا وقتاً كافياً ليتقنا عملهما . كما أن دافيد ليس بعيداً من هنا . وأنا أقطن بجوارك . أتعتقدين أننا من الأنانية بحيث نتركك وحدك؟ أصمتي لم أنته بعد . لكن لو حصل هذا ، فلطالما كانت لوسي أماً جيدة لك . اعتبري نفسك محظوظة ، وتوقفي عن التأسي على نفسك ."
" هل انتهيت الآن؟" سألته سامنثا . وقد أخافها ما صرح به . ودون أن تنتظر جوابه ، قالت بغضب :" إنك وحش غير إنساني . إنك لاتهتم إذا ماتت أمي . لا تهتم إذا ساءت سمعة الفندق . لا تهتم لمشاعري . حسناً . دعني أقول لك ، يا دوغلاس كلايبورن . إني لست بحاجة لمساعدة ماري
ولا آندا ولا لويس . كما لا أحتاج بالطبع إلى مساعدتك . في إمكاني إدارة الفندق مغمضة العينين وبيد واحدة."
ضاقت عينا دوغ . أمسك رأسها بين يديه وحدق بها .
" هل انتهيت الآن ، لقد اختفت المغفلة الضعيفة وعادت سامنثا القديمة إلى حيث تنتمي." وقال ساخراً :" أتعتقدين حقاً أن في استطاعتك طي الفوط كما أفعل أنا بيد واحدة ، بينما الأخرى وراء ظهرك؟"
" إنك رائع ... لقد فعلت ذلك عمداً . ذكرني أن لا أذهب إليك عندما أكون بحاجة للشفقة من الآخرين."
" يوجد الكثيرون الذين يستطيعون تأمين الراحة لك . لكن كم منهم يستطيعون طي الفوط؟" لحق بها إلى خارج غرفة الطعام . أطفأ النور . " من الأفضل لك الذهاب للنوم ... غداً سيكون نهاراً طويلاً آخر . سأنتظر عودة الجميع."
" لقد عاد الجميع ."
" حسناً سأقفل الأبواب."
" أستطيع أنا القيام بذلك ."
أوقفتها يده عن القيام بذلك وقال :" أعرف أنك تعرفين ." وأخذها ناحية الدرج ودفعها قائلاً لها :" اذهبي للنوم."
استدارت عند أول درجة ووجدت أنها مجبرة على الكلام .
" شكراً لك ."
" لأني سأقفل أبواب الفندق ."
" أجل ولأنك ." اختفى صوتها ووجدت نفسها تعبث بقبة قميصه .
" لأنني طويت فوط المائدة."
لم تتراجع في حياتها قط . وأمام دوغلاس كلايبورن لا تنوي ذلك الآن ." شكراً لك لأنك أجبرتني على السيطرة على نفسي." وقفت على درجة السلم . كان عليها الاقتراب قليلاً لتطبع قبلة شكر على شفاه دوغ . لم يتحرك إلا لاحكام قبضته على معصمها . تابعت كلامها :" إني آسفة إذا كنت أهنتك عندما فكرت أنك لن تساعدني . وآسفة لأني نعتك ببعض الصفات . وآسفة لأني رطبت قميصك بدموعي . لن ... لن أفعل ذلك ثانية ."
" أنت أيتها الفتاة الفاسدة والمزعجة ." لمس شفتها السفلى " إنك ترتعشين من جديد ."
" إني آسفة ، أنا ..."
" لاتقلقي ، فأسفك لن يدوم طويلاً."
" من بين كل ...!" شعرت بتيبس جسدها يجذبها نحو صدره
ذراعاه تشدانها نحوه . ودون أن يسمح لها بإستعادة حريتها ." هكذا أفضل . لا أريد تقبيل صفصافة باكية . من يأبه لما ..."
أوقف فمه بكاءها . أرادت مقاومته . خانها جسدها . الجمود الذي أحست به في عظامها ، جعل شفاهها تتجاوب مع شفتيه . كان تنفسهما متقطعاً . وعطره يجذبها نحوه أكثر وأكثر إلى صدره . إنها تسمع دقات قلبه . وفجأة جفت شفتاها وتجمد جسدها عندما توقف ورجع إلى الوراء وهو يقول لها :" تصبحين على خير ، يا سامنثا ." ودفعها دفعة صغيرة لتتمكن من صعود السلالم.
أطاعته دون تفكير . توقفت عند أعلى السلم . استدارت فوجدته ينظر إليها . وجهه لم يوحِ لها بشيء . همست قائلة :" لِمَ قبلتني؟"
" كنت أريد تحويل أفكارك بإتجاه آخر . كما فعلت بي تماماً تلك الليلة التي سبقت زفاف دافيد ."
" اعتقدت أنك لم تتذكر شيئاً من ذلك."
" لقد حلمت بأشياء جميلة تلك الليلة ." لم تستطع فهم ما يعنيه . لكنها لم تحب ذلك . " من بين جميع الرجال المتغطرسين ، أتعتقد لأني قبلتك ، سأنسى همومي ، وأخلد للنوم ، وأحلم بك كما لو كنت تلميذة مدرسة غبية؟"
" إني أعرف أن هذا سيحصل لك."
" إنك لاتعرف الكثير من الأشياء ." عندما تذكرت أن ثمة نزلاء ينامون ، هرولت إلى أسفل السلم . وقالت له :" إنك آخر رجل من الممكن أن أحلم به على وجه الأرض."
" لكن قبلاتك تقول غير ذلك . أتمنى لك أحلاماً سعيدة ، يا سامنثا."
صعدت السلالم دون إثارة أية ضجة.
الفصل السابع
في صباح اليوم التالي كانت سامنثا تنزل الدرج والتعب باد عليها . دخلت إلى المطبخ لتساعد في تحضير الفطور .
نظر دوغ إليها عابساً ." يبدو أنك لم تنامي جيداً ليلة أمس."
فردت عليه :" لست في حالة تسمح لي بتبادل الحديث معك." عند سماعه هذه الكلمات دفعها إلى أقرب كرسي ونادى :" ماري أحضري بسرعة فنجاناً من القهوة ، وإلا حدثت عندنا حالة طارئة جديدة . ماذا لو أن سامنثا لم تكن دائماً مستعدة للقتا..." تناول الفنجان من ماري وقدمه إليها.
أخذت جرعة كبيرة من القهوة الساخنة ، فأحرقت لسانها .
نظرت إليه ." شكراً لك على ذلك . لكن ليس لدي وقت اليوم لذلك . لِمَ لا تذهب إلى شقتك ؟"
التفت دوغ إلى ماري ." هل تصدقين أنها تريد طرد أفضل خادم لديها ؟"
نظرت سامنثا إلى دوغ نظرة حادة . لاحظت ، وللمرة الأولى ، أن دوغ يلبس مئزر والدتها . كان المئزر ناصع البياض ، مطرز وله "كشاكش" على أطرافه . لكنه لا يتلاءم مع قميصه ذي الربعات الزرقاء والجينز الأزرق . نظرت إليه سامنثا متسائلة :" ماذا يحدث هنا...؟"
" أعلم أنني أبدو أفضل بثياب كبير الخدم . ولكن هذا ما وجدته ، لكن رائحة النفتالين تفوح منه." تردد صدى الكلمات في أرجاء غرفة الطعام ، وتابع كلامه :" اجلسي . في إمكاني تدبر أمر ذلك بمفردي . إنتهي من تناول قهوتك أولاً."
" هل هو جاد في ما يقول؟" سألت سامنثا ماري.
ناولت ماري سامنثا زجاجتين من العصير وقالت :" أنت لا تعرفين مدى حب دوغ لوالدتك وما تشكله بالنسبة له . لذا فإنه يحاول مساعدتك فلا تتكبري عليه ، أو تسعي لطرده لمجرد أنك لا تريدين الاعتراف بأن في امكانك الاستفادة منه."
لم يكن في إمكانها تصور مدى حاجتها إلى مساعدته .
فبإمكان شخص واحد تحضير الفطور . حملت العصير إلى المطبخ . كانت المرة الأخيرة التي تحمل فيها شيئاً ذلك الصباح. وبينما كان دوغ منهمكاً بأخذ ورد الصحون الفارغة ، كانت سامنثا مشغولة بالرد على النزلاء الذين يحضرون تباعاً للاطمئنان على صحة السيدة آردن بصدق ومحبة ، وبعضهم كان يترك لها رسائل يتمنون لها فيها الشفاء العاجل . كما قام بعضهم بعرض مساعدته على سامنثا إلا أنها كانت تردهم وتشكرهم على
لطفهم وتعاطفهم معها . كانت تعتقد أن العمل يمكن إتمامه بسرعة أكثر ، لو لم يكن هناك الكثير من النزلاء يشاركونها فيه . على الرغم من نواياهم الطيبة.
غادر الجميع ما عدا آيك . نظر إليها ." أعرف أنك منهمكة جداً خاصة في مثل هذا الوقت من النهار . لذا سأتركك وأذهب لزيارة والدتك في المستشفى ." وابتسم إبتسامة عريضة لدوغ الذي كان يحمل أحد الكراسي وتابع كلامه :" إني متأكد من أن والدتك ستسر عند سماعها خبر توظيفك لهذه الخادمة الجديدة الظريفة ." وغمز سامنثا ." حاولي منعه من التدخل في طبق البيض المقلي ، فطوري."
" لن يساعدني غداً." قالت له سامنثا . لكنها تذكرت أوامر ماري . تدخل دوغ في الحديث قائلاً:" أسوأ ما قمت به اليوم كان تقديمي للسيد تارغت فنجاناً من القهوة بدلاً من الشاي . ثم نسيت إحضار الشاي له . لكني رأيت أربعة أشخاص يبدلون أطباقهم ويظنون أن أحداً لم يرهم." مد رجليه أمامه على الكرسي وأضاف :" في المرة القادمة ذكريني أن أقدم بقشيشاً أكبر للخادم عند تناولي الطعام في الخارج لأن الخادم لا يتقاضى أجراً مرتفعاً."
قالت له ساخرة :" لا بد أنك أوقعت نصف الطعام على ثيابك؛ غداً سأشتري لك مئزراً جديداً . لكن بدون كشاكش هذه المرة."
نظر دوغ نحو عمه وفي وجهه ألم وحزن ." شكراً لك . إنني ممتن لك . لقد قصم ظهري من العمل وهي تقف هناك ... وتذكرني بمظهرها الجميل ... إنك لم تتناول فطورك بعد ." ثم غادر الغرفة.
ربت آيك على يديها ." إنك طفلة طيبة القلب."
" أقبل كلمة طيبة القلب ، ولكني أعترض على طفلة . على أي حال ما تقصد بها ؟"
" أن تسمحي لدوغ بالمساعدة."
تورد وجهها ." لا أستطيع أن أصدر أوامر بهذا الخصوص ، لأن ماري هي التي عينته."
ضحك آيك ." إنك صريحة أيضاً." عاد دوغ ومعه الكثير من الأطباق التي يتصاعد منها البخار . سأله آيك ." هل سترافقني إلى المستشفى ؟"
هز رأسه نافياً ." قل للوسي إني سآتي لزيارتها بعد الظهر أنا وسامنثا . لأنني الآن مشغول بتعليمها كيفية تنظيم الأسرّة ." أضاف بعد خروج عمه :" أقصد على طريقة قوات سلاح الجو."
أخذت سامنثا تقول في قرارة نفسها . أن يقوم بتحضير الفطور شيء ؛ وأن يقوم بتنظيم الأسرّة شيء آخر . نظرت سامنثا إليه ." ليس عليك أن ..."
قاطعها :" هذا ما تعتقدينه . ألم تسمعي من كبار السن قولهم إنه عندما يبدأ المطر بالنزول يتدفق السيل بغزارة ؟"
حضرت آندا اليوم وكانت متعبة ، فأعدتها إلى البيت .
فغادرت والدموع في عينيها ." نظرت إليه سامنثا متعجبة .
فسارع بالقول :" لقد أصيبت بالإنفلونزا . وكانت مصرة على عدمتركك وحدك . لكني أقنعتها ... ان آخر ما تحتاجينه اليوم هو مرضى في الفندق. إذاً ، لو أنك مرضت فلن نتمكن من زيارة لوسي."
أبعدت سامنثا الطبق من أمامها ، وتناولت الكوب ." إن آندا المسكينة ، ستعتقد أنها تخلت عني في وقت حرج . سأتصل بها لاحقاً. لكن أخبرني ما هو الأسلوب المتبع في سلاح الجو لتنظيم الأسرّة؟"
" إن ذلك يعني تنظيمها بطرقة مخجلة . لقد علمني إياها والدي ، وهي تقضي بشد الملاآت كثيراً لدرجة أنه إذا رميت بربع دولار يرتد إليك."
فقالت سامنثا :" وما نفع ذلك ؟"
رد دوغ ." ذلك كان رأيي في بادئ الأمر . ولكن لسوء الحظ ، فإن غرفتي كان تخضع منذ كنت في الخامسة من عمري ، إلى التفتيش مرة على الأقل اسبوعياً. وكان التفتيش عادة ، صباح السبت ."
قامت سامنثا عن الطاولة ومعها الأطباق واتجهت نحو المطبخ ." لا أعرف الكثير عن عائلتك ، كل ما أعرفه هو أن والدك كان طياراً ثم ترقى وأصبح لواءً . ألا يبدو أن ذلك غريباً ؟ إني لم أقابل أهلك حتى اليوم."
تبعها دوغ إلى المطبخ وقال وهو يساعدها في وضع الأطباق في غسالة الصحون :" ألم تخبرك لوسي ؟ انك ستتمكنين من ذلك قريباً . فوالدي يقوم بجولة على مجموعة من القواعد الحربية في الغرب ، ومن بينها العديد من المرافق في كولورادو سبرينغر." ثم تبعها إلى غرفة الطعام ثانية " ستحضر والدتي إلى هنا لتقابله . سيستأجران سيارة ويحضران إلى هنا لقضاء بضعة أيام ."
تجمدت سامنثا وتوقفت عن رفع غطاء الطاولة ونظرت إلى دوغ بدهشة ." ليس لدي حجز باسمهم ، والأوتيل محجوز تماماً لعدة أسابيع مقدماً."
ابتسم دوغ ." لا تجزعي . سيمكثون معي في غرفتي ، كما أن لوسي اقترحت أن يتناولوا الفطور هنا . آمل أن تقدري أن خدمتي للطاولات ستحطم معنوياتي كثيراً ... أمام والديّ اللذين طالما اعتقدا أنني لن أفلح في شيء إذا لم أدخل الجيش ."
رفعت سامنثا رأسها ونظرت إليه ، والقلق بادٍ على وجهها ." يمكنك أن لا تقوم بذلك . لقد أخبرني آيك أنك وعمك كنتما الشخصين التافهين الوحيدين في العائلة ."
" لقد تخلصت من هذا اللقب ." وقلد والده بما يقوله بسخرية ." ولدي ، أشهر مصور ، تعرفين ." ثم مد يده ليمسك بيدها قائلاً :" عيا بنا الآن إلى الأسرّة غير المنظمة ."
" وماذا عن عملك في التصوير في المحلات ؟"
قاطعها قائلاً :" أعمل فيها في عطلة نهاية الاسبوع طوال هذا الشهر . لا تهتمي لذلك ، يا صغيرتي . سألازمك طوال الوقت ، لن أبتعد عنك أبداً."
ردت عليه بسخرية ." إذاً ستكون مضجراً كعادتك ." الانطباع الذي أعطاها لها دوغ عن طفولته كوّن لديها صورة واضحة عن طفولته البسيطة والمثيرة للشفقة التي عاشها . لكنها كانت تدرك أنه سينزعج لو شعر بأي أثر للشفقة في صوتها . تم تنظيم الأسرّة بشكل جيد كما وعد دوغ . وفي اليومين التاليين تم التوزيع الأعمال في المنزل كالآتي . يساعد دوغ سامنثا في تحضير الفطور ، يقوم بعدها بتنظيم الأسرّة قبل أن يذهب إلى الاستديو . لويس تكنس الأرض تمسح الغبار . وسامنثا تنظف الحمامات.
" لست متأكدة ان كان على الرئيس وحده أن ينظف الحمامات ." وقالت وهي تنظر إلى يديها المشققتين والمحمرتين من أثر النار التي تشعل في الموقدة .
" إنه لشيء مخجل أن القفازات المطاطية لم يتم اختراعها بعد ." قال دوغ وهو مستغرق في التفكير بأحجية الكلمات المتقاطعة الموجودة على الطاولة أمامه ." على فكرة . لم أشاهد صديقك العزيز مؤخراً."
" في حال أنك نسيت فإني أذكرك أني مشغولة جداً هذه الأيام . وآندي يدرك تماماً أني غير مستعدة لتحمل عواطفه ."
" إنه عمل جيد لكي يدرك باولو ." قالها بإزدراء ." إنه فارس أحلام رائع . لابد أن أدراكه يجب أن يعزز بصدفة سعيدة ليجد له رفيقة تنتظره وتحل مكانك."
" لطالما اعتقدت أنه يعجبك ." قالت بصوت مدهوش .
" أنا حقاً معجب به . إنه ولد مرح . لكنه مختلف تماماً عن الأولاد فهو لا يتمتع بروح المسؤولية ، وأناني . هل حاول مرة واحدة تخفيف سرعته ليحافظ على علاقتكما ؟"
ردت عليه سامنثا ، وهي تحاول نزع القطعة التي كان يضعها في غير مكانها المناسب ." إنك قاس عليه في حكمك . إنك الوحيد الذي يغضب عندما أذهب معه للتزلج . لقد اعتقدت أن توقفي عن مقابلته سيفرحك."
" منذ متى تهتمين بما أريده ؟ لقد كان ذلك قبل أن تنهكي نفسك في العمل في المنزل . وفي أوقات الفراغ تذهبين إلى المستشفى وهذا يعني أنك بحاجة إلى الراحة."
ضحكت سامنثا ." ارتاح مع آندي ؟ إنه انسان يصعب الشعور معه بالراحة . سأتركه بين يدي بيرسي الأمينة . إني متأكدة من أنها قادرة على إسعاده أكثر مني."
أخذ دوغ ينقر قطعة من الأحجية على الطاولة وهو ينصت لما تقول ثم تنهد ." آه . ماذا أسمع هنا؟هل هذا يدل على الغيرة والكبرياء؟"
" لاتكن غبياً . أخبرتك أني وآندي مجرد صديقين وعلى كل حال لست من النوع الغيور."
" هه؟"
قاطعته قائلة :" ماذا تقصد؟"
" لاشيء . لكني كنت أقصد الذي رمى بطبق الزبدة على ثوب الفتاة التي أحضرها معه دافيد ذات يوم من الجامعة ."
" لقد كانت غير مقصودة ." احتجت سامنثا . رأت الشك في عينيه فأضافت :" كنت أشير إلى شق تنورتها . لم تكن غيرة أبداً . صدقني . لكني لم أشأ أن يصاحب أخي فتاة خليعة . هذا كل مافي الأمر ."
" أو حتى أي امرأة ."
" حدث ذلك منذ سنوات . وأنا لاأحاول إفساد علاقته مع ليندا ."
" لم تعرفي بها إلا بعد فوات الأوان . وليس في استطاعتك عمل شيء."
حدقت به ." ما أزال مصرة على رأيي . لم أقم بأي شيء يفسد العلاقة وفي استطاعتي إثبات ذلك . أنظر إلى ماأفعله كي أضمن أن لايأتي أحد ويفسد العلاقة."
" يجب عليك أن تكوني لاعبة ملاكمة . لديك لكمة قوية ."
فقالت له :" أنت الذي بدأت ."
سمعا فجأة صوتاًَ يقول :" علام تتعاركان الآن ؟" كان آيك كلايبورن واقفاً عند الباب ينظر إليهما.
فأجابت سامنثا :"لا إننا لا نتعارك."
طأطأ دوغ رأسه موافقاً ." إن هذه الأشياء تحصل دائماً مع سامنثا . أما العراك الحقيقي فيكون عندما ترميك بقطعة من الأفوكادو الناضجة جداً. بدون أي سبب."
" دون سبب! هل هناك سبب أكبر من أن تجرؤ على منعي من الذهاب للمخيم معكما ، لأنه ليس من اللائق وجودي مع شابين ، وفي نفس الوقت دعوتما فتاتين شقراوين معكما . إضافة إلى أن والدتي أجبرتني على تنظيف المكان بعدكم. كما أنها أجبرتني على طلي الحائط . مع أنها كانت غلطتكما."
التفت دوغ إلى عمه ." غلطتي ؟ انها ما تزال غاضبة مني لأني اختفيت ذلك اليوم."
ابتسم آيك ." جميل أنكما لاتفكران بالزواج لأني أستطيع تصور كيف يمكن أن يكون أولادكما."
أجابت سامنثا على الفور :" إنك على حق . سيكونون شديدي المعارضة مثل دوغ وقصار القامة مثلي."
صرخ دوغ باستهزاء :" أي طفل تلدينه لن يجرؤ على مخالفتك خوفاً من أن تعيديه إلى مكانه."
" هل تتهمني بأني أفتقد للحنان ؟ ولكن كن على ثقة من أني حتى لو أنجبت دوغلاس كلايبورن صغيراً فإني سأحبه ..."
قاطعها دوغ :" حب وحنان مفرط وغيور وتملك يخنق الطفل لدرجة أنه سيطلب منك تركه وشأنه . تماماً كما فعلت مع دافيد."
تنهد آيك وقال :" هذا الحوار يجبرني على التدخل ."
التفتت إليه سامنثا ." ليست غلطتك أن يكون ابن شقيقك جافاً ودكتاتورياً ويصدر أحكاماً عشوائية في حق الناس و ... منهزم مثير للأعصاب."
فقال دوغ :" بينما أنت لا تتوانين عن رفس أي شخص عندما تشعرين أنه حزين."
التفتت إلى دوغ وقد بدا وجهه خالياً من التعابير لكن عينيه تشتعلان غضباً أدركت سامنثا مايجول في خاطره.
فأسرعت قائلة :" لم أقصد ذلك أبداً . كنت فقط أريد أن أبين لك أنك لاتحتمل أبداً أن أكون أفضل منك . أنا التي تعتبرها مجرد أنثى . والآن دع قصة الأفوكادو جانباً . إني أراهن أن أحد أولادي سيقذف أحد أولادك ذات يوم ، ما رأيك؟"
" ربما أنت على حق . لكني سأعلم أولادي أن يتفوقوا على أولادك في طي الفوط وترتيب الأسرّة." ثم توجه بعد ذلك إلى المدفأة لابعاد الجمرات غير المشتعلة .
" تناس أمر الأطفال . إبق بعيداً عن المكان غداً. وسنرى إذا كان أحد سيتذمر عندما أنظم الأسرّة."
" حسناً."
" إن ذلك أمر سهل جداً." قالتها بصوت فيه شك.
ابتسم دوغ وحياها وقال :" يوم السبت غداً لدي درس في تصوير الطبيعة . لكن لا تهتمي لذلك . سأكون هنا وأساعدك في إعداد الفطور ثم أرحل."
انتظرها آيك حتى أطفأت الأنوار وصعدا معاً . ليقول بعد تفكير :" أتعلمين أنني ، قبل الآن ، كان لدي تفكير خاطئ ، أما الآن فإني متأكد أنكما ستنجبان أولاداً أقوياء ، شرفاء، قادرين على إسعادكما."
وقفا أمام باب غرفة آيك . ربتت على كتفه ." ألا تراني ودوغ لا نتفق على أمر بسيط تافه ، أقل تفاهة من تربية الأطفال؟"
نزلت سامنثا الدرج صباح اليوم التالي والتعب بادٍ عليها . كانت ليلتها قاسية . لم تستطع النوم بسبب الأحلام الكثيرة بالأطفال منها ومن دوغ . لديهم نفس شعرها الجعد . دخل آندي فجأة . حيته وقالت له :" لابد أنك استيقظت باكراً جداً هذا الصباح."
فقال لها :" حضرت لكي أودعك."
أمسكت "بالدرابزين " وردت عليه ." تودعني ، هل أنت راحل؟"
طأطأ آندي وقال:" أجل . إن التزلج هنا رائع . لكني لم آت لذلك . كنت آمل أن تزيدك فترة غيابي شغفاً بي."
" إني فعلاً مولعة بك ."
" بما فيه الكفاية حتى تتزوجيني؟"
هزت رأسها . " مولعة بك نعم . لكن لست مغرمة بك . كنت دائماً بمثابة صديق عزيز ."http://www.liilas.com/vb3
أدخل يده في جيب سترته ." ماذا إذا عدت وعملت في شركة أخي؟"
بقيت سامنثا صامتة . فقال :" لا تبالي . أستطيع أن أعرف الجواب من وجهك . مع كل هذا إنك لم تحبيني."
كررت سامنثا الكلمات نفسها . " أنا آسفة . كنت دائماً أبحث عن الإستقرار مع الأفضل . لذلك فإنك تستحق زوجة مغرمة بك."
أخذ يدها وقبلها بحزن . ثم رفع رأسه ونظر إليها والإستسلام جلي عليه ." إلى اللقاء ، يا عزيزتي . تذكريني ، وإذا ما كنت يوماً تتزلجين على أحد منحدرات أوروبا ورأيت رجلاً مسناً يتزلج فنادني فقد أكون أنا."
تمتمت سامنثا ." سأقوم بذلك . أتمنى لك حظاً موفقاً ، يا صديقي العزيز . يا أفضل متزلج يمكن أن تحلم به فتاة ."
وسكتت سامنثا بينما أغلق آندي الباب وراءه.
أتى صوت دوغ يطرد الصمت الرهيب في الغرفة ." لست من الناس الذين يتطفلون في المواقف المؤثرة . لكني أعتقد أن تحضير طعام الفطور يبدأ من السابعة ." كان دوغ يتكئ على مقبض الباب الذي يفصل بين الردهة وغرفة الطعام .
وأضاف :" حسب رأي آيك إنك قد ودعت الآن ثروة طائلة ."
ردت بسخرية ." أشكرك على تنويهك . ربما إذا أسرعت الآن قد يكون في إمكاني اللحاق به . ولكنني لست من الذين يجرون وراء المال."
" يصعب عليّ تصورك مغرمة ."
" بالأمس كنت تقول إن حبي من نوع التملك ... هذا إلى بقية الأشياء التي ذكرتها ."
" إن هذا ليس حباً . الحب الصادق يعطي الأولوية للحبيب . كما أنه يعطيه الحرية في كل شيء. أردت دائماً أن تربطي عائلتك إليك من أجلهم ولأجل أغراضك الشخصية ."
جرحت هذه الكلمات القاسية مشاعرها وأغضبتها وجعلتها تجيب على الفور ." من المؤكد أنك خبير في السماح لحبيبتك بـ ..." نظرت إليه وابتسمت بعذوبة وأضافت :" ... في السماح لها بتركك." وتمنت لو أنها لم تنطق بهذه الكلمات . وتساءلت في نفسها ، لماذا تسمح لدوغ بالتدخل دائماً شؤونها الخاصة ؟"
دفع دوغ باب المطبخ وأشار لها لتدخل قبله ." لقد نسيت كم أنت حساسة تجاه أي نقد بناء مهماً كان بسيطاً."
توقفت سامنثا عند الباب . حملقت به غاضبة ." نقد بناء ؟ إني أعتقد أن كلامك هو وصف عشوائي ."
" لم أسألك رأيك." دفعها إلى المطبخ . وأغلق الباب . كانت ماري تقف عند الموقد . نظرت إليهما وهزت رأسها قائلة :" لقد ذكرتماني بكما عندما كنتما تتناقشان في الماضي . لم أكن أحس بهدوء السنتين الماضيتين ، اللتين أمضيتهما في سويسرا ، حتى سمعت صوتكما اليوم . لكني سعيدة بعودتك . أراد أهلك القيام بما تريدين . لكنهم من المؤكد انهم افتقدوك."
قاطعها دوغ ." على الأخص أنا ." تناول بعض زجاجات العصير وأضاف :" المشجارة مع سامنثا كل صباح توازي جري عشرة أميال ." واختفى في غرفة الطعام.
حدقت إليه سامنثا وكأنها لاتصدق ما يقوله . دوغ لم يهاجمها بكلمة واحدة على الرغم من إثارتها لموضوع حبه التعيس . ربما كان عذابه قد بدأ يزول ؟ أخذت تراقبه خلسة وهي تقدم الفطور بينما يقوم بتقديم التحية للضيوف ويأخذ طلباتهم . إنه ليس من النوع الذي يعرض عواطفه بشكل علني . كان يبدو سعيداً على غير عادته منذ زفاف دافيد . وكان النزلاء معجبون به وهو يقوم بدور الخادم على أحسن وجه.
بعد ذلك بدأت سامنثا تفكر بأنها تدين له بالكثير بسبب مساعداته المتتالية منذ إصابة والدتها بالنوبة القلبية . لم تحس بذلك من قبل ، حيث أنها اعتادت على رؤيته في المنزل ، وعلى اعتباره فرداً من أفراد العائلة ، ويتبع تعاليم الأسرّة كأي فرد منها . لابد أن مساعدته تؤثر سلبياً على حياته الخاصة .
ثم ، وبدون أن تفكر وضعت يدها على ذراعه عند دخوله المطبخ ." أريد شكرك على ما فعلته لأجلنا . وأقدر لك ذلك ."
احتفظي برأيك لحين تسلمك فاتورة الحساب مني !"
" إني جادة فيما أقول . لم يكن عليك القيام بأي عمل . أعلم أنك تقوم به من أجل والدتي . لكني أعتقد أنها لم تكن تنتظر منك أن تزعج حياتك الخاصة طوال فترة وجودها في المستشفى ."
" اللعنة عليك . ستفهمين يوماً أن ... " رفع يدها عن ذراعه . تناول بعض الأطباق من ماري وخرج ببطء من الغرفة .
نادت سامنثا ماري وسألتها :" ماذا فعلت؟"
نظرت إليها ماري غير مصدقة ما تسمعه ." هل فوجئت أمس عندما جهزت ليندا العشاء لك ؟ أو عندما بقيت هي ودافيد مكانك في الوقت الذي كنت تزورين فيه والدتك هل تعجبت من تنظيمهما للطاولات وتحضيرهما الفطور ؟"
" لكن دافيد شقيقي وليندا زوجته."
قالت لها ماري :" وماهو دوغ بالنسبة لك ؟ هل هو مجرد غريب عابر؟"
أحست سامنثا بالذنب . عاد دوغ إلى المطبخ . فقالت له ثانية :" لم أقصد جرح مشاعرك ولم أقصد أنك لست فرداً من أفراد العائلة ."
" بالطبع لا. أنت مذهولة فقط . إذ كيف يقوم شخص مثلي بتقديم المساعدة للذين يحبهم خاصة وأنهم يمرون في أزمة ."
تابعت مدافعة عن نفسها :" كلا . إن الأمر ليس كذلك . أردت شكرك فقط على مساعدتي."
" إني لا أريد هذا الشكر ."
" حسناً إني أقدمه ولايمكنك أن ترفضه."
نظر دوغ إليها ببرود ، أبعدها عن طريقه وتوجه إلى غرفة الطعام.
رفضت سامنثا تقديم المزيد من الاعتذار . لم يكن خطأها ان لم يسمح لها بتوضيح هدفها. من الطبيعي أن دوغ ليس فرداً من العائلة ولابد أن تشعر نحوه بالإمتنان . نظرت إلى آيك الذي كان يبعد الكعكة من أمامه ." إن ابن أخيك عنيد مثل البغل ، وأحمق مثل ... الخنزير ."
وضع آيك بعض العصير فوق طعامه ." هذا هو دوغ . حاسم ، وفيّ ، قوي ، عنيد ..."
حاولت سامنثا عدم التعبير عن استيائها فأجبرت نفسها على الضحك . لكنها سرعان مالوت شفتيها بإستياء .
" الجميع دائماً يدافعون عن دوغ ."
رمقها آيك بعينين تشعان سروراً ." ربما نأسف نأسف من أجله . ألست من يصر على أنك قادرة على هزيمته ويداك خلف ظهرك؟"
" يد واحدة تكفي ." قبّلته على رأسه . وأضافت :" أشكرك على تذكري بأني أستطيع تدبر ذلك . لابد أني متعبة هذا الصباح حتى سمحت لدوغ بالنيل مني."
عندما عاد دوغ إلى المطبخ قال :" منذ متى أصبحت معانقة الزبائن جزءاً من الخدمة في الفندق؟"
" وما دخلك في ذلك ؟"
" آيك عمي . هل اتضح لك أنه صفقة أكثر ربحاً من آندي ؟"
صوته البارد كان صفعة قوية على وجه سامنثا .
أحست بالغضب يثور في داخلها وبوجهها يتورد . قالت :" ماهذا الكلام السيئ الذي تقوله!"
" اثبتي لي أني مخطئ ."
" لِمَ علي القيام بذلك؟ كلما فكرت في الموضوع ، بدت لي الفكرة جيدة أكثر . وكما قلت منذ قليل ، لقد تخليت عن ثروة طائلة ، فمن الغباء ، إذن ، أن أتخلى عن ثروة أخرى ."
أمسك يدها بقوة ." هيا سامنثا . كلانا يعلم أنه مهما كانت صفاتنا الأخرى ، فنحن أناس جشعون ."
قطبت سامنثا حاجبيها " أعتقد أن من حقي معرفة صفاتي الأخرى . لكن لابأس . انسَ الأمر . ليست لدي النية في تصفح كتاب أخطائي . لقد مللت من سماعك تنتقدني مع كل نفس تتنفسه ." سحبت يدها من بين يديه ." منذ حضرت إلى هنا وأنت تقف عقبة في طريقي . لقد سئمتك وسئمت مشاكلك التافهة ، وسلوكك التافه ... وتفاهتك أنت . أتمنى لو ترحل ولا تعود ثانية ." ثم خرجت من المطبخ .
نفّذ دوغ كلامها ... ففي صباح اليوم التالي ، يوم الأحد ، قامت سامنثا بتقديم الفطور وحدها واعتذرت من النزلاء عن غياب دوغ ، وقالت في سرها ، لابد أنه مشغول في أعمال التصوير في نهاية الأسبوع . وفي صباح اليوم التالي أخذت تتلافى الإحراج وتتصور الأماكن المحتملة لوجوده.
في المطبخ ، أوقفت ماري تعليقاتها حول الموضوع ، لكن نظراتها كانت تعبر عن تفكيرها . وصباح اليوم التالي . لم يكن دوغ قد عاد ، بقيت ماري صامتة طوال الوقت . بعد فترة رفعت رأسها عن طبق البسكويت الذي تطحنه . نظرت إلى سامنثا ." آمل أن يكون الآن جالساً لتناول فطوره."
تركت كلمات ماري أثراً في نفس سامنثا عن حالة دوغ ، وكأنه يحبس نفسه في شقته وهو يتضور جوعاً. فقالتمدافعة :" إنه رجل ناضج ولابد أنه قادر على تناول علبة من الحبوب."
" حبوب باردة ! وهل تعتبرين هذا فطوراً جيداً."
أجابتها بسرعة :" بالطبع .لا . أردت أن أقول فقط ... أوه بالله عليك ، ياماري . إنك تعرفين أنه يجلس الآن في شقته متجهماً متضايقاً. إنه أعند إنسان قابلته في حياتي."
التفتت ماري إليها وقالت :" إذا تكلمنا عن العناد فإن دوغ ليس الشخص العنيد الوحيد هنا."
" إذا كنت تلمحين إليَّ ، فأنالست في حاجة لذلك . أستطيع تحضير الفطور وحدي . ومع عودة آندا في إمكاننا ولويس تدبر أمر التنظيف بشكل جيد ." لكن أسف سامنثا الوحيد كان أنه لم يفتقد أحد ترتيب للأسرّة وعلى الأقل لم يشتك أحد منه.
كانت سعيدة
لابتعاد دوغ عنها أخيراً . من المؤكد انها لم تشتق إليه . من الطبيعي أن تكون وحيدة . فهي مجبرة على البقاء في المنزل بعيداً عن كل النشاطات الاجتماعية بسبب مرض والدتها . وآندي غادر المكان . صحيح أ دافيد
وليندا يأتيان لزيارتهما كل يوم ، ولكنهما مشغولان تماماً لدرجة أن من يجلس معهما يشعر بالوحدة أكثر من جلوسه وحيداً . على الأقل كانت سامنثا تتحاشى إيضاح سبب عدم وجود دوغ في الفندق.
كانت سامنثا تخشى أن تحوّل والدتها بعد كل هذا ، إلى مناقشة أمر آخر . لم يكن لديها أدنى فكرة عما قد يكون قاله دوغ لوالدتها . كانت تحس أن طريقها إلى المستشفى قد أصبح أطول من دون مشاداتها الكلامية مع دوغ التي كانت تساعدها على قتل الوقت . كما كان الشجارمعه يساعدها على التخلص من التوتر الذي تسببه لها إدارة الفندق ،والقلق بشأن حالة والدتها.
بعد ظهر الثلاثاء ، أحست سامنثا أن الوضع قد زاد عن طبيعته . فما جدوى عدائها لشخص لا تستطيع رؤية وجهه.
فقررت أن تذهب إلى شقته . وسوف تخبره أنه يكفيه عناداً وتشبثاً برأيه . عندما وصلت إلى الشقة تجمدت أمام الباب ثم استجمعت قواها ، وأخذت تقول في نفسها ، إذا كان دوغ رجلاً فلا بد له من الاعتراف بالفوضى التي يسببها. بعد ذلك لن تكلمه وبإمكانه تناول الحبوب الباردة . وماشأنها في ذلك؟ فتح دوغ الباب ، فبادرته بالقول :" إن ماري خائفة عليك، وتعتقد أنك تتضور جوعاً ، وإذا اعتذرت لي فإني سأعتذر منك ."
بقي دوغ صامتاً بعض الوقت ثم قال :" وإذا رفضت؟"
وأخذ يحدق في وجهها.
أحست بقلبها يقف عن الخفقان من رهبة الموقف . لكن سرعان ما أنقذها سخطها منه . لقد أذلت نفسها بالحضور إليه وكان عليه تقدير هذه التضحية . فصاحت في وجهه:" إنك أحقر إنسان رأيته في حياتي ."
" يالهذا الاعتذار الملعون ." فتح الباب بكامله وسحبها إلى الداخل.
" لم أقصد الاعتذار لك ." تكلمت وأسنانها مطبقة من الغضب . وأضفت :" لم أكن أود الاعتذار لك لو لم ... آه ..."
تغيرت نبرة صوتها ، عندما لاحظت أنهما ليسا بمفردهما .
كان في الغرفة رجل طويل القامة ، نحيل ويرتدي ثياباً عسكرية . إنه يشبه دوغ تماماً . تساءلت عن نوع العلاقة بينه وبين دوغ . لابد أنه والد دوغ فقد كان لهما نفس الشعر الكستنائي لولا أن الشيب قد بدأ يزحف إلى موديه لكن عينيه كانتا مختلفتين . كانت عينا دوغ تشبهان عيني والدته . هذا ما استنتجته سامنثا عندما قدمها دوغ إليهما . كانت والدته سيدة أنيقة جداً ، تعتني بنفسها . لاحظت سامنثا ذلك عليها على الرغم من أنها كانت جالسة . نظرت سامنثا إلى نفسها . أحست أنها تبدو رثة الثياب في الجينز والقميص القطني ، وشفتاها دون أحمر شفاه. أرجعت سامنثا شعرها
المشعث إلى الخلف ." أنا آسفة . لم أقصد التطفل . لكني لم أكن أعلم بوصول والديك."
نظر دوغ إلى والديه مبتسماً ." إنكما من يستحق الاعتذار . إن سامنثا تعتقد أن لها الحق بالتدخل في حياتي متى شاءت."
جرح تعليقه الساخر مشاعرها ، ولكنها لم تشأ تحقيق مراده خاصة أما والديه . ليس أمام شخصين يبدوان رائعين وهادئين ، وكأنه لم يثر غضبهما شيء في حياتهما .
كان حاجبا والدته مرسومين بدقة كبيرة . يرتفعان بلباقة غعند استنكارها لأي تلميح عن الحب . دفع دوغ سامنثا إلى كرسي قريب ، وجدته ملجأ تختفي في أعماقه . راجية أن ينسَ الجميع وجودها . ثم يكون في إمكانها المغادرة بعد دقائق دون أن يشعر أحد بعدم لباقتها.
سرحت سامنثا في أفكارها . كان النقاش يدور حولها دون أن تدرك عما كانوا يتكلمون. كانت تستمع بغضب واستنكار إلى حديثهم . كانوا يتفاخرون بأقارب دوغ الذين لم يخالفوا تقاليد العائلة . كانوا يهدفون إلى إظهار الفرق بين العمل العسكري اللامع وبين الطريق الذي اختاره دوغ .
بدأت تتساءل في نفسها ، كيف في إمكانهم التغاضي عن ميزات ولدهم . نظرت سامنثا إليه تتفحصه وتدقق فيه . لا يمكن لأحد تصور كم كان يؤلمه كلام والديه . وبدا فخوراً بالدفاع عن نفسه . بدأت تغير جلستها فلم تكن فخورة بنفسها . قال الجنرال كلايبورن بصوت قوي :" ابن عمك مال أصبح رائداً الآن."
" كان دائماً يحسن استعمال السلاح . لابد أنه أصغر رائد في دفعته . ألا تعتقد ذلك؟"
طأطأ الوالد رأسه ." إن والده سيفخر بذلك كثيراً . وهل أخبرتك والدتك عن ميتش؟ إنه ينوي دخول البنتاغون."
فسألتهم سامنثا :" هل رأيتم الصور التي التقطها دوغ ، والمقال الذي كتبه حول طائر الغطاس ، والذي نشر في إحدى المجلات الخاصة بالطيور ؟"
التفتت السيدة كلايبورن إاليها وقالت :" أجل لقد قرأناه إنه يذكرني بــ ..." التفتت نحو دوغ وتابعت :" ... إنه يذكرني بآرني ، الذي طلب مني إخبارك أن هناك الكثير من الطيور في فلوريدا ، وهناك الكثير من المناطق الطبيعية والحياة البرية . لكنه سيغادر ميديلي للمشاركة في القتال ، إنه يعمل الآن في الشرطة ."
ضحك دوغ ." إن آرني يعتبر الحياة البرية مجرد فتاة شقراء ترتدي ثوب السباحة ." ضحك والده ، وقال :" هل عرفت أن براد سيلحق بطائرة تزود
بالوقود ؟ لقد أخبرني شقيقي بيلي انه هلع عندما رآه يملأ خزان إحدى الطائرات بالوقود . وازداد خوفه أكثر عندما علم أن شقيقه براد هو من كان يقود الطائرة الأخرى . ألا تذكر كيف كان براد وآرني يحيكان المكائد لبعضهما البعض طوال حياتهما ؟"
نظرت سامنثا إلى والد دوغ ." لقد تأثرت والدتي بمقال دوغ عن الحياة البرية . هل ألقيت نظرة عليه؟"
نظر الوالد إليها بحيرة ." نعم لقد رأيته."
قالت السيدة كلايبورن :" يعتقد ستيل أن مهمته المقبلة ستكون في أكاديمية الطيران التابعة لولاية كولورادو . وهو يعتمد عليك في تعليمه التزلج في السنة المقبلة ."
ردت سامنثا :" بالطبع سيقوم بذلك . إنه سيتخلى عن أي شيء عنما يطلب منه ستيل ذلك ." ثم أضافت بخبث :" إن دوغ يلتقط صوراً تافهة وحسب ، إذا ما قورنت بما يعمله أقرباؤه."
تلعثم دوغ في كلامه عندما شاهد الدهشة في عيون والديه . أخذ نفساً عميقاً والتفت إلى سامنثا قائلاً:" سامنثا! إن والدي قد علما بأخباري للتو . وهما يحاولان الآن تزويدي بأخبار العائلة."
تجاهلته سامنثا كلياً ، وتابعت حديثها لوالديه قائلة :" يجب أن تفخرا بأن ولدكما يقوم بعمل يفيد العالم بأسره . إن صوره تجعل الناس يقدرون الخليقة من حولهم ، وتعلمهم الاهتمام بالكون . إن العالم بحاجة إلى أناس مثل دوغ ، وليس بحاجة إلى طيارين ولا قواد يقودون الآليات في الجيش."
خيم الصمت والذهول على الغرفة . وبدأ والد دوغ الحديث :" آنستي ، لاأعلم من أين أتيت بهذه الفكرة غير الصحيحة عني وعن ساندي . إننا نفتخر بولدنا دوغ . إن ذلك بعيد كلياً عن الحقيقة ."
همس دوغ لسامنثا والاستغراب بادٍ على وجهه ." لو لم أكن أعرفك لاعتقدت أنك تحاولين حمايتي من والدي."
فردت سامنثا :" أنني أكره التفاهات."
أحمر وجه السيد كلايبورن غضباً ." تفاهات ؟ هل تتهمينني بــ ..." وضعت زوجته يدها على ذراعه قائلة :" إهداأ ، يا بات . إني متأكدة أن هناك تبرير منطقي لهذا التصرف ... أو لسوء الفهم ."
رفعت سامنثا رأسها وهي مستعدة للتفسير ، لكن دوغ وضع يده على فمها وقال :" هدئي من روعك ." وتابع حديثه ساخراً ." اللوم يقع على آيك . أنت تعلم ، يا أبي ، إنه يحب أن يخبر الجميع أننا التافهان الوحيدان في
العائلة . فلا بد أن سامنثا حملت كلامه محمل الجد ووكلت نفسها للدفاع عني ." سيطر الصمت على الغرفة .
أبعدت سامنثا يده عن فمها . وقالت :" وماذا تقول في تنظيم الأسرّة ؟ والتفتيش الصباحي على الغرف؟"
سألها دوغ :" هل تريدين إقناعي أن لوسي لم تجبرك قط على تنظيف غرفتك؟"
أحمر وجه سامنثا خجلاً وقالت مدافعة عن نفسها :" لم أجبر يوماً على تنظيم الملاآت بطريقة محددة ."
قهقه الجنرال كلايبورن ." ألا تزالين تقومين بذلك ؟" حدقت السيدة كلايبورن بسامنثا قائلة :" لابد أنك كنت تعتقدين أننا وحوش بشرية . أنا لاأعتقد أني كنت والدة كاملة لدوغ . إنه كان دائماً مكتفياً ذاتياً حتى أني كنت أتركه يختار طريقه في الحياة . لم يكن لديه الوقت لخبز الحلويات أو التنزه مع رفاقه عبر الحقول." وأضافت بصوت منخفض :" أنا أعرف أن والدتك تختلف عني كثيراً."
انتقل دوغ إلى كرسي والدته وجلس على طرفه واضعاً ذراعه حول كتفيها :" لوسي هي لوسي ، وأنت أنت . ولو كان لي الخيار لما اخترت أحداً آخر."
ابتلعت سامنثا ريقها وقالت :" لقد كنت غبية ، أليس كذلك ؟" أخذت السيدة كلايبورن تحدق بسامنثا ودوغ ، ثم بدأ الجو بعدها يهدأ . وحركت رأسها قائلة :" كلا ." وعلت وجهها ابتسامة غمرت سامنثا . وأضافت :" إن حماية الأشخاص الذين نحبهم لا يعتبر عملاً غبياً."
الفصل الثامن
نظرت سامنتا إلى والدة دوغ بذعر. إنها تعتقد أنها مغرمة بابنها." أنا لا ...أنا لا أقصد..." التفتت إلى دوغ طالبة منه المساعدة.
نظر إليها دوغ ساخراً وقال لوالدته موضحاً." إن سامنثا قد تبذل مافي وسعها لحماية أي فرد من أفراد العائلة. وقدأخبرتني ذات يوم أنني كفرد من العائلة, مما جعلها تعتقد أن لديها الحق في انتقادي ومضايقتي وهذا العمل هو حكر عليها."
لم تستطع سامنثا البقاء بعد سخرية دوغ اللاذعة, فاعتذرت لوالديه وغادرت الغرفة . أخذت تسأل نفسها عن سبب دفاعها عن دوغ بهذه الطريقة.لابد ان والدته كونت عنها فكرة خاطئة. ووالده ينظر إليها كامرأة تختلف عن النساء . أما دوغ فلابد أنه... وفجأة صاح أحد الطيور مما شتت أفكارها . لكنها عادت مجدداً للتفكير. لابد أنهم يعتبرونها مجنونة. كيف تهيأ لها أن دوغ بحاجة إلى من يقود معاركه؟ إضافة إلى ذلك,إنه لن ينسى دفاعها السخيف أمام والدته, إضافة إلى إهانة والديه, أحست بالظلام يخيم على الغرفة على الرغم من أن الشمس كانت مشرقة في الخارج . ضغطت سامنثا بيديها الباردتين على وجنتيها اللتين كانتا تحترقان من الندم والأسى.من المؤكد أن تصرفها قد صدم والديه.http://www.liilas.com/vb3
"آمل أن لاتنتظري مني أن أشكرك على جعلي أبدو طفلاً صغيراً ضربه أهله وبحاجة إلى ملاك يدافع عنه."
الفتفت سامنثا فرأت دوغ واقفاً عند الباب والظلام يغطي وجهه .فردت عليه:" كنت أحاول أن أسدي لك خدمة."
كان دوغ يرتعش فسألها بصوت غاضب:" هل كنت حقاً تحاولين القيام بذلك, أم أن القديس خوان قد مر من هنا, بينما يقوم بجولته حول العالم ليكفر عن خطاياه التي اقترفتها؟"
كانت سامنثا تنظر إلى الرسائل على مكتب الاستعلامات وردت عليه :" كان ينبغي علي أن أعرف أنك لن تقدر على ذلك."
رد بقوة :"أجل .كان ينبغي عليك ذلك."
"إذاً هل لهذا جئت . حسناً . قلت ما عندك ، لدي الآن عمل أقوم به."
"سأنصرف عندما أريد. لقد حضرت الى هنا نزولاً عند رغبة والدتي التي ترغب ان تشاركينا العشاء الليلة ."
"كلا. شكرا على دعوتك." كانت سامنثا تفكر بأي حال ستواجه والديه مجدداً.
اقترب دوغ منها وامسك بكتفيها قائلا:" ساخبرهما أنك مسرورة لمشاركتنا العشاء."
حاولت الإفلات منه , لكن قبضته كانت محكمة فردت."لا أريد أن آكل معك."
"لايهمني ماتريدينه.لقد أهنت والدي بما فيه الكفاية. وإذا رفضت الدعوة فان والدتي ستعتقد انك تحتقرينها لانها لم تحسن القيام بدور الأم مع أولادها ."
كانت سامنثا تدرك في قرارة نفسها أنها مذنبة في جميع التهم التي وجهها إليها , مماجعلها تختلق اللأعذار والتبريرات غير المنطقية.فردت عليه :" قد أكون كذلك بالفعل."
أجابها غاضباً:" لا أستغرب ذلك منك. لقد كنت دائماً محدودة التفكير, جاهزة لإصدار الأحكام العشوائية ولمعاقبة الناس, استناداً لأدلة لايجدها احد غيرك."
كان وقع هذه الكلمات قوياً عليها فشحب وجهها .سألته:" في اي ساعة يجب أن أكون جاهزة ؟"
أنزل يديه عن كتفيها قائلاً:" الساعة السابعة." وتابع كلامه وهو يغادر الغرفة:" حاولي التصرف بلباقة الليلة واذا لم تقومي بذلك...." حدق بها وتابع:" ... إني أعرف الطريقة الأكيدة للسيطرة عليك."
أحست سامنثا بتورد وجنتيها .قالت له :" اذا كنت تقصد تقبيلي فانا لا أكترث لذلك .انا متأكدة أنك لاتريد أن يكون لدى والدتك مزيد من الأفكار الزائفة."
أحست بالحرارة تتصاعد في الغرفة, عندما لاحظت دوغ يراقب جسدها ببرود. بنظراته الوقحة.لكنها لم تجرؤ على التأكد من ذلك كل ماكان في استطاعتها عمله هو التحديق به بتحدٍ.
قطب دوغ حاجبيه , ثم ارتسمت ابتسامة على شفتيه قبل أن ينظر إلى وجهها قائلاً بلطف :" إن ذلك يستحق العناء."
بقيت كلماته في أذنيها ساعات طويلة .كانت تصرفاته اثناء طريقهما للعشاء بالغة الرقة,مما يوحي بأنه لم يهددها خلال النهار.احست بالغضب في داخلها .صوته كان ساحراً ومهدداً في الوقت نفسه .بدأت سامنثا بالتفكير لن أترك دوغ يعتقد أنه أخجلني."
جلست السيدة كلايبورن مع سامنثا في المقعد الخلفي وقالت:"ما أجمل هذه البلدة! إن دوغ أخبرني بأنها صغيرة,ليس فيها سوى المناجم."
ردت عليها سامنثا بإحترام :"هذا صحيح ,لقد وجدوا ذهباً في منطقة النهر الأزرق عام 1859 . وهذا الإكتشاف جذب عدداً من الباحثين عن الذهب والغنى السريع, وبذلك برزت بريكنريدج الى الضوء."
قالت السيدة كلايبورن, وهي تنظر الى المدينة :" أحب هذه الأبنية ذات الطراز الفيكتوري والتي تنتشر على طول الشارع الرئيسي."
ردت سامنثا:" وأنا أيضاً. من حسن الحظ بريكنريدج أنها كانت مستعمرة عبر العصور .لقد تحول كثيراً من القرى الى مدينة أشباح بعد نفاد المعادن وإغراق المناجم فيها. وعلى الرغم من المباني الحديثة التي شيدت داخل البلدة , فإن العديد من هده الأبنية مسجل في السجل الوطني كمراكز أثرية على أي حال,لابد أن تطلبي من دوغ أن يأخذك في جولة حول البلدة خلال النهار.فألوان الأبنية رائعة, والبضائع المعروضة في المحال التجارية مسلية جدا."
قاطعها دوغ :" إن والدتي تهتم بالقيمة التاريخية لبريكنريدج فقط."
"رد السيد كلايبورن بصوت عال:" إذا تركنا ساندي تطوف بالمحال التجارية فإن أصحابها سيعتقدون أن الذهب ظهر من جديد ."
أجابت سامنثا :"في الواقع إن بريكنريدج قد شهدت ظهوراً ثانياً للذهب عام 1860, مما أدى إلى حصول إزدهار اقتصادي استمر طيلة ذلك القرن."
تدخل دوغ في الحديث." ان بات على حق, فإقبال السياح يعتبراً كنزاً ذهبياً."
ردت سامنثا."إن ذلك واقع.لامحالة . فنذ افتتاح مركز التزلج في أوائل الستينات والمدينة تشهد نمواً متزايداً."
نظرت السيدة كلايبورن إلى الخارج فرأت مجموعة من الشبان يمرحون بحيوية في الشارع المضاء.قفالت:"ياللجو المرح الذي يدعو للاحتفال!"
تمنت سامنثا في نفسها لو كان في إمكانها استبدال مزاجها العكر بهذا المزاج المرح . كما تمنت لو أنها موجودة في مكان آخر .لكن ما لفت انتباهها هو عدم تلميح السيد والسيدة كليبورن إلى تصرفها الخاطئ معهما , أو إلى الملاحظة المروعة التي كونتها السيدة كلايبورن عنها يبدو أن دوغ صحح لها تصورها.
قادهم خادم المطعم عبر السجاد الأخضر إلى مائدتهم. دهشت سامنثا لرؤية دافيد وليندا جالسين حول مائدتهم. لكنها تذكرت على الفور الصداقة القوية بين دوغ ودافيد, فمن المؤكد ان دافيد يعرف والديَّ دوغ.
جلست سامنثا في مواجهة ليندا, وجلس آيك إلى يمينها والجنرال كلايبرون إلى يسارها. وجلس دوغ بين والده وبين ليندا في الجهة المقابلة لوالدته , وقام بدور التعارف وتقديم التحيات .كانت سامنثا تراقب دوغ وليندا , هل لقاؤهما كان مدبراً ؟ وكان نوع من التوتر واضحاً بينهما . كانا يتحاشيان التقاء نظراتهما . ثم تساءلت هل جلس دوغ بجانب ليندا فقط ليظهر اهتمامه بها . وإذا كان فعلاً مايزال مهتماً بها من أعماقه فهو لايستطيع الجلوس بعيداً عنها . أحست سامنثا أنها تنوء تحت عبء ثقيل.
اقترب الجنرال كلايبورن من سامنثا وربت على ذراعها قائلاً لها :" إليك كلمة رجل حرب له تجربة كبيرة . إياك أن تلعبي لعبة البوكر ، لأن وجهك سوف يخونك ويفضح ما في داخلك ."
فقالت له وهي تحاول العودة إلى لبقاتها :" وحتى لساني أيضاً . لقد كنت قاسية جداً اليوم معكما."
فرد عليها :" أحب الإنسان الذي يدافع عن مبادئه التي يؤمن بها . كما أن متابعة الهجوم دون تفحص خطوط المواجهة تبدو استراتيجية حربية . إن عنصر المباغتة ما يزال."
" قد أبدو غير مهذبة إذا أخبرتك أني كنت أعتقد أن دوغ ورث عناده وعدم قدرته على التسامح ، وجنونه من والده لأنك تعمل في الجيش."
ضحك السيد كلايبورن ." هل أستنتج من كلامك أنك الآن تعتقدين أن ذلك شيء غير حسن ؟"
" إن ولدك لا يتمتع أبداً بروح التفهم والتسامح المتوفرين لديك ." تهديدات دوغ كانت ما تزال ترن في أذنيها . رمقت دوغ بنظرة غاضبة وأضافت :" انه يعتقد أنه الإنسان الكامل الوحيد في الكون." عضت على شفتها السفلى وتابعت :" آه ، يا إلهي . إنني أعود إلى ذلك مجدداً ، لقد عدت للتصرف الأحمق . إن والدتي ستخجل من تصرفاتي ، في الواقع أتصرف بكل تهذيب ولباقة عند عدم وجود دوغ ." اقترب منها والد دوغ قائلاً:" سأطلعك على سر . أتعلمين لو أنك تفوهت بكلمات مهذبة كما هو مألوف في التعارف ، لخاب أملي فيك؟" لاحظ السيد كلايبورن الدهشة في عينيها فأضاف موضحاً :" إن ما أخبرنا به دوغ عنك خلال السنين الماضية ، جعلني أؤمن أنك لن تسمحي لنا بمقابلة سامنثا آردن الحقيقية ."
ومن حسن حظها أن دوغ سأل أباه سؤالاً أعفاها عن الإجابة . بإمكانها أن تعرف بسهولة ما أخبر دوغ والديه عنها . ولا عجب فالسيد كلايبورن كان يعتقد أنها تتصرف على طبيعتها . وللمرة الأولى أحست سامنثا بفائدة من
وراء مرض والدتها . إن السيدة آردن لم تكن موجودة لتشعر بالإحراج من سلوك ابنتها.
لم يوافق آيك سامنثا في رأيها ، فقال لزوجة أخيه للمرة الثانية :" أتمنى لو كانت لوسي موجودة ، لكنت سعدت بلقائها . لكن ، على كل حال يمكنك أن تذهبي غداً صباحاً لزيارتها في المستشفى ."
أومأت السيدة كلايبورن برأسها موافقة ثم سألت سامنثا عن صحة والدتها . ثم حولت الحوار إلى مناقشة عامة حول صحة السيدة آردن . كانت سامنثا تسر في كل مرة يلتفت إليها آيك طالباً رأيها للتأكيد على صفات السيدة آردن الحميدة . ثم حولت السيدة كلايبورن الحديث عن السيدة آردن . بدأت سامنثا تشعر أن آيك يرغب في إخبار زوجة أخيه أمراً ما في النهاية . ومن الواضح أن السيدة كلايبورن قد توقعت ذلك أيضاً.
" إن زيارات آيك المتكررة إلى المستشفى تحمل في طياتها شيئاً أعمق من تعاطف صديق ومساعدته في وقت وقت الأزمات . سامنثا تأمل أن يكون ذلك صحيحاً . يبدو أنه رجل عطوف . لقد فقد زوجته في حادث مأساوي . كانا يستحقان السعادة التي كان يقدمها الواحد منهما للآخر . إن سامنثا لمّحت لوالدتها بالأمر ، لكنها لم تجرؤ على سؤالها أو سؤال آيك بشكل مباشر . كما أنها لم تكن ترتاب في أي شيء ، إذ لو أنها لم تكشف تفاصيل خطط آيك لما كانت سعيدة الآن.
نظرت سامنثا إلى طرف المائدة وهي تحاول كبت ضحكتها . فوجدت دوغ يشاركها فرحتها . ما رأته كان بريقاً وهو يستمع إلى ليندا . هذا البريق كان واضحاً رغم بعد المسافة . قطعت سامنثا قطعة اللحم أمامها بقوة . ثار غضبها . كان من الواجب على ليندا أن تعرف أنها امرأة متزوجة من أعز أصدقائه . علقت قطعة اللحم في حلق سامنثا . لكن أحداً لم ينتبه . الجميع كانوا يتحادثون ويتبادلون الأنخاب ، ويستمعون إلى ألحان البيانو الرائعة.
وليندا كانت تضحك مع دوغ . أجبرت سامنثا نفسها على الابتعاد بنظرها.
كانت سامنثا جالسة أمام جدار زجاجي . حاولت النظر من خلاله إلى الخارج . كانت الأنوار مضاءة حول بركة ماغي تنعكس على الجليد حيث يوجد عدد من الناس يتزلجون . انزلق أحد الأولاد من جراء تلقيه ضربة قوية . عادت سامنثا بذاكرتها إلى يوم كانت تتزلج مع دافيد ودوغ منذ أعوام . في المكان ذاته ، حيث تركاها واصطحبا توأمين شقراوين إلى المقهى ، ماتناسيين أن عليها أن تعرض عليهما التدريبات حول الدوران والالتفات التي تدربت عليها لأسابيع ، فما كان منها إلا أن حملت حذاء التزلج على كتفها وتوجهت إلى المنزل بخطى متثاقلة . كانت تتهم دوغ
بتحريض دافيد على التخلي عنها . لكنها تدرك الآن أنها كانت غلطته كما هي غلطة دوغ . لكنها لا تستطيع أبداً أن تنزعج من دافيد . عادت سامنثا بخيالها إلى الواقع . نظرت إلى اللذين كانا يضحكان في الطرف الآخر من المائدة . كان دوغ . دوغ الذي لم يتغير .
بعد العشاء ودّع دافيد وليندا الجميع ، وعاد الباقون إلى الفندق . قدمت سامنثا دعوة للجميع لتناول القهوة . لكنهم رفضوا وردوا بأنهم متعبون . وهذا ما كانت ترغبه . فلم تكن مستعدة نفسياً لاستقبال الضيوف.
بعد أن صعد آيك إلى غرفته نظرت سامنثا إلى لويس وقالت:" أشكرك على انتظاري . إني أقدر لك ذلك."
" عفواً سيدتي . لكنها مناوبتي الليلة . فقررت مشاهدة التلفاز بعد أن أعددت الطاولات للافطار غداً. هذا كل شيء . لم يطلب أحد مني شيئاً. لكن وردت بعض المكالمات وقد سجلت الرسائل."
رافقت سامنثا السيدة العجوز إلى الباب قائلة :" شكراً لك مجدداً ، تمهلي في القيادة . لقد بدأ الثلج يتساقط." أقفلت الباب والتفتت ، فرأت دوغ يتكئ على طاولة مكتب الاستعلامات . فقالت مستغربة :" أعتقد أنك رافقت والديك إلى الشقة ؟"
" هل اعتقدت أم أملت ؟"
" إلامَ ترمي بقولك ؟"
فرد بغضب :" إخلعي القناع الذي تتسترين به ، واظهري على حقيقتك . من لايفهم ما كان يجري الليلة يمكن اعتباره نصف ميت . ما تقصد والدتي من تلك الأسئلة المتتالية حول عائلتك ؟ لو أنها تقوم بتحقيق لمكتب التفتيش لما كانت أكثر وضوحاً مما كانت عليه الليلة؟"
ردت والتعب واضح عليها :" لقد لاحظت ذلك . أخبرني لِمَ لم تخبر والديك بعد الذي حدث اليوم أننا مثل الزيت والماء لا ننسجم مع بعضنا البعض؟"
" أنا لا أتكلم عن نفسي . لقد عنيت آيك . لابد أني كنت أعمى . لكني لم أعرف ما يدور حولي حتى رأيته يجلس بجانبك يضحك كالمجنون."
تفحصت سامنثا الرسائل أمامها . معظمها كانت رسائل للإطمئنان عن صحة والدتها . كانت تبتسم عند تذكرها كيف أخفت والدتها عنها كل شيء . وقالت :" أعتقد أنه كان يبدو طريفاً . كما أن والدتك قد لمحت إلى شيء ما . أتمنى أن لا يعترض أهلك على ذلك."
رد غاضباً :" يعترضان ، بالطبع سيفعلان ." ثم تبعها إلى المطبخ ." أعتقد أن مال آيك له نوع من الجاذبية ."
ردت بعصبية :" لو سمحت لي ، يادوغ . أنا لاأحب إهانتك ، كما أن آيك رجل ظريف ومحبوب ويستحق زوجة جيدة . وإذا كنت تعتقد أن المال هو السبب الوحيد الذي ..."
قاطعها بشدة :" إنه في الثامنة والخمسين من عمره."
" والعيب في ذلك ؟"
" هل يعتقد أن زوجة شابة تعيد إليه ...إني أجد ذلك مثيراً للإشمئزاز . إن رجلاً في مثل سنه ليس له عمل سوى ..."
اعترضت قائلة :" سوى ماذا ؟ مضاجعة النساء ؟ هذا ماتريد قوله ؟ ماذا دهاك ، يا دوغ ؟" كانت لوسي تصغره بست سنوات فقط . إن الإثنين أصغر من أتن يتقاعدا من الحياة والحب وأضافت :" توفيت زوجة آيك منذ خمس سنوات . هل تتوقع أن يبقى وحيداً طوال حياته ؟ لقد ظننت أن زواجه سيسعدك ." في تلك اللحظة خطرت ببالها فكرة ماكرة ، فتابعت :" هل تتوقع أن ترثه ؟ أهذا كل ما في الأمر ؟ أليس كذلك ؟ لقد كنت طوال تلك السنين ابن أخيه المفضل لديه . ماذا دهاك ؟ هل تخاف أن أرث هذا المال في النهاية ؟" تراجعت سامنثا إلى الوراء عندما رأت الغضب يتطاير من عينيه لكنها لم تستطع السيطرة على لسانها فقالت :" إياك أن تتدخل ، فيضيع كل ما فعلته والدتي لأجلك فإنك لن تفعل أي شيء تهدم ما بينهما وأنا أنذرك بأنني ..."
" ستقومين بماذا ؟" تمتم دوغ بغضب وأمسك يدها بقوة آلمتها . غرز أصابعه في يدها .
صرخت بوجهه ." دعني أذهب ." لكن الحائط وراءها كان يمنعها من التراجع.
اقترب دوغ منها ، مرر أصابعه على وجنتيها قائلاً :" يا لتلك الألاعيب التي تبدو بريئة . منذ متى تحولت الفتاة التي كانت تلعب مثل الأولاد إلى فتاة غاوية ؟"
كانت تتنفس بصعوبة ، مما جعلها غير قادرة على الرد عليه . إنه لا ينتظر منها جواباً ولا حتى كلمة . رفعها على أطراف أصابعها وأخذ يمرر أصابعه في شعرها . لم تتجاوب معه بادئ الأمر . لكنها رضخت تحت وطأة إلحاحه المتزايد وهي تحس بالرغبة تثور في داخلها .
أدخلت أصابعه في أعلى ذراعيه ، كانت تستمتع بتحسس عضرته من فوق سترته الصوفية . لكن سرعان ما تحولت السترة إلى حاجز لا بد من التخلص منه حتى تتمكن من تمرير يدها فوق قميصه الذي كان دافئاً قادرة على سماع نبضات قلبه والإحساس بها ، إضافة إلى أن رائحة عطره كانت تزيد من إثارتها.
رفع دوغ جسده عنها . كانت شفتاها ترتعشان وكذلك جسدها كان يتعطش للمسة يديه . الصمت الذي ساد بعد ذلك كان قاتلاً . صوت تنفسها القوي كان يعكر مزاجه . كانت ترفض النظر إليه خوفاً من أن تفضحها عيناها ، وتكشف عن الرغبة التي أثارها دوغ . فجأة نظرت إلى شفتيه لترى ابتسامة غاضبة تحوي إهانة . بدأت سامنثا تهز رأسها مستنكرة كل كلمة سيتفوه بها حتى قبل أن يقولها .
وضع إبهامه تحت ذقنها ورفع رأسها مجبراً إياها على النظر إليه . كانت عيناه باردتين تبدوان رماديتين أكثر منهما زرقاوين . بدأ يتفحص وجهها . توقف عند شفتيها وقال ببرودة :" لا بد أنك واثقة جداص من سحرك ."
أغمضت عينيها . إن دوغ يكره هذه الجاذبية المصطنعة التي كانت بينهما ، كما تكرهها هي :" أتعتقد أني أريد ذلك؟ أو أني أحب ذلك ؟"
ضغط على شفتها السفلى بإبهامه ثم مرره على رقبتها ثم كتفها . أخذت نفساً عميقاً من هذه المسة التي أثارتها .
" أجل أعتقد ذلك . أأنظري ." ثم هز كتفيها . وتابع :" أنظري ."
فتحت سامنثا عينيها رأته ينظر إلى الأسفل . اتبعت نظراته فقالت :" آه . كلا ." ولكنها في الحال وجدت قميصها مفتوحاً يكشف عن ثيابها الداخلية.
لمس دوغ بيده صدرها وقال بسخرية :" ماذا لو أتى آيك الآن ورآنا في هذا الموقف ؟"
هزت رأسها في الوقت الذي كانت لمساته تلهب بشرتها . إنها غير قادرة على التفكير . إن كلماته تحمل غضباً عظيماً ، لكن قبلاته تبعث شعوراً آخر مختلفاً . إضافة إلى ذلك . فعلى الرغم من كلماته التي تتهمها كانت يداه تداعبان صدرها.
أخذت تتساءل عما إذا كان يدرك ما تفعله يداه . أخيراً همست له :" لا ، لاأعلم."
أجابها غاضباً :" أنا أعلم . سيعتقد أنك امرأة لعوب وسيرحل عن بريكنريدج ويترك هذا الفندق . لكن هذا لن يروق لك . أليس كذلك ؟ لم أكن أعتقد ذلك ." أحس بالإرتياح لما رآه في عينيها .
سألته :" هل ستخبره بذلك ؟"
في تلك اللحظة تركها وابتعد عنها مسرعاً وكأنها مرض معدٍ ، قائلاً لها :" ينبغي علي ذلك . لأن مثل هذا يضع نهاية لأي مشروع زواج . هل كان
يفكر بذلك حقاً ؟ أم كان يفتش عن عشيقة وحب ؟ هل فكرت بذلك من قبل؟"
قالت بصوت هامس وهي تقفل قميصها :" كلا . لم يكن آيك ليقوم بذلك . لماذا تكرهه إلى هذه الدرجة ؟"
أدار لها ظهره ، ووقف عند الباب ." إن مجرد التفكير بالموضوع يثير الاشمئزاز أريد أن يعتبر الأمر منهياً . أو فأني سأخبره بما حدث الآن ."
ارتمت على أقرب كرسي ." ولكن لماذا ؟"
لم يحاول فهم ما قالته . قال :" يمكنك إعطاؤه أي عذر تريدينه ." ابتسم مضيفاً :" لا يهمني كيف تحتفظين بماء وجهك . كل ما يهمني هو عدم إتمام هذا الزواج ."
" إن ذلك لا قيمة له عندي ، ولكن والدتي ..."
" سأحاول أن أجعل الأمر غير محرج لها ."
استندت سامنثا إلى طرف الطاولة محاولة الوقوف بعد أن صعقت بالحقيقة التي اكتشفتها وقالت بذهول :" هل تحب والدتي ؟"
التفت إليها ." لا يجب أن تعجبي لذلك . بالطبع أحبها . إنها بمثابة أم ثانية لي ."
" لم أقصد الحب على هذا النحو إنما قصدت حب رجل وامرأة ..." حاولت تلافى نظرته المقيته التي ارتسمت على وجهه عند سماعه تلك الكلمات . دخل الغرفة مجدداً . جذبها من يدها ، وسألها :" كيف تجرؤين على قول هذه التفاهات ؟"
تراجعت عندما اقترب وجهه من وجهها وقالت :" إذاً لابد أن هناك خطباً ما في عمك ."
دفعها بعيداً واستدار قائلاً :" الشيء الوحيد الخطأ هو نيتك السيئة ." ضاقت سامنثا ذرعاً به وأمسكت بسلة خبز فارغة ورمته بها ، وصرخت :" اللعنة عليك." واستدار دوغ متوجهاً إليها .
اختبأت خلف أقرب كرسي وأكملت قفل قميصها قائلة :" أريد أن أعرف سبب معارضتك زواج والدتي من عمك؟"
تجمد دوغ في مكانه وقال :" ماذا قلت ؟" فردت عليه :" سمعتني جيداً . أريدك أن تقدم لي تبريراً لمعارضتك هذا الزواج."
بدت على وجهه علامات الاستغراب وقال :" آيك ولوسي ."
فردت :" بالطبع آيك ولوسي . عم تتكلم إذاً؟"
ضحك دوغ مقهقهاً. عند ذلك أدركت سبب ثورته فقالت :" أنا؟ ألهذا تفوهت بذلك الكلام الفارغ حول المال. هل كنت تعتقد أنني سأتزوج من آيك بسبب المال ؟ لماذا أنت ..."
أمسك دوغ بيدها محاولاً إخفاء ضحكته ورد قائلاً:" آيك ولوسي . يالهذا العجوز الجبان ."
قالت وهي تحاول تحرير يدها :" إن آيك ليس عجوزاً كما أنه ليس جباناً . كان عليك ملاحظة ذلك لو أنك تهتم بعائلتك ، لكنك تضيع وقتك حالماً بزوجة رجل آخر."
تجاهل دوغ ماقالته أخيراً وقال :" هل أنت متأكدة من ذلك؟"
" إني لست واثقة . ولكن آيك يتصرف كرجل مغرم."
نظر إليها بدهشة وقال :" كيف تميزين الرجال المغرمين؟"
كان قصده واضحاً . ولم يتطلب منها ذكاء لإدراكه . كان يشك في وجود رجل أغرم بها من قبل . غير أن مشاعرها ما تزال مجروحة من جراء ماحدث خلال النهار ، مما أثار غضبها سريعاً. " كيف لي أن لاأعرف ؟ كنت أراقب تلميحاتك المزعجة منذ يوم زفاف دافيد."
" كنت أعتقد أنني كنت أتصرف بحذر شديد هذه الليلة ."
" إنك تعرف معنى هذه الكلمة . لقد كان منظرك مزرياً وأنت تحاول التقرب منها على طاولة العشاء حتى أنني لم أتمكن من تناول الطعام بسببك . كان منظرك مثيراً للاشمئزاز ."
" ربما لأنك تحسين بشيء ما ."
" أنا .لا ..."
قاطعها قائلاً:" شيء من الغيرة مثلاً."
كان في عينيه غموض كبير . أغرق سامنثا فيه . هزت رأسها . وجمعت قوتها للدفاع عن نفسها وقالت له :" غيرة ؟ وممن سأغار ؟ منك وأنت تحط من قدرك أمام ليندا . إن ذلك مثيراً حقاً للازدراء؟"
ضحك دوغ ضحكة خافتة ولكن مثيرة جعلتها ترتعش وقال :" كم هو مثير للاشمئزاز ."
تأوهت سامنثا بذعر وقالت :" آه .لا."
أمسك دوغ بيديها ووضعهما خلف ظهرها ، ورفعها إلى الأعلى . جسدها ملتصق بجسده ." لِمَ ؟ هل أنت خائفة ؟"
فردت عليه :" أنت لاتخيفني ." إلا أنها كانت تدرك أحاسيسه التي تحرق جسدها من فوق ثيابها . قال لها :" ربما يجدر بك أن تخافي . فمخلوق
صغير مثلك لا يجدر به أن يتحدى رجلاً بحجمي ." وفيما شفتاه ترتعشان ، أضاف :" هيا ، تابعي ، يا صاحبة المشاكل ."
أجابته باستهزاء :" إنك تفعل ذلك فقط لتبرهن أنك أقوى مني."
قهقه عالياً ، وغير من إمساكه لها ، أمسكها بيد واحدة وقال :" كنت أفكر بما قد يفعله قميصك المفتوح ." ضغط بأحد أصابعه على شفتيها قبلا أن تتمكن من الكلام .
وأضاف :" إبقي فمك مغلقاً ، لأني سأعتبر تحريكك لشفتيك بمثابة دعوة لي ."
أجابته :" أنا لا أدعوك إلى ..." أطبق عليه قاطعاً كل استنكار غاضب كانت تنوي القيام به ." هل هذا ماكنت تريدينه حقاً؟" ارتعشت من الغضب واللذة معاً عندما ابتعد عنها.
إنه شيء غير منطقي أن يتمكن هذا الخسيس من إلهاب مشاعرها لتستسلم له في النهاية وترتمي بين ذراعيه .
وليس متنطقياً أن يعرف مدى تأثيره عليها . إنه يستغل ضعفها لتسليته الشخصية . أحست بالذل ، فرفعت رأسها تحدق فيه . كان هناك نوع من السخرية في عينيه الزرقاوين . قال لها :" مازلنا لا نستطيع التوصل إلى هدنة بيننا ، أليس كذلك ؟" وقبل أن تتمكن من الإجابة عن سؤاله غير المتوقع ، كرر سؤالها :" إذا تزوج عمي والدتك ، مهو تأثير ذلك على علاقتنا ؟"
ردت سريعاً :" أعداء ."
مرر دوغ أصبعه على شفتيها المرتعشتين ." أمن المفترض أن تحبي عدواص لك ؟" تركها ورحل عنها . اختفى في ظلام الليل الداكن وراء ستار من الثلج المنهمر . فقد كانت هناك عاصفة جديدة في طريقها إليهم .
لم يظهر دوغ في اليومين التاليين . كانت سامنثا تشعر بالحقيقة من خلال أحاسيسها . فما حدث في تلك الليلة لم يكن ليسمح بالتئام الصدع بينهما . فعلى الرغم من التعليق الذي قدمه دوغ إلى والديه بأنه واحد من أفراد العائلة ، يبدو من الواضح أن دوغ نفسه لم يكن مقتنعاً بذلك . وهذا يعني أن غلطتها لن تغتفر . أحست بالندم وأحست معه بالإرتياح .
لكن التفكير بتلك الليلة سيطر عليها . التفكير بشفتي دوغ الدافئتين على ... إن هذه الأفكار تمثل خطراً لم يتم التوقف عندها . فمثل هذا التصرف من الخطر إعادته . فلولا حرصها لتحولت إلى الإدمان على قُبله وذراعيه.
كان يتمتع بلحظات من الهدوء النادر . لقد غادرت ماري وآندا ولويس . وخرج جميع النزلاء للتزلج عند المنحدرات ، أو لزيارة المحال التجارية .
الهاتف لايرن . السيد والسيدة كلايبورن غادرا بالأمس . والسيدة آردن ستعود قريباً إلى منزلها.
الحياة ستعود أخيراً إلى طبيعتها في فندق هامنيغ بيرد . كلا ، إن ذلك غير صحيح . استندت سامنثا على قلم الرصاص . كانت غارقة في التفكير . لقد غير هذا الشتاء كل شيء . دافيد تزوج ليندا . ووالدتها خطبها منها آيك ووافقت . أما هي فقد بقيت اشبينة العروس . نظرت إلى صورتها في زجاج النافذة . هزت رأسها في محاولة للتخلص من هذه الأفكار القديمة . إن المرأة اليوم لا تقدّر بمدى جاذبيتها للرجال . أخذت ترسم ، شاردة الذهن ، على قطعة ورق قديمة . إن مشكلتها لا تكمن في عدم عثورها على زوج إنها مجرد حمى الربيع . إنها مجنونة داخل الثلوج وتنتظر بفارغ الصبرعودة المروج الخضراء ، والسماء الصافية . نظرت إلى الخارج حيث الهواء يرمي بالثلج على النافذة .
أخذت تقول في نفسها ، إن الركوب على الزحافات للتزلج في مثل هذا الطقس قد يكون قاسياً جداً . إن مثل هذا اليوم مخصص للعشاق للجلوس أمام الموقد لتبادل الأسرار.
بدأت تتساءل عما يقوم به دوغ الآن . أجبرت نفسها على عدم التفكير به والتركيز على السهرة . الليلة يصادف عيد ميلاد والدتها . لقد خططوا لأخذ قالب الكاتو والهدايا إلى المستشفى . ابتسمت سامنثا . لقد تذكرت قميص النوم المثير الذي اشترته لوالدتها . إن السيدة آردن مازالت في عمر يسمح لها بلبس هذه الثياب .
أتى الليل ، وذهب الجميع إلى المستشفى . وكما توقعت فقد قالت والدتها معترضة على هديتها :" سامنثا ، لقد كبرت على مثل هذه الأشياء . إنه غير محتشم أبداً."
ردت سامنثا بخبث :" لم لا تسألين دوغ رأيه ."
هزت السيدة آردن رأسها والتفتت نحو دوغ قائلة له :" لقد اعتقدت أنك ستعلمها كيفية التعامل مع الناس في الفترة التي قضيتها معها ."
قاطعتها سامنثا بقولها :" إن ذلك يحتاج إلى رجل أذكى من دوغ."
ضحك دافيد قائلاً :" أعتقد أن الكلمة التي يجب استعمالها هي أشجع ، لأن دوغ واثق جداً من ذكائه."
تقبلت سامنثا كلمات شقيقها بعبوس . بينما كانت والدتها تقوم بفتح الهدية الثانية ، هدية آيك . والتي كانت عقداً من الذهب والماس . لم تكن هديته مفاجأة لسامنثا ، لأنها كانت معه عندما اختارها واشتراها . هدية دافيد
وليندا كانت معطفاً منزلياً يتناسب مع هدية سامنثا . نظرت ليندا إلى سامنثا قائلة :" لقد أخبرتني البائعة بهديتك ."http://www.liilas.com/vb3
|