كاتب الموضوع :
dali2000
المنتدى :
الارشيف
الحلقةالسابعة
********
وصلنا بيت ( شوق ) ، أنا و ( سلمى ) حوالي الساعة ثمان ...
طول المشوار ، و أنا قلبي يخفق بسرعة و توتر ، كأني باسوي مقابلة شخصية للالتحاق بالجامعة !
كنت خايفة ... و متوجسة ... من شوفة زوجة عسل ، و اللي ما قط شفتها من قبل
ياما تخيلتها ، و رسمت لها صورة ببالي ...
شكلها ، هندامها ، صوتها ، أطباعها ...
كل شي ... صورة كاملة عن شخصية ما عمري عرفت عنها شي ، غير أنها بنت خالة ( شوق ) ، و أن اسمها
( منال ) ، و أنها التحقت بالجامعة هذه السنة – يعني أصغر مني – و أنها ... تزوجت الرجـّـال اللي أنا أحبه ...
رسمت لها هالصورة ، و كرهتها !
طبعا عندي فضول أني أشوف ، الإنسانة اللي يعيش معها حبيبي ، و تشاركه كل شي ... لكن ، أنا للآن
جرحي ينزف ، و ناري ما خمدت ... ما هو الوقت المناسب إني اتلقى صدمة تهدني من أول و جديد ....
عند المدخل ، وقفت ، و تراجعت خطوة وحدة ، و ناظرتني سلمى مستغربة :
- ها قمر ؟ وش بلاك راجعة لوراء ؟
- سلمى ... أبي أرد البيت !
مسكتني من إيدي و سحبتني معها ... دون ما تقول شي ... ، و دخلنا البيت ....
تغير ، سووا بالحديقة و الممر تعديلات ، عن آخر مرة شفتها قبل كم شهر ...
الأشجار كانت منسقة على جانبي الممر العريض بشكل فني مدهش ...
و الجو عابق بريحة الورود ممزوجة بالرياحين ... مع رطوبة باردة ، تخلفها الأشجار في الليل ، و تحملها الأنسام إلى
صدورنا ، و نحس براحة و انتعاش تلقائيين ... !
عند بوابة البيت ، كانت ( شوق ) واقفة تنتظرنا ...
استقبلتنا بترحيب حار ، و بـ ( شوق ) مماثل لاسمها الجميل ...
ما كأننا قبل كم ساعة بس ، كنا سوى بالجامعة !
حتى من داخل البيت ، التصميم تغير ، و الغرف تبدلت ... بس كان ، تحفة فنية مدهشة ...
آخ لو كان هذا بيتي ... ! يا ليت ...
أخذتنا شوق إلى غرفة جانبية ، أذكر أنها كانت من قبل مكتبة ، و أذكر .. أن الغرفة اللي جنبها على طول ، كانت ...
مكتب سلطان ...
- تغير بيتكم كثير يا شوق !
- صحيح ! من مدة ما زرتينا ، يمكن نص سنة أو أكثر ! بيتنا على ذي الحال من حول خمسة شهور !
صحيح ، معها حق ، صار لي شهور ما جيتهم ...
طبعا الأحداث ارتبطت بمسألة خطوبة سلطان و زواج سلطان ...
اللي خلى سلمى – عشان تسكر أي باب ينفتح لذكر سلطان – تقول مغيرة الموضوع :
- سويتي لي البيتزا و الا لا ؟ قولي بسرعة ترى ( سوّاقي ) ينتظر برى و إذا ما فيه بيتزا أخذت بعضي و مشيت !
ضحكت شوق ، و قالت بين ضحكاتها :
- لا تخافي ! سويت لك صينية كامله عشانك وحدك ! و إذا ما اعجبتك ، خليت ( سوّاقك ) يروح يجيب بيتزاية وحدة
من كل المطاعم اللي بالشرقية !
بعد فترة ، طلعت شوق ....
- وش فيك قمر ؟ شارذة عنا ؟
سالتني سلمى ، و هي لاحظت أني قليل اللي اتكلم ، و ابتسم ...
- تتوقعين ... تجي ؟
- ردينا ؟ وش عليك منها حتى لو جت ؟ وحدة ما تعرفينها ، أنت ِ جاية لبنت خالتها مو لها هي ،
و أظن أن شوق منتبهة للنقطة ذي ، و لا راح تتعمد تجمعكم !
طمـّـني كلام سلمى ، ما فيه أي داعي يخلي شوق تجيب منال تجلس وسطنا ...
و تطمنت أكثر لما رجعت شوق وحدها ، و قالت بدعابة :
- تفضلوا ...
( البيتزا ) جاهزة !
في غرفة المائدة ، جلسنا احنا الثلاث متعاونين على ذيك بيتزا لين قضينا على معظمها !
كانت الجلسة حلوة و السهرة ممتعة ، و انبسطت بشكل أكثر مما توقعت ...
أو بالواقع ... انهرت بشكل أفظع مما توقعت ...
بعد العشاء ، رجعنا للغرفة الأولى ( المجلس ) ، و بطريقنا لمحت باب الغرفة المجاورة – مكتب سلطان – مفتوح شوي ...
دخلنا المجلس ، و جلسنا عند الكنبات اللي عند نفس الجدار ، اللي يفصل بين الغرفتين ، المجلس و مكتب سلطان ،
... و أنا اتخيل أن سلطان موجود بالغرفة الثانية ... و يفصلني عنه ، جدار واحد بس ...
ايش يصير ... لو يتحطم هذا الجدار ....
ايش يصير ، لو تتحطم كل الجدران اللي بالدنيا ـ اللي فصلت بيني و بينك ...
ليت الجدار كان شفاف ، و أشوفك ...
ليته كان زجاج ، و أكسره و أجيك ...
ليت كان فيه بس نافذة ، أطل منها عليك !
او حتى ثقب ، أناظرك منه ...
ليت شوق و سلمى ، يناموا دقايق بس ، باروح أشوفه و أرجع !
يا قربك و يا بعدك ...
مثل المجنونة صرت و قلبي متعلق عند ذاك الجدار ، لمجرد أني تخيلت ، أن سلطان موجود خلفه ...
أجل وشلون لو كان ... صحيح موجود ...؟؟؟
حلقت بخيالي في سماه ، و نسيت حالي ...
شوق و سلمى يسولفوا و أنا بعيدة عنهم ... فكري و بالي نسيتهم عند باب ذيك الغرفة ... لفيت براسي صوت
باب المجلس ، و أنا أتخيل نفسي أقوم ، و اطلع ، و أروح له ... أو أنه هو يجي و يفتح هالباب !
و انفتح الباب ... !
ارتعبت ، و وقف قلبي ... و انحبس آخر نفس أخذته داخل صدري ، و عيني انفتحت أوسعها .... و أنا ارتقب ...
أكيد أنا أتخيل ... الباب ينفتح ببطء ... الحين بيطل منه سلطان ؟؟؟
خيالي رح يتحقق ؟؟؟ سلطان هذا أنت ؟؟؟
و دِخـْـلـَـت ....
كنت أنا أول وحدة انتبهت لها .... و جت عينها على عيني على طول ، كأنها جاية متعمدة تشوفني ، تدوّر علي ....
- السلام عليكم ...
لما جا صوتها ، انتبهت لها شوق و سلمى ، و اللي كانوا مشغولين بالكلام و الضحك ...
إش صار بعد كذا ؟؟؟
خلي سلمى ، تحكي لكم ....
*
* *
*
كنا جالسين نسولف ، و نضحك بمرح ، أنا و شوق و قمر ، في بيت شوق ...
كانت قمر معظم الوقت ساكتة ، و يا دوب تبتسم ...
فجأة ، سمعت صوت غريب :
- السلام عليكم
و التفت جهة الصوت عند الباب ، و شفت ( منال ) ...
أول شي قفز ببالي على طول ، هو قمر
و قبل ما أرد السلام ، التفت عليها ...
قمر ما كانت شافت منال من قبل ، و كانت خايفة تلتقي بها هذه الليلة ، و أنا قلت لها :
( مستحيل شوق تتعمد تجمع بينكم .... )
الحين ، و أنا أطالع بوجه قمر ، و أشوف عينها مفتوحة لأقصى حد ، و وجهها مخطوف اللون ،
و تعابيره كأنها تعابير المحتضر لا شاف ملك الموت ... الحين بس عرفت و قدرت الخوف اللي كانت عايشتنه ...
وقفت شوق ، و علامات الدهشة على وجهها ، و نقلت انظارها بيننا احنا الثلاث ، و قالت ترحب بـمنال :
- و عليكم السلام ! هلا منال ...
كان واضح عليها أنها ما توقعت منال تجي ...
أنظار منال الحين جت علي ، و وقفت من باب الأدب و سلمت عليها و صافحتها
الدور التالي طبعا كان ... على قمر ...
قمر جامدة في مكانها مثل التمثال الخشبي ...
شوق ، حبـّـت تعرّف عن كل وحدة للثانية ، لأنهم أول مرة يلتقون ...
- هذه صديقتي و زميلتي قمر
قالت موجهه كلامها إلى منال ، و بعدها ، طالعت في قمر ، بنفاذ حيلة ، و قالت :
- ... منال ... زوجة أخوي سلطان ....
منال ابتسمت ، و مدت إيدها تبي تصافح قمر ، و لا هي دارية عن شي !
ضربت جزمة قمر بجزمتي ضربة خفيفة ، أبيها تتحرك ، تقول شي ...
ما أدري ، هي حست بالضربة أو لا ؟ بس شفت راسها يطاطىء صوب الأرض ، و يدينها ترتكز على الكنبة ، كأنها
تبي تستند عليهم عشان توقف ، و شوي شوي ، ارتفع جسمها عن الكنبة كم بوصة ، قبل ما تنهار عليه فجأة و تغيب
عن الوعي .....
الأحداث اللي صارت بعد كذا جت بسرعة ، ما لحقت أسجل تفاصيلها الدقيقة بذاكرتي ...
كانت ليلة ما تنسى ، منها كرهت البيتزا – اللي ما لها ذنب – و ما عدت آكلها ...
كل البيتزا ، و كل اللي أكـَـلـَـتـْـه على ذاك العشاء طلع في حالة مهولة من الترجيع ...
أذكر ، أن ضغطها ، لما جابت شوق جهاز الضغط و قاسته بسرعة ، كان سبعين على خمسة و ثلاثين ...
حسيت ليلتها ، أن روحها خلاص بتطلع ... كأنها حالة تسمم حادة ، بس كانت صدمة عصبنفسية مباغتة ..
كان نبضها بالمرة مضطرب ، و أنا أصريت نوديها للمستشفى في الحال
قمر كانت معترضة ، تقول باروح البيت ... ، بس حالتها ما طمنتني
أصلا هي ما قدرت ترفع راسها عن الكنبة ، كانت دايخة بالمرة و عينها اللي كانت مفتوحة حدها قبل شوي ، غمضتها
و ما عاد تقدر تفتحها ... تقول :
(الدنيا تدور)
جيت أبي أقوم أتصل لأحد من أهلي أو أهلها ، يجي يوديها المستشفى ، و سمعت منال تقول :
- نخلي سلطان يودينا ؟
ردّت عليها شوق :
- سلطان موجود ؟
- ايه بالمكتب
و كان صبعها يأشـّـر على الجدار اللي ورانا ، و بنفس اللحظة طلعت بسرعة ، عشان تروح تقوله ...
يا ليت كان عندي سواق ، ينتظرني عند الباب ... يا ليت ...
مسكت التلفون ، بغيت أتصل لأمها ، بس شوق منعتني
- ما فيه داعي يا سلمى ، لا تخوفينها ، شوي و تصير زينة ... دوخة و تروح ...
و يا ليتها كانت ... ( دوخة و تروح .... )
كان بو ثامر – والد قمر – حسب اتفاقنا ، رح يجينا حول الساعة عشر ونص
طالعت الساعة ، كانت عشر إلا ثلث ، قمر ، فتحت عينها و رفعت راسها شوي شوي ،
و حطت إيدها على جبينها ، و تأوهت ...
- ودوني البيت
شفت ، كأن وضعها أفضل و الدوخة بدت تروح ...
- قمر أنت ِ بخير ؟ وش تحسي فيه ؟
سألتها بقلق ، و هزت راسها ، تطمني أنها بخير ...
و بعدها ردت تقول :
- ودوني البيت
و اسندت راسها على مسند الكنبة... و غمضت عينها مرة ثانية ...
شوي ، و جت منال تقول :
- يالله ... السيارة تنتظر ...
صبرنا دقيقتين أو ثلاث ، لين خفت الدوخة عنها ... و قدرت توقف ، و أنا و شوق ساندينها من الجنبين ...
منال سبقتنا للسيارة ، و احنا نمشي شوي شوي ماسكين قمر ، تهيأ لي أنها بـ تطيح أي لحظة ...
ما كانت طبيعية ، سمعتها تقول ، و احنا نعبر ممر بالبيت رايحين للسيارة :
- ريحة الورد حلوة ... !
باكسـّـر الجدار ... !
صحيح كانت ريحة الورد و الرياحين مالية الجو ، بس التعليق جا مو في مكانه ..!
أما ( بـ اكسر الجدار ) فما لقيت لها أي تفسير ؟؟؟
وصلنا السيارة ، كانت منال جالسة قدّام ، و سلطان مو بها
جلسنا على المقاعد الخلفية ، أنا على اليمين ، و شوق على اليسار ، و قمر بيننا
ثواني و وصل سلطان ، و بسرعة ساق ، و وصلنا المستشفى بعد سبع دقايق
طول الوقت ، و قمر راسها مايل على كتفي ، و إيدي بإيدها و كل شوي أسألها :
- كيف تحسي ؟
و يجي جوابها بضغطة خفيفة من إيدها على إيدي ( أنا بخير )
وقف سلطان السيارة عند بوابة الطواريء ، و نزل ... رايح يجيب كرسي عجلات
قمر فتحت عينها و تلفتت من حواليها ، و قالت باعتراض :
- ودوني البيت ! ما رح أنزل هنا أنا بخير ...
- لكن يا قمر ...
قاطعتني :
- سلمى تكفين أبي أرجع البيت ...
ثواني و رجع سلطان بالكرسي ، و لما وصل لعند السيارة فتحت شوق النافذة و قالت:
- خلاص أخوي بنوصلها بيتها ...
و رجعنا بطريقنا ...
*
* *
*
أخوي سلطان صار يسوق بسرعة طبيعية ، و كانت عيني أنا و سلمى على قمر ، مو على الطريق ...
ما انتبهت ، إلا على صوت أخوي ، لما وصل مفترق طرق ، يسأل :
- وين ؟
رفعت عيني عن قمر و طالعت الشارع ، و ناظرت أخوي بالمراية و قلت له :
- يمين ، ... بيت بو ثامر ...
و نظراتي بنظراته على المراية ، شفت – رغم أن الإضاءة خافتة – شفت نظرته فجأة تضطرب ، و جفونه تنفتح
على آخرها ... و حدقت عيونه بعيوني تسألها :
- ( هذه قمر ؟؟؟ )
و هزيت راسي هزة بسيطة : ( .. نعم .. )
وقتها بس ، عرف سلطان أنها كانت ... قمر ...
وصلنا عند آخر لفة ، توصل لبيت بو ثامر ... كانت يد قمر بيد سلمى ... ما أدري وش حست بها فجأة ، لأنا سمعناها
فجأة تنادي بصوت عالي مفزوع :
- قمر ! .... قمر .... تسمعيني ؟؟؟
فزعنا كلنا ، و وقف أخوي سلطان السيارة قريب باب البيت ...
و قمنا أنا و سلمى نهز قمر ، نبيها تجاوب أو تتحرك ، لكنها كانت مثل قطعة القماش
صرخت :
- ارجع المستشفى يا ســلــطــان
و بسرعة ، و بلمح البصر ... ( طار ) بالسيارة طيران للمستشفى ... المشوار ، ما أظن أخذ أكثر من دقيقتين !
وصلنا عند بوابة الطوارىء ، و فتح سلطان الباب بسرعة و قفز من السيارة ...
ها المرة ، ما راح يجيب كرسي العجلات ...
لف على الباب اللي جنبي و فتحه بسرعة ، و صاح :
- انزلي شوق ...
أنا ، ما استوعبت شي ، ما مداني استوعب ... طالعت به و حتى قبل توصله نظراتي المستغربة ، رد صرخ علي :
- بسرعة شوق !
نزلت من السيارة ، و جا هو ... و مد يدينه داخل ، و شال قمر على ذراعيه ... و طار بها لداخل المستشفى ...
ركضنا وراه ، وصلنا و شفنا ه يحطها على السرير ، و تجي الممرضات و يختلط هذا بهذا و تعم الفوضى ...
*
* *
*
من مجرد ( دوخة و تروح ) ، إلى نزيف داخل الدماغ ...
التشخيص اللي وصل له الأطباء بعد الفحوصات المكثفة ...
صديقتي أنا ، أعز و أقرب صديقاتي ، و أحب انسانة لقلبي ، صار عندها نزيف داخل الدماغ ...
بعد ما انفجر شريان صغير ضعيف البنية في راسها ، بسبب اضطراب مفاجيء في الضغط ....
ظلت قمر ساعات غايبة عن الوعي ...
أذكر أنها لثواني فتحت عينها ، قبل ما ياخذوها لقسم الأشعة ، و يتهيأ لي أني سمعتها تهذي ، مرة ثانية ....
- ( بـ اكسر الجدار ... ! )
إش كانت تقصد ؟ الله أعلم ... !
قالتها مرتين أو ثلاث ، و ردت غابت عن الوعي ، و لا أفاقت إلا يوم ثاني ...
إلى الآن ، مرت ثلاثة أسابيع تقريبا ، قمر استردت عافيتها كاملة ، و لأن النزيف كان بسيط ما احتاجت لأي عملية ،
الحمد لله ، بس ظلت كم يوم بالمستشفى تحت الملاحظة ...
حالتها ظلت مستقرة جدا ، و الأطباء أكدوا أن الشريان اللي انفجر كان به نقطة ضعف في أنسجته ، و هذا ما يقتضي
بالضرورة أن بقية الشرايين بها نفس المشكلة أو أن قمر احتمال تجيها نفس الحالة مرة ثانية ...
و أنا بعد ، ما خليت كتاب فيه موضوع عن ( نزيف الدماغ ) إلا و قرأته ، لين تهيأ لي أني بـ صير ( جرّاحة مخ و أعصاب ) !
الأحداث اللي صارت ، كرّهتني بأشياء واجد ...
كرّهتني في نفسي ، لأني ضغطت على قمر أنها تروح معي لشوق ذيك الليلة ...
كرهتني في أهلي ، اللي ما هم مقتنعين يجيبوا لي سواق انتفع به وقت الأزمات !
كرهتني بالبيتزا !
و كرهتني بعد ... أكثر و أكثر .. في سلطان ....
سلطان هو السبب ، و بـ أحمله مسؤولية أي شي يصير لقمر ...
قمر ... ما قدرت تتذكر أي شي صار ، من لحظة شوفتها لـ منال ... الى اللحظة اللي صحت فيها من الغيبوبة ، يوم
ثاني ...
*
* *
*
بالرغم من أني كنت جافة في معاملته ، بسـّـام طول الأسابيع اللي طافت ، كان يعاملني بكل عطف و حنان ... و إذا
باعترف ... و بحب ...
نظرتي له تغيرت ، و بديت أتعاطف معه ، و حسنت موقفي منه كثير ...
لكن ... ما حبيته ...
الشي اللي خلاني ، و بعد تفكير و عوار راس في أحرج مراحل حياتي ، أفكر أني ... أفك ارتباطي به ...
بسّـام يستاهل وحدة أفضل مني ، وحدة مستعدة تستقبل مشاعره الدافية ، و تبادله نفس العطاء ...
هذا القرار بعدني ما أعلنه ، و ما لي إلا سلمى ... اعرض عليها مخاوفي ...
سلمى جاية لي بعد شوي ، حسب اتفاقنا ... و رح أقول لها ، أنا وش أفكر فيه ....
و في موعدها ، وصلت ... و جتني الغرفة ، و ابتسامتها تسبقها ، و المرح دوم على وجهها الدائري حتى في أصعب
الظروف !
- سلمى فيه شي ، ودي تشاركيني فيه ...
- خير قمر ؟ كلـّي لك !
ابتسمت ، و بعدها أظهْرت ملامح الجد ... و قلت ، بدون لف و لا دوران :
- بـ افك خطوبتي من بسـّـام ...
ما تغيرت البسمة و تعابير المرح على وجهها ، و قالت بعد صمت ثواني :
- مزحة ثقيلة قمر ! هاتي غيرها !
جلست فترة طويلة أحاول اقنعها بمبرراتي ...
الرجّـال ما يستاهلني ، يستاهل وحدة أفضل ... أنا ما شفت به عيب و هذا اللي ذابحني ...
حرام أظلمه معي و أنا ... ما احبه ! و الله ما احبه !
- قمر اسمحي لي أقول لك : أنت ِ انسانة مستهترة و ما عندك وفاء !
كانت أقسى كلمات قالتها سلمى لي ، و ظلـّـت تهاوش فيني مدة ، و صرخت بوجهها :
- ليه مو قادرة تفهميني يا سلمى ؟ حرام علي أظلم الرجـّـال معي ،
سلمى أنا ما أحبه ! لا حبيته و لا عمري رح أحبه ! ما أحبه غصب هي ؟
- أكيد ما تحبينه ، دام (سلطانوه ) اللعين بعده عايش ...
الله ياخذ روحه ذي الساعة و يفكنا منه آمين!
ما وعيت لنفسي ... إيدي تحركت لا إراديا ، و صفعت سلمى على خدها بقوّة ...
سلمى جمدت بمكانها ... مذهولة من ردة فعلي ... و أنا نفسي تجمدت ... ما عرفت إش أسوي بعدها ...
راحت سلمى صوب مكتبي ، و مسكت قبضة واحد من الأدراج ، الدرج اللي تعرف إني فيه أحتفظ
بكل شي يخص ذكريات سلطان ... سحبت الدرج بقوة ، و مدت إيدها و طلـّـعت أوراق كثيرة ،
و بعصبية رمتها صوبي و هي تصرخ :
- عشان هذا ناوية تدمري حياتك ؟ عشان هذا مستعدة تضحي بخطيبك ؟ عشان هذا تصفعيني أنا يا قمر ؟؟؟
عشان سلطانوه الزفت ؟ إش استفدت ِ منه و إش جاك من وراه ؟
خذي ...
و هي تطلع في الأغراض و ترميها صوبي شي ورا شي ...
- خذي ...
هاك سلطان ... خذي بعد ... و بعد ... لين تموتي بسببه و تشبعي مـــــــــــــــوت
أنا ، ما سويت أي شي ...
ظليت أراقبها في ذهول و هي ترمي علي الرسايل ... المذكرات ... الكتب ... و السبحة ...
من بين كل الأشياء ، مديت ايدي و التقطت السبحة ... راقبتني سلمى و أنا أمسك بالسبحة كأني أمسك بروحي لا
تطلع ...
غصبا علي ... فاضت عيوني بالدمع ، و أنا أشوف ذكريات سلطان ... تنرمي و تتبعثر حوالي ...
و سلمى تصرخ بوجهي بعصبية و قسوة ما عهدتها عليها من قبل ....
لما شافت دموعي تسيل ، و أنا اطالع فيها ... كأني أرجوها ... لا ... لا تقتلي سلطان ... لا أرجوك ...
هدأت نوبة التهيج اللي اعترتها ... و ابتعدت عن المكتب ... و جت لعندي ...
جلست جنبي ، و مدت يدها تبي تنزع السبحة من بين أصابعي ، و ضغطت بقوة ، بكل قوتي عليها ...
هي تشد ، و أنا أشد ...
( لا يا سلمى لا ... لا ... لا ... )
و انقطعت السلسة ... و تبعثرت الفصوص على الأرض من كل جهة ...
جرت أنظاري تركض ورا الفصوص ... كل واحد استقر بمكان ... و في إيدي ، ظلت السلسة مقطوعة تترنح ....
- سلطان ... انتهى ...
قالتها و هي تشد على صوتها بحدة ، و تشير الى الفصوص المتبعثرة ... كأنها تقارن نهايتها بنهاية سلطان ...
المصير واحد .....
هويت براسي على الكنبة ، و بكيت ...
بكيت بكاء طويل ، و عميق ، و شجي ....
ظليت أبكي و أبكي و أبكي ، و صورة الفصوص و هي تتبعثر على الأرض من حولي ، مطبوعة بأنظاري ...
ما حسيت لسلمى ، و لا دريت عنها و هي تطلع من الغرفة ، دون كلمة زيادة ...
أول ما رفعت راسي بعد مدة طويلة ، تلفت ، و لا شفتها ...
شفت الأوراق متبعثرة عند رجلي ، مديت إيدي و أخذت أقرب ورقة منها ... و قريت :
((( قمره ... الوالدة خطبت لي بنت خالتي البارح ، أنا تدبـّـست ... )))
..............
الحلقةالثامنة
********
سبعة عشر يوم مروا ، من ليلة العزومة ...
17 ليلة و أنا أدعي كل ليلة ، و أطلب من الله أنه يقــّـوم صديقتي قمر بالسلامة
17 مرة ، سألني أخوي سلطان عنها ...
كان كل يوم ، أما وهو يوديني أو يجيبني من الجامعة – بعد ما يوصل منال ، و أحيانا بعز الليل ، بعد ما يرجع من
مشاويره اللي كثرت ، يسألني عن صحتها .
و اليوم ، الأحد ، خلصنا المحاضرات بدري ، و رجعت البيت الظهر ، مع وحدة من زميلاتي ، بالتالي ... ما شفت
سلطان من الصباح .
سلطان ما كان سالني عنها أول النهار ، عشان كذا ، توقعته يمر علي بالغرفة قبل ما يروح ينام ، نص الليل ...
كنت جالسة أراجع بعض النوتات ، و كل شوي أناظر الساعة ... و سلطان ... تأخر ...
يمكن يكون جا ، و راح نام ؟ بس ... غريبة ما سأل عنها اليوم ! أكيد خلاص تطمن ... و قمر ، الحمد لله ، ردت
طبيعية ، و رجعت للجامعة من الإثنين الفايت
فضولي ما قدرت أقاومه ، طلعت من الغرفة أبي أتأكد ، أخوي رجع و إلا لا ؟
رحت عند نافذة الصالة ، المطلة على الكراج ، و ما شفت سيارته موجودة ...
- ما أدري وش به تأخر !
التفت ناحية صوت منال ، جاي من مدخل الصالة ...
- منال ! لسـّـه صاحية ؟؟
- تأخر ، و كلما اتصلت على جواله لقيته مقفل ...
- أكيد جاي بالطريق ... خلينا نروح نلحق ننام لنا كم ساعة !
قلتها ، و أنا مو مقتنعة بها ، بالعكس قلقت أكثر لما شفت منال كذا قلقانة ...
- تصبحين على خير
و رجعت غرفتي ...
طفيت الأنوار و غمضت عيني ، و غفيت ...
انتبهت من النوم فجأة على صوت طرقات على الباب ، ركزت سمعي ، أبي أتأكد هذه حقيقة و الا حلم ... و تكررت
الطرقات مرة ثانية ...
( هذه منال ، أخوي ما رجع و جت تقول لي ... أكيد يا رب يكون بخير ... )
قمت عن فراشي و رحت و انا متخوفة للباب ، و فتحته بقلق ...
- ... سلطان ... !
حسيت براحة كبيرة ، هذا أخوي سلطان قدامي الحين ، الحمد لله ...
و ابتسمت ..
- هلا !
- آسف شوق ...
أكدت ابتسامتي ، و هزيت راسي مشجعة ( أبدا ، يا هلا بيك )
- أبي أتكلم معك دقيقتين ...
- تفضل أخوي ...
و ولعت الأنوار ، و دخل أخوي ، و صكيت الباب ...
حسيته متردد ، طبعا ، أنا عرفت أنه – بلا شك – يبي يسألني عن قمر ...
لكن تردده حيرني ، و شفت أني اختصر عليه و أقولها :
- الحمد لله اليوم قمر كانت بألف خير ، حتى نفكر نطلع السوق سوى نهاية الأسبوع !
ابتسم ابتسامة خافته ، باهتة ، ما هي ابتسامة واحد مرتاح البال ...
مع ذلك ، قلت انا بمرح :
- إيدك يا أخوي على ألفين ريال ! مكافآت هذا الشهر و اللي قبله أخروها علينا و أنا أفلست !
هالمرة تمدد فمه بابتسامه أوسع ، و قال :
- حاضرين ...
- خير سلطان ؟
واجهته بالسؤال مباشرة ، أبيه يتكلم دون تردد ... و أخيرا نطق ... و أذهلني ...
- أبي أسلم عليها ...
طالعته و أنا مو مركزة ، يمكن ما سمعت زين ؟ يبي يسلم عليها ؟
- ... كيف يعني ... ؟؟؟
- بس ... أقول لها : حمد الله على السلامة ، و ما تشوفين شر ...
- .... تبيني أوصل لها كلامك ؟
- لا .... ودي أقوله لها ... بنفسي ...
يعني بطريقة أخرى ، يبي أخوي سلطان ... يشوفها ...
سكت ، ما رديت و لا علّـقت حتى بنظرة ... لما حس بسكوني الرهيب ، قال :
- ما هو ممكن ؟
- قلقان عليها ؟ ما تصدقني ؟ و الله صارت عادية جدا ...
- ما هو ممكن ؟؟؟
شفت بعينه ، نظره أقرب للتوسل منها للتساؤل ... نظرة ما عمري شفتها بعينه من قبل .. ذبحتني ذيك النظرة...
أجهضت كل كلمة اعتراض كانت بتنولد ردا عليه
- كيف ؟ وين ؟
- أجيبكم بكرة من الجامعة ...
- ... بس ... بس قمر يجيبها خطيبها كل يوم ...
ما علـّـق ، و كأن ّ الجملة ما عجبته ، من التنهيده اللي طلعت منه ...
حسيت بعيونه تقول لي : ( يعني ما هو ممكن ؟ ) و كأنها متعلقة بآخر طيف أمل ... ما اقدر أشوف أخوي الغالي
كذا ...
- طيب ، رح أدبرها
تهلل وجهه ، و ابتسم هذه المرة ابتسامة رضا مشرقة ... بعدها ، قال يختم الكلام :
- تصبحي على خير ...
و لف ، و صار ظهره لي و مشى لين وصل الباب ، و فتحه ...
- أنت َ تحبها ؟
سألته فجأة ، و هو فاتح الباب بيطلع ، و وتوقف بنص الطريق ...
مرت ثلاث أو خمس أو ست ثواني ، و هو واقف بنفس الوضع ، و رديت ناديته :
- سلطان ؟؟؟
استدار لي ، و جت عينه بعيني ...
- تحبها يا سلطان مو صح ؟
ما رد ... ذكرني بذيك اللحظة ، لما كنا عنده بالمكتب ، لما سألته قمر السؤال نفسه و ظل صامت ...
- سلطان ... أنا شفت ورقة الفاكس ... اللي كنت تبي تبعثها لها ، ذاك اليوم ...
عنيت الورقة اللي شفتها بين أوراق سلطان المتبعثرة في المكتب ،
(( قمر أنا أحبك ))
أخوي سلطان اللحظة ذي ، حسيته جبل يوشك أنه ينهار ...
- شفتيه على الورق ؟ أجل لو شفتيه داخل صدري ... هنا في قلبي ... محبوس بين ضلوعي ... إش تقولين ؟
تفجرت الكلمة من لسانه ، بالأحرى من قلبه فجأة ، بعد كتمان طويل ... كان يضرب على صدره و هو يقول
( هنا بقلبي )
شفت عذاب الدنيا كلها مكتوب في عينه ...
- أحبها ؟ نعم أحبها ، أحبها و أعشقها ... و بعد ؟؟؟ و تالي ؟؟؟
تمنيت إني ما سألته هذا السؤال ... ليته خليته يروح بأمان الله ، ندمت ، و لآخر العمر باظل ندمانه ...
لف أخوي سلطان يبي يروح خلاص ، بس استوقفته :
- سلطان ...
ما التفت لي ، قال بمرارة :
- نعم يا شوق إش بعد ؟
جريت صوبه ، طوقته بذاعيني ، أخذته بحضني ، و ضغطت عليه بقوّة ...
كانت دموعي تسيل لا إراديا ... ما بغيت اللحظة تنتهي ، ليتني كنت أقدر أسوي شي عشانه ... أخوي الحبيب ...
الشي ، اللي ما اكتشفته إلا بعد فترة شهور طويلة ، هو ... أن ( منال ) لحظتها كانت عند الباب ...
*
* *
*
سلـّـمت عليها سلام عابر ، و مشيت عنها ! تجاهلتها أول الساعات ( أمثل دور الزعلانة )
لكن بعد كذا ... رحنا الكافاتيريا سوى ، أنا و قمر و شوق و زميلات غيرنا ، و جلسنا في لمـّـة حلوة ...
و عشان أأكد أن الأمور بيننا ( صافي يا لبن ) مهما تهاوشنا ، طلبت منها بكل مرح و جرأة :
- قمورة بـ اجيب لك بحثي و أنت ِ اكتبيه بالكمبيوتر ، خلصيه و جيبيه لي خلال يومين مو توهقيني !
- حاضر يا ستـّـي ، بس إن شاء الله ما يكون ( ثامر ) لاعب بجهازي زي المرة اللي فاتت !
أخوها ثامر ما شاء الله مولع بالكمبيوتر ، و أكيد رح يلتحق بها التخصص بعد الثانوية !
تطمنت ، جوابها كان يعني أن كل الأمور بيننا ( سمن على عسل ) ، و يعني بعد أن روحتنا للسوق الخميس الجاي ما
انحذفت .
و احنا جالسين نسولف مع بعض ، شوق قالت لقمر :
- ( أبيك بشغلة )
و راحوا ثنتينهم عنا ...
إن جيتوا للحق ، أنا ما اكترثت لشي و لا كنت باكترث ، لولا الوجه اللي رجعت به قمر بعد دقايق ....
العيون تبرق ...
الشفايف متقوسة مفتحة ...
الخدود محمرة متوهجة ...
الابتسامه لاصقة بوجهها و الأسارير منفرجه عليه ... !
الأمر فيه ( سر ) !
و إذا ما خابت ظنوني ، الأمر فيه (( سلطـــان )) !
طبعا رح تقولوا أن مالي حق أتدخل ، بس هذه صديقتي اللي أعزها أكثر من أخواتي ، و أعطي نفسي الحق في أني
أسوي الشي اللي من صالحها ...
كانت مجرد شكوك ، بس بعدين ، لما شفتها رايحة تجري مكالمة بالتلفون ، و سمعتها بعد تقول – تكلم خطيبها على
الطرف الثاني – (بارجع مع زميلتي ... )
تأكدت ... شوق قالت لها شي عن سلطان أكيد ، وأنا لازم أعرفه ...
أمس كنت متهاوشة معها و ما أبي أواجهها مرة ثانية اليوم ، كنت قاسية معها كثير ... قمر بعدها تتكلم بالتلفون ، و
شوق موجودة قريب مني ...
تركت قمر ، و جيت لعند شوق ، و أنا مصرة أعرف .. ايش السالفة ؟؟
- شوق
- هلا ؟
- ممكن سؤال ؟
- أكيد سلمى !
- إيش قلت ِ لقمر ؟
طالعتني بنظرة استغراب ، و عاد أنا أسلوبي ما به لف و لا دوران ، قلتها مباشرة :
- إيش قلت ِ لقمر قبل شوي ؟ إش بينك و بينها ؟ ممكن أعرف ؟
اسنكرت سؤالي و ظهرت تعابير الاستياء على وجهها ، بس ، رضيت على نفسي ها لمرة أكون ( وحقة ) شوي ، و لا
أن سلطانوه الزفت يرجع يظهر بحياة قمر ، يعذبها من جديد ...
- إذا ما خانتني توقعاتي يا شوق ، أنت ِ قلت ِ لها شي له علاقة بأخوك ...
رفعت حاجبها الأيسر ، في نظرة تجمع بين التنبيه ، و الدهشة و الاعجاب !
اللي زادني يقين فوق يقين ، أن الزفت له ضلع في الموضوع .
- قمر بـ ترجع معك اليوم ؟
- نعم
- و اللي يوديك البيت طبعا أخوك
- نعم
- يعني ... قمر رح تلتقي بـ أخوك
- ....
- ليه يا شوق ؟
- عفوا سلمى بس ما تلاحظي أن الأمر ، ما له صلة بك ؟
- إلا ، قمر صديقي و أختي الحبيبة الغالية ، و اللي ما اسمح لأي مكروه يصير لها و أنا أتفرج ! نسيتي اللي صار
ببيتكم قبل كم يوم ؟؟؟
أنا ما ابي أقول شي لقمر لأني توني متهاوشة معها أمس ، امنعي أنها تشوفه فورا .
ناظرتني بنظرة غضب ، و شاحت بوججها عني ... يعني هي تأيد هذا اللقاء و تبيه يصير ...
- قمر هي اللي طلبت منك توصليها ؟
- لا
- أنت ِ ؟ انت ِ اللي تبينها تشوفه ؟ تعتقدي أن هذا رح يفرحها ؟
- أخوي يبي يقول لها حمد الله على السلامة ، لا أكثر .
- يعني سلطانوه هو اللي طلب !؟
طلعت الجملة من لساني عفويا ، و لفت علي و طالعت بي شوق بغضب ، ليه أسمي أخوها سلطانوه ! زين ما قلت :
( الزفت ) بعد !
- شوفي يا شوق ، أحسن لك تقولي لأخوك يبتعد عن قمر نهائيا ، يكفيها اللي قاسته بسببه طول المدة اللي فاتت ، و هو
لا حاس و لا كأنه واحد من البشر
- ما اسمح لك يا سلمى ، ما اسمح لك تقولي عن أخوي أي كلمة غلط ، رجاءا انتبهي لكلامك ...
- لكن هذه الحقيقة ، أخوك مثله مثل الكرسي اللي أنت ِ جالسة عليه ، بس للكرسي فوائد أكثر ...
وقفت شوق فجأة بعصبية ، و صرخت بوجهي ، و زين ما كان أحد قريب منا و الا كان سمع ..
- سلمى اسحبي جملتك بسرعة ، إش تعرفي انت ِ عن أخوي ؟ ما أقبل أي أحد يقول عنه كذا ، لا أنت ِ و لا قمر و لا
غيركم ، اسحبي كلامك ...
و جت قمر ، منبسطة الأسارير مشروحة الصدر ، كأنها طفلة بريئة تحلـّـق في السماء ... بعفوية و بلا قيود ...
فرحتها ما خلتها تقدر تلاحظ الجو المشحون بيننا أنا و شوق ، حضورها خلانا نقطع الموضوع ، و ما عاد قدرت أفتحه
مرة ثانية ...
*
* *
*
دقايق و ألتقي بالعسل ...
ما أصدق ...هذا حلم وإلا حقيقة ... ؟؟؟ سلطان يبي يشوفني ...؟؟؟
آه يا سلطان ...
المحاضرة أنا ما ركـّـزت عليها ....
مسكت القلم و فتحت الدفتر ، و حلقت بخيالي بعيد ... بعيد ... في عالمي الخاص ...
كتبت كم بيت شعر ... زمان لي ما كتبت ... عسل غاب ... و الالهام غاب معه ...
سلطان يحب يقرأ أشعاري ... و رح أهديه هذه الأبيات ، لما أشوفه بعد شوي ...
الوقت بطيء ...
ليه يا عقارب الساعة تخاذلت ِ عن المشي ؟؟
ليه يا شمس طولت ِ الزيارة ...؟؟
ما بغيت أصدق أنها جت الساعة 3 أخيرا ...
تفكيري مشلول ، ما فيه أي شي ثاني ببالي ، بس عسل و عسل بس ...
ودي بس أشوفه ، لو نظرة وحدة ...
بس أسمعه ، لو كلمة وحدة ...
أحس بوجوده ، لو لحظة وحدة ...
كثير علي ؟ لحظة وحدة بس ، من عمر الزمن ؟؟؟ كثير علي ؟؟؟
- هذا هو وصل !
انتبهت فجأة على صوت شوق ، اللي كانت واقفه جنبي عند المواقف ، ننتظر وصول سلطان ...
ما طاوعتني رجلي ، ما قدرت أخطو ... حسيت بنفسي مشلولة ...
مسكت شوق إيدي ، و سحبتني معها ، للسيارة ...
شوق فتحت لي الباب الخلفي ، و راحت تجلس قدّام ، جنب أخوها ...
ما أذكر وشلون جلست ، بس شفت نفسي على الكرسي ، ورا سلطان مباشرة ...
أول ما وصلني ، كانت ريحة عطره الفواحة الجذابة ... اقتحمت أنفاسي و سرت في جسمي كله ...
ما انسى ريحة ذاك العطر ... مهما حييت ...
أبدا ...
عيني ثبتت على يديني ، يديني كانت ترتجف ، كانت باردة و متوترة ، رغم أن جسمي حار .. و صدري ملتهب ...
- السلام عليكم ، كيف الحال قمره ؟
هو اللي بدأ السلام ، أنا صوتي تلاشى فجأة ، شديت حبالي الصوتية شوي ، لا ، شديتها كثير ، بغيت أقطعها من كثر الشد ، بس خانتني ، و طلع صوتي مبحوح و أقرب للهمس ...
- و... عليكم السلام
- كيف حالك الآن ؟ حمد الله على سلامتك
- ااالله يسلللمك ...
- ما تشوفين شر ، الله يعافيك و يقومك بالسلامة يا قمره
رفعت عيني ، طالعت في المراية ... و جت عيني على عينه ....
سرت رعشة بجسمي ، مثل صدمة الكهربا ...
بسرعة بعدت انظاري و بعثرتها يمين و شمال ...
من زمان ما شفتها ... في لمحة وحدة ، تذكرت كل شي شفته في ذيك العيون ...
و آه من ذيك العيون ...
حسيت بلهيب حار يطلع من صدري ، و صرت أهف على نفسي بيدي ، سلطان انتبه لي ، و رفع التكييف بالسيارة
لأقصى حد ...
ما قدرت أقاوم ... تسللت نظارتي خلسه ناحية المراية ، و مرة ثانية ... اصطدمت به ...
عيني بعين العسل ... و ريحته تداعب أنفاسي ... و هو جالس قدامي ما يفصلني عنه إلا مقعد ...
إذا كان هذا حلم ... أرجوكم ... أرجوكم لا تصحوني ....
و إذا كانت حقيقة ... فتكفون ... خلوني ...
روحوا و خلوني ...
*
* *
*
- سلطان ... وقـّـف عند محل الآيسكريم ! مشتهية واحد !
قالت شوق لما قربنا من محل آيس كريم في طريقنا ...
و وقف سلطان السيارة ، و نزلنا إحنا الثلاثة ، و دخلنا المحل ...
و احنا طالعين ، و كل واحد بإيده نصيبه من الآيس كريم ، التفتت شوق ناحية البحر ...
- الله ! بالمرة بديع ! وش رايكم ، خلونا نجلس عند البحر شوي !
مو من اعتباط ، كانت تقصد شي ، و الفكرة راقت لنا كثير ... و مشينا لعند البحر ...
الشمس ، مازالت في كبد السماء ... نورها يسطع على الوجوه مباشرة ....
يتخلل عدسات العيون ...
و يبرق لونها العسلي الجذاب ...
و من الناحية الثانية ، يترك ضياها ظل طويل ممدود ... يتراقص على الرمال الناعمة ... مثل ما تتراقص القوارب
الخشبية على أمواج البحر ...
أحسد الرمال اللي قدرت تعانق ظله و هو يمشي عليها ...
ما أذكر كيف كان طعم الآيس كريم ... حواسي كلها فقدتها ذيك اللحظات ... كان بارد و الا حار ؟ كان حلو و الا مر ؟
كان آيس كريم و الا قهوة ؟ ما اذكر ...
وقفنا عند الساحل ... نراقب الأمواج و هي تضرب بالرمال ... بدون كره أو نقمة ، و كانت رمال الشاطيء مستسلمة
لضرباتها ، مثل استسلام الرضيع لضربات راحة يد أمه على ظهره ، و هو نايم بحضنها ...
شوق ، عشان تتيح لنا فرصة نتكلم ، مشت بمحاذاة الساحل ، و ابتعدت كم خطوة ...
- ألف حمد الله على سلامتك يا قمره ، عدّاك الشر و كل مكروه ...
- الله يسلمك ... الشر ما يجيك ...
- إن شاء الله كل شي بخير ؟ وش قالوا الأطباء ؟
- كل شي تمام ، عندي موعد بعد كم أسبوع ، للمتابعة لا أكثر ...
- الحمد لله ...
كأنّ البحر ، كان فرحان بلقائنا ؟ كأنّ أمواجه هاجت شوي ، تغني و تتراقص احتفالا بنا ؟
ليه تهيأ لي أن كل الكون ... جاي يحضر لقاءنا و يحتفل ...؟
الشمس ... الطيور .. الأمواج ... الرياح ... كل الكون ... يشهد لقاء المحبين ، بعد طول فراق ....
اشهدوا معي كلكم ... أحبه ، و مشتاقة له و ولهانة عليه ...
الشعور الـّـي أحس به ، لما يكون العسل قريب مني ، شعور ... أعجز و لو كنت أملك قدرات العالم كلها ، عن إني
أوصفه ...
- متى زواجكم ؟
اخترقت هذه الجملة الدخيلة المشؤومة جمال اللحظات ... و توقف كل شي عن الغناء و الرقص ... و افسدت الحفلة ...
طالعت بسلطان ... و نظراتي كلها لوم و اتهام ... ليه خرب علي حفلتي ؟؟؟
سلطان ، طالعني ينتظر مني الجواب ...
قلت بصوت مخنوق :
- ما تحدد
سكت شوي ، بعدين قلت و أنا مقهورة منه :
- ليه تسأل ؟
- مجرد سؤال ...
- مو في مكانه
هزته جملتي الأخيرة ... و طالع فيني بعمق ، كأنه يبي يقرأ المكتوب على عيوني ، و كأن اللغة كانت غريبه عليه ...
ما عرف يقراها ...
- ليه ؟
- تسألني ليه ؟!
ابتعد بانظاره صوب البحر ... ما كان يبي يقرا أكثر ...
- سلطان ...
ناديته بصوت ... كله حنين و مشاعر ... التفت لي ...
- نعم ؟
- تتوقع ، أني ... خلال الشهرين اللي فاتوا ... قدرت أحب بسـّـام ... و أنساك ؟؟
ما عرف يجاوب ... أو يمكن ما بغى يجاوب ...
- سلطان ... أنا ... بعدني .... أحبك أنت ...
تنهد تنهيدة طويلة ، و قال ... ببرود ... أبرد من الآيس كريم اللي كان بايدي ...
- إش الفايدة يا قمره ؟ ... إش الفايدة ؟ ....
قمر ... قمر ... لازم تنسيني ... لا تخلي ... تعلـّـقك بي يكون السبب ... في أي مكروه يصيبك ... مو أنا ... اللي
استحق ... مشاعرك ... أرجوك ... وجهي مشاعرك لزوجك ... زي ما أنا ... وجهتها لزوجتي ...
دارت بي الدنيا ، امتلكتني رغبة مفاجئة في ( التقيؤ ) ، صرت اتلفت يمين و شمال ، قلق سلطان ، و حس أن فيه
شي ...
- قمره أنت ِ بخير ؟
هزيت راسي لأ ...
لأ يا سلطان لا تسوي فيني كذا ...
لا يا سلطان لا تحطـّـمني في عز فرحتي
لا يا سلطان لا تسمح لغيرك ياخذ مشاعري ...
لا يا سلطان لا توجـّـه مشاعرك لأحد غيري ...
لا يا سلطان مو بخير .... لا مو بخير ...
مو بخير ....
- قمر ... ؟
نادى و هو مذعور و قلق ... ، طالعت فيه و دموعي مثل المطر ... و في قلبي صرخة ما قدرت أكبتها بعد أكثر ...
- هذا اللي بغيت تقوله لي يا سلطان ؟ جايبني هنا عشان كذا ؟؟؟
- لا يا قمر ... مو قصدي
قاطعته بحدة :
- إش تقصد ؟ وضح لي ؟
- قمر نعيد و نزيد ؟ انسيني يا قمر... اعتبريني ... فيلم و انتهى ... قصة و خلصت ... اعتبريني ... اعتبريني ....
و أشار على البحر ، و كمـّـل :
- ... اعتبريني موجة و عدت ... و ما بقى ... إلا الزبد ...
لما رجعت عيونه تطالع بعيني ، ما شفت ... إلا الزبد ....
- فاهمتني يا قمر ...؟؟؟
نزلت بانظاري ... الى الآيس كريم اللي بيدي ، انصهر معظمه ...
جماد ... بارد ... بدون احساس ....
رفعت عيني مرة ثانية لعينه ...
- الفرق بينكم ... أن هذا ينصهر ... و أنت لا ...
قلتها بكل غضب ، و بحدة جارحة ... و أنا متأكدة ، أن المخلوق التمثال الجامد قدامي ، اللي مصنفينه بالغلط ضمن
البشر ، مستحيل يحس ...
محاولة أخيرة ، اختبر فيها ( حيوية ) هذا المخلوق ، من عدمها ...
قلت :
- أحبك ...
ما تحرك ، كل شي من حولي تحرك ، الهوا تحرك ... الموج تحرك ... الشمس تحركت ... حتى الظل ... تحرك ...
لكن هو ... ما تحرك تيقنت تماما ، أن هذا ... مخلوق أجمد حتى من الجماد ...
فجأة ، رن هاتفه الجوال ...
أخذه من جيبه ، و رد ...
ما كان صعب علي ، أني اعرف من كان المتصل ...
بعد ثواني ، انهى المكالمة ، و حط الجوال بجيبه ...
- المدام ؟
- .... نعم ، تقول تأخرنا ...
و طالع بشوق ، اللي كانت جالسة عند الشاطي على بعد كم متر منا ، تناظر البحر ...
- تحبها ؟
سألته ، سؤال ما توقعه ... و تلكأ في الإجابة ...
- مو الحب بس ، هو اللي لازم عشان ينجح الزواج يا قمر ... هي مسألة تعود ، و رح تتعودي على زوجك ، مثل ما
أنا ... تعودت على منال ... و يصير بينك و بينه عشرة و مودة و حياة ، مثل ما صار بيني و بين منال ... و يصير
يعني لك ، مثل ما صارت تعني لي منال ...
غمضت عيني بقوة ، بألم ، بمرارة ، أبي أمنعها من شوفة صورة منال ، انعصرت دموعي ، و انشدت أعصابي ، ما
أبيه يذكر اسمها قدامي ، أكرهها قبل ما أشوفها ، و يوم شفتها أكرهها أكثر ... و لا جاب طاريها أكرهها أكثر و أكثر و
أكثر ...
أبي أمحي صورتها من بالي نهائيا ...
ناداني سلطان بصوت متعاطف و قلق في نفس الوقت :
- قمره ؟؟
فتحت عيني ، طالعت فيه ، الحين ، ما أشوفه هو ، أشوف صورة منال مرسومة على وجهه ... مخلوطة مع صورة
الزبد ... و صورة الفصوص الفضية و هي تتبعثر في الغرفة ....
صحت بوجهه :
- أكرهك ...
قلتها ، من نار صدري ، من حرقة فؤادي ، من عصرة قلبي ...
- أكرهك يا سلطان ...
فجعت قلبي ... الله يفجع قلبك ...
و رميت ( كوب ) الآيس كريم عند رجله ، و رحت أجري صوب السيارة ...
وصلت السيارة ، و فتحت الباب ، و طلـّـعت شنطتي ...
وصلت شوق و سلطان لعندي ، و كل واحد يناديني من جهة ، و أنا ما أرد عليهم ...
فتحت الشنطة ، و دوّرت على المحفظة ، شفتها و شفت جنبها الورقة اللي كتبت فيها آخر شعر لي اليوم وقت
المحاضرة ...
طلـّـعتهم اثنينهم ، فتحت المحفظة و طلعت ( خمسة ريال ) ، سعر الآيسكريم ، و قطـّـيتها على سلطان ، و الورقة ،
مزعتها و رميتها صوبه ...
كانوا اثنينهم يكلموني ، لكني ما اسمع أي واحد منهم ... جيت بامشي أبتعد عن سلطان ... و عن الحيز اللي فيه
سلطان ...
و عن الدنيا اللي فيها سلطان ...
و عن اللحظة اللي عرفت فيها سلطان ...
و عن القلب اللي ما حب واحد في هالعالم ...
غير سلطان ....
اللي اسرقت مني حبيبي و باقت أحلامي
اللي بسببها تبددت في الكون أيامي
اللي كرهت أنا اسـ مها من بد الأسامي
لا عاد ابيك تجيب لها أي طاري قدامي
*
* *
*
لا جيت تذكر اسمها أوصالي تتقطع
و النار اللي بتنخمد ، ترجع و تتولع
إهي العزيزة الغالية تامر و تتدلع
و انا الوحيدة الباكية أصرخ و اتوجع
*
**
*
يكفيها كل وقتك لها كل حبك و خيرك
حتى فدقايق لي أنا ، محتلة تفكيرك ؟
ارحمني يا ابن الناس أنا ما حبيت غيرك
شكرا ( لفهم ) مشاعري ، شكرا ( لتقديرك )
*
* *
*
..............
|