لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات منوعة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات منوعة الروايات المنوعه


لورا و الدوق الأسباني / ماري روك (رواية مكتوبة )

مرحبا يا بنات .. عدت لكم في رواية جديدة .. :55: رواية (laura and the spanish duke) لورا و الدوق الأسباني ... أتمنى إنها تعجبكم ..

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (3) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-02-09, 04:08 AM   3 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2007
العضوية: 28095
المشاركات: 94
الجنس أنثى
معدل التقييم: kokowa عضو له عدد لاباس به من النقاطkokowa عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 109

االدولة
البلدCanada
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
kokowa غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات منوعة
Thanks لورا و الدوق الأسباني / ماري روك (رواية مكتوبة )

 

مرحبا يا بنات .. عدت لكم في رواية جديدة .. الأسباني (رواية
رواية (laura and the spanish duke)
لورا و الدوق الأسباني ... أتمنى إنها تعجبكم ..


"الرواية ككتاب"




الأسباني (رواية





وميض آلات التصوير جعلت عقله يومض من جديد ..عاد تفكيره أسابيع للوراء .. حيث كان واقفا في قاعة المطار.. عندما لمحت عيناه امرأة.. ظن للوهلة الأولى بأنها لا تستطيع أن تراه .. لكن عندما ابتسمت له أيقن بأنه وقع في غرامها ..

إذا لقد أحب نفس الشخص مرتين .. فهل هذا منطقي؟!!

لم لورا و الفتاة الهيفاء هما شخص واحد .. لم أحب من يجب أن لا يحب .. إن الأمور تزيد خناقها عليه و لم يعد يعرف كيف يتصرف حيالها .. هل يتبع قلبه أم يسمع عقله ؟!
و من تكون لورا ؟!!

 
 

 

عرض البوم صور kokowa   رد مع اقتباس

قديم 19-02-09, 04:10 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2007
العضوية: 28095
المشاركات: 94
الجنس أنثى
معدل التقييم: kokowa عضو له عدد لاباس به من النقاطkokowa عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 109

االدولة
البلدCanada
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
kokowa غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : kokowa المنتدى : روايات منوعة
افتراضي

 

1-



حجرة مليئة بالملابس الملونة الزاهية الفاخرة و الحقائب و الأحذية ذات العلامات التجارية المعروفة كديور و برادا و غوتشي و غيرها و على التسريحة وضعت أنواع من مساحيق التجميل ذات الجودة العالية .. و حجرة أخرى بيضاء مليئة بالأدوات الثقيلة و الأجهزة السوداء و والمصابيح العملاقة و أسلاك كهربائية ممتدة إلا مالا نهاية .. و فيها شخص يصرخ في كل ثانية و أخرى أما منتقدا أو مادحا .. هذا بالإضافة إلى الومضات ساطعة تزيد الحجرة بياضا و تعمي العيون .. . هذا المكان يطلق عليه (الأستوديو)!!!

كانت واقفة تقوم بحركات مختلفة حتى تتلقاها الومضات في كل الأجناب .. على اليمين و الشمال .. جالسة و واقفة .. متخصرة و منبسطة .. ترتدي فستان سهرة ابيض فأحمر فالأخضر و الأسود و الملون .. أو فستان قصير .. أو آخر بلا أكمام .. و من ثم تخلعها لترتدي ملابس رياضية مريحة أو ملابس عملية أخرى .. و من ثم تخلعها لترتدي جينز و قميصا ... فساتين.. و إما ترفع شعرها الأشقر بأكمله .. أو تسدله أو جزء منه ... أو ترتدي قبعة و على هذا المنوال تقريبا كل يوم خلال أربع ساعات متواصلة أو أحيانا تصل إلى يوم كامل ..
صاح بصوته المبحوح

- " يكفي .. "

و أخيرا نطق بها .. تركت الحجرة البيضاء و ألقت بجسدها المنهمك على الكنبة في غرفة التبديل الغير مرتبة .. أغمضت عيناها لخمس دقائق حتى شعرت به يندفع داخلا مزعزعا هدوئها و سكينتها

- " غدا موعدنا في الثامنة صباحا أرجوك لا تتأخري مثل اليوم "
فتحت عيناها و هي لا تصدق بأنه اتهمها بالتأخير

- " لكنني لم أتأخر اليوم يا سام بالله عليك لقد دخلت بعدك بخمسة دقائق "
- " نعم و أنا اعتبر من يدخل بعدي بخمسة ثواني متأخر و مقصر أيضا .. أنني أقول ذلك لمصلحتك يا عزيزتي .. يجب أن تصدر الصور و ترسل إلى المجلة بأسرع وقت ممكن .. "
- " اعرف ذلك اعرف .. لا ينبغي لان تكرر ذلك في كل مرة .. "
- " إنني ..."
قاطعته و استقامت واقفة .. ارتدت معطفها و قالت قبل أن تهم بالخروج

- " سأذهب .. أراك غدا .. "
صاح بصوت عال حتى تسمعه و هي خارجة

- " لا تنسي أن تهتمي بذلك الوجه الجميل فهو مصدر رزقنا "

لم تستطيع أن تغادر دون أن تبتسم و هي تسمع هذا التعليق الصادر من سام ديكاري صديقها المصور و مدير أعمالها أيضا ..

قادت طول الطريق حتى توقفت أمام ملهى ليلي ..تعطرت و أصلحت من احمر شفاها الفاقع و رتبت من هندامها و شعرها قبل أن تغادر السيارة ..
سمعت تعليقات الشباب الذين مرت بالقرب منهم التي اعتادت عليها على منظرها المثير لذلك تجاهلتهم و دخلت القاعة الكبيرة التي تقام فيها حفل عيد ميلاد صديقتها المقربة جاكلين روبرت .. لم ينتبه أحد لدخولها فالمكان صاخب و الأضواء خافتة و الحضور يملئون القاعة .. دارت بعينيها على المكان و لم تجد أثرا لجاكلين فقررت أن تجلس على البار و تترك أمر صديقتها لوقت آخر بعد أن تحتسي كأسا أو اثنين ..


- " كيف أخدمك يا آنسة ؟! "
سألها عامل البار بنظرات إعجاب و كأنه تعرف عليها أو شبه على ملامحها ..

- " تكيلا من فضلك "
سكب لها و ناولها إياها و وقف يحدق بملامحها ..

- " ماذا ؟! أليس لديك زبائن أخرى غيري ؟ "
قالت بانزعاج ..فقهقه ساخرا و ابتعد عنها .. رأته يهمس إلى زميله و ينظرا إليها و يبتسما .. تركت شرابها و ابتعدت لتبحث عن جاكلين .. و أخيرا وجدتها بالقرب من دورات المياة الخاصة بالنساء .. عبطتها بقوة

- " آه و أخيرا وجدتك !! عيد سعيد "
ثم ناولتها كيس صغير يحوي هدية بسيطة لكنها قيمة

- " لم أتوقع مجيئك .. إنها لمفاجأة سارة ..شكرا لك يا عزيزتي "
كانت تتحدث بصوت يشبه الصراخ حتى تستطيع سمعاها إثر هذه الضجة الصادرة من مكبرات الصوت ..
- " و أنا لم أتوقع كل هذا الحضور .. "
- " أغلب الحضور لا أعرفهم .. "
ضحكتا بالفعل فبالكاد يستطع الشخص الحركة .. جذبتها جاكلين من يدها و هي تقول لها

- " هيا تعالي لنمرح قليلا .. لنرقص .. "
ضحكت من تصرف جاكلين العفوي و سألتها

- " مع من ؟!! "
- " ستجدينه .. هيا .. لنستمتع إنه عيد ميلادي "
- " لكن .."
- " لا تندرج هذه الكلمة في قاموسي "
دفعتها إلى شخص واقف يتحدث مع براد صديق جاكلين و قالت له و هي تجذب براد لترقص معه قاطعة بذلك حديثهما..

- " توقف عن النقاشات التي لا تأتي بنتيجة يا بروس و راقص صديقتي "

وضعت لورا يدها على وجهها إثر الموقف المحرج الذي وضعتها فيه جاكلين .. مد ذلك الشاب الطويل يده و قال مبتسما و قد بدا عليه الإحراج بدوره فتناولت يده و بدأت تتمايل معه راقصة ..

لم تستطع أن تنظر في عينيه لأنه كان يحدق فيها و هو يبتسم .. قالت بصوت مرتجف

- " إن جاكلين مجنونة .. لقد جذبت يدي و ألقتني عليك "
- " لا بأس .. إني أشكرها .. فلقد وفرت علي جهدا لان أبحث عن فتاة جميلة و أسألها لترقص معي"
رفعت بصرها لتنظر إلى عينيه و ابتسمت له بامتنان ..

- " إن وجهك مألوف .. هل رأيتك من قبل ؟! "
- " لا أعرف .. لكني متأكدة بأني لم أقابلك "
- " حقا ؟!! اممم .. و لا حتى في منزل ستيوارت ليلة رأس السنة ؟! "
ضحكت .. و نفت بحركة من رأسها

- " إذا ما اسمك ؟! "
- " لورا .. "
قاطعها و أكمل قائلا مع ابتسامة عريضة فلقد تعرف عليها

- " آغنر .. نعم لورا آغنر يا لي من مغفل ..كيف لم أعرف ذلك ؟!"
ابتسمت و سألته بمكر

- " و الآن عرفت .. فهل أحدث ذلك فرقا ؟ "
كان متحمسا و سعيدا فتوقف عن الرقص

- " آه بالطبع يحدث فرقا .. و كيف لا .. أنت عارضة الأزياء الجديدة التي أحدثت ضجة في هوليوود و الولايات بأكملها "
انزعجت من ردة فعله لكنها مع ذلك رسمت ابتسامة ودودة و قالت تهدئه ..

- " لا أرى ضجة كبيرة .. "
- " صورك ملئ الشوارع و الجرائد و المجلات .. و تقولين لا ترين ضجة كبيرة "
تلفتت يمين و شمالا و هي ترى وجوه الراقصين ينظران إليهما فابتسمت بتوتر و قالت له بنبرة معاتبة ..

- " أنت من يحدث ضجة الآن و يجعل الجميع يحدقون "
- " بالطبع هذا ما يجب أن يفعلونه .. أنت لورا آغنر "
رفع صوته حتى يسمع الموجودين من يراقص ..
- " أرجوك توقف .."
ابتعدت عن الراقصين و ابتعدت و أخذت مقعدا لتجلس عليه فجلس بالقرب منها
- " لم أعرف بأنك صديقة جاكلين .."
- " نعم صديقتها منذ سنوات "
- " ألم يعرض عليك تصوير فيلم ؟! "
- " بلى .. لكن ..."
- " هذا رائع .. أنا أعمل مخرج أفلام قصيرة .. ما رأيك أن تقومي بتمثيل دور في فيلمي الجديد ؟؟!! "
إنه يمطرها بأسئلة محرجة و مزعجة .. بلا توقف و لا يترك لها مجالا للإجابة .. تجمهر بعضا من الحاضرين حولها فشعرت بالاضطراب و الانزعاج .. و حاولت أن تفلت من ذلك الرجل بطريقة لبقة دون جدوى حتى تدخلت جاكلين و أبعدت بروس و أسألته و أخرجت لورا من تلك الجمهرة ..

جلست على البار و ناولتها جاكلين كأسا.. كانت تنظر إلى صديقتها المنزعجة من تصرف بروس فمسحت على يدها و قالت مبتسمة

- " هاي .. جاكي عزيزتي لا عليك أنا بخير "
- " لا لست كذلك لقد أزعجك بروس بتصرفه و أسألته .. و أنا السبب "
- " لا تكترثي .. كل شيء على ما يرام هيا ابتهجي انه يومك .. "
- " اعذريني يا لورا "
- " لا بأس هيا اذهبي و ارقصي ... أرجوك لا تقفي هنا .. انه شيء طبيعي إن يحدث معي هذا .. لقد بدأت اعتاد عليه "
- " هل أنت متأكدة بأنك ستكونين بخير ؟ "
- " بالطبع و ما عساه إن يحدث ؟! انظري انه براد.. ينتظرك .."
- " حسنا .. أرجوك اخبريني إذا أزعجك أحدا آخر "
- " لا تقلقي اعرف كيف اعتني بنفسي "

عندما ابتعدت جاكلين استدارت لورا ناحية البار لتصطدم بعين العامل الذي كان يحدق فيها و ابتسامة ملتوية على شفتيه و قال بخبث

- " بالطبع .. لقد قلت في نفسي بأن وجهك مألوف .. إذا أنت هي لورا آغنر تلك الشقراء الجميلة "
لم تعر لتعلقه اهتماما بل مدت كأسها و قالت

- " هل لك أن تسكب لي المزيد ؟! "
- " لك ما شئت "
سكب لها ثم وقف ينظر إليها بافتتان و بدأ يمطرها بالأسئلة

- " كيف هي حياة المشاهير ؟! لم لا أرى معك حارس شخصي ؟! أو ماذا تفعلين في حفلة متواضعة كهذه ؟! مثلك يذهب في مواعيد مع نجوم هوليوود أو لاعبين مشهورين أو أي كائن ذو مركز مرموق و يرتادون حفلات الايمي و الأوسكار و... لكن ليس كهذه الحفلة "
احمر وجهها لكن هذه المرة بفعل الغضب و قالت بعصبية

- " ليس من شانك أن تعرف لكنني سأجيبك حتى أريح فضولك .. جاكلين صديقتي المقربة.. و شكرا على الشراب "

ابتعدت عنه و اقتربت من صديقتها قبلتها و تمنت لها سنة سعيدة

- " لكن يا لورا لم أطفأ الشموع بعد "
- " أرجوك اعذريني فانا متعبة و لم أعد إلى البيت منذ خروجي هذا الصباح .. "
- " حسنا .. سأحضر لك قطعة من الكعكة "
- " شكرا لك يا عزيزتي "
- " اعتني بنفسك .."
- " سأفعل .. و أنت كذلك .. استمتعي بوقتك .. و عيد سعيد "




جاء الصباح بسرعة البرق و كأنها قد غطت لدقائق معدودة و ليس لساعات .. تثاءبت و هي تقاوم النوم و تدفع الغطاء عنها لتغسل وجهها بماء بارد ينعشها و من ثم ترتدي ثياب عملية و ترفع شعرها و تخرج من المنزل .. تمر بطريقها على المقهى و تأخذ اسبريسو ساخنة حتى تبعث فيها الدفء و يوقظها الكافيين ..

عندما دخلت وجدت سام يبحث عنها كالمجنون و يسأل العاملين عنها و يطلب منهم أن يتصلوا بلورا .. وقفت تنظر إلى جنونه مستمتعة و هي تحتسي قهوتها .. عندها استدار و رآها واقفه عند الباب ترمقه .. و تضحك على الجنون الذي أصابه .. فهذا هو سام .. ديكاري

- " آه يا لورا .. لقد رفعتي ضغطي .. أنت هنا تتفرجين علي و أنا مصاب بالهستيريا ؟! "
- " أكمل .. لقد أعجبني منظرك و أنت تفتعل مشهدا .. و جائزة الأوسكار من نصيب المصور الفرنسي سام ديكاري "
صفقت بيدها و هي تبتسم ببرود أمام الحرارة المنبعثة من سام ..
- " مضحك جدا .. و الآن هيا إلى العمل ..."
أخذ من يدها كوب القهوة و هو يؤنبها

- " آه لا .. لا .. لا يا لورا .. القهوة مضرة .. ليس لك أنت .. يجب أن تهتمي لجمالك يا عزيزتي ... ستقتليني يوما .."
- " يوما ؟؟ حقا ؟!! ليس الآن ؟؟! يا للأسف "
- " من الجيد أن أراك في مزاج يسمح لك بإطلاق النكات المضحكة ... و الآن هيا .. غيري ثيابك و شعرك .. الكل ينتظرك بالداخل "

تحركت رغما عنها لأنه كان يدفعها إلى داخل غرفة التبديل .. حيث ارتدت فستان ذهبي طويل يصل الأرض من الدانتيل و له ذيل يمتد إلى الخلف و يليق بلون شعرها الذهبي الذي قام مصفف الشعر برفعه إلى الأعلى و من ثم تمويجه على جانب واحد كتصفيفات الشعر التي اشتهرت بالخمسينيات .. و قام مصمم الماكياج بوضع لمساته على وجهها و كان لون البرونز بالذهبي و الأسود هو اللون المناسب مع طلتها و ابرز عينيها الواسعة كحجر الزمرد في لونه الأزرق.. و احمر الشفاه ذو اللون العنابي الغامق هو الذي أكمل سحرها بالإضافة إلى الحلق الذهبي المتدلي من أذنها إلى عنقها من الأعلى ...كل هذه التجهيزات فقط تطلبت ساعتين من الوقت و التصوير مع سام يأخذ أكثر من ذلك .. تموضعت أمام الكاميرا .. و قام سام بأخذ لقطات لها ... حيث كان الموضوع او الفكرة عبارة عن فصل الخريف حيث سيكون غلاف مجلة ( اكسبلوجر ) التي ستصدر في بداية الشهر القادم ...

 
 

 

عرض البوم صور kokowa   رد مع اقتباس
قديم 19-02-09, 04:12 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2007
العضوية: 28095
المشاركات: 94
الجنس أنثى
معدل التقييم: kokowa عضو له عدد لاباس به من النقاطkokowa عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 109

االدولة
البلدCanada
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
kokowa غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : kokowa المنتدى : روايات منوعة
افتراضي

 

-2-






رفع رأسه عن مجلة ( اكسبلوجر) التي يتصفحها بيده و التفت ناحية الرجل الهائج الذي دخل عليه .. فسأله بهدوئه المعتاد ..
- " سيدي .. سيدي .. "
- " ماذا هناك يا ماريو ؟ "
توقف الرجل حتى يرتد أنفاسه المتقطعة و قال و هو يلهث
- " سيدي .. احمل لك أنباء... غير سارة "

قهقه مستهزأ و أعاد بصره إلى المجلة التي بيده و أخذ يقلب أوراقها و قال غير مكترثا و هو ينظر إلى فتاة شقراء تعرض فساتين لمختلف مصممي الأزياء الذين تصورت معهم .. ثم قلب الصفحة .. و هو يقول ..
- " و ما عساه أن يكون أسوأ من خسارتنا للصفقة مع ريس ؟! "

لكن ماريو كان جادا فيما يقول فهو لم يتأثر بكلام سيده فقال بصوت متوتر
- " للأسف يا سيدي إنه أسوأ.. "

استطاع توتر ماريو و جديته أن يؤثر عليه فأصابه القلق و خشي من ما سيسمعه فترك المجلة التي بيده و استقام واقفا ليقترب من ماريو الصغير الحجم بالنسبة لضخامة سيده
- " هل ستخبرني يا ماريو الآن أم يتوجب علي أن انتظر دقائق أخرى حتى يهتز بدني بأكمله و أشعر بالغثيان؟ "
لا يعرف ماريو لم يشعر بالرهبة كلما اقترب منه الدون باتريك ليس فقط لضخامة جسده بل أيضا لشخصيته المهيبة .. بلل ريقه و قال بصوت مرتجف
- " إنها الكونتيسة .. لقد ..لقد توفيت بالأمس إثر حادث "
سكت ليأخذ نفس آخر ثم أضاف
- " و نقل زوجها إلى المستشفى و هو الآن في غيبوبة .. "

لم تعد رجله تستطيع تحمل جسده .. فجر نفسه بصعوبة و جلس على الكرسي الذي كان يتمدد عليه قبل قليل .. وضع يده على رأسه إثر الصدمة التي تلقاها فرأسه لم يستحمل تلك الصدمة الكبيرة ..
- " دون باتريك .. أنا آسف لفقدك والدتك ..و أكثر من ذلك أنا آسف لأني من نقل لك هذا الخبر "
نظر إليه دون أن يعلق منتظرا ماريو أن يكمل كلامه ..فقال بحزن و هو ينظر إلى سيده الذي بالفعل اهتز بدنه و لم تحمله رجليه ليجلس ذلك الرجل الضخم و يصبح منكسرا

- " لقد رتبنا لك للعودة إلى أسبانيا اليوم لدفان الكونتيسة و لتكون المضيف في الجنازة يا سيدي "
فتح عيناه على اتساع .. فلقد استوعب الأمر لتوه .. لقد توفيت والدته .. و هذا الأمر حقيقي .. لكنه لم يتخيل يوما ما بأنه سيفقدها بل اعتقد دائما بان الأمور ستصلح بينهما و ليس بان تغادر هذه الحياة و الأمور بينهما معقدة .. فهو لم ير والدته منذ ستة سنوات غادر فيها إلى لوس أنجلوس و لم يتحدثا خلالها لأنه كان مغتاظا و معترضا تزوجها من رجل لا يستحقها و ليس من مستواها فهي كونتيسة و زوجها السابق دوق ألبا و كذلك ابنها الوحيد ...
- " دون باتريك .. هل تسمعني ؟! "
قاطعه صوت ماريو من أفكاره .. استقام واقفا و دخل إلى حجرته و أغلق الباب خلفه ..
وقف ماريو مع داني صديق باتريك ينظران إلى الباب و ينتظران أن يفتح و يخرج منه لعله يتحدث إليهما ...
- " هل تعتقد بأنه سيخرج ؟! "
وجه ماريو السؤال إلى داني .. صديق باتريك ..
- " ليس لدي أدنى فكرة .. "
- " لم اعهد الدون هكذا من قبل.. "
- " إنها والدته يا ماريو و هو لم يتحدث معها منذ سنوات .. اعتقد بأنه سيأخذ وقتا طويلا"
- " إذا يجب أن أخبر كابتن الطائرة بأننا سنتأخر قليلا .. فهو سيقلع بعد ساعتين "
رفع ماريو الهاتف الأسود الذي يحمله بيده ليتصل بكابتن الطائرة الخاصة الذي سيأخذهم إلى أسبانيا و يخبره بتأخرهم ...

- " لا بل سنبكر "

التفتت الاثنان ناحية الصوت و إلا به باتريك واقفا و هو يدفع حقيبته بيده موشحا بالسواد ببذلته و قميصه و ربطة عنقه السوداء و قد بدا عليه الحزن و اليأس و مع ذلك كان واثقا و قويا و مهيبا ..

أبتسم ماريو .. فهذا هو سيده رغم الصعاب هو كالجبال .. أسرع بأخذ الحقيبة منه ليحملها إلى السيارة .. فماريو يقوم بكل شيء .. كل صغيرة و كبيرة تتعلق بالدوق .و كما يقولون ذراعه الأيمن ..أي لا يمكن أن يقوم الدوق بشيء دون أن يكون ماريو على علم به .. ماريو شخصية مهمة على الرغم من منظره اللطيف فهو هزيل البينة و صغير الحجم ذو شعر أسود خفيف و ذقن مرتب .. و هو من الرجال الدائمي لبس البذل الرسمية السوداء و الذين يتحدثون بالهاتف لأربع و عشرين ساعة ...

و بعد ساعة كانوا جالسين في قاعة الانتظار للدرجة الأولى فقد اخبرهم الكابتن بأنهم لم يسمحوا له بالإقلاع قبل الموعد المحدد بسبب زحمة الطائرات ففتحوا للدوق القاعة حتى يستريح فيها لساعة و بعدها يغادر إلى أسبانيا ..و في هذه الأثناء كان جالسا لوحده بعيدا عن ماريو و داني ينظر من النافذة إلى الناس و حركتهم داخل المطار .. انتبه لامرأة شقراء جميلة تسير و تسير قافلة خلفها ..تتبعها و هي تتحرك و تتحدث مع من حولها .. كانت توشوش في أذن الرجل الذي معها ثم تبتسم ..ابتسم باتريك بدوره .. و لا شعوريا رفعت عيناها لتنظر إليه .. كان غير متأكدا بأنها تستطيع رؤيته .. لكنها عندما ابتسمت له أدرك بأنها قد رأته بالفعل .. و للأسف.. بسرعة جذبها الرجل الذي معها ليدخلوا حيث الباب المؤدي إلى سوق المطار .. ثم اختفوا ...
وقف و هم بالخروج فانتبه له ماريو .. و أسرع داني يقترب منه قائلا
- " باتريك .. إلى أين ؟ "
- " أريد أن أحرك ساقي قليلا "
- " أين ؟! "
أشار إلى سوق المطار في الأسفل .. ففغر داني فاه و أشار إلى ماريو أن يقترب منهما
- " سنذهب معك .. نحتاج لان نحرك ساقينا أيضا "
- " حسنا "

كان يسير و ينظر إلى الناس ..يبحث من بين الوجوه .. عن تلك الجميلة التي ابتسمت له من بعيد ثم اختفت بين الحشود .. و الناس من حوله بعضهم من يضحك مع آخر وثاني يتقافز فرحا و طفل يبكي و آخر يصرخ و أطفال يركضون و يكادون يصطدمون برجليه فيوقفهم ماريو .. و فتيات ينظرن إلى باتريك و يتهامسن و يرسلون له ابتسامات و نظرات إعجاب .. فيبادلهما بإيماء برأسه .. و امرأة كبيرة بالسن تضحك في وجهه .. و رجل يهرول و آخر ينادي على عائلته فيركضون مسرعين للحاق بالطائرة .. و كل لاهي بمشاكله و همومه .. حتى رأى تجمهر في إحدى الزوايا و آلات تصوير ..
أغلق ماريو الهاتف و وجه كلامه للدوق
- " سيدي يجب أن نذهب "
- " لا .. انتظر ماذا هناك ؟ "
كان يقترب ناحية التجمع فقال له داني
- " لعلهم الإعلام و قد عرفوا بأمرك يا باتريك "
- " لا .. انظر .. إنها هي .. "
- " من ؟! "
نظر إليه داني مستغربا .. فأشار باتريك .. و انتبه بأنه قد يكون أفضى عن مكنونه أكثر من اللازم فقال مصححا
- "امرأة يجتمع حولها المصورين و المعجبين "
أشار ناحية امرأة هيفاء ترتدي فستان رمادي ضيق يفصل جسدها الرشيق .. شعرها أشقر كثيف يتساقط على كتفيها كالشلال و كانت تضع ماكياج يتماشى و لون ثيابها الأنيقة تسير بكل ثقة و تبتسم للملتمين حولها .. سمعها تجيب أحد المعجبين عن سؤال ما
- " إلى أين أنت ذاهبة ؟ "
فابتسمت له قائلة
- " سألف أوروبا كلها "
- " هل تأخذيني معك ؟"
صاح احد الشباب فضحكت تلك الجميلة و سارت مودعة إياهم حتى اختفت داخل قاعة الانتظار للدرجة الأولى .. أحس برغبة في أين يتبعها و ما أن دخل خلفها القاعة حتى أوقفه رجال الأمن فاخبره ماريو بأنه دون باتريك و انه من الدرجة الأولى أيضا .. فسمح له بالدخول .. لكن و للأسف .. تأخر .. اختفت مرة أخرى و لم يجد إلا أمتعتها على الأرض .. انتظر قليلا علها تعود .. و لكن رجل أصلع طويل القامة و هو الذي كانت توشوش في أذنه عندما كان يرقبها أتى ليحمل أمتعتها و آلات التصوير .. فشعر بخيبة أمل .. عندها أتى ماريو و أخبره بأن يصعد إلى الطائرة لأنها ستقلع خلال دقائق ..

و في الطائرة كان مشغول البال لم يعرف هل يفكر بتلك الشقراء الهيفاء التي أسرت قلبه المحطم و هو الذي لم يلمحها إلا من بعيد !! .. حتى أنه لم يركز في ملامحها .. أم يفكر بوالدته التي خرجت عن العادات و التقاليد التي اشتهرت بها عائلتهم المحافظة و طعنت برأي ابنها الوحيد و تزوجت من رجل ليس من مستواها فيغادر و يتركها لمدة ست سنوات و لا يتحدث إليها لا في الأعياد و لا في المناسبات .. فهل الحزن هنا ينفع بعد فوات الأوان .. بعد أن غادرت دون أن يراها و تراه دون يسمع صوتها .. كان نادما لفقدها و محزونا أكثر لأنها لم تكن تبالي أو تكترث بالخصام الذي بينها و بينه بل فضلت الرجل الغريب عليه حتى بأنها لم تبادر بإرضائه أو التحدث إليه فلطالما عرف عن الكونتيسة مارسيلا بقسوتها و صلابتها ... و لكن مع هذا فقد أحبها بصدق فهي والدته .. و الأكثر من شعوره بالندم و الحقد عليها في نفس الوقت إلا أنه يشتاق لها الآن مثل كل طفل يرجو أن يغفو في حضن أمه..

- " دون باتريك لقد وصلنا .. هل نمت يا سيدي ؟! "
رفع رأسه عن النافذة و التفتت إلى ماريو
- " لا يا ماريو .. أنا مستيقظ "
- " جيد .. أرجو أن لا تكون متعبا يا سيدي فلدينا رحلة أخرى من مدريد إلى مطار ألبا و من ثم إلى القصر "
- " لا لست متعبا .. استطيع أن أتحمل خمس ساعات أخرى"
التفت إلى صديقه داني الذي كان نائما بطريقة مضحكة فشعره الأصفر قد تبعثر فوق جبهته و يده اليمنى أسفل خده الأيمن و فمه مفتوح و كان يشخر بصوت مرتفع .. فأخذ باتريك هاتفه و قام بالتقاط صورة له .. انفجر الجميع ضاحكين موقظين بصوتهم داني المسكين الذي قفز مفزوعا
- " ها .. ما .. ماذا يجري ؟! "
لم يستطع احد الرد عليه فالكل كان يضحك .. و الذي أضحكهم أكثر بان ماريو سقط أرضا من كثرة الضحك .. ملامح داني الجدية بأنفه الدقيق و شعره الأشقر تجعل من الصعب أن يتخيل أحد نائما بطريقة مضحكة و غريبة .. فداني تغلب على ملامحه الجينات الأمريكية على جيناته الأسبانية .. فوالدة داني أمريكية انتقلت مع والدها السفير الأمريكي إلى ألبا و هناك وقع في غرامها والد داني الذين كان يعمل كمدير لمصانع ألفاريز دي تيلدو ..
وضع يده على شعره الأشقر
- " يا إلهي يا باتريك هل أنت بخير ؟! لم تضحك ؟! "
توقف باتريك عن الضحك ليسترد أنفاسه قائلا
- " آه يا داني .. و لم لا أضحك و أنت نائم تزأر كالأسد .. آه لم أضحك هكذا منذ يومان .."
-
استقام داني واقفا و كان منزعجا و في نفس الوقت كان سعيدا لأنه استطاع أن يدخل البهجة في نفس صديقه المقرب و كذلك العاملين عنده الذين اكتأبوا لحزنه و الآن ضحكوا معه عليه .. هذا جيد ..

توقفت الليموزين عند مدخل القصر الريفي في ألبا في الساعة الثانية عشر صباحا و كان الجميع منهمكين بسبب الرحلة الطويلة .. دخل باتريك المنزل الذي عاش فيه طفولته و مراهقته و غادره و هو في الرابعة و العشرين أي قبل ست سنوات .. و عاد إليه ليدفن والدته غدا صباحا و يكون المضيف في حدادها .. انه يشعر بالعار فوالدته لو كانت على قيد الحياة لأرسلته من حيث أتى ..لقالت له ( هل عدت فقط لدفني !! ) يا له من عار .. يعود إلى موطنه و أصله و نسبه فقط من أجل أن يقف على رجليه و يصافح الناس المقربين و الأصدقاء المعزين بوفاة والدته التي لم يعرف عنها شيئا منذ سنوات طويلة ..

تمشى في القصر القديم و أخذ يتلفت يمينا و شمالا لعله يجد والدته جالسة على أحد المقاعد إما تقرأ كتابا أو تكتب رسالة لأبيه أو تفتح ذراعيها حتى تحضنه و تمسح دموعه عندما يبكي .. أو تقف في إحدى زواياه تغني مع الأصدقاء في كل عيد و يقوم هو بالعزف على البيانو الذي كانت تعلمه كيفية العزف عليه ... إنه يكره هذا البيانو الآن .. فأين والدته لتعزف عليه ؟!!
أو أين هي لتلم العائلة على المائدة الكبيرة في غرفة الطعام .. أم تسقي الزهور في مشتلها الصغير .. أم تقف أمام التل لتنظر إلى الكروم الكبير و تخبره بأنه سيغدو مثل والده يوما ما فارسا شهما نبيلا .. و أنه سيهتم بالمصانع و بصنع أفضل أنواع النبيذ الذي اشتهرت فيه عائلة ( آلفاريز دي تيلدو ) لقرون ...
و في آخر المطاف و هو يأخذ جولة في المكان الذي ولد فيه و عاش فيه نصف عمره ليقف أمام حجرتها و تردد في فتح بابها .. لأنه يعلم بأنه سيتألم عندما لا يجدها ..و أخيرا مد يده و فتح الباب تخيلها جالسة على تسريحتها تسرح شعرها و تلقي نظرة أخيرة على ثيابها و تأنقها و تأخذ برأيه
- " باتريشو .. ما رأيك بأمك ؟! "
فأجابها بكل فخر ..
- " أنت أجمل النساء يا أمي و أنقهن "
اقترب منه و تخيلها تحضنه بقوة مبتسمة ..
- " لو سمعت زوجتك هذا الكلام .. ستغار مني حتما "
- " دعيها تفعل ما تشاء .. أنا صادق .. أنت أجمل أمرأة في أسبانيا كلها "
طبعة قبلة على رأسه مازال يشعر برطوبتها و حرارتها ..

سار حتى توقف عند النافذة التي كانت تقف عندها والدته .. تطل على الكروم و الإسطبل الكبير حتى تتأكد من سلامة ابنها كل يوم عندما يذهب لركوب الخيل حتى عندما غدا شابا و اشتد ساعده.. كانت تصيح على سائس الخيل أن يشد من الرباط و يتأكد من تثبيته على ظهر الخيل ...
سالت دمعته و هو يتذكر المواقف السعيدة مع والدته تلك المواقف التي تمحي الضغينة من قلبه و تجعله اليوم نادما اشد الندم لهجره إياها كل تلك السنوات .. لكن هل ينفع الندم الآن ؟؟

- " دون باتريشو هل هذا أنت يا عزيزي ؟! "
استدار ناحية الصوت الموسيقي الحنون الذي اعتاد النوم عليه و قال بصوت مخنوق
- " نانيرا إيزابيلا "
حضنها بقوة و استطاع أن يحكم على ضلوعها بساعديه .. آه لقد غدت تلك المرأة القوية عجوز ضعيفة و نحيلة ..
- " لقد أصبحت رجلا ضخما يا بني .. اشتقت لك "
- " و أنا كذلك يا نانيرا .."
اشتاق لان ينطق باسمها .. نانيرا .. أي (مربيتي).. أضاف و هو ينظر إليها بشوق
- " لم أنت مستيقظة حتى الآن ؟ "
- " لقد علمت بقدومك و سمعت أصواتكم .. و كنت متأكدة بأنك ستكون هنا يا حبيبي "
أمسكت بوجهه بين يديها و مررت أصابعها الضعيفة تتحسس ملامحه الحادة ..
- " يا إلهي كم أنت تشبه الدون آليخاندرو في شبابه "
ابتسم و استطاع ان يصطاد يدها و يقبلها بسرعة ثم قال
- " كيف حالك ؟ "
- " كما تراني يا حبيبي .. مازلت على قيد الحياة .."
- " هذا أفضل .. فلن أستطيع تحمل أن افقد والدتي الأخرى .. "
قبل رأسها ثم وضع رأسه على صدرها فأخذت تمسح على شعره الأسود الكثيف ..
- " غني لي يا نانيرا .. كما كنت تفعلين عندما كنت صغيرا "
قهقهت و قالت
- " لم يعد صوتي مثل ما كان يا حبيبي "
- " لا بأس .. أنا متأكد بأنك مازلت تملكين أجمل صوتا في أسبانيا .. غني لي "
بدأت تغني له أغنية المباركة بصوت شجي فبدأت تبكي لذلك الطفل الذي غدا رجلا بسرعة ..و سالت دمعته هو بسبب الذكريات التي أثارتها تلك الأغنية و صوت نانيرا إيزابيلا .. ضمته بقوة إلى صدرها و همست في أذنه ..
- " أنت متعب يا حبيبي .. هيا اذهب إلى غرفتك يا باتريشو لقد جهزتها لك "
قبل يديها فرفعتها لتمسح دموعه المتلألئة على وجنتيه فقال ضاحكا
- " أتعرفين يا نانيرا لم يعد أحدا يناديني بباتريشو .. فاسمي الجديد في الانجليزية هو باتريك "
- " لكنك أسباني يا بني .. و سأظل أناديك بباتريشو أو باتي "
- " نعم أفضل ذلك منك .. شكرا لك نانيرا "
- " يا بني الصغير .. عمت مساءا "
قبل رأسها الأبيض و دخل حجرته القديمة التي لم تتغير فهذا الفراش الأبيض الكبير و تلك الألعاب الخشبية على الأرفف البيضاء و قصصه و كتبه القديمة التي يصفها على المنضدة بالقرب من فراشه و يقرأها كلما شعر بالأرق ..
خلع سترته و حذائه و ألقى بنفسه على الفراش و ما أن وضع رأسه على الوسادة الوثيرة حتى غط بسبات عميق ...

و لم يستفيق في الصباح إلا على صوت صهيل الخيول .. فتح عينيه يصارع أشعة الشمس التي تخللت من الستائر الخفيفة .. وقف و كان جسده متكسرا بسبب رحلة أمس و اختلاف الوقت عليه اغتسل و ارتدى ( التكسيدو ) الأسود و صفف شعره للخلف ثم نظر إلى شكله للمرة الأخير قبل أن يخرج من حجرته ..
وجد نانيرا إيزابيلا تتناول الإفطار على المائدة الكبيرة فجلس بالقرب منها و صب لنفسه قهوة و تناول قطعة خبز محمص
- " كيف كانت ليلتك يا بني ؟ "
- " لقد نمت بملابسي من التعب .. و استيقظت للتو .. "
حدقت في ملامحه و فجأة وضعت يدها على يده قبل أن يقطع لنفسه قطعة من الجبن
- " هل أنت مستعد لليوم ؟ "
ترك الذي بيده و ضغط على يدها
- " نعم .. لقد ذكرت نفسي أكثر من مرة بأنني أعيش في الواقع و أن هذه الحياة .. و اعترفت لنفسي بخطأي و لا نفع للندم الآن "
- " أرى النبالة تسرى في عروقك يا بني فهذه هي المروءة .. أحب فيك الصبر و الهدوء الذي عرفت بهما "
- " شكرا لك نانيرا .. و أنا كذلك أحبك كثيرا كما أحببت أمي أو أكثر فأنت من رباني و اعتنى بي و أنت من إليها ألجأ عندما تغضب والدتي .. احبك "
ضمته إلى صدره و ربتت على ظهره .. عندما دخل ماريو
- -" دون باتريك .. الحمد لله لقد استيقظت .. هل أنت جاهز للذهاب ؟ "
نظر إلى نانيرا إيزابيلا و ابتسم
- " نانيرا .. هل أنت مستعدة لتوديع والدتي ؟ "
ارتجف حنكها و سقطت دمعتين من عينها ثم أومأت
- " نعم .. أعتقد بأني مستعدة .. "
أمسك يدها و ساعدها على نزول الدرجات ثم ساعدها لركوب الليموزين التي أخذتهم إلى الكنيسة الكبيرة التي تقام فيها مراسيم الجنازة .. رأى نصف سكان ألبا و بعض من نبلاء المدن المجاورة و كذلك أنسباه و أقربائه الذين أتوا لتوديع الكونتيسة مارسيلا .. اقترب بهدوء ناحية التابوت و كان يمسك بيد نانيرا و يشد عليها لاشعوريا فتلتفت عليه في كل لحظة .. رفع غطاء التابوت لينظر إلى وجه امرأة عجوز قد ازرق لونها و رفع شعرها الأبيض بنفس الطريقة التي تصفف بها إياه في كل مناسبة و قد ارتدت فستانها الأزرق الذي تحبه و وضع على صدرها وشاح ابيض من الحرير .. تراقصت الدموع في عينيه و لم يستطع كبحها فترك إحداها تسقط على جبين والدته فنزل ليقبل جبينها و قال هامسا
- " سامحيني يا أماه فلقد أخطأت بحقك .. إني اشتاق لك في كل يوم و كل وقت و كل حين .. احبك"
لم تستطع نانيرا أن تمنع نفسها من البكاء و هي تسمع الحزن في صوت باتريشو.. فتركت المنصة و جلست بالقرب من داني و انهارت باكية..
همس ماريو بشيء في أذن باتريك الذي وقف لفترة يستوعب بأن الموجود في هذا التابوت هي والدته التي كانت مفعمة بالحياة .. ما بها الآن ؟؟ لا تتحرك ؟؟
حبس الحزن في قلبه و اعتلى المنصة ليلقي كلمته
- " مرحبا.. أنا الدوق باتريشو أليخاندرو آلفاريز دي تيلدو و أنا هنا لأودع والدتي الكونتيسة مارسيلا غارسيا آلفاريز دي تيلدو لحياة أفضل من هذه التي نعيشها .. لحياة الخلود .. و لأعاهدها و أعاهدكم بأني سأسعى لتحقيق أمانيها و أحلامها و أكون مكملا لمسيرتها و مسيرة والدي و أجدادي لعلي أعوض عنها و عن نفسي سنين الغياب .. فأرجوا منها أن تقبل عذري .. و اخبرها بأنها ستكون هنا في ألبا بين أهلها و أصدقائها و بالأخص في قصرها و قلب ابنها ... احبك يا أمي .. و سأظل أحبك أبدا"

صفق له المعزون و وقفوا له احتراما و تقديرا .. و ما أن توقف التصفيق حتى صعد ماريو المنصة و همس بأذن الدوق .. ظل باتريك صامتا فأثار الحاضرين الذي أخذوا يتساءلون عن ما همسه ماريو في إذنه .. فهدأو عندما فغفر فاه و أضاف قائلا
- " و أنا آسف لأن أعلن لكم بان زوجها كارلوس دي بابلو قد فارق الحياة قبل ساعة و سنقوم بدفنه بطريقة تليق به كزوج كونتيسة بعد أن ندفن والدتي .. و شكرا لكم و لحضوركم إنني اقدر لكم تعازيكم "

نظر إلى وجه والدته للمرة الأخيرة قبل أن يقوم الكاهن بإغلاقه ثم وضع التابوت في الليموزين و حمل حتى المقبرة حيث دفنت الكونتيسة و بعدها أحضرت جثمان زوجها و وقف المعزون و قاموا بدفنه ليكون مع زوجته رفيقا تحت الثرى ...

 
 

 

عرض البوم صور kokowa   رد مع اقتباس
قديم 19-02-09, 04:13 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2007
العضوية: 28095
المشاركات: 94
الجنس أنثى
معدل التقييم: kokowa عضو له عدد لاباس به من النقاطkokowa عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 109

االدولة
البلدCanada
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
kokowa غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : kokowa المنتدى : روايات منوعة
افتراضي

 


-3-





استيقظ في صباح اليوم التالي و هو يشعر بالإرهاق بسبب اختلاف الوقت و بسبب الأحلام و الكوابيس المزعجة و الأفكار التي تداعت إلى رأسه فحرمته لذة النوم .. رأى والدته تأتي لتمسح على رأسه ثم تتركه و تمسك بيد زوجها كارلوس و تغادر بعيدا .. فقرر أن يغادر هو بدوره و يغفر لنفسه و هذا سيتطلب مجهودا كبيرا .. ارتدى ثياب عملية و خرج من حجرته ليقابل داني في طريقة للنزول لتناول الإفطار

- " صباح الخير باتريك .. كيف كانت ليلتك ؟ "
- " لا بأس بها .. ماذا عنك هل نمت جيدا ؟! "
- " ما أن وضعت رأسي على الوسادة "
- " هنيئا لك "
- " ماذا تنوي أن تفعل اليوم ؟! "
- " سأذهب لألقي نظرة على الكروم و الإسطبل و أرى كيف تسير الأمور في المصنع .. هل تحب أن ترافقني ؟! "
- " نعم و لم لا "
- " إذا بعد الإفطار سنذهب على ظهر الخيل "
- " فكرة جيدة "

اقترب من وانيتا الخادمة و أخبرها بأنه يود تناول الإفطار في الحديقة .. فجلس هو و داني لتناول فشاركتهم نانيرا و بعدها انضم إليهم ماريو ..

- " فكرة رائعة يا دون باتريشوا لتناول الإفطار في الهواء الطلق .. أن الجو رائع و نحن نحتاج للتغير .. آه كم تذكرني بالدون آليخاندروا كان دائما يحب أن يغير بين حين و أخر "
ابتسم لها و أومأ برأسه موافقا على كلامها ..

- " دون باتريك .."
- " ماذا يا ماريو ؟! "
- " لقد اتصل محامي العائلة يريدك أن تحدد موعدا له لمناقشة الوصية .. فماذا أجيبه "
- " غدا ..هو الأنسب .. اليوم أريد أن أمر على المصنع و أرى سير العمل و ألقي نظرة على الكروم و الإسطبل و نحب أن نمارس أنا و داني ركوب الخيل إن أردت مرافقتنا "
- " نعم بالطبع يا سيدي .. "

بعد الإفطار كان الثلاثة على ظهر الخيل فوق التل ينظرون إلى الكروم الأخضر الممتد إلى الوادي .. أوقف باتريك جواده و ترجل عن ظهره و تمشى بين الكروم فتبعه ماريو و داني .. أخذ يتلمس الأوراق و يقطف العنب ليتذوقه .. ثم ابتسم

- " لا يزال لذيذا كما كانت أعهده سابقا .. كنت اهرب إلى هنا و أنا صغير و أقطف العنب ثم أنزل إلى الوادي لأغسله و أتناوله و أقوم بتوسيخ ثيابي فتنهرني والدتي "
مد حبات من العنب إلى داني و ماريو

- " تذوقوه .. "
دفع داني ثلاث حبات إلى فمه فتغيرت ملامحه لاستيطابه طعمه فقال مبتسما

- " إنه مليء بالعصارة و لذيذ جدا "
- " انتظر حتى تتذوق النبيذ .. ستعشقه "
ضحك داني و قال

- " إنني أتحرق شوقا لأن أرى الفتيات يتقافزون فوقه لعصره .... "
ابتسم باتريك و أضاف معلقا

- " أوافقك الرأي .. سيكون ألذ .. أليس كذلك يا ماريو؟؟ "
شعر ماريو بالإحراج .. فأومأ برأسه .. و ضحك الاثنان عليه لأن ماريو لا يحب أن يناقش أمور الجنس الآخر مع باتريك و داني ...

مر بالقرب من المزارعين فأشار لهم محيا و ربت على ظهر أحدهم

- " أحسنتم عملا .. "
- " شكرا لك دون باتريشيو "
صعد على ظهر الخيل ليذهب إلى المصنع حيث يؤخذ العنب اللذيذ و يعصر بآلات العصر العملاقة ثم تصب العصارة في أفخر أنواع الزجاج الذي تحول إلى قناني فاخرة التي تصنع هنا و من ثم تسد في سدادة من فلين و توضع في صناديق ليتم شحنها إلى باقي أرجاء البلاد .. و يعتبر نبيذ آلفاريز أشهر نبيذ في أسبانيا و أفخرها .. فهو معروف منذ قرون طويلة .. فعمر هذا المصنع يعود إلى القرن السادس عشر لكن قام أجداد باتريك بترميم المصنع و تطوير آلاته مع السنين ..


بعد أن تأكد من حسن سير العمل دخل إلى مكتب مدير المصنع و أخبره بأنه سيقوم بترميمه و تحديثه بالأجهزة المتطورة و كل ما يحتاجه من المدير هو إعطاءه قائمة بالمستلزمات و أحسن الأجهزة و المعدات حتى يباشر هو بعملية الشراء ...

بعد الجولة في الكروم و المصنع اتجه إلى الإسطبل و تفقد الخيول و أمر المسئول عنها أن يرسل له تقرير عن الإسطبل و صحة الخيول و ما يحتاجه كل منهم ..


قرر بعد هذه الرحلة و الجولة الصغيرة في الكروم و المصنع و الإسطبل أن يركب الخيل و يركض به و هو يضحك و يصيح بصوت عال على داني و ماريو خلفه

- " هيا .. من يستطيع أن يسبقني ؟! "
- " إنك غشاش .. "
- " أثبتي لي ذلك .. هيا "
تسابق مع داني و ماريو حتى مدخل القصر و لأنه ركض بالخيل قبلهم استطاع أن يسبقهم و هو ضاحكا .. كانت نانيرا واقفة تطل عليه من نافذتها و هي تبتسم فلوح لها بيده و دخل المنزل ...

سألته و هي تناوله المنشفة

- " ماذا فعلت يا بني ؟! كيف كانت جولتك ؟! "
- " كل شيء يسير على ما يرام لكني أريد أن أغير في الإستراتيجية و أقوم بتحديث كل شيء بما فيهم القصر .. "
- " ماذا ستفعل بالقصر ؟! "
جلس على كرسيه و قام بإشعال سيجارة .. و أجابها قائلا
- " يحتاج إلى بعض التغيرات و الترميمات و سأنتقل أنا إلى جناح والدي و ستقفل حجرة والدتي و نهدم حجرتي فندخلها بجناح والدي و بالتالي يكون أوسع و سنبني بالخارج منزلين صغيرين لماريو و داني و عائلتهما المستقبلية.. و أنت يا نانيرا .. أنت سيكون عليك التأثيث .. "
- " يسعدني ذلك يا بني "
- " لديك كل ما تحتاجينه و داني سيقوم بمساعدتك "
التفتت إلى داني فقال ضاحكا

- " سنشكل ثنائيا رائعا يا نانيرا .. و أكثر شيء سنهتم به هو منزلي الصغير الجديد .. "
ضحكوا جميعا .. فأطرقت عليهم بسؤالها ..

- " و متى ستحضر عائلتيكما ؟! "
قال ماريو مبتسما

- " أنا عما قريب .. ما أن ينتهي المنزل الصغير سأقوم بعمل حفلة زفافي في القصر"
- " هذا رائع .. نحتاج إلى الاحتفالات هنا .. فمنذ زمن طويل و هذا القصر يعيش حالة من الحزن "
- ساد الصمت المكان .. حتى قال داني مغيرا الجو و مضيفا بعض المرح
- " أما أنا فمازلت عازبا .. و بينما نقوم أنا و أنت يا نانيرا بالاهتمام بتأثيث منزلي سنضيف إلى ذلك مهمة أخرى و هو البحث عن فتاة أسبانية أصيلة تليق بي "
ضحكت نانيرا و ربتت على كتفه

- " سيسعدني ذلك يا بني .."
ثم التفتت إلى باتريك و مسحت على رأسه

- " و ماذا عنك يا بني ؟ متى سأفرح بك ؟ "
- " عندما يحين الوقت "
- " و هل هو قريب ؟! "
سرح قليلا ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة و قال
- " ليس لدي أدنى فكرة .. كل ما أعرفه باني مثل داني .. عازب .. و أنا الآن لا أفكر إلا بتلك الشقراء الهيفاء التي تجمهر حولها المعجبين في المطار .. أتذكرها يا داني ؟! "
- " نعم .. لكني لم استطع أن أرى ملامحها.. لعلها ممثلة مشهورة "
رفع كتفيه و قال
- " ربما .. "

أسند رأسه على ظهر الكرسي و أعاد في مخيلته صورة تلك المرأة و صورتها و هي تبتسم له .. و مرة أخرى و هي تجيب الرجل بصوتها الأنثوي الضاحك

- " سألف أوروبا "
يا ربي من عساها تكون تلك التي شغلتني عن النوم و منعتني عن التفكير بوالدتي و الذنب الذي يحكم علي أنفاسي .. فهل سأقابلها يوما ما ؟!!









- " أمي هل أنت هنا ؟! "
دخلت المنزل و هي تنادي على أمها التي خرجت مسرعة ما أن سمعت صوتا يناديها .. حضنتها بقوة إلى صدرها

- " آه يا لورا .. لقد اشتقت لك يا ابنتي .. كيف كانت رحلتك ؟! "
- " لا بأس بها .. لم نلف أوربا كما كان مخطط لنا أن نفعل "
أمسكت بشعرها و قد لاحظت بانه قص قليلا و صبغ بدرج أغمق مما كان عليه ..
- " أرى بأنك قصصت شعرك و قمت بصبغه .. هذا رائع .. "
- " نعم لقد أصر علي سام .. و ها أنا كعادتي أنصاع له .."
ألقت بنفسها على الكنبة و تمددت عليها ..
- " أين والدي ؟ "
حاولت أن تغير والدتها الموضوع فقالت معلقة

- " لقد اعتقدت بأنك ستغيبين لأكثر من أسبوع .. و ها أنت تعودين في اليوم الثاني.. ما الذي حدث ؟! "
- " لا أعرف حقا الأمر بالتفصيل لكن سام يقول بأنهم ألقوا العروض جميعها لأسباب ما .. إلا عرض باريس الذي أقيم بالأمس .. سأريك الصور إن أردت "
- " نعم لا أمانع .."
- " لكن أخبريني .. أين والدي فأنا مشتاقة له .. "
توترت والدتها و حاولت أن تغير دفة الحديث لكن لورا أحست بتوترها فقالت

- " أمي .. أين والدي؟ "
- " لا تقلقي بيتر على ما يرام.. !!"
ساورها القلق اثر تغير نبرة صوت والدتها

- " ماذا تعنين بيتر على ما يرام .. هل كل شيء بخير ؟! أين هو ؟ "
- " يحتسن أن أخبرك و نحن نحتسي القهوة ما رأيك ؟"
- " أمي .. "
جذبتها من يدها إلى المطبخ و قامت بإعداد القهوة لهما ثم ناولتها الكوب فرشفت منه و أسرعت لتعيد السؤال

- " أمي .. لم تجيبيني هل كل شيء على ما يرام ؟ هل الأمر يتعلق بوالدي ؟! "
- " نعم .. تقريبا ..آه لا أعلم "
ترددت قبل أن تضيف

- " اسمعي يا لورا .. بيتر .. آه كيف أقول لك هذا "
- " أمي أرجوك اخبريني فلقد جفت عروقي "
نفذ صبر لورا ووالدتها تردد أكثر من مرة قبل أن تضيف أي شيء .. هل الأمر بتلك الخطورة ؟؟...
- " حسنا ..اسمعي يا حلوتي .. قبل كل شي أريدك أن تهدئي أعصابك و لا تنفعلي "
- " سأبذل قصارى جهدي .. اخبريني من فضلك"
- " حسنا .. بيتر.. إنه .. بيتر .. ليس والدك الحقيقي "
فتحت عيناها باتساعهما و كأنها تلقت لطمه على وجهها ..

- " ماذا ؟! "
- " أنا آسفة يا ابنتي أعرف بأن الأمر مزعجا و محزنا لكن يجب أن تعرفي الآن .. لم أشأ أن أخبرك فلقد كنتما خير مثال لأب و ابنته المدللة .. لقد اعتبرك ابنته حتى أنه تبناك و أنت الآن تحملين اسمه .."
ما الذي تقوله والدتها ؟!! بيتر .. تبناها ؟!!
- " و .. والدي الحقيقي هل يعرف عني شيئا ؟! و أين هو ؟! و ما اسمه ؟!!!! "
- " اسمه كارلوس دي بابلو و هو أسباني تعرفت عليه عندما ذهبت في رحلة بحرية و بعد ذلك بشهر عقدنا قرانا لكن و للأسف لم يدوم هذا الزواج طويلا فتطلقنا و لم استطع العيش بعيدا عن موطني و كذلك هو رفض أن يغادر أسرته و بلاده .. و بعد عودتي إلى لوس أنجلوس علمت بأني حبلى فأخبرته بأمري و كان سخيا معي يرسل لي مصروفا شهريا و كنت أرسل له صورك .. "
- " أذن كان يعرف بأمري .. "
- " نعم .. هذا صحيح "
شعرت بالغضب فقالت بعصبية

- " ما دام يعرف بوجودي .. لم جعلني بعيدة عنه و ترك بيتر يتبناني ؟! أي أب هذا ؟! "
- " انتظري و دعيني أكمل .. و أرجوك اهدئي "
تنفست بعمق و نظرت إلى والدتها التي أردفت

- " بعد أن أصبح عمرك سنة تعرفت على بيتر و كنت مازلت شابة صغيرة و كنت في ذاك الوقت تحملين اسم عائلة والدك دي بابلو .. عندما رآك بيتر وقع في غرامك فلقد كنت فتاة لطيفة جدا و مطيعة له .عرض علي فكرة تبنيك بعد أن تزوجنا و لم نستطع الإنجاب .. بالطبع طلبت الإذن من والدك كارلوس الذي كان على اتصال معي و يسأل عنك و كانت فكرته أن تتربي في حضن والدين يحبان بعضهما و يلتزمان لتقديم حياة أسرية صالحة لك و أن يخفى عليك أمر والدك الحقيقي حتى لا تحقدي على بيتر كونه زوج والدتك .. و مع ذلك تغير اسمك من لورا دي بابلو إلى لورا آغنر "
تأثرت لورا بتلك القصة و خف غضبها قليلا .. لعل والديها أخطئا بزواجهما المبكر و بإخفاء أمر والدها الحقيقي عنها .. و لكن خلف ذلك هناك مغزى إيجابي و هو أنها عاشت في كنف والدين يحبانها كثيرا و لم تشعر يوما ما أن بيتر هو زوج أمها بل كان صديقها و والدها الذي اعتنى بها و حملت اسمه ..

فكرت قليلا بالسبب الذي يدعو والدتها لسرد هذه القصة الآن و بعد مرور أربع و عشرين سنة ..

- " و لم تخبريني بتلك القصة الآن يا أمي ؟! "
أنزلت ساندرا رأسها حزنا و قد امتلأت الدموع في عينيها ..

- " لقد دفن كارلوس صباح أمس "

و هذه صفعة أخرى تلقتها اليوم .. لا تعرف لورا لم شعرت بالحزن مع إنها لم تعرف ذلك الرجل لكنها أحست برباط داخلي غير طبيعي ..

- " لقد أحبك كارلوس رغم أنه لم يرك إلا في الصور و كان فخورا جدا بك و عندما أخبرته بأنك غدوت عارضة أزياء مشهورة حرص على أن يشترك بمجلة اكسبلوجر لتصله إلى أسبانيا من أجل أن يرى صورك على الغلاف في كل شهر .. و اليوم اتصل علي المحامي الخاص به و أخبرني بأنه يريد التحدث معك .. و هذا هو رقم هاتفه "
أخذت الرقم من والدتها و لم تعرف ماذا تفعل به

- " ألم يخبرك ماذا أراد ؟!"
- " لا .. لكني أعرف "
- " ماذا تعرفين ؟! "
- " أعتقد بأنك من الأفضل أن تقومي بالاتصال به "
أخذت الهاتف و ترددت قبل أن تضغط الأرقام .. فعدلت عن ذلك لأنها ليست مستعدة لان أن تسمع خبرا آخر قد يصدمها ..

- " لا أعتقد بأني أستطيع .. سأتصل به عندما أكون مستعدة لذلك "
- " لك ما شئت يا عزيزتي .. "
خرجت من المطبخ و المنزل بأكمله و عندما صعدت سيارتها رأت بيتر يركن سيارته في الكاراج و يترجل متجها إلى لورا التي كانت تنظر إليه بحزن .. هذا الرجل الذي شعرت نحوه بحنان الأبوة ليس بوالدها البيولوجي .. لكنه سيبقى والدها و صديقها و لن يغير ذلك شيئا .. فعلاقة الأبوة التي بينهما بنيت على أساس الحب و التقدير و الاحترام و لم تر فيه إلا الأب المثالي ..

حوطت خصره و وضعت رأسها على صدره كما تفعل دائما فلف ذراعيها ليحتويها بحنان الأب و يقبل رأسها

- " أميرتي الصغيرة .. لقد عدت باكرا "
- " نعم لقد ألغيت كل العروض ما عدا عرض باريس .. "
- " و لم ؟! "
- " لا أعرف الأسباب .. لا علينا .. كيف حالك ؟! "
- " على أحسن حال كما ترين .. مشتاق لك .. "
كانت لا تزال متعلقة به كطفلة صغيرة يحاول أحدا أن يجرها بعيدا عن والديها عن الأمان الذي تعيش فيه .. مسح على رأسها و هو ينتظر أن تتركه في أية لحظة و عندما لم تفعل سألها بارتياب

- " لورا ..هل تشكين من شيء يا ابنتي ؟"
- " أبدا .. لكني اشتقت إليك كثيرا .. و أريدك أن تعرف بأنك أفضل أب و صديق "
- " حقا ؟! و ما مناسبة هذا الكلام ؟! "
- " لا شيء .. مجرد تذكير لك بأني أحبك "
- " و أنا كذلك يا صغيرتي "
- " سأبلغ الخامسة و العشرين قريبا و أنت لا تزل تناديني بصغيرتي "
- " هل حقا تسأليني هذا السؤال ؟ أعتقد بأنك تعرفين الاجابة .."
- " آه نعم لقد حفظتها .. ستفضلين صغيرة حتى عندما أبلغ السبعين و عندما أصبح جدة.. هذا صحيح .. "
ضحك لتقليدها نبرة صوته فحضنها بقوة مرة أخرى

- " إلى أين أنت ذاهبة ؟! لم لا تتناولين العشاء هنا ؟"
- " آسفة لقد حجزتني جاكلين قبلكما .. لكني سأقبل دعوتكما غدا .."
- " بكل تأكيد .. اعتني بنفسك "
- " و أنت كذلك "

ثم انطلقت بسيارتها و هي تفكر بقصة والدها البيولوجي و بالرقم الذي أعطتها إياه والدتها ..

على العشاء مع جاكلين أخبرتها بكل الحكاية من البداية إلى النهاية ..

- " و الآن بعد أن عرفت كل شي يا جاكي ماذا أفعل ؟"
- " اتصلي به يا لورا "
- " لست مستعدة لان اسمع خبرا آخر صادما "
- " متى ستفعلين إذن ؟ "
- " لا أعرف .. إن ما يحزنني هو أبي.. بيتر .. لا أريده أن يحس بشيء قد تغير عليه لا أريده أن يعلم بأني أعرف حقيقة والدي.. يجب أن أخبر أمي بذلك "
- " إنه رجل متفهم يا لورا لا تقلقي "
وضعت يدها على رأسها و هي تقول بيأس
- " آه .. إنه شيء فظيع .."
- " أبدا .. لورا سهلي الأمور .. لن يغير معرفتك بحقيقة والدك البيولوجي شيئا .. فبيتر سيظل كما هو .. "
- " أتمنى ذلك من كل قلبي يا جاكي .."

بعد العشاء مع جاكلين عادت كل منهما إلى شقتها غيرت ثيابها و اندست في فراشها حيث تقلبت طول الليل و هي تشعر بالفضول و بنفس الوقت تشعر بالتردد و الخوف من فكرة الاتصال بذلك المحامي ..

و في الصباح ما أن استيقظت من نومها حتى قفزت من فراشها و كأنها لم تنم إلا لدقائق بحثت عن الرقم في معطفها و أخذت الهاتف و قامت بالاتصال .. أرادت أن تعدل عن ذلك و أن تغلقه لكن فات الأوان فلقد أجابها صوت رجلا بلكنة أسبانية ..

- " المحامي سانتياغو بانديروزا يتحدث "
- " مرحبا "
- " كيف أخدمك يا سيدتي ؟! "
قالت بصوت متردد و خائف بنفس الوقت ..
- " أنا لورا آغنر .."
- " آه آنسة آغنر .. و أخيرا اتصلت "
بدا و كأنها كان ينتظرها لفترة ليست بقصيرة ..
- " نعم لقد كنت مترددة "
- " أنا آسف لخسارتك فالسيد كارلوس كان رجلا محترما و .."
قاطعته .. شيء ما دفعها لتقاطعه .. لا تريد أن تسمع شيئا عنه ..
- " لا بأس .. لم أكن أعرفه لذا لا يحدث فرقا كبيرا معي "
- " هذا صحيح لكنه كان يعرفك جيدا مما جعله يورثك كل ما يملك "
- " ماذا ؟! "
صدمت من كلامه فقد كان واثقا و هو يقول لها ..

- " نعم يا آنستي .. إن الوصية التي كتبها عندي تنص بأن كل ما يملكه السيد كارلوس دي بابلو يورث لك .. آنسة لورا آغنر "
تجبست في مكانها و أعادت جملته الأخيرة أكثر من مرة .. فقالت بهلع

- " يا إلهي.. و ماذا عساي أن أفعل ؟! "
- " آنستي إن الأمر معقدا بعض الشيء و هو يتطلب سفرك إلى أسبانيا حتى تقومي باستلام ورثك و حقوقك "
السفر إلى أسبانيا ؟!! إذن الأمر كبير جدا و معقد مثل ما يقول ..
- " و .. و هل هو كثير ؟! "
قهقه بصوت خافت

- " لابد أنك لا تعرفين شيئا عن السيد دي بابلو"
- " نعم أصبت .. لقد عرفت بأنه والدي مساء أمس .."
- " السيد كارلوس كان متزوجا من الكونتيسة مارسيلا غارسيا آلفاريز دي تيلدو "
بدا أسمها مريبا للورا ..
- " و من عساها تكون ؟! "
- " إنها زوجة دوق ألبا السابق الدون آليخاندروا آلفاريز دي تيلدو الذي توفي منذ سنوات طويلة و ورثته منه الكونتيسة القصر الريفي "
لم تعرف مراد ذلك المحامي من تلك القصة الموجزة و إلى ماذا يريد أن يصل بها فسألته غير مكترثة بحديثه

- " حسنا .. و ماذا يعني ذلك ؟ "
- " آه آنسة آغنر إن الحديث طويلا جدا فسأقوله لك باختصار .."
- " نعم أتمنى ذلك "
- " حسنا .. لقد توفيت الكونتيسة قبل السيد كارلوس بيومين و طبيعي أن يرثها زوجها .. فلقد ورث جزء من نقودها و جزء من القصر الريفي و بما أن السيد كارلوس توفي و هو .. بالأمس .. فمن الطبيعي أنك يا آنسة سترثين كل ممتلكاته بما في ذلك القصر الريفي و .. و.. فهذا ما تنص عليه الوصية .. "

عقد لسانها فهذه بالفعل صدمة أخرى هي ترث قصر و يعود لدوق ألبا المدينة الاسبانية العريقة يا إلهي لا تعرف هل تفرح أو ترتعب .. لكنها ارتعبت بالفعل سألته متشككة و تحت تأثير الصدمة لكنها انتبهت ما قاله عندما عادت ذلك برأسها لأكثر من مرة ..

- " لقد قلت جزء من القصر ؟! "
- " نعم هذا صحيح جزء منه .. لأن الجزء الثاني ورثه الدوق "
يا إلهي عن الأمر معقدا بالفعل .. ماذا يقول ؟!! الدوق ؟!!
- " لم أفهمك يا سيد سانتياغو لقد قلت بان الدوق قد توفي قبل زوجته الكونتيسة "
- " نعم و لم اخطيء .. لكن هناك الدون باتريشو آلفاريز دي تيلدو .. ابن الكونتيسة و الدوق السابق و هو الدوق الحالي لألبا "

صدمة ثالثة أخرى تلقتها خلال يومين .. و مسلسل الصدمات في توالي .. شهقت و قالت برعب...

- " ماذا ؟؟!! هل أشارك دوق في ورثه "
- " للأسف نعم .. قلت لك بان الأمر معقد و يتطلب سفرك إلى أسبانيا .. لم يعرف الدوق بعد بأن هناك من يشاركه بالقصر لكنه سيعلم ظهر هذا اليوم "
- " حسنا .. شكرا لك سيد سانتياغو أرسل لي عنوان مكتبك من فضلك "
- " لك ما شئت آنسة آغنر و أرجوك أن تسرعي بالسفر .. حتى تأخذي كامل حقوقك و أكون أنا قد أوصلت الأمانة إلى أهلها "
- " نعم بكل تأكيد .. شكرا لك .. و إلى اللقاء "

سرحت في إحدى زوايا غرفتها و أعادت حوارها مع المحامي الذي أوقف قلبها بكلامه و كأنه كان يشرح لها درس في تاريخ أسبانيا .. هل كانت والدتها تعلم بكل هذا ؟!! لا .. مستحيل أن تعرف بأن ابنتها قد ورثت قصر تاريخيا يعود للدوق و أسلافه ... و كيف ستكون ردة فعل الدوق عندما يعرف بأن امرأة أمريكية لا يعرفها و لا تعرفه و تشاركه في ملكه و ميراثه ..



استقام واقفا و صرخ بعصبية

- " ماذا قلت ؟!! فتاة أمريكية تشاركني بهذا القصر !!! مستحيل .. لا يمكن "
بلل المحامي سانتياغو ريقه و قال و هو يشعر بالخوف من الدوق المتهيج

- " آسف يا سيدي .. أعرف بأن الخبر صادما لكني لم أقل لك إلا ما كتب على الأوراق و في مكتبي "
- " آه نعم هذا صحيح أنت لست مسئولا عن أي شيء يحدث هنا .. عن المصائب التي تحذف على من كل جانب .. "
لم يعلق المحامي بل ظل واقفا يحدق في الدوق الذي أصابته نوبة هلع و عصبية و أخذ يثور في المكان .. ثم نظر إليه بحقد .. و سأله بنفاذ صبر
- "و هل أخبرت تلك الأمريكية عن الأمر ؟! "
حرك كرسيه للخلف خطوتين حتى يتفادى غضب الدوق الذي قد يضربه في أية لحظة

- " نعم لقد اتصلت هي هذا الصباح و تكلمنا بالأمر "
زاد غضبه و احمر وجهه و بدأ بتصبب عرقا

- " اتصلت !! لقد تحدثت معها قبل أن تعلمني بالأمر .. ما بك يا سانتياغو هل جننت أين عقلك ؟! "
اقترب منه داني و حاول أن يهدئه

- " باتريك .. اهدأ .. اجلس .. أرجوك اجلس "
جلس على الكنبة و سكت قليلا حتى يهدأ .. لكن سرعان ما أضاف بعصبية

- " و ماذا كانت ردة فعلها عندما عرفت بأنها ورثت قصر تاريخي يعود لعائلة نبيلة ؟!! لا بد بأن توقف قلبها "
- " كانت مدهشة و غير مصدقة ما تسمعه .. "
- "بالطبع ... و هل ستأتي ؟!! يا لي من غبي لطرحي هذا السؤال ؟ و كيف لا تأتي و هي ورثت كنزا"
تحسس رأسه الذي بدأ ينبض ألما بسبب الغضب .. أغمض عيناه قليلا حتى يهدأ .. ثم قال بنبرة حادة و منخفضة

- " هل أخبرتك متى ستأتي ؟! "
- " لا .. لكني قلت لها بأن تستعجل القدوم "
- " و لم عساك تفعل ذلك ؟ "
أحس سانتياغو بأنه يريد أن يبكي .. ما هذه الورطة ..
- " آسف يا سيدي فلقد فعلت ذلك لأني .. لان لدي أمانة يا سيدي و هذا هو عملي "
- " نعم صحيح .. عملك .. لا تستطيع أن تنتظر حتى تخبرني أنا بالأول . ألا تعتقد بأنه سيكون من الصواب أن تبتدئ بصاحب الملك هنا ؟!! "
- " آسف يا سيدي "
- " و ماذا سينفع الأسف الآن .. أرجوك سانتياغو اغرب عن وجهي "

أراد أن يتكلم لكن ماريو جره خارج المكتب و أمره بالسكوت بينما ظل داني داخل المكتب يحاول أن يهدأ ذلك الرجل الثائر غضبا ..

كان المحامي يرتجف خوفا و سأل ماريو

- "هل تعتقد بأنه سيقوم بطردي ؟! "
- " لا اعتقد .. أهدأ .. لقد تصرفت بحمق و هذا جزاءك .. كان يجب أن تخبرني بالأول حتى افتح له الباب بنفسي لا أن تصدمه هكذا .. و كنت انتظرت أن يعرف الدوق و بعد ذلك أخبرت تلك الفتاة بالأمر .."
- " كل ما فعلته هو أن اتصلت بها لأخبرها بأن والدها توفي و أنه ترك لها ورثا .. اعتقد انه من حقها أن تعرف بأنه توفي "
- " لا علينا من ذلك الآن.. "
- " أرجوك لا تدعه يطردني .. لقد عملت عند والده منذ سنوات .. لقد خدمت هذه العائلة بإخلاص "
- " إنه يعرف ذلك جيدا .. و دون باتريك أفضل من والده فلا تخشى شيئا .. و بالمناسبة ما اسم الفتاة الأمريكية ؟! "
- " لورا آغنر "
- " حسنا .. هيا اذهب الآن و لا تنسى أن تتصل بي أنا أولا و تخبرني بالمستجدات "
- " سأفعل .. لن اكرر الخطأ "
- " جيد "

دخل ماريو مكتب باتريك حيث كان داني يهدأ صديقه و يخبره بأنه يستطيع أن يشتري حصتها و بذلك ينتهي من أمرها

- " و هل تعتقد بأنها إذا رأت هذا القصر الجميل و الإسطبل و الكروم و المصنع ..ستوافق "
- " سنرغمها "
لم يجبه بل كان يفكر بتلك المصيبة التي حلت عليه .. لم يعد يستحمل هذه الضغوطات فتركهم يتناقشون بأمر الميراث و خرج إلى الإسطبل ..

ركب حصانه ألفريدو و انطلق به يسابق الريح و يلقي بهمومه إلى الهواء فتطير كما تطير خصلات شعره السوداء ...

 
 

 

عرض البوم صور kokowa   رد مع اقتباس
قديم 19-02-09, 04:14 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2007
العضوية: 28095
المشاركات: 94
الجنس أنثى
معدل التقييم: kokowa عضو له عدد لاباس به من النقاطkokowa عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 109

االدولة
البلدCanada
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
kokowa غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : kokowa المنتدى : روايات منوعة
افتراضي

 

4-





حطت الطائرة في مطار مدريد فنزلت لورا و اتجهت إلى القاعة الكبيرة حيث يقف المستقبلين .. تلفتت في عينيها تبحث عن أحد أتى ليأخذها .. وقفت لخمس دقائق تبحث و من ثم لمحت رجلا في الأربعين من عمره يرتدي بذلة رسمية طويل جدا و عريض يقترب منها

- " آنسة آغنر ؟؟"
أومأت برأسها مبتسمة .. فمد يده يصافحها

- " مرحبا بك آنستي .. أنا المحامي سانتياغو بانديروزا "
- " أهلا وسهلا "
أخبر السائق أن يحمل حقائبها و يضعها في دولاب الليموزين و فتح لها الباب لتدخل .. و بينما هما بالطريق سألها

- " كيف كانت رحلتك يا آنسة ؟!"
ابتسمت مجيبة

- " لا بأس بها .."
- " جيد .. أرجو أن لا تكوني متعبة لان هذه الرحلة ستكون طويلة أيضا .. سنركب طائرة خاصة إلى مطار ألبا و من ثم ساعتين أخرى من المطار و حتى القصر الريفي "

أومأت برأسها موافقة ثم أشاحت عنه لتنظر إلى الخارج .. إلى شوارع أسبانيا .. إن مدريد جميلة جدا في مبانيها و البيوت و العمارات ذات الطراز القديم .. مدينة تجمع الماضي و الحاضر..

حاول سانتياغو قدر الإمكان أن يبعد نظره عنها لكن دون جدوى فلها من الجمال الذي يجذب الشخص إليه و تجعل عيناه تلتصق بها .. ماذا سيفعل الدوق عندما يعرف بان التي تشاركه ورثه ما هي إلا شابة لها جاذبية و من الجمال الذي يخطف الألباب ..

بعد ثلاث ساعات حطت الطائرة الخاصة الفاخرة في مطار صغير أيضا و هناك استقبلها شابا هزيلا و طويلا جدا و له عينان صغيرتان و ابتسامة جميلة مد يده يصافحها فابتسمت له و تناولت يده مصافحة ..

- " مرحبا بك آنسة آغنر .. أنا ماريو "
أردف المحامي سانتياغو مشيرا إلى ماريو

- " إنه ذراع الدوق الأيمن و لا يمكن أن نفعل شيئا من دون أن نستشيره بالأول .. "
ثم غمز بعينه إلى ماريو مشيرا بتلك الحادثة التي جرت قبل ثلاثة أيام في مكتب الدوق ..

- " مرحبا ماريو تشرفت بمعرفتك "
- " و أنا كذلك .. لقد طلب منا الدوق بان نصحبك إلى القصر .. "
- " شكرا .."
فتح لها باب الليموزين السوداء و جلس في المقعد أمامها .. كان يتحدث بالهاتف بالاسبانية و قد بدا خائفا و متوترا .. فأيقنت بأنه ربما يتحدث مع الدوق ... يا إلهي هل يكون هذا الدوق رجلا مهيبا و عجوزا لا يرضى بسهالة و لا يعجبه شيء .. هل سيزعجها و يضيق عليها حياتها حتى ينال ما يريده ..

لم يتحدث إليها ماريو و لا سنتياغو طوال الطريق الممل لساعتين .. بل كانا الاثنان يتحدثان فيما بينهما بصوت خافت و بلغة إسبانية .. و أحست بان الحديث كان يدور عنها ..

توقفت السيارة أمام بوابة عملاقة و من ثم أكملت السيارة طريقها حتى توقفت عند مدخل القصر العملاق المنعزل عن الحياة .. فهو كالقصور المسورة المعزولة عن العالم و الذي يطغى عليها الظلام كالذين نراهم في السينما و أفلام الرعب ..
فتح لها السائق الباب و ساعدها على النزول .. وقفت تتأمل ضخامة هذا القصر .. إنه كبير جدا و يسع لأهالي المدينة كلهم .. قادها ماريو إلى داخل القصر .. ما إن دخلت حتى انبهرت و توقفت عند المدخل الواسع تنظر إلى جمال الثريات العملاقة و تلتفت لتجد اللوحات الزيتية المعلقة لكل العائلة النبيلة.. كلها تقريبا .. رأت رسومات النساء بثيابهن الفارهه و مجوهراتهم الثمينة التي تليق بمستواهم العالي و من ثم نظرت إلى رسومات الدوقات بهيبتهم و وقارهم البادي على وجوههم و وقفتهم العسكرية .. و خشيت أن يكون هذا الدوق الذي تشاركه في هذا القصر المرعب أن يكون مهيبا كتلك الرسومات .. ثم استدارت لتنظر إلى الدرج العملاق و قد صنعت الدرابزين من الذهب الخالص و الكريستال .. و امتدت الرسومات إلى أعلاه .. و من بعيد رأت فتاة صغيرة بالعشرين من عمرها تقترب منها و تنحي لها و تقول لها بالاسبانية

- " مرحبا بك . أنا وانيتا .. "
ابتسمت لها و صافحتها .. رأت ماريو يتحدث لتلك الفتاة بالاسبانية و لم تفهم منه شيئا لكن التفت إلى لورا و قال مبتسما

- " ستأخذك وانيتا إلى جناح الضيوف "
- " ألن أقابل الدوق ؟! "
- " للأسف لا يا آنسة .. لقد تأخر الوقت .. ستقابلينه في الصباح .. الآن ستأخذك وانيتا إلى جناح الضيوف لترتاحي خاصة بعد رحلتك الطويلة هذه "

شعرت بخيبة أمل فقد أملت أن تقابله اليوم و اعتقدت بأنه سيكون بانتظارها .. إذا حتما هو رجلا عجوزا ينام باكرا و له عاداته خاصة ...
أخذتها وانيتا إلى جناحها و عندما دخلت أحست بأنها في جناح فندق فخم .. و كان الجناح كبيرا جدا بحيث يسع شقتها في لوس أنجلوس و هي عبارة عن غرفة نوم ضخمة مع صالة صغيرة عبارة عن كنبتين ذو ثلاثة أنفار و منضدتين على الأجناب و أخرى مستديرة في الوسط و تلفاز كبير و مطبخ تحضيري صغير أشبه بالبار و في آخر الغرفة وضع سرير من خشب المهوجني الغامق له تاج خشبي مرتفع جدا يزينه لحاف من الحرير ذو لون كريمي و طرز عليه طاووس بألوان ريشه الرائعة و طرزت أطراف الوسادتان بنفس الألوان الأزرق و الذهبي و البنفسجي ...

- " سأحضر لك عشاءك يا آنسة ريثما تنزعي ثيابك بأخرى مريحة "
التفتت على وانيتا المرأة اللطيفة المبتسمة التي تحاول جاهدة أن تتحدث الانجليزية.. فبادلتها الابتسامة قائلة

- " شكرا لك .."
خرجت وانيتا فقامت لورا بنزع ثيابها و همت بدخول الحمام الكبير الذي يسبقه غرفة تبديل واسعة جدا و ما أن فتحته حتى صعقت فكان الحمام عبارة عن حجرة واسعة أخرى أكبر من حجم غرفة نومها في لوس انجلوس .. في وسطه (الجاكوزي ) الحوض الذي يسع خمسة أشخاص .. و دش في احد الزوايا و المغسلة العملاقة في الجانب المقابل للحوض و بالقرب من الباب وضع كرسيين و طاولة صغيرة .. و كأنها في حجرة منتجع (سبا) ذو سبعة نجوم يحمل طابعا تاريخيا لأوروبا القديمة ..

أخذت دشا دافئا و سريعا و بعدها ارتدت قميص النوم و فوقه ارتدت الروب ثم اتجهت إلى الصالة الصغيرة و فتحت التلفاز عندها دخلت وانيتا بعربة بيضاء تتحول إلى طاولة وضعتها أمام لورا .. بالضبط مثل الفنادق خاصة مع الأطباق البيضاء من الخزف الصيني المزينة أطرافة بالذهب .. و عندما رفعت وانيتا الغطاء الفضي عن الطبق وجدت تحته قطعة دجاج و خضراوات و في الطبق الثاني حساء الجزر .. ثم سكبت لها نبيذ العنب ..

- " هل تريدين شيئا آخر ..يا آنسة ؟! "
هزت رأسها نفيا لأنها لم تستطع التكلم و هي تتذوق الحساء .. و استطعمته فابتسمت

- " إنه لذيذ .. شكرا لك وانيتا "
- " على الرحب و السعة .. سأنصرف الآن "
- " انتظري .. "
توقفت عن فتح الباب لتخرج عندما سمعت صوت لورا عادت لتقف بالقرب منها مرة أخرى

- " هل ينام الدوق باكرا ؟! "
- " لا .. ليس له موعد محدد "
- " و هل هو الآن نائما ؟! "
- " لا أعرف ذلك يا آنسة .. إن أردت أستطيع أن أسأل لك "
عدلت عن هذه الفكرة .. ليست مستعدة لأن تراه الآن ..
- " لا .. لا داعي .. "
- " هل من شيء آخر ؟! "
- " ما اسمه ؟! "
- " دون باتريشيو لكننا نناديه بدون باتريك "
- " حسنا .. شكرا لك وانيتا لقد أزعجتك معي "
- " أبدا يا آنسة فهذا واجبي .. عمتي مساءا .. "
- " تستطيعين أن تأخذي العربة معك لقد انتهيت .. "
أنزلت وانيتا رأسها لتجد طبق الدجاج لم يلمس ..
- " لكنك لم تأكلي شيئا "
- " لقد أنهيت طبق الحساء و هذا يكفي .. إنه لذيذ .. "
- " بالهناء والشفاء.. عمتي مساءا.. "
- " و أنت كذلك "

بعد أن خرجت وانيتا أحست لورا بالنعاس فدخلت السرير المريح جدا و كأنها تنام فوق الغيوم و لأنها متعبة جدا إزاء الرحلة الطويلة نامت بسرعة و لم تستيقظ إلا في صباح اليوم الثاني ..


ارتدت ملابس عملية و واسعة لتكون مريحة و أنيقة في نفس الوقت و رفعت شعرها الأشقر بهيئة ذيل حصان و لم تضع أية مساحيق تجميل على بشرتها البيضاء الصافية .. و قبل أن تخرج تعطرت و همت بفتح الباب و إلا بها تصطدم بوانيتا .. فضحكتا و اعتذرت وانيتا على الفور ..
- " صباح الخير .. هل تحبين تناول الإفطار في حجرتك أم في الحديقة أو أي مكان تشائين؟!"
- " أين يتناول الدوق إفطاره ؟ّ ! "
- " دون باتريك أنهى إفطاره باكرا ثم خرج "
- " هل من عادته تناول الإفطار قبل أن يدعو ضيفته ؟! "
- " لم يشأ إيقاظك و إزعاجك خاصة بعد رحلتك الطويلة كما أنه يستيقظ بوقت مبكر جدا "
- " حسنا إذا سأتناول الإفطار هنا أمام التلفاز "
- " لك ما شئت .."

و بعد دقائق أتت واتينا بنفس العربة التي أحضرتها بالأمس لكنها مليئة بأطباق متعددة فاحتارت لورا بماذا تبدأ و هي التي ليس من عاداتها تناول وجبة إفطار دسمة فلاستعجالها كانت تأخذ كوب قهوة و تعتبره إفطارا لها ..قهقهت و هي تتذكر سام .. فكل مرة يراها تمسك كوب القهوة بيدها يأخذه منها و ينهرها و يستبدله بعصير أو بتفاحة .. قائلا لها هذا ما سينفعها عندما تكبر ..
تناولت العجة و استطابتها كثيرا و عندما انتهت قررت أن تنزل و تستكشف منزلها الجديد أو بالأصح قصرها الجديد ...

تمشت بين الحجرات في الطابق العلوي.. كانت معظمها غير مسكونة و الأثاث فيها غير مستخدم كثيرا .. و كان طراز القصر يعود للقرن السادس عشر و هذا ما جعله مهيبا و كأنها تشاهد فيلما تاريخيا لحقبة من الزمن .. فالأبواب الخشبية التي كأنها قطع من الرخام ضخمة و ترتفع للسقف الذي لا ينتهي و مزين بلوحات زيتية جميلة جدا و مطرزة بالذهبي .. كان السقف عبارة عن تحفة فنية بحد ذاته .. و كذلك ثريات الكريستال العملاقة ... و السجاد الأنيق الذي بدا لها بأنه مستورد أيضا آثري.. توقفت عند باب كبير في آخر الرواق كان مغلقا و أحست بأنه يجب أن لا تفتحه لعلها تكون حجرة الدوق ..

- " إياك "
استدارت بسرعة ناحية صوت المرأة التي نهرتها بنبرتها الخشنة .. و استغربت فحجم هذه المرأة العجوز صغير جدا لأن يكون لها صوت عال .. ابتعدت عن الباب الكبير و اقتربت من تلك العجوز التي كانت تنظر إليها بغضب من رأسها إلى أخمص قدميها و كأنها لم يعجبها منظر لورا بلابسها العملي و طريقة تصفيف شعرها .. بينما هي فترتدي فستان طويل جدا يضرب بالأرض و ذو أكمام طويلة من المخمل الأسود و له ياقة من الدانتيل الأبيض الذي ارتفع ليغطي رقبتها و رفعت شعرها كله بطريقة مرتبة جدا و ترتدي قرطان من اللؤلؤ .. و كأنها كانت تعيش في ذلك القرن أيضا.. و قد خرجت من قبرها لتوها .. هل كل شيء أثري هنا ؟ هل عادت بالزمن إلى الوراء ..

أرادت أن تستوضح الأمر لتلك العجوز المخيفة و تخبرها بأنها لم تكن تريد فتح الباب بل كانت تتمشى و توقفت عنده .. لكن تلك العجوز ذات النظرات الحادة سبقتها و قالت بعصبية بانجليزية ضعيفة تشوبها اللكنة الإسبانية ..

- " هل من عاداتك التجول في أرجاء بيوت مضيفيك و الدخول إلى حجرهم الخاصة يا آنسة؟! "
- " لا ..أبدا .. أنا لم أكن أقصد الدخول إلى تلك الحجرة ..آسفة إن كنت ظننتني ذلك "
- " حقا ؟!! و هل تعرفين لمن هذه الحجرة ؟! "
- " لا .. و لا يهمني أن أعرف "
و كأنها لا تصدقها فقالت باستهزاء..
- " إذا لم كنت تريدين فتحها ؟! "
لم لا تفهم هذه العجوز التي تحقق معها .. فأجابتها بنفاذ صبر
- " لم أكن أريد ذلك .. لقد توقفت عندها .. إنها قريبة من الدرج و كنت أهم بالنزول "
- " هذا واضح جدا .. "
انزعجت لورا من طريقة تلك المرأة في استجوابها و تكذيبها .. فقالت لها لورا بانزعاج

- " قلت لك بأني آسفة لأنك ظننتني بأني ادخل الحجرات المغلقة .. و لست هنا لأبرر لك ما أقول فإن أردت تصديقي سأكون شاكرة و إن لم تفعلي فهذا من شأنك .. و الآن اسمحي لي أريد النزول "
فتحت العجوز عينيها مستغربة طريقة رد تلك المرأة .. لم يرد عليها أحد هكذا من قبل لا الدوق و لا الكونتيسة و لا حتى باتريشيو ...

- " يا لوقاحتك .. هل هكذا يتصرف الضيوف ؟! "
توقفت لورا عن نزول الدرج عندما نطقت تلك العجوز

- " أرجوك يا سيدة لا داعي للتجريح.. أنت من تهجم علي .. كما إنني لست ضيفة فجزء من هذا القصر لي .."
ضغطت لورا على الوتر الحساس ..

- " أبدا لن يكون هذا القصر لك و لا حتى جزء منه "
علا صوت نانيرا مما جعل داني يصعد إلى حيث تقفان

- " ماذا يحدث هنا ؟! "
كان يسأل نانيرا و لم ينتبه لوجود لورا واقفة ثم استدار ليصعق أمام هذا الحسن و الجمال كله .. على الرغم من عبوسها إلا أنها بدت ساحرة و هي تنفخ بانزعاج ..

أجابته نانيرا بالاسبانية و كان واضح من طريقتها بأنها تشتكي له و تقص عليه الأكاذيب .. ما أن انتهت تلك العجوز من سرد قصتها حتى استدار داني لينظر إليها و فتح فمه ليتحدث لكن لورا سبقته قائلة

- " اسمع لا أعرف ماذا قالت لك السيدة .. لكنها هي من تهجم علي و أنا أهم بالنزول .. لقد اعتقدت بأني انتهك حرمة المنزل و أقسم لك بأني لم أكن أنوي فتح ذلك الباب .."
ابتسم لها داني و بدا متفهما جدا

- " لا بأس.. لم يحدث شيئا .. اعذريها "
ما أن قال داني ( اعذريها ) حتى بدأت تلك العجوز بتكلم بنبرة عالية موبخة بلغتها الاسبانية الغير مفهومة بالنسبة للورا فقررت أن تعود الأخرى إلى حجرتها و لا تخرج منها إلا أذا عاد الدوق ...

عندما استدار داني لم يجدها واقفة فشتم بصوت خافت .. و سمعته من بعيد يؤنب العجوز المدعوة بنانيرا ..

هل يعقل أن يكون ذاك الأشقر الوسيم هو الدوق !! لا لا أعتقد فكل الصور التي رأيتهم للدوقات و النساء ذوات الشعر الأسود الغجري .. فمن أين يكون للدوق شعرا أشقرا ؟؟
و من تلك العجوز التي تهجمت علي !! يا إلهي لا يمكن أن يكون الوضع أكثر تعقيدا ...


أمسى الليل و لم يدعوها الدوق إلى مقابلته و سأمت الانتظار و الجلوس في تلك الحجرة حيث لا أنيس لها إلا التلفاز .. كانت تأخذ الغرفة ذهابا و إيابا و هي تفكر بالذي أحضرها إلى هنا إلى هذه البلاد البعيدة وحدها .. هل حقا هي تهتم بهذا القصر الذي لا يعينها شيئا ؟!! هل من الصواب أن تأتي إلى هنا و تفكر أن تعيش بين هذه العائلة التي لا تنوي الترحيب بها حتى لم يتكفل كبيرها بدعوتها على العشاء أو لمقابلتها ؟!! هل تعود من حيث أتت و تترك كل شيء لذلك الدوق ؟! أم تنتظر؟!! لكن ما هو الشيء الذي ستنتظره ؟! و هل ستنتظره طويلا ؟؟؟


استفاقت على صوت هدير محرك سيارة في الخارج ففتحت عينيها لتنظر إلى ساعتها التي تشير إلى الثانية صباحا .. من يكون يا ترى ؟!! جرت نفسها من الفراش و اقتربت من النافذة لتلقي نظرة لكنها تأخرت فكل ما رأته هو ذلك الشاب اللطيف ذو الشعر الأصفر الذي تكلم معها صباح اليوم فقررت أن تعود إلى فراشها .. تقلبت في محاولة للنوم لكن بلا جدوى .. فأخذت الهاتف و قامت بالاتصال على صديقتها جاكلين .. أجابها صوت ناعس من الجهة الأخرى للهاتف

- " آلو ؟!"
- " جاكلين .. مرحبا ..هذه أنا لورا "
و كأنها صحصحت من نومها عندما سمعت صوت لورا .. و شعرت الأخرى بالحنين إلى الوطن على الرغم من أنها تغيب لأشهر و أسابيع على الدوام لكنها لا تشعر بنفس هذا الحنين الذي شعرت فيه بمجرد إقامتها هنا ليومين !!

- " لورا عزيزتي كيف حالك ؟! "
جاءها صوت لورا مخنوق ..
- " لست بخير يا جاكي .. أريد أن انفجر "
- " لم ؟ ما الذي حدث ؟!"
- " للأسف لم يحدث شيء .."
- " ماذا تعنين ؟!"
- " أعني بأني هنا وحيدة و لم أقابل الدوق حتى الآن ... لا اعرف إن كان يقصد أن يتجنبني"
- " هل هذا معقول ؟ لم تقابلينه حتى الآن ؟! "
- " لقد قابلت مستشاره و خادمته و مربيته الشرسة المدعوة بنانيرا.. تصوري بأنها هاجمتني اليوم لأنني كنت واقفة بالقرب من حجرة الدوق و افتعلت مشهدا حتى أتى شخصا ما ليهدئها و يعتذر نيابة عنها لكن غضبها زاد حتى اضطررت أن ألوذ بجلدي و أعود إلى حجرتي و لا أخرج منها "
- " يا عزيزتي .. و ماذا ستفعلين إذا ؟"
- " أريد مشورتك يا جاكي .. هل أبقى و انتظر أم أعود و أتنازل عن ورثي ؟! "
سكتت جاكلين لبرهة تفكر بأمرها و قالت بهدوء

- " بماذا يحثك قلبك ؟! "
- " أن أعود "
- " و عقلك ؟! "
فكرت قليلا ثم تنهدت قائلة

- " عقلي .. آه منه إنه فضولي لدرجة كبيرة و يحثني على الانتظار حتى أقابل ذلك الدوق الوحشي الذي كرهته قبل رؤيته "
ضحكت جاكلين فلقد أجابت لورا نفسها بنفسها ..

- " و ماذا تقولين الآن ؟! "
- " اعتقد ..سأبقى و أرى إلى ماذا ستؤول إليه الأمور ... آسفة لإزعاجك يا حبيبتي هيا عودي للنوم و شكرا لك "
- " لا تتأسفي أبدا من الجيد انك اتصلت و سعدت لسماع صوتك .. واعرفي دائما بأني أساندك في كل قراراتك .. حظا سعيدا "
- " شكرا لك "
- " على الرحب و السعة "

شعرت براحة تامة لأنها تحدثت مع صديقتها المقربة و استطاعت بعد تلك المكالمة أن تخلد للنوم ..


في الصباح دخلت وانيتا بعربة الإفطار إلى لورا و فتحتها أمامها و بدأت تسكب لها الطعام في طبقها .. سألتها لورا

- " أعرف بأني سألتك كثيرا هذا السؤال لكني سأكرره حتى أقابل الدوق .. هل تناول الدوق باتريك إفطاره ؟ ألم يدعوني لمقابلته ؟ هل يعرف بوجودي هنا أصلا ؟! "
- " آسفة يا آنسة ..لكني حقيقة لم أرى الدوق هذا الصباح "
تأففت لورا و نفخت بعصبية

- " حسنا شكرا لك يا وانيتا "

بعد أن أنهت إفطارها قررت أن تخرج من تلك الغرفة التي بدأت تكرهها ,فلورا ليست من النوع الذي يحب الجلوس في مكان واحد دون أن يقوم بعمل شيء ما فهي بطبيعتها حركية و مغامرة و تحب استكشاف الأشياء .. الآن ستغامر بالنزول إلى الطابق السفلي و مواجهة العجوز الشرسة إن هاجمتها مرة أخرى ...

تمشت في الطابق السفلي الذي كان واسع جدا و يخلو من الحجرات بل كان مفتوحا على بعضه من حيث الصالات و غرفة الطعام إلا من باب مغلق و قررت أن تبتعد عنه و لا تقترب منه أبدا .. كان طعام الإفطار لا يزال على المائدة الطويلة الضخمة و يبدو بأن الدوق لم يتناول شيئا منه .. ظلت واقفة لدقائق تنتظر أن يطل عليها لكن لا أحد غير الخدم الداخلين و الخارجين .. يبدو بان عدد الخدم أكثر من العائلة نفسها ..

خرجت إلى الحديقة و كانت بدورها واسعة جدا إلى ما لا نهاية و في وسطها وجدت نافورة عملاقة تصب في حوض للسباحة و هو كبير جدا أيضا و فوقه نصب جسرا للعبور .. كان المنظر رائعا و كأنها تتمشى في جنة خلابة تظللها الأشجار و الزروع و الورود الغريبة العجيبة بألوانها الرائعة بكل الأجناب ...

تمشت حتى أصبحت الحديقة و الحوض الكبير خلفها و بعيدا عنها .. و بينما هي تسير لمحت أمامها مبنى رخامي أبيض صغير يقع أسفل القصر في منحدر و ينبغي أن تمشى لمسافة قصيرة لتصل إليه و كلما كانت تقترب منه كان يتبين لها بأن ذلك المبنى الصغير ما هو إلا إسطبل كبير للخيل و أمامه حلقة كبيرة مسورة بسياج أبيض و كان يوجد شخص داخل هذه الحلقة يركض و يركض معه جواد يصهل في كل ثانية .. اقتربت أكثر و توقفت لتستند على السياج و تنظر إلى ذلك الرجل الأسمر الطويل ذو الجسم الرياضي الذي يركض مع الحصان و يحاول أن يضع عليه اللجام لكن ذلك الحصان يصهل و يركض مبتعدا رافضا أن يعلق عليه اللجام .. حاول ذلك الأسمر لأكثر من مرة و ركض أمامها و شعره الأسود الكثيف يتقافز معه و كأنها تنظر إلى إعلان في التلفاز عن شامبو أو مستحضر تجميلي ..

كان تركيزه على الحصان العنيد أمامه و بدا لها ذلك الأسمر الوسيم أنه أعند من ذاك الجواد الهائج ..

اندمجت مع حركات هذا الرجل الأسمر ذو اللون البرونزي الأنيق الذي يرتدي قميص أبيض فضفاض و أزراره مفتوحة كلها تقريبا حتى يدخل الهواء داخل قميصه مفتعلا إعصارا كلما لامس صدره المكشوف.. و بنطاله الأسود الذي ارتدى فوقه جزمه سوداء عالية .. كان فارسا بمعنى الكلمة ..

بعد عدة محاولات بدأ ذلك الحصان العنيد يرضخ لعناد سيده الذي لم يبد عليه التعب بل كان مصرا على ترويض ذلك الجواد الجميل.. شيئا فشيئا استطاع الرجل الأسمر أن يضع اللجام عليه ثم بقفزة واحدة امتطى ظهره..

لا شعوريا صفقت لورا صفقة واحدة ثم توقفت بسرعة بعد أن التفت ناحيتها و لمحها فاقترب منها بالحصان.. كان ظهره مستقيم و مشدود و ينظر إليها بعين ثاقبة و يقترب بكل رصانة.. تصلبت في مكانها .. و استطاعت أن ترى ثلاثة رجال في الجهة الأخرى من السياج يهرولون مقتربين أيضا.. يا إلهي هي في ورطة.. أخذ قلبها يدق بسرعة فجائية عندما توقف الرجل الوسيم أمامها بجواده الذي انقاد له .. و بقفزة واحدة كان يقف على الأرض يحدق فيها بطريقة مريبة .. و دون وعي منها رجعت خطوة للخلف .. و اعتقدت انه من المفروض أن تعرف نفسها فقالت بتوتر

- " مرحبا .. أنا لورا "
لم تتغير ملامح وجهه و لم يحمل نفسه عناء الرد عليها بل اكتفى بالتحديق فيها بكبرياء.. كأنه لا يفهم ما الانجليزية ..

اختلطت مشاعره في قلبه ... فمن تكون هذه الجميلة الساحرة ؟!! ذات الملامح المألوفة ؟!!

كانت ترتدي جينز أزرق و قميص أسود مرتب يلتصق بجسدها ليبرز نحافة خصريها .. و شعرها الأشقر مسترسل على كتفها .. كما و أنها لم تنس ارتداء قرطين صغيران .. يضفيان على شكلها العملي لمسة أنثوية طاغية .. بدت جذابة باختصار ..

عندها وصل ماريو الرجل الذي اصطحبها إلى هنا قبل يومين و لم تره بعدها .. كان يلهث و خلفه داني المتقطع الأنفاس الرجل الذي اعتذر لها صباح الأمس عن تصرف تلك العجوز ..

حينها تحدث ذلك الفارس بالاسبانية بطريقة مغرية جدا .. أضفت إلى هذه الصورة الرجولية صوتا رجوليا آخر .. لتكتمل الصورة .. تحدث إلى الرجلين و أجابه ماريو بنفس اللغة .. و ما استطاعت التقاطه من جملة ماريو هو كلمة (دي بابلو ) و هي عائلة والدها ..

لم يبعد عينيه عنها و كانت تحس بنظراته تخترق حاجز قلبها .. من هذا الرجل العجيب ؟!

سألها ماريو باحترام و ود

- " ماذا تفعلين هنا يا آنسة ؟! "
أجابت و هي تنظر إلى الرجل الأسمر و هو يوقف الجواد عن الحركة واحدة منه .. و كان يترقب جوابها..

- " كنت أتمشى .. و لم أعلم بوجود إسطبل هنا "
ابتسم لها ماريو بتوتر .. و قال
- " حسنا يا آنسة ينبغي لك أن تعودي إلى القصر "
- " لكني .. "
و بسرعة رفع نظره للرجل الذي لا يزال يحدق فيها .. و كان هناك مغناطيس يجذب عيناه للنظر إلى ملامحها الناعمة ..

قال لها ماريو
- " أرجوك يا آنسة .. عودي "
تضايقت من إصرار ماريو أن تعود للقصر .. فقالت بنبرة معاتبة
- " حسنا سأفعل لكني أريد أن أقابل الدوق .. إنه ثالث يوم لي هنا و لم أقابله بعد ..ألا يكلف نفسه للسؤال عن ضيوفه ؟! أو على الأقل أن يدعوني للعشاء ؟! فهل هكذا يتصرف الدوق في العادة .؟؟.. أرجوك أبلغه ذلك .. اعتقد بأنني يعلم باني وصلت منذ يومان .. "

انقبض قلب ماريو و تبادل النظرات مع ذلك الرجل الأسمر المريب و مع داني الذي احمر وجه و أراد أن ينفجر ضاحكا .. رأت شبح ابتسامة ترتسم على ملامح الرجل الأسمر الجدية الحادة ثم سرعان ما عادت مثلما كانت.. أشار لماريو الذي كان يتحرى إجابته برأسه ففهم و استدار ماريو ليقول ..

- " يا آنسة .. إنك في حضرة الدوق .. دون باتريك "

ماذا ؟!!! تمنت أن تنشق الأرض و تبتلعها في هذه اللحظة .. عضت على شفتيها و قد أحمر وجهها خجلا و لم تستطع أن تضع عينيها في وجه الرجل الأسمر الوسيم.. إذن هو الدوق باتريك !! لم تعتقد بأنه قد يكون شابا و مفعما بالنشاط و له وسامة طاغية .. فلقد تخيلته يشبه أحد الرجال المرعبين في اللوحات الزيتية الموضوعة عند مدخل القصر.. ارتاحت قليلا لأنه بدا لها لم يفهم ما قالته .. أو لعله فهم .. لكن لابد و أنه لا يعرف كيف يتحدث الانجليزية .. بهذا طمأنت نفسها و هي تعرف بغرارة نفسها بأن لا يعقل أن يكون دوقا و لا يعرف كيف يتحدث الانجليزية .. خاصة و أنه شاب .. لذلك تراجعت خطوتين للخلف و قررت الابتعاد عن هذا المكان لعلها بذلك تحفظ ماء وجهها

- " اعذروني .. سأعود إلى القصر "
و استدارت لتذهب بعيدا لكن صوتا هادئا و واثقا و رجوليا هز بدنها هزة عنيفة

- " انتظري "
تجمدت رجليها و هي تستدير و كان قد خطر السياج و أصبح خلفها مباشرة.. قال لها بلكنة أمريكية متقنة

- " كان ينبغي علي أن أقابلك منذ الأمس لكني انشغلت قليلا فاعذريني يا آنسة .. وكما إنني عدت مساءا إلى القصر ..و اليوم لم انوي ايقاضك في الصباح حتى لا أزعجك .. و كنت سأدعوك على العشاء أيضا .. فاعذريني مرة أخرى يا آنسة آغنر.. "
نظرت بين بحريتين من العسل تضللهما أشجار سوداء كثيفة فنسيت ما أرادت قوله .. و لم تتذكر إلا عندما أخفضت بصرها عن عينيه ..

- " أنا آسفة لوقاحتي .. كنت .. "
قاطعها بكل سهولة .. دون أن يرفع صوته حتى و ألزمها السكوت.. قائلا

- " لا بأس .. كان يفترض أن أعرفك على نفسي منذ البداية حتى نتجنب كلانا الإحراج "
أومأت برأسها و هي تشعر بجسدها يشتعل نارا أمام نظراته و طريقته اللبقة في التحدث إليها ..


تحدث إلى ماريو بالاسبانية حتى لا تفهمه.. و بدا لها أكثر جاذبية .. و تمنت لو انها تلقت دروس في الإسبانية ..

- " ماريو خذها إلى القصر بالعربة الصغيرة و أخبرها أن لا تغادر حجرتها إلا عندما ندعوها للعشاء عندها سأرى ماذا تريد مني تلك الجريئة و إلى متى سنتحمل بقاءها هنا"
- " لك ما شئت يا سيدي "
اقترب منها ماريو عندما خطر الدوق السياج مرة أخرى و ركب ظهر الجواد مبتعدا إلى الإسطبل ..

- " تفضلي معي يا آنسة .. آخذك إلى القصر بالعربة "
- " لكني أفضل السير على الأقدام "
- " ستشعرين بالتعب فالصعود إلى المنحدر أصعب من النزول منه "
- " لا بأس "
- " أرجوك يا آنسي أن تأتي معي "
أيقنت بأن الدوق هو وراء هذا الأمر يبدو بان الجميع هنا ينصاعون لأوامره بحركة واحدة من عينيه فقط .. لا تعرف لم لا يحبذ فكرة أنها كانت تتمشى وتتفقد الحديقة و الإسطبل .. و هل هو جاف هكذا على طبيعته أم معها فقط ؟!!





طرقت وانيتا باب حجرة لورا فدعتها للدخول ..

- " أهلا وانيتا .. كيف أبدو ؟! "
كانت ترتدي فستان أخضر ضيق عند الخصر ثم يأخذ بالاتساع حتى يصل إلى ركبتيها .. نفشت شعرها الأشقر الكثيف و تركته يسترسل على كتفها و ربطت شريطة سوداء في منتصفه .. كما ارتدت قرطين ناعمين و حذاء أسود ذو كعب عالي .. و رسمت عينيها بكحل أسود خفيف ليبرز لونهما الزمردي و لمعت شفتيها بلونهما الطبيعي .. كأنها ستذهب إلى موعد غرامي أول لها ..

- " خلابة .. "
- " شكرا لك وانيتا .. ماذا أردت ؟! "
- " دون باتريك ينتظرك على المائدة لتناول العشاء "
- " آه .. إن الوقت باكرا لتناول العشاء "
- " الدوق لا يتناول إلا وجبة الإفطار و وجبة العشاء فقط ..لذلك يشعر بالتعب خاصة و انه يقضي معظم الوقت بالخارج.. "
- " هذا واضح بأنه رياضي و صحي جدا .. ألا تعرفين كم يبلغ من العمر ؟! "
- " سيبلغ الثلاثين قريبا "
لا تعرف لم أسعدها ذلك .. هل لان تخمينها صائبا أم لأنه شاب فحسب ؟!!


قادتها وانيتا إلى غرفة الطعام الكبيرة حيث المائدة الضخمة الممتدة إلى ما لا نهاية و تنزل في وسطها ثريا عملاقة من الكريستال و الذهب .. سكت الجميع انبهارا ما إن دخلت لورا .. وقف لها الرجال .. الدوق و داني و ماريو .. باتريك على رأس الطاولة و على يمينه نانيرا إيزابيلا و ماريو و على يساره داني و ترك مقعد لها بالقرب من داني .. فتح لها داني الكرسي لتجلس.. و ظل باتريك يمعن النظر فيها و هي تجلس بخفة .. بدت له مألوفة جدا و كأنه رآها في مكان ما لكنه لا يذكر أين!! و لم يبعد نظره عنها إلا عندما أحست هي بمن يحدق فيها فالتفت لتصطدم نظراتهما , شعرت بالخجل فأنزلت عيناها .. لكنه لم يكترث بل ظل يحدق بكل جرأة يحاول أن يتذكر أين رآها من قبل ..

كانت العجوز ترسل لها نظرات نارية .. ما بها هذه العجوز ؟! و لم كل هذا العداء ؟؟ و من تكون ؟!

كانوا يتناولون طعامهم بهدوء ..والجو موترا بالنسبة لها فكل الأعين عليها وحدها لذلك لم تستطيع أن تتناول طعامها .. كان الدوق ينظر إليها بطرف عينيه بين حين و أخرى, يا إلهي كيف أستطيع أن أتناول طعامي و الكل يحدق بي بتلك الطريقة .. بالأخص هذا السيد المتأنق .. كان يرتدي قميصا أسودا و قد رفع أكمامه إلى الأعلى و بنطاله أسود أيضا .. بدا شكله نظيفا عن ما راته هذا الصباح .. خاصة بانه قام بحلق ذقنه و شعره الأسود القصير مرتبا و ممشوط للخلف و كأنه رجل من عامة الناس لو أنها رأته في مكان آخر غير هنا .. بل بدا ماريو ببذلة السوداء المتأنقة و كأنه هو الدوق ...

وقعت عيناه على طبقها.. فتوقف عن الأكل و سألها قاطعا جو السكون بإنجليزيته المتقنة

- " آنسة آغنر ؟! لم تلمسي طبقك .. ماذا ألا يعجبك الطعام ؟ "
لم تتوقع سؤاله هذا .. فارتبكت و أجابته بعفوية

- " لقد تذوقت القليل منه .. إنه لذيذ .. شكرا"
لم يعجبه ردها فسألها و في عينيه مكر

- " إذا لم وقفتي عن الأكل ؟! هل تتبعين نظاما للتخسيس ؟! "
لقد وضعها في موقف حساس حيث ترك الجميع ما بيدهم ليحدقون في وجهها الذي احمر خجلا .. و ربط لسانها و توقف عقلها عن التفكير في إجابة عقلانية .. كانوا ينتظرون ردها فتنحنحت قائلة

- " أنا آسفة .."
رفع ذقنه و كرر قولها باستغراب .. انه ينتظر جواب أكثر منطقي ..

- " آسفة؟! "
يا إلهي إنه لا ينفك عن التحقيق معها و كأنه يقصد إحراجها .. لن يسكته إلا قول الحقيقة ..

- " أنا آسفة لأنني لا أستطيع أن أتناول طعامي و الكل يحدق بي "
فتح باتريك عينيه على اتساعهما دهشة بردها الصريح و الصادق و تبادل النظرات مع داني الذي احتقن وجهه.. عندها انفجر ضاحكا عندما رأى باتريك مبتسما و أخذ الجميع يضحكون .. إلا نانيرا العابسة .. أنزلت لورا رأسها للإحراج و قررت أن تحفظ ماء وجهها و تغادر إلى حجرتها .. وقفت على طولها و استأذنت الرحيل لكن الدوق سرعان ما تغيرت ملامحه لتصبح جدية و توقف عن الضحك و قال لها بصوت آمر

- " عودي إلى مكانك يا آنسة "
جعلها صوته الآمر تحس و كأنها في عصر العبودية .. لذلك لم تتحمل هذا الصوت الآمر فتجرأت و رفعت بصرها تنظر بين عينيه بضيق من طريقته ..و كل ما رأته هو نظرة الحزم الحادة و الهدوء على ملامح وجهه الساكنة .. و عندما لم تجلس عنادا و كبرياء منها كرر أمره لكن بطريقة مختلفة و أكثر ودية مع طيف ابتسامة

- " على الأقل أنهي طبقك .. لن يقوم أحد عن هذه الطاولة إلا عندما ينتهي الجميع .. و لن يحدق بك أحدا .."

أضافت نانيرا موبخة

- " من الأصول يا آنسة أنا لا تقومي من الطاولة تاركة طعامك و الدوق لا يزال جالسا "

شعرت بالنار تسري في عروقها و تحرق أوصالها .. لابد أنه يعني إذلالها أمام الجميع إذ جعل تلك العجوز الشمطاء توبخها.. جلست بعد أن حدجته بنظرة غاضبة لم تؤثر فيه.. بل أكمل تناول طعامه و كذلك تحديقه بها .. شعرت برغبة بالبكاء لأول مرة منذ قدومها إلى هنا و لا تستطيع أن تمنع دمعة صغيرة فلتت منها فأسرعت بمسحها حتى لا يراها أحد مهزومة و ضعيفة ... تنصاع لأوامر دوق أسبانيا الذي لم تعرفه إلا منذ ساعات ..
بعد أن قام الدوق عن المائدة تبعه الجميع و كذلك فعلت هي .. جلس في الحديقة حتى يشعل سيجارته و أخذ ينفثها بالهواء و من ثم تبعه داني و أشعل سيجارته هو الآخر أيضا.. لكن ماريو استأذن الدوق و غادر.. و كذلك فعلت نانيرا قبلت رأس الدوق و تحدثت معه بالاسبانية و كانت منزعجة من وجود لورا اليوم على العشاء .. هذا ما أحست به لورا التي كانت واقفة تنظر إلى ظهر الدوق و رأسه من الخلف و وجه نانيرا المتهكم.. التي كانت تنظر إليها و في عينيها الحقد كله .. ما أن أنهت تلك العجوز حديثها حتى مرت بالقرب من لورا و دخلت القصر لتخلد إلى النوم ..

قال داني إلى الدوق شيئا في أذنه ما جعله يستدير ليجد لورا واقفة قرب النافذة المفتوحة على الحديقة ..

- " اقتربي يا آنسة.."
قالها بود هذه المرة .. لكن صوت الأمر لم يغب عنها ..اقتربت منه بانزعاج فهي لا تحب أن تخضع لأوامر أحد ..لكنها لا تريد أن تكون فضة و هي الضيفة عليهم.. خاصة و أنها قد عاشت حياتها مستقلة فمن الصعب أن تتقبل الآن شخصا غريب عنها يأمرها و يفرض رأيه و حكمه عليها حتى و أن كان دوقا ..

مد علبة السجائر إليها .. و قال

- " هل تدخنين ؟! "
نفت برأسها فأعاد علبة السجائر إلى جيب قميصه ..ثم سرح بوجه لورا الجميل تحت تلألأ أضواء حوض السباحة و فكر في نفسه إنه لا ضير من أن يتصبح كل يوم بهذا الوجه القمري و يمسي على تلألئه .. يا إلهي .. أين قابلتها ؟! إن وجهها مألوف جدا ..

قاطع داني حبل أفكاره عندما سأل لورا

- " ما رأيك بالقصر يا آنسة ؟! "
- " أرجوك نادني بلورا.. "
- " حسنا لورا .. لم تجيبيني؟ "
- " آسفة.. القصر.. إنه رائع جدا و قد أحببته كثيرا خاصة و أن طرازه يعود للقرن السادس عشر "
- " آه .. إذا أنت مهتمة بالآثار "
- " كثيرا.. كان تخصصي في الجامعة علم الآثار "
أردف الدوق سائلا باديا عدم اكتراثه بتخصصها أو أي شيء يخصها

- " و هل ترينه المكان المناسب لإقامتك ؟! "
لم يعجبها سؤاله الذي كان يلمح به إلى شيء آخر .. فأجابته بثقة و ذكاء رافعة رأسها حتى تكسر تكبره

- " لم أقرر ذلك بعد .."
تبادلا نظرات شائكة و حادة .. بعد ذلك وقف الدوق فوقف داني و ترددت لورا حتى تقف لكنها فعلت بالنهاية تجنب للمشاكل فهذه الأسرة الغريبة لها عادات تتنافى مع عادات لورا التي تربت على الديمقراطية ..

نظر إلى لورا مطولا .. ثم قال بصوت منزعج لداني بلغته ..

- " حسنا داني .. لا تطيل السهر فلدينا غدا مشوار طويل .. و لا تعقد صداقات مع الغرباء الذين قد يضروننا.. أنت فاهم قصدي "
أومأ داني .. ثم وجه باتريك الحديث للورا بالانجليزية و قال بجفاء و تعجرف

- " و أنت يا آنسة آغنر .. أو دي بابلو .. أيا يكن.. "
قاطعته .. و قالت مع ابتسامة حاولت إن تخفي بها انزعاجها
- " آغنر ... لو سمحت "
لم يعجبه طريقتها في مقاطعته و هو يتحدث .. فقال
- " حسنا آنسة آغنر .. لديك الكثير للتحدث عنه مع المحامي سانتياغو و ماريو .. و أرجو أن تتوصلا إلى حل يرضي الطرفين .. عمتي مساءا"
استدار ليغادر لكنها قالت بسرعة و بانزعاج

- " لكن كنت أريد التحدث معك أنت بهذا الأمر .. أنا و أنت ..و ليس ماريو و المحامي "
لف ليواجهها و قد بدا عليه الغضب و قال

- " آنسة آغنر .. أنا من يقرر مع من ستتحدثين.. "
قاطعته مرة أخرى و أراد أن يقترب منها و يلطمها لوقاحتها و جراتها في الحديث معه بتلك الطريقة التي لم يتجرا أحد من قبل على التحدث معه هكذا ..

- " لكن هذا شيء يخصني و يخصك يا سيد باتريك .."
صحح لها داني بصوت مرتجف و هو يرى صديقه يشتعل غضبا لجرأة هذه الآنسة الأمريكية التي ظهرت في حياته فجأة و بلا مقدمات.. و الآن تتشاجر معه بكل جرأة و هذه الجرأة يطلقون عليها "وقاحة "عندما ترفع امرأة و ضيفة غريبة صوتها على الدوق أو مضيفها..

- " دون باتريك "
لم تكترث للتصحيح .. فأضافت قائلة

- " أتمنى أن تعطيني من وقتك دقائق نتناقش فيها أنا و أنت وديا بخصوص القصر و الميراث "
اقترب منها كثيرا حتى كاد يلتصق بها .. أخذ قلبها يضرب بعنف ... و كلما اقترب كلما دخلت رائحة عطره القوي في رأسها .. لكنها نظرت إليه بحدة ..فقال لها ببرود و عينان تسعران نارا ..

- " عمتي مساءا "
ثم استدار و دخل القصر ..
ظلت تحدق في ظله حتى اختفى .. و عادت لها دقات قلبها .. استدارت لتنظر إلى داني الذي كان يرمقها , جلست في مكانها و هي تتأفف متضايقة من ذلك الدوق المزعج و تمنت أن يكون شيخا كبيرا أفضل بكثير من أن يكون شابا مغرورا و متكبرا

- " يا إلهي .. هل هو حازم و عنيد معكم أيضا ؟ "
- " أعذريه يا لورا إنه يعاني من ضغوطات كثيرة "
- " ليس هناك عذر لأن لا يتصرف بلطف معي .. لم يعاملني و كأني عدوة له ؟! "
- " هل هذا ما تعتقدين ؟! "
- " هذا ما أراه و أحسه "
- " لا يا لورا إن باتريك رجل نبيل و مهذب جدا و عندما تقتربين منه ستشعرين بلطفه و كرمه و سخاء نفسه "
- " و كيف أقترب منه و هو لا يترك لي المجال بل يغلق جميع الأبواب في وجهي ..اسمع يا ..؟؟"
تذكرت بأنها لم تتعرف على أسمه بل سمعت الدوق يناديه بداني .. لكنه قال لها مبتسما و بدا لطيفا جدا ..

- " دانيال .. لكن يفضل أن تناديني بداني "
- " داني .. بصراحة أنا لم اعتد هذه الحياة حيث القوانين و التعقيدات و الرسميات لقد ولدت في دنيا الاستقلالية لا أحد يفرض علي رأيه و الجميع من حولي أصدقاء لي .. لذلك من الصعب علي أن أقبل تصرفات الدوق معي "

اقترب منها قليلا و قال بصوت منخفض و كان يتلفت و كأنه خائف من أن أحد يراقبه من بعيد

- "ماذا تتصورين من رجل تزوجت والدته بلا رضاه لأنه لم يجد بان ذلك الزوج من مستواها كما و أنه سمع الكثير من الأمور المشيبة عنه .. و بعد ذلك عاندته و اختارت زوجها على ابنها ..فيغادرها ليعيش ست سنوات بعيدا عنها دون أن يتحدثا مع بعض .. ترك حياته هنا و مستقبله و واجبه الحقيقي لأرضه و أرض أسلافه ليعيش في لوس أنجلوس ثم يسمع بنبأ موت والدته فيعود بعد سنوات من الفراق ليودعها جثة هامدة و هو يشعر بالندم على ما حدث بينهما .. لقد تغير باتريك منذ تلك الحادثة و لم يعد مرح كما السابق حتى أنني لا أراه يبتسم أو يضحك إلا نادرا .. و الذي أحزنه أيضا أنه دفن في نفس ذلك اليوم والدته و زوجها الذي توفى قبل ساعات و قد أجرى له مراسيم دفن تليق به كزوج أب .. لكن الذي زاد الأمر سوءا هو عندما علم بأن هناك من يشاركه في ملكه و ملك أسلافه لقرون عديدة .. و هو أنت يا لورا فكيف تريدينه أن يتصرف معك و هو يشعر بأنه قد خسر كل شيء في حياته أولا والده و بعدها والدته و بعد ذلك يخسر جزء من أملاكه لفتاة غريبة .. لا و هي ابنة ألد أعداءه ؟!! "
لقد اختصر لها داني قصة حياة الدوق المأساوية في دقائق فجعلها بذلك محزونة و مشفقة عليه لذلك بقيت صامتة تفكر بينها و بين نفسها بما يجب فعله .. فأردف داني

- " اسمعي يا لورا أنا لا أدافع عن باتريك لأنه صديق الطفولة أو لأنه دوق ألبا .. بل أقول لك ذلك كي تضعي نفسك في مكانه ؟! أقسم لك لو كنت أنا من جرت معي كل تلك الأمور لطردتك من المنزل الآن أو لم أكن استقبلك و أدعك تقيمين في أفخم غرفة في القصر و أتركك تتناولين العشاء معي و بالقرب مني.. و لكني لا ألمك أنت أيضا.. فإن رؤيتك و تعرفك على ورثك هو من حقك.. "

أنزلت رأسها محزونة و تشعر بالإحراج فكلام داني جارح جدا و للأسف بان فيه شيء من الصواب ذلك ما جعلها تحتار بأمر الورث هل تقبله أم تتركه لسيده ...؟!!!


لكن داني لم يتوقف و أضاف قائلا ..

- " أعرف بأني أطلت الحديث معك لكن هناك نقطة واحدة و مغزى واحد من كلامي و هو أن تحاولي قدر الإمكان أن تعذري تصرفات باتريك و تسايرينه لعله يهدأ قليلا و يحسن التعامل ..و حاولي الاقتراب منه لعلك تكسبين وده و تجدينه رجلا نبيلا جديرا بالاحترام "

أومأت برأسها فهي لم تعد قادرة على الكلام لأنها أن فتحت فمها ستنفجر باكية .. استقامت واقفة و استأذنته بالذهاب إلى حجرتها..


ما أن فتحت الباب حتى تسارعت دموعها بالانهمار على خدها .. لم تكن متأكدة من سبب بكاءها .. هل هو غربتها أم وحدتها ؟! أم علمها بوجود أب لها و أن بيتر ليس أباها الحقيقي ؟ أم طريقة تعامل الدوق الجافة معها؟؟ .. أم مأساته التي ألقاها داني إلى مسامعها فتزيد من أوجاعها ؟..


لم تنم جيدا تلك الليلة فقد راودتها أحلام مزعجة لم تستطع تذكرها في الصباح عندما استيقظت و ارتدت ثيابها فستان زهري مريح و ارتدت فوقه سترة خفيفة بلون كريمي و رتبت شعرها تاركته مسدول ..

نزلت إلى غرفة الطعام حيث وجدت نانيرا جالسة تتناول إفطارها و الدوق يقرأ جريدته و لم ينتبه لدخولها إلا عندما ألقت التحية بصوت متعب جعله ينزل الجريدة عن وجهه حتى ينظر إليها .. كان وجهها الجميل متعب و السواد تحت عينيها الشبه مغمضتين فأدرك بأنها لم تنم جيدا في الأمس..

قال لها مع ابتسامة مشرقة أضافت إلى وجهه الوسيم سحرا آسرا ..

- " صباح الخير آنسة آغنر .. أرى بأنك استيقظت باكرا اليوم ..هل نمت جيدا؟!"
أجابته بلا نفس في التحدث و حاولت أن تتجنب النظر في عينيه و وجه حتى لا تتأثر بذلك السحر ..

- " لا لم أنم قط "
رفع الجريدة إلى عينيه حتى يبين لها بأنه غير مكترث بها .. لكنه سألها كنوع من التهذيب

- " هل كل شيء على ما يرام آنسة آغنر ؟! "
- " هل تسمح لي بدقيقتان من وقتك نتحدث فيهما على انفراد "
- " نتحدث عن ماذا ؟! "
قالها دون أن ينزل الجريدة عن عينيه .. فقالت بعصبية
- " أنت تعرف يا دون باتريك ما أعنيه ؟! "
تكلمت نانيرا بانزعاج موجهة حديثها إلى لورا

- " لابد انك لا تعرفين الأصول يا آنسة .. ألا تعرفي بأنه لا يسمح لك بالتحدث مع الدوق و هو يتناول إفطاره !!!"
و قبل أن تفتح لورا فمها لإسكات تلك المزعجة قال الدوق ..
- " آسف يا آنسة لورا ليس لدي وقت .. قلت لك تحدثي مع ماريو و سنتياغو "
- " لكن .."
و فجأة ترك الجريدة بعصبية ووضعها على الطاولة من أمامه .. استقام واقفا و قبل رأس نانيرا ثم خرج من غرفة الطعام .. غضبت لورا من تصرفه الطفولي و رأت نانيرا منبسطة السريرة و قالت بلكنة انجليزية ضعيفة

- " من الأفضل أن ترحلي عن هنا بكرامتك آنسة آغنر "
أرادت أن تبين لها لورا بأن أعصابها باردة جدا و لم تتأثر بحديث تلك العجوز الشمطاء فقالت مع ابتسامة باردة على شفتيها

- " لن يحدث هذا أبدا .. أتصدقين أنني أقع في غرام القصر يوما عن يوم .. لعلي أنقل إقامتي إلى هنا .. و للأبد "
قبضت نانيرا يدها حتى توقف الدم في معصمها و صرت على أسنانها بعصبية .. استمتعت لورا بانتصارها , كانت ستقول للدوق بأنها تريد التنازل عن الميراث لكنها عدلت عن ذلك عندما أصر على عناده .. و كان مستواه لا يسمح له بالتحدث معها و هي الأمريكية البسيطة ..

خرجت إلى الحديقة تنتظر ماريو و المحامي ..

اقترب منها داني مبتسما ..

- " صباح الخير لورا "
كانت منزعجة لكنها مع ذلك أجابته بابتسامة بالكاد رسمتها على شفتيها

- " أهلا داني .."
- " تنتظرين ماريو و سنتياغو أليس كذلك ؟! "
- " نعم أصبت .. لا أعرف كم من الوقت سأنتظر هنا .. "
- " هل تناولت إفطارك ؟! "
- " لا ليس بعد "
- " إذا ما رأيك أن نتناول الإفطار في شرفتي "
فكرت قليلا ثم ابتسمت له .. فمن الجيد أن تحظى برفيق لطيف و مرح تقضي وقتا معه بدل الجلوس وحدها .. أومأت برأسها موافقة و صعدت معه الدرج و هما يضحكان على نكتة ظريفة ألقاها داني .. و في نصف الطريق إلى جناح داني توقفا حتى يلتقيان بذلك الأسمر المغرور واقفا ينظر إليهما و في عينيه شرر.. كان يحدق في داني المبتسم الذي سرعان ما اختفت ابتسامته عندما رأى تجهم وجه صديقه و قال حتى يخفف من حدة الجو بينهما و نظرات باتريك الثاقبة الحاقدة

- " باتريك .. صباح الخير .. هل استيقظت للتو ؟! هيا تعال و تناول الإفطار معنا "
رفع باتريك حاجبيه و نظر إليه باستغراب .. هل يعني داني ما يقوله أم إنه يدعي الغباء ؟! أجابه باتريك بصوت بارد مستهزئا

- " ألا تعرف بأني أستفيق من نومي قبل الطيور و العصافير .. و أحيانا أوقظهم بنفسي "
ضحك داني بتوتر و تلفت لينظر إلى وجه لورا التي كانت تراقبهما بحذر

- " أه هذا صحيح .. أرأيت يا لورا إنه ليس سيء بتلك الدرجة إنه يجيد إلقاء النكت أيضا "
فتح عينيه على اتساع عندما رأى داني يوجه الكلام إلى لورا .. و كان الأمر يتعلق به .. وضعت لورا يدها على فمها فقد ارتكب داني خطأ فادح رأت نتائجه في عيني باتريك اللتان تتوهجان غضبا و قال بصوت حاد لكنه ساخر

- " و هل تتحدثان مع بعض عني يا دانيال ؟! "
الآن أيقن داني بأنه في مأزق لا يستطيع النفاذ منه .. فأجابه بصوت مرتجف

- " لا يا باتريك ليس كما تعتقد .. كنا .. أعني أنا .. "
لوى شفتيه بابتسامة خبيثة و ربت على كتف داني معلق بمكر

- " أتمنى لكما قضاء وقت رائعا "
ثم سار بكل ثقة مبتعدا عنهما .. وقفا في البهو غير مصدقين ما حدث للتو .. كان قلب داني يخفق بقوة فترك لورا واقفة وحدها و تبع باتريك نازلا الدرج بسرعة و ركض خلفه حتى الإسطبل .. فأسرعت لورا إلى حجرتها فتحت النافذة و أخذت الكاميرا التي أحضرتها معها و قامت بتقريب الصورة حتى استطاعت أن ترى داني واقفا من بعيد ينادي و يركض خلف باتريك الذي امتطى حصانه و انطلق به ..

هل هو هكذا ذو بأس عنيد و جاف مع من حوله حتى مع صديق الطفولة ؟؟.. لم يخشونه هكذا؟؟ عاد داني مطأطأ رأسه ..

- " داني .. أين دون باتريك ؟! "
التفتت ناحية الصوت ليجد المحامي سانتياغو واقفا .. فأجابه بلا نفس قائلا

- " إنه يركب الخيل .. سينوب ماريو عنه "
- " لكن الأمر يتوجب حضوره "
- " لا أعرف شيئا يا سانتياغو أرجوك أتركني في حالي "
دخل داني القصر و صاح ينادي ماريو ثم دخل جناحه و أغلق الباب خلفه ..


تقابلت لورا مع المحامي في غرفة الاستقبال .. صافحته و دعته للجلوس

- " كيف حالك آنسة آغنر ؟ "
- " إنني بخير "
- " هل كل شيء على ما يرام ؟ "
- " نوعا ما ..نعم "
- " هل تحدثت مع الدوق بأمر الميراث ؟! "
- " إنه يرفض التحدث معي بهذا الشأن و يترك الحديث لماريو .. "
دخل ماريو الغرفة قاطعا عليهما الحديث و تصافح مع سانتياغو ..

- " مرحبا .. حسنا لا نضيع وقت لنبدأ فلدي أعمال أخرى أهتم بها و أرجو أن تكونا متعاونين .. بالأخص أنت آنسة آغنر "
هذا هو ماريو حار بطبعه و سريع في عمله و مخلصا للدوق بشكل لا يصدق

- " حسنا يا ماريو ماذا لديك لتقوله نيابة عن دون باتريك مع إني كنت أفضل وجوده بنفسه"
- " الدوق ليس فاضي لتلك الأشياء ... كل ما لدي قوله إنه يجب على الآنسة آغنر تقديم تنازل بشأن الميراث .. أو .."
انزعجت و قالت قاطعة بصوت عال .. يا لجرأته .. هل يعتقد أن الأمر بهذه السهولة أو أنه يتحدث نيابة عنها ..

- " أعترض .. أتنازل .. لا .. أبدا "
قال ماريو مضيفا لكنه كان هادئا و يتكلم باحترام معها

- " انتظري آنسة آغنر أنا لم أنهي كلامي بعد.. لن تتنازلي عن كل الورث .. فقط عن جزءك من القصر "
أصرت على رأيها و قالت بعناد

- " لا لن أفعل "
- " يجب أن تتفهمي يا آنسة بأن هذا القصر هو ملك لعائلة آلفاريز دي تيلدو منذ قرون و لن يسمح الدوق بأن يتدخل أحد غريب في الملك الذي شيده أسلافه "
- " إنني أتفهم ذلك و أعرفه جيدا ... لكني لن أتنازل عن حقي فيه "
لأول مرة يشعر ماريو بالانزعاج من هذه الآنسة العنيدة الجريئة التي تجرأت اليوم على الدوق كما فعلت بالأمس .. إنه يعتبرها سليطة اللسان لكن مع ذلك حاول أن يكون محترما في التعامل معها فهي ضيفة .. لكن ضاق من إصرارها .. فهو الذراع الأيمن للدوق بكل شيء
- " ماذا تريدين من هذا القصر ؟! ليس لك مكان فيه "
- " بلى .. لي فيه جزء "
قال سانتياغو مضيفا
- " و هذا الجزء صغير جدا .. فالدوق قد ورث ثلاث أرباعه و لم يبق لك إلا ربع فقط "
- " ما دام لدي ربع سأقبل فيه.. و سأقيم فيه .. "
تضايق ماريو كثيرا حتى أصبح أسلوبه أكثر حدة ..
- " لم أنت عنيدة هكذا يا آنسة ؟ لن يفيدك هذا القصر بشيء "
استقامت واقفة و قالت بعصبية و صوت مرتفع

- " اسمع لن أتفاوض معك أنت.. اسمح لي يا سيد ماريو فأنت لست صاحب هذا الملك .. لن يتناقش معي إلا الدوق .. أنا آسفة لن أتنازل عن حقي أو ورثي مهما حصل .. "

خرجت من الغرفة إلى الحديقة و أخذت تركض بعيدا خارج السور إلى حيث الغابة الكثيفة ..و بعيدا عن القصر الريفي و ماريو و داني و سانتياغو و تلك العجوز نانيرا و بالذات .. بعيدا عن ذلك الأسمر ذو الوسامة الطاغية و القلب المتحجر .. و التكبر .. ذلك الدوق المتعجرف..

جلست أمام جدول صغيرا لترى انعكاس صورتها عليه .. من هذه المرأة التي تراها إنها ليست لورا آغنر إنها إنسان آخر .. لقد سئمت لعب دور البريئة المظلومة .. و سئمت أن تحترمهم و هم لا يبدون لها إلا سوء النية ..

ستبين للدوق المغرور و حاشيته التابعة بأنها أقوى منه حتى و إن لم تحمل لقب رفيع .. أ يعتقد بأنه وريث عائلة نبيلة أن يكون له السلطة و الرفعة .. لا .. لن تسمح له بذلك أبدا .. لقد أتت إلى هنا في بداية الأمر لفضولها لرؤية ما ورثته من والدها .. ثم شيئا فشيئا بدأت تحب هذا المكان رغم وحشية الناس الساكنين فيه .. أما الآن فكل هدفها للإصرار على عدم التنازل عن حقها .. كل هذا هو لأن تكسر عين باتريك ... فمن من هو حتى لا يتفاوض و يتناقش معها بشأن الورث ؟ هل يرى نفسه أفضل منها ؟! .. ليس بالنسبة لها ..







صرخ قائلا و قد استشاظ غضبا و حنقا على لورا

- " ماذا ؟!! من تعتقد نفسها تلك المرأة الأمريكية الوقحة .. كيف تجرؤ ؟! "
أجابه ماريو المنزعج أيضا من تصرفها اليوم ..

- " لقد حاولت أن أقنعها يا سيدي لكنها عنيدة جدا و وقفت بوجهينا أنا و سانتياغو و قالت بأنها لن تتنازل عن أي شيء و لن تتناقش في هذا الأمر إلا معك "
كور يده بقبضة و ضرب بها الهواء ..
- " تلك اللعينة العنيدة.. ماذا سينفعها أن تناقشت معي ؟! إنها جريئة و وقحة "

التفت ينظر إلى داني الجالس يراقبهم بصمت و هو يشعر بتأنيب الضمير لأنه يشعر بأنه خان صديقه و بدأ يصادق عدوه المتنكر بشكل امرأة فائقة الجمال ..

قالت نانيرا بخبث

- " لابد إنهاطامعة بثروتك يا دون باتريشيو و لعلها لن تتنازل إلا إذا حصلت على مبلغ من المال مقابل نصيبها في القصر"
زاده تعليق نانيرا إيزابيلا غضبا و حقدا أكثر على تلك الغريبة .. فقال بصوت مخنوق

- " أين هي ؟! إنها تريد من يؤدبها .. و أنا سأتكفل بذلك "
- " ماذا تنوي فعله يا دون باتريك ؟! "
سأله المحامي سانتياغو بقلق .. فإن أصابها مكروه سيقع اللوم عليه هو .. فهو من أحضرها إلى هذا المكان .. باعتقاده أنه يقوم بالصواب .. فهذا ما ينص عليه القانون .. لكن ماذا يفعل أمام حضرة رجل ذو سلطة و مكانة مرموقة في المجتمع الذي يعيش فيه .. فقط بأمر واحد من الدوق و ينهي حياة هذا المحامي المسكين الذي لا حول له و لا قوة ..

أجابه باتريك ..

- "أنت آخر من يسألني هذا السؤال يا سانتياغو فأنت السبب في كل شيء .. لكن لا عليك .. احضروها لي فقط و أنا سأتكفل بها"
قال ماريو مضيفا

- " لقد رآها الحراس تغادر حدود القصر و تتجه إلى الغابة "
- " و لم لم يوقفوها ؟! "
سأله و هو يصر على أسنانه

- " لا أعرف يا سيدي "
جلس على الكرسي و أشعل سيجارة لعله يهدأ قليلا .. و تحترق السيجارة كما يحترق هو في الداخل .. قال بهدوء
- " حسنا سأكون بانتظارها حالما ترجع "

 
 

 

عرض البوم صور kokowa   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ماري روك, لورا والدوق الاسباني, روايات مكتوبة
facebook




جديد مواضيع قسم روايات منوعة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t105529.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Jnooby-grp-Vtb This thread Refback 30-01-18 07:47 PM
Untitled document This thread Refback 02-12-14 06:00 PM
Untitled document This thread Refback 12-07-14 06:47 AM


الساعة الآن 12:16 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية