التحميل من هنا
منهجية القرآن المعرفية
أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والإنسانية
( إسلامية المعرفة) نظرية يطرحها الباحث محمد أبو القاسم حاج ويقصد بها فك الارتباط بين الإنجاز العلمي البشري والإحالات الفلسفية الوضعية بأشكالها المختلفة وإعادة توظيف هذه العلوم ضمن نظام منهجي ومعرفي ديني غير وضعي.
وقد علق على الكتاب المفكر الإسلامي د. طه جابر العلواني من خلال تقديمه للكتاب أنصف خلاله الباحث ورأى أن خطاب (إسلامية المعرفة) ينطلق من الوحي الإلهي المطلق المهيمن على العلم المحيط بالمعرفة المعادل للوجود الكوني كله سوف يكون قادرا على احتواء ما بلغته الحضارة المعاصرة وتنقيتها وإنقاذها مما يتهددها ويتهدد البشرية كافة بمنهجية (الجمع بين القراءتين): قراءة القرآن المسطور وقراءة الكون المنثور فيظهر دين الله على الدين كله ويسود الهدى ومعه يدخل الناس في الحق أفواجا متجاوزين حدود القطرية والثنائية والإثنية والعشائرية والقبلية
ففي الفصل الأول درس الباحث ملامح المنهجية المعرفية القرآنية وقدرات القرآن الكامنة على استيعاب الوجود الكوني وحركته عبر امتداد الزمان ومتغيرات المكان انطلاقا من وحدة الكتاب العضوية والمنهجية
وفي الفصل الثاني قام المؤلف محمد أبو القاسم بتطبيقات المنهجية المعرفية القرآنية لأسلمة مناهج العلوم الطبيعية والإنسانية في وحدتها الكونية موضحا الفارق بين منهجية العلوم الطبيعية والإنسانية في التشيؤ الوظيفي ومنهجية الخلق وكيفية الدمج بينهما في كل منهجي واحد
وفكرة هذا الكتاب تتمحور حول مرجعية القرآن الكريم في صوغ كل آليات ومنهاجيات نظرية (أسلمة المعرفة) وهي مرجعية منهجية تجعل من كتاب الله (القرآن الكريم) الأساس الذي يتعاطى مع تراث الأمة بوصفه تراثا بشريا يؤخذ منه ويترك ولكن لا ينبغي أن يؤخذ منه ويترك إلا بموازين ومقاييس الشريعة ومقاصدها
وهذا تأطير منهجي ومعرفي لا تتطلبه ضرورات الإيمان لدى المسلم فقط ولكن لكل المؤمنين بالله في العالم (فالأسلمة) تخوض معركتها في عمق المضمون الحضاري الذي يؤول هذه الأسس العلمية تأويلا وضعانيا وماديا فأضفى عليها تصورا مناقضا لأصولها التكوينية
ويرى د. علواني أن منهجية (إسلامية المعرفة) لدى محمد أبو القاسم حاج كشفت عن وجه جديد من وجوه إعجاز القرآن الكريم غير المكتشفة سابقا تمثلت في قدرة القرآن الكريم على بناء المنهج العلمي الكوني القادر على إعادة بناء الإنسانية من خلال المنهج والمعرفة والثقافة وإحداث التغيير في العالم كله واحتواء سائر تناقضاته والقضاء على سلبيتها وتحويلها إلى عوامل تفاعل بناء وتجاوز ثنائيات الصراع والتقابل إلى وحدة في تنوع وتعدد وتوحد
ويتساءل الباحث محمد أبو القاسم عن أسباب فشل فكر (المقاربات) الديني في بداية عصر النهضة في أسلمة المعرفة ؟ ويرى أن السبب الحقيقي يعود إلى أن فكر المقاربات هذا تم ممارسته تحت ضغط الحضارة الأوربية حيث تمت مقاربة الاشتراكية بالعدالة الاجتماعية في الإسلام ومقاربة الشورى بالدستورية النيابية ومقاربة مفهوم التقدم بالتمدن وفشل فكر المقاربات حين عقد مقارنة بين وضع المرأة في الإسلام والمرأة في الغرب وكان همه ردم الهوة بين المسلمين والحضارة الغربية ومع تزايد تأثير الغرب في الواقع الإسلامي زادت حالة القلق الفكري لدى بعض القيادات الإسلامية مما دفعها إلى القفز فوق منطق المقاربات والمقارنات للتتبنى (أسلمة) الغربي لتحتويه بدلا من أن يحتويها وقد عجزت أمامه ولا يكون الاحتواء في هذه الحالة إلا شكليا لأنه يتم ضمن حالة دفاعية قائمة على منطق العجز الحضاري من ناحية وحالة سلبية مصدرها خوف الاحتواء من ناحية ثانية
ابستمولوجية المعرفة الكونية
اسلامية المعرفة و المنهج
النيل والفرات:
تعني إسلامية المعرفة شيئاً أكثر من مجرد التجديد الديني المعاصر أو الرؤية الكونية التوحيدية وهي تهدف إلى الوقوف بوجه دعاوى العولمة البراجماتية الفردية الأدائية، وضد الصراعات الطبقية والانقسامات الاجتماعية وضد الأصولية اللاهوتية وتطلعاتها الثيوقراطية. وهي تتجه للإنسان الحر الذي هو (قاعدة) إسلامية المعرفة منه تنطلق وتخوض به معركتها. وبما أن لكل عصر ضوابطه المعرفية ومحدداته العامة لموجهات التفكير التي تصقل مناهجه، فإن معرفتنا المعاصرة تتطلب منهجاً يجمع بين الاستدلال والاستقراء، ولكي يتم ذلك اللقاء المنهجي تبرز الحاجة لعقل علمي معرفي معاصر يتجاوز الوضعية ويتجاوز اللاهويتة معاً ولن يكون هذا العقل كما يرى المؤلف ألا عقلاً كونياً يستطيع التعامل وبمنطق التركيب العلمي مع كون لا متناه في الكبر ولا متناه في الصغر.
إن الكاتب يدعو في صفحات هذا الكتاب إلى البدء بدراسة القرآن كوحي كتابي معادل ومكافئ للوجود الكوني المطلق وحركته، وإسلامية المعرفة هي بحث لعلاقة الجدلية التي تربط ما بين الغيب الإلهي والإنسان والطبيعة وهي علاقات تداخل وليست علاقة تضاد.
الأزمة الفكرية و الحضارية في الواقع العربي الراهن
النيل والفرات:
هناك أزمة فكرية وحضارية في الواقع العربي الراهن، ولا يستهدف الباحث من خلال كتابه هذا توصيف هذه الأزمة في شموليتها أو تحليل عناصرها ومكوناتها فقد أفاضت في ذلك بحوث عديدة مختلفة المناهج بحيث أنه ما اجتمع في بحوث لتأطير نقدي لبنية الواقع في مستواه المعرفي إلى حدود يمكن أن تؤسس عليها مناهج في الواقع المأزوم باتجاه التغيير. وعلى طريق الخروج من الأزمة هناك محاولات الصحوة الإسلامية المعاصرة، والتي تندفع بقوة لتملأ فراغاً عجزت منظومة القيم العلمانية الوضعية، بأشكالها الليبرالية والشمولية عن ملئه. والحركات الإسلامية إذ تتقدم واثقة بنفسها وخطوها لتملأ هذا الفراغ فإنها خلافاً لغيرها تستند إلى مشروعية دينية وتاريخية وثقافية لم تتحول إلى تراث، فهي مشروعية حية في أحشاء الواقع ويكفي فقط أن تستدعى لتمارس الفعل والتأثير. غير أن ثمة فرقاً كبيراً بين أن يتم هذا الاستدعاء بمنطق سكوني لا يرى في الواقع سوى أشكاله الهيكلية التي استقرت صورها في ذهنه كترسيمات ثابتة للمجتمع وأفكاره، وبين أن يتم هذا الاستدعاء بمنطق تحليلي ينفذ إلى داخل هذه الهياكل ليرى مقدار ما يصيبها من تحولات في بنيتها الداخلية، وهي تحولات ترتبط بقوانين التفاعل الإنساني مع متغيرات الزمان والمكان، أي مبادئ الحركة والصيرورة وبتداخل المحلي مع العالمي في سياق جدلي لا يعرف التوقف والانقطاع. لذلك ارتبطت هذه المعالجة لدى الباحث في هذه الدراسة بالتعرف على ذلك النمط من الأفكار الذي يحاول فهم قوانين الحركة والاتجاه في الواقع، سواء تم هذا الفهم بمنطق (خلدوني) كما حاول الدكتور محمد جابر الأنصاري، أو باكتشاف الغسق الحضاري والماورائيات الفكرية المكونة له كما حاول الدكتور سيد دسوقي حسن، لكسر ما أسماه هو والدكتور محمود محمد سفر (طوق الاستبسال الدائري) أو كسر متاهة الحلقة المفرغة.
هذا وأن محاورة الباحث لفكر الدكتور سيد دسوقي حسن قادته بالضرورة للتعرف على تحديداته لخلفيات التأسيس الفكري الكامن في ماورائية التمثلات للوجود وعالم التصورات، وكذلك مناقشته لمعايير التفاعل القياسي في تحديد الخط الحضاري للعلاقة مع الزمن والأشياء وصولاً إلى مناقشته لمفهومه لكيفية الخروج من الأزمة، ليطرح من ثم الأزمة في إطارها العالمي ومنعكسات العالمية عليها آخذاً بفحوى المساجلات بين الليبرالية التعددية كما طرحها الكاتب الكويتي خليل علي حيدر وتيارات الصحوة الدينية، باعتبار المساجلات لحظة تعارضية بين نسقين: أحدهما وضعي انتقائي وآخر سكوني مثالي. ليعيد من ثمّ النظر إلى الصحوة من خلال منطق الدكتور طه جابر العلواني الذي يتعلق فكره بتطورات العلاقة بين الأنا والغير في إطار عالمية تتطلب رؤية منهجية ومعرفية جديدة، موضحاً في هذا الإطار خصائص الأزمة الحضارية العالمية ومدى انعكاسها على مفاهيم الأزمة في الواقع العربي. ومن ثم تمّ التطرق لحركات شباب الصحوة ومؤثرات سيد قطب، وكذلك أزمة المثقفين العرب التحليليين.
وبعد ذلك كان لا بد للباحث من تحليل مفهوم الشمولية الإسلامية ليصار من ثم إلى الانطلاق إلى إسقاطات المعرفيين العلميين على الواقع العربي الإسلامي، ليحدد بعد ذلك منهجية القرآن المعرفية وتفصيل جدلية التاريخ العربي بمكوناته الحضارية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية للوصول إلى الكشف عن ثغرات المناهج الوضعية في التحليل وفهم الظاهرات التي تتبدى فيها بوضوح تام علاقة الغيب بالواقع. وأخيراً توصل الباحث إلى الكشف عن معالم الأزمة سعى من ثم وبعد التحليل إلى التركيب، تحديداً لمنطلقات الخروج من الأزمة، وتحديداً لمعارج الخروج.
مقالات الراحل أبو القاسم حاج حمد