اسمه ومولده :
هو عبدالحميد بن عبدالكريم بن قربان قنبر بن تاج علي ، حميد الدين أبو أحمد الأنصاري الفراهي.
ولد رحمه الله يوم الأربعاء سادس جمادى الآخرة سنة 1280 هـ في قرية (فَرِيها) من قرى مديرية (أعظم كره) في الإقليم الشمالي بالهند.وهي الآن ولاية أترابراديش (U.P). وقد ولد لأسرة كريمة معروفة بنسبها وعلمها ومكانتها الاجتماعية ، ويعد أهلها من أعيان المنطقة ووجهائها ، فنشأ
الفراهي وترعرع في رخاء ورفاهية. وكان ابن خال
العلامة والمؤرخ الشيخ شبلي النعماني رحمه الله.
طلبه للعلم ومناصبه :
اشتغل بعدما ترعرع في طلب العلم ، فحفظ القرآن ، وقرأ – كدأب أبناء العائلات الشريفة في الهند – اللغة الفارسية ، وبرع فيها ، فنسج وهو ابن ستة عشر عاماً قصيدة فارسية صعبة الرديف ، بارى فيها شاعر الفارسية الطائر الصيت خاقاني الشرواني [ت 595هـ] فأتى فيها بما أعجب الشعراء.
ثم اشتغل بعد ذلك بطلب العربية ، فاستظل بعطف أخيه الشيخ شبلي النعماني ، وهو كان أكبر منه بست سنين. فأخذ منه العلوم العربية كلها من صرفها ونحوها ، ولغتها وأدبها ، ومنطقها وفلسفتها.
ثم سافر إلى لكنؤ مدينة علم الولايات المتحدة الهندية. وجلس في حلقة الفقيه المحدث الإمام الشيخ أبي الحسنات عبدالحي اللكنوي [ت 1304هـ] صاحب التعاليق المشهورة.
ثم ارتحل إلى لا هور ، وأخذ الأدب العربي من إمام اللغة العربية وشاعرها المفلق في ذلك العصر الشيخ الأديب فيض الحسن السهارنفوري [ت 1304هـ] شارح الحماسة والمعلقات شرحاً ثلاثي اللغات ، وأستاذ اللغة العربية في كلية العلوم الشرقية بلاهور. فبرع في الآداب العربية ، وفاق أقرانه في الشعر والإنشاء. قرأ دواوين الجاهلية كلها ، وحل عقد معضلاتها ، وقنص شواردها. فكان يقرض الشعر على منوال الجالهيين ، ويكتب الرسائل على سبك بلغاء العرب وفصحائهم.
ثم عرج على اللغة الانجليزية ، وهو ابن عشرين سنة. ودخل في كلية عليكرة الإسلامية التي أصبحت جامعة في ما بعد. ونال بعد سنين شهادة الليسانس من جامعة (الله آباد).
وبرع في الفلسفة الحديثة ، وكان عالماً بالعلوم العربية والدينية ، ومشاركاً في العلوم العصرية ، فكان سلفياً معاصراً إن صح التعبير.
وبعد أن قضى وطره من التعلم ، انتصب للتدريس والتعليم بمدرسة الإسلام بكراتشي عاصمة السند ، فدرس فيها سنين ، وكتب وألف عدداً من المصنفات.
ثم انقطع إلى تدبر القرآن ودرسه ، والنظر فيه من كل جهة ، وجمع علومه من كل مكان ، فقضى فيه أكثر عمره. وقد تأسف على ضياع وقته في غير تدبر القرآن ، والاشتغال به في ترجمته لنفسه حيث يقول :(ولما كانت هذه المشاغل تمنعني عن التجرد لمطالعة القرآن المجيد ، ولا يعجبني غيره من الكتب التي مللت النظر في أباطيلها ، غير متون الحديث ، وما يعين على فهم القرآن ، تركت الخدمة ، ورجعت إلى وطني ، وأنا بين خمسين وستين من عمري ، فيا أسفا على عمر ضيعته في أشغال ضرها أكبر من نفعها ! ونسأل الله الخاتمة على الإيمان).
ومات وهو مكب على أخذ ما فات من العلماء ، ولف ما نشروه ، ولم ما شتتوه ، وتحقيق ما لم يحققوه. فكان لسانه ينبع علماً بالقرآن ، وصدره يتدفق بحثاً عن معضلاته. و كان يعتقد أن القرآن مرتب بيانه ، ومنسقة النظام آياته. وكل ما تقدم وتأخر من سوره وآيه بني على الحكمة والبلاغة ورعاية مقتضى الكلام. فلو قدم ما أخر ، وأخر ما قدم لبطل النظام ، وفسدت بلاغة الكلام. وهذا أمر قد سبقه إليه كثير من العلماء من أبرزهم الإمام الكبير عبدالقاهر بن عبدالرحمن الجرجاني.
وكان يرى أن القرآن يفسر بعضه بعضاً ، فأعرض عن القصص وما أتى به المفسرون من الزخارف والعجائب. هذا كان دأبه في تفسيره الذي سماه (نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان) . وكان حسن النظر في كتب اليهود والنصارى. فاستمتع بها في مباحثه ومؤلفاته.
وانتخب سنة 1907م لتدريس اللغة العربية بكلية عليكرة الإسلامية ، وكان يؤمئذ أستاذ اللغة العربية بها هو المستشرق الألماني الشهير يوسف هارويز [ت1931م]. وكان هذا المستشرق يتقن اللغة العبرية لغة اليهود. فتعلم منه
الفراهي العبرية وعلمه العربية.
ثم تولى
الفراهي بعد ذلك تدريس اللغة العربية في هذه الكلية ، وبقي هناك أعواماً ، حتى انتقل منها إلى حيدر أباد الدكن رئيساً لمدرسة دار العلوم العربية الأميرية النظامية التي كانت تخرج قضاة البلاد وولاتها.
وهو الذي ارتأى تأسيس جامعة أردية تدرس العلوم الدينية بالعربية ، والعلوم العصرية بالأردية ، وبذل جهده في تحقيق هذا الأمل وإنجاز هذا العمل ، حتى نال القبول من المسئولين والمجتمع. وسميت بالجامعة العثمانية ، وهي يومئذ من أحدث جامعات العالم سناً ، ولكن من أعجبها نظاماً.
ثم استقال بعد ذلك ، ولزم بيته ، وانقطع للعلم ، وكان قد أسس قريباً من قريته مدرسة عربية دينية سماها (مدرسة الإصلاح) ، فكان ينظر في شؤونها ، ويجريها على أمثل طريق اخترعه ، وأحسن أسلوب أبدعه. ومن أجل مقاصدها تحسين طريقة تعليم العربية ، وإيجاز قائمة دروسها المتعبة العقيمة ، وإلغاء العلوم البالية القديمة ، والعكوف على طلب علوم القرآن ، والبحث عن معانيه ونظمه وأحكامه وحكمه ، وتدريس الحديث النبوي والفقه الإسلامي بعيداً من التعصب المذهبي.
وكان رئيساً للجنة المديرين لدار المصنفين التي أسست تذكاراً لأخيه الشيخ شبلي النعماني ، فكان هو أحد مؤسسيها. وكان يبذل أوقات فراغه في التأليف ، والتدوين ، والنظر في القرآن ومعانيه ، وإلقاء دروسه على تلامذته الملتفين حوله. فسمح خاطره المتدفق بما يخل به القدماء من علومه ، وفرق على العفاة ما لم يجمعه الأوائل في صحفهم.
كان رحمه الله منقطعاً إلى هذا البر من العمل ، حتى أتاه الأجل في التاسع عشر من جمادى الثانية سنة 1349هـ الحادي عشر من نوفمبر سنة 1930م.
مات غريباً في مدينة (متهورا) كعبة الوثنيين في الهند. كان رحل إليها عليلاً يستشير طبيباً نطاسياً من أبناء بلدته موظفاً هناك ، فلم ينفع الدواء ، عندما حم القضاء. وأنهكته العلة التي ألمت به ، ولم تنجح العملية التي أجراها الطبيب. فمات رحمه الله متأثراً بعلته ، غفر الله ذنبه ، ورفع درجته ، وأسكنه فسيح جناته ، وجمعنا به في جنات النعيم.
مؤلفاته المطبوعة بغير العربية::
- أسباق النحو ، جزءان بالأردية ، وهو من أنفع الكتب لتعليم النحو والصرف بطريقة سهلة جديدة سهلة عجيبة ، لغير الناطقين بالعربية كما ثبت ذلك بالتجربة.
- ديوانه الفارسي.
- وخردنامه ، كتاب نظم فيه حكمة سيدنا سليمان عليه السلام بالفارسية القحة لا تشوبها كلمة عربية.
- مقالة في الشفاعة والمفارة باللغة الانجليزية ، رد بها على بعض علماء النصارى.
مؤلفاته المطبوعة بالعربية::
- الرأي الصحيح في من هو الذبيح.
وقد طبع بدار القلم بدمشق 1420هـ وهو من أنفس ما كتب في قصة ذبح إسماعيل عليه السلام ومكانها ، على كثرة ما كتب في هذا الباب ولعل باحثاً يتصدى لأبرز الأدلة التي عول عليها في كتابه هذا رحمه الله فيعرضها ويجليها.
- تفسير سور من القرآن ، وهو جزء من أجزاء تفسيره نظام القرآن. وقد نشر منه الأجزاء التالية :
o فاتحة نظام القرآن وهي مقدمة تفسيره.
o تفسير البسملة وسورة الفاتحة.
o تفسير سورة الذاريات ، والتحريم ، والقيامة ، والمرسلات ، وعبس ، والشمس ، والتين ، والعصر ، ةوالفيل ، والكوثر ، والكافرون ، واللهب ، والإخلاص.
- إمعان في أقسام القرآن
- أساليب القرآن.
وقد طبع بالدائرة الحميدية بمدرسة الإصلاح بأعظم كره الهند طبعته الثانية سنة 1411هـ . وهذا الكتاب يبحث في وجوه الأساليب في القرآن ومفاهيمها ومواقع استعمالاتها ، وقد كان
الفراهي وضع كتاباً آخر كتوطئة واستطراد لها الكتاب يعرف بمفردات القرآن وسيأتي. وذلك أن الطالب لا بد أن يعرف الألفاظ المفردة وبعد أن يفرغ منها يترقى إلى معرفة الجمل والتراكيب ، فهنا يأتي دور (أساليب القرآن) لتسليط الضوء على الطرق الموجهة لفهم دلالة التراكيب المختلفة الوجوه التي تدل عليها الأساليب المختلفة.
ومن مزايا هذا الكتاب أن كل ما يحتوي عليه من آداب القرآن وأساليبه إنما يقوم على أساس متين ودعامة وثيقة من معرفة سنن العرب في كلامها.
- التكميل في أصول التأويل.
وهو كتاب أفرده لذكر أصول لتأويل القرآن إلى صحيح معناه . فموضوعه الكلمة والكلام من حيث دلالته على المعنى المراد. وغايته فهم الكلام وتأويله إلى المعنى المراد المخصوص ، بحيث ينجلي عنه الاحتمالات. وهذا من جهة العموم ؛ فإن قواعد التأويل تجري في كل كلام ، ونفعها عام يتعلق بفهم معنى الكلام من أي لسان كان ، ولكن النفع الأعظم منه في فهم كتاب الله ومعرفة محاسنه للاعتصام به.
ولعل باحثاً يقرأ هذا الكتاب ، فيبين لنا منهج
الفراهي فيه بياناً شافيا ، ويظهر لنا الأفكار الجديدة التي طرحها إن وجدت ، فالفراهي عالم عجيب قل أن يكرر في كتبه ما قاله الآخرون دون الوقوف عندها وقفات في غاية الحسن والنفع.
- مفردات القرآن.
وهذا الكتاب من أنفس كتبه ، وقد طبع طبعتين ، أولاهما عام 1358هـ ، والثانية عام 1422هـ بتحقيق محمد أجمل أيوب الإصلاحي. وله في هذا الكتاب نظرات جديدة قل من تنبه لها من العلماء السابقين الذين كتبوا في مفردات القرآن الكريم ، وقد وعدنا الشيخ الكريم محمد مصطفى السيد وفقه الله بالكتابة حول هذا الكتاب في ملتقى أهل التفسير بإذن الله.
دلائل النظام.
وهو كتاب مطبوع مع كتاب التكميل في أصول التأويل ، وكتاب أساليب القرآن في الهند عام 1411هـ الطبعة الثانية.
وقد شرح في كتابه هذا فكرة النظام في القرآن الكريم ، وهو أمر فوق القول بوجود المناسبات في القرآن الكريم ، بل يعتبر القول بالمناسبة في القرآن جزءاً من أجزاءه. وقد ذهب إلى هذا القول الأستاذ سيد قطب رحمه الله في الظلال ، وقريب منه الدكتور محمد عبدالله دراز في كتابه النافع (النبأ العظيم) .
وقد وضح
الفراهي فكرته في كتابه هذا حيث يثبت أن للترتيب والنظام حظاً وافراً في كل مركب ، ولا سيما في القرآن الحكيم ، والذين يزعمون خلاف ذلك فإنهم أخطأوا في زعمهم ، ولم ينصفوا كتاب الله . ثم يصرح بعد ذلك بأن القرآن الحكيم كلام منظم ، ومرتب من أوله إلى آخره – على غاية حسن النظم والترتيب – وليس فيه شيء من الاقتضاب . لا في آياته ولا في سوره، بل آياته مرتبة في كل سورة كالفصوص في الخواتم. ولعله يأتي لهذا الكتاب مناسبة بإذن الله. وقد تحدث عنه الدكتور أحمد حسن فرحات في كتابه الأخير علوم القرآن عرض ونقد وتحقيق وشرح فكرته فيه ص 88 فليراجع.
وله كتب أخرى منها ما طبع ومنها مالم يطبع بعد. منها :
بقية تفسير سور من القرآن ، جمهرة البلاغة ، فلسفة البلاغة ، سليقة العروض ، الدر النضيد في النحو الجديد ، ملكوت الله ، والرائع في اصول الشرائع ، وإحكام الأصول بأحكام الرسول ، والقائد إلى عيون العقائد ، وكتاب العقل وما فوق العقل، والإكليل في شرح الإنجيل ، وأسباب النزول ، وتاريخ القرآن ، وأوصاف القرآن ، وفقه القرآن ، وحجج القرآن ، وكتاب الرسوخ في معرفة الناسخ والمنسوخ ، ورسالة في إصلاح الناس ، وديوانه الشعري بالعربية وغيرها.
ومن يتأمل أسماء هذه الكتب ، وتلك المسائل التي تعرض لها في هذه المصنفات ، لا ينقضي عجبه من سعة علم هذا العالم ، ودقة نظره ، وبعد غوره رحمه الله. وعسى أن يقيض الله لهذه الكتب التي لم تطبع بعد من يخرجها للناس لنتفعوا بها فما أظنها إلا بديعة كالتي طبعت. فكل الكتب التي طبعت له إلى الآن لا تخلو من إبداع ومتانة في الطرح في غالبها.
خلاصة كتاب إمعان في أقسام القرآن:
1- أن القسم إذا كان مجرداً عن المقسم به – لأنه ليس من لوازمه – فإنما يراد به تأكيد قول أو إظهار عزم وصريمة.
2- أما إذا أقسم بشيء فإن المقصود هو الإشهاد ، حتى في الأيمان الدينية ، وإنما اختلط به معنى التعظيم من جهة المقسم به لا من جهة أصل معنى القسم.
3- وربما يكون القسم لمحض الاستدلال.
4- أما أقسام القرآن فليست إلا للاستدلال والاستشهاد بالآيات الدالة.
ولترى فائدة هذا البحث وأثرها العظيم في التفسير ، يمكنك الرجوع إلى تفسير المؤلف للسور التي طبعت وهي : الذاريات ، والمرسلات ، والقيامة ، والشمس ، والتين ، والعصر.