أبعد من الكلمات
رافقها إلى حيث كانت سيارته الليموزين تنتظر,وساعدها على الصعود,ثم جلس بجانبها.تناول سترة كانت ملقاة على المقعد فلبسها,ثم أخرج من جيبه ربطة عنق وضعها حول عنقه وهو يقول ساخرا:"يجب الاهتمام بالتفاصيل"
عندما وصلا إلى مقصدهما الذي لا يبعد عن المعرض,كانت فرجينيا قد تمالكت نفسها.
ورغم أن المطعم بدا لأول وهلة,مزدحما,إلا أن رايان استقبل بالترحيب.فقالت بجفاء:"لا تقل لي إن لديك حصة في هذا المطعم"
مرة أخرى شعرت بجاذبيته الساحقة وهو يقول بابتسامة عريضة:"ليس هذه المرة,مع الأسف.ولكن صاحبه صديق لي"
-يا لحسن حظك!
فقال والدعابة تطل من عينيه:"ألا ترين ذلك؟"
شعرت فرجينيا بحيويتها تزداد,وكادت تحس بمتعة حقيقية عندما تذكرت الماضي فجأة,وما يحاول أن يفعله,فارتجفت وقد أدركت أنها أوشكت أن تستعيد مودتها له.
حرص رايان على أن يكون الحديث بينهما مرحا مسليا.لكنها كانت تجيبه باختصار,متقوقعة على نفسها,رافضة أن تخرج عن تحفظها.
وأخيرا سألها:"هل هناك خطب ما؟"
فسألته ساخرة:"وماذا يمكن أن يكون ذلك؟"
- لأنك ما إن تصبحي منفتحة قليلا حتى تتملكك الحدة فجأة وتتوتر أعصابك!لماذا لا تحاولين الإسترخاء وبهذا نستمتع بغدائنا معا.
-لعلك أقنعتني بتناول الغداء معك,لكن هذا لا يعني أن استمتع به.
هز كتفيه ولاذ بالصمت.لكنها انتبهت إلى انه يراقبها على الدوام وكأنه لا يستطيع ابعاد بصره عنها.
كان الطعام جيدا لكنها كانت تأكل بشكل آلي,ولا تكاد تجد لذة في ما تأكله بسبب التساؤلات التي تشغل ذهنها.
بعد ذلك الحديث في الردهة,لا بد أن رايان أدرك أن بإمكانه أن يحرك فيها مشاعر عميقة,فلماذا قدم لها فرصة التراجع؟
إنها طبعا ممتنة لذلك,لكنها تتساءل عن السبب.لماذا صمم على أن يتناول الغداء معها خارج البيت؟
سمعته يطرح سؤالا فرفعت رأسها بحدة:"عفوا؟"
-سألتك متى قررت الزواج من رينور.
فقالت متشجعة:"هل أخبرك تشارلز أننا سنتزوج؟"
-أخبرني أنكما تخططان لذلك.
تذكرت ما قاله رايان من قبل(فوق جثتي),فأجفلت:"أن...أنت لم...؟"
-لم أضربه؟لا,طبعا لم أضربه.أنذرته فقط إذا هو لم يتراجع.
وضعت يدها على فمها.فقال:"وماذا توقعت مني أن أفعل؟أهنئه؟"
وعندما لم تقل شيئا,أصر قائلا بنعومة:"وهكذا,أخبريني يافرجينيا,متى قبلت عرض رينور للزواج؟"
وفكرت فرجينيا بمرارة في أن رايان لا تفوته كذبة تكذبها.فقالت بحذر:"لقد طلب منى الزواج منذ أسابيع"
-وهل وافقت على الفور؟
-طبعا,فأنا أحبه!
بدا المكر في عينيه,وقال هازلا:"أنت تكذبين بشكل سيء"
-أخبرتك في الحديقة العامة أننا أنا وتشارلز سنتزوج.
-لا,لم تقولي هذا.بل قلت(أنه يريد أن يتزوجني)وهذا مختلف تماما.لماذا لاتكونين صادقة وتعترفي بأنك رفضته عندما عرض عليك الزواج أول مرة,ثم وافقت الليلة الماضية.
فأنكرت قائلة بجرأة:"لم أفعل هذا"
-لا تزعجي نفسك بمزيد من الأكاذيب,فقد اعترف رينور بأنك وافقت على الزواج به الليلة الماضية فقط.وهذا بنبئني بأمور كثيرة...رغم أنه وضع لذلك تفسيرا مختلفا.فهو يعتقد أنك وافقت على الزواج منه بعد أن اكتشفت أنك لم تعودي تحبينني.هل سيبقى سعيدا بهذا الشكل لو أدرك أنك تستعملينه كمجرد حارس أمني لك؟
-لا.الأمر ليس بهذا الشكل,فأنا أشعر نحو تشارلز بمعزة بالغة,وأنا أحترمه.وهو سيكون أبا جيدا.
-إذن فقد تحدثتما عن إنشاء أسرة؟
-نعم.
-وكم طفلا قررتما أن تنجبا؟
ورغم أنها أدركت أنه يسخر منها,إلا أنها أجابته:"أربعة"
-وهكذا قبلت الزواج منه,وخططتما لإنجاب الأطفال,لكن من الواضح أنك لا تحبينه بشغف.
-هل أخبرك هو بذلك أيضا؟
-لم يكن بحاجة إلى ذلك.عدا عن ملاحظات عدة كشفت ذلك تماما,وسرعان ما سيبدأ بالضغط عليك.
فقالت بعنف:"كما فعلت أنت"
-آه,لكن ثمة فرق.
-أي فرق؟
فقال بنعومة:"أنت أحببتني ومازلت تحبينني كما أحبك تماما.
أما معه,فثمة مودة ليس أكثر"
-وما الذي يجعلك واثقا إلى هذا الحد؟
-لو كنت أحببت تشارلز حقا لوافقت على الزواج قبل الآن.
-لقد سبق وأخبرتك...
-لقد أخبرتني بذلك حقا,وهكذا لا تزعجي نفسك بأن تخبريني مرة أخرى كم هو حبيب رائع.أنا لا أعتقد أنك تحبينه حقا,لكن موافقتك هي مجرد هروب.
فقالت ساخرة:"متى أصبحت طبيبا نفسيا؟"
-اكتشاف هذا لا يحتاج إلى طبيب نفسي.إنها مسألة واضحة جدا ولا مجال للخطأ فيها.
-أي نوع من الخبرة تحتاجها لتكتشف أنك تضيع وقتك؟
وتابعت تقول:"وماذا يهمك إذا أنا تزوجته,فأنا لن أعود إليك؟"
قال بثقة هادئة:"في هذه النقطة,أنت مخطئة.لكننا سنتحدث عن ذلك فيما بعد"
وبعد أن ألقى نظرة على ساعته,أشار إلى النادل ودفع الحساب قادها نحو الباب.أما هي فمشت مطأطئة الرأس,وهي تفكر كيف يمكنها الهرب منه,عندما توقف قال برقة وبصوت غريب"فرجينيا".
رفعت نظرها إليه,فنظر إليها وعلى وجهه ابتسامة متعمدة.
لم يكن رايان من النوع الذي يطلق العنان لعواطفه في مكان عام,فتملكتها الدهشة ووقفت جامدة حتى عاود سيره.
سارت كما يسير الشخص أثناء نومه,إلى أن نبهها بفظاظة,فرأت رجلاً أشقر يحدق إليها وكأنه لايصدق عينيه.
كان تشارلز يجلس إلى مائدة تبعد عدة أقدام,برفقة رجل أصلع.
عندما أصبحا بموازاته,تسمرت نظرات تشارلز عليهما,فنهض واقفا بحركة آلية,فيما كف مرافقه عن الكلام وأخذ ينظر إليهما.
أومأ رايان محييا بأدب:"مرحبا رينور"
فأجاب تشارلز متصلبا:"مرحبا فالكونر"
قال رايان ببساطة:"حيث أنك كنت مشغولا,فكرت في أن أخذ فرجينيا إلى الغداء"
فقال تشالرلز وهو ينظر إلى عروسه بذعر واتهام:"فهمت أنك ستبقين في اليت"
فقالت:"هذا ماكنت أنويه,ولكن.."
قاطعها رايان بابتسامة ونظرة جانبية أظهرتهما وكأنهما متآمران:"إن لدي موهبة كبرى في الإقناع,أليس كذلك يا حبي؟"
نظرت إلى تشارلز الذي تجمد لدى سماعه هذه الكلمة,وقالت متلعثمة:"أنا...أنا.."
فسارع رايان إلى القول:"استغرق ذلك بعض الوقت لكن عندما.."
فقاطعته بسرعة:"ألا ينبغي أن نذهب الآن؟"
فقال على الفور:"أنت على حق.علينا أن نذهب"
التفتت فرجينيا إلى الخلف فرأت أن تشارلز مازال واقفا على قدميه وهو يترنح كملاكم ثمل.
دار رأسها,ولم تعد قادرة على التفكير.وبينما كان المصعد يهبط بهما,حاولت أن تستوعب ماحدث,وكل ماتضمنه ذلك من المشاهد الصغيرة وما حدث قبله.
كانت تتساءل عن السبب الذي جعل رايان يلح عليها لتناول الغداء في هذا المكان العام,وهاقد وجدت الجواب الآن.كان على أن علم أن تشارلز سيتواجد هنا,فدبر كل هذا ليسبب له الإزعاج.
لقد احتال عليها ببراعة تامة,حتى أن توقيته كان ممتازا,لكنها تعلم أن أساليبه في تحقيق أهدافه مميزة وأنه أستاذ في وضع الخطط.
تذكرت نظرات تشارلز المتهمة,وتذكرت بمرارة نظرات رايان إليها,ونظراته التآمرية الماكرة,وكيف ابتسم لها وهو يكلمها بتحبب...
حالما أصبحا في الخارج,استدارت إليه بغضب ثائر:"أنت رجل متعفن,تعيس,عديم الضمير..."
راح يسكتها,قائلا بهدوء:"الناس هنا كثيرون.إذا شئت أن تشتمينني فمن الأفضل أن تشتمي في الحديقة العامة"
أثناء اجتيازهما المسافة القصيرة,جلست فرجينيا صامتة متوترة الشفتين,غاضبة من رايان ومن نفسها لعدم تكهنها بما كان يهدف إليه,لتحاول منعه.
عندما توقفا قرب بوابات الحديقة المزخرفة,قال رايان:"يمكنك يا مكسويل أن تأخذ بقية النهار عطلة لك فنحن لن نحتاجك"
وقفز رايان من السيارة مادا يده إلى فرجينيا ليساعدها على النزول,إلا أنها تجاهلته بوجه عابس.
لكنها ما لبثت أن تعثرت فقال بغرور أثار أعصابها:"هذه نتيجة محاولة الإستقلال,من حسن الحظ أنك لم تقعي أرضا"
توجهت من دون أن ترى,إلى البوابة الحديدية المرتفعة.
اختار رايان مكانا تحت الأشجار,ثم التفت يواجهها:"حسنا,ماذا عندك لتقولينه؟"
اندفعت تتهمه بصوت ابح من دون أن تستطيع كبح غضبها:"أنت دبرت كل ذلك لكي تسبب المشاكل! إياك أن تحاول إنكار ذلك"
-لن أفعل هذا,وأنا مسرور جدا لنجاحي.
فقالت بعجز:"لا أدري كيف علمت أنه سيكون هناك"
-الأمر بسيط.رفيقه الذي حدد له الوقت والمكان,كان مدفوعا مني.
اعتراف رايان الهادئ جدد غضبها:"أنت حقير تثير الإشمئزاز.."
لم يحدث لها في حياتها أن دفعها الغضب إلى صفع أحدهم,ولم تكن تظن نفسها قادرة على ذلك,لكن الغضب قد أعماها الآن.ومن دون وعي, رفعت يدها وصفعته بقوة أدارت رأسه إلى الجانب الآخر.
وفجأة,تملكها الخوف لما فعلته,وأخذت تحدق مدعورة في الأثر الأحمر الذي تركته على خد رايان.
وبأصابعه الطويلة,أخذ يتحسس البقعة برفق,ثم أجفل.
فقالت بصوت خشن:"أنت فقط تحاول أن تجعلني أشعر بأنني سيئة"
-ألا تشعرين بذلك؟
-بلى.
اعترفت بهذا بتعاسة ثم وجدت نفسها تعتذر,ولو أنها لم تكن تعني ذلك:"أنا آسفة"
-أظنني الملام في ماحدث,رغم أنني لا أنوي السماح لك بأن تصفعيني ثم تنفذي بجلدك.
وعندما تراجعت إلى الخلف,فزعة من التهديد الذي يلمع في عينيه,أضاف يقول:"لا تسيئي فهمي,فأنا لم أضرب امرأة قط,ولا أنوي أن أبدأ الآن.ولكن هناك طرقا أخرى"
ازداد ذعرها, واستدارت لتهرب,لكنه منعها من ذلك,وهو ينهي كلامه برقة قائلا:"طرق أكثر بهجة"
ثم تابع يقول:"أخبرتك أنني سأكون صبورا,فأنا واثق من نجاحي في اقناعك من النهاية"
تغير كل شيء بسهولة.وبستثناء وجه فرجينيا المتوهج,لم يظهر عليهما شيء سوى أنهما يتمشيان في أنحاء الحديقة.
سألها رايان وهو يبدو هادئا إلى درجة تثير الغيظ,وكأن لا شيء حدث على الإطلاق:"أترغبين في فنجان قهوة؟أم بآيس كريم؟"
وبالرغم من تصاعد الأدرينالين في عروقها الذي راح يدفعها للهروب أو المقاومة,شعرت بعدم القدرة على القيام بأي من هذين الأمرين.فأجابت:"أريد قهوة من فضلك"
حاولت أن تقلد لهجته الهادئة,لكنها فشلت تماما.
-فلنتابع سيرنا إلى مقهى"هنغري هيبو",حيث ألذ قهوة شربتها في لندن.
اختار رايان طاولة بعيدة عن الطاولات الأخرى فجلست فرجينيا مرتخية الأطراف تنظر إليه وهو يطلب القهوة.
عاد رايان بفنجانين من الخزف وضع أحدهما أمام فرجينيا,وهو يقول:"القهوة هنا ساخنة جدا,وقد تعلمت بعد المعاناة والأخطاء أن الفنجان الخزفي هو الأفضل لئلا تحرق الأصابع"
رشفة واحدة حذرة أثبتت لها أن القهوة جيدة كما وصفها تماما,وقالت بحيرة:"يبدو وكأنك تأتي غالبا إلى هذا المكان"
فقال بكسل:"جئت إلى هنا مرات عدة,فأنا أقيم في فندق كينيليم.وحديقة كينيليم قريبة من المكان الذي أمارس فيه رياضة الصباح,كما أن المقهى يفتح أبوابه باكرا ليقدم القهوة للزبائن"
قطبت جبينها وسألته:"منذ متى وأنت في لندن؟"
-منذ عشرة أيام تقريبا,هذه المرة.
هذه المرة...
وقال يجيب عن هذا السؤال الذي لم تنطق به:"جئت إلى هنا مرات عدة مؤخرا"
وبقلق مفاجئ,تساءلت عن السبب.فسألته بشكل بدا عفويا:"أظنها رحلة عمل؟"
-نعم...يمكنك القول إنه عمل سري ودقيق للغاية.
تمنت من كل قلبها لويسرع بإنهاء أعماله,ويعود إلى نيويورك.
وسألته دون رجاء كبير:"متى ستعود إلى وطنك؟"
-عندما أنهي أعمالي,وأحصل على ماجئت من أجله.
كان جوابه برئا في الظاهر,ولكن شئا ما في ابتسامته,ونبرة صوته,زادت من شعورها بالقلق.
اقتنعت بأنه من غير الحكمة الاستمرار في الحديث,فلاذت بالصمت وراحت تنهي قهوتها.
عندما وضعت فنجانها,قال رايان فجأة:"لم تخبريني بعد سبب هجرك لي عند باب الكنيسة؟"
-وأنت لم تخبرني بسبب اضطرارك إلى الزواج مني,في المقام الأول.
-ألا تظن أن السبب و أنني وقعت في غرامك كالمجنون؟
أجابت باختصار وهي تتمنى في قرارة نفسها لو أن الأمر كذلك:"لا,لا أظن ذلك"
وشعرت بسكين ينغرز في قلبها,ثم أضافت عندما لم تعد تستطيع احتمال الألم:"لا أريد أن أتحدث في الموضوع,فقد مضى كل ذلك وانتهى,ولا شيء يمكن أن يغير الماضي"
-ولا بأي شكل؟
لم يكن مزاجها يسمح بأن تجادله,فقالت بصوت منهك:"يجب أن أذهب إلى بيتي"
وعندما حاولت أن تنهض واقفة,قال لها:"هناك أمر واحد أود معرفته قبل أن تفكري في الذهاب.عندما تحدثت إلى رينور هذا الصباح,لم أستطع أن أصدق اتهامه السخيف لي.أريد أن أسمع من فمك لماذا تركتني"
-لأنه لم يكن في نيتي أن أدعك تستغلني,لكي تسنح لك الفرصة للعبث مع مادلين.
منتديات ليلاس
-تكهنت أن لذلك علاقة بمادلين.لم تعودي قط كما كنت عندما رأيتها في شقتي تلك الليلة...لكنني أقسم أنه لم يكن بيننا شيء.
-أخبرتني بنفسها أنكما كنتما جبيبين...وقبل أن تزعج نفسك بإنكار ذلك,كانت جاينس قد أخبرتني الشيء نفسه.
-صحيح أنني ومادلين كنا على علاقة,لكن ذلك كله كان في الماضي.أتظنين حقا أنني اعبث مع زوجة أخي أو أخدعك؟
-هذا ممكن,أنت أردتها فأخذها منك.
-أنا لم أكن أريدها.العلاقة البسيطة التي كانت بيننا انتهت تماما قبل أن يتزوجها ستيفن.
هزت فرجينيا رأسها:"لقد أخبرتني عن حقيقة خطتكما,وكيف أنك تريد أن تتزوجني لئلا تشك أسرتك بما يجري بينكما"
تمتم بصوت مخفض وكأنه يشتم,ثم تنهد وقال:"وأنت صدقتها؟"
كان هذا قولا أكثر منه سؤالا,لكنها أجابت:"نعم,صدقتها ولهذا السبب لن أعود إليك أبدا"
ابتسم من دون بهجة:"حتى ولو كنت لا تعرفين معنى كلمتي الحب والثقة,أريدك أن تعودي إلي يافرجينيا,وسأجعلك تدفعين ثمن كل يوم جعلتني فيه أنتظر"
ثقته هذه أرسلت موجة كالثلج في ظهرها فجعلتها ترتجف.قفزت واقفة بعنف,ما جعل الكرسي ينقلب إلى الخلف,وقالت بصوت أجش:"يجب أن أذهب"
نهض واقفا,وأصلح وضع الكرسي,ثم قال:"سأسير معك حتى البيت"
فوجئت بإذعانه غير المنتظر هذا,راحت تفكر في هدفه وراء ذلك.ولكن ربما,بعد أن أرضى غروره بما سببه لها من أذى في يوم واحد,أصبح مستعدا للراحة حاليا احتفالا بالنجاح.
هذا ما كانت ترجوه.مازال أمامها أن تواجه تشارلز.وشعرت بعدم القدرة على مواجهة أي شيء آخر.
لم يدر بينهما حديث حتى وصلا إلى منعطف الشارع الذي يقع فيه بيتها,فسألها:"ألم تغيري رأيك؟"
نظرت إليه:"بأي شأن؟"
-حول عودتك إلى البيت.قد لا يكون هذا عملا حكيما.
-عملا حكيما؟ لا أفهم ماتعنيه.
-إذا أصبح رينور حاقدا عليك...
-تشارلز ليس حقودا على الإطلاق.
-لو كنت مكانك لما وثقت من ذلك.بدا بالغ التكدر أثناء الغداء.
-قد يكون مصدوما أو غاضبا,لكنه لن يرفع إصبعا علي,إذا كان هذا ماتعنيه.
-شعور الغيرة قوي للغاية.وقد يدفع أكثر الناس وداعة ومسالمة إلى القيام بأمور ما كانوا ليفكروا بالقيام بها.
هزت رأسها وقالت بلهجة قاطعة:"تشارلز لن يفعل شيئا يؤذيني"
-هل أنت واثقة من ذلك تماما؟قد يكون أسلم لك إن حجزت لك في الفندق.
فكرت في أنه خطط لذلك لكي يضرب عصفورين بحجر واحد.
وهاهو يبذل جهده ليخيفها ويبعث الاضطراب في نفسها فقالت بهدوء:"أنا واثقة تماما"
عندما رافقها وهي تصعد الدرجات حتى الباب,سألها:"ماذا تنوين أن تخبريه؟"
-الحقيقة طبعا.
ورغم أن النهار مازال مشمسا,إلا أن رياحا خفيفة هبت منذ غادرا الحديقة العامة,وأخدت خصلة من شعرها تنزل على وجنتها.أزاحتها عن وجهها خلف أذنها,بلمسة خفيفة واثقة.وسألها بابتسامة ذات معنى:"الحقيقة كلها,أم نسخة منقحة عنها؟"
تذكرت مظهر الرعب على وجه تشارلز,وترددت,ثم قالت بذهن شارد:"لا أدري.لا أريد أن أجرحه أو أكدره أكثر مما أضطر إليه"
-هل يهمك أمره إلى هذا الحد؟
-نعم,فقد كان رائعا معي,وأمره يهمني.
-لقد بدأت أصدقك.
خطر لها أن رايان يبدو مسرورا أكثر منه منزعجا.
-أعترف أنك خططت لذلك كله بذكاء لامع,لكنني أخشى أن تكون قد ضيعت وقتك وجهودك سدى.
لمعت عيناه وهو يقول:"ثمة أجزاء من الخطة استمتعت بها حقا"
-أخشى أني لا أستطيع أن أقول الشيء نفسه.
سألها بهزة خفيفة من كتفيه:"وهكذا,متى موعد العرس؟"
دهشت لهذا السؤال المفاجئ,ومن دون أن تفكر,قالت:"الإثنين القادم"
ما أن تلفظت بهذه الكلمات حتى خطر لها أن عليها أن تكون أكثر حذرا وتكذب عليه,فيتم العرس قبل أن يدرك هو ذلك.لكن الأوان فات الآن.
ورفع حاجبيه:"بهذه السرعة؟"
-لا سبب يدفعنا إلى التأجيل.
ثم أضافت باختصار:"ولآن,بما أن مفتاحي معك,هل لك أن تدخلني؟"
-بكل تأكيد.
وفتح الباب ثم دس المفتاح في يدها وقال:"الأفضل أن تستعيديه"
فقالت ساخرة:"هل أنت واثق تماما من أنك لا تريد الإحتفاظ به؟"
ضحك ورد:"شكرا,لكن ذلك غير ضروري"
ثم تابع يقول بثقة:"لأنك في المرة القادمة أنت التي ستأتين إلي"
كانت تزال واقفة وكأنها تمثال من رخام عندما وصل إلى أسفل الدرجات فالتفت إليها:"بالمناسبة,ستجدين كيس نقودك على المنضدة في غرفت الجلوس"
وبعد لحظات كان يبتعد في الشارع بخطوات واسعة,والريح تعبث بشعره الأسود.
في المرة القادمة أنت التي ستأتين إلي.
إذا كان يحاول أن يشغل بالها فقد نجح في ذلك.كان صوته مليئا بالثقة...الى حد بعيد.
وتأوهت,رغم أنها حاولت التقليل من أهمية الأمر أمام رايان,إنما لعل ما رآه تشارلز أثناء الغداء,قد أحدث في علاقتهما الضرر أكثر مما تستطيع إصلاحه.
أرجوك ياربي لا تدع هذا يحدث,لكن كل ما يمكنها أن تفعله هو أن تنتظر لترى رد فعل تشارلز حين تخبره الحقيقة.قد لا يكون من السهل إقناعه بأن اريان خطط لكل شيء...
في السابعة والنصف,أصبحت المائدة جاهزة,والدجاج يغلي على نار هادئة,أما هي فلم تعد قادرة على الإستقرار,وأخدت تطوف في الأنحاء أشبه بقطة أسيرة.
وفي تمام الثامنة إلا ثلثا,سمعت صوت مفتاح يدور في قفل الباب,تبعه صرير معدن.
أسرعت الردهة وهي تنادي:"دقيقة واحدة"
وبعد محاولة قصيرة,فكت السلسلة وفتحت الباب.
-آسفة,لقد نسيت رفع السلسلة مسبقا.
كان وجه تشارلز جامدا,ودون أي تحية,أغلق الباب وعلق سترته.ثم سار إلى غرفة الملابس حيث جفف شعره بمنشفة,ثم مشطه,بينما كانت فرجينيا تتسكع بعجز في الردهة.
-تشارلز,أنا بحاجة إلى أن أتحدث معك لأوضح كل شيء.
ومن دون أن يجيب بكلمة,تبعها إلى غرفة الجلوس.
سألته بارتباك عندما لم يظهر دليلا على رغبته في الجلوس معها:"ألن تجلس؟"
فقال بتوتر:"ربما عليك أن تفتحي الموضوع رأساً.أظنك قد قررت العودة إليه"
فصرخت:"لا.لا.سبق وأخبرتك بأنني لن أعود إليه أبداً"
-ليس هذا ما بدا لي أثناء الغداء.
ابتلعت ريقها بصعوبة.يبدو أن إقناعه صعب تماما كما كانت تخشى.