![]() |
109 - أعدني الى أحلامي - آن هامبسون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
109- أعدني الى أحلامي - آن هامبسون - روايات عبير القديمة
الملخص عندما وقع نظر جولييت الفتاة القروية البسيطة على اليوناني الثري دورين كوراليس , صعقها الحب لأول مرة ,رغم انه يحب تانيا ابنة خالتها الجميلة .وبدل ان ترى أحلامها تتحقق رأتها تنهار كتماثيل من الرمل , وعرفت بسببه معنى الوحدة والذل والخوف ...... ولم تعد تفكر ألا بالأنتقام . قال لها انه يؤمن بالقدر, ولرؤيته من جديد أشبه بطيف من عالم اخر ,وبعد تسع سنوات من العذاب كادت جولييت تؤمن بالقدر ايضا. فهل يعميها الأنتقام للماضي وقد سنحت لها الفرصة ؟ أم أن هناك خيطا سحريا رفيعا يشدها اليه , ولن يقطعه شئ ؟ منتديات ليلاس |
1- البداية
قرية دورست الواقعة في منطقة هافيغتون , قرية ريفية هادئة , منعزلة عن ضوضاء المدن وضجيجها , سكانها عاديون , نادرا ما يقع في حياتهم أي حدث مثير , أو خارج عن نمط الحياة اليومية ورتابتها ذات الأيقاع الواحد , فوصول رجل غريب مثل السيد دورين كوراليس , لا شك أذهل سكان القرية ووضعهم في حالة أثارة ودهشة وتساؤلات , دورين كوراليس , يوناني , وسيم الطلعة , طويل القامة , بات محور حديث سكان القرية. أعلنت السيدة بوترتون , المسؤولة عن مركز البريد المحلي , مخاطبة السيد غودفري , بعدما غادر دورين الغرفة وهي تلاحقه لنظرات ملؤها الأعجاب. " يبلغ طوله ستة أقدام وثلاث بوصات". " نعم , من المؤكد أن الآنستين في منزل عائلة لوزار , تتنافسان لنيل أعجابه". " تانيا تفوز دائما بأعجاب الرجال , أما جوليتت ,فلم تهبها الطبيعة أي جمال يؤهلها حتى لمنافسة أبنة خالتها". " لا شك أنها ستغادرهم عندما تبلغ السن القانونية". " مسكينة , يعاملونها مثل الخادمة تماما , فمنذ وفاة والديها من جراء حادث سيارة وهي تعيش تحت رحمة عائلة لوزار , تبعا لقرارهم بالأعتناء بها وتبنيها , قالوا أنها ستكون رفيقة لأبنتهم تانيا , وذلك يخفف من وحشة الطفولة المستوحدة , لكن جولييت لم تلق منهم ألا معاملة قاسية جافة , وها هي الآن في السابعة عشرة من عمرها وعليها أن تتولى تنظيف المنزل بكامله وترتبه بمفردها". أنهى السيد غودفري حديثه , وتنهدت السيدة بوترتون ثم قالت : " سمعت أن تانيا واليوناني أمضيا سهرة عشاء ورقص في فندق الصحراء". ثم قالت السيدة غولد سميث التي كانت قد دخلت قاعة البريد خلال الحديث: " يبدو أن السيد والسيدة لوزار دعيا السيد كوراليس للمكوث في منزلهما مي يكون برفقة تانيا .... راجيين أن يتم زفاف أبنتهما له في المستقبل العاجل , صحيح أن حالتهما المادية لا بأس بها , لكنهما ليسا أثرياء كما تعلمون , فدورين كوراليس أبن مليونير , يملك أبوه مراكب بحرية تجارية , ومن الطبيعي أن يسعيا لضمه الى عائلتهما". وقالت السيدة سويل التي لسبب ما , لا تحمل أي مودة لجوليت: " تانيا ودورين يشكلان ثنائيا رائعا , هذا أمر ظاهر , وأنا شخصيا سأسعد لرؤيتهما معا كزوجين". لكن السيدة غولد سميث التي لا تشاركها هذا الرأي قالت: " بالنسبة لي أرغب لو تفوز جولييت بأعجابه , فذلك يبرهن لتانيا وأهلها أن جولييت غير الفتاة المنبوذة الضائعة التي يحاولون أن يوهمونا بها". صاحت السيدة سويل: " جولييت". وظهر الأشمئزاز على وجهها: " لكنها قبيحة". قاطعها السيد غودفري قائلا: "ليست قبيحة , متوسطة المظهر بالأحرى , لنكون أكثر أنصافا , ولها عينان جميلتان وبشرة ناصعة.....". " لا تملك ثقة النفس والرشاقة التي تتحلى بهما تانيا , خجولة جدا , لدرجة غير أعتيادية , مما يجعلني أتساءل عما أذا كانت تتصنع الخجل". صاح السيد غودفري: " تتصنع الخجل؟". ثم تابع قائلا: " لكن جولييت لم تزل في السابعة عشرة م عمرها , بينما تانيا لها أحدى وعشرون سنة من العمر". قاطعته السيدة بوترتون: " لا تنس أن جولييت لم تر شيئا من هذا العالم بعد , فهي سجينة في منزل خالتها وعائلتها , حتى أنهم رفضوا أصطحابها معهم الى اليونان في السنة الماضية حين ذهبوا لقضاء عطلة الصيف". " خلال العطلة تمت معرفتهم بالسيد كوراليس , أليس كذلك؟". " نعم , ألتقت تانيا به في مكان ما ثم قدمته الى والديها , من الأرجح أنهم أستمروا في مراسلته حتى نجحوا في دعوته لقضاء بضعة أيام في ضيافتهم". " يبدو لي أنه يختلف تماما عن عائلة لوزار". " وما تعنين بذلك؟". " يظهر أنه يفوقهم مكانة في المجتمع , ثم أنه لا يبتسم أبدا , من النوع الذي يصعب التقرب منه , مما يجعلني أعتقد أنه يعتبر عائلة لوزار دون مقامه". " كنه مهتم بتانيا". في هذه اللحظة كانت تانيا تواجه أبنة خالتها وفي نظرتها غضب شديد , كانت تحمل فستانا أسود رمته في وجه جولييت قائلة: " قلت لك منذ الأسبوع الماضي , أنه يحتاج للتصليح". " هذا غير صحيح , قلت لي أنه يحتاج للتنظيف فقط". " أذكر جيدا ما قلته لك , هيا قومي بتصليحه حالا , سأحتاج لأرتدائه هذا المساء". أجابت جولييت: " آسفة". ثم أضافت وهي تحمل الثوب بعناية شديدة: " سأصلحه حالا". كانت تانيا ما تزال ترمق أبنة خالتها بحقد وغضب , وقالت: " ثم عليّ أن أحذّرك أن تكفي عن محاولة لفت أنتباه دورين , فذلك يزعجه تماما". " لكنني لم أحاول ذلك قطعا". ضحكت تانيا بسخرية وقالت: " ربما يجب أن أذكّرك أيضا , أنك بسيطة المظهر ويعتبرك دورين قبيحة , أتسمعين؟ فلا تحاولي أزعاجه من جديد". |
وفجأة قالت تانيا:
"لماذا صبغت شعرك؟". ثم أطلقت ضحكة زنانة وأضافت: " أعلم السبب , فعندما عدت من عطلة الصيف في اليونان , أطلعتك على صورة لدورين , وذكرت لك أنه يفضّل السمراوات , وعندما علمت أنه قادم الى أنكلترا بسبب أعماله , وأنه سينزل ضيفا في منزلنا لبضعة أيام , قررت صبغ شعرك أسود لجذب أنتباهه , أليس كذلك يا أميلي؟". " أميلي ليس أسمي , أعني أنه ليس أسمي الأول , وطلبت منكم جميعا مرات عديدة أن تدعوني جولييت". " أسمك أميلي في هذا المنزل , كان ولم يزل منذ مجبئك للمكوث معنا". " لكن والدي أطلق علي أسم جولييت". " ربما , لكننا نفضل دعوتك أميلي , لنعد الى موضوعنا السابق ,لماذا صبغت شعرك ؟ هيا قولي لي , يا لك من مسكينة , وقعت في حب صورة والشعر الأسود لم يساعدك أبدا , فدورين لم يلاحظ حتى وجودك". أميلي!". سمعت جوليت صوت خالتها تناديها من المطبخ , فأسرعت وفتحت باب الغرفة مجيبة: "نعم خالتي؟". " تعالي نظفي المطبخ , وعند أنتهائك أجمعي الحطب وزوّدي المدفأة لهذا المساء". " نعم خالتي". رمقتها تانيا بنظرة أزدراء وقالت: " يا لك من جبانة , تخشين الأعتراض لأوامر أمي". قاطعتها جولييت بصوت مرتعش خافت: " ذات يوم , يا تانيا , ذات يوم سأملك الشجاعة الكافية للمقاومة". وغادرت جولييت الغرفة وفي يدها ثوب تانيا الرائع. في اليوم التالي قصدت جولييت مركز البريد لشراء بعض الطوابع. قالت السيدة بوترتون: " أهلا أميلي..... المعذرة أقصد جولييت". ثم أضافت: " ليس من السهل يا عزيزتي أن نتذكر أنك تفضلين أن نناديك جولييت بدلا من أميلي , لقد أعتدنا أن ندعوك أميلي لوقت طويل". أومأت جولييت رأسها وهمّت بالو قصتها من جديد. " كما تعلمين كنت في السادسة من عمري حين تولّى زوج خالتي وخالتي أمر تربيتي , وكما أخبرتك سابقا أسمي في تذكرة النفوس : جولييت أميلي هاردي". أجابت السيدة بوترتون مقاطعة جولييت بلطف: " نعم يا عزيزتي أذكر". " لا حاجة للشرح من جديد". ترددت جولييت قليلا لكنها قررت أن تكمل قصتها: " كان والدي يدعوني جولييت دائما , لكن خالتي مود قررت أنها لا تحب هذا الأسم". " لكنه أسم لطيف , لا أدري لماذا فضلت خالتك أسم أميلي بدلا من جولييت". " هكذا حصل , وأرغمتني على قبول أسم أميلي ومنذ ذلك الحين يناديني الجميع بهذا الأسم". شردت جولييت تتذكر الماضي وذلك اليوم الذي واجهتها فيه خالتها تعلمها أن أسمها منذ ذلك الحين , سيكون أميلي , وحين أعترضت جولييت والدموع تملأ عينيها , شارحة لخالتها أنها تكره أسمها أميلي وهي معتادة على أسم جولييت , أجابت خالتها بغضب: " الأمر يعود لي , وعليك أن تتعلمي أمرين : الطاعة والأمتنان". وبعدها أمرت السيدة لوزار أبنة أختها بكتابة هاتين العبارتين مئة مرة , كي لا يغادرا ذاكرتها أبدا. " وهكذا يعرفني الجميع بأسم أميلي". وفي هذه الأثناء كان السيد غودفري قد دخل دائرة البريد. وهمست السيدة بوترتون: نعم , أذكر عندما جاءت خالتك الى هنا قالت أنها وزوجها قد قررا تبنّيك , وأن أسمك أميلي لوزار". " كان جولييت هاردي سابقا , وذات يوم سيعرفني الجميع بأسمي الصحيح". قال السيد غودفري: " وبلون شعرك الطبيعي أيضا". ثم تابع : " شعرك الأشقر جميل كما هو". " أردته أن يكون بلون شعر تانيا ". سألها السيد بوترتون: " ولأي سبب؟". منتديات ليلاس وساد الصمت برهة , شرد ذهن جولييت تتذكر السبب الذي جعلها تغيّر لون شعرها من أشقر الى أسود. فمنذ أن وقع نظرها على صورة دورين , غمر كيانها شعور غريب , أحست بهذا الشعور من جديد حين علمت أنه سيزور منزل خالتها , وتملكتها رغبة شديدة في أن تلفت نظره اليها , أرادت أن تفعل ما بوسعها لجذب أنتباهه , فصبغت شعرها بالأسود لعلمها أنه يفضّل السمراوات. وردا على سؤال السيد غودفري , الذي لم ينتظر جوابا , قالت: " ليس هناك أي سبب معيّن , أردت فقط أن يكون شعري أسود". " من رأيي , أن على كل فتاة أن تقبل بما وهبتها الطبيعة من لون وجمال". وبينما تابع السيد غودفري حديثه مخاطبا السيدة بوترتون , لاذت جولييت بالصمت , كانت تفكر بما قاله السيد غودفري , لم تهبها الطبيعة ألا القليل , بيما الأمر يختلف كليا بالنسبة لتانيا , قررت جولييت أن الأختلاف بينهما يعود الى التكوين الأساسي في عظام الوجه , وهو واقع أشبه بالقدر لا يمكن تغييره , ولم تكن محاولتها في لفت نظر دورين اليها , ألا فكرة غبية فاشلة. وباتت تعرف تقاسيم وجهه بأدق تفاصيلها وأنطبعت عيناه السوداوان الكحليتان في مخيلتها , أما طيفه فكان يسكن أحلامها ليليا. |
أيقظتها ضحكة السيد غودفري من شرود أفكارها , وسألتها السيدة بوترتون قائلة:
" كم سيطول بقاء السيد كوراليس في ضيافة خالتك وزوجها؟". "لا أعلم بالضبط , أعتقد أنه مرتبط بعمله في لندن". " سمعت أنه يتولى أدارة أعمال والده". أومأت جولييت رأسها وقالت: " نعم , أخبرتني تانيا أن والده يعاني من صحة سيئة , وأن دورين المسؤول الوحيد عن جميع أعماله". " سيرث ثروة ضخمة ذات يوم". " لا شك في ذلك". " سيترك رحيله فراغا كبيرا في حياة أسرة لوزار , لا بد أن وجوده برفقتكم كان له أثر سعيد". " في الحقيقة ,يقضي معظم أوقاته برفقة تانيا , فهو صديقها قبل أن يكون ضيفا ألأسرة لوزار". " سمعت أنه يقطن في جزيرة رودس". " صحيح , كان يقطن هناك , ففي رودس تم لقاؤه بتانيا". " هل يعيش مع والده الآن؟". " يزور والده بأستمرار , سمعته يقول لخالتي ( مود) أنه ينوي السكن في جزيرة زاسوس , حيث أشترى منزلا مؤخرا , وأعتقد أنها جزيرة رائعة الجمال كما وصفها دورين, فمنازلها بيضاء مكسوة بالأزهار التي تتدلّى من جدرانها , وتملأ حدائقها , وبحرها رائع بزرقته الدائمة" قال السيد غودفري وقد قطب حاجبيه: " كان عليهم أصطحابك معهم". " أنها مسألة تكلّف كثيرا من المال". " لكنك منذ صغرك لم تحصلي على أجازة". " ذات يوم في المستقبل ستكون لي عطلة ولا شك". " أنك على صواب , فهذا ما أعتقده أيضا , أي بلد ستختارينه لقضاء عطلتك؟". " اليونان طبعا , أرغب في زيارة الجزيرة التي يسكنها دورين". وغادرت جولييت البريد منطلقة بسرعة نحو المنزل , حيث أستقبلتها تانيا بصوت ساخط: " يا لك من مخلوقة كسولة". وصاحت قائلة: " أين كنت؟ حذائي بحاجة للتنظيف , أذهبي ونظّفيه حالا وكما ينبغي". " لكنني لا أهمل واجباتي أبدا". " كفي عن أجابتي , لعلك نسيت أنك تعيشين هنا تحت ظل أحساننا نحوك". لم تجب جولييت , كيف لها أن تنسى ذلك وهو أمر يتردد على مسمعها كل حين , من قبل تانيا أو خالتها أو زوج خالتها , هرعت الى غرفة الغسيل وفي يدها حذاء تانيا , ووجدت عند وصولها مزيدا من األأحذية التي تحتاج للتنظيف , وسرت في عروقها دماء باردة , كم تود لو أن بوسعها أن تهرب , أن تهجر هذا المنزل وسكانه ,ولكن ألى أين؟ وليس بجعبتها ألا القليل من المال , قطع حبل أفكارها دخول خالتها الغرفة وفي يدها كومة من الأغطية الوسخة ...... وقالت: " هذه بعض الأغطية تحتاج للغسيل". وتركت الحجرة , سمعت جولييت خالتها تتحدث الى تانيا في الغرفة المجاورة: " ...... لا تلومي ألا نفسك , ليست الغلطة غلطتنا أذا لم يعرض دورين عليك الزواج بعد". وتلاشت أصواتهما حين تركا الغرفة وتوجها الى قاعة الجلوس. شعرت جولييت كأن طعنة غاصت في قلبها , مجرد فكرة زواج تانيا بدورين تجعلها تتمنى الموت , لكنه لم يعرض عليها الزواج بعد , وفي أعماقها كان قلب جولييت يتوسل بصمت: " لا دورين, لا تتزوج تانيا , أنتظرني أرجوك". لكن دورين لم يكن يلاحظ حتى وجودها , فهي مجردة من أي جمال أو جاذبية , بينما جمال تانيا يبهر أي رجل يقابلها , تانيا أنيقة , رشيقة , تتقن أسلوب التحدث والتصرف في المجتمع , ولا شك أنها تلائم دورين الذي يتحلى بشخصية مرموقة ومظهر وسيم , وثقة قوية في نفسه وأمكانياته , وفي رأي جولييت أنه أجمل وأذكى رجل تعرفت عليه , هذا ما أستنتجته حين تمّ لقاؤهما لأول مرة , عندما وضعت يدها الصغيرة المرتعشة في يده لتحييه قائلة: " أهلا". وتولت خالتها أمر شرح سيرة حياتها لدورين قائلة: " أميلي تكون أبنة أختي التي توفيت وزوجها في حادث سيارة , كانت أميلي في السادسة من عمرها حين تولينا أمر تربيتها والأعتناء بها , محاولين جهدنا أن نهبها الحب الذي فقدته". وشردت أفكار جولييت الى ذلك اليوم حين وقع نظرها على دورين لأول مرة , أطلعتها تانيا على صورته , أحست جولييت بشعور غريب يغمر كيانها , وحاولت بشدة أقناع نفسها أنه من المستحيل أن تكون قد وقعت في حبه بهذه السرعة , وأن ما تشعر به مجرد أحساس بالغبطة لظهور رجل غريب ومثير في أطار حياتها المملة , خاصة أنه قادم من بلاد الأغريق..... بلاد قرأت عنها الكثير , لكنها ما زالت غامضة في ذهنها , تماما مثل دورين , لكن جولييت وجدت أنها تواجه شعورا قويا تحمله أتجاه دورين , أضطرت أن تخضع للواقع وهو أنها تحبه , الحب الأول في حياتها , فدورين الرجل الوحيد الذي أيقظ فيها هذه المشاعر , لا تعرف أي رجل آخر , بينما يختلف الأمر بالنسبة لتانيا التي تنعّمت بحياة أجتماعية مثيرة , تعرّفت خلالها على رجال كثيرين منذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها. |
يغمر جولييت شعور بالنقص كلما قارنت نفسها بتانيا , وينبع هذا الشعور لا من أختلاف المظهر بينهما فحسب , بل من مكانتهما الأجتماعية أيضا , نشأت جولييت ضمن عائلة لم تهبها ألا القليل , بينما كرست هي أعواما من حياتها لخدمة هذه العائلة ,والأعتناء بحاجاتها وتدبير أمورها المنزلية... أشبه بخادمة , حتى شعرت مرارا بأنها أدنى من خادمة , فالمعاملة التي تلقتها من عائلة لوزار معاملة جافة , قاسية , مجرد من أي أحترام أو شفقة أو أعتبار , والحل الوحيد لأنهاء هذه الحياة التعيسة هو الهرب...... شعلة الأمل الوحيدة في أفق مخيلتها , شعلة تتمسك بها بقوة آملة ألا تنطفىء وألا بقيت هي في هذا السجن المرير , تحت السقف الأبدي , في منطقة صغيرة من العالم كادت تمقت جميع أرجائها.
منتديات ليلاس فجأة سمعت صوت تانيا تنادي من بعيد: " أميلي...... هل أنتهيت من تنظيف حذائي؟". ودخلت تانيا الغرفة لتجد جولييت منهمكة بتنظيف الأحذية الباقية , وقالت هذه: " نعم , تجدين حذاءك هناك". " أذن , آتني به". ضغطت جولييت على شفتها محاولة كبت الغضب الذي يغلي في أعماقها , باتت لا تحتمل طريقة معاملتها , وتتمنى لو تجد حلا لهذا الوضع....الى متى تذلّ هكذا؟ أجابت بغضب: " لن يضرّك أن تنحني قليلا وتخدمي نفسك". لكن تانيا أصرت على الجمود وأجابت بجفاء: " آتني به حا". عندئذ أطاعت جولييت ...... وأحضرت الحذاء لأبنة خالتها التي أنتزعته منها بغضب وراحت تتفحصه بدقة , وقفت جولييت تتأمل تانيا , ثم خطر على ذهنها أمر مهم كانت تفكر به منذ وقت طويل , فقالت: " سأسأل خالتي أن كان بأمكاني الألتحاق بلمعهد التجاري للتخصص كسكرتيرة". " لكنك سألتها من قبل". " سأسألها من جديد". توقفت جولييت عن الكلام حين فوجئت بدخول خالتها الى الغرفة , وسألت هذه بصوت قاس , مجرد من أي لطف: " ما هذا الذي سمعته؟". فأجابت جولييت بصوت مرتعش: " كنت أقول أنني أرغب في الألتحاق بالمعهد التجاري لأكتسب تدريبا في حقل الشؤون المكتبية , أذا كان الأمر ممكنا طبعا". " لكننا عالجنا هذا الموضوع من قبل , وكما قلت لك من قبل , أن زوجي قد صرف ما يكفي من المال على تربيتك المدرسية , وليس من اللياقة أن تتوقعي منه المزيد....... يا لك من جاحدة ناكرة للجميل". " لكنني أعده بتسديد جميع التكاليف". صاحت تانيا: " أبي ليس مليونيرا". وأضافت : " لقد كلّفته ما يكفي". شحب لون جولييت , وأستطردت تشرح لخالتها وتانيا أنه من الطبيعي أن تفكر بالمستقبل , وباليوم الذي تعيش فيه لوحدها.... "..... ثم أرغب بالسكن في منزل مستقل". " أتعنين أن هذا المنزل لم يعد يليق بحضرتك؟ يا لك من فتاة بغيضة , ربما نسيت أنه لو لم يتولّ أهلي تربيتك لكنت نشأت في ميتم". حينئذ وصل زوج خالتها متسائلا عما يجري , فسمع جولييت تقول: " أذن , عليّ أن أمكث هنا وأبقى في خدمتكم طوال حياتي , خادمة مجّانية". وما أن سمع زوج خالتها هذا , حتى قاطعها بصوت صارم: " أذهبي الى غرفتك حالا , وأمكثي هناك حتى تقرري أن تعتذري لنا". |
2- نزهة في الغابة
كانت جولييت في غرفة الطعام حين وقع نظرها على دورين ينتزه في الحديقة وبرفقته تانيا , وكانت ترتدي ثوبا رائعا مفصلا بحيث يظهر قامتها الجميلة المتناسقة. كانت جولييت تراقبهما بنظرة حالمة , وترغب لو أن دورين يقع في حبها هي , ولم لا ؟ حتى لو أنها لا توازي تانيا جمالا وجاذبية , تعرف عن كثيرات أقل منها جمالا حالفهن الحظ وتزوجن رجالا ذوي شأن...... ولسبب ما , تركت تانيا دورين بمفرده , دخل دورين غرفة الطعام وحين وقع نظره على جولييت خاطبها قائلا: " ماذا تفعلين اليوم يا أميلي؟ لا أراك ألا نادرا". صحيح , فهي منهمكة دائما بالأعمال المنزلية , أبتسمت جولييت وأجابته: " كنت أعتني بالحديقة , وأنت؟". " لقد أنهيت كتابة بعض الرسائل , ثم قمت بجولة في اقرية". " أأحببت قريتنا؟". أجابها مجاملا : " كثيرا". ثم بدا عليه الملل , وألقى نظرة نحو باب الغرفة , فقالت جولييت محاولة لفت أنتباهه: " ما هي ألا دقائق معدودة وتعود تانيا". " لا أعتقد , فأنا أعرفها جيدا , عندما تنهمك بتحسين مظهرها تنسى مرور الوقت ويستغرق الأمر ساعة على الأقل". تبين لجولييت شيء من التذمر في صوته فسألته مستفهمة : " لا شك أنك تنسجم مع تانيا , أليس كذلك؟". قطب دورين حاجبيه وأجاب: " طبعا". وبدا على وجهه تعبير لئيم ومتعجرف أرتبكت له جولييت ..... وفجأة وجدت نفسها تخاطبه قائلة: " دورين ما رأيك بمرافقتي في نزهة في الحديقة؟". نظر اليها بدهشة وأجاب: " حسنا , أذا شئت". أبتسمت جولييت , وغمرت الفرحة قلبها , تمنت لو كانت ثقتها بنفسها أقوى مما هي , سألها دورين وأبتسامة ساخرة تعلو وجهه: " أتصرين على النزهة في الحديقة؟". " الغابة رائعة الجمال في طقس كهذا". " الغابة؟". " ألم تصطحبك تانيا الى الغابة بعد؟". " لا". " حسنا أذن , ستكون هذه المرة الأولى , وسنشارك معا مكانا خاصا , مكانا سريا". تجهم وجه دورين ورمقها بنظرة عابسة مجيبا: " يا لك من فتاة غريبة الأطوار يا أميلي". " ماذا تعني بذلك؟". " أعني أنه أمر غريب أن تطلب فتاة في سنك من رجل أن يتنزه برفقتها في الغابة , لو كنت في وطني اليونان , لأنهال عليك ولي أمرك بالضرب القاسي". جمدت جولييت في مكانها وأرتعش قلبها وأجابت: " لم يعجبني ما قلته أبدا". " هذا ما كنت أتوقع". " هل أنت غاضب مني؟". " أريد أن أعلم ما يجوب في خاطرك". لم تجب جولييت , فهي نفسها لا تعلم الدافع وراء هذه النزهة.... وغيرت الموضوع قائلة: " هناك ممر يؤدي الى شلال رائع". بقي دورين عابس الوجه ولم يجب , وفي طريقهما الى الشلال أقتربت منه جولييت ولمست يده قائلة: " هل تمانع لو أمسكت بيدك؟". " وأذا مانعت؟". " لم ألمس يد رجل من قبل". سألها والشك يساوره: " أبدا؟". ثم أستطرد قائلا: " هل تتوقعين مني أن أصدق ذلك؟". " لكنها الحقيقة". ساد الصمت بينهما لدقائق طويلة , ثم وصلا الى حيث الشلال , فتوقف دورين وواجه جوليت قائلا: " والآن ماذا تريدينني أن أفعل؟". " كن معي". وأحنت رأسها منتظرة منه أن يغازلها , أحنى دورين رأسه قريبا من خديها فأرتعشت كطير خائف , جذبها نحوه , فشعرت جولييت أنها غادرت طفولتها الى الأبد , وأنها أذا فتحت عينيها هذه المرة , ستواجه العالم كأمرأة ولدت من جديد , فجأة أبتعد عنها دورين قائلا: " هل أعجبك ذلك؟". " نعم". منتديات ليلاس وأقتربت منه متمسكة به , محاولة بطريقتها الساذجة الطفولية أن تعبر له عن حبها , لم تفكر لحظة أن كونه رجلا دنيويا يجعله لا يؤمن بالحب كما تعرفه هي , كانت جولييت تجهل أن الحب والزواج في وطنه أمران منفصلان تماما عن بعضهما , وأن تصرفهاأتجاهه يجعله يحتقرها , فبينما كانت تحاول أن تهبه حبها , أساء فهمها وظنها تريد الأستسلام له , ولا بد أنه كوّن في ذهنه صورة عنها كفتاة طائشة , رخيصة ترمي نفسها أمام أي رجل دون تردد , تماما كما فعلت تانيا , ولم يدر بخلدها حينئذ أن حبها له سيتحول فيما بعد الى كراهية مرة , كراهية ستلتهمها الى حد بعيد , بحيث ترغب من صميم قلبها أن تذله , أن تشوّه سمعته مهما أمكنها ذلك. عانقها دورين من جديد ثم قال: " هيا علينا أن نعود". " لكن لم يمض على غيابنا سوى بضع دقائق". أجاب دورين بصوت صارم: " قلت علينا أن نعود". وجعلها هذا تلازم الصمت وتتبعه متساءلة عما أغضبه , خاصة بعد أن تقاسما منذ قليل لحظات حميمة تبادلا خلالها عاطفة معينة كانت هي الحب.....كما تعرفه جولييت . أضطرت أن تسرع قليلا لتلحق به... وحين أقتربت منه قالت: " دورين, أرجو ألا تكون غاضبا مني". " أسكتي". " لكن ....". " لا , لست غاضبا منك". " ولكن نبرة صوتك تدل على العكس". وأمتدت يدها تمسح دمعة سالت على خدها وأستطردت قائلة: " قضينا لحظات رائعة ولو كانت قصيرة..... ألا تعتقد ذلك؟". |
:mnbnjg::mnbnjg::mnbnjg:واو واو واو وااااااااااااااااااو أنا بدور على الروايه دى من زمان لان قريت جزء منها وماكملتهاش الله يخليكى لا تطولى علينا مشكوره كتير كتير كتير كــــــــــــــــــتــــــــــــــــــــيـــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــر:98yyyy::98yyyy::98yyyy::98yyyy::98yy yy::98yyyy::98yyyy::98yyyy::98yyyy::98yyyy::
|
رمقها دورين بنظرة عابسة تملؤها التساؤلات , فهو لا يدري معنى تصرفاتها الغريبة , كيف له أن يعلم أنها أمضت حياة منعزلة ؟ حياة فتاة منبوذة ويتوقع منها الجميع أن تتعلم شعورا واحدا فقط.... هو الشعور بالأمتنان ؟ كيف له أن يعلم , أن اللحظات العابرة التي أمضياها معا... كانت بالنسبة لجولييت بحرا من السعادة ؟ لو علم دورين الحقيقة , وهي أنها لم تعرف الحب قبل الآن.... لو عرف شدة توقها الى الحنان , وحاجتها اليه.... لما فعل ما فعل, ولما كانت النتيجة أن يكره جولييت الى هذا الحد.
كان الصباح مشرقا والثلج يغطي التلال , ورائحة الطعام تملأ المنزل , أستيقظت جولييت من نوم عميق ودخلت المطبخ مرتدية ثوبا فضفاضا , ناعما يلائم قامتها الرشيقة. " عيد ميلاد سعيد". " شكرا ماغ , رائحة الطعام شهية جدا". أجابت ماغ والأبتسامة تعلو وجهها: " هذا لأنني طباخة ماهرة". ثم أدارت رأسها نحو علبة مغلفة بورق أحمر ساطع. " هديتك , تجدين بطاقة المعايدة في الداخل , أرجو أن يكون عيد ميلادك عيدا سارا مليئا بالمفاجآت السعيدة". " شكرا ماغ". وأقتربت جولييت لتكشف ما في العلبة , وجدت فرشاة للشعر فضية اللون. " ماغ , أنها رائعة". وراحت جولييت تسرح شعرها الذهبي الأشقر الذي كانت أشعة الشمس تتراقص فوق خصلاته الطويلة الحريرية. " يسعدني أنها أعجبتك, أخترتها لك منذ شهر تقريبا , أردت أن أعبر لك عن أمتناني لأنك جعلتني أشاركك بيتك". " أمتنان ؟ أرجو ألا تتفوهي بهذه الكلمة أبدا". بدا التعجب على وجه ماغ , لكنها سرعان ما تطرقت الى موضوع مختلف وقالت: " أتيك الآن بطعام الفطور الذي أعددته لهذه المناسبة". وما هي ألا دقائق حتى عادت ماغ تحمل صينية وعليها طعام افطور. " أنا اليوم في خدمتك , ما عليك ألا أن تأمري وسأنفذ". ضحكتا معا , ثم جلستا لتناول الطعام قرب النافذة التي تطل على حديقة المنزل الجميلة. همست جولييت: " خمسة وعشرون". ثم أضافت: " لا شك أن حياتي تغيرت كثيرا خلال السنين الماضية". رمقتها ماغ بنظرة تساؤل لكنها لم تعلق , ملأت فنجانها بالقهوة وعندما نظرت الى جولييت من جديد , وجدت على وجهها نظرة تجهم فسألتها: " ماذا يعكر صفو أفكارك؟". لم تجب جولييت ألا بعد لحظات من الصمت الطويل. " رجل يدعى دورين كوراليس". " رجل؟ لم أشاهدك يوما برفقة رجل". " تعرفت على واحد أو أثنين , وخرجت معهما قبل مكوثك هنا برفقتي". " وهذا الرجل , هل هو أنكليزي؟". " لا , يوناني ". " وأين تعرفت عليه؟". " هنا في أنكلترا , خلال زيارته لهذا البلد". شردت أفكار جولييت كأنها تحاول أن تسبر الماضي ,ثم قالت: "نعم , لقد مضى وقت طويل منذ ذلك اللقاء". " أعرفك منذ سنين , ولم تبوحي بشيء عن ماضيك بعد". " لا أمانع في الكلام عن الماضي , بل يسرني أن أعرف شيئا عن ماضيك , فذلك يساعد في توطيد علاقتنا". شرعت جولييت تسرد قصتها منذ البداية , وكيف صبغت شعرها بالأسود لتلفت نظره اليها , وعند سماعها ذلك صاحت ماغ: " ماذا؟ صبغت هذا الشعر الأشقر الرائع ؟ لا شك أنك فقدت صوابك". " صحيح , كنت قد فقدت صوابي , وقعت في حب هذا الرجل منذ أن أطلعت على صورته مع تانيا , أردته أن يلاحظني , أن يبادلني شعوري , لكنني كنت أحارب في معركة خاسرة منذ البداية , فتانيا ساحرة الجمال , بينما كنت أنا بسيطة المظهر الى حد البشاعة في ذلك الحين". وأطلقت جولييت ضحكة عالية عند رؤيتها التعبير الذي أرتسم على وجه ماغ. "لكن من المستحيل أن أصدق أنك كنت قبيحة المظهر". أبتسمت جولييت , وأستمرت تتلو قصتها والحدثة التي جرت في الغابة بينها وبين دورين. " يبدو أنه ظنك فتاة سهلة الأغراء". " ربما , لكنني لن أغفر له ما فعل نتيجة تصرفي الطائش الساذج". " قبل أن تتابعي , أخبريني هل تزوج أبنة خالتك؟". " لا أعتقد , فالرجل اليوناني لا يتزوج خليلته , رغم أن تانيا جعلتني أعتقد في ذلك الوقت أنه طلب يدها للزواج , صدقيني أن هذا يجعلني أبكي طوال الليل , بقيت على هذه الحالة أياما عديدة لم أعرف خلالها سوى البرس والتعاسة وخيبة الأمل , كنت أياما لا أتمناها لأحد". " هل علمت حينذاك أنهما كانا عاشقين؟". " لا , كنت في السابعة عشرة من عمري , نشأت في القرية ولم أخرج برفقة رجل أبدا ,لم أكن أعرف شيئا عن العالم , كنت أعتقد أن العلاقة التي تربط تانيا بدورين علاقة بريئة , ولم أر فيها أي شر". توقفت جولييت عن الكلام قليلا لتجمع أفكارها ثم قالت: " مهما كانت الفكرة التي كوّنها عني في ذلك الوقت , ليس هناك ما يبرر ردة فعله , فلو لم يتسرع , لكان أدرك أنني أختلف تماما عن تانيا, فهي أستسلمت له منذ لقائهما الأول". " وكيف تعلمين ذلك؟". " كنت في الحديقة ذات مساء وسمعتها تقول له ( لم يمض على لقائنا سوى وقت قصير , وها نحن نقاسم بعضنا نعيما من الأحاسيس ) , طبعا لم أفهم معنى كلامها حينذاك ولكنني فهمت بعد أن بلغت مرا معينا". |
" ماذا فعل دورين أثناء نزهتكما في الغابة؟".
" لم يفعل شيئا في البداية , لكنه أساء فهم النظرات الودية التي رمقته بها خلال الأيام التي أمضاها معنا , نظرات جعلته يعتقد أنه من السهل أن يحصل علي جسما وروحا متى شاء". " وأنت في سذاجتك بقيت تجهلين حقيقة أفكاره". " طبعا , وحين أساء فهمي , قرر أن يواجه خالتي وزوجها ويصارحهما بما حصل , وحذرهما أنه أذا لم يتخذا التدابير اللازمة , سأسبب لهما متاعب شتى , أخبرهما أنني حاولت أغراءه , وأنه كان من السهل عليه أن يستغل الموقف , لكن شهامته وحرصه على سمعة العائلة التي أستقبلته في منزلها منعته عن ذلك". " جولييت , يا له من أنسان بغيض ,أنت أشرف فتاة تعرفت عليها". " كما قال دورين , لو كنت في وطنه لكان ولي أمري أنهال عليّ ضربا , صدقيني أن زوج خالتي كاد يقوم بالمثل لو لم أهدده بتبليغ الشرطة". " وماذا فعل أذن؟". " تحولت معاملته لي من سيء ألى أسوأ , وأظهر الجميع نحوي أحتقارا وأزدراء لا يمكن أن يتحمله أحد , والذي جعل الأمر أسوأ هو أن تانيا نشرت الخبر في القرية كلها , فبات الجميع يتجنبونني , حتى أعز الأشخاص وأقربهم لدي , وذات يوم أعترضني رجل من القرية وأنا في طريق منعزلة وحاول الأعتداء علي , شرعت أصرخ وأبكي , ووضع يده على فمي طالبا مني أن أكف عن التمثيل , فجميع سكان القرية يعرفون أي نوع من الفتيات أنا". وأغرورقت عينا جولييت بالدموع وهي تكمل قصتها: " في النهاية أتى السيد غودفري لمساعدتي , كان دائما بمثابة صديق لي , لكنني لمحت على وجهه خيبة أمل وكأنه يفكر أنني نلت ما أستحق. بعد ذلك باتت الحياة في القرية لا تطاق , ولم يكن فيجعبتي سوى القليل من المال , قررت أن أترك القرية وأواجه العالم مهما كان الثمن , وذات ليلة مظلمة بعد أن نام الجميع , حملت حاجياتي ورحلت". " الى أين؟". " كما تعلمين , لم يكن لدي أي مكان ألتجىء اليه , تملكني الرعب , أذ وجدت نفسي أواجه عالما لا أدري عنه شيئا , أسرعت الى محطة القطار وأشتريت بطاقة الى مانشستر , كان القطار على وشك الأنطلاق , فلم يسنح الوقت للحمال الذي كان يعرفني أن يسألني عن شيء , وساورني الشك في أنه ربما سيبلغ الشرطة , فتركت القطار قبل وصولي الى مانشستر بمحطة واحدة , ثم ركبت القطار الكهربائي الى روكبي , التي تبعد عن مانشستر عدة أميال". " روكبي؟". " لم يبق معي سوى باون واحد ,ولم يكن بأستطاعتي الذهاب الى أي مكان آخر , كانت روكبي تعج بالمارين , فقضيت الليل في محطة القطار وفي الصباح التالي أنطلقت الى المدينة لأيجاد مكان رخيص أسكن فيه , ثم ذهبت أبحث عن عمل". توقفت جولييت قليلا محاولة أن تتذكر ما حصل بالتفصيل . كانت ماغ جالسة على الأريكة تفرك يديها بعصبية , وعلقت جولييت قائلة عندما لاحظت هذا: " لا حاجة الى القلق , أنه الماضي , هو مضى ولن يعود". " أعلم ذلك , لكنني لم أسمع من قبل قصة مثيرة ومحزنة الى هذا الحد , وماذا فعلت بعد ذلك؟". " يبدو أنني في طريقي الى المدينة تعرضت لحادث فظيع". " حادث؟". " حادث أرتطام بباص , لا أذكر شيئا عن الادث لكن حسب تقرير الشهود , يبدو أنني عبرت الطريق وكأنني أحاول الأنتحار". " يا لك من مسكينة , لم يكن عمرك سوى سبع عشرة سنة , وحيدة خائفة , ولا أحد يبالي , جولييت... أكاد أنفجر بالبكاء". " ماغ , يا عزيزتي أهدأي , فكما قلت لك لم يعد الماضي سوى ذكريات , لا أذكر من ذلك اليوم سوى أنني كنت أسير في الطريق وفي قلبي حقد وضغينة أتجاه ذلك الرجل الذي حطّم حياتي , وكان سبب الأضطهاد الذي تعرضت اليه, وعندما أستيقظت في المستشفى , أخبرني الطبيب ما حصل وأعلمني أنني أعاني من جراح عديدة بالأضافة الى تشويه بالغ للوجه". أومأت ماغ برأسها أذ أدركت نتيجة ما حصل فقالت: " وكان الحل الوحيد أجراء عملية تجميل جراحية". " نعم , الحقيقة كنت قبيحة المظهر من قبل , فقبلت أن أخضع لعمليات متتابعة كانت نتيجتها أن تغير وجهي كليا , كان الطبيب جراحا بارعا , أدى عمله بشكل متقن يقرب من المثالية". " لا شك أنه أبدع في محاولته". منتديات ليلاس تورد وجه جولييت وأجابت: " صحيح , أنني مدينة له بتحويل مجرى حياتي كلها , بقيت في المستشفى لمدة عشر أشهر , لم يعرف فيها أحد هويتي الشخصية أذ فقدت أوراقي من جراء الحادث , وتصنعت فقدان الذاكرة , والطبيب الذي كان يعالجني منع أي شخص مهما كانت أهميته من أزعاجي , وأعطى الممرضات المسؤولات عني أوامر صارمة بأبقائي في حالة راحة كاملة , أذ يساعد ذلك على شفائي العاجل ونجاح العملية الجراحية , وقبل خروجي من المستشفى سمح الطبيب للعاملة الأجتماعية بمقابلتي , فساعدتني في الحصول على عمل , وما هي ألا أيام معدودة حتى أبتدأت عملي , وكان يقتضي الأعتناء بعجوزين في منزلهما , سكنت معهما وأصبحنا أشبه بعائلة , لم يكن لديهما أي أقارب , وعندما توفيا تركا لي هذا البيت , أحببتهما حب الأبنة لوالديها وبادلاني هذا الح , وكلما طال بقائي معهما , كلما توطدت علاقاتنا وأزدادت الثقة بيننا , فأخبرتهما بكل شيء عن ماضيي , بعد أن عرفا قصتي , قررا معاملتي كأبنتهما وليس كخادمة , وأصرا على ذلك حتى أنهما أرسلاني الى المعهد التجاري حيث تخرجت كسكرتيرة , كنت أبقى في رفقتهما كل ليلة وخلال عطلة الأسبوع , ولم أخرج أبدا رغم أصرارهما علي بالخروج , لكنني شعرت أنه من واجبي أن أبقى معهما دائما , علّهما يحتاجان الى شيء , بقائي الدائم في البيت لم يكن يشكل أي عائق بالنسبة لي , أذ كنت سعيدة بحياتي معهما". |
توقفت جولييت لتحتسي المزيد من قهوتها وفي نظرتها هدوء وطمأنينة , ثم أستمرت قائلة:
" السيد والسيدة ماثلي , كان هذا أسمهما , قدما لي ما حرمت منه منذ طفولتي , وذلك الحب والرعاية والعطاء الدائم جعلني أسترجع أحترامي لنفسي وللآخرين , وأخذت أواجه العالم بثقة لم آلفها من قبل". " لا شك أنك قطعت كل أتصال مع حياتك السابقة كأميلي لوزار". " طبعا , فمنذ مغادرتي للقرية وأنا أستعمل أسمي الحقيقي وهويتي الحقيقية , يحيث أنه من المستحيل على خالتي وزوجها أن يعلموا بمكان وجودي". " أسم جديد , حياة جديدة , ووجه جديد , حتى لو جمعك القدر بعائلة خالتك فلن يكن بوسعهم معرفتك". " لم أعرف نفسي بعد العملية , تغيرت كليا , فعندما قارنت نفسي بصورتي القديمة كدت أفقد وعيي , سآتيك بالصورة حالا". وأسرعت جولييت الى غرفتها لتعود وفي يدها صورتها وهي في السابعة عشرة , حدقت بها ماغ مقارنة الصورة بصاحبتها وهتفت قائلة: " غير معقول , يا له من تغيير فظيع فالوجهان يختلفان الى حد بعيد". " يمكنك القول أن حادث أصطدامي بالباص كان خيرا علي , فبالأضافة الى وجهي الجديد شعرت أنني حرة طليقة , بقدرتي أن أواجه خالتي أو زوجها أو تانيا أي يوم كان , ولن يعلموا من أكون". " أفهم ما تعنين , كان شعرك أسود في هذه الصورة". " ألتقطها دورين وأعطاني أياها قبل رحيلي". " أهذا يعني أن دورين يعرفك كأميلي لوزار بالشعر الأسود والوجه القبيح؟". " تماما". تجهم وجه جولييت وبدت عليه القساوة وعادت اليه النظرة الحاقدة المرة , دورين كوراليس...... لم يغادر ذهنها منذ أن جمعهما القدر ذلك اليوم المشؤوم ... كم تكره ذكراه ولا يتملكها ألا شعور طاغ بالحقد والأحتقار نحوه كلما ورد عل مخيلتها , لا أحد يعلم عمق كراهيتها له ورغبتها بالأنتقام منه في أول فرصة سانحة.... ماذا لو تعرّف على جولييت هاردي الشقراء الساحرة التي أحتضنتها عائلة كريمة وجعلت منها أنسانة سعيدة مطمئنة وواثقة من نفسها؟ فبعد أن قضت أربع سنوات في رفقتهما , توفيا واحدا بعد الآخر وخرجت جولييت الى المجتمع , أصبح لها صديقات عديدات وباتت حياتها مكتملة من كل النواحي ألا الناحية العاطفية , فهي لم تزل تجهل الحب على حقيقته. لكنها لم تعد المخلوقة الطائشة التي أساء دورين فهمها , وحطم حياتها الأجتماعية في قريتها دورست , وشوّه سمعتها هناك , كان عمله هذا أشبه برمي نعجة للثعالب الجائعة , وبعد رحيله باتت القرية شبه جحيم بالنسبة اليها , لم يعد لها أي صديق , وفقدت مودة وأحترام الجميع حتى السيد غودفري الذي عهدته صديقا دائما يكن لها المودة. لن تنسى الذي حصل مهما طال الزمن , فالحقد والضغينة اللذان تحملهما أتجاه ذلك الرجل الظالم الذي دمغ علامة العار على وجنتها البريئة , لن يمحوها شيء , لا الأيام , ولا السنون , ولا حتى الأبدية. |
3- الماضي لم ينته.......
" لا أفهم لماذا أتخذت عائلة لوزار على عاتقها أمر تربيتك؟". " لم يكن ذلك ناتجا عن حبهما لي , هذا واضح , لكن خالتي أخبرت بعض الناس في القرية , أن تانيا تحتاج الى رفيقة تلعب معها , فخالتي لم تعد قادرة على أنجاب مزيد من الأطفال , وبعد مقتل أهلي في حادثة السيارة , قررت أن أنضمامي لعائلة سيخفف من وحدة تانيا". تنهدت جولييت أذ أعادتها الذكريات الى طفولتها الحزينة , كم مرة تقبلت اللوم لما فعلته تانيا , وفي مناسبة الأعياد كانت هدايا تانيا تفوق سعرا وعددا تلك التي تلقتها هي , حتى ثيابها لم تكن ألا تلك الثياب التي ملّت تانيا من أرتدائها , فرمتها لجولييت , كم من مرة ذكّرتها خالتها أن تشكر القدر لحسن حظها وأ تظهر لزوج خالتها الأمتنان لأنه أحتضنها في منزله , وتكلّف عليها الكثير أزاء تربيتها المدرسية , كم من مرة سمعت جولييت هذا اللحن ,,فأن لم تنشده خالتها , فلا بد أن تتولى تانيا القيام بهذه المهمة , وهكذا مرت عليها الأيام وبلغت ربيع عمرها , وحن عبّرت لخالتها عن رغبتها بمتابعة دراستها والألتحاق بالمعهد التجاري , كان الجواب بالنفي , وقالت خالتها أن عليها أن تبقى في المنزل للقيام بأمور التنظيف والترتيب وغيرها , أحست جولييت برغبة جامحة لزيارة قريبها دورست , مضى على غيابها ثماني سنوات , لا بد أن القرية تغيرت كثيرا ,ترى ماذا حصل لعائلة لوزار؟ هل تزوج دورين تانيا؟ أمر ممكن , لكن جولييت لا تعتقد ذلك , فكما قالت لماغ , من المعروف عن الرجال اليونانيين أنهم لا يتزوجون من يعشقون. سألت ماغ: " كم عمر دورين كوراليس؟". فأجابت جولييت : " أربعة وثلاثون , كان في السادسة والعشرين من عمره عندما زارنا في قرية دورست". " ما زال شابا أذن , كنت أعتقد أنه أكبر نا من ذلك". " كان ناضجا بالنسبة لعمره دون شك , فهو خاض الحياة الأجتماعية في سن باكرة , تعرّف على نساء عديدات , لا بد أنه بلغ حد الملل الآن , أو ربما أستقر ضمن حياة زوجية برفقة أمرأة أنجبت له دزينة أطفال". وراحا يضحكان معا لهذه الفكرة , ثم أضافت جوليت : " دورين من النوع الذي يمل حياة مستقرة كهذه , فلا شك أنه وجد لنفسه عشيقة تملأ أوقات فراغه وتضيف عنصرا من الأثارة الى حياته الزوجية الرتيبة". نظرت اليها ماغ نظرة تساؤل وقالت: " كيف أحببت شخصا كهذا؟". " كان عندئذ بالنسبة لي أشبه بأمير أحلامي , شغفت بمظهره الخارجي ولم أهتم بمعرفة أخلاقه وطباعه". " أستكرهينه الى الأبد؟". " نعم وأن أتيحت لي الفرصة يوما , لن أتردد في تحطيمه وجعل حياته جحيما طالما هو على قيد الحياة". " جولييت كيف تقدرين على عمل شنيع كهذا , وأنت الفتاة الرقيقة اللطيفة التي عرفتها طيلى هذه المدة؟". " لا تجزعي , فشعوري نحو دورين طبيعي جدا , خاصة بعد ما سبّبه لي". " أذن علي أن آمل ألا يجمعكما القدر من جديد أبدا". " لا أعتقد أن ذلك ممكن , فهو يعيش في اليونان وأنا هنا". " رغم رغبتي ألا تصادفا بعضكما من جديد , فلا بد أن اللقاء به سيكون بمثابة نقطة نحوّل خطيرة في حياتك". " صحيح". " هناك صوتك طبعا , العنصر الوحيد الذي يصلك بالماضي , لكنه لن يعرفك من خلال صوتك فهذا أمر مستحيل". " خاصة بعد ثماني سنوات , أعتقد أن صوتي تغيّر نوعا ما , لكن حتى لو لم يتغير فدورين لن يذكر نبرته... فهو نادرا ما أزعج نفسه بالحديث الى تلك الخادمة القبيحة , كان أهتمامه مركزا على تانيا الحسناء الفاتنة". " هل كانت عائلة لورزار غنية؟". " كانت أغنى عائلة في منطقة هافينغتون , لكن دورين كان يفوقهم ثراء ... ماغ ما رأيك بمرافقتي لزيارة قرية دورست؟ لا أدري لماذا ينتابني شوق عارم بالعودة الى حيث نشأت , لمجرد الأطلاع على التغيير الذي طرأ على المنطقة خلال السنوات الماضية". " بكل سرور". كانت قرية دورست قبل أعوام قرية منعزلة شبه منطوية على ذاتها , وها هي الآن منطقة متمدنة , بلغتها يد التقدم والتطور وطبعتها بطابعها الخاص أزداد عدد المباني وأفترقت الطرقات الجديدة معظم الحدائق. قالت ماغ عند وصولهما الى القرية: "دورست لا تبدو لي تلك القرية النائمة التي وصفتها". فأجابت جولييت: " هنالك كانت مزرعة السيد غودفري , باتت الآن ورشة بناء , ترى ماذا حل به؟". " ربما تقاعد عن العمل , ويسكن الآن منزلا يتنعم فيه بالمال الذي تقضاه من بيع أراضيه". عندما وصلت جولييت في سيارتها الى مركز البريد , توقفت وقالت: " تغيّر مركز البريد قليلا , هناك غرفة أضافية في الجهة الخلفية من المبنى , أعتقد أن السيدة بوترتون غادرت عملها هنا , هيا بنا الى الداخل لنرى". |
كانت جولييت على صواب , فعند دخولها القاعة أستقبلها رجل غريب لم تقابله من قبل فسألته:
" هل تقاعدت السيدة بوترتون عن العمل؟". " توفيت السيدة بوترتون منذ خمس سنين". " آه..... آسفة". ودفعهما هذا للخروج , دون أن تطرحا أسئلة أخرى . جففت جولييت دمعتها قائلة: " كانت السيدة بوترتون لطيفة جدا وعاملتني معاملة حسنة". " ربما كان من الأفضل ألا تأتي الى هنا من جديد". " قبل أن نعود الى البيت , أريد أن ألقي نظرة على منزل خالتي , من المستحسن أن نذهب سيرا على الأقدام , فهو لا يبعد ألا مسافة قصيرة , يقع وراء الغابة هذه". الغابة ......حيث الشلال..... حيث , لأول مرة في حياتها , كانت مع رجل أحبّته لكنه أحتقرها.\وعندما أقتربا من المنزل صاحت جولييت بصوت يطغى عليه التعجب: " لم تكن هذه المنازل هنا من قبل , أنها تستهلك معظم الأراضي التي كان يملكها زوج خالتي". " أتعنين أنه ربما باعها لشركة بناء؟". " هذا ما يجعلني أتساءل , فهو كان دائما يصر على الأحتفاظ بها لأنه مولع بالمناظر الخلابة التي تحيط بالمنزل , ولم يكن يحبّذ فكرة أي بناء آخر يقوم على أراضيه". " صحيح , لقد شوّهوا المنظر تماما". " لا شك أن ذلك سبّب له تعاسة كبرى , كان متعلقا بممتلكاته الى حد بعيد , وحريصا على الأحتفاظ بالمناظر الرائعة المحيطة بمنزله , وخاصة منظر البحيرة التي تواجه التل". قالت ماغ والأبتسامة تعلو وجهها: " بات منزله الآن محاطا بالأبنية الجديدة , يبدو أنه مشروع بناء حكومي". ثم أضافت: " لقد أخذ القدر بثأرك ونالت خالتك وزوجها وأبنتها ما يستحقون , لو كنت مكانك لرقصت من الفرح". " لا , لن أرقص من الفرح , لكنني لا أشعر بالشفقة عليهم مطلقا , ترى هل ما زالوا يقيمون هنا؟ ...... ماغ , أنظري , ها هو السيد غودفري يقترب ناحيتنا". " المزارع ؟ هيا بادريه بالحديث , أنني في شوق لمعرفة ما حصل". وعندما أقترب السيد غودفري واجهته جولييت بأبتسامة على وجهها وقالت: " المعذرة , أود أن أعلم من فضلك أما تزال عائلة لوزار تعيش هنا؟". لم يبد على السيد غودفري أنه يعرف من يخاطبه فأجاب: " طبعا , هل بودّك زيارتهم؟". " ليس اليوم بالذات.... لا شك أن القرية تغيّرت كثيرا منذ كنت هنا آخر مرة". " ومتى كان ذلك؟". " آه... منذ أعوام عديدة". " المعروف أن هذه القرية ستتغير كليا, فهنالك مشروع بناء ضخم , أنا مثلا كنت أملك مزرعة كبيرة , أضطررت الى بيعها لشركة التعمير التي تستثمر أموالها هنا". " فكرة قرية جديدة لن تروق لعائلة لوزار , فربما سيفكرون في البيع أيضا". " لقد حاولوا ذلك لكن دون جدوى , أذ يقع منزلهم على التلة ولا أحد يرغب هذا الموقع , كانت قيمة المنزل في الأراضي التي تحيطه , لكن منذ مصادرة الأراضي وأستهلاكها للبناء وشق الطرقات , فقد المنزل قيمته التجارية , أمر أحزن عائلة لوزار , خاصة السيد لوزار أذ خاب أمله وبدت عليه الشيخوخة المبكرة , لكن لا بد أنك تعلمين ذلك؟". " لم أعلم أنهم يعانون من محنة مادية , كانوا من أغنى سكان هذه القرية". " صحيح , كانوا فعلا أثرياء , لكن السيد لوزار خسر معظم أمواله بعد أن أستثمرها في مشاريع فاشلة , حاول مرارا بيع منزله لكنه لم يلق أي عرض للشراء". " كانت لهم أبنة.....". منتديات ليلاس " تانيا..... تزوجت منذ أعوام لكنها طلقت زوجها وعادت لتعيش مع أهلها". " أتى رجل يوناني الى هنا منذ ثماني سنوات تقريبا , وكان ضيفا في منزلهم....". " أذكر ذلك , كانت تانيا تأمل أن يتزوجها لكن نواياه لم تكن جدّية , كان ساعيا وراء التسلية فقط , على أي حال , لم تقولي لي بعد متى كنت في دورست من قبل , هل تعرفت على قريبة لهم تدعى أميلي؟ ". ضغطت جولييت على يد ماغ بأرتباك , أذ تضاعفت دقات قلبها لتطرّق السيد غودفري الى هذا الموضوع , لكنها نجحت بالمحافظة على هدوئها وأجابت: " نعم". " كانت فتاة لطيفة أليس كذلك؟". " نعم... لكنها كانت قبيحة المظهر". " ربما , لكن المظهر الخارجي ليس مهما". سألته ماغ: "أتعني أن ما في داخل الأنسان هو المهم؟". فأومأ السيد غودفري رأسه وأجاب: " أميلي.... طلبت منا أن ندعوها جولييت أسمها الأصلي , غادرت جولييت هذه القرية يوما , ولم نسمع عنها شيئا منذ ذلك الحين". " لكن ما سبب هجرها هذه القرية؟". تردد السيد غودفري قليلا ثم أجاب: " من الأفضل ألا نتحدث في هذا الموضوع". كادت جولييت تبوح للسيد غودفري بهويتها , لكن شيئا ما منعها عن ذلك... ولازمت الصمت , بعد دقائق قليلة تبادلوا التحية وعادت جولييت وماغ أدراجهما الى السيارة. " لم يعرفك السيد غودفري رغم علامات الأستفهام التي بدت في عينيه". " أعتقد أن صوتي بدا أليفا لديه , ربما توصل يوما الى وضع النقاط على الحروف". " وما هو شعورك أتجاه ما حصل لعائلة خالتك؟". " الحقيقة لا أشعر بشيء , أذ أصبحوا بالنسبة الي أشبه بأشخاص آخرين لا تجمعني بهم أية صلة". " لو كنت في مكانك لكان اليوم أسعد يوم في حياتي". " لو حصل ذلك لدورين كوراليس لشعرت عندئذ بفرح لا يوصف , فهو يستحق مصيبة كهذه". وبدت في عيني جولييت شرارة قاسية وأضافت: "لا .... مصيبة كهذه لن تكفي لأرضاء رغبتي بالأنتقام منه , أود رؤيته ينازع ألما". " تتكلمين وكأنما لو أتيحت لك الفرصة , لن تترددي لحظة عن أخضاعه لتعذيب مرير ". " صحيح , لو سنحت لي الفرصة لن أتركها تفلت من يدي , قبل أن ألحق به عذابا وألما يلتهمان روحه وجسده معا". |
4- هل تأتين معي؟
أقترب فصل الربيع , كانت جولييت قد أنهت عملها في الحديقة عندما وصلت ماغ الى المنزل , حيّت صديقتها ودخلتا معا قاعة الجلوس , باشرت ماغ صديقتها بالحديث قائلة: " أعلنت شركة عرض الأزياء حيث أعمل أنها ستعقد حفلة العشاء السنوية في فندق فينيسيا , تعلمين أنه أفخم فندق في لندن , يبدو أن شركتنا ستندمج مع شركة أخرى , وأننا سنتولى عرض أزياء في منتهى الأماقة والذوق". " تعنين أنكم بلغتكم الدرجة الأولى في حقل الأزياء؟". " نعم , سنقتصر على عرض الأزياء التي تليق بالطبقة الثرية فقط". " لا بد أن الشركة المعنيّة من أشهر وأغنى شركات الأزياء". " أكيد , والعارضات اللواتي يشتغلن فيها يتقاضين معاشات مرتفعة جدا , بالأضافة الى الرحلات العديدة التي يقمن بها حول العالم , لترويج آخر الأبتكارات الحديثة في عالم الأزياء". وأقتربت ماغ من جولييت وفي يدها بطافة دعوة لحضور الحفلة وقالت: " موعد الحفلة في الثاني من نيسان , لديك ما يكفي من الوقت لأيجاد ثوب يليق بالمناسبة". " فندق فينيسيا.... سيسعدني جدا حضور الحفلة". أرتدت جولييت فستانا أخضر اللون ينسدل عل قامتها النحيلة الرشيقة كاشفا عن بشرتها الناصعة ورقبتها الطويلة بشكل آسر , كان شعرها الأشقر الذهبي يتدلى فوق ظهرها بخفة وسحر , بدت مثال الجمال والأموثة , وعندما دخلت قاعة الرقص برفقة ماغ ألتفتت اليها الأنظار بأعجاب شديد , ومن بين الحاضرين وقع نظر جولييت على شاب أسمر وسيم كان يتأملها بأمعان , ولدى رؤيته شعرت جولييت بقلبها يهبط وتجمّد الدم في عروقها ...( مستحيل ) قالت لنفسها , ولم تصدق عينيها .... لكنها الحقيقة , فالشخص الذي تحدق به هو دورين... دورين كوراليس.أقتربت منها ماغ وسألت بقلق: " جولييت ما بالك؟ تبدين شاحبة وكأنك رأيت شبحا". كان دورين ما زال يتفحصها .... أستدارت جولييت نحو ماغ شاعرة بجسدها يرتعش , راغبة لو تهرب من أمام هذا الرجل الذي تكرهه كراهية تسمّ بدنها , ولاحظت ماغ نظرات الأعجاب التي يرمقها بها دورين فقالت لجوليت: " هناك شاب أسمر وسيم عاجز عن تحويل نظراته عنك". دورين كوراليس... ماذا يفعل هنا؟ شعرت جولييت بنظراته تغلّف جسمها ورغبت بالفرار , فقالت لماغ: " علي أن أذهب الى غرفة الأستراحة". وذهبتا معا , جلست جولييت محاولة تخفيف أضطرابها وتهدئة أعصابها المتوترة .... بينما أنهمكت ماغ في تحسين مظهرها مما أسعد جولييت أذ كانت في حالة أرتباك وحيرة لا ترغب بالأجابة عن أي سؤال يجول في ذهن ماغ , سرّحت شعرها ووضعت آخر لمسات التجميل على وجهها , ثم خرجت برفقة ماغ للتوجه الى قاعة الرقص من جديد , كان دورين في أنتظارها . أقترب منها ودعاها للرقص , وكانت جولييت قد أستعادت سيطرتها على نفسها فقبلت دعوته بهدوء , توجّها معا الى حلبة الرقص , وأخذها دورين بين ذراعيه محدقا في عينيها والأبتسامة تعلو وجهه الوسيم , لم يزل يحتفظ بجاذبيته رغم ظهور بعض الشعر الأبيض على رأسه , أذ أضاف ذلك الى مظهره سحرا غامضا ورجولة ناضجة. " ما أسمك؟". " لماذا, تهمك معرفة أسمي؟". " مجرد سؤال لا غير". " لست معتادة على البوح بأسمي لرجل غريب". ضحك دورين وأجاب: " تحاولين أظهار نضوج مبكر يا صغيرتي". " صغيرة؟ مضى وقت طويل مذ كنت صغيرة". " كم عمرك أذن؟". بدا صوته آمرا , مسيطرا , مستبدا , وكأنه واثق من تلقّي الجواب على سؤاله , رفعت جولييت رأسها نحوه بطريقة توحي بالتمرد .... وقالت: " ليس من عادتي البوح بعمري لشخص غريب". ضحك دورين وكأنه يجد الأمر مسليا , أخذ جولييت بيدها وتوجه بها الى قاعة للجلوس منزوية , شاعرية الجو والطراز , أصطحبها الى مقعد ودعاها للجلوس قائلا: "سنجلس هنا يا عزيزتي ونتحدث , تفضلي بالجلوس أولا ثم خبّريني عن نفسك". نظرت اليه جولييت تتمعن في عينيه السوداوين ,كانت هناك أيام تمنت فيها لو تنظر اليها هاتان العينان نظرة حان ومودة , وهنا هي الآن تكتشف في أعماقهما أعجابا شديدا بها , وظل رغبة طاغية , لم يتغير دورين بعد كل هذه السنين , فهو لم يزل مستعدا لخوض مغامرة عاطفية مع أي حسناء يروقه جمالها , ترى هل بأستطاعتها أن تستعين بهذه الرغبة لتحقيق أمنيتها المنشودة ؟ هل حان لها أن تنتقم؟ قالت له: " أجدك زقحا شديد الثقة بنفسك". أرتفع حاجبا دورين معبّرا عن أنزعاجه لما سمع. " هل بودك أن تشرحي لي ما تعنين بذلك؟". " تصرفم أتجاهي مثلا , ألتقينا منذ دقائق معدودة وها أنت تصطحبني الى قاعة منزوية , ترغمني على الجلوس طالبا أن تسمع قصة حياتي". " لكنك لم تعترضي لأحضارك الى هنا". " حسنا , ها أنا أعترض الآن". " أعترلضك مرفوض , فأنت الآن برفقتي , ليس في القاعة سوانا , وأصبحت تحت سيطرتي , فلا مفر لك من ذلك". |
فشلت جولييت في أخفاء أبتسامة ظهرت على شفتيها, فجلست تحدق به , لقد جمعهما القدر من جديد , وها هي نار الأنتقام تتأجج في داخلها وشعور الحقد أتجاهه أصبح جزءا من الحاضر , حقيقة واقعة لم يعد مدفونا في ماضيها , ذلك الماضي الذي لم تكن تنتظر أن يحيا من جديد.
" قل لي ماذا يدور في ذهنك هذه اللحظة؟". " أخشى لو قلت لك الحقيقة أن أتلقى صفعة على وجهي". أحمر وجه جولييت أذ أدركت معنى كلامه , ففضلت أن تغير الموضوع. " هل أنت أيطالي؟". " لا يوناني من جزيرة زاسوس , أسمي دورين كوراليس". ثم توقف قليلا منتظرا من جولييت أن تبادله التعارف , لكنها أصرت على الصمت فقال: " لماذا تصرين على كتمان أسمك؟". أصبح صوته ناعما متوسلا فقالت: " جولييت هاردي". ونظرت اليه بأمعان خشية أن يكون أسمها أليفا لديه , لكنه لم يظهر أية أشارة تدل على ذلك بل قال بصوت ناعم دافىء : " جولييت .... أسم ساحر.... تماما مثل صاحبته". وعلت ثغره أبتسامة ساحرة أيقظت في أعماق جولييت شعورا قديما غمر كيانها , نفس الشعور الذي أكتنفها حين أدركت لأول مرة في حياتها أنها تحب رجلا , تحب دورين كوراليس , كم أحبّته! كم عشقت عينيه , أبتسامته , صوته... " جولييت! أخبريني الزيد عن نفسك". " هل من عادتك التحقيق في حياة كل أمرأة تتعرف عليها؟". " لم لا ؟ هذا دليل على أهتمامي الشخصي بالمرأة المعيّنة". " وهل أنت مهتم بي؟". " أنت أول أمرأة تثير أهامامي بهذه الدرجة". شعرت جولييت بنشوة الأنتصار , وجدت أن الفرصة بتحقيق رغبتها أوشكت أن تسنح. " شكرا على هذا الأطراء سيد........". " ناديني دورين , أريد سماع أسمي من شفتيك العسليتين". ترددت جولييت قليلا وتملكها الخجل , لكنها نجحت في أخفاء أرتباكها وقالت بنعومة : " دورين". " جميل , صوتك دافىء وله رنة موسيقية مغرية". وخيم الصمت بينهما لحظات طويلة , أستبقى دورين على مقعده وأغمض عينيه ليركز على الألحان الموسيقية العذبة التي كان غارقا في الأصغاء اليها , بينما كانت جولييت تتأمل وجهه الجذاب ولونه الأسمر , متذكرة كم كانت تود في الماضي أن تفوز بأهتمامه .... وكم من ليلة قضتها تبكي منادية أسمه , راجية لو يبادلها الحب كما تبادله هي , فتح دورين عينيه من جديد وكأنه عاد من بحر أفكاره وقال بصوت جاد كأنه تذكر أمرا مهما يريد أطلاعها عليه: " أنها مشيئة القدر أن يجمعنا الليلة , لم أتوقع لحظة واحدة أن أقابل حسناء جميلة ومثيرة مثلك , فوجودي هنا يتعلق بمشروع عمل , أنني واثق أننا سنرى بعضنا كثيرا في المستقبل". " وما الذي يجعلك تعتقد أنني سأوافق على ذلك؟". " أيماني بالقدر". القدر... جمعهما القدر لكي يتيح لها أن تنال ثأرها منه , بينما يظن هو أنه وجد أمرأة جديدة تملأ أوقات فراغه بوجودها , وتخفف من وحشته , أو تضيف رقما جديدا الى عدد النساء في سجل شبابه. " قلت أنك هنا بخصوص عمل , هل جئت من اليونان لهذا السبب فقط؟". أومأ دورين برأسه وأخبر جولييت أن والده يترأس شركة عرض الأزياء التي أخبرتها عنها ماغ. " لكنني كنت أظن أن والدك يعمل في حقل التجارة البحرية". وكادت جولييت تعض على شفتها وقد أدركت غلطتها , نظر اليها دورين بتعجب وقال: " وكيف تعلمين ذلك؟". " آه.... لا أدري بالضبط , ربما سمعت ذلك من حديث ماغ لبعض زملائها في الشركة". ومرت بضع دقائق , وجولييت تحاول أن تدرس تعابير وجهه , علّها تكوّن فكرة عما يجول في ذهنه.... لكن وجهه أحتفظ بجموده المعتاد , ثم قال أخيرا : " تعالي نرقص". أخذا يرقصان على أنغام موسيقى عاطفية هادئة , ودفن دورين رأسه في شعرها الذهبي هامسا في أذنها: "يا ساحرتي". وعندما توقفت اموسيقى أعتذرت منه جولييت , أذ لمحت ماغ من بعيد , فذهبت لتنضم اليها. " يبدو أنه مهتم بك جدا". " أشك في ذلك". ضحكت ماغ وأجابت : " تواضعك ليس في محله , حان الوقت لتدركي قوتك في السيطرة على الرجال وتأثيرك عليهم". وضحكتا معا , ثم قالت جولييت: " هذا الرجل هو : دورين كوراليس". " ماذا؟ ..... مستحيل....دورين كوراليس؟". " نعم , الرجل الذي كان سبب لوعتي وظلمي". وأتجهتا الى البار حيث أتاهما الخادم بالشراب المطلوب , تذكرت جولييت أنها نسيت محفظة النقود في معطفها , فقالت: " ماغ , تركت محفظة النقود في المعطف". " أسمحي لي بتسديد الحساب". كان ذلك دورين الذي سمع ما قالته وهو يقترب منهما , قالت معترضة: " يمكن لماغ أن تدفع...". لكن دورين كان أسرع , رمقته ماغ بنظرة فاحصة , ولم تكن تبالي بتصرفه الكريم , ثم قالت له من باب التهذيب: " شكرا ....". " لا حاجة للشكر........". منتديات ليلاس |
قضيا السهرة معا , لم يترك دورين جولييت وحدها حتى لحظة واحدة , أخذ على عاتقه أمر تنسيق السهرة وفقا لأرادته , وأستجابت جولييت لطلباته , أذ أدركت أنه فعلا يهتم بها , وأن علاقاتهما سوف تتخطى حدود المعرفة الى أن تنال حبه , وربما أذا بلغ حبه حدا عميقا وجديا من يدري .....فيريدها زوجة له.... الزواج ؟.......... نعم فمتى أصبحت زوجته , تكون قد بلغت المكان المناسب لتنفيذ خطتها .... الخطة التي ستجعلها تدوس على أسمه وكبريائه تحت قدميها , كانت جولييت تتأمل نفسها في المرآة , تستعد للخروج برفقته هذه اليلة أيضا.
حملت حقيبتها وأقتربت من الباب تهم بالخروج حين واجهتها ماغ قائلة: " تبدين فاتنة , أرجو أن تتمتعي بوقت سعيد , دورين رجل راع". " ماغ.... ما بالك , هل وقعت تحت تأثير سحره؟". " ومن ينجو من ذلك؟". " أنا...... لم أعد تلك الفتاة الساذجة الطائشة التي تعرّف بها منذ ثماني سنوات". " ألا تعرفين معنى الغفران؟". " لن أغفر ما فعله بي أبدا". " لكنه مغرم بك". " دورين لا يعرف معنى الحب ولا قيمته ". " وأن طلبك للزواج ستقبلين حتما , أليس كذلك؟". " ما الذي يجعلك تعتقدين ذلك وأنا أكرهه من صميم قلبي؟". " كراهيتك له ستجعلك تقبلين الزواج به". " صحيح سأتزوجه لسبب واحد , لتعذيبه , سأغتنم فرصة زواجي به لأعذّبه حتى يصبح حبه لي مصدر ألم وشقاء له , لأني سأرمي حبه في وجهه". تجهم وجه ماغ وبدا عليه العبوس وقالت: " لكنني لن أعهدك قاسية أبدا , ولا أصدق أن بوسعك الأقدام على عمل كهذا". " ماغ , ربما نسيت أن هذا الرجل أذّلني , أحتقرني , وحوّل حياتي الى جحيم , أحتاج الى الثأر , أنه شعور لا أقوى على صدّه أو تجاههله". " لكنك ستسببين الأذى لنفسك أيضا , لماذا لا تحاولين نسيان هذا الحقد ودورين معا؟". " ربما سأضطر الى ذلك , فدورين عائد الى اليونان غدا بعد الظهر". " حسنا , لعل ذلك أفضل حل لكليكما , ما يحيرني هو أنه لم لم يعرض عليك الزواج بعد". " لا تحتاري , دورين معتاد على نيل ما يرغب دون اللجوء الى الزواج". " ربما , لكنه لم يفلح في محاولته هذه المرة , خاصة أنه سيغادر غدا". " صحيح , لقد حاول مرارا لكنني صددته كل مرة". " لقد قضيتما وقتا ممتعا كما أستنتجت من حديثك السابق". " نعم , كان يريد أن يشتري لي عقدا ماسيا لكنني رفضت". " مجنونة , كان عليك القبول , فذلك يعوّض شيئا من الألم الذي سبّبه لك في الماضي". " لا شيء يعوّض عليّ ذلك". " أوافق أن ما فعله يدل على أنه رجل بغيض , لكني أشفق عليه لأنني أعلم أنه يحبك". لم تجب جولييت , بل ألقت نظرة على ساعتها وقالت: " تأخر الليلة". وفكرت : ربما لن يأتي , أغاظها أنه لم يعرض عليها الزواج بعد, لالقد مضى أسبوع بكامله وهما يخرجان معا كل ليلة , ربما شعوره نحوها ليس عميقا الى الحد الذي يجعله يفكر بالزواج , وتصرّفها نحوه ليلة أمس ربما أغضبه حين وضعت حدا لمغازلاته المتتالية , طالبة منه ببرودة تامة أن يتوقف , لأن الوقت متأخر وعليها أن تعود الى البيت. قالت ماغ: " سيأتي دون شك". ثم أضافت: " صدقيني , أنه يحبك". " أعلم أن شعوره نحوي أكثر من مجرد أفتتان عابر لكنه يصر على الأحتفاظ بأستقلاله وحريته". كانت جولييت على صواب , أذ مضت السهرة على ما يرام , تناولا طعام العشاء في مطعم فاخر , وأظهر دورين حبه وتعلقه بها , لكنه لم يتطرق الى موضوع الزواج أبدا. وخلال نزهتهما في الحديقة أخذها دورين جانبا وقال: " جولييت تعالي معي الى جزيرتي غدا سأهبك جميع ما ترغبه نفسك , منزلا مستقلا , خدما , جواهر وأفخر الملبوسات". " فكرة لا بأس بها , لكنها لا تليق بتاة مثلي". " أتعنين أنك من الطراز القديم المتحفظ؟". " ألم تدرك ذلك بعد؟". جذبها اليه بشدة : " لكنني أريدك بكل جوارحي .......نفسي تتوق اليك .... عليك أن تأتي معي". " آتي معك كزوجتك فقط". " لكنني لا أصلح للزواج , أنها فكرة لا تلائمني أبدا". " ألا ترغب في الأستقرار ذات يوم؟". " حريتي مهمة لديّ.. جولييت قولي أنك ستأتين معي غدا الى اليونان". تنهدت جولييت مستسلمة لفشلها في تنفيذ نواياها , وأدركت أن محاولتها لم تنجح ولم يبق أمامها الآن سوى الوداع فلن تراه بعد اليوم , أستطرد دورين قائلا: " قلت لك من قبل أنني أؤمن بالقدر , أظن أننا سنلتقي مرة أخرى". " لقاء آخر سيكون صعبا جدا , ألا أذا أردت أن تتزوجني طبعا". " وهل تقبلين بي زوجا لك؟". " أنت أعرف بالجواب". |
وخيم الصمت , يبدو أن دورين يشك في أخلاص جولييت وصراحتها , وفي الوقت نفسه ,كانت مشاعر جولييت نحوه تخضع لتحولات غير متوقعة تجهل هي طبيعتها , قال دورين بصوت خافت:
" أذن تقبلين أن تصبحي زوجتي وليس غير ذلك". " لو قبلت أن أصبح غير ذلك فسوف أفقد أعتبارك لي وأحترامك". قطب جبينه وقال: " لم أكن أتوقع جوابا كهذا وخاصة منك". " لم لا ؟ أتعتبرني خجولة الى حد يمنعني من التفوه بجملة كهذه؟". " لا أعتبرك خجولة بل رزينة". " لندع هذا الموضوع جانبا أذن , قل لي , هل حصل أن عشقت أمرأة أنكليزية من قبل؟". " واحدة أو أثنتين". " من لندن؟". " واحدة كانت تعيش في قرية صغيرة تدعى دورست". " قروية ؟ وماذا كنت تفعل في القرية؟". " كنت ضيفا في منزل والديها ". كانت جولييت علم أن دورين لن يبوح بهوية تانيا وقد بلغ حدود حديثه عن الموضوع , فحاولت بدقة أختيار كلماتها للسؤال التالي: " وهل كان والداها من أصدقائك؟". " من معارفي فقط". " أكان لديهم أولاد آخرين؟". " كانت تعيش معهم فتاة قريبة لهم ". أرادت جولييت أن تستفهم منه عن هذه القريبة , فسألته عنها...... أجاب بغضب: " كانت طائشة وقبيحة المظهر, ولما تهتمين بأناس لن تقابليهم أبدا؟". " حان الوقت لعودتي الى المنزل , فماغ تعجز عن النوم أذا لم أكن في البيت". " لا أستطيع أن أتركك ترحلين". جذبها نحوه بقوة , دافنا رأسه في شعرها .......كان قد أطلق العنان لعاطفته فجأة , أذ لم يعد يقوى على كبت مشاعره , أرادها له بكل ما في كيانه من رغبة وشوق. " جولييت أريد منك جوابا نهائيا, آمرك بأجابتي ". شعرت جولييت بقوته , بسيطرته , بعنفوانه وأرادته الصلبة , كانت يداه تضغطان عليها بشدة معبّرتين عن شوقه الجامح لأمتلاكها , تفجرت طبيعته اليونانية التي تثير مشاعر معظم النساء ألا جولييت , فهي ما زالت تحتفظ بهدوئها وثباتها . " تعالي معي غدا...". قالت بصوت هادىء: " علي أن أذهب الى الداخل الآن , فالوقت بات متأخرا". وفتحت باب السيارة , نزل دورين ورافقها لى باب المنزل وخيبة الأمل بادية على وجهه. " جولييت ليس عدلا أن نفترق بهذا الشكل". " وداعا دورين". وأبتعدت عنه متوجهة الى الداخل , وأغلقت الباب وراءها من دون أن تنظر اليه من جديد , سمعت صوت سيارته تبتعد وأنتابها شعور بالفشل , لم تفلح في أختراق جدار أرادته الصلبة , ولم تجعله يتخلّى عن أستقلاله , خسرت لعبة القدر. |
5- الى جزيرة الثأر
دخلت ماغ البيت وفي يدها رسالة لجولييت: " رسالة لك من مدير شركتنا , يبدو أنهم يبحثون عن المزيد من عارضات الأزياء , وقد وقع نظر المدير عليك خلال الحفلة السنوية...". قاطعت جولييت حديث ماغ غير مصدّقة : " عارضة أزياء؟". " هيا أقرأي الرسالة". وقرأت جولييت الرسالة وعندما أنتهت هتفت ماغ: "أنها فرصة العمر , ما رأيك؟". " عليّ أن أحضر مقابلة مع المدير غدا في الساعة الخامسة والنصف". " يا لك من سعيدة الحظ , ستتولى الشركة أمر تدريبك على العمل كعارضة أزياء , بالأضافة الى الفرص التي ستتوفر أمامك للسفر الى الخارج". لم تجب جولييت , كانت تتساءل عما أذا كان هذا العرض من عمل دورين , وكلما فكرت في ذلك كلما أشتدت ثقتها بأنها على صواب. ذهبت في اليوم التالي الى المكتب لتقابل المدير. " أهلا آنسة هاردي , تفضلي بالجلوس". " شكرا". جلست جولييت تتأمل أرجاء الغرفة المفروشة بالتحف الثمينة , ثم قالت: " كانت رسالتك مفاجأة كبيرة". " هذا ما ظننت". تردد المدير لحظة قصيرة ثم أستطرد قائلا: " تحتاج شركتنا الى عارضات أزياء يتحلين بقدر كبير من الجمال , فمنذ أندماج شركتنا مع شركة أخرى مشهورة , وجدنا أن علينا أختيار أجمل الفتيات للقيام بعرض أزياء تفوق الى حد بعيد ما كنا ننتجه من قبل , وكما ذكرت لك في رسالتي , سيتطلب منك السفر الى الخارج". " والى أين سيتطلب مني السفر أولا؟". " الى اليونان". " وألى أي منطقة في اليونان؟". " زاسوس , جزيرة رائعة تتحلى بآثار قديمة أخترناها كخلفية لبعض الأبتكارات الجديدة التي نفكر بترويجها في أوروبا". " زاسوس..... هل عرضت علي هذا العمل وفقا لطلب السيد كوراليس؟". تردد قليلا ......ثم أجاب: " نعم .... لكن القرار الأخير يعود اليك , فلست مرغمة على القبول". ألتقطت جولييت حقيبتها وهمّت بالرحيل: " أقبل بلوظيفة". وفي خلال أسبوعين كانت في طريقها الى اليونان , حيث أتى دورين لأستقبالها في المطار , أقترب منها والأبتسامة مشرقة على وجهه: "ها نحن نلتقي من جديد , جوليت حبيبتي". " جئت هنا لأتلقى تدريبا في عرض الأزياء , أعلمني المدير أنك ستتدبر أمر هذه المهمة ". ضحك دورين وأجاب : " كما تشائين , يسعدني جدا أنك وافقت على المجيء". وأخذ بذراعها متابعا قوله: " سنجتاز البحر الى زاسوس على المركب". وفي طريقهما الى زاسوس شرع دورين يصف لجولييت جمال الجزيرة وأهميتها التاريخية والأقتصادية. " تجدين في زاسوس غابات كثيفة , وجداول مياهها غزيرة ونقية بالأضافة الى الشواطىء العديدة , والتلال المكسوة بأشجار الصنوبر والمناظر الخلابة , يمكنك رؤية جبل زاسوس من خلال النافذة في منزلي , سيعجبك المنزل دون شك يا جولييت". " منزلك؟ أعتقدت أنني سأمكث في الفندق؟". " لم أجد لك أية غرفة في الفندق فجميعها مشغولة , ستكونين ضيفة في منزلي". لم تعترض جولييت, كانت تعلم أن أعتراضها لن يغير الوضع , ستمكث في قلعته مهما كانت أرادتها , فهي وافقت على المجيء الى زاسوس آملة أن تنجح في تحقيق خطتها هذه المرة , أظهر دورين أنه لم يزل مهتما بها , فربما سيخضع لقلبه وعواطفه ويتخلى عن حريته لأجل الحصول عليها. " جولييت , أتسمحين لي بالأعتناء بك كما أشاء؟". " جئت الى هنا لأعمل". " يا لك من أنسانة قاسية! كوني واثقة أنني سأنهال عليك بالضرب حال وصولي الى المنزل لعل ذلك يكون درسا مفيدا لتحطيم أرادتك الصلبة". حذرته قائلة: " سأعود الى لندن حالا". بينما أنفجر يضحك بملء صوته: " سنقضي وقتا ممتعا ..... سترين". أدارت جولييت رأسها لتتأمل جمال الطبيعة من حولها , الجبال والبحر والتلال وأشجار الصنوبر والسرو والزيتون سحرتها بروعتها , وملأت عينيها جمالا وفتنة. هتفت جولييت في الطريق الى المنزل: " جزيرة رائعة الجمال". ثم أضافت : " لا شك أنك سعيد للعيش هنا بأستمرار". " ستكونين أنت أيضا سعيدة". " جئت بمهمة ولن يدون ذلك الى الأبد , فعندما أنتهي سأعود الى لندن". " جوليت , لا أعلم ما تطلبين مني , أنتظري حتى نصل البيت , عندئذ سأعاملك بطريقة مختلفة". " وماذا أستنتج من حديثك ؟". " أنني سأجبرك على طاعتي". منتديات ليلاس نظرت اليه جولييت من طرف عينها لتجد على وجهه تعبيرا هو مزيج من القسوة والسلطة , حملتها ذكرياتها الى الماضي حين كانت تحبه , كم كان حبها له مفعما بأرق وأنقى العواطف , كانت مستعدة لو أراد , أن تعطيه روحها وكل ما في كيانها من حب وتضحية , ها هو الآن عاجز حتى عن أثارة أعجابها , فكما قالت ماغ لقد تولى القدر أمر معاقبة عائلة خالتها ولم يبق سوى دورين فهو لم ينل بعد ما يستحق , ها هي الفرصة تسنح أمامها من جديد لتحاول أنجاز خطتها بالأنتقام منه. |
كانت الشمس ترسل خيوطها الذهبيى في كل مكان , وفي الهواء عطر الفاكهة الناضجة , وأخيرا وصلا الطريق التي تؤدي الى المنزل , عندما ظهر البيت من وراء الأشجار , هتفت جولييت معبّرة عن تقديرها لجمال وضخامة المبنى.
" أيعجبك؟ أعتبريه منزلك متى شئت". " لا تقل ذلك , أمن عادتك دعوة كل أمرأة تتعرف بها للمكوث في منزلك؟". " من يسمعك يعتقد أنني أحببت نساء عديدات". " أليس هذا صحيحا؟". لم يجب , علمت جولييت أنها أثارت غضبه لكنها لم تبال. " تفضلي الى الداخل , أهلا بك في ماساليا , الأسم الذي أطلقته على منزلي". دخلت جولييت هو يتبعها , راحت تتأمل المفروشات الفخمة التي تدل على ذوق رفيع , ولاحظت التحف القديمة الثمينة , وأصطحبها دورين الى غرفة الجلوس حيث جاء لأستقبالهم خادم المنزل قائلا: " المعذرة , لم أ‘لم بقدومكما , ستأتي أستيرو الى هنا حالا". " كلانزس , أقدم لك الآنسة جوليييت , جوليت هذا كلانزس يتولى وزوجته وأبنته أمر الأعتناء بهذا المنزل , هل هي أستيرو تأتي الآن , أنها زوجة كلانزس وها هيكاسيانا أبنتهما". حيتهم جولييت بلطف وقالت: " تسعدني مقابلتكم". " سيتولى كلانزس أمر أحضار حقائبك الى غرفتك". وبعد وقت قصير كانا جالسين في الحديقة يتناولان شرابا مرطبا. " دورين , ينتابني أحساس أنك لم تفكر لحظة بأمكانية بقائي في الفندق ,بل كنت مصمما على مكوثي هنا مهما كان الأمر". " صحيح , ومجيئك الى اليونان لا علاقة له كعارضة أزياء". " أذن ما سبب وجودي هنا؟". " كفاك تمثيلا , علمت منذ البداية أنني السبب وراء هذا العرض". " نعم علمت ذلك". " أذن تعلمين أيضا ما أريد منك". " وأعلم ما أريد لنفسي". تابعت جولييت كلامها شارحة له أنها سترجع الى لندن حالا أن لم تكن ستعمل كعارضة أزياء. " قلت لك في لندن أنني لن أوافق أن أكون غير زوجتك , وما زلت مصرة على قولي". حاول دورين أقناعها من جديد , معيدا على مسامعها أستعداده لمنحها جميع ما تشتهي نفسها من جواهر وثياب , وحتى منزلا مستقلا تسكنه متى تشاء ويبقى لها حتى لو قررا أن ينفصلا في المستقبل , أصغت اليه جولييت بصمت وعندما أنتهى قالت: " دورين , أما الزواج أو لا شيء". " أتعرضين عليّ أن أتزوجك؟". أحتقن وجه جولييت وأجابت: " أسأت فهمي تماما , فمن الأفضل أن نغير الموضوع". " لن أغيّر الموضوع , أريد الوصول الى حل". " لو كنت تحبن حبا كافيا لأردتني أن أصبح زوجتك". " حبا كافيا......". وبدا على دورين أنه يفكر , وكأن جولييت فتحت أمامه صفحة جديدة عن طبيعة النساء وأطوارهن , وأستغرق في التفكير ولم يتابع الحديث عن هذا الموضوع ألا في المساء , فبعد أنتهائهما من تناول طعام العشاء طلب منها دورين أن ترافقه في نزهة الى الحديقة , ساد الصمت بينهما لوقت طويل حتى توقف دورين عن السير وأخذ يتطلع في عينيها بشوق عارم , وبدا كأنه فقد السيطرة على عواطفه , حاولت أن تبتعد عنه لكنه جذبها اليه بشدة وقال: " جولييت حبيبتي , قلت لي سابقا أنك توافقين على أن تصبحي زوجتي , ها أنا أطلبك للزواج رسميا.. فهل تقبلين؟". " هل تحبني؟". سألته هذا رغم أن الجواب على سؤالها كان واضحا على وجهه , فأجاب: " أحبك يا ساحرتي , فهل تقبلين بي زوجا لك؟". همست وفرح الأنتصار يغمر قلبها: " بكل سرور". أحست كأنها طير وجد حريته من جديد , فها هي فرصة الأنتقام قد حانت". الأنتقام! كلمة سحرية سطعت في أفقها , باتت مسيطرة على وجودها , مستبدة بحياتها ومستقبلها , الأنتقام.... لن يهدأ البركان في أعماقها ألا حين تنجح في تحطيم قلب دورين كوراليس...... تمت حفلة الزفاف ,حضرتها وفود من الأصدقاء والأقارب مهنئين العريس على ذوقه الرفيه وحظه السعيد. بدت جولييت وكأنها طالعة من أسطورة تتألق في ثوب أبيض من النسيج الحريري الصقيل , أما دورين , فكانت فرحته لا توصف , ويبدو على وجهه الفخر والأعتزاز بزوجة المستقبل. أنتهت الحفلة ووجدت جولييت نفسها برفقة دورين ...... كانا وحدهما, فهي الآن زوجته , والوقت الذي كان دورين ينتظره بفارغ الصبر , ها هو قد آن أوانه. أقترب منها وفي عينيه بريق من الغبطة والشوق , أخذها الى صدره بلهفة طاغية: " هذا اليوم هو أسعد يوم في حياتي , يوم لن أنسته أبدا , سأحبك يا عزيزتي حتى يوم وفاتي , هذا وعد أقطعه على نفسي يوم زفافنا". كلمات عطرة , تتمنى كل عروس أن تسمعها يوم زواجها, لكنها في ذهن جولييت كانت قصة أخرى مختلفة تماما تحوك نفسها , والمستقبل يتراءى لها مجللا بالثأر , ففي قلبها كانت تحمل لهذا الرجل كراهية وحقدا لا حد لهما , ومرادها الوحيد أن تحطم حياته... |
" لا أدري يا حبيبتي كيف لم أدرك سابقا أنني أريدك لي كزوجتي لا غير , زوجة أحبها وأعشقها طوال حياتي , زوجة تشاركني أفراحي وأحزاني ,جولييت قولي أنك تحبينني , فهي كلمات لا أسمعها منك ألا نادرا".
" أحبك يا دورين". وأبتعدت عنه نادمة , كم تكره الكذب فهي لم تعتد على الكذب من قبل. " سنذهب غدا في رحلة حول الجزر اليونانية , سيكون شهر عسل تاريخيا". أجابت جولييت بصوت مرتبك قليلا: " سيسعدني ذلك دون شك". مما أثار قلق دورين فسألها: " هل أنت بخير يا حبيبتي؟". " أشعر بالتعب والأنهاك لا سيّما بعد نهار كهذا , أسنتفذ قوتي كلها , هل تمانع لو قضيت الليلة في غرفة بمفردي؟". بدت على وجهه خيبة الأمل لكنه سرعان ما أستبدلها بأبتسامة وقال: " أذا كانت هذه مشيئتك , لكن.....". " أشكر لطفك , أنك أنسان طيب". منتديات ليلاس وأوت جولييت الى فراشها , ( بداية التعذيب) فكرت في ذهنها , أستلقت على الفراش تصغي الى زوجها في الغرفة المجاورة يسير مضطربا جيئة وذهابا وكأنه نمر داخل قفص, لقد بدأت بتنفيذ خطتها فهي تملك دورين في قبضة يدها الآن , وهو هائم في حبها , وحين يأتي اليوم الذي يعترض فيه على معاملتها له , سيكون جوابها جاهزا , وتكون قد بلغت ذروة أنتقامها آنذاك... في اليوم التالي توجهت جولييت برفقة زوجها الى المرفأ حيث كان نيريوس في أنتظارهما , وهو اليخت الذي يملكه دورين , بعد أن أبحرا معا الى جزيرة ساموزراس , أقترب دورين من زوجته قائلا: " حسنا يا حبيبتي , اليوم بداية شهر العسل , سنجعل هذا الشهر بداية رائعة نتوج بها حياتنا معا". كان صوته ناعما رقيقا , ورغم حقيقة شعورها نحوه لم تقو جولييت على صدّ الندم الذي تسرب الى قلبها , فهذه الرحلة الرائعة تعني أن أوقاتا سعيدة , هانئة تنتظرهما , ولو أن الحب بينهما كان شعورا متبادلا , لكان كل شيء في العالم سيبدو زاهيا كأن الحلم تحول الى حقيقة. وصلا الجزيرة وشرع دورين يشرح لها أسماء الأماكن الأثرية التي يعبران بها , وأسعدها هذا لأنها كانت تهتم بتاريخ اليونان وحضارته العريقة , والحق أن هذا الأهتمام بدأ منذ أن وقع نظرها على صورة دورين للمرة الأولى , أظهرت أتجاهه الآن شوقا وحبا عارمين محاولة أن تكتسب ثقته الكاملة بها , فهي تريده أن يتعلق بها الى أقصى حد , حتى تكون تعاسته أقوى من أن يتحملها , عندما يكتشف الحقيقة في النهاية. عندما بلغا منطقة أثرية تنتصب فيها التماثيل الرومانية الشامخة وغيرها من المباني والأنصاب التاريخية , أخذت جولييا تتأملها بأهتمام شديد سعيدة كالطفلة أمام دمية جديدة . " أبنى اليونانيون كل هذه المباني الضخمة لأرضاء رموز؟". " تذكري أننا كنا نعجب بالرموز فمن الطبيعي أننا حاولنا األأبداع في بناء أنصاب لها". " أعتقد أن تمثال ( النصر المجنح) عثر عليه هنا في هذه الجزيرة بالذات". " صحيح , عثر عليه فرنسي ولسوء الحظ أخذه الى بلاده وهو الآن معروض في متحف اللوفر". " يا للأسف , فتمثال بهذا الجمال وهذه الأهمية يجب أن يكون معروضا في بلاده". " أنك على صواب , لكن كما هي الحالة بالنسبة للعديد من التماثيل التاريخية المهمة ,فهي موجودة الآن في بلاد غريبة". " لا أدري لماذا سمح اليونانيون للأجانب بالأستيلاء على ثروتهم الحضارية؟". " كان هذا في العهود القديمة , لكن الأمر تغير مع مرور السنين ولن يحصل ذلك بعد الآن". سألت جوليت : " هل بأمكانا أن نتسلق هذه التلة؟". ثم أضافت: " أريد الجلوس حيث جلس بوسيدون يراقب حرب طروادة". ضحكت جوليت بينما وقف دورين لاهثا: " من أين لك هذه المعلومات عن تاريخ اليونان؟". " معظمها قرأته في الكتب....... بدأت أهتم بتاريخ الأغريق وأنا في السابعة عشرة من عمري". " أين كنت في هذا العمر؟ أعلم القليل جدا عن ماضيك , تمّ زواجنا بسرعة ألا تعتقدين؟". " ثلاثة أيام بعد وصولي الى زاسوس". " ثلاثة أيام , أمضينا أسبوعين معا فقط , أمامنا عمر بكامله لنتعرف على بعضنا". وأنطلقا يتسلقان التلة حتى بلغا القمة حيث وقفا يتأملان جبل آتوس وسألها دورين عن ماضيها من جديد: " ماذا كنت تفعلين وأنت في السابعة عشرة من عمرك؟". " كنت أقوم بالأعمال المنزلية". " أذن لم تكوني تعملين خارج البيت في ذلك الحين؟". " لا , لم أعمل ألا بعد تخرجي من المعهد التجاري". " كان عليك أن تتدربي كعارضة أزياء". سألته جولييت والأبتسامة تعلو ثغرها: " أتعتقد ذلك؟". كانت تتساءل عما ستكون ردة فعله لو علم أنها كانت أميلي لوزار في ذلك الوقت , الفتاة القبيحة المظهر التي كانت تتمنى لو يلقي عليها نظرة واحدة. " ألديك صور وأنت في سن المراهقة؟". " نعم , لكن جميع صوري ما زالت في البيت في لندن". " لندن؟". " لم يزل لدي هناك العديد من أمتعتي الشخصية". " عليك تدبير نقلها الى هنا في أقرب وقت". " لا أزال أملك المنزل طبعا , أفضّل وضعه للأيجار بدلا من بيعه". قالت ذلك وهي تفكر بالعودة الى منزلها في المستقبل القريب , بعد أن تأخذ بثأرها منه , بعد أن تنفذ الخطة... ما يعرفه دورين عن ماضي جولييت لم يكن سوى القليل , فهي أمتنعت عن اتحدث عن الماضي بتفاصيله. كان يعتقد أنها تعيش في منزل والديها , وأنهما توفيا وتركا لها المنزل في لندن , نجحت جوليت في تفادي أية أحراجات قد تنجم عن زلة لسان غير مقصودة , أو كلمة ليست في مكانها وهي تتحدث عن الماضي , ألا أنهاكانت بكل لباقة تجنب هذا الموضوع كلما أمكنها ذلك. |
:8_4_134:
:103gi: |
6- تحبينني أم لا؟
أنطلقا في الغد الى جزيرة لزيوس ومنها الى آندروس وجوليت ما زالت تتبع خطتها لتعذيب زوجها حتى أعترض دورين على هذا الوضع ذات ليلة وواجهها قائلا: " جولييت , أنت فتاة ذكية وحساسة , لا شك أنك تعلمين سبب تصرفك أتجاهي بهذه الطريقة". " طبعا أعلم السبب , فالزواج تغيير كامل ومفاجىء في حياتي". " لكنك كنت مستعدة للزواج نفسيا وجسديا , أتجبينني أم لا؟". " تعلم أنني أحبك". وكادت تنفجر ضاحكة , كم يسعدها أن تراه يتألم. " حبيبتي , دعيني أظهر لك حبي وشوقي , فنفسي بشوق اليك". " دورين , لا أقصد تعذيبك لكن". " لكنك تمزقينني أربا , لقد أردت شهر العسل أن يكون شهرا لن ننساه طالما نحن على قيد الحياة , مضى على زواجنا أربعة أيام وما زلنا ننام في فراشين منفصلين". " الوقت سيقربنا الى بعضنا , حاول أن تفهم وضعي لمدة أطول". " وكم من الوقت تحتاجين؟". " دورين! تتكلم وكأنك تزوجتني لأجل هذا فقط". " أنها نزوة طبيعية يشعر بها الرجل أتجاه زوجته وخاصة خلال شهر العسل". " لكن أمامنا العمر بطوله". " وشهر العسل مرة في العمر كله". دفنت جولييت رأسها بين يديها وتظاهرت بالبكاء , فأخذها دورين من كتفيها متوسلا اليها أن تسامحه. " جولييت , أعذريني , ساحاول أن أفهم الوضع قدر المستطاع , هذه أول مرة أتعرف فيها على أمرأة مثلك, أدرك الآن أنك طاهرة وبريئة وعلي أن أعاملك برقة ولطف". " دورين , خذني بين ذراعيك". فعل دورين هذا مظهرا حبه وعطفه أتجاهها بينما كانت في قلبها نار من الكراهية وفرح الأنتصار. وصلا الى جزيرة دلوس : مسقط رأس أبوللو وأرتينس , جزيرة باتت مقدسة لدى الأغريق فقرروا أبقاءها خالية من السكان , أنطلقا لزيارة الأماكن الأثرية والهياكل التي بنيت لرمز الشمس أبوللو , كانت جولييت تتمتع بوقتها الى أقصى حد , ويظهر عليها الأشراق والأبتهاج وكان دورين يستجيب لغبطتها أحيانا ناسيا تعاسته وتساؤلاته الملحة. بعد نهار من التنزه والسير وتسلق التلال وتفقّد الأماكن التاريخية , أستعدا للعودة الى اليخت , كان البحر هائجا فأمسكت جولييت بيد دورين لتهدىء من خوفها وأضطرابها , وجذبها هذا اليه وقد أستيقظت في أعماقه رغبته الجامحة لأمتلاكها. " جولييت حبيبتي .... لنبدأ شهر عسلنا هذه الليلة". أبتعدت عنه جولييت حين لمحت على وجهه تغييرا مفاجئا في لونه. " لست مستعدة لأصبح زوجتك بعد , أطلب منك أن تصبر أكثر". لم يجب دورين وأعتقدت جولييت أنها ربحت مرة أخرى ,فدورين يحبها لدرجة أنه مستعد لأرضائها مهما كان الثمن , طبعا لا تتوقع أن تدوم تضحيته الى الأبد , سيأتي اليوم الذي سيطالب فيه بحل لهذا الوضع. ولكن هذا اليوم لم يأت بعد. منتديات ليلاس كانت جولييت في حجرتها داخل السفينة , مرتدية ثوبا للنوم ينسدل على قامتها الرشيقة , كاشفا عن جمالها الرائع المغري , أشتدت حالة البحر سوءا وكانت السفينة تتأرجح بقوة فوق الأمواج الهوجاء مما جعل الذعر يتسرب الى قلبها. فجأة أنفتح باب الحجرة ودخل دورين ثم أغلق الباب وراءه. لم تحرك جولييت جفنا بل وقفت تنظر اليه بتعجب. " هل تريد شيئا؟". لم يجب دورين بل أقترب منها , ملتهما أياها بعينيه , أحست جولييت أن الوضع قد أقترب من نقطة الأنفجار. فأعادت سؤالها , كان دورين يحدق بها بأمعان فأجاب: " أريد أولا التحدث اليك". " بات الوقت متأخرا للثرثرة". " لم آت لأثرثر ". وأقترب منها , ثم همس في أذنها: " جولييت أحبك , تعالي لنناقش ما يزعجك". تنهدت جوليت مدركة أنها ستضطر لبوح الحقيقة , كانت تتوقع أن تستمر في تعذيبه لوقت أطول , فأجابت: " كما قلت لك من قبل , لست مستعدة للأستجابة لنزوتك بعد". ترى ّ أسيتركها ويأوي الى فراشه وهو ما زال يتساءل عما يجري في حياه؟ لكنه لم يبد أي أستعداد للذهاب بل أستلقى على كرسي متأملا جولييت , متفحصا تعابير وجهها , محاولا بعينيه أختراق الجدار الذي يفصلهما. " متى تصبحين مستعدة لمبادلة رغبتي اليك؟ مضى أسبوع زواجنا.......". " أسبوع وقت قصير جدا , لست أول زوجة تعاني من مشكلة نفسية كهذه". " صحيح , لكنك أول زوجة لا تبالي لمعالجة سبب هذا الشعور". " دورين , أرجوك , حاول أن تفهمني , فالأمر صعب بالنسبة الي أيضا , خاصة أنني أحبك". " أتعنين ما تقولين؟ أصبحت أتساءل عما أذا كنت فعلا تحبينني". " أحبك دورين , ألا يمكنك الأنتظار لوقت أطول؟". " الى متى يدوم هذا الأنتظار؟". " ربما لمدة أسبوع آخر أو شهر أو..........". " أو سنة , سنتين , عشر سنين". وأوشك دورين أن يفقد السيطرة على نفسه , أدركت جولييت أنها في مأزق , لقد أخطأت في تمثيل دورها , فأخذت تحاول أنقاذ الموقف. |
توسلت اليه:
" لا تغضب علي". ثم أضافت قائلة: "فأنا تعيسة بما يكفي". " أنت ؟ تعيسة؟". رمقها بنظرة يساورها الشك وأضاف: " أتعتقدين أن حسرتك توازي الأسى الذي يمزق فؤادي؟". " وكيف لي أن أعلم ذلك؟ أرجوك لا تنظر ألي بهذه الطريقة , فأنت تخيفني". " أخيفك؟ كيف ؟". " تبدو على وجهك تعابير قاسية". تجهم وجه دورين أذ لم يكن ينتظر منها أن تتهمه بالقساوة , بينما كان على العكس من ذلك يحاول جهده أن يظهر لطيفا , حنونا. " لا يا عزيزتي , أنت مخطئة". " ربما , لكن أرجوك أن تتركني فأنا منهكة من التعب". " لكننا في شهر العسل وحتى الآن لم نزل سوى غريبين بالكاد يعرف أحدنا الآخر". " لا تجعل تسرعك يقضي على سعادتنا". " تسرّعي ؟ أتعتقدين أنني من حجر؟". " دورين , لم يحن الوقت بعد". " أخبريني هل كنت تتوقعين زواجا أفلاطونيا؟". " لا , طبعا..........". " أذن مم تعانين ؟ تتكلمين عن الحب بينما لا تدل تصرفاتك ألا على قلة أهتمام وأنانية مما يجعلني أشك في حقيقة حبك لي". " ولم تزوجتك أن لم أكن أحبك؟". "هذا ما أود معرفته". أقترب منها محدقا في عينيها ثم قال: " لماذا ؟ لماذا تزوجتني؟". كان واضحا لجوليت الآن أن زوجها بلغ حدود الأنتظار وصبره على وشك النفاد , فحاولت بيأس جمع أفكارها والسيطرة على الموقف من جديد متشبثة بآخر محاولة لأعادة الأمل اليه : " تزوجتك لأنني أحبك". " لا تكذبي , كفاك تمثيلا , أنتهت المهزلة الآن , من الواضح أنك تمثلين دورك ببراعة ورباطة جأش , لكنني لم أعد كالدمية بين يديك , أريد معرفة سبب زواجك بي". وقفت جولييت وقد شحب لونها وأرتعش جسدها . تحطمت أمامها جميع أحلامها ورغباتها .... كم تمنت لو يطول تعذيبه لمدة أطول , كم تمتعت بالتلاعب بعواطفه كما تمتعت بالتلاعب بعواطفه كما تشاء , لكنها رضخت للأمر الواقع أخيرا وقالت بصوت مرتعش: " تزوجتك طمعا بثروتك". ظنت أن الحقيقة ستحطم قلبه , وأن الحزن سيكون بمثابة طعنة في صميم قلبه... أنها سترى كبرياءه تتحطم , وتكون هي قد وضعت آخر لمسة في لوحة الأنتقام التي رسمتها في مخيلتها طيلة الأعوام الثمانية الماضية. جمد دورين في مكانه , نظر اليها محاولا أن يستوعب ما قالته, شعرت جولييت بحاجة ماسة للفرار , أرادت الأبتعاد عنه , عن هذا اليوناني المستبد , الذي يزرع الخوف في كيانها , كم تخشاه! وفي هذه الساعة بالذات. تخيلت هذه اللحظة بشكل مختلف تماما , كانت تتوقع أن تكون هي سيدة الموقف , تستبد بغنيمتها وتلعب بها كيف تشاء , لكنها باتت ضحية لعبتها الماكرة. " ماذا قلت؟". " أعتقد أنك سمعتني جيدا". " طمعا بثروتي؟ أريد شرحا موسعا أذا سمحت". " ولماذا الشرح الموسع؟ الأمر واضح جدا". " أتعنين أنك أردت الزواج برجل ثري وشاء القدر أن يكون هذا الرجل دورين كوراليس؟". " بالضبط". كان صوتها يرتجف من الخوف والخجل , حاولت بملء قوتها أن تضع حدا لأرتباكها , أن تستعيد سيطرتها على نفسها , لكنها لم تتوقع أن يكون الوضع صعبا لهذا الحد , وأن الموقف سيفلت من يدها بهذه السهولة. " بدأت أرى الحقيقة الآن , كنت دائما على ثقة كبيرة بجمالك وسحرك , فأردت أستعمالها كأداة لأيقاع رجل ثري في مصيدتك , يا لك من صيادة ماهرة لكنك فوجئت بذكاء ضحيتك , أليس كذلك؟". توقف قليلا منتظرا منها أن تعلّق على أفتراضه , لكنها لازمت الصمت فتابع قائلا: " ولم تكن تصرفاتك سوى تمثيل متقن لا غير , الى متى أفترضت أنني سألعب لعبتك؟". " لم يعد للجواب أية أهمية". " صحيح , لم يعد مهما بعد الآن ". وأقترب منها وشرارة الغضب تتصاعد من عينيه ثم قال : " والآن يا زوجتي الساحرة....". أبتعدت جولييت أذ تسرب الذعر الى قلبها , نظرت حولها بيأس شديد محاولة أن تجد مفرا من هذا الأسد الكاسر , لكن دورين أمسكها بعنف وجذبها نحوه خانقا آخر محاولة لها بالفرار , حاولت صدّه , قاومته بملء قوتها , لكنها ما لبثت أن أستسلمت لأرادته حتى قال ضاغطا بأنامله على وجهها : " لا تتوقفي عن المقاومة يا جميلتي , لا تستسلمي بهذه السهولة.....". وأرغمها على النظر في عينيه وكأنه يريدها أن تعلم أنه سيدها وعليها أطاعته , ثم أطلق ضحكة رنانة أثارت غيظها لدرجة أنها جمعت قوتها وعزمها من جديد وأفلتت من قبضته , لكنه سرعان ما أحبط ثورتها وتمردها محكما أنامله حول رقبتها, وكأنه على وشك أن يخنقها , فصاحت بخوف: " أرجوك أتركني وشأني , عد الى حجرتك". " ليكن في علمك أنك تخاطبين زوجك , أردت الزواج فحصلت عليه , الدور دةوري الآن ". " لا.... أرجوك أرحل عني ..... لست على ما يرام". " ستشعرين بتحسن بعد قليل". ومن جديد وجدت نفسها تحت رحمته , لكنها لم تيأس بعد , بل أستمرت في مقاومته بينما كان هو يضحك هازئا بمحاولتها الفاشلة , وقال بسخرية : " سأحطم أرادتك الصلبة يا زوجتي الماكرة". " أخرج من هنا حالا قبل أن أجعل صراخي يجذب كل من في هذا المرفأ". ضحك دورين من جديد وأجاب: " لن تفعلي ذلك , فكما قلت لك , اللعبة لعبتي منذ الآن وستبقى لي حتى أمل منها وأقرر أستبدالها ". " ومتى سيكون ذلك؟". " حين أملّ منك وأرغب أستبدالك بأمرة أخرى , فأنت الآن غير زوجتي , تماما كما كنت تخشين أن تصبحي ". وأطلق ضحكة رنانة ثم أضاف: " وستبقين هكذا حتى أجد أمرأة أخرى تثير أهتمامي ورغبتي فأتركك في سلام , ولن تحصلي على قرش واحد من هذه الصفقة الخاسرة". وقبل أن تجيب , حملها دورين بين ذراعيه ودخل بها الى حجرته وأغلق الباب بعنف , غير مبال بدموعها ولا بتوسلاتها. |
7 - رودس .... حيث بدأت القصة
أشرقت الشمس صباح اليوم التالي وغادرت جولييت فراشها حيث قضت الليل بطوله وهي تؤنب نفسها على الوضع المؤلم الذي خلقته لنفسها , كان دورين لم يزل نائما , نظرت اليه بيأس وخجل , محاولة طرد ذكرى الليلة التي أنقضت عليهما معا , وفي هذا الفراش بالذات , حيث قضت ليلتها مرغمة . لم يبق أمامها سوى الفرار , لجأت الى حجرتها لتستعد للرحيل , وبينما كانت تجمع ثيابها في الحقيبة دخل دورين والأبتسامة تعلو وجهه: " الى أين يت عزيزتي؟". " الى لندن , سأرحل حالا". " لا أعتقد ذلك ". " لا يمكنك أرغامي على البقاء هنا , فلا شيء يمنعني من مغادرة هذه السفينة متى أشاء". " لكنك تزوجتني طمعا بالمال , أليس كذلك؟". " لم أعد أبالي بثروتك". " من يطمع بالذهب لا ييأس بسهولة , فهل لك أن توضحي لي الأمر أكثر؟". أبتعدت عنه جولييت وأزاحت ستائر النافذة , أشرقت الشم من خلال الزجاج وشرد نظر جولييت الى الخارج حيث تركت حريتها , براءة طفولتها , شهامة نواياها وصفاء أفكارها , كيف سمحت لنفسها أن تتبع كالعمياء نزوة أنتقامها التي أدت بها الى موقف تضطر فيه الى مواجهة الذب والأشمئزاز ؟ خاصة من رجل أذلها من قبل , وسبب لها الأشمئزاز ذات مرة. " ما زلت أنتظر جوابك". " لم أعد أرغب بأن أكون زوجتك ". " أكنت تتوقعين زواجا أفلاطونيا من رجل ثري؟". منتديات ليلاس كم كانت كلماته مؤلمة وجارحة , لكنها أبت أن تشرح له الحقيقة , كيف تبوح له أنها أميلي لوزار ؟ لا ,لن تفعل ذلك مهما كان الأمر , الحل الوحيد هو العودة الى لندن والأنفصال عن دورين ..... هناك تنتظر أن يتم الطلاق بينهما وينتهي الأمر , ويزول الكابوس , لن تجد صعوبة في العودة الى حياتها السابقة , ستشرح الأمر لماغ بالتفصيل , أما أصدقاؤها الآخرون فعليهم الأكتفاء بشرح مختصر , حاولت من جديد أقناع دورين بالقبول بالأمر الواقع: " دورين , لن تنفع الكلمات ولن يتغير الوضع , كان زواجنا مجرد غلطة يجب وضع حد لها , فأرجوك أن تضع النقاش جانبا". " تريدين وضع حد لزواجنا ؟ ينتابني شعور غريب , شعور بأنك لم تصارحيني بالحقيقة كلها بعد , هناك شيء آخر أود معرفته". " لا أنوي الأستمرار في هذه المناقشة , قررت الرحيل وهذا ما أفعل". " لأبرهن لك على أنك مخطئة , ستجدين أن هذا اليخت سيبحر حالا , ولن تسنح لك فرصة الرحيل ألا متى قررت أنا التاريخ والساعة". مضت عليهما ثلاثة أسابيع وهما يطوفان البحر , وكلما وصلت السفينة الى مرفأ أقفل دورين باب حجرة جولييت , بينما كان العمل يجري على تزويد اليخت بالبنزين والمؤونة , ثم أعطى أوامره بالأبحار من جديد , وهكذا مرت الأيام , كانت جولييت تتحسر على وضعها , نادمة على الغلطة الشنيعة التي أرتكبتها , متمنية لو تعيد الوقت الى الوراء وتبدأ من جديد ,وكأن القدر لم يجمعها بدورين أبدا , آه لو بقي مجرد ذكرى تافهة في ماض أنقضى الى غير عودة. كانت تراقبه من خلال نافذة حجرتها متسائلة الى متى سيدوم تجوالهما من مرفأ الى مرفأ ؟ لا يبدو على دورين أي تعبير عن الضجر , يبدو راضيا بالعيش على هذا النحو , كان يمضي أوقاته بالمطالعة والأسترخاء تحت أشعة الشمس , غير مهتم بما يجري لزوجته , وحين حاولت الأعتراض ذات يوم أجابها بجفاء : " عليك أن تعلمي أن الزوجة اليونانية تخضع لأرادة زوجها من دون أي أعتراض". " لكنني لست يونانية". " تزوجت يونانيا , لذا عليك أن تحترمي تقاليد زوجك وأن تتقيدي بها , ومن الأفضل لك أن تدركي أمرا مهما جدا...... هو أنني سيّدك وعليك طاعتي". شعرت جولييت برأسها يدور : " أشعر بدوران , عليّ أن أجلس". رحظ دورين أن لونها قد شحب فتركها تذهب وذهب ليعد لها شرابا مرطبا , وبعد أصراره عليها قبلت أن تتناوله. مضى على زواجهما شهر كامل , تعلمت جولييت خلاله أن تعامل زوجها بحذر ولياقة , متجنبة أثارة غضبه , محاولة أرضاءه بأستمرار , قضت معظم أوقاتها تكتب رسائل الى ماغ تخبرها عما يجري , لكنها رسائل لا تغادر المرفأ ,طالما أنها لا تثق بأعطائها لدورين , فربما فتحها وقرأ محتوياتها وعرف الحقيقة , سمعته يوما يقول لملاّحي السفينة أنه يتوقع منهم العمل لمدة طويلة , لأنه لا يعلم متى سيقرر العودة الى زاسوس , أغاظها ما سمعت وواجهته بالأمر. " دورين من المساحيل أن نبقى على سطح البحر الى الأبد". " ولم لا ؟ أنني سعيد جدا". " سعيد؟ لا أصدق ذلك ". " سنطوف البحر حتى أستخرج منك الخبر الذي أنتظره". وعاد لمطالعة كتابه , عادت جولييت الى غرفتها محاولة تفسير كلماته ,وبعد تفكير طويل أدركت ما يجول في خاطره , فهو يعتقد أنها حامل , ومتى واجهته بهذا الخبر سيقرر العودة الى زاسوس. |
أشرق وجه جولييت أذ تيقنت من الحل الذي سيفتح أمامها طريق العودة الى حريتها من جديد , وعند المساء , كانت جوليت تتناول طعام العشاء برفقة دورين فبادرته الحديث قائلة:
" دورين أتذكر أنني شعرت بدوار نهار أمس؟". " أذكر". " أعتقد أنني حامل". " هذا ما كنت أتوقع". كان صوته مجردا من أي عاطفة وأستمر قائلا: " حسنا أذن! سنزور رودس غدا وبعدها سنرجع الى زاسوس". تنهدت جولييت الصعداء وحاولت أخفاء سعادتها فقالت بصوت ناعم: " ألا تخشى أن أهرب متى وصلنا الجزيرة؟". " لا أعتقد أنك ستجرؤين على عمل كهذا , خاصة وأنت حامل ...... ستحتاجين لمساعدتي المالية من دون شك". أومأت جولييت رأسها وأجابت: " نجحت في أن تضعني حيث تريدني ,أليس كذلك؟". " بكل تأكيد". " وماذا سيحصل بعد ولادة الطفل؟". "يمكنك الرحيل". " تتوقع مني أن أرحل وأترك لك الطفل؟". " نعم سيكون الطفل بمثابة تسديد حسابك لي". " لكن كيف تتوقع مني أن أترك طفلي ؟ فلذة كبدي". " أمرأة مثلك لا تريد أن يقف في طريقها أحد , لا شك أنك ستعودين لأصطياد رجل ثري آخر". حاولت جولييت تجاهل ما سمعت , كم آلمتها كلماته! وأي مرارة أن تدرك حقيقة العواطف التي تختلج في أعماقها هي! كيف شاء القدر أن تصبح هي لضحية ؟ ألا يكفي أنها خضعت للعذاب والذل وهي لم تزل في مطلع عمرها ؟ لم تعد تقوى على التحمل , أنه وضع مستحيل , ستهرب في أول فرصة ممكنة , ما أن تصل الى زاسوس حتى تعد حقائبها وتتركه الى الأبد. وصلا الى رودس نهار اليوم التالي , وأشرق وجه جولييت , جاء دورين لمرافقتها الى المرفأ. " تعالي سأصطحبك في رحلة حول الجزيرة". " هل سبق لك أن زرت رودس؟". : نعم كنت هنا منذ تسع سنين تقريبا". أرادت جولييت أن تطرح عليه المزيد من الأسئلة , لكنها لاحظت عليه أنه لا يرغب بالأجابة ....... فلزمت الصمت. رودس..... حيث بدأت قصتهما , فلو لم تتم معرفته بتانيا في ذلك الوقت لما تعرفت عليه أميلي لوزار , ولمت تزوجته جولييت هاردي ..... أنه القدر ..... تركت جولييت همومها جانبا وحاولت التمتع بوقتها قدر المستطاع , كم أشتاقت لرؤية الجبال والأشجار والتلال وللشعور بالأرض تحت قدميها...... غمرتها سعادة لا توصف , أصطحبها دورين الى أماكن متعددة أثارت أهتمامها وأعجابها , وبعد مضي ساعات من التنزه , شعرت جولييت بالتعب فطلبت من دورين الأستهداء الى مكان مناسب للأستراحة. جلسا تحت ظل شجر السرو يتناولان شراب عصير الليمون". " هل أنت بخير ؟ تبدين شاحبة اللون". أنتابها شعور بالخجل , لا شك أن دورين قلق عليها , فهو يعتقد أنها حامل , غمرها شعور بالذنب ورغبة عارمة في أن تبوح له بالحقيقة , لكنها قاومت عواطفها وقد أيقنت أن أعتقاده هذا , هو فرصتها الوحيدة لخلاص... للعودة الى بلادها . أجابت بنعومة: " أنني على ما يرام". وراحت تتأمل ما حولها , كانت وفود السياح تملأ الشوارع , فجزيرة رودس منطقة تاريخية مهمة. " هل أنت واثقة أنك بخير؟". أبتسمت جولييت وأجابت : " طبعا". وعجزت عن تفسير مشاعرها , فهي في الحقيقة تعاني من التعب والأرهاق , لا بد أنه تأثير حرارة الشمس عليها , لكنها كانت مصرة على التمتع بوقتها حتى آخر لحظة , بعد أستراحة قصيرة , توجها معا الى المدينة حيث قصدا المتاجر العديدة والأسواق المنتشرة في كل أتجاه , كانت جولييت تعلم أن دورين يتشوق لشراء هدايا كثيرة لها , لو أنها فعلا الزوجة التي كان يحلم بها. لكن لماذا الندم؟ ما معنى هذا الأحساس الغريب الذي يخيم على قلبها ؟ أحساس بالحنين , بالشوق..... لكن الى من؟ لم تعد تدري حقيقة عواطفها , كل شيء ينتابها دفعة واحدة. بدأت الشمس تغيب خلف الأفق وحان موعد عودتهما الى اليخت فقال دورين: " بات الوقت متأخرا , من الأفضل أن نعود الى السفينة". أومأت جولييت برأسها ولم تقل شيئا , أذ كانت تشعر بالتعب والأنهاك يغمرانها وفي طريقهما الى المرفأ لاحظ دورين أن زوجتهليست على ما يرام فسألها: " جولييت ما بالك؟". أنتابها شعور بالذنب من جديد , وقررت أنها لن تقوى على الأستمرار في الكذب فقالت: " دورين أنني.....". وقبل أن تكمل جملتها غمرتها ظلمة مفاجئة وفقدت وعيها بعد لحظة. حين أستيقظت من جديد وجدت نفسها على فراش في المستشفى. أقتربت منها الممرضة وأخبرتها أن حالتها تحسنت كثيرا , كانت تعاني من ضربة شمس. ودخل دورين الى غرفتها ليطمئن عليها. " آسفة يا دورين , كان يجب عليّ أن أعلمك بأنني منهكة". " المهم أنك بخير الآن , كيف تشعرين؟". " أفضل حالا". توقفت قليلا ثم همّت بأن تبوح له بكل شيء: " دورين أريد الأعتراف لك بشيء مهم". لكن دخول الممرضة الى الغرفة في ذلك الحين جعلها تتوقف عن المتابعة . " سيد كوراليس , هناك مخابرة هاتفية لك , يبدو أن الأمر يخص يختك نيريوس". " ماذا؟". وأسرع بالذهاب للتحقيق في الأمر". بعد ساعة من الوقت عاد الى غرفة جولييت ليخبرها أن اليخت تعرّض لحادث أصطدام وأنه لن يكون جاهزا ألا بعد أسبوع. " سأقرر فيما بعد أذا ما كنا سنبقى هنا بأنتظار تصليح اليخت أو نعود الى زاسوس عن طريق الجو , أما الليلة فسوف نقضيها في الفندق , هل بوسعك تناول طعام العشاء في الفندق أم تفضلين ملازمة الفراش؟". " أشعر بتحسن كبير , سيسعدني أن أتناول العشاء في الفندق طبعا". أفرحتها فكرة البقاء في رودس لمدة أطول , أرادت أن تصارحه بأمر في غاية الأهمية , لكنه نسي ذلك , وعندما لاحظ أن اللون عاد الى وجنتيها مما يدل على أنها بخير , قال : " حسنا أذن , سأحجز لنا طاولة عشاء في الساعة الثامنة والنصف". |
8- مرحبا أيها الماضي
موسيقى ناعمة , وعشاء فاخر في مطعم فخم , هكذا بدأ المساء في مطعم فندق الورود , جلست جولييت تتأمل ما حولها بأعجاب وتقدير , حاسدة الناس من حولها , متمنية لو أن يوسعها مشاركتهم فرحتهم وأبتهاجهم ...... كان الجو يوحي بالرومنطيقية , وأنتابتها رغبة للرقص مع زوجها , رفعت عينيها اليه , فألتقت نظرتهما لكنه سرعان ما حوّل نظره عنها متجاهلا رغبتها , أنقبض قلبها وأغرورقت عيناها بالدموع , وعندما مدّت يدها لتلتقط منديلها وجدت أنها تركت حقيبتها في غرفة الفندق , فأعتذرت من دورين وهرعت الى غرفة الأستراحة..... وعندما همّت بالعودة وجدت نفسها أمام سيدتين واقفتين أمام باب القاعة , تنتظران من خادم المطعم أن يصطحبهما الى طاولة مناسبة , لم تر وجههما بعد أذ كانت جولييت تقترب من الجهة الخلفية , وفجأة هتفت واحدة منهما: " دةرين! يا لها من فرصة سعيدة للقائك من جديد". كادت جولييت تفقد وعيها .... كانت فجأة تواجه خالتها وتانيا , بقيت في مكانها تحاول أن تستعيد أنفاسها , ثم همّت بالعودة الى زوجها , كان خادم الفندق قد أقترب من خالتها قائلا: " سيدة لوزار , طاولتك جاهزة". توجهت خالتها برفقة الخادم الى طاولتهما , بينما كانت تانيا تتحدث الى دورين , أقتربت منهما جولييت لكن تانيا لم تنتبه الى وجودها بل أستمرت في الحديث قائلة: " الصدفة تجمعنا من جديد وفي المكان نفسه". " أرى أن والدتك ترافقك". " نعم , وبما أنك بمفردك سيسعدنا الأنضمام اليك لتناول طعام العشاء والأحتفال بهذه المناسبة......". تلاشى صوتها حين نظرت الى الطاولة وأدركت أنه ليس بمفرده , عندئذ وقف دورين أذ لاحظ أن زوجته تنظر اليه وفي عينيها يحتشد ألف سؤال. " تانيا , أقدم لك زوجتي , جولييت هذه تانيا , صديقة أعرفها منذ زمنن". " زوجتك؟". حاولت تانيا جهدها أن تبتسم , فنجحت أخيرا في مد يدها لتصافح جولييت قائلة: " يسعدني لقاؤك". كان واضحا أنها تنظر اليها بحسد وغيرة , وتحول نظرها من الوجه الساحر الجميل , الى القامة النحيلة المتناسقة , الى الثوب الأنيق , والعقد الماسي الذي يطوّق عنقها والذي كان هدية دورين اليها يوم زفافهما. " جولييت.....". رددت الأسم من جديد ثم أضافت : " أسم غريب ..... يذكرني بفتاة عرفتها سابقا". همت جولييت بالجلوس وقلبها يخفق بسرعة , لم تتوقع رؤية أبنة خالتها من جديد , لا شك أن تانيا ما زالت تحتفظ بجمالها وسحرها , ولا تزال تبتسم بطريقتها الخاصة المغرية , ثم غادرتهما تانيا لتنضم الى والدتها وبقيت جولييت تلازم الصمت محاولة التغلب على أرتباكها , رفعت نظرها لتراقب ردة فعل زوجها , ترى! ما الذي يجول في ذهنه؟ أيتمنى لو كان حرا ليجدد علاقته الحميمة مع حبيبة الماضي؟ نظر اليها دورين بتعجب وقال: " ألا يعجبك شرابك ؟ فأنك لم تحتسي منه شيئا بعد". ثم أضاف فجأة : " لم تظهري أي أهتمام بتانيا". لم تجب جولييت مباشرة , كانت تفكر أنه ربما من المستحسن أن تسأله عن تانيا لأزالة شكوكه فهي لم تفعل ذلك في البداية لسببين أولا: تعرف كل شيء يتعلق بعلاقتهما السابقة , ثانيا : لم ترق لها فكرة التصنّع بالجهل , لكن أذا كان دورين ينتظر منها ردة فعل معينة فلا بد لها من التمثيل: " سمعت تانيا تقول أنكما تقابلتما هنا من قبل". " صحيح.......". " كانت أيضا , ترغب بتناول طعام العشاء برفقتك". ظنّت أنني بمفردي". " ولو كنت بمفردك أكان الوضع يختلف؟". " لا أفهم ما تقصدين بسؤالك هذا". " يبدو لي أنكما كنتما أكثر من مجرد صديقين". منتديات ليلاس ظهرت على وجهه أبتسامة لئيمة وأجاب: " لا شك أنك ذكية". توردت وجنتاها وقالت: " هل كنتما..... عاشقين؟". قطّب جبينه وأجاب: " ليس من عادتي الثرثرة في شؤون الماضي". ثم أنهمك بتناول طعامه ملقيا بين الحين والآخر نظرة سريعة الى حيث كانت تانيا جالسة , تساءلت جولييت , ماذا لو تبوح له بالحقيقة؟ " لكنك تعرف أنكما كنتما أكثر من صديقين وألا لما وصفتني بالذكاء". " لنقل أن العلاقة التي كانت تربطنا , كانت علاقة حميمة". أومأت جولييت برأسها وأجابت: " تانيا تعتقد أذن أنه من الممكن تجديد هذه العلاقة الجمية وتحويلها , ربما الى علاقة مستمرة". " علاقة مستمرة ؟ وماذا يعني ذلك؟". " الزواج طبعا.....". وشعرت بألم يخترق أحشاءها حين تفوهت بهذه الكلمة , وما يمكن أن تعنيه بالنسبة للمستقبل. " لكنني متزوج , وسأبقى متزوجا". " وحين يتم الطلاق بيننا". " كلمة الطلاق غير موجودة عند اليونانيين". " أتعني أنه مهما حصل سأبقى زوجتك؟". " لنغيّر الموضوع". " أنت الذي أردت التحدث عن صديقتك فأدّى الحديث الى ......". " تعالي". جذبها اليه مقاطعا حديثها وأضاف: " تعالي لنرقص..........". |
وبعد أنتهاء الرقص أصطحبها دورين ليقدمها الى السيدة لوزار .
حافظت جولييت على رزانتها ولم ترتبك أبدا , أذ كانت واثقة أنه من المستحيل على خالتها أن تعرف حقيقة هويتها , حيّتها بثقة وهدوء متفحصة هذا الوجه الأليف الذي عهدته منذ صباها ,ما زال يوحي بالقساوة والخشونة والجفاء ,وراحت عينا خالتها تدرسانها بأمعان بينما تجاهلت جولييت النظر اليها , كان ينتابها شعور مريع لمجرد وجودها على مقربة من خالتها من جديد. منتديات ليلاس عادا الى طاولتهما حيث حاولت جولييت أن تتفادى الحديث عنتانيا وخالتها , وشرعت بالثرثرة ن جمال الفندق وأناقته , كان دورين يستمع اليها لكنها لاحظت أن أفكاره شاردة في موضوع آخر , أخافها الواقع , ما الذي يدور في ذهنه ؟ هل أشتبه بشيء؟ مستحيل ,أو هل أستولت تانيا على تفكيره؟ يا له من لقاء! هل هو القدر ثانية؟ بعد نزهتهما في الحديثة عادا الى صالة الفندق حيث كانت تانيا تتناول القهوة جالسة وحدها , وقفت عندما رأتهما مقبلين ثم أقتربت منهما قائلة: " تفضلا بمشاركتي شرب القهوة". نظر دورين الى جولييت منتظرا منها أن تتخذ القرار , فأجابت: " بكل سرور". أرادت أرضاء فضولها , فهي ترغب بالتحدث الى تانيا لأنها تجد الموقف مثيرا للغاية , جلسوا معا وكانت تانيا أول من بدأ الحديث: " هل أنتما في أجازة؟". " نوعا ما". " نوعا ما؟". ضحكت جولييت في سرها وأجابت: " أننا في شهر العسل , في رحلة حول الجزر على اليخت الذي يملكه دورين". " يخت؟". ونظرت تانيا الى دورين متابعة: " لم تكن تملك يختا حين تقابلنا". " أشتريته منذ سنة واحدة فقط". كانت تانيا تنظر الى جولييت نظرات غريبة , أيبدو صوتها أليفا لديها؟ هل هي تحاول أن تتذكر أين سمعته من قبل؟ يمكن أن تتوصل الى تحديد التشابه الصوتي بين جولييت وأميلي ذات يوم , لكنها لن تعرف أنهما الفتاة نفسها أبدا. قالت مخاطبة دورين: " هل يمكن أن أزور يختك؟". " طبعا". " حسنا أذن". وأشرق وجه تانيا وطهرت البهجة عليه , وكأنها للحظة واحدة , نسيت وجود جولييت كليا , أقتربت من دورين تنظر اليه عن كثب ثم أضافت: " متى؟ غدا؟". أجاب دورين بالنفي شارحا لتانيا أن اليخت يخضع للتصليح في الوقت الحاضر , وأنه لن يكون جاهزا قبل نهار السبت. " حسنا , سأنتظر حتى السبت". تجاهل دورين النظر الى زوجته عمدا , لم يسأل رأيها في الموضوع , ورغم محاولة جولييت المستمرة في الأحتفاظ بهدوئها , وجدت نفسها تتذمّر بغضب فقالت: " أليس لرأيي أي أعتبار لديكما؟". رمقها زوجها بنظرة دهشة , وندمت جولييت لتسرّعها لكنه أنقذ الموقف مجيبا: " المعذرة يا عزيزتي , بم أتوقع أنك ستعارضين". غيرت جوليت الحديث بسرعة وحاولت التركيز على موضوع واحد , الماضي , وعلاقة تانيا بدورين , فتركتهما يثرثران عن الأوقات التي أمضياها معا , بينما أستلقت جولييت على مقعدها تحتسي القهوة وتستمع اليهما , لم يتحدثا بصراحة بل بتحفظ شديد , وشعرت جوليت كأنهما يتمنيان لو كانا بمفردهما , وبين الحين والآخر كان دورين ينتبه لوجود زوجته ويحاول مشاركتها الحديث , وكلما نطقت جولييت كلما كثرت التساؤلات في عيني تنيا , كانت تحاول عبثا أن تحل لغز الصوت الأليف , وبقيت جوليت تتمتع بالموقف يتسارع الى ذهنها ألف سؤال , أولها: " كم مضى من الوقت على لقائكما الأخير؟". وأجابت تانيا: " منذ تسع سنوات تقريبا, أليس كذلك يا دورين؟". لم جب دورين بل كان ينظر الى زوجته وكأن هناك أمرا يقلقه , وعندما قاطعت تانيا تفكيره أجاب: " المعذرة , ماذا قلت؟". " غير مهم........ أرادت زوجتك أن تعلم متى كان لقاؤنا الأخير؟". لكن دورين لم يجب , فأنتقلت جوليت الى السؤال التالي ووجّهته الى زوجها: " هل أقمت في منزل عائلة تانيا؟". " نعم". " أين تسكنين تانيا؟". " في قرية دورست الواقعة في مقاطعة هافينغتون , هل تعرفينها؟". " سمعت عنها". " وأنت أين كنت تسكنين ؟". أخبرتها جولييت عن مكان سكنها وعن السيد والسيدة مانلي , وأستنتجت تانيا أنهما كانا والدي جولييت , ثم سألتها تانيا كيف حدث أنها سمعت يمنطقة هافينغتون: " حدث أن زرتها صدفة وأنا في نزهة برفقة صديقتي , لاحظت أنها منطقة مزدهرة بالعمران". هتف دورين: " عمران؟". ثم أضاف: " هل تعرض منزلكم لأي ضرر؟". أومأت تانيا برأسها وأجابت: " لسوء الحظ نعم , أضطر والدي للتخلي عن معظم الأراضي التي كانت تحيط بمنزلنا , وبات منظره غريبا , وكما تعلم كان والدي متعلقا بملكه وأراضيه , أثّرت به الصدمة الى حد بعيد". " آسف , لكن لماذالم يحاول أن يبيعه ويجد منزلا آخر , بعيدا عن المدينة وضوضائها؟". ترددت تانيا قليلا ثم أجابت: " فقد المنزل قيمته التجارية , حاولنا بيعه وفشلنا". |
ثم أخبرته تانيا أن خسارتهم أدت الى أصابة أمها بتوتر عصبي , ونصحها الطبيب بالسفر للترويح عن نفسها , فقررت تانيا أصطحابها الى رودس حيث سبق أن أستمتعا بعطلتهما في الماضي.
ثم سألتها جولييت: " هل تسكنين مع والديك الآن؟". " نعم". " ألم تتزوجي أبدا؟". " تزوجت لكن زواجي فشل , كان غلطة منذ البداية ". ونظرت تانيا الى دورين نظرة يملؤه الندم فقال: " ربما حالفك الحظ في المرة اقادمة". " لن تكون هناك مرة قادمة". ثم حولت نظرها الى جوليت وأضافت: أشعر أن الغلطة حصلت منذ زمن..... قبل أن أتعرف على جورج وأتزوجه". فكرت جوليت في ذهنها: يا للوقاحة , فتانيا تلقي اللوم على دورين , وأسرعت بتغيير الموضوع قائلة: " هل لديك أخوة أو أخوات؟". " لا". " أذن أنتم ثلاثة فقط في العائلة؟". " نعم , أصبحنا ثلاثة منذ تسعة أعوام تقريبا". ولسماعه ذلك قال دورين: " ماذا؟ هل غادرتكم أميلي؟". " نعم". " هل نجحت أذن في أيجاد رجل تقترن به؟". ولسماعها هذه الكلمات الجارحة , تمزق قلب جوليين , ثم أنتابتها رغبة شديدة بالضحك لكنها حافظت على صمتها لتستمع الى رد تانيا , قالت هذه: " لم تتزوج حسب ما أعلم , هربت بعد رحيلك بقليل". " هربت؟ أتعنين برفقة رجل؟". " هذا ما يعتقده والدي , لم نسمع عنها شيئا منذ رحيلها". " هذا تصرف أناني , خاصة بعد كل ما فعله والداك من أجلها". فأسرعت جولييت بطرح سؤالها قائلة: " هذه..... أميلي , هل تبناها والداك؟". " كانت أبنة خالتي , توفي أهلها وفي السدس من عمرها , فقدّمنا لها منزلنا ورعايتنا ,ولم ندعها تحتاح لشيء , ولم نلق منها شيئا , أليس هذا صحيحا دورين؟". " نعم , لا شيء سوى المتاعب". بدت على وجهه علامات التفكير , وتساءلت عما أذا كان يتذكر لقاءهما في الغابة , فقالت مخاطبة تانيا: " هل أنت واثقة أن أميلي كانت سعيدة في مكوثها معكم؟ أعني ألم تشعر بالوحدة مثلا؟". " لا , أذ قدّمنا لها كل شيء , حتى الحب والحنان". الحب والحنان , كيف يمكن لتانيا أن تكذب بهذه السهولة؟ " ألم يحاول أهلك معرفة ما حصل لها بعد رحيلها؟". " بلّغا الشرطة بالأمر لكن الشرطة لم تسمع عنها شيئا". " لا شك أنها قصة غامضة , أعني أختفاء أميلي دون أي أثر , ربما أصابها مكروه أو لاقت حتفها من جراء حادث ما!". منتديات ليلاس هزت تانيا كتفيها معبرة عن قلة أهتمامها بهذا الموضوع , وأجابت: " ربما أفضل لها أن تكون قد لاقت حتفها , كان مستواها الأخلاقي منحطا". أوشكت جولييت أن تنفجر من الغضب , كيف تجرؤ فتاة مثل تانيا أن تتهم أي شخص بكونه دنيء الأخلاق ؟ تملّكها الغيظ وقالت: " ما زلت أعتقد أنه كان واجبا على والديك التحقيق في الأمر ومحاولة العثور عليها , حين أتخذوا على عاتقهم واجب تربيتها والعناية بها , كان من واجبهم أيضا الألتجاء الى شتى الطرق المتوفرة لمعرفة ماذا حل بهذه الفتاة المسكينة". نظرا اليها دورين وتانيا بدهشة , لكنها لم تبال بردة فعلهما بل أستطردت قائلة: " كم كان عمر أميلي حين غادرتكم؟". " سبعة عشر تقريبا". " مسكينة , كانت صغيرة السن". " نعتقد أنها هربت برفقة رجل مجهول , لكن لماذا تهتمين بأبنة خالتي الى هذا الحد؟". " أشعر بالشفقة عليها , فليس سهلا على الأنسان أن يعيش على حسنة الآخرين وأن يراضيهم لبقائه على قيد الحياة , لكنني أفترض أن والديك تفهّما حساسية الوضع وتفاديا تذكيرها بحقيقة وضعها العائلي". قطبت تانيا جبينها وقالت ببطء ونعومة: " هل تحدثت الى أحد من أهل القرية خلال زيارتك لها؟". قرر دورين أنه من الأفضل التدخل لوضع حد لهذا الحديث , أذ بدأ الجو يتوتر بين الأثنتين , فقال: " وما نفع هذا الحديث الآن؟". " أظن أن جولييت ألتقت بأحد من سكان القرية كان مستعدا للثرثرة عنا وعن أميلي , فلم يزل هناك أشخاص يشفقون عليها رغم أنها كادت تلحق بنا العار". " العار؟ وماذا تعنين بذلك؟". ضحكت تانيا وأجابت: " سيخبرك زوجك أذا سألته بلطف". " دورين , أخبرني الآن ". وكان رد دورين على طلب زوجته : " سنغير الموضوع حالا". وضحكت تانيا من جديد وفي عينيها نظرة ماكرة وقالت : " أخلقنا لك تساؤلات عديدة؟ ..... لكن لنعود الى سؤالي أنا , هل حدّثك أحد عن أميلي؟ أريد الأستفهام عن هذا الأمر لأنك أظهرت أهتماما شديدا بها". أدركت جولييت أنها ربما قالت أكثر مما يجب , فقررت أختصار جوابها: " ليس من عادتي أن أثرثر مع أحد". أحتقن وجه تانيا , لكن نظرها بقي مثبتا على شعر جولييت , هذا الشعر الأشقر الذهبي الذي صبغته لشدة غبائها ذات يوم , آملة أن تجذب أنتباه رجل أحبته وهي صغيرة , منذ وقع نظرها على صورته أول مرة. |
9- من يحب من؟
جلست جولييت على العشب الأخضر وفي يدها كتاب مغلق , لم يكن بوسعها التركيز في المطالعة , كانت عيناها تراقبان زوجها وتانيا يلعبان كرة المضرب معا , ووصلت ضحكاتهما الى مسمعهما , يبدو أنهما يتمتعان بوقت سعيد. أحست جولييت بغيظ شديد , ولسوء حظها , قررت السيدة لوزار أن تنضم اليها في ذلك الحين بالذات , فأقتربت منها وفي يدها كرسي جلست عليه قائلة: " يبدو أن أبنتي وزوجك يقضيان وقتا ممتعا". " أرى ذلك يا سيدة لوزار , لست عمياء". " أيزعجك وجودهما معا ؟ أقدّر وضعك يا عزيزتي , لكن عليك التيقن من أمر مهم وهو : تفادي الشعور بالغيرة , فأصدقاء دورين مهمون لديه وليس تعقلا منك أن تتوقعي منه التخلي عنهم لأجلك". " لم أطلب منك أي نصيحة". وأشتعل الغضب داخل جولييت فأضافت: " على أية حال , كنت على وشك الأنهماك في المطالعة". " حتى جئت أنا وأضفت الى غضبك". " لكنني لست غاضبة". " لا تحاولي النفي , فالغضب ظاهر على وجهك بوضوح , والغيرة بادية في عينيك , أرجوك لا تقاطعيني , فما سأقوله سيؤلمك نوعا ما , كان دورين وتانيا من أعز الأصدقاء وأحبّا بعضهما حبا عميقا , لكن شاء القدر أن يفصلهما , ومن الواضح الآن أنهما نادمان على ذلك......". " سيدة لوزار , هل لي أن أذكّرك أنك تخاطبين زوجة دورين؟". " لا , لم أنس هذا الواقع المؤسف ,لكن أنظري اليهما , ألا تبدو عليهما السعادة لوجودهما معا؟". وتنهدت السيدة لوزار ثم أضافت: " منذ لقائهما من جديد وهما يقضيان معظم أوقاتهما معا , ألم تلاحظي أنهما لا يزالان يحبان بعضهما؟". نسيت جولييت أن من عادة خالتها أن تظهر وقاحة وقلة تهذيب بالغتين كلما فتحت فمها , فذلك يعود الى طبيعتها المتغطرسة. وأجابتها بلؤم: " حديثك مجرد من أي تفكير , فأنت وقحة , وسلوكك مخز". ألتقطت جولييت كتابها الملقى على العشب وأضافت: " والآن أرجوك دعيني وحدي......". " كيف تجرؤين على أنتقاد سلوكي بينما يدل تصرفك على قلة التهذيب؟". لكن جولييت لسبب ما بدأت تشفق على خالتها ... أذ أدركت أن هذه المرأة تفتقد عنصرا أساسيا في حياتها : الحب , فهي لم تعرف الحب أبدا , قضت عمرها وهي محاطة بجدار من الكبرياء والعجرفة , مما جعل التقرب منها مستحيلا على أي شخص كان , والآن تغمرها خيبة أمل عميقة , كم كان بودها رؤية أبنتها كزوجة لدورين .... غمر الهدوء جولييت ومات الغضب في داخلها , وعندما خاطبت خالتها من جديد كان صوتها ناعما رقيقا: " سيدة لوزار , يمكنك البقاء برفقتي أذا شئت لكن عليك التحدث في موضوع آخر". " بكل سرور , خبّريني عن اليخت الذي يملكه دورين". وأخذت جولييت تتحدث عن اليخت بينما كانت خالتها تتأملها بأمعان , ولم تمر أكثر من لحظات معدودة حتى سمعت خالتها تهتف بصوت عال: " الصوت! أنه صوتك , يذكّرني بصوت أميلي , أدركت منذ لقائي بك أن صوتك مألوف لدي لكنني عجزت عن تعيين التشابه". " أميلي ؟ أبنة أختك التي هربت؟". " نعم , كيف تعلمين ذلك؟". " أخبرتني تانيا". " ماذا أخبرتك عنها؟". " القليل , يبدو أنكم لم تهتموا بأمر هروبها". ظهر العبوس على وجه خالتها لكنه كان ناتجا عن أمر آخر يقلق تفكيرها فقالت: " الصوت نفسه والأسم نفسه". " الأسم؟". " نعم , أسم أميلي الآخر كان جولييت أيضا". " صدفة غريبة". وفي هذه اللحظة وصل دورين وتانيا لينضما اليهما , وقالت تانيا لاهثة: " كانت لعبة ممتعة حقا". " دورين لماذا لا تأخذ تانيا الى الداخل لتتناول شرابا مرطبا؟". وأنقبض قلب جولييت عندما سمعت خالتها تتفوه بهذه الكلمات , وقررت التدخل فقالت: " حان وقت الأستعداد لطعام اغداء". وهمّت بالذهاب ثم أضافت: " دورين , هل سترافقني؟". " فيما بعد". أحتقن وجه جولييت غضبا , لكنها أبتلعت كلماتها وتوجهت الى الداخل , وعندما وصلت صالة الفندق تذكرت أنها تركت كتابها على العشب في الخارج , فعادت أدراجها على مضض , لم تكن تريد العودة الى هناك , وبينما كانت تقترب منهم تخفيها الأشجار سمعت خالتها تقول: " تانيا! عرفت بمن تذكرني جولييت". " بمن؟". " بأميلي , فالصوتان متشابهان تماما". " صحيح , الصوت دون شك , دورين ألم تلاحظ هذا التشابه بينهما؟". " لا أعتقد". " هذا لأنك لم تظهر أي أهتمام بأميلي". وقالت السيدة لوزار: " أليست صدفة غريبة ؟ فأميلي تدعى جولييت أيضا". فصاح دورين لسماعه ذلك : " صحيح؟ لم أكن أعلم ذلك". " هذا لأننا كنا نفضل مناداتها أميلي , فأمي قررت أن أسم جولييت لا يلائمها". " ماذا؟ أتعنين أن أميلي أسم أخترتوه لها؟". " كانت تفضل أن ندعوها جولييت , أميلي أسمها الثاني ,لكن ألا ترى أن جولييت أسم لا يوافق قباحة مظهرها؟". |
ولسماعها ذلك قررت جولييت العودة الى الفندق قبل أن يلاحظوا وجودها , وقبل ان تفقد السيطرة على هدوئها وتتفوه بكلمات ستندم عليها في النهاية , فعادت الى غرفتها حيث همّت بالأستعداد لتناول طعام الغداء.
دخل دورين بعد لحظات قليلة فقالت له: " أعليك قضاء معظم أوقاتك برفقة تانيا ؟ يحسب الناس أنك تزوجتها بدلا مني". " ومن أين لك الحق بالأعتراض ؟ فقدت جميع حقوقك كزوجتي حين أعترفت لي بالسبب وراء زواجك لي". " لكن تانيا تهزأ مني". " ليكن ذلك درسا لك". " لست على أستعداد لتحمّل هذا الوضع , لن أسمح لك بهمالي على هذا الشكل". أقترب منها دورين وأمسك بذراعها بقوة جعلتها تصرخ ألما وقال : " لا أتلقى أوامر من أمرأة , أتفهمين ذلك؟". " دورين أنك تؤلمني". " وسأستمر في تعذيبك حتى يصبح واضحا لديك أنك هنا تتلقين الأوامر ولا تصدرينها , فألزمي مكانك وألا ندمت ". وتخلى عنها متوجها الى الباب فقاطعته بصوت مرتعش: " هل ستتصرف على هذا النحو طيلة بقائنا هنا؟". " وماذا تعنين ( عل هذا النحو ) ". " أعني هل تنوي تمضية أوقاتك برفقة تانيا وتركي بمفردي؟". " نعم أنوي التمتع بوقتي وبرفقة تانيا". نظر اليها بأزدراء وسخرية ثم أضاف : " آسف أذا أزعجك الوضع , لكن اللوم يقع عليك". " أذن تود الأنتقام؟". " ولماذا يهمك الأمر ؟ فأنت تنوين الأنفصال عني في السنة القادمة". الأنفصال ...... نعم ذلك مشروعها من دون شك , لكنها أدركت الآن أن الأنفصال عن دورين سيمهد الطريق أمام تانيا للأستيلاء عليه. " لنفرض أنني قررت ألا أنفصل عنك؟". " قرري ما تشائين لكن بقاؤك معي سيكون خاضعا لشروط عليك التقيّد بها". " وما هي؟". " القبول بأن تلعبي دور الزوجة اليونانية". " أن أصبح عبدة لك ؟ أبدا". لم يجب دورين بل فتح باب الغرفة وخرج. راحت تانيا تتجول داخل اليخت متأملة أرجاءه معبرة عن أعجابها وتقديرها ورغبتها بالسفر على متنه. وقال لها دورين: " رغبتك ستتحقق فأنت مدعوة للسفر معنا الى زاسوس , ما رأيك؟". " دورين هذا لطف منك , أمي مضطرة للعودة الى أنكلترا لكن بأمكاني البقاء من دون شك". وقالت السيدة لوزار مخاطبة أبنتها , وغير مبالية لوجود جولييت : " بكل تأكيد يا عزيزتي , لا تدعي فرصة كهذه تفلت من يدك". تجمد الدم في عروق جولييت , فهي للمرة الثانية في حياتها تخضع للذل والأهانة ومن الرجل نفسه , معاملته لها أشبه بمعاملة السفاح لضحيته , لن يطول تعذيبه لها فهي ستغادره حال وصولها الى زاسوس. " أعلينا مغادرة ايخت الآن؟". وأجاب دورين على سؤال تانيا: " لا تنسي أن اليخت في حالة تصليح , لا نستطيع البقاء هنا لوقت طويل". " آه , صحيح , نسيت ذلك يا عزيزي دورين". وتوجهوا الى الفندق من جديد , كانت جولييت تتمنى لو أن بمقدورها مغادرة دورين على الفور , فهي لم تعد تقوى على تحمل المزيد من الأحراج , لكنها لم تر أي سبب يدعوها للرحيل الى أنكلترا مباشرة , تاركة حاجياتها في زاسوس , وخاصة أنه لم يكن بجعبتها سوى القليل من المال. قضى دورين معظم أوقاته برفقة تانيا خلال الأيام الثلاثة التي تلت , بقيت جولييت بمفردها فقررت أن تستغل فرصة وجودها في رودس لزيارة الأماكن الأثرية المهمة , كانت صباح كل يوم تنضم الى مجموعة من السياح للتجوال حول الجزيرة: وسألها دورين مرة خلال تناولهما طعام الفطور: " الى أين ستذهبين اليوم". " ولماذا يهمك الأمر؟". " مجرد لباقة مني لا أكثر". " شكرا , لا تزعج نفسك". " جولييت أريد منك الأعتناء بنفسك". لم تجب جولييت , كانت تحاول تفسير عواطفها نحوه ,لماذا يؤلمها أهماله لها؟ لماذا تشعر بعذاب رهيب يمزّق أحشاءها ؟ أهي تعاني من الغيرة؟ لا .... مستحيل... " لم تسعدني دعوتك تانيا لمرافقتنا الى زاسوس". " ولم لا ؟ فتانيا صديقة أعرفها منذ زمن". ضحكت جولييت وأجابت: " أنت أول رجل يرافق أمرأة أخرى خلال شهر العسل مع زوجته". " وما الذي يجعلك تعتقدين أنها كانت أمرأتي؟". " كانت في الماضي ومن الأرجح أنها عادت تتربع على لعرش نفسه". " كانت ؟ ومن أخبرك ذلك؟". " لا أحد , أعرف ذلك". قال وهو ينظر اليها بأمعان : " تعرفين ذلك؟ أمر غريب". " وأين الغرابة ؟ الأمر واضح". " توصلت الى أفتراض خطير وعليك الآن تزويدي بتبرير له". " لست مستعدة لدعم أفتراضي أو أيجاد تبربر له , يكفي أنني أعلم أنكما كنتما عاشقين في الماضي". وساد الصمت بينهما , بدا التفكير على وجه دورين ثم قال : " كما أخبرتك سابقا , أنك تثيرين حيرتي , فهنالك غموض يحيط بك". وبدا عليه العبوس ثم أستطرد قائلا: " وكأن هناك شيئا تخفيه عني , مما يجعلني أتساءل من جديد عن هدف زواجك مني". " تعرف الهدف". |
بدأ قلبها يخفق بسرعة وتظاهرت أنها تجهل معنى سؤاله وقالت:
" سؤالك لا ضرورة له". " صحيح ؟ أخبريني من جديد أذن , وأريد الحقيقة هذه المرة , فأذا كنت تصرين على أخفائها عني , سأضطر للألتجاء الى طرقي الخاصة لأرغامك على البوح بها". شحب لونها وشعرت بقلبها ينفجر , لكنها جمعت قوتها وعزمها ولم تيأس بل أخبرته , رغم الشك الذي يساوره الأن , بأنها تزوجته من أجل ماله , بدت الحيرة على وجه دورين , وكأنه لم يصدق قولها بعد الآن , أجاب: " لكنك مستعدة للأنفصال قبل حصولك على المال؟". " لم أكن أتوقع أن تعاملني بهذه القسوة". " أذن أكتشفت أن خطتك فشلت , وحبل الكذب قصير ". " الذي أكتشفته هو أن كلينا نزغب بالأنفصال". " ولماذا تعترضين أذن على قدوم تانيا معنا الى زاسوس ؟ أتلعبين دور الزوجة المضطهدة الآن؟". لم تجب جولييت , فقدت الصبر على الأستمرار في هذا الحديث , لذلك غادرت الفندق في صحبة مجموعة من السياح , وحملهم الباص الى قرية لندوس , وهي من أشهر قرى جزيرة رودس. منتديات ليلاس جلست جولييت قرب رجل جذاب أسمر اللون طويل القامة , حاول التحدث اليها عندما رآها وحدها , فبادلته الحديث وشيئا فشيئا توطدت العلاقة بينهما , وأنضم الى شملهما رجل آخر , كان في الخامسة والستين من عمره , يعمل صحافيا وهو في رحلة حول الجزر اليونانية يكتب أنطباعاته عنها , بات الحديث بينهم مشوقا , ونسيت جولييت همومها وشاركتهما التمتع بالرحلة. وعندما وصل الباص الى المكان المتوقع , بقيت جولييت برفقة ليونارد الصحافي , وجاك , الشاب الآخر. قرروا زيارة الأكروبوليس معا , وعندما بلغوا المكان المقصود , راحوا يتأملون عظمته وروعته وسيادة أجوائه , كانت أعمدته الشامخة ترتفع بجرأة لتتحدى الشمس , وتعانق السماء وزرقة البحر. كان المكان يغص بالسياح , تسمع فيه لهجات متعددة كالفرنسية , والأنكليزية , والألمانية والسويدية وغيرها. أستأذن ليونارد من جاك وجولييت , أذ كان عليه الأختلاء بنفسه لفترة قصيرة ريثما يدوّن ملاحظاته عن المكان , أشرق وجه جاك فقد كان ينتظر هذه الفرصة لينفرد بجولييت , فدعاها لزيارة القلعة برفقته , وافقت جولييت وهي تضحك في سرها. ماذا لو تخبره أنها في رودس لأمضاء شهر العسل مع زوجها ؟ " لنجلس قليلا , بدأت أشعر بالتعب". نظرت جولييت حولها باحثة عن مكان للجلوس ثم قالت: " ترى! هل يمكننا أيجاد مكان مناسب؟". " أعرف مكانا في المدينة لا يبعد سوى مسافة قصيرة فما رأيك؟". " ليونارد؟". " سأذهب لأخبره عن مكان وجودنا لينضم ألينا حال أنتهائه من الكتابة". وترك جاك جولييت بمفردها , وبعد دقائق فوجئت جولييت بسماع صوت خالتها قادما من وراء الجدران حيث كانت واقفة: " مؤسف أن دورين أضطر لألغاء موعده معك". " تلقى مكالمة هاتفية طارئة , يبدو أن المسؤولين عن تصليح اليخت بحاجة اليه لتقرير أمر ما". " هل أخبرك شيئا عن زوجته؟". " لا , أنه لا يذكرها أبدا". " من الواضح أنهما تشاجرا , يظهر أنها تزوجته طمعا بثروته وأنه أكتشف نواياها وقرر وضع حد لعلاقتهما". " طمعا بثروته؟ لكنها أذكى من أن تقر له بالحقيقة وخاصة خلال شهر العسل". " لماذا يهملها أذن مفضلا وجوده برفقتك؟". " لأنه كان يحبني الى حد الجنون وأكتشف أنه لم يزل يحبني". " ولماذا لم يعرض عليك الزواج ؟ تعلمين كم نحتاج للمال في هذا الوقت , فنحن بحاجة لمغادرة المنزل في دورست والأستقرار في منزل آخر يناسب مكانتنا الأجتماعية". " وما الذي يجعلك تعتقدين أنه لو كان زوجي لأغرق أهلي بالمال؟". " أنها تقاليد اليونانيين , فهم حريصون على أرضاء والديهم". " لو أستطيع أقناعه بالتخلص منها ! فهو ملكي قبل أن يصبح لها , لو قبل بالمكوث معنا لمدة أطول لكنت نجحت في أن أجعله يطلبني للزواج". " لا تنسي أنه دعاك الى منزله , يدل ذلك على أنه لا يحب زوجته بل يهتم بك أكثر , عليك أستغلال هذه الفرصة وتحويلها لفائدتك". " لا أفهم لماذا تزوجها ؟ أعلم أنها جميلة المظهر , ولا شك أن دورين أفتتن بها ولكن ما الذي دفعه الى الزواج منها؟". " أتعنين أنه على عليه الأكتفاء بصحبتها؟". " نعم , فلو فعل ذلك لكان من السهل التخلص منها الآن , لقد ملّ منها ولا شك". " يمكنه أن يطلقها ". " أليس الطلاق صعبا في اليونان؟". " لا , لا شيء صعب على دورين , لم يبق لديك سوى محاولة الأستيلاء عليه". لاحظت جولييت جاك يقترب منها فأبتعدت عن الجدران بسرعة. " جاهزة؟". أومأت برأسها وهمت بمتابعته. " تعالي أذن سنذهب لتناول شراب مرطب , لن يستطيع ليونارد الأنضمام ألينا , قال أنه يشعر بالتعب وسيعود الى الفندق". |
توجها الى ساحة المدينة حيث جلسا يتناولات عصير الليمون الطازج , وبدأ جاك بالحديث قائلا:
" لأخبرك عني : أنا تلميذ في كلية التربية وأنت؟". " زوجة في شهر العسل". " ماذا ؟ ولكن أين زوجك؟". " أضطر للذهاب الى مكان آخر". " لكن..... ألم تقولي أنكما في شهر العسل". " صحيح , لكننا نفضل الأنفصال عن بعضنا بين الحين والآخر ولمدة موجزة طبعا". رمقها جاك بنظرة قلقة ثم قال: " هل أنت سعيدة في زواجك؟". ضحكت جولييت وأجابت: " طبعا". لكن الحقيقة فهي لم تزل تفكر بما سمعته على لسان تانيا وخالتها...... لا تقوى على التفكير بتانيا زوجة لدورين , كان جاك على وشك أن يتكلم من جديد عندما لمحت جولييت تانيا تقترب منهما , ألقت عليهما التحية ثم قالت: " لم أعلم بوجودك هنا , هل جئت برفقة فريق من السياح؟". " نعم". " وأنا كذلك , كان يمكن أن تأتي معنا , هل بوسعنا الأنتقال أليكما؟". وأنتقل نظرها الى جاك , لكن جولييت أجابت: " آسفة , فنحن بأنتظار شخص آخر سينضم الينا عن قريب". " آه....... الى اللقاء أذن". وذهبت تانيا لتنضم الى والدتها. وفي المساء عادت جولييت ال الفندق , وقع نظرها على تانيا ووالدتها تتحدثان الى دورين , تجاهلت وجودهم وتوجهت الى غرفتها , وهناك أنضم اليها دورين بعد لحظات قصيرة , ويبدو عليه غضب شديد , فسألته جولييت: " ما الذي يقلقك ؟ تبدو على وشك الأنفجار!". " الى أين ذهبت اليوم؟". " الى لندوس". " ومن يكون الرجل الذي كان يرافقك؟". " آه...... أخذت تانيا على عاتقها أمر التجسس عليّ". " طرحت عليك سؤالا , من يكون هذا الرجل؟". " جاك , تعرفت عليه خلال الرحلة". هدأ دورين قليلا ثم أضاف: " أحذرك من أعادة هذا التصرف مرة أخرة , وطيلة المدة التي ستكونين خلالها زوجتي , عندما ننفصل يمكنك التصرف كما تشائين". " وأنت؟". " أمر لا يتعلق بك". " هل ستتزوج تانيا؟". " ربما ". "لماذا لم تتزوجها من قبل؟". " لم يفت الأوان بعد , أرتكبت غلطة يجب أصلاحها الآن". " أذن تتمنى لو تزوجتها منذ زمن؟". أبعد نظره عنها وبدا على وجهه الأكفهرار , شعرت جولييت أن شيئا في داخلها قد أنطفأ , أحست أنه لم يعد لوجودها على هذه الأرض أي معنى , ما سبب هذا الفراغ الذي حل في أعماقها ؟ أيمكن أنها لا تزال تحب هذا اليوناني الذي لا يقهر؟ كانت تنتظر ردا على سؤالها , فأجابها دورين بصوت جامد , مجرد من أي تعبير : " نعم , أتمنى لو تزوجت تانيا منذ زمن". |
10- جسر العودة
تنفست جولييت الصعداء حين رسا اليخت في مرفأ زاسوس, فقريبا سيحملها البحر الى وطنها من جديد , ستعود الى حريتها ..... الى حياتها الخاصة وأمورها الشخصية تاركة وراءها دورين وتانيا يقرران مستقبلهما , تجاهلها زوجها طوال الرحلة وطرّس وقته لتانيا , مما أضاف لشعور جولييت بالوحدة والنبذ , لكنها قررت الآن ترك هذه الفترة من حياتها والأستعداد لمستقبل أفضل. وصلت المنزل وصعدت الى غرفتها وفي ذهنها تحتشد أفكار متشابكة ومتضادة , حاولت درس الموقف بدقة ووضع مخطط لهربها يمكّنها من مغادرة المنزل والجزيرة دون معرفة دورين , ألا بعد فوات الأوان. ستجمع حقائبها تاركة وراءها جميع الثياب والجواهر التي أشتراها لها , وغدا ستتولى مهمة شراء تذكرة السفر. منتديات ليلاس جلست جوليييت في غرفتها , تنظر حولها بكآبة وندم , ماذا حل بحياتها ؟ فمنذ شهرين فقط كانت مطمئنة الباب , هادئة الأعصاب, صافية الذهن , سعيدة ومستقرة , شاء القدر أن يجمعها بدورين كوراليس من جديد , فأشتعلت في داخلها نار الحقد والكراهية , راهنت بكل ما بنته وحققته خلال السنوات التسع الماضية لأجل هدف واحد : الأنتقام , وها هي تحصد ثمار ما زرعت , وستعود الى لندن لتحاول بناء حياتها من جديد , لكن الأمر لم يعد سهلا كما تخيّلته ,حين أعدت مخططها في البداية , هناك شيء لم تتوقع حدوثه , شيء ولد في داخلها وبدأ ينمو وينضج رغم محاولتها اليائسة في مقاومته , وفي خنق جذوره ودفنها الى الأبد. أخذت جولييت من حقيبتها كتابا , غلافه من الجلد الأصلي المرصع بكتابة ذهبية , ونظرت اليه نظرة حنان , كانت ماغ قد قدمته لها هدية لأنها تعرف حبها للمطالعة وخاصة مطالعة الشعر , فأشترته لها من حانوت يتاجر في بيع السلع المستعملة , أخذت الكتاب وتوجهت الى الصالة حيث جلست تطالع , أنفتح الباب بعد قليل ودخلت منه تانيا مرتدية ثوبا للسهرة , مصففة شعرها , مزينة وجهها وكأنها على أستعداد للخروج وقضاء السهرة في أفخم فندق في المدينة, ولدى رؤية جولييت قالت: " آسفة , أعتقدت أنني سأجد دورين هنا , لكن بما أننا بمفردنا , سأغتنم الفرصة للتحدث اليك , أعلم أنني فاجأتك بوجودي هنا , لكنني سأدخل في الموضوع مباشرة , متى ستنفصلين عن دورين؟". " أنفصل عن دورين ؟ وهل قال لك أننا سننفصل؟". " أذا أجبت نعم فماذا ستفعلين؟". " سأذهب اليه حالا وأعترض". " هذا ما كنت أخشاه , لأقل لك الحقيقة أذن , عندما كنت في طريقي الى غرفتي ليلة أمس , صادف أنني مررت من أمام غرفتكما وسمعتكما تتشاجران , كان دورين يستفهم عن الرجل الذي كنت في رفقته , أتذكرين؟". " أذكر , أذن كنت تستمعين الى حديثنا من وراء الباب". " لم أفعل ذلك عن قصد". " لا أصدقك , لكن أكملي حديثك". " سمعت دورين يقول أنكما ستنفصلان , وأنه من الممكن أن يتزوجني بعد ذلك , طبعا بعد تتمة الطلاق بينكما". " طبعا , وماذا أيضا؟". " سمعت ما يكفي لأقناعي , أن دورين ما زال يحبني ويرغب أن يتزوجني , حتى أنه أعترف بأن أنفصالنا كان غلطة يجب أصلاحها". " ربما سمعت ما يطرب آنذاك , لكنك ستسمعين الآن ما أريدك أن تسمعيه , وهو أن أمكانية زواجك بدورين مستحيلة , أذ لست على أستعداد لمغادرته , لا الآن , لا الغد ولا في أي وقت آخر , فأن كان لم يزل لديك قليل من عزة النفس , أنصحك بجكع حقائبك ومغادرة منزلي حالا". " منزلك ؟ لن يصبح هذا منزلك أطلاقا , ستضطرين الى الرحيل , دورين سيهتم بذلك , أنه يريدني أنا , أتسمعين؟". " لا أرغب في مناقشة هذا الموضوع , أريدك فقط أن تعلمي..... أذا كنت تسعين لأحتلال مكاني , فعليك الأنتظار لوقت طويل جدا". ووقفت جولييت تستعد لمغادرة القاعة , لكنها أفلتت كتابها من يدها ووقعت منه صورة على مقربة من تانيا , أنحنت تانيا لتلتقط الصورة , وحين وقع نظرها عليها شهقت لشدة دهشتها وقالت: " من أين لك هذه الصورة؟". أدركت جولييت أنها في مأزق , فالصورة صورتها قبل عملية التجميل , الصورة التي ألتقطها لها دورين .. بعد أن أطلعت ماغ عليها وضعتها داخل الكتاب ونسيت كل شيء عنها , كيف ستشرح لتانيا هذه الصدفة ؟ |
" سألتك من أين حصلت على هذه الصورة".
" لكن لماذا يهمك الأمر؟". " أتعلمين صاحبة هذه الصورة؟". " لا". ووجدت جولييت الحل لهذه الورطة , فقالت: " قدمت لي صديقة هذا الكتاب كهدية , أنه كتاب مستعمل". " أنها صورة أبنة خالتي , أميلي". " صورة أميلي؟". دخل دورين الى الغرفة فجأة ,وأسرعت اليه تانيا وفي يدها الصورة: " دورين , أتذكر الصورة التي ألتقطتها لأميلي خلال مكوثك معنا؟". " أذكر". " حسنا , ها هي , كانت في الكتاب الذي تملكه جولييت". " جولييت ؟ وكيف تفسرين ذلك ؟ فجولييت لا تعرف أميلي". ونظر دورين الى جولييت نظرة تساؤل فأجابت: " كانت في هذا الكتاب , أشترته لي صديقتي من حانوت للسلع المستعملة". " كانت في الكتاب ؟ دعيني ألقي نظرة عليه". أخذ دورين الطتاب وراح يتفحصه بأمعان . " هل كانت أميلي تملك هذا الكتاب؟". وأجابت تانيا: "لم أره أبدا من قبل , على أية حال لم تكن أميلي من النوع الذي يقرأ كتب الشعر". " صدفة غريبة ". " جولييت وصورة أميلي , جولييت والصوت نفسه , والأسم نفسه وحتى لون الشعر يطابق شعر أميلي". "ماذا؟ كنت أظن أن شعر أميلي أسود اللون". " صبغته , حين وقع نظرها على صورتك , وقعت في حبك وأرادت أن تلفت نظرك اليها فصبغت شعرها أسود لعلمها أنك تفضل السمراوات". بدت على وجه دورين الدهشة وكأنه أصيب بصدمة قوية: " ماذا؟ وقعت في حب صورتي ؟ فصبغت شعرها لتلفت نظري أليها؟". كان يردد ذلك لنفسه بصوت ناعم , ثم أضاف: " لم أكن أعلم........ أعتقدت........". توقف عن الكلام وظهرت على وجهه حيرة عميقة , كانت جولييت تراقبه بدهشة , فهي أيضا بدأت تتذكر الماضي ونزهتها في الغابة مع دورين. " هذه الطفلة ..... أذكر الآن بوضوح أنها كانت غامضة , وأثارت حيرتي , لكنني أعتقدت أنها.......". وقاطعته تانيا قائلة: " دورين لا أفهم ما تحاول أن تقول , أنت بنفسك قلت أن أميلي كانت مجردة من أية أخلاق". " قلت أن على والديك مراقبة تصرفاتها , نعم قلت ذلك , لكنني لم أعلم أنها وقعت في حب صورتي , لم تذكري لي ذلك أبدا". " وماذا كان ينفع أن أذكر قصة سخيفة كهذه؟". " كان كل شيء تغيّر , أخطأت في حكمي على هذه المسكينة , وأنا الذي أفخر بكوني عادلا". " ألا ترى كيف أنها حاولت أغراءك وهي لا تستحق حتى أن تكون لك خادمة؟". " هذا يكفي......". كان دورين في حالة غضب شديد , وأدركت تانيا أنه فعلا تأثر لهذه القصة ,أذ تابع قوله : " لن نتحدث عن هذه الطفلة بعد الآن ". " طفلة؟ لم تكن طفلة بل فتاة ماكرة كالثعلب , لكنها تلقّت الدرس الذي تستحقه .......". " ماذا تعنين بذلك ؟". تلت عليه تانيا القصة التي جرت بعد رحيله , وكيف أن الجميع عرفوا بما حصل ولم يعد يحترمها أحد من سكان القرية , أرتفع حاجبا دورين لسماعه ذلك وسألها قائلا: " وما كانت نتيجة هذا الأضطهاد الذي تدعينه عقوبة؟". ترددت تانيا قليلا ثم أجابت : " النتيجة أنها هربت". " بمفردها؟". " أعتقد.......". " ألم تذكري سابقا أنها هربت برفقة رجل ؟ أكنت تكذبين؟". تجهم وجه تانيا لوهلة وبدا عليها التفكير , كانت تحاول أختيار كلماتها , فأجابت: " لا أفهم معنى هذه المناقشة , لماذا هذا الأهتمام المفاجىء بأميلي؟". " لأنني أدركت الآن أنني أخطأت فهمها , قلت من قبل أنكم أعتنيتم بها على أحسن وجه , قدمتم لها الحب والعطف والعناية المادية , فلم أرى أي دليل على ذلك خلال وجودي معكم". " ما زلت لا أفهم". " أن كان هذا الكتاب يخص أميلي , فمن المعقول جدا أنها فارقت هذه الحياة". " وما الذي يجعلك تفكر ذلك؟". " لأن الكتب تصل الى حانوت السلع المستعملة , متى توفي صاحبها". وقفت جولييت تراقب زوجها وتانيا بصمت , محاولة أن تتابع ما يجري , أخذت تنظر الى دورين بعينين جديدتين , وكأنها تراه لأول مرة , كانت تشهد في زوجها حقيقة لم تكن تدرك وجودها من قبل , أتضح لها فجأة من خلال حديثه أنه لم يقصد أيذاءها أبدا , وضاعت من قلبها رغبة الفرار , فهمت الآن أن الشعور الذي كانت تقاومه بشدة , محاولة أحباطه , هو شعورها بالحب أتجاه دورين , أحبته منذ سنوات , ولم يختف هذا الحب أبدا , بل ظلّ دفينا في أعماقها ينتظر ساعة الفرج , وها هي ينبثق الآن لكن جولييت فقدت آخر فرصة لها بأسترجاع سعادتها , فدورين لن ينسى الأسى الذي سببته ل , وقطعت تانيا حبل أفكارها حين قالت: " لا أعتقد أن أميلي توفيت". وأجاب دورين بلؤم : " أذن لماذا لم تسمعوا عنها شيئا منذ رحيلها؟". " وهي لم تهتم لما حلّ بنا أيضا". |
كان الأضطراب باديا على وجه دورين , وكأنه يؤنّب نفسه لما حل بأميلي , فهو يدرك الآن أنه أساء فهمها وأخطأ في حكمه على تصرفاتها , بات واضحا لديه أن أميلي لم تكن سوى خادمة لأسرة لوزار الذين كانوا يدّعون دائما أنهم يغرقون عليها العطف والحب والحنان , وقالت جولييت لدورين بصوت رقيق:
" دورين , لا تقلق فأميلي بخير". نظر اليها دورين بفضول وقال : " أتحاولين التخفيف من قلقي". " نعم". كانت تانيا تنظر الى جولييت نظرة ساخرة وقالت: " لا أدري لماذا الأهتمام بهذه الفتاة الحقيرة , فهي لم تسبّب لنا سوى المتاعب , ولا شك أنها الآن متزوجة بفلاح يلائم مقامها وأنجبت له أولادا كثيرين , لا بد أنها الآن منهمكة بأعمالها المنزلية". عند سماعها هذه الكلمات لم تعد جولييت تقوى على تحمل المزيد من الشتائم والأهانات , ولم تعد تأبه للأحتفاظ بسرها , فقالت مخاطبة تانيا: " أميلي لم تتزوج بفلاح , وليست منهمكة في العناية بأمور سخيفة , كم تكرهين أبنة خالتك وتحتقرينها ! وكم أنت واثقة من أنها تعيش حياة قذرة , فهذه الفتاة التي وصفتها بالقبح والدناءة , هذه اليتيمة التي لم يكن لها أي أعتبار لدى الأسرة التي تظاهرت بالأعتناء بها , حققت لنفسها حياة محترمة وجديرة بالتقدير , نعم , وجدت أميلي أسرة تؤمن بالأنسانية وفعل الخير , فأحتضنتها وأعادت أليها الأمل بهذه الحياة وبالعالم من حولها". ساد الصمت بينهم لحظات بدا كأنها لن تنتهي , بالنسبة الى جولييت , كان الستار أنسدل على مسرحية بلغت نهايتها , ولم يعد في الأفق سوى شعاع ضئيل يبشرها بأبتداء نهار آخر في الغد القريب , لم يعد أمامها سوى الرحيل , ستعترف لدورين أنها تزوجته رغبة بالأنتقام ,وأنها ليست حاملا بل أستعانت بهذه الكذبة لتتحرر من سجنها , لن يحاول منعها عن الرحيل , بل سيدعها تغادر الجزيرة بسلام , ولا تعتقد أنه بعدما حدث سيسمح لتانيا بالبقاء أيضا , ولتضع حدا لتساؤلاتهما قالت: "أليس واضحا لديكما الآن أني أميلي؟". ثم أضافت : " عندما تركت القرية تعرضت الى حادث". وهتفت تانيا وهي ما تزال تتساءل عما يجري: " حادث؟". " حادث أرتطام بباص , كنت في حالة قلق شديد , كنت خائفة على مستقبلي وكيفية أعالة نفسي , فأجتزت الطريق من دون النظر الى ما حولي ......". وأخذت جولييت تسرد عليهما القصة كما حصلت ثم ختمتها قائلة: " هذه قصتي بكاملها , دورين , أما بالنسبة اليها......". ورمقت جولييت تانيا بنظرة أحتقار ثم أضافت: " لم تعد بيننا أية صلة على الأطلاق , وأتمنى ألا أراها أو أهلها من جديد أبدا ولبقية حياتي". ولم تستطع السيطرة على نفسها بعد هذا , وقد أعماها شعورها فتركت الحجرة وأغلقت الباب وراءها بهدوء. منتديات ليلاس ولم يمض على وجودها في غرفتها سوى دقائق معدودة حتى دخل دورين , أقترب منها وقال : " تانيا تستعد للرحيل". شحب لون جولييت وتساءلت عما يدفعه لأخبارها بذلك فقالت: " هذا ليس من شأني". " بل أنه من شأنك". كان صوته ناعما , حنونا , كما أعتادت أن تسمعه في بداية زواجهما , فقالت: " أتعني أنك تريدني أن أبقى معك؟". " أحببتني مرة..... أتضحت لي الآن طبيعة تصرفاتك الماضية وسببها فأنت تزوجتني رغبة بالأنتقام أليس كذلك؟". " نعم". " لا أقوى على لومك , فلو كنت أنا في مكانك لتصرفت بالمثل , يسعدني أن زواجك لي كان بدافع الأنتقام ولم كن طمعا بالثروة". أومأت جولييت برأسها وأجابت: " ليس للمال أي أهمية لدي ". " وهذه الرغبة بالأنتقام , هل رافقتك منذ رحيلك عن القرية؟". " شعرت نحوك بالضغينة طوال السنين الماضية , لكنني لم أتوقع أن تسنح لي الفرصة حقا للأخذ بثأري". " جولييت ..... أحبببتني في الماضي...". " وما زلت أحبك ". |
أقتربت منه بقلب جديد , كان التوتر بينهما قد أنقشع كالسحابة , والعاطفة التي تجمعهما أخذت تشعرهما بنفسها فجأة وتركا لقلبهما حرية الشعور بالحب , تحطمت الحواجز أمامهما , هبط الجدار.....
همس دورين في أذن زوجته : " جولييت , حبيبتي , كم ظلمتك وأسأت فهمك , لم أدرك أن تصرفك ذلك الحين , منذ تسع سنوات , كان ناتجا عن حبك لي ". " ربما ما حصل لي , كان في النهاية لفائدتي , أذ أضطررت الى مغادرة لقرية وشق طريقي بنفسي , وألا لما كسبت ثقتي بنفسي وبالعالم". " أعلم أنك تحاولين التخفيف عن شعوري بالذنب , لكنني لا أستحق ذلك". لم تجب جولييت , بل تطلعت في عينيه بشوق , مدركة أن الوقت حان لتخبره أنها ليست حاملا لكنه فاجأها بقوله: " لست حاملا , أليس كذلك؟". " ولكن كيف عرفت الحقيقة؟". "فكرت أنك ربما لجأت الى هذه الحيلة لكونها السبيل الوحيد لكسب حريتك , أعلم أنني عاملتك بطريقة رهيبة ....... أرجو أن تسامحيني.....". " لكن معاملتي لك كانت أسوأ بكثير , أردت تحطيمك , تجريدك من عزة نفسك وكبريائك , أردت أيذاءك وحاولت جهدي أن أنجح في محاولتي". " لا يا عزيزتي......". " لا بل نعم". " حبيبتي لا أسمح لك بمشاجرتي منذ الآن , فما أقول أنا هو الحقيقة , وعليك القبول بها دون أعترض". وظهرت على وجهه أبتسامة الرضى , وبرقت عينا جولييت من الفرح والسعادة . " سأتذكّر ذلك , لن أتشاجر معك أبدا ". " تانيا....... لم تعن لي شيئا على الأطلاق , كيف يمكنني أقناعك بذلك؟". " هل كان أهتمامك بها لأجل أيذائي؟". أومأ برأسه وأجاب: " نعم , كما أنني دعوتها للمكوث معنا للسبب نفسه , أردت أحراجك وأحتقارك". " دورين , لننس الماضي وأحزانه , ولنركّز على المستقبل الذي ينتظرنا". فتح دورين لها ذراعيه وهو يحدق في عينيها الساحرتين , وأجاب : " كل ما أريد أن أفعله الآن هو أن أردد على مسمعك ليل نهار , ومرة بعد مرة كم أحبك!". لم يكن لجولييت أي أعتراض على ذلك , فدفنت رأسها في صدره وأغمضت عينيها بأمان , غمرها دفء الطمأنينة فهي وجدت أخيرا جسر العودة الى ذلك الشعور الذي ولد في أعماقها منذ سنين طويلة , بعيدة , لكنها فقدته وضلت طريقها اليه , وها هو يعود كالحلم المستعاد , كم يحلو العيش في ظله! وأغمضت عينيها............ تمت |
يسلموا يسلموا يـــــــــــــــــسلموا حبيبتى ويعطيكى مليون الفالفالف عافيه
|
مجهود رائع وعطاء متميز
الف شكر لك حبيبتي فريال http://www.nidokidos.org/files/fall_...k5_400_172.jpg |
روووووووووووووووووووووعه
|
رائعة جدا:wookie:
|
الله يديكي الف عافيه على مجهودك
|
تسلمين ع الروايه الجميله |
شكرا روايه حلوه بجد
|
روعه الروايه شكرا
|
تحففففففففففففففففففففففففففففه
:8_4_134: |
:Supercool::55:برافو :55:برافو :55:برافو :55::361:تسلمين ياغاليه روايه مرررررررره رائعه:winking_doll: واستمتعت وانا اقراها:350: :f63:اهنائك على الاختيار الممتاز :25::110:واشكراك على مجهودك :band1::wookie::6tfdsc:وننتظر جديدك:8680010521::party::slamtk:
|
:rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1: :rdd12zp1::rdd12zp1:
|
رد: 109 -أعدني الى أحلامي - آن هامبسون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
كل الشكر لمجهودك فرولايا واتمنى ترجعى تورينا بطلتك العطرة
|
رد: 109 -أعدني الى أحلامي - آن هامبسون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ارواية جميلة جدا روعة بصراحة تسلم ايديكى |
رد: 109 -أعدني الى أحلامي - آن هامبسون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
رووووواية جميلة تسلم ايدك يا عسل
|
رد: 109 -أعدني الى أحلامي - آن هامبسون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
مشكوره قصه ولا اروووووع
|
رد: 109 -أعدني الى أحلامي - آن هامبسون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
حلوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو وووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووه
|
رد: 109 -أعدني الى أحلامي - آن هامبسون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
سلمت الايادي ^^ |
رد: 109 -أعدني الى أحلامي - آن هامبسون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
يعطيك ألف عاااافية
|
رد: 109 -أعدني الى أحلامي - آن هامبسون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
قريت ها الرؤؤااااايه ومع هيك مابمل منها ودايما بفتحها لحتى اقراها
شكراااا ليكي لانك كتبتيها الناااا |
ممكن رابط لتحميل الرواية على الجهاز ؟؟؟
|
رد: 109 - أعدني الى أحلامي - آن هامبسون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
حلوووووووووووكتيييييييير
|
رد: 109 - أعدني الى أحلامي - آن هامبسون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
جدا احداثها مشوقه يسلمووووو
|
رد: 109 - أعدني الى أحلامي - آن هامبسون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
رواية رائعةشكرا لك
|
الساعة الآن 03:39 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
شبكة ليلاس الثقافية