منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f498/)
-   -   [قصة مكتملة] جنون المطر / بقلمي برد المشاعر (https://www.liilas.com/vb3/t202439.html)

ملكة الجليد 17-08-16 08:39 PM

رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر
 
فيتو امتي البارت

missliilam 17-08-16 08:51 PM

رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر
 
‎مي نيم اهلًا بيك فرحت والله لمن شفت اسمك ولا يهونوا بقية الحاضرين عقبال ما تنورنا ميشو ... كل ده عشان تفاحة ؟؟؟ طب حعملها سلطة فواكه المهم تشرفي !!!!😫😫😫😫😫😭😭😭😭
‎الله يطمنا عَلَيْكِ قادر ياكريم بت يا غسق قولي آمين جعلك التفاح الثمين😈😈😈😈😈😈😈😈😈😈😈😈

فيتامين سي 17-08-16 09:00 PM

رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر
 



جنون المطر (( الجزء الأول ))

الفصل الرابع عشر

المدخل~

بقلم الغالية :همس الريح

اذكرك ..كلما عز الوصال
و انبعثتِ من ثنايا الذاكره

اذكرك بعدٌ ليس فيه احتمال
ان نلتقي و لو للحظه عابره

اذكرك لمحة من خيال
غيرت نظر العيون الساحره



من جبران لغسق ...


****


اتكأت بكتفها ورأسها على إطار النافذة الطويلة المفتوحة مكتفة يديها

لصدرها وغابت بنظرها للسماء الصافية البعيدة وكم يذكرها هذا بحالها

تشعر أن جسدها هنا وروحها هناك , أنها منفصلة تماما عن واقعها ولا

تعلم بما تسمي حالها ووضعها .. سجينة أم أسيرة أم ضيفة غير مرغوب

بها وهي ترى أنها آخر من يقرر في وضعها ومصيرها ولا تسمع سوى

جملة ( مطر من يقرر ) أحيانا ترى نفسها تستحق ذلك وهي من وضع

نفسها فيه وأحيانا تضع كل لومها عليه لأنه انحرف عن أطباع وعادات

عُرف بها زعمائهم على مر السنين أن المرأة خارج إطار حروبهم الدامية

ونزاعاتهم وأحقادهم وهي تراه يحتجزها كالفراشة لا يحق لها ولا الرفرفة

بجناحيها في مملكته , سجينة غرفة لا تغادرها أبدا وكل شيء ممنوع

عنها , حتى عمته تلك لم تراها إلا بعد عودته .

تلألأت عينيها ببريق الدموع ولازالت محدقة بالسماء فأغمضتهما ببطء

ليختفي سواد حدقتيها خلف جفنيها الواسعين وهي تسدل رموشها الكثيفة

عليهما وتنفست بعمق , حتى الهواء ورائحة النباتات لا تساعدها لتتخيل

نفسها هناك وأنه لم يحدث كل هذا , أنها لازالت في منزلهم ولا يأتي

عليها يوم لا ترى فيه والدها وعمتها وتحدث من غاب من أشقائها هاتفيا

كم تفتقد لكل تلك التفاصيل الصغيرة رغم أنها خاطرت ودخلت هنا بحثا

عن أهلها وعن عائلتها الحقيقية , فتحت عينيها مجددا ونظرت للجزء

الظاهر من سور المنزل من بين أشجار الحديقة الواسعة فحتى الأسوار

هنا تختلف عن أسوار منازلهم هناك ولطالما سمعت أن ثمة اختلاف كبير

بينهم في أغلب الأشياء والعادات وحتى الملابس , كانت منازلهم تأخذ

قليلا من الطابع الغربي , غرف حتى في الطابق الأرضي ويعتمدون على

النوافذ أكثر من الشرفات وهي طويلة ومغطاة بستائر شفافة , كما وتحوي

الغرفة على أكثر من نافذة , حتى طعامهم لاحظت أنه مختلف عنهم فدائما

ما تتأثر أطراف البلدان بالدول المجاورة لها وترى الاختلاف واضحا بين

أقصى مدن الدولة وأقصاها , تحرك نسيم الفجر القادم من الشرق ولعب

بالخصلات القصيرة من شعرها حول وجهها مضايقة عينيها فمررت

أصابعها فيه رافعة لهم للأعلى وجمدت مكانها وهي تستمع للخطوات

التي تقترب من هذه الجهة ووصلها ذاك الصوت الذي تعرفه جيدا

وتميز بحته الممزوجة بالجدية من بين آلاف المتحدثين , كان

يتحدث في هاتفه ووصلتها كلماته بوضوح قائلا " ستصل

سيارة صخر لتلحق بالبقية أولا ثم نغادر "

ابتعدت عن حافة النافذة وكانت ستدخل لكنها وقفت مكانها وهي تسمع

صوته الذي اشتدت نبرته أكثر وأصبح يقترب من جهتها أكثر " ليس

وقته يا شعيب , نلتقي بزعماء صنوان أولا ثم نناقش ذلك , هل

سنتحدث عنه قبل أن نراهم ؟ "

اضطربت ضربات قلبها وشعرت وكأنها مطرقة تضرب في ضلوعها

وليست تعلم من ذكره لقبائلهم وأنهم مغادرين للالتقاء بهم كما فهمت منه

أم للقدمين والساقين اللتان ظهرتا مقتربتين من هناك !! حاولت التراجع

عن النافذة لكن ساقاها تيبستا تماما وعلمت أنه لا مجال للفرار ولا

المحاولة فأغمضت عينيها بقوة للحظة ثم فتحتهما ونظرت بصدمة

للجسد المنحني عند ذاك المكان الذي وصل له وكان يغلق شيئا حديديا

يأخذ شكل الزهرة يشبه صنبور المياه مثبت في أنبوب حديدي على

الأرض ولم ينتبه لوجودها في تلك النافذة المفتوحة مما جعلها تأخذ

نفسا بارتياح وسرق نظرها شعره الأسود اللامع المصفف للأعلى

وأكتافه العريضة البارزة من تحت سترته الرمادية الغامقة مما جعل

ضربات قلبها تشتد أكثر وتوترها يبلغ أقصاه فعضت على شفتها

السفلى بقوة واضعة يدها على قلبها وتوهجت وجنتيها بشدة ورائحة

عطره بدأت تتسلل مع أنفاسها القوية المتسربة لصدرها , وما أن رفع

جسده قليلا ليقف حتى ارتدت للخلف بسرعة وأغلقت النافذة في حركة

سريعة ولم تعي لنفسها وهي تضربها بقوة أصدرت صوتا قويا لارتطامها

بمكان إطارها في الجدار , وإرتداد صوت زجاجها أصدر صوتا مزعجا

مما أرجف أطرافها وأمسكت فمها بيدها مصدومة مما حدث وما قد

يفهمه الواقف هناك إن علم أي نافذة هي .

بينما جعل ذاك الصوت الواقف في الخارج ينظر بسرعة لتلك الجهة

وتلك النافذة تحديدا وهوا يرى جزءا من ستائرها يتحرك مع النسيم

وقد علق خارج النافذة وذاك الخيال الضئيل الذي يظهر في الداخل

واقفا خلفها , فجال بنظره مدققا أكثر في تلك الجهة وبدأ عقله يربط

المكان بتقسيم الغرف في الداخل ثم سرعان ما التوى فمه بابتسامة

متهكمة باردة وغادر وقد تحولت ابتسامته للسخرية اللاذعة متمتما

" هكذا إذاً يا ابنة شراع "


*

*


صعد حجرين بارزين من السور المرتفع نصف ارتفاع ثم جلس فوقه

ونظر نظرة شاملة حوله ( مؤكد هنا فهوا لا يتغيب كثيرا إلا ويكون

في هذا المكان , وعليا أن أتلقى أسئلة والدته المتكررة وأعاني

من قلقها عليه دائما وعليا طبعا البحث عنه )

قفز من أعلى السور للخارج وتسلل بين الشجيرات حتى وصل

النهر الصغير وسار يسارا يرعي سمعه لكل شيء حوله لعله يجده

قريبا من هنا , وبعد مسافة لمح من بعيد طفلة صغيرة شقراء الشعر

بفستان قصير تنظر لأعلى الشجرة التي تقف تحتها وتحدّث أحدهم

فتوجه نحوها من فوره متمتما " بما أنه يوجد هنا خلية نحل

صغيرة فمؤكد ذاك الدبور بقربها "

وكما توقع ما أن وصل سمعها تقول ناظرة لأعلى الشجرة

" أجل أنت تمسك بها , هي قريبة جدا "

وقف بجانبها ونظر للأعلى أيضا وتنهد بضجر وهوا يرى الجالس

على غصن مرتفع يمد يده بحذر جهة قطة صغيرة تقف على أحد

الأغصان متشبثة فيه بمخالبها وما أن أمسك بها حتى قفزت الواقفة

بجانبه صارخة بحماس وقالت " رائع أنت رائع لقد أنقدت قطتي "

نظر لها للأسفل وقال " حسنا وبما أنه جاء العضو الثاني

في الإنقاذ سأرميها له "

ومن دون أن يفكر حتى في أن يسأله رمى القطة جهة وقاص الذي

تلقاها وهي تعوي بذعر ثم سرعان ما رماها أرضا يمسك يده وشتم

بحنق " سحقا لك يا غبية ولمخالبك هذه "

أمسكت الطفلة بالقطة فورا وقالت وهي تضمها لعنقها وتمسح

على فرائها " آه يا لوسي الجميلة الصغيرة لا تفعليها

مجددا وتصعدي هناك "

ثم رفعت نظرها بالذي لازال جالسا في الأعلى وقال وقاص

ناظرا له " انزل الآن يا جمعية الرفق بالحيوان وأرنا مهاراتك

في النزول كما التسلق "

حرك قدمه قليلا ثم صرخ " أخشى أنه لا مهارة لدي في ذلك "

قالت الطفلة صارخة " اقفز أنت أيضا ليتلقاك هو "

نظر لها وقاص تحته بصدمة فنظرت له نظرة رقيقة وقالت بكلمات

عذبة وبريق في عينيها الزرقاء " أنت قوي أليس كذلك ؟ لقد

أمسكت قطتي "

رماها بنظرة باردة وقال " لا لن تنطلي عليا حيلكم أنتن الشقراوات

وهذه النظرة المخادعة لأفعل ما تردن "

ثم نظر لشقيقه رواح في الأعلى وتمتم بالعربية " وقحات يعلمونكن

هذا من صغركن لتكبرن متمرسات عليه وتوقعن الأغبياء

كالأحمق في الأعلى "

ثم فتح أزرار كميه ورفعهما لمرفقيه وفتح آخران من أعلى قميصه

الأبيض المخطط ثم صعد لبعض المسافة على النتوء في الجذع

العريض ونظر له فوقه وقال " هيا انزل وضع قدميك على كتفاي

وارمي أولا حذائك الأخرق هذا "

خلع رواح حدائه من فوره ورماه للأسفل وفعل كما طلب منه وقفز

من كتفيه للأسفل ثم نزل هو أيضا قافزا فنظرت له الفتاة الصغيرة

وقالت مبتسمة بإعجاب " لقد أنقذته أنت رائع "

نظر لها رواح بضيق ولازال نظرها معلقا للأعلى في وجه وقاص

وقالت مبتسمة " لما لا تنزل لي للأسفل لأشكرك "

نظر لها ببرود وقال " ظهري يؤلمني لا يمكنني الانحناء "

نظرت له بإحباط , وتذمر رواح ويديه وسط جسده قائلا

" هيييه أنا من أنقد هرتك وليس هو "

ابتسمت له من فورها وتوجهت نحوه وقبلت خده وقالت

مغادرة بخطوات راكضة " شكرا لكما "

نظر لوقاص وقال بضيق " أنت لما أطول مني ؟ كان على والدي

أن يتزوج والدتي مع والدتك لكنا الآن في نفس العمر ولست

تكبرني بأربعة أعوام "

ضرب له كتفه وقال مغادرا أمامه " ستطول قامتك فلما الاستعجال

هكذا , وتوقف عن إنقاذ القطط من فوق الأشجار فلن أساعدك

في المرة القادمة "

لبس حدائه سريعا وقال وهوا يلحقه " لا بأس بالتجربة فقد

حصلنا على قبلة صغيرة من شقراء جميلة "

هز رأسه بيأس منه وعادا للمنزل من خلال السور كما خرجا لأن

الدوران حوله سيستغرق وقتا , وما أن دخلا حتى كان جدهما يقف

أمامهما وقال بضيق ونظره على وقاص " أين كنتما ؟
ليخبرني

أحدكما الآن ؟ "

نظرا لبعضهما ثم له وقال رواح " كنا في الحديقة الخلفية "

صرخ فيه بحدة " توقف عن الكذب أو عاقبتك "

ارتجف بخوف ينظر له بصمت وقد نقل هو نظره لوقاص

مجددا وقال بحزم " أين كنتما يا وقاص ؟ "

تحركت نظراته عن جده ونظر من فوره للواقف بجانب السلالم

الذي يتوسط بهو المنزل بعيدا عنهم وينظر لهم مبتسما بسخرية

وعلم أنه من أوشى بهم ولم يكن سوا شقيقهم نجيب , ثم عاد

بنظره لجده وقال بهدوء " كنا عند النهر "

قال بذات حدته " وما تفعلاه هناك وقد حذرناكم من العبث

في تلك الجهة فالمخاطر فيها كثيرة "

شد رواح طرف قميص وقاص عدة مرات ليفهم أنه يرجوه أن

لا يخبره أنه من ذهب وهوا لحقه ليرجعه فقط فقال وقاص

" لن نكررها مجددا جدي أعدك "

غادر ضرار من عندهم قائلا بحنق " أعلمك طوال الوقت كيف

تصبح رجلا نبيلا وسيد أعمال وأنت تركض خلف الحشرات

عند النهر , ياللسخرية يا حفيدي العتيد "

وغادر يتمتم بغضب على نظرات وقاص المستاءة فهوا يعلم جيدا

أنه لن ينساها له بسهولة فهوا لا يحب أن يستهتر أبدا , نظر له

رواح وقال " جيد أنك لم تخبره أني وحدي المذنب لكان عاقبني "

رماه بنظرة جانبية باردة وقال " صحيح أنه بوجودي معك لن

يعاقبنا لكنه لن ينسى لي هذه الزلة أبدا "

ضربه رواح على كتفه وقال بمرح " لا بأس في بعض المرح

يا رجل "

غادر من عنده قائلا " تعلم أني لا أحب مرحك هذا ولن

أنقذك مجدداهل فهمت "

ثم مر بالسلالم وصعد منه يتبادل ونجيب نظرات يفهم كل واحد

منهما ما تعني حتى اختفى عن نظره وصعد لغرفته

*

*

نقل نظره من رعد للكاسر وقبل أن يتحدث قال بتصميم

" أبي سأكون معك فجد لها حلا إلا أن ابق هنا "

قال شراع بضيق " كاسر أخال أنك لم تعد طفلا فتوقف عن العناد

رماح ورعد من سيسافران معي وانتهى "

كان سيتحدث فتحدث عمته قبله قائلة " أتركه يكون معك يا شراع

فغسق لن تكون ضمن اجتماعكم بالتأكيد , يكفي جبران الذي

ما أن يعلم سيغضب منا جميعا "

صاح شراع بضيق " وهذا ما ينقص آخذه معي وما أن يتقابل

وابن شاهين يبدأ باللغط ولا أستبعد أن يخبره ويفسد كل شيء

ويضرها ويضرنا "

ثم نظر للكاسر ورفع سبابته وقال بتحذير تهديدي " ستذهبان معي

أنت ورعد وأحذرك يا كاسر أن تفتح فمك بحرف واحد أتفهم "

صر على أسنانه يحاول إخماد البركان الذي يغلي في داخله

وقال " أعدك "

فتحرك حينها نحو باب المنزل قائلا " إذا اصعد واجلب

أوراق سفرك وألحقنا بسيارتك "

وخرج ورعد يتبعه وقد اختاره هو ورماح لأن رعد طبعه الهدوء

وقلة الكلام ومتأكد من أنه لن يحدث لهم شوشرة ومشاكل هناك

ورماح يحترم كلامه كثيرا ولا يحب أن يخالفه أما جبران والكاسر

فكان قد تجنب أخذ أي منهما معه وهوا أساسا سيأخذ اثنين فقط مع

عشرة رجال من كبار قبيلته كما اعتادوا في اجتماعات المهادنة مع

أحد الزعماء , كانت الرحلة طويلة وسادها الصمت المميت ليس لأن

رعد طبعه قلة الكلام بل لأن التوتر أخذ منهم نصيبا فمشروع المهادنة

هذا لا يشبه أي واحد غيره مر بهم على مر أعوام فمصير من يعدونها

فردا منهم وليس بأي فرد معلق بها ولا أحد يستطيع التكهن بما يفكر فيه

ابن شاهين وكيف سيستغل الوضع لصالحه , كان رعد من يقود السيارة

ووالده يجلس بجواره تتبعهم باقي السيارات وكانوا ثلاثة عدا سيارتهم

وسيارة الكاسر ومجموعهم ثلاثة عشر رجلا , وبعد السير لساعات

طويلة من الفجر حتى منتصف النهار كانوا عند إحدى نقاط حدودهم

الشرقية حيث تؤمن البلاد المجاورة نفسها وكأن بلادهم وباء وعلى

جميع المحيطين بها الحذر من تفشي أمراضها لهم , وهذا هو الحال

دائما كلما دخلت بلاد في حرب أهلية أو اضطربت أوضاعها وكثر

فيها الدم والنزاعات والتجمعات للجماعات الإرهابية .

ما أن عبروا الحدود بأختام الدخول حتى التفّت حولهم سيارات

حرس رئاسي ووفد استقبال من الدولة التي دخلوها للتو ترافقهم

في سيرهم بسرعة معتدلة للوصول لوجهتهم الأساسية , نظر

رعد لوالده ثم للطريق وقال في أول حوار بينهما " مؤكد لن

نناقش معه مسألة غسق أمام رجاله ورجالنا ؟ "

هز شراع رأسه بالموافقة وهمس " إلا إن أرادها ابن شاهين

كسرة ظهر لي "

نظر له سريعا لوقت ثم قال " أبي أراك تضع تكهنات كثيرة

سيئة لرده ! "

تنفس شراع بقوة نفسا دل على حيرته وتوجسه وعجزه وقال

" لو لم يكن في سنة حرب لوثقت من نزاهة نواياه لكن ما يفعله

الآن ويطمح له مستقبلا يخول جميع الاحتمالات يا رعد "

قال رعد بهدوء حذر ونظره للطريق " هل فكرت أنه إن طلب مقابلا

لها سيكون عليك إقناع رجال قبائلنا به دون أن تذكر السبب "

اتكأ شراع برأسه للأعلى وأغمض عينيه وقال بصوت مرتخي

" دعنا نرى ما يريد بهذا ثم نقرر "


*

*

ضرب التراب الملطخ بالمياه والمختط بالطين بيديه الصغيرتان

وأصابعها الطويلة يسوي من حوض أشجار بستان المنزل الذي

يعيشون فيه وقطرات عرق جبينه تسقي ما تصنعه يداه الصغيرتان

المنهكتان جدا , فهوا من عليه هنا أن يدفع ثمن إقامته ووالدته لديهم

وكأن المنزل ليس لجدها مثلهم , ولأن ابن عمها طبعا يعاني من ساقه

العرجاء لا يفعل شيئا أما ابنه فلا يكلف بهذه الأعمال ولم يبقى غيره

ليهتم بهذه الأشجار ويسقيها يوميا ويهتم بالتربة ولا يحق له الاعتراض

طبعا , رفع رأسه بالذي مر من أمامه متجها للباب وقد نظر له ثم تابع

طريقه ولم يكن إلا ظافر ابن العائلة الوحيد الذي عاد من أيام من القتال

في الجبال وكالعادة هو لا يقسوا عليه لكنه يتصرف حياله بلا مبالاة

وينظر له نظرة شاملة كلما تقابل معه وكم كره تلك النظرة التي يخبره

بها في كل مرة أنه يرتدي ثيابه القديمة البالية التي لم يعد يلبسها من

أربعة أعوام ولم تعد على مقاسه , وكم تمنى في أوقات أن بقي عاريا

على أن يلبسها أو يرى تلك النظرة في عينيه , لكنه يكتم ذلك في نفسه

ويحاول دائما نسيانه وتجاهله فهوا على الأقل لا يعامله معاملة والده له

وكان معه كأغلب أهل البلدة شيء وكأنه ليس موجودا , ما أن خرج ذاك

وأغلق باب المنزل خلفه عاد بنظره لما كان يفعل لينهي ما عليه أن يتمه

اليوم أو تلقى عقابا يعده أقسى من الضرب وهوا حرمانه ووالدته من

الطعام يوم غد كاملا إن لم يكن ليومين وهذا ما يمكنه هو تحمله لكن

والدته لا , تنفس زافرا بقوة ومسح على جبينه بظهر رسغه فقد انتهى

منها أخيرا , رفع نظره للجالسة على الطرف الآخر لحوض الشجرة

تحضن وجهها بكفيها الصغيران تراقبه بانسجام ودون ملل تنتقل معه

من ساعات من حوض لآخر , وطبعا لأنه من وقت صرخ بها وهددها

إما أن تصمت أو تتركه وتبتعد عنه فقد لاذت بالصمت التام لوقت حتى

هو استغربه فقد حطمت به الرقم القياسي لثرثرتها وسرعتها في الحديث

نظرت له بعينيها العسلية التي ازداد بريق الذهب فيها بسبب الشمس

ولفح الهواء لهما وغرتها البنية تتطاير معه وقالت مبتسمة

" إنها الأخيرة لقد انتهيت "

وقف ونظر ليديه الملطخة بالطين والتراب المشبع بالماء

فوقفت أيضا وقالت بسعادة " يمكنني الحديث الآن "

ودارت حول حوض الشجرة من فورها وأمسكت برسغه وقالت

وهي تسحبه معها " تعالى لتغسلهما سأفتح لك الصنبور فهما

مبتلتان ولن تستطيع فتحه "

سار منصاعا لها حتى وصلا الصنبور الموجود في جدار السور

وفتحته بعد جهد وضعت فيه كل طاقتها وكأنها لا تريد خذلانه بها

فغسل يديه جيدا ووجهه وقدميه وساقيه أيضا وما أن انتهى

قالت بمرح طفولي " أنا من سيغلقه "

وعادت لإفراغ كل قوتها لدفع يده الصدئة القاسية لتغلقه ونجحت

أخيرا مبتسمة بسعادة وكأنها أنجزت شيئا عظيما سيندهش له فشد

أصبعه السبابة بإبهامه وضرب به جبينها الصغير ضربة آلمتها

وجعلتها تمسكه بملامح متضايقة وقال مبتسما ابتسامة باردة

" شكرا أيتها البطلة الصغيرة "

أبعدت يدها وابتسمت بفخر وانتصار وقالت وهي تتبعه مغادران

من تلك الجهة " وأنت بطل وحين تكبر ستصبح مزارعا

قويا أليس كذلك ؟ "

وضع يديه في جيوبه وقال متابعا سيره جهة غرفتهم " ياله من

مستقبل سخيف , لا لن أكون مزارعا طبعا "

نظرت له سائرة بجانبه وقالت مستغربة " ماذا ستكون إذا !! "

وقف فوقفت لوقوفه ونظر لها وقال بجمود " ما أن أكبر سأخرج

من هنا بوالدتي طبعا ولن أكون مزارعا لدى أمثالهم "

فتحت فمها الصغير مندهشة ثم قالت " تذهبان من هنا ! "

هز رأسه بنعم دون كلام فقالت من فورها " وتتركانني وحدي ؟ "

لوح بيده بلامبالاة وقال " أنتي لديك عمك هذا وغيره ماذا سنفعل بك ؟ "

ترقرقت الدموع في عينيها الواسعة وشحبت ملامحها حزنا ولازالت

نظراتها معلقة به فقال وقد عاد للتحرك بخطوات بطيئة كسولة

" لا تبكي ماريه هيا فرأس يؤلمني وأنا متعب "

وما أن وصل لغرفتهم التفت مستغربا من أنها لم تلحق به كعادتها

لكنه لم يجدها حيث تركها ثم سمع صوت باب المنزل يغلق بقوة

زلزلت جدرانه فعلم أنها عادت هناك فرفع كتفيه في حركة

لا مبالي ودخل الغرفة


*

*

كان الجو في تلك القاعة يسوده موجات ضخمة من التوتر ومجموعة

الرجال التي وصلت أولا تلتزم مقاعدها حول تلك الطاولة البيضاوية

الفخمة الطويلة فمن أربع سنوات لم يعقد لقاء مهادنة بينهم عدى صفقة

مبادلة الأسرى من عام وعلى مراحل , وبينما كان توتر زعيمهم

شراع وابنيه سببه أمر أبعد من الحروب والحدود فقد تسربت تلك

المشاعر لباقي الرجال كموجات مغناطيسية انتقلت لهم مع الهواء

صمت زعيمهم المبهم الذي أظهر خطوط وجهه أكثر قتامه وغابت

عيناه في ظل أسود عميق وسافر نظره للفراغ , وأعصاب أبنيه التي

بدت مشدودة بشكل واضح جعل كل فرد في تلك القاعة يشعر بوجود

خطب ما في الأمر وقد زاده الطلب الغريب لابن شاهين بالخصوصية

التامة لهذا اللقاء وأن لا يكون فيه غير زعيم صنوان ورجاله وهو

ورجاله فقط مما زاد مخاوف شراع وابنيه من تركيزه على هذا

الأمر ودار بهم سؤال واحد كالدوامة في رؤوسهم ( هل يفكر ابن

شاهين في مناقشة أمر غسق أمام الجميع ؟؟ )

وكانوا يدركون أنه ما من شيء سيمنعه إن أراد ذلك وقرره وأنها

ستكون بداية الكارثة فهؤلاء العشر رجال من قبيلتهم وهم من أكابرها

كفيلين بنشر الخبر في كل فرع من فروع قبائلهم , وهذا بالإضافة

إلى رجاله , ارتفعت الرؤوس وحدقت أعين الجميع بالباب الذي انفتح

فجأة ودخل منه سبع رجال بالتتابع منهم من ألقى عليهم السلام ومنهم

من لم يكلف نفسه بذلك , وما أن تنحوا جانبا حتى دخل ثلاثة آخرين

وقف شراع ورجاله حينها للذي كان يقف في وسطهم , لم يكن بلباس

الحرب ليس بتلك البذلة العسكرية التي أصبح بها حديث الجميع وهذا ما

أراح بعضهم قليلا رغم أنه لم يؤثر إيجابا على شراع وابنيه مثل باقي

رجالهم , كان يرتدي بذلة سوداء من الكشمير الداكن غالي الثمن بربطة

عنق من اللون العنبري تخللها خطان أبيضان عند أعلاها وقميص رمادي

كان حضوره مهيمنا كعادته حتى وهوا بدون لباس الحرب ذاك ونظراته

كانت مركزة على عيني شراع كنمرين يدوران في حلبة مغلقة ورغم

هدوء ملامحهما إلا أن نظرتهم تلك حملت معان كثيرة وأمور بات لا

يعلمها غيرهما وكل واحد منهما يبحث في عقل الآخر من خلال تلك

العينين عن أمور هو على استعداد لدفع أي ثمن لمعرفتها , كان رجاله

واقفين مكانهم ينتظرون تقدمه أولا كما الحال مع رجال شراع الذين

ينتظرون أن يجلس ليجلسوا بعده , تحرك مطر أخيرا منهيا أول جولة

من شد الأعصاب بالنسبة للبعض وقد همس شيئا لأحد رجاله فتراجع

للخلف وأغلق الباب فورا والغريب أنه لم ينظم للبقية بل انتقل فورا

لغرفة كانت ملحقة بتلك القاعة غاب فيها عن الجميع وتقدم حينها مطر

منهم وبدءوا بالمصافحة كشيء روتيني أو أمر من أجل اللباقة فقط فلم

يكن سلاما يحمل الترحيب والابتسامات الودية , لا يحمل العداء لكنه

أيضا لا يحمل المودة والأخوة , كان مدججا بالتوجس والحذر وهذا أمر

طبيعي في مثل هذه الأوضاع , صافح مطر شراع كمصافحته لباقي

رجاله لكن عينيه ضلتا تنظران لعينيه بقوة وفي المقابل رفض شراع

أن يبعد نظره أو يظهر انكساره له , ضن شراع للحظة أن سلامهما

ذاك انتهى لكنه فوجئ به يشد على يده أكثر ولم يتركها وخرج عن

صمته قائلا ونظره لازال مركزا على عينيه " يسعدني أن أراك

بعافيتك كالمرة السابقة يا شراع "

علت حيينها الصدمة وجوه الحاضرين حولهما ولم يستطع أحد منهم فهم

مغزى ما قال وهوا لأول مرة يتبادل معه حديثا خاصا وإن كان على نحو

سطحي وعادي , وبدأت التكهنات تحوم حولهم ( هل أراد ممازحته

بأنه مهما ازداد في سنه يبقى قويا ؟ أم أراد أن يذكره بأنه خرج من

الحروب السابقة سالما ورآه مجددا ؟ أم أراد أن يرعبه بأن

دورهم القادم )

والحقيقة لم يكن يعلمها غيرهما الاثنين فحتى الكاسر ورعد عسر

عليهما الفهم , وقد جاء الرد قاطعا من شراع وقال وهوا يشد

على يده أكثر " فلنأمل أن تراني المرة القادمة يا ابن شاهين "

لتعود تلك العاصفة وتموج بعقول الحاضرين وترجع ذات التفسيرات

السابقة لمحاولة ترجمة رده عليه لكن لم يكن غيرهما يفهم معنى

ذاك الحوار القصير وبأن الأمور بعد هذا اللقاء ستتغير وقد

ينتهي أحدهم ضحيتها نفسيا

كان الرد من مطر ابتسامة ملتوية قبل أن يترك يده وصافح الكاسر

الذي لم يفته النظرة الحارقة التي رماه بها وكأنه أسد يستعد للانقضاض

على فريسته , وقابلها مطر بنظرة باردة قبل أن يبتعدوا عنهم وأخذ كل

واحد منهم مكانه للجلوس لكن ثمة شخص واحد لم يفعل ذلك مثلهم وضل

واقفا خلف كرسيه الذي لم يسحبه أساسا من مكانه , وخرج حينها الرجل

الذي دخل تلك الغرفة وتوجه نحوه من فوره وهمس له من خلفه شيئا

ثم انضم للبقية وجلس أيضا فقال مطر ناظرا لشراع تحديدا " معذرة

من الجميع , هناك ما عليا قوله وزعيمكم لوحدنا قبل كل شيء "

شعر شراع بذاك الانقباض في صدره وكأن ثمة من أمسك قلبه بيده

وعصره بقوة , بينما كان شعور ابنيه مختلفا تماما فقد اجتاح الغضب

العارم قلب الكاسر والذي كان يمسكه بالقوة بينما طفح الحقد والغل على

نظرات وتقاسيم وجه رعد , وحسب أوامر والدهما لا يمكن لأي منهما

التنفيس عن تلك المشاعر بإخراجها , تحرك شراع ببطء دافعا لكرسيه

للخلف وقد حذا ابنيه حذوه قبل أن توقفهما كلمات مطر الحازمة

قائلا " وحدنا فقط "

فلم يخفي حينها الكاسر الشتيمة الهمسة التي خرجت من شفتيه بينما

استقر رعد مكانه دون أي رد فعل فلطالما كان متحكما في انفعالاته

كانا يثقان في والدهما وفي قراراته وحكمته فلطالما كان الزعيم الذي

اجتمع عليه الجميع لكن الآن ولأن في الموضوع امرأة ويعلمون

جيدا مكانتها لديه وتأمين والدتها له عليها والحقيقة المفجعة التي

عرفوها عن أصل عائلتها ووالدها كان الأمر مختلفا بالنسبة لهما

وموقنان من أنه بإمكان هذا الرجل أن يُخرج لهما والدهما ميتا

دون أن يلمسه بيديه , وفهما وقتها مغزى الحديث الذي دار بينهما

وهما يتصافحان , حدقت العيون المستغربة بهما وهما يدخلان تلك


الغرفة التي أرسل مطر أحد رجاله لها فور وصولهم , ولم يعد يعلم

أحد بباقي الأحداث الغريبة التي تحدث اليوم بتتابع سوا من دخلا

هناك وأغلقا الباب خلفهما , كانت الغرفة عبارة عن مكتب للمترجمين

حيث أنه في تلك القاعة يجتمع العديد لأسباب مختلفة ومن جميع أقطار

العالم وهنا يكون مجموعة ممن يقومون بترجمة ما يقال في تلك

الاجتماعات كلٌ حسب لغته عن طريق سماعات موصولة بينهم

توضع في الأذن , فكانت الغرفة عبارة عن شاشات كبيرة سوداء

معلقة على الجدار الدائري لها وأمامها طاولات مليئة بالأجهزة

وسماعات الأذنين وكراسي جلدية بسيطة بأظهر مريحة , وثمة

طاولة في المنتصف حولها ثلاث كراسي مشابهة لها , وعلم شراع

حينها لما أرسل ذاك الرجل إلى هذه الغرفة قبلهم فمثل هذه الأمكنة

لا تخلوا من أجهزة المراقبة والتصنت وكان عليه تعطيلها أولا

توجه مطر أولا للطاولة وسحب الكرسي وجلس وتبعه شراع وفي

صمت من كليهما حتى استقرا جالسين محدقان ببعضهما وكان

شراع سيتحدث فسبقه مطر بالحديث لتغزوا نبرته المبحوحة

صمت الغرفة الفارغة سوا منهما " أعلم ما تريد قوله يا شراع

( ليس طبعك استغلال النساء واللعب بسمعتهن ولم يكن شيمة

من سبقوك ولا نهجنا معك ) "

لم يفاجئ شراع بذلك لذلك قال بحذر " تخطينا المقدمات إذا

وسندخل في المفيد "

اتكأ مطر لظهر الكرسي وكتف يديه لصدره وقال " وابنتك لم

تلمسها يد غير يدي ولم يرى شعرة منها أي رجل من

رجالي لتكون مطمئنا "

لكن ذلك لم يطمئنه البتة بل جعل ملامحه تشحب بشكل واضح جدا

لم يفت الجالس أمامه فقال موضحا الأمر " لازلت أضنك تثق

بمبادئي يا شراع فابنتك كانت مصابة وحملتها لسيارتي وأضن

أن ذلك لن تتوفر امرأة وقتها لفعله "

ارتاع شراع وقال دون شعور " وكيف هي الآن ؟ "

هز له رأسه دون كلام ليفهم أنها بخير فقبض شراع أصابعه بقوة

محاولا أن يكون هادئا أمام هذا الجبل الجليدي الجالس أمامه وقال

" لن أقول بأني أتمنى أن لا تضر بسمعة امرأة لأسباب شخصية يا

مطر لأنك ستقول حينها بأني أكرر ما اختصرته أنت في البداية

وأعترف بأن ابنتي أخطأت في تعدي حدودك دون علمي وأتمنى

أن تسوى الأمور وأفهم سبب رفضك إعادتها حتى الآن "

" عُزيرة أزميم "

شحب حينها وجه شراع وارتد للخلف على ظهر الكرسي وجميع

محاولاته لكبت انفعالاته ودواخله طارت أدراج الرياح فآخر ما

توقعه أن يكون الجالس أمامه شعر بخروجها وأن يذكرها الآن

وهما يناقشان موضوع غسق وأول سؤال قفز لذهنه ( هل علم

بالقصة ؟ هل عرف من تكون الفتاة التي لديه ؟ )

لكن الذي فات شراع أن مطر لم يكن يعلم سوا أنها خرجت فرارا

منه وأن أحد أبنائه من استقبلها بنفسه وأدخلها أراضيهم , وقد كبرت

شكوكه الآن وهوا يرى الذعر والشحوب على ملامحه ما أن سمع

اسمها ليزداد ذاك اللغز اتساعا في رأس مطر ( ما السبب ولماذا

أخرجها وما الذي يخفيه ؟ )

ساد الصمت لوقت قبل أن يتحدث مطر قائلا " تلك العجوز

مقابل ابنتك يا شراع "

وهذا كان الجدار الذي أوقعه ابن شاهين على جسد الجالس أمامه

من أصبح موقنا من أنه سيخرج من هنا مصابا بأزمة قلبية أكيدة

لن يفيق منها , جمع شتاته بصعوبة وقال " أنت تعلم كما أعلم أن

هذا لا يحدث , ومن دخل وطلب الأمان لا يرد يا مطر وأنت

بنفسك سبق وفعلتها مع من دخل لك مستغيثا "

" هي مقابل ابنتك "

لم تخرج منه غير تلك الكلمات التي لا تزداد إلا برودا وجمودا

راميا بها كل ما قاله له وكأنه لم يسمعه , تنفس شراع بصعوبة

فجميع الاحتمالات التي وضعها لم تشمل هذا الطلب , كان يتوقع

أي شيء إلا هذا وها قد أصبح متأكدا من تكهن ابن شاهين بأن

تلك العجوز أمرها مهم بالنسبة له وأنها تخفي سرا لن يعلمه إلا

منها ومنه لكن الذي لا يعلمه مطر ويعلمه هو جيدا بأنه إن سلمها

له فسيكون سلمه الاثنين معا فما أن تصبح تلك العجوز عنده ستقر

بكل شيء وحينها لن توجد قوة على وجه الأرض ستمنعه من

استعادة ابنة عمه ولا يمكن لشراع أن يتخيل أن يطبق عليها هذا

الرجل الصخري جنون والده ويفكر فيما كان يخشاه ذاك الخرف

شاهين من أنها من صلب عائلتهم وأن انتصاره وحكمه للبلاد قد

ينتهي على يدها فيقتلها أو يسجنها ويؤذيها , هذا غير ما سيتلقونه

من غضبه العارم بسبب إخفائهم أمرها عنه , نظر له وهوا ما

يزال محافظا على هدوئه وبروده الذي بات يحسده عليه وهوا

يتلقى منه الضربة تلو الأخرى ثم قال بصوت وجس متردد

هامس " وإن رفضت تسليمها "

ظهرت ابتسامة ساخرة على تلك الشفاه القاسية وقال دون تفكير

" لن تحاسبني وقتها على ما سأفعل في أمرها "

رفع شراع يده لعنقه وفتح زر قميصه الأبيض من تحت سترته

وقال بصوت ضعيف " إن أردت تدميري وقتلي فافعلها بأي شيء

غير ابنتي يا مطر , هي أرق من أن ندخلها في كل هذا "

أبعد مطر نظره عن عينيه للوحة المعلقة على الجدار خلفه تضم

سفينة تشق عرض البحر وكانت أول مرة يزيح فيها نظره عن

عينيه لكن نبرته احتفظت بجمودها وهوا يقول " طلبي كان يسيرا

مجرد عجوز هاربة ترجعها لي وابنتك تكون لديك الليلة "


قال شراع مباشرة " تبدوا واثقا من رفضي إرجاعها لك

من قبل أن ندخل هنا يا مطر ؟ "

عاد بنظره له مجددا وقال " إذا جوابك هو الرفض ؟ "

مسح شراع وجهه بكفيه ثم أسند مرفقيه على الطاولة ومرر أصابعه

في شعره الرمادي المختلط سواده بالبياض وحضن رأسه بيديه ناظرا

للأسفل وأغمض عينيه بقوة ( سامحك الله يا غسق , يا كسرة في قلب

أبيك , يا من لو كان عمري سيرجعك لنا لدفعته دون تردد )

بعد برهة رفع رأسه مجددا ونظر له وقال " هل من بدائل أخرى ؟ "

فهز حينها مطر رأسه إيجابا فالجالسان على تلك الطاولة يتحدثان من

ذات المستوى العقلي وكل واحد منهما يفهم جيدا أفكار وخيارات الآخر

وشراع يعلم جيدا أن مطر لن يتلاعب بسمعة امرأة وموقن أيضا من

أنه لن يسلمها له بسهولة وبدون مقابل , ولم يعلم إن كان ذاك سيريحه

أم لا فهوا لا يثق بأن يكون البديل أيسر من سابقه , تحدث مطر وقد

وضع يديه على الطاولة أمامه " سنخرج لهم الآن ونتفق على بنود

وشروط المهادنة وكل ما سأضعه قابل لأن تناقش رجالك فيه إلا

آخر بند ستوافق عليه دون نقاش والرفض معناه أن نرجع لنقطة

ابنتك وتلك العجوز وأمامهم هذه المرة "

وقف حينها شراع وقال مغادرا وبكلمات مقتضبة متمسكا

بتماسكه قدر الإمكان " لم تترك لي أي خيارات أخرى "

وخرجا من تلك الغرفة لتستقبلهما الأعين المحدقة بفضول واستغراب

فرجال مطر كانوا على علم مسبق ببنود المهادنة كما اعتادوا على

الأمر ولم يفهم أحد سبب هذا الاجتماع السري المغلق , جلس شراع

مكانه يتجنب النظر لابنيه ويحاول أن يكون قويا وثابتا قدر المستطاع

وجلس مطر بين رجاله بصلابته وثقته المعهودة , وتحدث حينها أحد

رجال صنوان قائلا " أعتقد أن لهذه الاجتماعات أصولها وقواعدها

فهل لنا أن نعلم الأمر الذي تناقشتما فيه سرا ؟ "

ظهر شبح ابتسامة ساخرة على ملامح مطر وقال " اعتقدت

أنكم تثقون في زعيمكم يا صنوان فرجالي لا يعلمون أيضا "

أخرسته تلك الكلمات تماما ولم يعلق أحد بعدها ولا حتى شراع

وقال مطر " نحن كما أنتم نحتاج لهدنة مؤقتة بين الطرفين

لذلك لن تكون دون منافع متبادلة طبعا "

تبادل رجال شراع النظرات المستغربة واقترب الكاسر من

شراع وهمس له " ماذا حدث بشأن غسق ؟ "

لكن شراع لم يجبه فالأمر يطول شرحه وهذا ليس مكانه أبدا , وفهم

الكاسر حينها أنه لن يجيب سؤاله فابتعد مجبرا ومكرها وقال مطر

" الهدنة ستكون لعام واحد وقابلة للتمديد "

بدأت همسات الاعتراض تظهر على رجال صنوان وشراع لازال

محتفظا بصمته المبهم وتابع مطر " كل رجل يقتل من رجالي على

الحدود بسبب رجالكم نأخذ مقابلا له مئة متر من أراضيكم "

علت صرخات الاعتراض وعلا صوت شراع فوقها قائلا بصرامة

" لنستمع له ونناقش الأمر بيننا "

سكت الجميع على مضض ونظرات الاستهجان والرفض تتقافز من

أحداقهم وقال مطر " ولكم بالمثل ومن يخترق يطبق عليه القانون "

قال أحد رجال صنوان " وماذا إن قتله أحدكم ورميتمونا به ؟ "

قال مطر من فوره " لا تنسى أنه ثمة لجنة ستشرف على المهادنة

ككل مرة وسيتحققون من ذلك وإن فعل أحدنا ما قلت تحولت

المئة لمئتين "

ساد صمت مبهم لم يتحدث خلاله أحد وتابع مطر " يمنع عنكم

دعم أي طرف في القادم وتستمرون في وضع الحياد أو

سيعد ذلك خرقا في الهدنة "

لم يعلق أحد فتابع ونظره الثابت الواثق يتنقل بينهم " تخلون الحقول

المطلة على نقاط الحدود طيلة فترة المهادنة ولن يعمل فيها أحد "

استمروا في صمتهم التام مستمعين له بانتباه وقد غزت نبرته الثابتة

المبحوحة صمت المكان وكأنه المالك السيد لكل شيء هناك فكما قال

زعيمهم الأمور قابلة للنقاش بينهم فيما بعد وما عليهم الآن سوا

الاستماع لشروطهم , قال بذات جديته ونبرته الثابتة " وثمة أمر

آخر لكن دعونا نستمع لشروطكم أولا "

نظر له شراع بسرعة نظرة فهمها كليهما وهوا يحاول اختراق عقله

وفهم فيما يفكر وما يريد ثم تحدث بعد وقت قائلا " شرطنا حقن الدماء

فقط بما أن شروطكم جعلتموها مطبقة على الطرفين وسنتناقش فيها "

هز مطر رأسه بحسنا دون تعليق ثم قال موجها كلامه للجميع ونظره

لازال مركزا على عيني شراع " والآن ثمة أمر تحدثنا فيه لوحدنا

هناك عليكم معرفته "

تصلب حينها جسد شراع وكان سيقف صارخا به وحال ابنيه لم يكن

أيسر منه ولم يمسك الكسر إلا متابعة مطر قائلا بابتسامة انتصار ونظره

على ثلاثتهم ونظر الجميع محدقا به بترقب وفضول " قررت وشراع

صنوان أن نتناسب ويزوجني ابنته لتتوثق مهادنتنا أكثر "

لتعلوا الصدمة وجوه الجميع مختلطة بالشهقات المستهجنة من بعضهم


وفي غمرة نظرهم المصدوم له لم ينتبهوا أنها علت ملامح شراع أيضا

مثلهم من يفترض أنه وحسب كلام مطر يعلم عن الأمر وموافق عليه


المخرج~

بقلم/ الغالية نداء الحق

مطر... مطر.....مطر
بعد هزيم الرعد ينزل المطر
مطر... مطر.....مطر
يحيي الارض بعد الجفاف
ويروي الزهر
مطر... مطر.....مطر
غيث لعطش الملهو ف في عباب الخطر
مطر... مطر.....مطر
هو امل في سماء الالم
مطر... مطر.....مطر
هو فارس في زمن القحط
هو زهر في وسط الالم
هو روح تبتغي السكن
فلقيانا قدر ..ومن نحن لنعاند
القدر
وانتمائك لي ...هو حكم لايقبل
النقض او البتر
فأنت لي ...لي ...الى انقطاع النفس




غسق
سافرت الى البعيد وفي اتون الخطر
لعلي اعلم لي خبر
لم اعلم انني سأكون سبية في يد
المطر
أدور وابحث عن جذوري لعلي اعلم
السبب
فما اغرب التمنيات في زمن الخطر
فها انا في حضرة المطر
لم ارى له ظلا ولا اثر
فقط صوته الذي يهزني من الاعماق
كانني على حافة بركان مشتعل
فيا عقم كلمة ياريت لم اركب الخطر
فها انا انتظر البتات في امري من قبل
المطر
ولا اعلم لماذا أشعر ان قلبي قد وصل
الى منتهى الالم
يخفق بحنون لسماع بحة الصوت الرخيم
وعقلي يُجن من الخوف من افتضاح الامر
فها انا اجن اشتياقا وأذوي احتراقا
وليس لي سوى المطر ...مطر ...مطر
ليخمد احتراقي وشعلة فؤادي



نهاية الفصل


موعدنا القادم مساء السبت إن شاء الله



فيتامين سي 17-08-16 09:03 PM

رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر
 
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 49 ( الأعضاء 17 والزوار 32)
‏فيتامين سي, ‏غندة, ‏أسيه, ‏اروع الذكريات, ‏سلام لعيونك, ‏missliilam, ‏مهره الفهد, ‏هالة الحسن, ‏ن و ا ر ى, ‏soma libya, ‏ملكة الجليد+, ‏sareeta michel, ‏عبق فرح, ‏مي نيم, ‏نزف جروحي, ‏اميرة الزهراني, ‏منيتي رضاك

قراءة ممتعة لكم .......

فيتامين سي 17-08-16 09:13 PM

رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر
 
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 62 ( الأعضاء 20 والزوار 42)
‏فيتامين سي, ‏soma libya, ‏ملكة الجليد+, ‏غندة, ‏sloomi, ‏وافتخر اني عراقي, ‏docka, ‏مالي عزا من دونك, ‏نونوا ونونو, ‏مهره الفهد, ‏ن و ا ر ى, ‏missliilam, ‏Electron, ‏أسيه, ‏اروع الذكريات, ‏سلام لعيونك, ‏هالة الحسن, ‏sareeta michel, ‏عبق فرح, ‏مي نيم


الساعة الآن 07:23 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية