الجزء الثالث في الأيام التي تلت بدأت فانسيا تتغلب على صدمة فقدان عمها و بيتها، صحبة باربرا ساعدتها كثيراً، باربرا فتاة نشيطة ممتلئة حيوية، رفقتها ممتعة رغم تصرفاتها الصبيانية احياناً، ماكانت فانيسا لتجد دواء أنجح من رفقة هذه الفتاة. كانتا تذهبان للسباحة احياناً، وأحياناً لركوب الخيل على الشاطئ البحر أو للتنزه سيراً على الأقدام، كان الدون يلاقيهما بين وقت و آخر، كان ركوبه للخيل متقناً، وهو بثيابه الرسمية كان يبدو أكثر وسامة و أصغر سناً. لكن شيئاً حدث ذات ليلة عكر صفاء الأيام المقبلة، كان الجميع يتناولون طعام العشاء عندما افتقد الدون باربرا وبعث في طلبها، لم تكن في القصر. ولم يعرف أحد مكان وجودها، أحست فانيسا بالجو يتكهرب رغم محاولات مونتيز ترطيب الجو. قريب الدون، رأى الفاداس كان قد ذهب لقضاء عطلة نهاية الاسبوع في مكان ما، أما جدة الدون فقلما تتناول العشاء معهم. نظر الدون الى فانيسا نظرة اتهام، إنها وبربارا تقضيان وقتاً طويلاً معاً، لكن باربرا لا تتكلم عن نفسها كثيراً ولم تكن فانيسا لتعرف أين ذهبت تلك الليلة. في الصباح التالي وبينما كانت الفتاتا تركبان مهرتهما على شاطئ البحر، اقترب الدون من باربرا وسألها أين كانت الليلة الماضية.منتديات ليلاس عند سماع ذلك حاولت فانيسا الابطاء خلفهما، الأمر شخصي ولا يعينها. مع ذلك كانت تسمع لهجة الدون الغاضبة وهو يعنف الفتاة لخروجها من القصر في الليل دون اذنه. أجوبة باربرا كانت سريعة و متحدية ورفضت تماماً أن تخبر الدون عن الشخص الذي قضت معه السهرة، بدأ صبر الدون ينفذ وصوته يعلو، ثارت ثائرة باربرا على الرجل الذي يريد التحكم في حياتها، وفجأة رفعت السوط وهوت به على يد الدون التي كانت تمسك بمقود فرسها. أطلق صرخة ألم خفيفية وأبعد يده، عندما انطلقت باربرا بالفرس بأقصى سرعتها، كانت لحظة صعبة ، بحركة عنيفة أدار الدون حصانه وقابل فانيسا وجهاً لوجه. قال مصراً على أسنانه: - من الحكمة أن لا ألحق تلك الحمقاء الآن. ثم أردف فجأة: - والآن قولي ياآنسة كارول، هل تعلمين مع من قضت باربرا مساء أمس؟ .منتديات ليلاس * * * * * يتبعـ... |
- أبداً ياسيد. وعدلت جلستها على ظهر الفرس، ورغم الغضب في عيني الدون وجدت فانيسا الجرأة الكافية للدفاع عن باربرا. - أعتقد ان فتاة في عمر باربرا بحق لها التمتع بالقليل من الحرية، أفهم موقفها منك، فهي ترفض مذلة مرافق لها يراقب تحركاتها طوال النهار و الليل، إنها ليست طفلة. - هكذا تفكرين اذن ياآنسة كارول، طفلة في عهدتي تسلل من بيتها في الليل، طبعاً لملاقاة رجل ، ويجب أن تركها تفعل ذلك؟ قالت بانفعال: - لماذا" طبعاً لملاقاة رجل؟" ربما ذهبت تسبح في ضوء القمر ، أو تمشي، أو تزور صديقتها. قال بسخرية: - ربما، لكن اسمحي لي ياآنستي أن أقول لك اني اعرف ابنتي اكثر مما تعرفينها أنت، ولو لم تكن فعلاً قضت الليل بصحبة رجل، ورجل لا أوافق أنا عليه، لما انفعلت بهذا الشكل. أصرت فانيسا على الدفاع عنها: - باربرا شابة و جميلة، ومنعها من الاختلاط بالرجال حسب المعتقدات القديمة، يسبب مشاكل أكثر. - هذه عاداتنا و تقاليدنا ياآنسة كارول، والنتائج أفضل بكثير من مآسي الزواج و الطلاق في بلدكم حيث تختار الفتاة زوجها دون موافقة أهلها أو رضاهم، أنت لا توافقين ياآنسة ، لكنني أؤمن أن الوالدين هما اخبر الناس بطباع ابنتهما ويعرفان تماماً من نوع الرجل الذي يجب أن نتزوج، وأنا متأكد أن قلوب الكثيرين من الآباء و الأمهات تحترق في بلدكم لأنه يحظر عليهم التدخل في هذا الأمر الأساسي. كان الدون يتكلم بكل جدية ثم أضاف ببطء: - عمك الطيب أسر لي ذات مرة عدم ارتياحه من تطور صداقتك مع جاك كونروي. شعرت فانيسا بالغضب، كيف يجرؤ هذا الرجل على تضمين كلامه أيه ملاحظة سلبية عن أحد اصدقائها؟ جاك كونروي ليس أكثر من صديق، لم تفكر يوماً بالزواج منه، وأن فكرت مادخل الدون بالأمر؟ قالت منفعلة: - لم يكن عمي ليسمح لنفسه بالتدخل في حياتي الخاصة، كان باستطاعته أن يفهم ان مايجلب السعادة للمرأة، ليس بالضرورة حياة روتينية منظمة. - هكذا اذن؟ كنت مستعدة لمرافقة كونروي في رحلاته في الأدغال؟ اظن ذلك يتطلب الكثير من الشجاعة.. والحب. قالت دافعة رأسها الى الوراء لأزاحة شعرها عن وجهها - بالطبع، ياسيد، لن أتزوج شخصاً لا يعني لي العالم كله. - نعم، أعرف ذلك. وفجأة امتلأ صوته دفئاً وكأنه قرر أن لا يغضب من انفعالاتها وتابع قائلاً: - أتفتقدين عمك الطيب، ياآنسة؟ خفضت فانيسا بصرها وشعرت بالدموع تتراكض في عينيها، حاولت التحكم في عواطفها وقالت قمرالليل بعصبية: - وجودي مع باربرا ساعدني كثيراً، يظهر أنها تحتاج الى صحبتي كما احتاج أنا الى صحبتها. * * * * * يتبعـ ... |
- آنسة كارول، حصل وطلبت أن أجد لك عملاً هنا، مارأيك في أن تصبحي مرافقة باربرا؟ فوجئت فانيسا وصمتت، ثم ارتجفت عندما أحست اصابعه تلمس كتفها بعد ان اقترب منها كثيراً، أصبح التنفس صعباً، كادت تختنق، فقط لو يبعد يده عن كتفها. لابد ان الدون أحس باضطرابها وترك يده تسقط عن كتفها، ابتعدت هي قليلاً وحاولت ضبط اعصابها. - أريحي اعصابك ياآنسة، أعرف انك تنفرين مني، الشعور متبادل، طالما احسست بالنفور منك خلال زياراتي لأورداز، لكن هذه اللحظة، لا دخل للأمور الشخصية، أنا أناقش العمل معك، احسست انك تميلين الى باربرا، هل أنا مخطئ؟ - بالطبع، أميل إليها، لكن لا أظن انني استطيع العمل كشرطي. تقلصت عضلات وجهه وقال غاضباً: - كم أنت مزعجة، أو تظنين انني سأحافظ على هدوء اعصابي معك فقط لأنك قريبة صديقي، لينارد كارول، أنت مخطئة ايتها الآنسة النادرة المثيل. الوحش! شعرت فانيسا بكراهية بدأت تمتزج بالغضب الذي يأكل صدرها، وبدأت الدموع تتدافع من عينيها، يجب أن تبتعد ، لن تدعه يرى دموع الهزيمة على وجهها.منتديات ليلاس استدارت بضع خطوات ثم جمدت في مكانها، على بعد بضع سنتيمترات من وجهها وعلى احد أغصان الشجرة الضخمة كان ثعبان كبير مخيف، صرخت بفزع، وبسرعة كانت ذراعا الدون تلتفان حول خصرها و تسحبانها الى الوراء..الى صدره القوي الآمن، وضربة واحدة من السوط الذي كان في يده فصلت رأس الثعبان عن بقيته. بعد أن التقطت فانيسا أنفاسها ، قال الدون مبتسماً: - أرأيت؟ الاستقلال التام عملية مستحيلة، لقد احتجتني الآن كما احتاجك أنا لمرافقة باربرا، لا لتكوني شرطياً، بل صديقة. ابتسمت له فانيسا بارتباك، فجأة اختلطت عليها الأمور ، تباً له! تارة يثير فيها كل مشاعر الغضب و الكره و تارة يمتلئ صوته ووجهه دفئاً و حناناً، فلا تعود تعرف حقيقة مشاعرها، ورغم اضطرابها استطاعت أن تجيب: - كنت دائماً اظن انك تعتبرني متهورة يادون رفاييل، ألا تظن ان وظيفة مرافقة تتطلب نضجاً وحكمة؟ - لا أتوقع النضج من شابة في عمرك. أجاب ببطء مركزاً النظر على وجهها الذي بدأ اللون الأحمر يتدافع اليه. ترى بماذا يفكر؟ هل يظن ان اخذها هذه المسؤولية يساعد على نضوجها؟ لكن بإشارة سريعة منه، اشارة الى الشاطئ، والبحر و الجبال البعيدة، قال: - هل تجعلك مأساة اورداز تشعرين بالذنب للاستمتاع بكل هذا الجمال؟ هل من اجل ذلك ترفضين البقاء هنا؟..استطيع ان افهم ذلك، لكن الوقت.. الوقت ياعزيزتي كفيل يمحو كل الأحزان. وبالفعل، كان الجمال و الهدوء هنا في لويندا ساعداها كثيراً في محاولة نسيان مصيبة أورداز، لكن السبب في عدم رغبتها بالبقاء أبعد بكثير من الحزن أو الشعور بالذنب، مايحملها على الذهاب هو شعور غريب بأن خطراً ما يكمن لها هنا، وبأن عليها الفرار قبل أن يتمكن منها. * * * * * يتبعـ... |
قال الدون ضاغطاً على يدها: - لا أطلب منك رداً سريعاً، فكري بالأمر، وأن كانت لا تزال لديك تحفظات، سأبحث عن مرافقة اخرى، لكن، أرجو ان تتذكري ان وجود مرافقة تقاربها في العمر يجعل قبول الأمر أسهل على باربرا، أعني ان شابة في مثل عمرها تشعر مثلها وتعرف ان الشباب ليس ورداً دون أشواك. قالت فانيسا بانفعال: - مع ذلك فأنت تقسو عليها كثيراً. - أحياناً كثيرة يضطر الانسان أن يقسو لكي يكون لطيفاً فيما بعد. ثم نظر الى ساعة يده و أضاف: - لدي ساعة قبل موعدي التالي، مارأيك بفطور شهي في مكان جميل؟ ستحبين ذلك، أعدك. - فطور؟ لكن الا ينشغل بالهم في القلعة؟ قال ضاحكاً: - سيد القلعة سيد وقته أيضاً ياآنسة. سارا على طريق قديمة للعربات محاذية للشاطئ تنتهي عند كرمة كبيرة للعنب، في وسطها بيت حيطانه مطلية بالكلس الأبيض. وأمامه غسيل منشور يهتز بفعل نسيم البحر، وامرأة عجوز في ثياب سوداء كانت تجلس امام العتبة تهزأ سريراً من القصب ينام فيه طفل. عندما اقتربا من حيث كانت تجلس العجوز الغليون من فمها وتطلعت باتجاههاو سألت بالاسبانية: - من هناك؟. عرفت فانيسا من نظرة المرأة العجوز انها عمياء.منتديات ليلاس أمسك الدون بذراع فانيسا وقادها الى حيث تجلس المرأة، حياها بالاسبانية منادياً اياها بماريا، تحدثا قليلاً بالاسبانية واستطاعت فانيسا أن تفهم بعض الأشياء. قال الدون وهو يبتسم للطفل المستلقي في سريره و الذي كان يمص اصبع قدمه الصغيرة: - عندك حفيد جميل ، يشبه ولدك كثيراً لكن له ابتسامة أمه. قالت العجوز برضى: - أمه زوجة طيبة، حمداً لله، لم يكن ولدي رامون سعيداً هكذا من قبل، الفضل لك ياكومبادر، لولا تلك العملية التي دفعت مصاريفها، لما استطاعت باكينا انجاب الطفل، اسميناه رفاييل تيمناً بك ياسيدي. - لم أعرف، عليّ اذن أن أقدم له هدية. وسحب الدون بعض الأوراق النقدية من محفظته واضعاً اياها في يد العجوز وهو يقول: - لا تخبري رامون فهو يعتبر نفسه مديوناً لي بمافيه الكفاية، اشتري للطفل ماقد يحتاجه واتركي الأمر سراً بيني و بينك. - لك قلب كقلب أمك، كومبادر، حفظك الله. ولمست ماريا العجوز الأوراق النقدية بشفتيها ثم وضعتها في جيب ثوبها الأسود وهي تحدق بالدون وكأنها ترى أعمق أعماقه ثم قالت: - اشعر ان في الجو شيئاً ثقيلاً ياسيدي، هناك ما يؤلمك قليلاً. اجابها ضاحكاً: - ماريا! أتظنين ان بإمكانك حملي على تصديق ما تبصرين ؟ * * * * * يتبعـ... |
- أضحك ياكومبادر، أضحك مني مثل بقية الرجال، لكن اعلم ان هاتين العينين تريان أكثر من العيون المبصرة. ثم تطلعت فجأة باتجاه فانيسا التي كانت تقف بهدوء وتراقب الأثنين وسألت: - هل احضرت سائحة جميلة لترانا يادون رفاييل؟ حول الدون نظره الى فانيسا التي احمرت ارتباكاً، غريب! لم يخطر ببالها مرة أن تتساءل ان كان الدون يراها جميلة. - ماريا! أنت تدهشينني حقاً، صحيح ماقلته، معي هنا صبية انكليزية و الألم الذي رأيته سببه مأساة حدثت لها منذ اسبوعين، هي الآن تقيم معنا في القلعة. وغمز بعينيه لفانيسا. - آسفة لماحصل، ياآنسة، أهلاً بك في كرمنا. - شكراً لك سيدتي. ووضعت فانيسا يدها في يد العجوز الممدودة نحوها ، لكن تلك اليد لم تسلم عليها كما توقعت بل أخذت اصابعها النحيلة تتلمس خطوط كف فانيسا بتركيز، مرت لحظات صمت ثقيلة ثم هزت العجوز رأسها قائلة: - لا أحد بامكانه اقناع هذه الآنسة بشيء ترفضه. اضطربت فانيسا و أحست بالرجفة وهي تقف هناك الى جانب دون رفاييل، كم ارادت لوتسحب يدها من يد العجوز ماريا من يدري ماالذي ستقوله بعد ذلك! ثم هي لا تفهم كل الكلام الاسباني، ماعدا كلمة هنا و تعبير هناك، رفعت عينيها الى الدون تريد أن تحتج لكنه قال بلهجة نافذة: - أتريدين أن أترجم لك ياآنسة؟ - لا...لا. - بلى، سأفعل، اسمعي ، إنه بالفعل ممتع، تقول ان لديك طاقة كبيرة على الحب، وانك لن تعطيه من تلقاء نفسك، وتقول ان خط الحياة عندك طويل و يخبئ لك ثلاثة حوادث تحمل سعادة كبيرة، احدى هذه الحوادث، كما تقول ماريا، تلوح في الجو الآن.. فانيسا تعرف ان ذلك صحيح و تشعر بأن لديها الكثير من الحب و الفرح و العطاء، تعرف ان كل هذا يختمر في داخلها و ينتظر لحظة الحدث الكبير. فجأة أحست بالرغبة في إخفاء مشاعرها عن الرجل الواقف الى جانبها، الرجل الذي كان يسخر من كل الأشياء، لم تجد سوى الطفل في سريره تخفى في الانشغال به ما شغل أفكارها، ركعت على العشب و أخذت تلاعب الصغير و تكلمه. في تلك الأثناء ظهرت امرأة سمينة تلبس قميصاً من القطن الأبيض و تنورة سوداء. حلقات ذهبية في أذنيها تهتز على وقع خطواتها وهي مقبلة نحوهم، حياها الدون منادياً اياها باكيتا..ثم عرفها على كارول و أخبرها عن رغبتهما في تناول الفطور في الحديقة، رمقت المرأة فانيسا بفضول و أخذتهما الى الحديقة الخلفية ثم ذهبت لإحضار الطعام الذي طلبه الدون.قمرالليل تحدثا طويلاً، تحدثا عن أشياء كثيرة..عن أسفاره العديدة، عن الأماكن الجميلة التي زارها في البرتغال و اليونان وغيرهما لكنه كما قال لفانيسا، لا يستطيع العيش بعيداً عن لويندا، إنها الوطن الحقيقي بأناسه الطيبين القانعين. وافقته فانيسا على ذلك، فذكرى ما فعل أهل اورداز بينهما مازالت قوية، بينما هنا في لويندا، لاحظت الرابطة القوية التي تجمع بين الدون و مستخدميه. * * * * * يتيعـ... |
الساعة الآن 03:22 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية