منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات أونلاين و مقالات الكتاب (https://www.liilas.com/vb3/f743/)
-   -   مقالات الدكتور " أحمد خالد توفيق " (https://www.liilas.com/vb3/t28116.html)

بيجاسوس 22-07-07 09:11 AM

عن شعبولا ومراد بك والجمالية وأشياء أخرى !



كنت وزوجتي نشاهد (شعبان عبد الرحيم) في حلقة من برنامج (من يربح المليون).. وكان المذيع يسأله أسئلة تافهة لكن المطرب الشعبي لا يجيب عن شيء منها، وهكذا بدأ المذيع يلمح له بالأجوبة ويسمح له بالربح .. كل هذا مع ضحكات المشاهدين واسطوانات (شعبان) المعروفة عن ثيابه التي يشتريها من وكالة البلح ورغبته في العودة إلى المكوة لأن الطرب لم يعد كما كان ..الخ .. في النهاية استطاع أن يحصل على مائة وخمسين ألفًا من الجنيهات في بضع دقائق.. قالت زوجتي إن هذا الرجل محدود الذكاء بشكل غير مسبوق، لكن رأيي كان مختلفًا .. لقد خدع المشاهدين والمذيع الوسيم وسخر منهم بمنتهى الخبث ..نحن خرجنا بإحساس زائف بالتفوق والذكاء وهو خرج بمائة وخمسين ألفًا فمن الأذكى ؟..ومن الغبي الحقيقي هنا ؟

الأمر كله يذكرني بقصة المتسول الذي كان السياح يعرضون عليه أن يختار بين عشرة دولارات وربع جنيه، فكان يختار الربع في كل مرة .. إلى أن لامه أحدهم على غبائه الشديد .. كيف تختار يا أبله ربع جنيه وتترك عشرة دولارات ؟.. كانت إجابة المتسول المفحمة هي: لو اخترت عشرة الدولارات لكف السياح عن المجيء لرؤية بلاهتي، ولقطعت مصدر رزقي !

ثمة قصة مماثلة عن التجار المصريين أيام الحملة الفرنسية، وكيف كانوا يرفضون العملات الذهبية لكنهم يقبلون أزرار الجنود الفرنسيين النحاسية ثمنًا لما يبيعونه لهم .. وقد تسلى الفرنسيون بهؤلاء الحمقى كثيرًا.. ثم اتضح فيما بعد أن المصريين لم يريدوا الاحتفاظ بعملات ذهبية فرنسية لأن الفرنسيين سيرحلون حتمًا، ولسوف تعود جيوش مراد بك لتعدم من تجد معه هذه العملات بتهمة الخيانة.. بينما الأزرار النحاسية تعني أن المصري قتل جنديًا فرنسيًا أو سرقه .. دعك من أن سعرها سيرتفع مع الوقت !


لماذا أذكر هذه الأمثلة على (النصاحة المصرية) المعهودة ؟.. السبب هو أنني في إحدى الصحف الحزبية رأيت صورة لواحدة من مظاهرات حركة (لسه) - كما أسميها - المناهضة لحركة (كفاية)، وكانت تظهر فلاحين من قرية ما يحملان لافتة تحمل تأييدًا لرئيس الجمهورية الحالي – وهذا من حقهما – لكنها كذلك تحمل عبارة (لا لفار الجمالية .. اللي عاوز يبقى رئيس جمهورية).. لا أعرف شيئًا عن الذي تهاجمه هذه اللافتة، وليس موضوعي هنا تأييد حركة (لسة) أم حركة (كفاية) .. إنما ما أثار دهشتي ودفعني للتفكير هي تلك الطريقة الفظة في مهاجمة الخصم .. ضرب تحت الحزام لا يتورع عن الإهانة والتشهير.. وهذا يذكرني بصفحة كاملة نشرت في جريدة الأخبار في عهد (موسى صبري – السادات)، والصفحة مليئة بخطابات القراء الذين يهاجمون الأستاذ (خالد محيي الدين) بأقذع القول، وبعبارات أثارت خجلي برغم أنني كنت في المدرسة الإعدادية وقتها .. كأن كل الناس في مصر حلوا مشاكلهم ولم يعد لهم من هم إلا التعبير عن مقتهم الملحمي الأسطوري لـ (خالد محيي الدين)، وترى التوقيع تحت كل خطاب فتجد أسماء يستحيل التيقن من صحتها على غرار (محمد أمين – القاهرة).. الخ ..

طبعًا كان التلفيق واضحًا بشكل فاضح في تلك الصفحة، لكن تلك اللافتة التي أتحدث عنها صادقة بلا شك .. أعني أن أهل القرية هم الذين كتبوها وليس (موسى صبري)..

وتنظر لوجه الرجلين الظاهرين في الصورة فترى العنف والقوة والصفاقة .. واضح أنهما فلاحان وأنهما من الموسرين، وأنهما منغمسان حتى الآذان في هذا الشيء الغامض الذي يجمعون من ورائه الملايين والمدعو (محليات). هناك أذونات اسمنت في الموضوع وتقسيم أراض وأشياء من هذه التي لا أفهمها بسبب غبائي الذي اقترب من حدود التخلف العقلي..

الصفاقة على وجه الرجلين مألوفة ورأيتها ألف مرة من قبل .. إنه تنمر المصري عندما يعرف أنك لن تفيده ولن تضره.. وجه منادي السيارات الذي لم يرق له ما دفعته .. وجه الكمساري الذي أدرك انك لن تتنازل له عن الباقي ..وجه النادل الذي أدرك أنك لن تدفع بقشيشًا ..

منذ أعوام طوال كانت هناك انتخابات صاخبة بالغة الأهمية في مجلس الشعب .. وكنت أجلس في إحدى الوحدات الصحية مع كاتب الوحدة العجوز الطيب الذي يذكرك بصور (بابا نويل).. قلت له إن التغيرات القادمة مهمة جدًا، فقال في حكمة: مش حيفوز إلا الحكومة يا دكتور .. يعني أنا يبقى القلم في أيدي وأكتب نفسي تعيس ؟.. لا والله .. لازم اكتب نفسي سعيد ...



تأملت عبارته طويلاً وفكرت .. هذه هي الحكمة التي اختزنها المصري عبر قرون وقطرها وركزها .. هذا الرجل لم يقرأ كتابًا واحدًا في حياته لكنه ارتشف الحكمة من الأرض ذاتها .. وأمامه أبدو أنا الطبيب المثقف - كما أفترض - ساذجًا..


لقد اكتسب المصري حساسية خاصة به تجعله يعرف اتجاه الريح ويعرف أين ستكون مصلحته وأين ينتظر الخطر .. تلك الغريزة التي يفقدها المثقفون بسهولة تامة.. يقولون إن قبائل البوشمان تملك حاسة التنبؤ وحاسة قراءة الأفكار، بينما الحضارة تنسف هاتين الحاستين نسفًا .. ويبدو أن القياس هنا صحيح أيضًا .. وأنا لا أتكلم عن الذكاء .. أتكلم عن غريزة فطرية تشعر المصري العادي بما ستتجه إليه الأمور .. وهي لا تخطئ أبدًا ..

أهالي تلك القرية عرفوا بفطرتهم اتجاه الريح .. فأر الجمالية هذا لن يصير رئيس جمهورية أبدًا وإلا بدأ عهده بخراب بيوتهم .. لهذا خرجوا يؤيدون الجواد الرابح ويسبون الجواد الخاسر قبل أن تبدأ المباراة ..كاتب الوحدة العجوز عرف الحصان الرابح ببساطة بالغة ..

لماذا يرسم الناس في الأحياء الشعبية صورة مبارك على شرفات بيوتهم ويرسمون على الجانب الآخر صورة (جمال مبارك) ؟..لقد فهمها الوجدان الشعبي (وهي طايرة) وهو ليس على استعداد لأن يقف في الجانب الخاسر أبدا


أمريكا تطالب بالديمقراطية .. أبلة (كوندي) تضغط وتهدد .. المثقفون يتحمسون ويلوحون باللافتات ويتكلمون عن رياح التغيير القادمة، لكن المصري العادي أذكى من هذا كله .. يعرف أنها (هوجة) وتزول، وان أمريكا لا يهمها من الديمقراطية إلا ما تمنحه من وسائل ضغط تبدو مشروعة .. أمريكا يهمها البترول وإسرائيل فقط، وبعد هذا فلتذهب المنطقة كلها للجحيم .. سوف تنتهي الهوجة وتعود الأمور لما كانت عليه بالضبط .. ووقتها تأتي لحظة الحساب ...

هذه هي موهبة المصري الحقيقية عبر القرون .. لا يمكن خداعه بسهولة .. فإذا تظاهر بأنه صدق الخدعة فلأن مصلحته تشير عليه بذلك .. وهو أذكى من أن يمد يده إلى عشرة الدولارات فيقطع عيشه للأبد ..أو يتقاضى الثمن عملة ذهبية فيقطع (مراد بك) رأسه .. أو يظهر ذكاءه فلا يضحك مشاهدو البرنامج على (شعبولا) بما يكفي ..



بيجاسوس 22-07-07 09:12 AM

شيفرة دافنتشي: متى يتعلم الغرب الحرية منا ؟




أثبتت رواية (شيفرة دافنتشي) أن الغرب ما زالت أمامه أعوام طويلة حتى يتعلم الحرية منا نحن العرب، وحتى يقبل الرأي والرأي الآخر كما نفعل نحن بالضبط .. يا أخي متى يتعلم الفرنسيون والبلجيكيون وسواهم أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، وأن رأيي قد يختلف عن رأيك لكني سأموت لأسمح لك بقوله ؟

ما أتكلم عنه هو نغمة الشماتة الواضحة في وسائل الإعلام العربية التي اكتشفت فجأة أن الغرب ضيق الفكر جدًا. فرحة غامرة تغمرنا لأننا والغرب سواء في التعصب وما فيش حد أحسن من حد.. دعك من الانتشاء بفكرة أن هذه الرواية وجهت ضربة قوية للمسيحية بيد واحد من أبنائها، وفات الكثيرون أن المؤلف سحب في نهاية الرواية كل ما قاله عن الفاتيكان، بل يتضح أن من قال هذا الكلام هو شرير الرواية الأساسي.

الحقيقة أن رواية (شفرة دافنتشي) - الرواية التي طبع منها عشرون مليون نسخة بخمسين لغة - قد تحولت إلى حمى تجتاح العالم.. وكان مرشدو متحف اللوفر أول من لاحظ ذلك؛ لأن الناس يأتون لرؤية مسرح الرواية ويسألونهم عن كل مكان ورد فيها .. مئات من المقالات كتبت عنها، وعشرات المواقع الالكترونية أنشئت خصيصا لمناقشتها. الفاتيكان نفسه خصص موقعًا إلكترونيًا للرد على ما جاء بها. دفع الكتاب أيضا ثلاثة مؤلفين غربيين للرد عليه من خلال ثلاثة كتب: (الحقيقة وراء شفرة دافنتشي)، (حل شفرة دافنتشي)، و(الحقيقة والخيال في شفرة دافنتشي).

(دان براون ) مؤلف الرواية ومعلم الإنجليزية السابق ذو الأربعين عامًا، يسيطر عليه في كتاباته هاجسان: فك الشفرات والمؤامرات الحكومية السرية، لذا جمع الاثنين للمرة الأولى في قصته (القلعة الرقمية) عام 1996 .. ثم قدم (ملائكة وشياطين) التي تدور بين مختبر سويسري والفاتيكان.. لكن رواية (شفرة دافنتشي) وثبت به إلى طبقة المليونيرات، وجعلته – حسب ترشيح (تايمز) – واحدًا من أكثر مائة شخصية تأثيرًا في العالم.

قرأت الطبعة العربية التي تملك حقها الدار العربية للعلوم في لبنان.. ورأيي الخاص أن الترجمة ليست سيئة إلى الحد الذي شاع عنها، لكنها مليئة بالأخطاء اللغوية، ولم تعرب (ذو) مرة واحدة بشكل صحيح .. دعك من الطريقة الشامية في حذف أدوات النداء واستبدال حرف الجيم على غرار (مايكل أنغلو) و(لانغدون) فهذه أشياء تضايق القارئ المصري عادة. في الحقيقة ليست الرواية إلا قصة بوليسية عملاقة فائقة الإمتاع وأنا أوافق بشدة الناقد البريطاني مارك لوسون الذي وصفها بـ (الهراء الخلاب)، فيما عدا هذا تتعامل القصة مع شخصياتها من السطح تمامًا .. التكنيك عادي جدًا هو (البناء المتوازي) حيث تتحرك ثلاثة خيوط لثلاث شخصيات وتنمو معها .. ثم تتقاطع هذه الخيوط قرب النهاية. بطل القصة أستاذ جامعي أمريكي لكنه يأتي بما لم يأت به الأوائل، ويدوخ شرطة فرنسا وإنجلترا ويهرب من كل موقف تقريبًا، والكاتب نفسه قال عنه إنه (يشبه هاريسون فورد) أي إنه كان يتحدث عن صيغة أخرى من (إنديانا جونز) عالم الآثار الوسيم خارق الذكاء الذي لا يمكن قهره أبدًا. يقولون إنها تشبه كثيرًا رواية – لم أقرأها – هي (اسم الوردة) للكاتب الإيطالي (امبرتو ايكو) وإن كانت الأخيرة كما يقولون أعمق وأقرب لروح الأدب. .

تدور (شيفرة دافنتشي) حول جمعية سرية - حقيقية بالمناسبة - تدعى (سيون) كان من أعضائها ليوناردو دافنتشي وفكتور هوجو ونيوتن، تحمي سرًا خطيرًا يمس العقيدة المسيحية، وآخر أفرادها هو القيم على معروضات عصر النهضة في متحف اللوفر، الذي يترك أثناء احتضاره رسالة لصديقه الأمريكي (لانجدون) عالم الرموز الدينية. هذا الأخير هو بطل الرواية الأساسي الذي يستدعونه في ظروف غامضة إلى اللوفر ليعاين الجثة . يستغرق الصراع في اللوفر حوالي نصف الرواية، وطرفاه المحقق الفرنسي الذكي العنيف (فاش) والعالم الأمريكي الذي يحاول فك الشفرات العديدة التي تركها له أمين المتحف المتوفى. هناك خط آخر تمثله منظمة (أوباس بي) الكاثوليكية المتطرفة التي ترسل رجلها الأبرص المخلص لدرجة الموت (سيلاس) لقتل من يعرفون هذا السر .

يبدو عجيبًا أن يكون مخ الرجل الذي مات صافيًا وهو يحتضر إلى حد إعداد هذه السلسلة العجيب من الألغاز، حتى ولو كان أعدها من قبل. لغز يفضي إلى لغز إلى لغز: أصل النجمة الخماسية .. الرجل الفيتروفي .. متوالية فيبوناتشي .. نسبة فاي ..هذه الألغاز المرهقة تدل على بحث دقيق قام به المؤلف في تاريخ الفن واللغويات والأديان القديمة، وهذا هو الجزء المثير في القصة الذي أنقذها من أن تكون مجرد رواية لأجاثا كريستي. يحاول لانجدون حلها جميعًا مع صوفي حفيدة أمين المتحف وشريكته في الفرار؛ هذا الفرار المذهل الذي يذكرنا بأفلام الأكشن .. يبدو أن علماء الرموز الدينية الأمريكيين يتدربون على العمليات الخاصة وفرق الصاعقة ضمن دراستهم الجامعية.

على أن الجزء الخطر من الرواية يبدأ عندما يعلن المؤلف الحرب على الفاتيكان.. بل إنه جعله يلعب دور الشرير Villain في أكثر القصة.. إن العالم الفار من الشرطة بتهمة القتل يتذكر فجأة صديقًا بريطانيًا هو السير (لاي تيبينج)، وهو خبير آخر في الرموز الدينية وقد أفنى عمره في البحث عن الكأس المقدسة. لا يبدو ظهور هذه الشخصية المفاجئ مبررًا لكن هذا يعطينا الحق في سماع محاضرة طويلة عن دور الإمبراطور قنسطنطين الروماني في إخفاء دور مريم المجدلية المحوري في المسيحية، وأنه هو الذي قلص دور المرأة في المسيحية عامة وجعل فكرة الأنثى والجنس مؤثمة في أذهاننا (قرأت نفس الاتهام لكنه كان موجهًا لبولس الرسول في كتاب قديم للراحل صلاح حافظ).. مع تلميحات كثيرة لموضوعات مثل العقيدة المثرية وعبادة الشمس ومفتاح الحياة .. الخ ... خلاصة كلام السير المذكور أن الكأس المقدسة ليست سوى السر الذي حرص الفاتيكان على إخفائه طوال التاريخ ليحتفظ بسيطرة دنيوية مطلقة على المؤمنين. أما دافنتشي فكان ينتمي لعقيدة عبادة الأنثى الخالدة.. إنها عشتار .. أستير .. إيزيس .. فينوس .. لهذا حرص في كل الرسوم الدينية على أن يدس رموزًًا وثنية خفية .. الموناليزا ذاتها ليست سوى كائن خليط من ذكر وأنثى معًا (لاحظ أحمد رجب هذا منذ ثلاثين عامًا في مقال ساخر له) .. واسمها مزج بين اسمي (آمون) و(إيزيس). وهنا نجد أن الرواية تخلط بين عقيدة الأنثى المقدسة وسر مريم المجدلية ذاته.

في النهاية يقدم الكتاب اعتذاره للفاتيكان بأن يتضح أن المخرج الأساسي للمسرحية هو السير (لاي تيبينج) نفسه؛ على طريقة القصص البوليسية البريطانية التي يكون القاتل فيها آخر شخص ممكن.. إذن المؤلف يعتذر في النهاية: لا ذنب للفاتيكان في سلسلة القتل ..هذه الجماعة المجنونة هي السبب .. الرجل الذي تكلم بالسوء عن الفاتيكان هو المجرم الأصلي .. بل أكثر من ذلك يفضل لانجدون ترك السر حيث هو.. لأن الإيمان مهم للبشر ومن دونه يضيعون. لكن لا يبدو أن أحدًا قرأ هذا الاعتذار أو اهتم به ..

هذا الاعتذار الواضح في آخر الرواية لم ينقذها من غضب (المركز الكاثوليكي للاعلام) في بيروت الذي طالب بمنع تداول الكتاب. وتم هذا بالفعل. وفي فبراير الماضي وفي بلدة (فنتشي) مسقط رأس ليوناردو أجريت محاكمة للرواية .. لكن لم تكن المحاكمة بسبب ما قيل عن الفاتيكان فيها بل بسبب اتهامها دافنتشي بأنه (شاذ جنسي متطرف)، وفي هذا الصدد عرض المحاضرون صورًا رسمها ليوناردو تثبت أنه كان – بلا فخر - يشتهي الأنثى. كما فندوا اتهام الرواية له بأنه اخترع أسلحة خطيرة .. ثم ظهر مندوب منظمة (أوباس دي) التي اتهمها الكتاب بالسادية والمرض النفسي، والتي تنتمي لها أبشع شخصيات الرواية: الأبرص (سيلاس) الذي يربط فخذه بحزام شوكي ليعذب نفسه والذي يطيع أوامر قسه طاعة عمياء كأنه تابع فرانكنشتاين.. دافع الرجل عن المنظمة وقال إن ما ذكر عنها في القصة هراء.

كل هذا الجو الفكري المنغلق أثار ذهول العرب الذين اعتادوا حرية الرأي حتى صارت طبيعة ثانية ثانية لهم .. لا أحد يصدق هذا الانغلاق الفكري ورفض الآخر.. ربما لهذا تخلف الغرب وتقدمنا نحن..

يقول أحد مواقع الإنترنت: "منع رواية (شفرة دافنتشي) في بلد يتمتع بحريات غير محدودة مثل لبنان، بحجة ان الرواية تسيء للفاتيكان كمؤسسة دينية، هي حجة واهية ولا تتناسب مع حرية الرأي والفكر والعقيدة، التي هي من ابرز سمات الدولة في لبنان! ". وينقل موقع سعودي خبرًا يقول: " قال كريس اليسون وزير العدل الاسترالي يوم الثلاثاء ان المسؤولين الاستراليين مزقوا نسخة من رواية «شفرة دافنتشي» للكشف عن مخدرات غير قانونية كانت مخبأة داخل نسخة للرواية الاكثر مبيعا بعد ان ارسلت الى استراليا من بريطانيا. ".. وعنوان الخبر يوحي بأن الحكومة الأسترالية مزقت الرواية لأنها لا تطيقها. هناك مواقع إنترنت تناقش الآن نظرة الغرب الدونية للمرأة تلك النظرة التي فضحتها هذه الرواية .. ترى لماذا لا تعامل المرأة على قدم المساواة مع الرجل مثل مجتمعاتنا ؟

الحقيقة أن هذه الرواية جاءت في وقتها لتقنع الفكر العربي بأننا (كويسين جدًا) وأن الغرب يعاني ذات عيوبنا وربما ألعن.. لكن على قدر علمي لم يطالب أحد بمصادرة الرواية هناك. لقد صودرت في بيروت لكن من قال إن اللبنانيين ليسوا عربًا ؟..

سيستمر (دان براون) في الكتابة .. ويبدو أنه لن يتخلى عن بطله (لانجدون) لأنه سيقدمه في قصة جديدة يواجه فيها الماسونية .. وهذا يدعم فكرة إنديانا جونز التي قلناها من قبل. ولسوف تغضب منه الجهات الدينية هناك... لكن هذا كل شيء.. لن يتطوع أحد بغرس سكين في عنق الرجل دون أن يقرأ روايته .. لن يضعوا كشك حراسة ينام فيه (بسطويسي) أمام باب بيته..لن يفر إلى هولندا مع زوجته بسبب دعوى حسبة .. لا داعي للشماتة إذن لأننا عائدون إلى دورنا المعتاد قريبًا.. سوف يكتب مؤلف عربي كتابًا ما يشعل الفتيل، ولسوف يصادر هذا الكتاب على الفور وبلا مناقشة .. من كان منا بلا خطيئة فليرجم الغاضبين على (شيفرة دافنتشي) بحجر !



بيجاسوس 22-07-07 09:14 AM

من فعلها ؟




" أتوقع حدوث استقرار أمني في المستقبل القريب في العراق خاصة بعد تشكيل حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري وتولي جلال طالباني رئاسة العراق"

إيهاب الشريف في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) قبل مغادرته القاهرة يوم 31 مايو 2005 إلى بغداد

***

إنها قصة بوليسية مكتملة الأركان.. قصة بوليسية مرعبة أحدثت أسى عميقًا ممزوجًا بالاشمئزاز والذهول والمرارة في بر مصر؛ لأنها مأساة بدت للجميع غير ضرورية وكان يمكن تفاديها ..

قصة بوليسية مكتملة الأركان هي .. الدافع معروف .. إنه خليط من الانتقام الدموي ودفع الدول إلى التفكير مرتين قبل التعاون مع حكومة العراق؛ وكما قال (هيكل): "هناك استراتيجية لما يجري في العراق .. استراتيجية شنيعة لكن يمكن فهم دوافعها .. إن لعبة (الصدمة والرعب) لعبة يلعبها اثنان وليست قاصرة على الأمريكيين" .. الفاعلون معروفون وسوف نعلن عريضة اتهامهم بعد قليل، لكن ينقص الجريمة ركن واحد: الجثة .. لا توجد جثة ولا صور ولكن الحكومة المصرية بادرت إلى تأييد القصة التي نشرها موقع إنترنت متطرف، وأعلنت وفاة الشريف يوم الخميس. فما معنى هذا ؟.. رجل الشارع استنتج على الفور أن الحكومة المصرية تعرف ما هو أكثر وأن لها مصادرها.. لكن أين كانت تلك المصادر بينما الشهيد (إيهاب الشريف) في قبضة خاطفيه ؟

إنه مساء السبت 2 يوليو .. ليل بغداد المظلم ..بالتحديد في حي المنصور الذي شهد آخر هتاف لصدام منذ عامين قبل سقوط بغداد بيوم ..سيارة جيب شيروكي بيضاء تقف جوار كشك لبيع الصحف .. ورجال شرطة يبحثون عن رجل مصري وقور في الحادية والخمسين من العمر ..

حالة الارتباك العامة تدلك على أن المختفي صاحب السيارة شخص عظيم الشأن ..شهود العيان يحكون عن رئيس البعثة الدبلوماسية المصري إيهاب الشريف الذي ترجل من سيارته ليبتاع جريدة، من ثم برز له هؤلاء المسلحون في سيارتين من طراز (بي إم دبليو)، وأرغموه على ركوب سيارتهم لأنه (جاسوس أمريكي)...

كيف عرفوا شخصيته وكيف توقعوا أنه سيبتاع جريدة ؟... لعلها عادة من عاداته أو كانوا يراقبون سيارته منذ فترة، وهذا يشير إلى اختراق كامل للأجهزة الأمنية العراقية وربما حرس السفارة .. هنا يتساءل رجل الشارع: منذ متى يخرج السفراء في بلد خطر مثل بغداد دون حراسة ؟.. ومنذ متى يبتاعون صحفهم بأنفسهم بينما في مصر يصعب عليك أن تقابل سكرتير مدير مكتب الجوازات ؟.. لاحظ أن الشريف هو ثاني دبلوماسي مصري يُختطف في العراق بعد محمد ممدوح قطب الذي اختطفته جماعة تدعو نفسها (كتائب أسد الله) في يوليو منذ عام .. وظهر في ذلك المشهد المعتاد البشع مقيدًا بينما يقف وراءه الملثمون يتلون بيانهم والعلم الأسود في الخلفية .. بعد هذا أطلق سراحه لأنه (يتمتع بوازع ديني وأخلاق مهذبة) وكأن الشريف رحمه الله لم يكن كذلك ..

ألم يكن هذا كافيًا كي تتخذ الحكومة العراقية وحرس السفارة المزيد من الحذر ؟..

في شقته بمدينة نصر تحاول ابنته (إنجي) الطالبة بكلية الإعلام الاتصال به أكثر من مرة لكن هاتفه المحمول مغلق .. تتوجس خيفة لكنها لا تصارح أحدًا بمخاوفها ..

الحكومة العراقية تبحث عن الفاعلين .. إنه مأزق حقيقي لها لأن هذه الصفعة تأتي في الصميم لتبين عجزها عن حماية من يجب أن تحميهم ..هذا ارفع دبلوماسي عربي في العراق حاليًا .. . في ذات اليوم تحدث عدة هجمات على أكثر من دبلوماسي لعل القصد منها الخطف ولعله الاغتيال .. لكن الدبلوماسيين ينجون جميعًا فيما عدا سفيرنا ..

ثم تدور الأحداث بسرعة وبذات السيناريو المعتاد .. بيان على الإنترنت من تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين يعلن اختطاف السفير مع عرض حشد من البطاقات الشخصية والرسمية ... وتحت عنوان (الصارم البتار على سفير الكفار) جاء في البيان ذي اللغة (القاعدية) الواضحة: " قررت المحكمة الشرعية بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، تحويل المرتد سفير دولة مصر الموالية لليهود والنصارى إلى المجاهدين كي ينفذوا حد الردة فيه." .. حتى هنا توقع رجل الشارع أن المفاوضات ستستغرق عدة اشهر ثم يفرج عن الرجل مقابل (الحلاوة) كالعادة .. الحلاوة التي بلغت ستة ملايين دولار في بعض الحالات.. حتى عندما ظهر على الشاشة معصوب العينين قلنا لنفسنا إن هذا المشهد يتكرر كثيرًا .. لكننا رأينا أن البيان انتقل للتهليل: " "جاء اليوم الذي نثأر فيه لإخوتنا وإسلامنا من طاغوت مصر وزبانيته، ونحمد الله تعالى أن مكننا من أسر أحد أئمة الكفر سفير مصر المدعو إيهاب الشريف الذي كان يعمل لدى السفارة المصرية في دولة اليهود اللقيطة."

والبيان يحمل اسمًا (قاعديًا) آخر من تلك الأسماء المنذرة بالذبح، وهو (أبو ميسرة العراقي).. الناطق الإعلامي للتنظيم ..

هنا فقط لعب الفأر في عبنا وقد تذكرنا أن الشريف سبق له رئاسة بعثة مصر في تل أبيب. بل كان هو القائم بأعمال السفارة المصرية لدى إسرائيل في فترة انقطاع الاتصالات الدبلوماسية. قد نختلف أو نتفق مع التطبيع لكن لماذا أرسلوه هو بالذات دون سواه إلى العراق ؟.

رجل الشارع قلق .. الكل ينتظر .. ترى هل كانت هناك مطالب لمختطفيه ؟.. لو كان الأمر كذلك فلماذا لم تنفذها الحكومة المصرية ؟.. لكن الأحداث تتحرك إلى نهايتها المحتومة كأنها مأساة إغريقية نعرف نهايتها سلفًا .. مجموعة أبي مصعب الزرقاوي – الشهير بالذباح - أعلنت في بيان يوم الخميس على موقع على شبكة الانترنت أنها قتلت الدبلوماسي المصري الذي تحتجزه رهينة:

"بيان تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين يعلن قتل سفير الطواغيت إيهاب الشريف." وجاء في البيان "نعلن نحن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أن حكم الله تعالى في سفير الكفار، سفير مصر قد نُفذ ولله الحمد."

الحكومة المصرية أيدت النبأ على الفور، فلم يعد من داع لمحاولة تكذيبه أو الشك فيه .. وعدت الحكومة الأمريكية باستجلاء ملابسات الحادث، وأرسلت الحكومة المصرية وفدًا لإجراء مفاوضات تسلم الجثة .. فقط ندعو الله أن يكون هؤلاء أكثر حذرًا فلا نراهم مقيدين أمام الراية السوداء غدًا...

ما زال الحادث غامضًا وسوف تتضح حقائق كثيرة فيما بعد لكن رجل الشارع المصري .. سائق التاكسي والقهوجي والواقفين في طابور الخبز .. هذا الرجل قد فحص الأدلة وأصدر حكمه – الذي لا استئناف فيه - على السادة الآتية أسماؤهم:

1) الإهمال: كيف تترك رجلاً بهذه الأهمية يمشي وحده بلا حراسة في عاصمة خطرة مثل بغداد، وبعد عام من سابقة معروفة خطف فيها محمد قطب ؟

2) سوء الاختيار: ألم يجدوا رجلاً يرسلونه إلى بغداد إلا القائم بالأعمال في تل أبيب ؟.. أم أنه اختير لهذا الغرض بالذات كعلامة على حسن النية تجاه الحكومة الأمريكية ؟

3) سوء التوقيت: وهو ليس سوء توقيت بالضبط ... راجع المتهمين الرابع والخامس.

4) هوشيار زيباري وزير خارجية العراق: الذي سارع من بروكسل إلى إعلان أن مصر ستكون أول دولة عربية ترفع تمثيلها الدبلوماسي إلى درجة السفير. كأنه يريد (تدبيس) الحكومة المصرية بإعلان قرارات لم تنفذ بعد .. الفقيد وصل العراق منذ ثلاثة أسابيع لا أكثر فتلقاه الأخ أبو مصعب الزرقاوي على الفور.

5) الحكومة المصرية ذاتها: قرار تعيين سفير لمصر بالعراق صدر خلال زيارة أبله كوندي لمصر .. وبشكل شبه سري .. فما معنى هذا ؟ .. رجل الشارع استنتج وجود صفقة لإنقاذ بوش من المستنقع العراقي مقابل أن ينسى لبعض الوقت عفريت الإصلاح السياسي الذي حل عليه .. صفقة دفع الشريف ثمنها كما هو واضح ..

6) روح التطرف العامة التي صنعت وحوشًا قادرة على ذبح رجل باك مقيد اليدين .. أقسم بالله العظيم أنني رأيت منذ أشهر ندوة دينية في قناة (إقرأ) ، كان المحاضر يحدث فيها مجموعة من الشباب السعودي الملتحي عن عملية ذبح مرتد في تاريخ الإسلام الأول، فراح يصف بالتفصيل كيف تم الذبح، وكيف سال الدم وكيف راح الرجل يتلوى كالشياه .. كانت عيناه تلمعان استمتاعًا وانفجر الشباب يضحك في بشر ورضا كأن الهلال السعودي أحرز جول المباراة الوحيد. ثم يتساءلون من أين يأتي التطرف وكل هذه الدموية ؟.. أبو مصعب الزرقاوي حضر ندوات مماثلة كثيرة وضحك مع الضاحكين بلا شك. لاحظ أنني لا أناقش الحدود لكني أناقش الاستمتاع الوحشي السادي بها.

7) في النهاية نتهم تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين باعتباره – فقط - اليد التي نفذت.. !



رحم الله إيهاب الشريف .. كان محترفًا نفذ ما صدر له من أوامر، فحمل على كاهله أخطاء الجميع .. والمشكلة تزداد تفاقمًا لأن خروج أمريكا من العراق يعني إعلان الزرقاوي خليفة بغداد في اليوم الثاني ويعني أنه كان على صواب طيلة الوقت، وبقاءها يعني أن تبقى عاصمة الخلافة وثاني أهم دولة عربية محتلة .. منك لله يا صدام ويا بوش.




بيجاسوس 22-07-07 09:16 AM

شنآن قوم ..



قال لي صديقي الفنان الموهوب: قل ما شئت، لكن أفضل فنان كاريكاتور عرفته مصر بعد صلاح جاهين هو مصطفى حسين ..

قلت له: لكن خطوطه سهلة التقليد، وهناك رسام صحفي معروف لا يفعل سوى أن يقلده حرفيًا حتى أطلقوا عليه (مصطفى حسين تقفيل تايوان)، كما أن هناك جيلاً من الشباب لا يفعل إلا الرسم مثله. قال لي في ثقة: هذا كلام معه لا ضده لأنه بسبق حائز تفضيلاً .. تذكر أن أحدًا لم يرسم ميكي ماوس قبل ديزني .. أي طفل يستطيع بإصبع واحدة أن يعزف (أهواك) لكن أحدًا قبل عبد الوهاب لم يعزفها..

ثم أردف: لقد خلق مصطفى حسين أنماطًا وحلولاً بصرية لا سابق لها .. وبالنسبة لرسم البورتريه هو الفنان الوحيد على مستوى العالم الذي نجح في نقل روح صدام حسين لا ملامحه فقط .. إنه الأستاذية تمشي على قدمين ..

تذكرت هذه الكلمات عندما نشر مصطفى حسين ذلك الكاريكاتور الشهير سيئ السمعة، الذي يظهر المعارضة تنبح كالكلاب بينما رجل يقول للآخر إنهم شموا رائحة الديمقراطية فأصابهم السعار .. كاريكاتور فظ وقاس ويفتقر للحنكة، بل إنه يعكس في ثناياه زلة لا شعورية خطيرة تعترف فعلاً أن الشعب المصري يشم رائحة الديمقراطية للمرة الأولى (إذن ماذا كان أزهى عصور الديمقراطية يفعل طيلة أربع وعشرين سنة؟)، وفي هذه النقطة أقر وأبصم أن مصطفى حسين محق. إنها المواقف التي تحمل في ثناياها هشاشة تغري بالهجوم عليها .. مثل ذلك الكاتب اللوذعى في أخبار اليوم الذي نشر مرثية لمبارك لأنه عاجز عن أكل طواجن البامية والمحشي ... أي حمق هذا ؟ !.. لو كنت مكان مبارك لعاقبته بعنف لأن هذا الكلام الساذج يحمل في ثناياه الرد عليه: ونحن نشفق على الرئيس ونريد أن يعود شخصًا عاديًا يأكل البامية!.. وهو ما قيل بالفعل في أكثر من جريدة ..

المشكلة هي أن مدافع (نافارون) انطلقت لتدك معاقل مصطفى حسين .. فجأة صار فنانًا محدود الموهبة لا قيمة له، ولو لم يرتبط اسمه بالعظيم أحمد رجب لظل نسيًا منسيًا .. صار الرجل طاغية يرمز للفساد يكتنز في بطنه العملاق القرى السياحية وأراضي الدولة ...

إن تاريخ العثرات الصحفية طويل، ومن العسير ألا تجد كاتبًا تورط في شبهة نفاق أو نفاق صريح أو خطأ لا يغتفر .. لدي مقال - أصر على الاحتفاظ به - نشر في مجلة الهلال عام 1951 للعقاد يمتدح فيه الملك فاروق ويصفه بأنه الشمس التي أشرقت على أرض وادي النيل فأينعت .. عام 1951 هو عام بلغت فيه روح المصريين الحلقوم من الملك الفاسد وهو ذا كاتبنا الشجاع يمتدحه في حماس مريب .. وماذا عن مقال أنيس منصور الشهير الذي يدعو فيه لإباحة البغاء لحل مشاكل الشباب ؟.. وغير هذا كثير ...

ثم تعال هنا .. منذ متى كان ثنائي (رجب / حسين) مناضلاً مدافعًا عن الحريات ؟... عندما صدرت التعليمات من فوق – أيام كامب ديفيد - رسم مصطفى حسين الزعماء العرب يجلسون على قصاري الأطفال، ورسم صدام حسين يقتل ضحاياه بالغازات السامة الخارجة من معدته، ورسم الملك حسين أيام حرب الخليج الثانية يتذوق الحليب من ثدي امرأة حسناء ليتأكد من صلاحيته لأطفال العراق .. وعندما تغيرت التعليمات صارا مدافعين عن الحريات وأكبر منتقدين لرؤساء الوزارات (الوزارة في المغارة) ورسوم مصطفى حسين عن الرزاز وزير المالية الشهير بالجباية تكفي لملء مجلد كبير ..
المهم أن كل هذه اللوحات كانت تحمل العبارة (فكرة أحمد رجب).. وهذا يعني أنهما كانا موظفين لدى الدولة لا أكثر ولا أقل، ولم (ينحرف) مصطفى حسين فجأة لأن الكاتب الكبير تخلى عنه .. ويقال إن هذا الكاريكاتور الذي اغضب المعارضة هو اعتذار من الفنان عن كاريكاتور سابق أظهر فيه مصر امرأة انتفخ بطنها بالديمقراطية وتساءل إن كان هذا حملاً كاذبًا أم لا .
مشكلتنا هي أننا لا نقيم بعضنا البعض بموضوعية .. أتمنى أن نقول: هذا فنان رائع لكنه ساذج سياسيًا .. الكاتب الفلاني عظيم الموهبة لكنه فاسد سياسيًا .. لكننا نحكم على الأمور أيديولوجيًا ومن اللحظة الأولى، ونعيب بعد هذا على خصومنا أنهم يفكرون بالكيفية ذاتها .. إنهم لا يبالون بمفكرين من طراز جلال أمين وفهمي هويدي وعبد العظيم أنيس لأنهم ليسوا من معسكر الحكومة كأن هذا يكفي لجعلهم ضحلين.. ونحن ننزع تاج الشعر عن شاعر لمجرد أنه يحب الكتابة عن عيون حبيبته ولا يكتب عن معاناة البروليتاريا .. تأمل نتائج مسابقات القصة التي يكون المحكمون فيها ذوي ميول يسارية .. فيلم فجر الإسلام جيد ومحكم لكننا نعتبره سقطة من سقطات صلاح أبو سيف لمجرد أننا نختلف معه أيديولوجيًا .. لماذا ملأنا الدنيا صراخًا عندما قال بوش: من ليس معنا هو ضدنا .. بينما نحن نفكر بالطريقة ذاتها طيلة الوقت ..؟
هذا هو بيت الداء .. عندما نختلف نختلف بعنف ونرفض كل شيء وننأى عن الموضوعية .. مصطفى حسين رسام عبقري بلا شك وكان بوسعه أن ينجح مع أو بدون أحمد رجب .. يمكنك أن تتهمه بالنفاق إذا كان يدرك معنى ما نشره، أو بالخرق إذا لم يكن يدرك .. لكن لا تنتزع منه عرش الكاريكاتور المصري المعاصر من فضلك، بعد ما لاقى جاهين ربه واعتزل حجازي العظيم بإرادته .. يمكنك أن تتهمه بفساد الفكر لكن لا تتهمه بانعدام الموهبة أبدًا ..

ومن جديد نتذكر كلمات القرآن الكريم البليغة الموجزة حين دعانا ألا يبعدنا شنآن قوم عن العدل...




بيجاسوس 22-07-07 09:17 AM

عن محرقة المثقفين والمدرعة بوتمكين



ليرحم الله أسامة عبيد .. عندما أتذكره تتداعى لذهني قافلة كاملة من الذكريات التي تمت لثمانينات القرن الماضي.. بيته في شارع الألفي، ونادي التمثيل في كلية الطب، ومسرح مدينة طنطا المتداعي الذي يصلح لتصوير أفلام الرعب، ومكتب أمن الدولة بالكليات الذي يدللونه باسم (رعاية الشباب)، وقصر الثقافة ودخان التبغ الذي تجمد في الهواء، وصرخاته العصبية في مجموعة الممثلين الهواة الذين يعتقدون أن المناداة على الطماطم والتمثيل ينتميان للفن ذاته. أسامة عبيد طالب الطب الذي ظل في السنة الخامسة حتى شاب شعره وتجاوز الأربعين، وصار زملاؤه أساتذة يدرسون له في ذات الكلية .. كان يشتعل بجنون المسرح الذي سرق حياته، لكن النقطة الأهم هي أنه كان ماركسيًا صريحًا بلا مواربة .. في ذلك العصر – أوائل الثمانينات - كان طالب الجامعة الماركسي يواجه خطرين: خطر أمن الدولة وخطر الجماعات الدينية. ولم يكن الطلاق قد تم بعد بين هذين الكيانين. إنها سياسة الحكومة الدائمة: عندما يزداد السكر في الطعام يجب أن تزيد الملح .. إلى أن يتضاعف خطر الملح فتضطر لزيادة السكر من جديد، وهكذا للأبد .. في ذلك العصر كان الخطر هو الملح .. أعني الشيوعيين والناصريين لهذا دللت الحكومة السكر .. أعني أعضاء الجماعات، قبل أن تفيق على أنهم صاروا يسيطرون على الجامعة سيطرة مطلقة، وقبل أن ترفع المقاعد ويتلاشى دخان المنصة ليرى الجميع جثة السادات الممزقة على الأرض ..

في هذا العصر كان أسامة عبيد لا يكف عن التبشير بماركسيته، وكانت هذه المرة الأولى التي ألقى فيها مثقفًا ماركسيًا خارج الكتب، فبدا لي غريبًا ثائرًا بلا لحظة تعب واحدة .. كأنه خرج من أحد كتب جوركي أو شولوخوف. كان يتهمني بأن ثقافتي أفقية لا رأسية لأنني لم أنخرط معه، وكان يقول: "أي مثقف حقيقي هو يساري بشكل تلقائي"، لكني أعترف بأن هناك عاملاً مهمًا جعلني أبتعد عن دائرته هو الخوف .. كنت أتخيل دائمًا تلك الغارة الليلية أو الصباحية على داري والزنزانة المليئة بالماء والكرابيج والكلاب والصعق بالكهرباء، فكان هذا يقضي على أي حماس لي لفهمه أكثر .. فقط كنت أحتفظ بصداقته من بعيد، وأحضر مسرحياته التي كان يخرجها في حماس مشبوب كأنه بصدد الإعداد لثورة .. دخان التبغ والمقاعد المغبرة التي يعلوها طن من التراب، والخيش والفئران التي تجري على قدمك قبل أن ترفعها، والوجوه الغريبة التي تجلس في آخر القاعة ولا نعرف من أصحابها على الإطلاق .. أذكر كذلك تلك المسرحيات التي كان يختارها ذات الطابع الملحمي البريختي: (مارا صاد) و(غول لوزيتانيا) و(بهية وياسين) .. المسرحيات التي كانت تقدم في مهرجان الجامعة وكان هو يصر على أن يدس فيها آراءه الخاصة ...

عرفت مدى فقر الإمكانيات ورثاثة كل شيء والممثلين الذين لا يعرفون ما هو التمثيل أصلاً، ومصر في مسرحياته هي دومًا فتاة شاحبة رديئة التمثيل جاء بها من مدرسة التمريض، لكنها باردة قادرة على تحمل صراخه وانفجاراته العصبية التي لا تنتهي .. وكنت أتساءل كيف يستطيع أن يستخلص فنًا من كومة الركام هذه ..

لم يكن أحد يفهم ما يقول .. لم يكن أحد يعبأ بما يقول .. فقط جهة واحدة كانت تهتم وترصد وتراقب ..

تذكرت هذه الأحداث وأنا أقرأ مأساة الفنانين الذين التهمتهم النار في بني سويف. هناك أخبار متضاربة بهذا الصدد ولست متأكدًا بصراحة من موضوع إغلاق المسرح بالجنزير عليهم من الخارج، وربما كانت إشاعة تناثرت وصدقها الجميع، لكني أعرف شيئًا واحدًا هو أن موضوع الجنزير كان يحدث حرفيًا أيام أسامة عبيد ..

إن هذا الحادث البشع يكشف عن جوانب كثيرة من فكر الأمن والنظرة العامة للفن والشخصية المصرية نفسها .. عن جانب الإهمال حدث ولا حرج.. أذكر أنني كنت أحضر محاضرة يلقيها مهندس معماري شاب، قال لنا ضاحكًا إن هذه القاعة التي نجلس فيها تخالف أبسط قواعد التصميم الهندسي التي يعرفها أي طالب في إعدادي هندسة ، وأشار إلى الباب وقال: أي مكان يعقد فيه اجتماع عام يجب أن تفتح أبوابه للخارج لا للداخل، وإلا هشم الناس بعضهم في حالة هلع الحريق على باب لا ينفتح .. في الغرب يعرفون هذا الموقف جيدًا ويطلقون عليه Theater Panic لكن المشكلة في مصر أننا نعرف .. لسنا جهلة بل نعرف لكن أين التطبيق ؟

ما زلت أذكر بروفات أسامة عبيد والمخبرين الجالسين أفواجًا في الظلام على مقاعد المشاهدين، حتى أنني قلت له ساخرًا: أنت تساهم في تثقيف رجل الأمن بروائع المسرح العالمي، ولولا هؤلاء لما وجدت جمهورًا تقدم له عروضك. تذكرت رجال الأمن المركزي الذي يقفون خارج باب المسرح كأنهم يحرسون تسربًا نوويًا في مفاعل .. تذكرت كل هذا وقلت لنفسي: ما سر هذه النظرة التي تنظر بها أجهزة الأمن للمثقف والتي تدفعها لإهماله وتقديم قبو متداع يقدم فيه عروضه، ثم الشك فيه ومراقبته إلى درجة محاصرة عمله بالجنازير ورجال الأمن المركزي ؟

الإجابة هي أن الدولة تمقت المثقف وتشك فيه فعلاً.. إنه كائن منكوش الشعر متحذلق يلبس سروالاً من الجينز زمامه مفتوح، ويدخن كمحرقة الجثث، ويلبس نظارة سميكة تم لحامها بالنار، من وراء زجاجها ترى عينيه صغيرتين مستدقتين كعيني بقة .. إنه فقير كالأبالسة وثرثار ومزعج .. إنه يقول كلامًا غريبًا لا يفهمه أحد، وقد تعلم رجال الأمن أن يشكوا في أي كلام غريب غامض ... منذ خمسين عامًا تعلم رجال الأمن أن أي كلام لا يفهمونه هو أفكار شيوعية على الأرجح يقولها رجل شيوعي كافر وابن كلب غالبًا ...

في كتابه الظريف (الطريق إلى زمش) يحكي عمنا الثرثار محمود السعدني عن صول المعتقل الذي دخل على المعتقلين يسأل عن أي رجل (متعلم ونبيه).. فمن يلبي نداءه إن لم يكن د. (لويس عوض) ؟.. اتضح أن الصول يريد من ينظف بالوعة المجاري المسدودة، ووقف المعتقلون يكتمون ضحكهم وهم يرون أستاذ الأدب الإنجليزي الوقور يشمر كميه ويمد يده العارية في البالوعة ليخرج ما بها من قاذورات.. لو صدقت هذه القصة فهي نموذج مثالي لرأي الدولة في المثقف عامة ..

وما زلت مع تداعيات الحادث الذي ذكرني بمسرحيات أسامة عبيد .. لم يكن الأمر بهذا الخطر .. لم تكن أية مسرحية من مسرحيات أسامة قادرة على إحداث ثورة .. لسنا في (مونمارتر) هنا .. فلماذا يهتمون بها إلى هذا الحد ؟.. مخبرون وأمن مركزي وأجهزة تنصت وملفات .. هذا يقودنا إلى التفكير في حاسة النقد العبقرية العالية لدى الطغاة .. إن الطغاة أغبياء في كل شيء، لكنهم في هذه النقطة بالذات شديدو الذكاء والحرص.. وقد أبدى المخرج الكندي المشاغب كروننبرج إعجابه الشديد بذكاء الطغاة حين يشمون الخطر في أفلام مخرج أو قصائد شاعر، بينما النقاد غافلون عنه ..وقد تجاهل النقاد الألمان الفيلم السوفييتي الرائع (المدرعة بوتمكين)، فمن الذي شعر بأهميته وخطره ؟.. (هتلر) شخصياً !! .. عندما كان يصرخ في رجاله: أعطوني فيلمًا مثل المدرعة بوتمكين أو موتوا !

ليرحم الله فنانينا الذين افترستهم النيران فدفعوا ثمن أخطاء الحكومة وأخطاء الشخصية المصرية ذاتها.

ليرحم الله أسامة عبيد الذي قتله الفشل الكلوي .. لقد كان نموذجًا للمثقف الثوري الذي لم يفهم رجال الأمن حرفًا مما يقول، لكنهم فهموا أن عليهم أن يحاصروه ويراقبوه ويضيقوا عليه الخناق، ولن أندهش لو كان ملفه ما زال مفتوحًا في مكتب ما بوزارة الداخلية برغم مرور أعوام على وفاته .





الساعة الآن 03:20 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية