منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f498/)
-   -   [قصة مكتملة] أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل الثاني والثلاثون واﻷخير) (https://www.liilas.com/vb3/t199405.html)

همس الريح 06-08-15 10:52 AM

رد: أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل السابع والعشرون)
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ليل الشتاء (المشاركة 3548409)
وانا اما قريت المقطع قولت هموسه انشقت عن جبهة داعش (ضدجابر
وكنت لسه هبدء صفحه جديده (فيس مصدوم ومتحسف انه فكر في صفحه جديده

الحين احنا الرقيقين اللي في وجه جابر المتوحش صرنا داعش ..يا كبرها عند ربي بس ..
افتح صفحه جديده مع جابر لما يقول لارجوان "احبك" ..

همس الريح 06-08-15 11:18 AM

رد: أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل السابع والعشرون)
 
ميشوووووووووووووووووووووووو .. و انا اقول ليش المنتدي منووووور ...
ارررررحبي
هلا و الله ..

برد المشاعر 06-08-15 11:44 AM

رد: أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل السابع والعشرون)
 
أغذروني بنات للآن ما كملت تعليقاتكم وإن شاء الله برد ولو مبسط

لأن النت رجع سيء جدا فكل همي أنزل الفصل ولي معاكم كلام حلو





الفصل الثامن والعشرون










" هيه وسن أين وصلتِ "

رفعت رأسي لها فقالت ضاحكة " ألن تخبريني ما بك اليوم "

قلت ببرود " وما بي "

غمزت بعينها وقالت " متجهمة وشاردة الذهن وشيئا ما

في ملامحك لم أفهمه ولم أره سابقا "

أشحت بوجهي عنها للجانب الآخر ولم أتكلم فأمسكت بذقني

وأعادته جهتها وقالت " ماذا حدث بينكما هل تشاجرتما مجددا "

أنزلت نظري للأسفل وقلت بهمس " بل نام معي "

شهقت وقالت بصدمة " مستحيل ما هذه المعجزة "

أشحت بوجهي وقلت بضيق " ملاك لست بمزاج لك "

قالت بتوجس " هل أجبرك على ذلك "

عدت بنظري للأسفل وهززت رأسي بلا دون كلام فصفقت

واقتربت مني أكثر وقالت بحماس " ما كل هذه المستجدات

والتشويق هيا أحكي لي ولا تتركي ولا تفصيلا بسيطا "

نظرت لها بصدمة فضحكت وقالت " سرك في بئر

ولا تخجلي مني "

ضربتها بحقيبتي وقلت " وقحة ما تعنيه بهذا "

رفعت رأسها وضحكت كثيرا ثم نظرت لي وقالت بمكر

" أريد معرفة كفاءة رجال الخيول وها هي التجربة الأولى لديك "

ضربتها بالحقيبة مجددا ووقفت وقلت بضيق

" استحي قليلا يا قليلة الأدب "

وقفت وضمت يداها لصدرها وقالت بحالمية " وأخيرا يا وسن

لقد أطلتماها حتى تجاوزت الحد متى دوري يا رب "

قلت مغادرة من أمامها " وقحة والذنب علي أني أخبرتك "

لحقت بي وأمسكت يدي وسحبتني جهة أحد الكراسي وأجلستني

وجلست وقالت " أين أين هذا حدث تاريخي يلزمه جلسة "

قلت ببرود " لا شيء أخبرك عنه لكنت قلته من نفسي "

قالت بتذمر " لا سامح الله الفضول الذي رماني عليك , أقطعي

الفيلم من القبلة الأولى حتى الصباح واحكي لي عن الباقي "

تأففت وحكيت لها مبسطا فقالت بصدمة " سمعك تقولين ذلك "

نظرت للأرض وقلت بحزن " نعم لم أكن أعلم أنه

خلفي ويسمعني وحدث ما حدث "

تنهدت وقالت " مسكين هذا النواس يبدوا كان على

شعرة ينتظر فقط أن تقولي تلك الكلمة "

قلت بأسى " لكنه لم يقلها سمعها مني فقط حتى أنه لم

يجب عن أسئلتي بخصوص زوجته "

قالت بهدوء " وسن يا غبية يكفيك ردة فعله تلك يكفيك

أنه فقد زمام الأمور ما أن سمع فقط أنك تحبينه

ولازال ما كان في قلبك باق له "

نزلت دمعتي فمسحتها بقوة وقلت بحرقة " قال مي خط أحمر

لا أحد يحق له مناقشته في أمرها ولا حتى نفسه ويقول أني في

قلبه فكيف يكون كل هذا كيف فحتى كلامه وأنا في حضنه يمارس

على جسدي كل أحقية له كزوج كان كلاما كله أسى وحرقة

تصوري كان يقول ( عذبتني يا وسن , آه من حر قلبي حين حرمتِه

منك , أطفئي النار التي أشعلتها بي من سنوات ولم تخمد , علميني

معنى العشق الذي سلبته مني ) "

ثم نفضت يداي وقلت بحرقة أشد " والأسوأ من ذلك حين قال

من بين قبلاته ( مارسي الحب الذي حدثها عنه أرني كيف

تحبينني ) تخيلي وقاحته وجرأته "

كانت تنظر لي بصدمة لأنتبه لنفسي ولحماقتي

فهزت رأسها وقالت " نعم تابعي "

رفعت الحقيبة لأضربها بها مجددا فأخذتها مني وقالت

بضيق " يكفي لقد حطمتِ عظامي بها "

ثم وضعت يداها وسط جسدها وقالت

" ولما لم تمنعيه عنك مادمت لا تريدين "

نظرت للأسفل وقلت بحزن " لم أستطع "

قالت بهمس " كيف لم تستطيعي "

رفعت نظري لها لتمتلئ عيناي بالدموع وقلت بأسى

" لم أقدر نعم فالأمر ليس سهلا فأنتي لم تجربيه "

وقفت وقالت " وسن هذا لأنك تحبينه بل تعشقينه بجنون فأعطي

قلبك حريته ولا تضيعا المزيد من الأيام فلا أحد يعلم كم

سيعيش في هذه الحياة "

ثم غادرت جهة مبنى الجامعة وتركتني جالسة وحدي

فوقفت وتبعتها فلا أريد أن أفكر في شيء مما قلناه , أنهيت

يومي هناك وعند العصر خرجت ووجدت نواس ينتظرني واقفا

عند سيارته فأنزلت نظري للأرض واقتربت منه فركب السيارة

في صمت فتنهدت وركبت بجانبه وخرجنا من هناك وقال بهدوء

" سنخرج لتناول الغداء فأنا أيضا لم أتناوله حتى الآن "

لذت بالصمت ولم أعلق وعاد هوا لصمته حتى وصلنا أحد

المطاعم ونزل وأنا أتبعه , جلسنا عند أحد الطاولات وقال

" هل ترغبين في شيء معين أم أطلب أنا "

قلت ونظري لازال بعيدا عنه أشغله بكل شيء على

الطاولة " أنا أكلت في الجامعة ولا رغبة لدي

في شيء أطلب لنفسك فقط "

وقف وقال " لنغادر إذا "

رفعت نظري له لأول مرة منذ قدومنا وقلت

" ألم تقل أنك لم تتناول غدائك "

قال مغادرا وببعض الضيق " لم تعد لدي رغبة به "

تأففت ووقفت وتبعته , ما به هل أجبر نفسي بالإكراه ليرضى

لما لم يأكل هوا ثم نغادر ؟ ثم أنا لم أطلب منه جلبي إلى هنا

ركب السيارة وركبت بعده وشغلها وانطلقنا فقلت بعد وقت

ونظري على يدي في حجري " لما غضبت مني ما ذنبي أنا "

لم يجب فرفعت رأسي ونظرت له وقلت " نواس تكلم "

مد يده ليدي وأمسكها بقوة ثم سحبها نحوه وقبلها وقال

" وسن لنغلق الموضوع أرجوك "

سحبت يدي منه ولدت بالصمت , لما لا أفهمه ؟ تصرفاته غريبة

وكأنه يحاول كبت غضبه كلما انزعج مني ! ليثني أفهمك يا

نواس لقد أصبحت معقدا جدا , نظرت له مجددا وكأني ارسم

تفاصيل جانب وجهه بل وكأني أبحث عن كل الأجوبة فيه وبقيت

على هذا الحال للحظات فمد يده دون أن ينظر لي ومررها خلف

رأسي حتى وصلت لكتفي وشدني حضنه ويده الأخرى

تحرك المقود وفي صمت حتى وصلنا



*

*





دخلَتِ المنزل تسير بجانبي في صمت ومي تنزل السلالم

حتى صارت أمامنا فأسرعت وسن بخطواتها مبتعدة ورأسها

للأسفل تضم مذكراتها لحظنها بقوة وكأنهم سيطيرون من

بين يديها وتبعت أنا بنظري خطواتها المسرعة نحو ممر غرفتها

ليعيدني صوت مي قائلة " أرجوا أن لا تكونا تشاجرتما مجددا "

هززت رأسي بلا ثم تركتها وخرجت من المنزل وتوجهت

لساحة الخيول ووقفت عند السياج أنظر للأرض بشرود ، ترى

ما سر مقتل والدها وكيف هي من تعلم عن مجريات الحادث !

كيف تعلم وحدها بأمر كهذا ولما تخفيه ، آخ لو فقط لم يطلب

مني أن لا يعلم أحد بالأمر حتى يتحدث معها أولا ، مررت

أصابعي في شعري وزفرت بضيق فشعرت بيد على كتفي

وصوت معاذ قائلا " ما به زوج الاثنتين هموم الدنيا

كلها تخيم فوق رأسه "

أنزلت رأسي وقلت ببرود " واحدة بهمين والأخرى

أنا المهموم عليها فكيف سأكون "

قال بعد ضحكة " إذا طلق صاحبة الهموم مالك ووجع الرأس "

هززت رأسي وقلت بأسى " تلك بهمومها قطعة

من قلبي إن أبعدتها أموت "

صفر تصفيره طويلة واتكأ بذراعه على كتفي وقرب رأسه

مني وقال بهمس " لا تسمع زوجتك الأولى هذيانك

بضرتها وتصبح في مشكلة "

قلت بضحكة صغيرة غلبتني " وما أدراك أني

عن تلك كنت أتحدث "

ربت بيده على كتفي وقال " أقسم أنها منافسة الغزلان فلا

غيرها تقلب مزاجك دائما وتعرف كيف تخرج الوحش من نواس "

ثم ضحك وتابع بخبث " بارعة في اللعب بأعصابك

وأرتنا نواس الغاضب الذي لم نكن نعرفه "

أبعدت ذراعه عني وقلت بضيق مغادرا من أمامه

" أقسم إن تغزلت فيها مجددا قطعت لك لسانك "

ضحك وقال بصوت مرتفع لأسمعه " لا تنسى أني قلت

عيوبها أيضا أم تسمع فقط ما تريد "

لوحت له بيدي على صوت رسالة وصلت لبريدي فأخرجته

وفتحتها فنادى " هيه نواس أريدك فيما بعد في أمر مهم "

قلت ملوحا بيدي " في الغد وأخبر وليد يأتي لمكتبي حالا "

أعدت هاتفي لجيبي بابتسامة انتصار لما قرأت ودخلت وقلت

لراضية المارة من أمامي " أخبري وسن لا تخرج من

غرفتيها لأن وليد سيدخل لمكتبي "

هزت رأسها بحسنا وصعدت أنا للأعلى أخذت بعض الأغراض

من غرفتي ونزلت وضعتهم على الأريكة في الصالة ومررت

بالمطبخ وقفت أمام الباب وقلت " الأغراض على الأريكة

ضعيهم في غرفة وسن سأخرج للصلاة وسأتعشى هنا "

ثم خرجت من المنزل ووليد قادم نحوي ، وصل عندي فوضعت

يدي على كتفه وقلت ونحن نتابع سيرنا " لدي لك خبر

سيعجبك لكن دعنا نصلي أولا ونرجع "

قال بهدوء " لدي موعد مع المحامي فهل سيأخذ موضوعك وقتا "

هززت رأسي بحسنا ولم أعلق , وصلنا المسجد صلينا وعدنا

للمنزل فأمسك يدي وقال " إذا نتحدث ثم أذهب له "

أمسكت كتفه وقلت مبتسما " خذ وقتك اذهب وارجع أولا "

وضع يده على ظهري وقال " بل ندخل الآن والمحامي ينتظر

ثمن للمال الذي يأخذه على الأقل "

ضحكنا معا ودخلنا وتوجهنا لمكتبي فورا دخلت وهوا خلفي

وقلت ما أن أصبحنا في الداخل " أمسكوا بأنور سبب فضيحة مي "

من صدمته ترك الباب الذي كان سيغلقه ولحق بي قائلا

" قل قسما حدث وكيف "







*

*





منذ أحضرت الخادمة ملابس نواس وأنا جالسة أنظر لهم كالتمثال

فما يعنيه بهذا ملابس داخلية وبيجامات نوم وعدة حلاقة وفرشاة

أسنان وعطر ولم يترك سوا ملابس الخروج فلما لم يرسلها أيضا

يبدوا أنه ترك راضية تواجه ردة فعلي ليفهم إن كنت أقبل بليلة

أخرى كالبارحة وأن تكون لنا حياة طبيعية كزوجين أو أنها

كانت بالنسبة لي خطأ لا أريد أن يتكرر , تبدوا إشارة ينتظر

ردي عليها فإما أن أقبل أغراضه هنا وأعطيه الضوء الأخضر

أو أرميها خارجا أو في غرفته , هذا إن لم يكن قصده منها أنتي

زوجتي وأنام معك أحببتِ ذلك أم كرهته , لكن مستحيل هذا ليس

طبع نواس فأنا أعرفه جيدا لن يجبرني على شيء لا أريده

ترددت كثيرا واحترت ما سأفعل ثم وقفت ورتبتها في الخزانة

سأتركه أيضا يكتشف بنفسه جوابي وردة فعلي , عدت بعدها

لمذكراتي أشغل عقلي بها لكنه لم يتركني وشأني أبدا وكلما

تحرك شيء ارتجف جسدي ظنا أنه أمام الباب وسيدخل رغم

أن الوقت لازال مبكرا على نومه وقد ينام الليلة معها وليس

معي , ضغطت بقبضتي على القلم بقوة لتنزل دموعي على

الورق وتفسد الكلمات وتحولها لبقع زرقاء متداخلة وقلت بوجع

" يا رب لما أنا يحدث معي هكذا كيف تقبلها نفسي كيف ؟ أقسم

أنها نار تشتعل داخلي وليثه يشعر بحجمها ومعناها "

طرق أحدهم الباب فانتفضت واقفة ومسحت دموعي على دخول

راضية قائلة " العشاء جاهز ونواس هنا فلا مفر لك من تناوله "

ابتسمت لها بحزن وتبعتها بعد قليل خارجة من الغرفة لأفاجئ

بنواس يسير أمامي على بعد خطوات عديدة فخففت من سيري

حتى وصل وقال مخاطبا راضية الخارجة من هناك

" أين مي ليست هنا "

قالت وهي تتابع سيرها مارة من أمامه " قابلتها منذ

قليل هنا وقالت لا تريد وأن رأسها يؤلمها وتبدوا متعبة "

مررتُ حينها من أمامه ودخلت فتابع سيره ودخل غرفة

الطعام دون أن يسأل أكثر أو يرجع ليصعد لها , شكرا لك

يا رب رحمتني بها لا أريد أن يحدث ذلك أمامي , سحبت

الكرسي وجلست مكاني المعتاد لتوقفني يده ممسكة بذراعي

حتى وقفت وقال وهوا يسير بي لرأس الطاولة " حتى متى

ستهربين من الجلوس بجانبي أنا لا آكل البشر

والجميلات خصوصا "

أنزلت رأسي وعضضت شفتي بإحراج اتبعه منصاعة

حتى أجلسني في الكرسي الذي بجانبه وقال وهوا يجلس

" سأزيل كل تلك الكراسي بسببك "

أنزلت رأسي ليحجبه شعري عني ويخفي توتري وخفقان

قلبي الذي أشعر أنه ينبض في وجهي ويفضحني فمد يده

وأبعد شعري للخلف قائلا " وهذا كيف نبعده أيضا "

تحركت للخلف بالكرسي بتوتر ورجفة من حركته وكلماته

فأبعد يده وقال بضحكة " حسنا فقط لا تقعي للخلف

لن أزيل الشعر كالكراسي "

ثم بدا الأكل وقال بهدوء " هل من مشاكل تواجهك

في الجامعة أو تحتاجين شيئا "

هززت رأسي بلا ونظري على طبقي فقال وهوا يتابع أكله

" وكيف تدبرون أموركم في المراجع والمواد من الأماكن

البعيدة خارج العاصمة "

حمحمت قليلا وشغلت نفسي بالأكل مثله وقلت بهدوء

" طلال يفعل كل ذلك "

قال بنبرة استغراب " ومن يكون طلال !! "

حركت الطعام في الطبق وقلت

" شاب يعمل معنا أنا وملاك على الرسالة "

قال " ولما شاب معكما "

رفعت نظري له لأول مرة فكان ينظر لي عاقدا حاجبيه

فعدت بنظري للأسفل وقلت " تلك هي القوانين إما

شاب وفتاتين أو شابين وفتاة "

تنهد بضيق ولم يعلق أكثر , نواس لم يدرس في الجامعات

ولا يعرف طبيعة الظروف التي تجمع الطلبة هناك فلا

أستغرب أن يتضايق لكن هذا واقعنا مهما اعترضنا عليه

فتكون الفتاة مجبرة على الاحتكاك ببعض زملائها وكل واحدة

واحترامها ودرجة تربيتها , تابع طعامه في صمت من كلينا

حتى قال " لم تسأليني سابقا عن مهرك ولا جهازك "

رفعت نظري إليه فكان ينظر لطبقه فنظرت للأسفل وقلت

" ولا أنت تحدثت عنه سابقا ولا يعنيني منه شيء "

نظر لي وقال بجدية " وسن لا تضني أني لم أتحدث عنه

عمدا ليحدث ما حدث البارحة أولا , كنت فقط أنتظر

الوقت المناسب لأنك ..... "

سكت فجأة فرفعت يدي وأبعدت بها شعري عن وجهي

بقوة وعبرة تخنقني أجاهدها كي لا تخرج وقلت بأسى

" كنتُ ماذا لما لا تكمل كلامك "

مد يده لوجهي مجددا ومسح بظهر أصابعه على خدي وقال

" آسف فهلا توقفنا عن هذا كي لا نصنع منه مشكلة "

نظرت لعينيه بحيرة وكل الأسئلة التي تحيرني تدور فيها

فهرب مني بعينيه فقلت بهدوء حزين " لا أفهمك يا نواس "

نظر لي وقال بضيق " ولما ؟؟ هل في السابق وشجاراتنا

تهد الجدران كنتِ تفهمينني والآن لا "

نظرت له بصدمة فوقف وقال مغادرا " ليثني أنا من يفهمك "

وغادر الغرفة فمسحت بيدي على عنقي ورفعت شعري للأعلى

أتنفس بقوة ثم وقفت وغادرت غرفة الطعام أيضا فالتقيت براضية

فوقفت وقلت بتردد " هل ... نواس هل صعد للأعلى "

قالت بنظرة استغراب " لا رأيته يخرج للخارج "

نظرت للأرض وقلت " وأين يكون الآن في العادة "

ضحكتْ فرفعتُ رأسي ونضرت لها بحيرة فغمزت بعينها

وقالت بهمس " عند ساحة الخيول والجو الهادئ

والأضواء فأسرعي إليه "

ابتعدت عنها بتوتر وخجل قائلة " ليس هذا أقصد "

ثم غادرت جهة غرفتي





*

*





وضعت كف يدي على فمي أكتم شهقاتي وبكائي الذي لم

يخف أبدا منذ نزلت لمكتب نواس لأخبره أن عاصم يريد

زيارتنا وسمعت ما كان يدور بينه وبين وليد وهوا يقول له

" أمسكوه وشلته في جريمة اغتصاب فتاة قاصر ولن

ينجى منها هذه المرة كما حدث مع مي "

قال حينها وليد " الآن فقط ارتاح ضميري ولو قليلا أقسم

أني حتى النوم كباقي البشر لم أكن أتذوقه من كثرة

ما كان يؤنبني "

قال نواس " لكن مي ستكتشف يوما كل ذلك فأنت أعلم

الناس أنهم اغتصبوها وليس كما تظن هي "

قال وليد " السر مات معك فمن سيعلم "

قال نواس " هواجسي ليست كهواجسك يا وليد ولا

أستطيع قول كل ما في قلبي "

قال وليد " ماذا هناك "

قال نواس " كنت أريد أن أخفي هذا لكن الوضع لن يستحمل "

سكت قليلا ثم تابع " أنا لم أقرب مي حتى الآن

وكل منا ينام في غرفة "

سمعت صرير الكرسي دليل أن وليد وقف مصدوما

ثم قال " كيف ولما !! "

تنهد نواس وقال " شيء بيني وبينها لن أطلعك عليه ومي

تصر أن تتركني بعد انتهاء السنة الذي بات وشيكا وباقي

شرط العقد ينص على أن لا أطلقها إلا بزواج لغيري وهي

ستكتشف الأمر حين ستتزوج بالتأكيد "

لاذا بالصمت كليهما وأنا أغلق فمي بكفي ودموعي تنزل بلا

توقف حتى قال وليد " وماذا ستفعل وبمن ستزوجها "

قال نواس " لا أعلم لقد اتفقت وعمها وشقيقها عاصم على

هذا ولن أبقيها معلقة هكذا وتعيسة وإن اضطر الأمر أن

أواجهها بحقيقة ما حدث لها وعلاقتك بالأمر "

قال وليد بضيق " إياك يا نواس إياك أن تخبرها

بجرمي فيكفيني عذاب ضمير "

قال نواس " وليد لن أرتاح قبل أن تحكي لي ما

تخفيه عني تفهم "

قال ببرود " ما لدي قلته سابقا "

قال نواس " بل ثمة ما تخفيه وأنت من سيندم وقت لا ينفع

الندم ومي لن تخسر أكثر مما خسرته وأقسم لولا حكاية

اغتصابها تلك ما نقضت عهدي لها وأخبرتك عما بيني وبينها

لأنه علينا أن نجد حلا للأمر فلا أريد التعاسة أكثر لهذه

المسكينة فهي لا تستحق شيء مما يحدث معها "

غادرت بعدها راكضة وصعدت لغرفتي أبكي بحرقة , كذبة

عشت طوال الوقت في كذبة وأنا أضن أن من أنقدني من

هناك أدركني قبل أن يحصل شيء بل لا زلت أتذكر ذاك

الطيف في الظلام وذاك الرجل الذي لم أكن أتبين ملامحه

ولا صوته لأني أفقت من إغمائي ووجدت نفسي في حضنه

في ليل أسود لا يرى منه إلا القليل والرؤية عندي كانت ضبابية

لكن كلماته كانت واضحة وهوا يقول لي " لا تخافي لم يمسوك

بسوء وهذه الدماء من يدي لأنهم جرحوها "

كان يكذب إذا كذبوا علي وأوهموني أني لازلت شريفة

لم يمسسني أحد ولو لم يأتي نواس ويتزوجني لكنت سأواجه

مصيرا أسود مع غيره لكن كيف علم نواس ووليد وهل أخوتي

يعلمون أم مثلي كذبوا عليهم بل كذب عليهم ذاك الذي أنقدني

بل من يكون ذاك وما صلته بنواس ووليد أم أنه واحد منهما

زادت عبراتي أكثر وخبأت وجهي في الوسادة وأنا أتذكر

كلامه وهوا يقول أنه السبب فيما حدث لي , لماذا يا وليد

لما أنت من بين كل من خلق الله من كتب ماساتي





*

*







اتكأت على ظهر السرير وسافرت بنظري للسقف وأنا أتذكر

كلمات نواس وعلاّقة مفاتيحي تتدلى من بين أصابعه قائلا

" أليست هذه لك واختفت منذ وقت طويل "

نظرت لها بصدمة فتابع " هل تعلم مع من وجدتها "

نظرت له بحيرة فأعادها لجيبه وقال " عند مي في صندوق في

خزانتها لم تفارقها حتى وقت مجيئها هنا زوجة لي فها أنا أقولها

لك يا وليد إن كان لك فيها حاجة فاسبق غيرك لها أو انتقيت أنا

من ستعيش معه حياة ستعوضها عما خسرته ولن يكون من

ستتزوجه إلا من اختياري وبموافقتها وقدمها لن تعتب منزل

أهلها مجددا فحتى العدة يسقطها الشرع عنها لأني لم أقربها "

أنزلت حينها رأسي وقلت " كل ما كان كان في نفسي فقط ولا

تعلم ولا حتى هي به , سبق وصارحت عصام شقيقها أني أريد

خطبتها ومتردد لأنهم سيرفضونني بالتأكيد لأنه لا مال لدي

ولا منزل وكنت أنتظر أن أكّون نفسي بعملي معك لكن بعد

الحادثة وأنا من أخرجها من ذاك المنزل وأعادها لهم لم تعد

لدي فرصة لذلك لأني حينها كنت سأخسرها أكثر وسيضنون

بي ولن يعطوها لي وسيقسون عليها أكثر "

قال بضيق " ولما لم تخبرني منذ البداية يا وليد تحبها وهي

مثلك وتخفي هذا عني كيف وهي ليست عادتك "

تنهدت وقلت بهدوء " بادئ الأمر لم أخبرك لأني لم أرد أن

تكلف نفسك لتوفر لي مسكن لأني أعرفك جيدا ستسعى كل

جهدك لأتزوجها ثم حدثت تلك الحادثة المنكوبة التي جعلتني

أخرس لباقي حياتي خصوصا بعدما علمت بالوعد بينك ووالدها

فهل تضن أنني كنت سعيدا بذلك أقسم أنها نار تشتعل في داخلي

فقط لفكرة أنها تنام في حضن غيري وليس أي غير بل

أقرب صديق لي ومن أعده الأخ الذي لم أره يوما "

عدلت جلستي على السرير وأمسكت رأسي بيداي , لم تكونا

زوجين إذا يا مي لهذا سألتني ذاك السؤال في آخر يوم لي في

منزل نواس , لهذا سألتني لما لم أرجع لخطبتك لأنك تعلمين

بأنك ستتركين نواس وكنتِ تعيشين على أمل أن يشعر بك

هذا المتحجر الذي لم يجلب لك سوا المشاكل أينما ذهبتِ

الآن عليك أن تكوني لي وعلى نواس أن يعيد تحريك أحجار

اللعبة ويرجعك لي ويجبرهم على قراره كما كان الاتفاق مع

عمها وعاصم فنواس فكر فيها جيدا حين طلب تحويل الوصاية

لعمها قبل أن يتزوجها ومؤكد الآن نقلوها لعاصم

أخرجت هاتفي واتصلت بنواس فلن يهدا لي بال ويغمض لي

جفن قبل أن تسوى الأمور , جربت مرارا وتكرارا لكنه لم

يجب فأرسلت له ( أريدها يا نواس وإياك وتسليمها لغيري

وسر ما حدث لها سيموت معي ولن تعلم به )





*

*







وقفت عند سياج ساحة الخيول وهمومي أسود من هذا الليل

وسن التي بث أخاف عليها من النسيم لا يجرحها وتسوء

حالتها أكثر وأخسرها وأكون السبب ومن مي التي منذ قليل

مررت بغرفتها فكانت تبكي وتردد بحرقة " يا رب خذ

روحي وارحمني يا رب "

وحين دخلت عليها الغرفة نظرت لي بعينان محمرتان من

كثرة ما بكت فأوقفتها ومسحت دموعها وقلت " مي توقفي

عن تعذيب نفسك أقسم وبي نفس أن أسعى جهدي لإسعادك

مع من تتمنين وأن يحصل كل ما تريدينه "

قالت بشهقة باكية " لن أخرج من هنا سأبقى هنا وفي

غرفتي ألست تقول ستحقق ما أريد "

قلت باستغراب " نعم قلت "

ارتمت على سريرها وقالت بعبرة " إذا أريد البقاء هنا ولن

أذهب لأي مكان لأنه أي مكان غير هذا سيكون جحيما

فلعلي أموت هنا يا نواس "

ضغطت بقبضة يداي على السياج بقوة وأنا في حيرة من

أمري فلن أجبرها على ما لا تريد وهي اختارت البقاء هنا

لكن وليد ماذا بشأنه ووسن وأسئلتها التي لا تتوقف وعهدي

لمي وسمعتها فلن أضمن حتى أن لا تتشاجر ووسن وتعيرها

ثم أنا عاهدت أهلها عهدا حرا ويكفي أني كنت سأنقضه وقت

قررت أني سأخبر وسن تلك المرة فها هي السنة باتت تقترب

وقد أطلقها وأزوجها بغيري ويبقى السر سرا وتحت التراب

ووسن ستنسى مع الأيام وستعدها ولو نزوة كما قلت لها

سمعت حركة من خلفي فالتفت بسرعة فإذا بها وسن واقفة

تنظر لي بصمت ثم أنزلت نظرها وقالت بنبرة طفولية

وإحراج " لما ابتعدت كثيرا هكذا خفت وأنا قادمة إلى هنا "

ابتسمت لطفلتي وسن التي ظهرت مجددا ومددت يدي

لها وقلت بهمس " تعالي يا وسن "

رفعت نظرها لعيناي واقتربت بخطوات بطيئة فضممته

لحضني أقبل خدها في كل مكان فيه فقالت بهمس

" مازلت غاضب مني ؟؟ "

زدت من احتضانها أكثر وقلت

" لم أغضب منك منذ البداية يا غزالتي "

قالت بعد ضحكة صغيرة " قلتها لي أخيرا وأنا من

كنت أسمعها على لسانهم فقط أنك تقولها "

رفعت رأسي للأعلى وقلت " بلى كنت أقولها للجميع

عداك أنتي منتظرا أن أقولها لك في وقت كهذا الوقت

وأنتي في حضني زوجتي وملكي "

دست وجهها في صدري أكثر وقالت بحزن

" هل تحبني يا نواس "

أبعدتها عني وأمسكت وجهها بيداي وقلت

" وتسالين يا وسن كل هذا وتسأليني هذا السؤال "

ابتعدت عني وتوجهت جهة السياج ووقفت عنده معطية

ظهرها لي وقالت " أخاف يا نواس أخاف أن يتكرر كل

ما كان وأنك لم تنسى حقدك علي "

ثم قالت بنبرة باكية " أقسم لو كان الأمر بيدي ما تركتك ساعة

في حياتي كنت مجبرة يا نواس ليتك فقط تفهم وتعذرني "

توجهت نحوها وأحطتها بذراعاي وضممتها من ظهرها

لصدري وقلت " لنتصافى إذا ونرتاح وسأعد ما

كان لم يحدث وأحاول نسيانه "

قالت بحزن " تحاول !! يعني أنك لم تنسى "

قبلت خدها وعنقها وقلت بهمس " أحبك يا وسن

أقسم وربي يشهد "

قبضت على يداي بيديها بقوة وأنا انتقلت لعالم غيبي

وانفصلت عن هذا العالم أقبّل عنقها بشغف حتى قالت

بهمس " تصافينا في جانب وتركنا الآخر يا نواس "

ابتعدت عنها فالتفتت لي وفتحت فمها لتتحدث فوضعت

أصابعي على شفتيها ثم حملتها بين ذراعاي وقلت

" دعينا ندخل عن هذا البرد فملابسك خفيفة "






*

*






دخل بي حتى غرفتي وأنزلني ونظر من حوله قائلا

" أين ملابسي "

نظرت للأرض وقلت بحياء " في الخزانة "

ضمني لحضنه وقال " ولما كل هذا الخجل والحياء

وكأنك ارتكبت جرما "

لم أجب ولم أعرف ما أقول فرفع وجهي له وأبعد خصلات

شعري للخف وقال ونظره على يده " علمي الليل معنى

أن لديك قطعة منه "

ثم نظر لعيناي وقال " بل قطعتين "

ثم انحنى لشفتاي فأغمضت عيناي بهدوء وقلبي أشعر أنه

سيخرج ويقفز من ضلوعي من شدة خفقانه وتنفسي أصبح

يرتفع تصاعديا كلما شعرت بأنفاسه تعبر مجرى تنفسي حتى

تلامست شفتينا فلم تكن سوا قبلة صغيرة وأبعد شفتيه فشهقت

بقوة أسحب الهواء ليعود لرئتي فضمني لحضنه وقال بضحكة

" نعم معك حق كانت صغيرة وبخيلة أنا أيضا لم تشبعني "

دسست وجهي في صدره وقلت بإحراج

" نواس أصمت "

قال بهمس " حسنا وبسرعة أخرجي لي ثيابا من التي

سرقتها وخبأتها في خزانتك لأني سأستحم "

ثم قبل رأسي وابتعد عني ودخل الحمام وأغلقه خلفه وأنا أشعر

أنني تحولت لكتلة من الإحراج بسبب حماقتي تلك , سمعت صوت

الماء في الحمام فتحركت مسرعة للخزانة وأخرجت له ملابس

داخلية وبيجامة ووضعتهم على السرير ثم جمدت مكاني ولم أعرف

ما أفعل وكيف أتصرف في نفسي نظرت لملابسي ثم عدت جهة

الخزانة وأخرجت بيجامة حريرية فليس هناك غيرهم لأني مزقت

كل قمصان النوم والفساتين القصيرة تلك الليلة وحولتها لقطع

مشطت شعري ورششت من عطري فرأيت مقبض باب الحمام

يدور فرميت ملابسي بعيدا فخرج بالمنشفة على خصره وقال

مبتسما وبإحراج " استخدمت منشفتك نسيت أن

أضع واحدة مع الأغراض "

أنزلت رأسي للأسفل وقلت بخجل من هيئته هكذا

" لا بأس فجميعها لك "

توجه نحو السرير جلس على طرفه وقال

" لما لا تُقربي لي ملابسي "

توجهت نحوهم بخطوات بطيئة رفعتهم واقتربت منه بارتباك

واضح حتى مددتهم له من بعيد ونظري للأسفل فمد يده وسحبني

من يدي لأرتمي في حضنه بشهقة مفزوعة فضحك وقال

" هل سنحتاج للحيل دائما "

حاولت الابتعاد عنه حتى جلست فأخذ الثياب من يدي ورماها

جانبا وأمسك ذقني ورفع وجهي له فحولت نظري للحرق في

كتفه ومددت يدي ببطء حتى لامسته وحركت أصابعي عليه ثم

نظرت لعينيه فكان ينظر لي بهدوء ثم أمسك يدي التي تلامسه

بأصابعها ووضعها عليه وتنهد تنهيدة طويلة وقال " عمره عامان

وثماني أشهر يا وسن , عمره ليلةَ أصبحتِ خطيبة لذاك

وأصبحت أنا أتقلب فوق جمر الجرح والصدمة "

ضغط بها عليه أكثر وتابع " كان هذا ما ضننت أنه سيبرد

حر تلك الليلة لكنه بقي يحرقني لعامين , بقي كتذكار لتلك

المأساة كلما نظرت له "

تنفست بقوة وقلت بدمعة تتدلى من رموشي " لم تنسى يا نواس

ولن تنسى أبدا , لو أعلم فقط لما تكابر على جرحك هكذا

وكأنك تجبر نفسك على تجاهله وليس حتى نسيانه "

نظر للأسفل وشدني لحظنه دون حتى أن يعلق على كلامي

وتنهد بأسى قائلا " آآآآآآآه يا وسن داوي الجراح داويها "

فنزلت دموعي وقلت بحرقة " أجبني على الأقل لما استبدلتني

بها لما تزوجتها لما أحرقت قلبي أقسم أنها كانت أكبر ضربة

قسمت بها ظهري ولا زالت تفعلها لليوم , وآه يا نواس لو تعلم

عن نارها ما فعلتها بي , أرح لي قلبي أخبرني لماذا وماذا تعني

لك إن كنت لا تريد التغاضي عن كل ما حدث مني , إن كنت

لا تريد أن ترحم نفسك فارحمني على الأقل "

شدني لحظنه أكثر ولم يجب كعادته فأمسكت معدتي بقوة لأن

الآلام التي لم تزرها ليومين عادت لها اليوم فأبعد يدي بقوة

وقال بأسى " وسن يكفي وارحميني حتى في حضني تتعذبين

أشعري بي أنا على الأقل وارحمي نفسك ولو من أجلي "

وضع بعدها يده عليها ومسح بحنان وصوت همسه وهوا

يقرأ عليها يصلني بوضوح ثم رفع يده وحضنني أكثر

وقال " أين تضعين حبوبك لأحضرها "

قلت بهمس " أصبحت أفضل ولم أعد أحتاجها "

قبل رأسي وقال " هذا لأنك رحمت نفسك , أنتي تري

بعينك يا وسن علاجك في يدك كما تعبك "

قلت بحسرة " لو كان في يدي ما مرضت من

أساسه فمن يتمنى لنفسه المرض "

مسح على ذراعي وقال بهدوء " أرحمي نفسك

إذا من أجلي يا وسن أرجوك "

قلت بهمس " لم تؤلمني منذ يومين "

أبعدني عن حضنه ورفع وجهي له وقال

" هل كانت تؤلمك يوميا !! "

أرخيت نظري وابتسمت بحزن وقلت " بل قل كم مرة

تؤلمني في اليوم وأحيانا لا تهدأ طوال النهار "

عاد لاحتضاني مجددا وقال بحرقة " سحقا لك يا نواس سحقا "

تمسكت بحضنه وقلت ببكاء " لا .... لا تدعي على نفسك

أنت آخر من بقي لي توقف عن قول هذا "

أبعدني عن حضنه مجددا ومسح دموعي وقال

" يكفي بكاء حتى متى سنعيش في الحزن "

ثم أبعد خصلات شعري عن وجهي وقال مبتسما

" كيف الحل مع هذه ؟ كيف ترين معها "

ضحكت ضحكة صغيرة غلبتني فقبل خدي وقال مبتسما

" نعم دعيني أرى وأسمع الضحكة التي ماتت منذ أشهر طويلة "

خيم الحزن على ملامحي وكنت سأقول أنت من قتلتها

حين ماتت ابتساماتك لي لكن قبلته المجنونة أوقفت

كل ذلك ككل مرة حين يقتل الكلمات على طرف

شفتاي كي لا تخرج

عند الصباح فتحت عيناي وحاولت التحرك لكن ذراعه

التي تحضنني لصدره منعتني من ذلك وكل مناي أن أخرج

قبل أن يستيقظ , حاولت سحب نفسي منه ببطء لكنه شدني له

أكثر فقلت بهمس " نواس أتركني إنه وقت الصلاة "

أبعد حينها ذراعه فاردا لها وعيناه ما تزالان مغمضتان

وغادرت أنا السرير مسرعة ودخلت الحمام استحممت

وخرجت فلم يكن في الغرفة ومؤكد صعد ليستحم ويدرك

الصلاة وأستغرب كيف له الجرأة يدخل غرفتها هذا الوقت

ليستحم عندها وأستغرب أكثر لا مبالاتها فيبدوا لم تصب

بداء الحب لمَا كانت قبلت ولا بوجودي هنا

صليت ولبست فستانا خريفيا لنصف الساق وجففت شعري

وجمعته للخلف لتتساقط خصلاته من الأمام فأبعدتها مبتسمة

لتذكري لكلامه عنها ثم سرعات ما شعرت بغصة في حلقي

وماتت ابتسامتي , لا أعلم لما لا أستطيع تجاهل ما حدث وأنه

متزوج بها وأن لها فيه ما لي وقبلي , لا أعلم حتى متى سيكسر

هذا الأمر سعادتي , ضممت وجهي بيداي وبدأت بالبكاء وقلت

بحرقة " كيف أنسى هذا وأتجاهله كيف ؟ أقسم أنني تعبت "

بدأت أشعر بالآلام في معدتي وعضلاتها تتقلص فمسحت

دموعي وأبعدت كل ذلك عن تفكيري وتركت المجال فقط

للحظات السعيدة لي معه ليلة البارحة فهي كانت مختلفة

حتى عن سابقتها كل كلماته كانت مشبعة بالشوق والعشق

وأرضى الأنثى بي لأقصى حد

خرجت بعدها من الغرفة وتوجهت للمطبخ , كان المنزل هادئا

ولا حركة حتى لراضية , دخلت المطبخ وفتحت الثلاجة أخرجت

العصير وحمصت بعض الخبز فعليا الذهاب للجامعة مبكرا , نظرت

بعدها جهة الباب الخارجي للمطبخ وتوجهت نحوه وفتحته ليدخل

منه ضوء النهار والهواء البارد , لما يتركونه مغلق دائما كم

غيّر هذا في كآبة المكان فالمنزل لا يدخله النور الطبيعي أبدا

ولا هواء نسائم الفجر الرطبة الجميلة وأصوات صهيل الخيول

وقفت عند الطاولة مولية ظهري له أضع الخبز في الطبق

فشعرت بذراعان طوقتا خصري لأشهق مفزوعة على صوت

ضحكة نواس قائلا " تفتحين الباب ولا تتوقعين دخولي "

رفعت شعري خلف أذني أخفي ارتباكي وقلت بشبه

همس " وما يدريني أنك ستدخل منه "

قبل خدي وقال " لم أكن استخدمه في السابق وظننتها

راضية وكنت سأوبخها لأني أمنع عليها فتحه "

قلت بهدوء " ولما !! الهواء الذي يدخل منه منعش والبحر

قريب جدا من هنا استنشق رائحة الملح وكأننا عند الشاطئ "

شدني له أكثر وقبل خدي مجددا وقال " أعلم لكني لا أريد

لأعين العمال أن ترى غزالتي وهي هكذا "

لذت بالصمت ولم أعرف ما أقول فإن كان العمال يسلكون

هذا الطريق فمعه حق , انتقل بعدها لعنقي وبدأ يقبله قبلات

متتالية وكأنه انفصل عن المكان والواقع ليزيد إرباكي وارتجاف

أطرافي لحظة دخول مي علينا فشعرت أني أصبحت والكرسي

أمامي سواء وأرخيت نظري للأسفل ونواس على حاله ولم ينتبه

لها فقلت بهمس أحاول الابتعاد عنه " نواس توقف عن هذا "

فرفع رأسه حينها ونظر لمي التي اتجهت للثلاجة قائلة

" صباح الخير "

فأجاب عليها ولازال يمسكني من خصري وظهري

ملتصق بصدره ثم عاد يقبل خدي وهي خرجت بقارورة

الماء دون أن يهتم أحدهما لأمر الآخر وخصوصا نواس

ونحن في هذا الوضع ولم يسألها حتى عن ألم رأسها

فملامحها تبدوا متعبة جدا

ابتعدت عنه بصعوبة وقلت بتذمر " نواس ما هذا

الموقف الذي وضعتنا فيه "

أمسك بذراعي وسحبني نحوه وأمسك وجهي بيديه قائلا

" وما في الأمر زوجتي وحلالي "

أبعدت يديه وقلت " وهي هل ستفعل هذا معها أمامي "

نظر لي بصدمة من كلامي فوضعت أصبعي على شفتاي وقلت

بحرقة وعيناي تمتلئ بالدموع " إياك وفعلها أمامي يا نواس

أقسم أن أفقد عقلي إن فعلتها "

قال بصدمة " وسن ما هذا الذي تقولينه "

نزلت أول دمعة وقلت " لا تنهي قتلي بها يا نواس أقسم

أنه حتى تخيلها يحرق لي قلبي قبل أحشائي "

ثم غادرت المطبخ راكضة حتى وصلت غرفتي وارتميت على

السرير واحتراق معدتي هذه المرة لا مزاح فيه ولا تهاون ليخرج

أنيني رغما عني فسمعت خطواته داخلا للغرفة ثم جلس بجواري

على السرير وقلبني على ظهري قائلا بحدة " وسن يكفي لن

يحدث ذلك أبدا ولن تريه فتوقفي عن تعذيب نفسك "

أمسكت خصري بقوة وتكورت على نفسي فصرخ قائلا

" وسن يكفي توقفي قلت لك واطردي هذه الأفكار من

رأسك فأنا ومـ .... "

فقطع كلامه صوت راضية وهي تدخل راكضة وقالت

" ما بكما ما بها أفزعتنا بصراخك ومي في

أول الممر مشغولة عليكما "

نزلت دموعي وبدأت بالبكاء فأمسك ذراعي وأجلسني

وضمني له وقال " كل شيء بخير لا تقلقا "

فخرجت حينها وزاد هوا من احتضاني أكثر حتى

خف بكائي وابتعدت أنا عنه وقلت

" تأخرت على ملاك أريد الذهاب لجامعتي "

أمسك يدي وقال " وأنتي متعبة هكذا "

هززت رأسي بلا وقلت " سأكون أفضل "

وقف وقال مغادرا الغرفة " غيري ملابسك وأنا من سيوصلك "

وخرج دون أن يسمع حتى رأيي في الأمر






*

*







خرجت من غرفتها وكأني أجنبها رؤيتي بل أجنبها أي شيء

يزيد من أوجاعها , لما لا تساعديني يا وسن لما لا تفهمي أني

لا أريد أن أخسرك , أخسر نفسي أخسر حياتي لكن لا تطلع

عليا شمس صباح لستِ فيه , الجراح نجتازها الماضي قد ننساه

لكن الفقد ما الذي يعوضه بل أن تموتي أمامي بالعرق وأنا أتفرج

لأنه لا حيلة لدي ، هززت رأسي أطرد حتى التفكير في الأمر

ومررت بمي واقفة في بداية الممر فقالت " نواس "

وقفت والتفت لها فقالت بقلق " ما بكما كنتما منذ قليل

بأفضل حال ما جعلك تصرخ عليها هكذا "

نظرت للأرض وقلت بهدوء " لا شيء يا مي لا

تقلقي وسأوصلها الآن لجامعتها "

قالت بعبرة " لما حدث ما حدث بعدما دخلت عليكما في

المطبخ أقسم لو كنت أعلم أنكما هناك ما دخلت "

قلت بتذمر " مي توقفي عن إلقاء اللوم على نفسك "

فغادرت بخطوات راكضة وهززت أنا رأسي بقلة حيلة ثم

خرجت لسيارتي , ما أفعل معكما أنتما الاثنتان ؟ لا مي

أسعدتها كما وعدتها ووعدت نفسي ولا وسن أنقدتها من

دنو الورم منها , قد يكون الحل أن افصل الطابقين وأجعل

مطبخا للطابق العلوي وخادمة وسلالم خارجي لتنفصل عنها

علها ترتاح وترحمني , لكن هذا أيضا ستضع له احتمالا واحدا

وهوا أني أريد إبعادها هي عن مي وليس فصل مي عنها

ركبت السيارة وأغلقت بابها بقوة واتكأت على المقود وأشعر

أن هموم حياتي كلها في كفة وهمي الآن في كفة لوحدها وأنا

أفكر في الطريقة التي تتوقف بها أوجاعها حتى أني كدت

أرتكب حماقة جديدة وسأخبرها مجددا بطبيعة وضعي مع مي

متناسيا مشاعر مي وحقها كزوجة علي أن اكتم ما قد يجرحها

لو فقط وسن تقدر الوضع وترحم نفسها وترحمني , آآآآه هل

ستضحك على نفسك يا نواس وتضع اللوم عليها وأنت من لم

تستطع ولا تزويجها بغيرك فتخيل أن يكونا أمامك ، شعرت

بباب السيارة انفتح فرفعت رأسي ونظرت لها تركب الكرسي

بجانبي وأغلقت الباب دون أن تنظر لي ولا تتحدث ويداها

تحتضن حقيبتها ومذكرتها التي في حجرها فشغلت السيارة ثم

أطفأتها مجددا فنظرت لي باستغراب فألتفت بجسدي ناحيتها

وأمسكت يدها وقبلتها ودسستها في حضني وقلت

" ما الذي يرضيك ويوقف أوجاعك شوري به علي

وأنفذه هل تريدي أن يكون منزلك وحدك "

امتلأت عيناها بالدموع التي تكابدها كي لا تسقط وقالت

ببحة بكاء " أريدك لي وحدي لا أحد يشاركني فيك "

ضغطت على يدها بقوة ولم أعرف ما أقول ثم رفعتها

لشفتاي وقبلتها مجددا ووضعتها على قلبي وقلت " أنتي

هنا يا وسن في قلبي وأقسم أنه ولا واحدة تشاركك فيه "

سقطت دمعتها وقالت بأسى " ومي أجب عن

هذا السؤال وارحمني "

أنزلت رأسي للأسفل وقلت " مي فرضتها ظروفي

يا وسن لا أنتي ولا أنا السبب في وجودها "

ثم رفعت رأسي لها وقلت " ضعي نفسك مكانها تتزوجين

برجل يتزوج بأخرى هل ترضي أن يرميك من أجلها "

هزت رأسها وقالت بعبرة تتقاطر معها دموعها " ضع أنت

نفسك مكاني ولتضع هي نفسها فيما أنا فيه ، أنا أحبك بجنون

يا نواس هل تعي معنى هذه الكلمة أعشقك ولو الأمر بيدي

لا يشاركني أحد في حضنك ولا حتى خيولك "

أمسكت وجهها بيداي وقبلت جبينها وقلت بحزن " لا أحد

يأخذ الحنان والحب من حضني مثلك يا وسن ولا حتى خيولي

ولا كل نساء الأرض قدري ظروفي يا وسن أرجوك "

دست وجهها في صدري وقالت ببكاء " أَفهمني السبب إذا

أقنعني بالشيء الذي لم تقتنع أنت به لسنوات لا حين صرت

خطيبة لخالد ولا حين كنت سأصير زوجة لسليمان أخبرني

كيف أرضى بما لم ترضى به أنت , كيف أقتنع بما عجزت

عن أن أُفهمه لك في أكثر من عامين ارحمني

أنت يا نواس وقدر مشاعري "

حضنتها بقوة ولم أعرف ما أقول هل أقول لها اصبري قليلا

وسأطلقها ومي طلبت مني البارحة أن لا أخرجها من هنا أم

أخبرها بما بيني وبينها وسبب زواجي بها وأنقض العهد , لا

أستطيع فعلها الموت أرحم لي من ذلك ، أبعدتها عن حضني

ومسحت دموعها وقلت " يكفي يا وسن يكفي أرجوك

كم مرة سأقولها وأترجاك "

مسحت دموعها واستوت في جلستها على كرسيها وساد

الصمت سوا من صوت شهقاتها الصغيرة فقلت بهدوء

" لا داعي لأن تذهبي للجامعة اليوم "

هزت رأسها بلا وقالت " لا يمكنني التغيب هذه الفترة "

تنهدت بقلة حيلة وشغلت السيارة وخرجنا ولم نتحدث باقي

الطريق لأني أمضيتها أجيب على اتصالاتي من أجل الخيول

التي سيتم نقلها اليوم والبضائع التي ستنزل الميناء حتى وصلنا

جامعتها ونزلت في صمت وطلبتُ من السائق إرجاعها للمنزل

فيما بعد ولم أرجع له باقي النهار ونمت في غرفتي في منزل

والدتي وعند الصباح توجهت للمزرعة ولم أدخل المنزل

توجهت للإسطبلات فوقف وليد ما أن رآني وقال

" هل نتحدث الآن فيما تركناه معلقا "

قلت مجتازا له " ليس الآن حتى أتحدث معها أولا "

وأمضيت هذا النهار كسابقه ولم أدخل المنزل ولا من

أجل تناول الطعام لأني إن دخلت ستسحبني قدماي لها وستفتح

ذات الموضوع وتبكي وتتعب نفسيتها وإن تجنبتها ستكون

النتيجة واحدة فالأفضل أن أجنبها رؤيتي في كل الأحوال

حتى أجد حلا لكل هذا





*

*








نظرت لرسالته للمرة العاشرة الرسالة التي أرسلها صباح اليوم

وجعلتني مخدرة لباقي النهار ( لم يُعلم الصباح أحبتي أن يشتاقوا

فلُمت على الصباح فقط كي لا ألوم عليهم .... اشتقت لك غزالتي )

ضممت الهاتف لحضني وأنا أشعر حقا بالاحتياج والفقد والشوق

فيومان أصبحا عبئا كبيرا على قلبي لا يحتملهما كما في السابق فهذا

الرجل يعرف كيف يجعلني أعشقه كل يوم أكثر لأكتشف أن عشق

القرب أقوى مئات المرات من عشق البعد ، رميت الهاتف على السرير

وأخذت وشاحا خريفيا ولففته على جسدي فالجو هنا يبرد كثيرا في

الليل وخرجت من غرفتي وعبرت الممر الطويل حتى صرت في

وسط المنزل ودخلت المطبخ وفتحت النافذة ونظرت منها فكانت

سيارته ما تزال هنا فخرجت منه مسرعة أفكر أين سيكون الآن

فكرت أن أراه من نافذة غرفتي لأعلم إن كان هناك كما تلك الليلة

أو في .... شعرت بقلبي انقبض فسرعان ما أبعدت تلك الأفكار

من رأسي واتجهت جهة باب المنزل وأنا أتمتم " ليس معها ليس

في الأعلى نواس يحبني أنا أجل قالها أنا وحدي في قلبه "

وصلت للباب وكدت أموت فرحا حين وجدته مفتوحا وهذا إن

عنا يعني شيئا واحدا أن نواس في الخارج ولم يدخل ، فتحت

الباب وخرجت أخطو الخطوات ألف حول المنزل حتى صرت

عند ساحة الخيول ولم أجد أحدا فتحركت في المكان وكان الظلام

حالكا والوقت متأخر ولم أعرف أين أبحث أيضا حتى شعرت

بحركة في الجهة المظلمة فشعرت بالخوف فعدت راكضة

لتمسك يد بذراعي وسحبتني لأرتفع عن الأرض صارخة بخوف

لتسكتني الشفاه التي همست لي " ما أخرج غزالتي هذا الوقت "

لأكتشف أني بين ذراعي نواس الذي حملني عن الأرض

وضم رأسي لحضنه فتعلقت بعنقه وقلت بهمس

" أخفتني جئت من أجلك طبعا "

سار بي نحو كراج سياراته قائلا " ولما لم تتصلي بي لتري

إن كنت هنا أو لا أو حتى رسالة أين أنت اشتقت لك هل

أنت بخير معقول زوجة مهملة هكذا "

كان وجهي مختبئ عنه أدسه في عنقه متشبثة به ولم أعلق

على كلامه حتى أنزلني لأجد نفسي أمام سيارته الصحراوية

فنظرت له بحيرة ففتح بابها الذي بجانب السائق وقال

" اركبي ... قليلا وسأعود "








****************************************************

******************************************

برد المشاعر 06-08-15 12:30 PM

رد: أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل السابع والعشرون)
 
خرجت ركضا ونزلت السلالم متوجها ناحية الباب فأوقفني

صوت والدتي تناديني فقلت بصوت مرتفع

" سما تركت المنزل يا أمي عليا أن أبحث عنها "

وخرجت ولم أسمع حتى ما كانت تقول , ركبت سيارتي

وانطلقت أجوب الشوارع أبحث عنها فأين ستذهب في وقت

متأخر مؤكد سلكت الطريق على قدميها , بحثت كثيرا وبلا

فائدة ويبدوا أني أضيع الوقت ليس إلا فرفعت هاتفي واتصلت

بجابر وكل مناي أن لا يكون نائما وهاتفه على الوضع

الصامت لكنه أجاب فورا وقال " ما بك يا نزار تتصل الآن "

قلت من فوري " سما تركت المنزل منذ أكثر من ساعة ولم ... "

قاطعني بحدة " كيف هكذا يا نزار اعتمدت عليك في

حمايتها ماذا إن اختطفها أحدهم ولم تغادره "

قلت بضيق " أنا لم أقصر في حمايتها وما يدريني تخرج

هكذا لكنت أغلقت عليها الباب كلما خرجت "

قال بحزم " خرجت أم أخرجوها يا نزار "

قلت بجدية " بل خرجت لأنها أخذت صورة عائلتها معها "

قال بضيق " لم تأخذ ثيابها ولا حليها ولا أموالها

فما يدريك أن تكون هي من خرجت "

تنهدت وقلت " بل خرجت لأنها كانت غاضبة مني ومجروحة "

قال بحيرة " ما معنى ما تقول "

قلت باستعجال " ليس وقته الآن أنا عند قبو منزلهم إن

لم أجدها هنا سأتصل بك "

قال من فوره " بل تأتي هنا في مكتبي في الحالتين

وسأبلغ رجالي ليبدءوا البحث عنها "

أنهيت الاتصال منه ليرن هاتفي برقم والدتي فأجبت

عليها وأنا أنزل من السيارة فقالت " نزار ماذا حدث

كيف تتركني مشغولة هكذا "

قلت وأنا أدخل بين الأشجار " سما سمعت حديثي معك ثم

جاءت دعاء ولعبت الفصل الأخير من لعبتها لذلك طردتها

وسما تركت المنزل والباقي نتحدث فيه فيما بعد فأنا

الآن عند قبو منزلهم "

قالت مباشرة " بالرفق عليها بني الفتاة تحبك ومجروحة

منك فلا تأخذ على كل ما ستقول "

قلت وأنا أبحث عن زر الباب " أعلم أمي وداعا الآن "

أنهيت الاتصال معها وأعدت هاتفي لجيبي وتوجهت ناحية

الباب الذي فتحته ونزلت وشغلت المصباح في هاتفي لأني

لم أفكر أن أحضر مصباحا , سرت حتى وصلت القبو فكان

مظلما تماما فبدأ خوفي يزداد , أيعقل أنها ليست هنا أين

ذهبت إذا ! توجهت جهة مفاتيح الإنارة وشغلتها لأفاجئ بها

في مكانها السابق تجلس محتضنة ساقيها وتخفي وجهها فيهما

فتوجهت نحوها مسرعا ونزلت عندها ووضعت يدي على

شعرها وقلت بهدوء " سما كيف تقلقيني عليك هكذا "

حضنت ساقيها أكثر وقالت بعبرة " طفلة ولا أعرف

كيف أفكر ولا أتصرف أليست هذه حقيقتي "

أغمضت عيناي بقوة ونفث نفسا حارا ثم فتحتهما

وقلت " ومن قال هذا أنتي بعقل فاق حتى الراشدات "

قالت بحرقة " بل أنت قلتها مراهقة ومن في سني لا

يعرفون سوا المظاهر والغراميات أما دعاء فتعجبك

كثيرا حد أن .... "

وبدأت بالبكاء بنحيب يقطع القلب فأمسكت كتفيها وقلت

" توقفي عن البكاء يا سما فدعاء لم تعنيني في

الماضي لألتفت لها الآن "

رفعت رأسها ونظرت لي بعينان مرهقتان وجفنان

محمران من كثرة البكاء وقالت بأسى " ولا أنا أعنيك

فارحل واتركني وحدي "

فتحت فمي لأتحدث ليوقفني صوت طرق بعصا في سقف

القبو لتنتفض سما واقفة وتسقط صورة عائلتها من حجرها

ويتحطم زجاج البرواز ووقفت أنا معها من الصدمة والمفاجأة

وأمسكت سما فمها وبدأت بالارتجاف من البكاء والطرق

يقترب منا ويشتد وارتجافها يزداد أكثر فشددتها لي

وحضنتها دون أدنى تراجع أو تفكير وكل ما فكرت فيه

وقتها أن ألملم ارتجافها وأشعرها بالأمان فطوقتها بذراعاي

وأنزلت رأسي لها وقلت بهمس " لا تخافي يا سما لن

يصلوا لنا توقفي عن الارتجاف "

قالت بصوت مرتجف ضعيف " ها هم كما

أخبرتكم جاءوا لأخذي حيث عائلتي "

قبلت رأسها وقلت بحنان ماسحا على ظهرها

" لن يفعلوها أموت أنا دون أن يحدث ذلك "

تمسكت بي أكثر ولم أعرف كيف أتصرف الهواتف لا

تعمل تحت الأرض ولا يمكننا الخروج حتى يغادر من في

الأعلى , لو أجد طريقة أصل بها لجابر فحتى الصعود مستحيل

فقد يكونوا مجموعة أو مسلح حتى إن كان واحدا , بعد قليل

اختفى الصوت وابتعدت عني فقلت " سأتأكد إن كانت

الطريق أمان وعلينا أن نخرج من هنا "

قالت بشهقات متتالية " لن أخرج لأي مكان "

تأففت ونظرت للجانب الآخر كي أهدئ نفسي أكثر فوصلني

صوتها الحزين قائلة بأسى " وتريد تزويجي يا نزار تعلم عن

مشاعري نحوك وتريد أن تتخلص مني , ليثني لم أحبك يوما "

نظرت لها بصدمة فابتعدت وجلست بعيدة عند أحد الجدران

وعادت لجلستها السابقة فرفعت الصورة من الأرض وتوجهت

نحوها ومددت يدي لها وأمسكت يدها وقلت " أخرجي معي

يا سما وسنتحدث عن كل هذا أقسم لك "

هزت رأسها بلا بقوة وقالت ببكاء " لا أريد أن أسمع شيئا

أتركني وحدي كما كنت لماذا أخرجتني من هنا لماذا

أخذتني للعيش معك لماذا تعرفت عليك لماذا "

تنهدت بحيرة ثم غادرت وتركتها حتى خرجت من القبو

وابتعدت عنه بضع خطوات من أجل حمايتها فليمسكوني

وحدي المهم لا يجدوها , أخرجت هاتفي واتصلت بجابر

فأجاب من فوره قائلا " أين أنت هاتفك خارج التغطية

رجالي يطوقون المنطقة , ماذا حدث معك "

قلت بصوت منخفض " وجدتها في القبو ورفضت

الخروج معي وعاد ذاك الشخص وطرق وسمعته

بأذني فلم يعد في الأمر أي شك "

قال باستعجال " قادم لكما حالا لا تخرجها من هناك حتى أصل "

التفت للخلف حيث الباب وفكرت أنها قد تخرج من باب

المنزل لكن مستحيل ستخاف من ذاك الذي يطرق في

الأعلى , عدت أدراجي ونزلت لها هناك ووجدتها مكانها

ولا شيء ولا حتى بكاء تخفي وجهها عني في ذراعيها

ويبدوا تصر على عدم المغادرة وهذا ما سيسبب لنا مشكلة

مع جابر , خرجت مجددا أنتظره لأنه لا يمكنه أن يدخل

للقبوا ولا الاتصال بي وأنا هناك , وقفت في أبعد مكان

أرى منه فتحة القبو تحسبا لأي طارئ ولتكون أمام ناظري

إن خرجت حتى شعرت بيد أمسكت كتفي فقفزت مفزوعا

وإذا به جابر ومجموعة لا بأس بها من رجاله وقال بهمس

" لازالتْ في القبو ؟؟ "

هززت رأسي بنعم فقال " علينا أن ندخل المنزل من هنا

ستكون فكرة غبية أن ندخله من الخارج لعلنا نجده في الداخل "

هززت رأسي بحسنا وتحركت وهم يتبعوني حتى نزلنا

للأسفل ثم التفت له وقلت " هل المنطقة آمنة يا جابر

هل خروجها فيه خطر عليها "

أمسك كتفي وقال " لا تقلق المنطقة مؤمنة بالكامل والرجال

في كل شبر منها وسترى ذلك بعينك وماداموا لا يعرفون

شكلها فهي في مأمن منهم "

هززت رأسي بحسنا وقد شعرت بالارتياح فسحبني بعيدا

عن رجاله وقال بهمس " ماذا حدث يا نزار "

تنهدت ثم أخفضت رأسي وحكيت له مختصرا قدر الإمكان

فأن يعلم ونحن هنا أفضل من أن يذهب لها ويصرخ عليها

قال بعدما انتهيت " وأنت "

رفعت نظري له باستغراب فقال " أنت ما شعورك ناحيتها "

هززت رأسي بلا وقلت " هذه الفتاة يا جابر بيني وبينها

مسافة طويلة لا نحن من نفس العالم ولا العمر "

نظر جانبا وقال " أفهمك يا نزار لا تشرح لي وأعلم

مثلك عن عائلتها وأعذرك "

ثم ركز نظره على عيناي وقال " لكنك بهذا تظلم

نفسك قبلها وتعذب قلبك أكثر منها "

أبعدت نظري عنه وابتسمت بحزن قائلا

" فهمتها دون جواب يا جابر "

ربت على كتفي وقال " لن أكون جابر ولن تكون

صديقي إن لم أفهمك ومنذ يوم طلبت أن تزوجها "

رفعت نظري له وقلت " وما قصة هذا الذي يطرق "

تحرك حينها قائلا " دعنا ندخل له ثم نتحدث "

سلكنا الممر حتى وصلنا القبو وكانت سما مكانها وعلى

حالها فغمز لي جابر ناحيتها وقال بهمس " ليلاك تبدوا في

حالة سيئة وأراك تستحق ذلك تجد تلك في حضنك وتريد

منها أن تعذرك وتقبل أعذارك "

قلت بضيق " جابر ليس هذا وقت سخريتك مني "

ضحك وابتعد عني قائلا " سحقا للحب يا رجل ضعنا معه "

فتأففت وهززت رأسي , يتحدث بحرية ولا يحسب حسابا لأن

تسمعنا وتضنه يتحدث عنها , أشار لي ففتحت الباب لرجاله

وصعدوا للأعلى واقترب هوا منها وأنا أتبعه حتى وقف أمامها

وقال " سما أين تريدين الذهاب وأنا آخذك حالا لكن هنا لن تبقي "

ضمت نفسها أكثر وقالت بحزن " لا مكان لي غير

هذا فاتركوني هنا "

نظر لي ثم لها وقال " أخبريني من كدرك هكذا

وسيكون الليلة في السجن "

نظرتُ له بضيق وقلت هامسا " منذ متى هذا الحنان سيد جابر "

قال بابتسامة جانبية " لم ترى شيئا بعد يا منحوس فالنساء

إن أحببن وجُرحن يتحولن لشيء لا يوصف اسمعها من مجرب "

ابتسمت له ابتسامة شامتة ليفهم قصدي فقد فهمت معنى كلامه

فلكمني على خدي وقال " شتان بيني وبينك فلا تنسى "

ثم نظر لسما وقال " أخبريني من يكون فقط وستري أفعالي "

قالت بعبرة " نزار وحبيبته "

فتحت عيناي على اتساعهما من الصدمة وجابر رد لي نظرتي

الشامتة فنظرت له ببرود ثم نظرت لسما وقلت بضيق " سما هي

ليست حبيبتي ولم أحبها يوما فارمي هذه الأفكار من رأسك "

أومأ لي جابر برأسه وقال " هيا أعطهم اسمها كاملا

هناك والليلة تكونان في السجن "

قالت سما حينها " لا تسجنوهما معا "

فضحك جابر ولم أستطع أنا إمساك ابتسامتي , كل ما فكرت

فيه أن لا أكون ودعاء في زنزانة واحدة ما أنقى قلبك يا

سما ليت كل البشر مثلك , وصل رجال جابر لنا وقال

أحدهم " لم نجد أحدا سيدي "

هز رأسه بحسنا فنظرت له وقلت " اختفى "

قال بجدية " بل وقع بين أيدينا وليلة غد يكون في قبضتي "

ثم التفت لرجاله وقال " ما أن نخرج من هذه المنطقة تخلو

المكان ويعود كل شيء لطبيعته وليلة غد سنقضيها هنا

في منزل سما في الأعلى ونستقبل زائر الليل "

قلت بحيرة " وما يدريك أنه سيأتي "

دفعني بسبابته من رأسي وقال " عداد الكهرباء يا ذكي

به يعلم أن ثمة من في المنزل وشغل الأضواء ولأن

المنزل مظلم خمن أنه سيكون ثمة قبوا فيه "

نظرت له بصدمة وقلت " رائع كيف خطر هذا في بالك

صحيح عداد المنزل لن يعمل إلا في حالة استهلاك

الكهرباء في داخله ولأنه في الشارع فما أن يمر

أمامه سيعلم إن كان يعمل أم لا "

هز رأسه بنعم وقال " ولهذا لم يدخل طيلة المدة الماضية

وأنا من غبائي لم أفكر فيها "

قلت مبتسما " كل هذا وتقول عن نفسك انك غبي "

نزل حينها عند سما ورفع وجهها له وامسك ذقنها وقال بهدوء

" آخذك لمنزلي حيث زوجتي وأبنائي ولن ترجعي مع نزار حسنا "

قلت من فوري " لا تعرضها للخطر يا جابر "

وقف وقال " القصر مزود بحراسة مشددة ولن يصلوا لها "

قلت " لكنهم بهذا قد يعلموا بوجودها وإن لم يصلوا لها وليس

عليك أن تتق ولا في حراسك فهم في النهاية بشر ياستهويهم المال "

ابتعد بي عنها وقال " نزار ماذا تريد بالتحديد "

قلت بضيق " ابتعد عنها وأبعدها عنك "

قال بابتسامة جانبية " ولما "

تأففت وقلت " أعلم أنك تفهمني بدون أن أتحدث "

اتسعت ابتسامته وقال " تريد أرضائها يا صعلوك "

قلت بغل " جابر أتركها عندي قلت لك "

ضحك وسحبني معه ناحيتها وقال موجها حديثه لها

" ما رأيك في أن نرجعك لمنزله وسأضعه في السجن فيبدوا

أن قضيتك ستفرج قريبا ونرجعك لأهلك ونخرجه حينها "

نظرت جانبا وقالت " خالتي ستحزن عليه ولا

أريدها أن تتعب وتتعذب "

قال " والحل إذا "

وقفت وقالت " هل وجدت عائلتي "

نظر لي ثم لها وقال بحيرة " ولما خمنت ذلك "

قالت " من كلامك منذ قليل عن انك ستعيدني لهم قريبا "

قال مبتسما " هل هذا ذكاء منك أم غباء مني أنا "

قالت بهمس " لا أعلم "

أمسكها من كتفها وقال " بلى وجدتهم ومن قبل أن

أجدك ولا يمكن إرجاعك لهم الآن يا سما "

قالت بأسى " ولما أليسوا عائلتي "

أبعد يده عنها وقال " نعم لكن بذلك ستظهر شخصيتك

الحقيقية فقد يكون ثمة من يراقبهم وسيأخذونك منهم

في لمح البصر وبكل سهولة "

قالت بحزن " وما بقي لي إذا غير الشارع "

قال بجدية " عودي لمنزله وستغادرينه قريبا أعدك "

قالت بتشكك " حقا تعدني "

ابتعدت عنهما حينها لأني لم أعد أحتمل تمسكها بالمغادرة

بعيدا عني فها هي أصبحت لا تريد حتى رؤيتي وأستحق ذلك

خرج حينها وهي تتبعه ورجاله خلفهم فهززت رأسي ولحقت

بهم حتى صرنا في الخرج وقال " تغادرين معه أم أوصلك أنا "

نظرت للأسفل وقالت بهمس " بل معك "

ضحك حينها بصمت وغمز لي فنظرت له بضيق وغادر

وهي خلفه فغادرت جهة سيارتي وركبتها وغادرت لكني

لم أرجع للمنزل بل اتصلت بوالدتي لتعلم بالأمر مني أنا

وليس كما فهمته سما فوالدتي الشخص الوحيد الذي يمكنه

التأثير عليها , حكيت لها مفصلا أما هي فكانت تستمع لي

دون أن تناقش أو تقاطعني كعادتها حتى أكملت كلامي فقالت

" اتركها علها تنساك وهذا ما تريده أنت أليس كذلك "

قلت بضيق " أمي ما هذا الذي تقولينه هل يرضك أن

تأخذ تلك الفكرة عني وهي غير صحيحة "

قالت ببرود " ولما لم تحكي هذا لها هي "

قلت بتذمر " لم تسمع مني خروجها من عندنا فيه خطر

عليها يا أمي ففكري في سلامتها على الأقل فهي

لم تعد تريد البقاء معي "

قالت باختصار " سأرى سأرى ها هوا الباب

انفتح لابد وأنهما هي وجابر "

ثم أغلقت الخط ورميت الهاتف جانبا واتكأت على المقود

وكل ما حدث اليوم يمر أمامي كالشريط





*

*






انفتح الباب وأنا أنتظر حتى دخلت سما بملامح متعبة

وحزينة يتبعها جابر وركضت نحوي وارتمت في

حضني تبكي وسلم عليا جابر وقال " كيف حالك "

قلت مبتسمة وأنا أمسح على شعر سما

" بخير بني أين أنت لا تتذكرني ولا بزيارة "

قال مبتسما " لو وجدت وقتا ما بخلت بها عليك "

ثم قال مغادرا " لتكن في أعينكم يا خالة فخروجها

قد يكون فيه هلاكها وسأضع عليكم حراسة "

ثم غادر ولم نسمع سوا صوت إغلاقه للباب فمسحت

على شعرها وقلت بحنان " يكفي بكاء يا ابنتي "

قالت بعبرة " أريد والداي أريد أن اذهب لهما "

أبعدتها عن حضني وقلت " سما ما هذا الذي تقولينه

هل يرضيك أن تغضبي الله منك "

قالت ببكاء " يحبها هي خالتي وتعلمين أنه يعلم

عني ولم تخبريني "

مسحتُ دموعها وقلت " لم أكن أريد لك العذاب يا

صغيرتي ثم دعاء لا يحبها ولا يريدها "

هزت رأسها بلا وقالت " بلى رأيتهما بعيني "

حضنت يدها بين كفاي وقلت " تمثلية منها لتبعدك عنه فأنتي لا

تعلمي ما حدث بعد صعودك وسمعته أنا وهوا يطردها من المنزل "

نظرت لي بعدم تصديق ولا اقتناع فتنهدت وحاولت أن أفهمها ما

حدث كما حكاه لي لكن دون أن أخبرها أنه من أخبرني بكل

هذه التفاصيل فقط ما حدث في المطبخ وهي تستمع لي وكل دمعة

تلحقها الأخرى حتى فطرت لي قلبي فمسحت على خديها وقلت

" يكفي يا سما لو لي رجاء عندك يكفي بكاء "

مسحت عيناها ووقفت وغادرت الغرفة وصعدت للأعلى

دون حتى أن تعلق على ما حكيته لها ونزار لم يرجع تلك

الليلة واتصل بي ليخبرني أنه سيقضيها خارج المنزل

ومرت عدة أيام ولم يأتي نزار سوا ليلا وخلسة ليرى ما

يحتاج المنزل ولا يبدوا لي فكر جيدا فهوا يرى أنها تحتاج

أن تبتعد عنه فأن يبقى بعيدا أفضل من أن تحاول الخروج

مجدد أما سما فأصبحت تمثال من الصمت والحزن لا أسمع

سوا أجراس حدائها وهي تتحرك في المنزل والمطبخ ولا

تتحدث إلا مجيبة عن أسئلتي ومات كل ذاك المرح والنشاط

وتلك الابتسامة البريئة الجميلة بعدما خيم عليها الحزن والبرود

حتى أنها لم تسأل عن غيابه عن المنزل طوال النهار

كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل حين انفتح باب المنزل

ودخل منه نزار ودخل عليا الغرفة من فوره وجلس فقلت " هل ترى

هذا الحال حلا لكل ما حدث أنت هارب طوال الوقت وهي غيمة

من الحزن والصمت , إن كنت ترى هذا صوابا فغير رأيك بني "

نظر للأرض وقال بهدوء " لا أريدها أن تغادر المنزل مجددا

فلن تسلم الأمور في كل مرة "

تنهدت وقلت " وما يفعلون رجال جابر في الخارج فلا تتحجج "

أشاح بوجهه بعيدا وقال " لا تريد رؤيتي وتعلمين ذلك جيدا "

قلت بتذمر " لو أفهمك فقط وأفهم ما تريد ولما تصر على

أن لا أخبرها أنك تحبها ولا أن تخبرها أنت "

كان سيتحدث فسمعنا صوت حدائها تنزل السلالم فوقف

ينظر لي فرفعت له كتفاي بقلة حيلة فإن دخلت هنا فستجده

وليدعوا الله أن تتوجه جهة المطبخ لكنها بالفعل وقفت عند

باب الغرفة قائلة " خالتي هل ..... "

وبترت كلامها ونظرت له بصدمة ثم اختفت في لمح البصر

لتعود للأعلى راكضة ونفض هوا يده وخرج فقلت " نزار "

التفت لي فقلت " هروبك ليس حلا عليك أن تقتنع بذلك "

قال مغادرا " وهذا ما لاحظته فلن أغادر مجددا "

قلت قبل أن يصعد " لا تتحدث معها الآن "

ثم تنهدت واتكأت على ظهر السرير أفكر في حال تلك

المسكينة وحال ابني أكثر منها فهوا كلما اقترب من السعادة

هربت منه وها قد جاءه كلامي فإن سمع نصيحتي وتزوجها

سابقا ما كنا في كل هذا فليجرب نتائج أفكاره وقناعاته

التي لازال يتمسك بها





*

*




عدت لغرفتي ركضا وأغلقت الباب وتوجهت للسرير من

فوري وارتميت عليه أبكي بصمت فلا أكبر من أن تحب

شخصا لا يعلم عن حبك له إلا أن يكون يعلمه ويرفضه

وأن يدعي السذاجة ليحلق حولك فيزيدك تعلقا به وهوا موقن

من أنه سيطعنك في النهاية , كان يريد التخلص مني وأنا من

سذاجتي أضنه يريد تحقيق رغباتي لماذا أحببتك يا نزار وأنت

قاس هكذا ؟ لماذا يا سما تحبينه ولما الحب أمر جارح وقاتل

هكذا كيف أنساه كيف أكرهه بل كيف أنسى كل ما فعل من

أجلي وأتعامل معه بجفاء وقسوة وهوا حتى النقود كان

يدفعها لي من جيبه ولم يرفض لي يوما طلبا أطلبه منه

يا رب لما يحدث معي هكذا كيف أكون أحبه وأريد أن ابتعد

عنه في آن واحد كيف يجتمع النقيضان ؟ كيف سأتركه وأرجع

لعائلتي الذين لم يريدوني يوما , كيف وهوا فكر سابقا بالتخلص

مني بتزويجي لأنه لا يريد أن أحبه , غمرت وجهي في الوسادة

أكثر أخفي صوت بكائي فسمعت طرقا خفيفا على باب الغرفة

فاختبأت تحت اللحاف ولم أجب وليس لديه ما يصنعه بي لا

يحبني ومشاعري ستتغير وعليا أن أنساه ولا يستحق دموعي

فهمتها وسبق أن قالها فلا حاجة لأن يعيدها ، طرق أكثر من

مرة ثم غادر واستسلمت أنا للنوم بعد مسيرة طويلة من البكاء

ولم أستيقظ إلا وقت الفجر صليت ثم نزلت لخالتي لأدخلها

الحمام لتصلي أيضا فوجدت نزار يغطي لها ساقيها والتفت

لي ما أن وصلت فعدت أدراجي ودخلت المطبخ بدلا من

الصعود كي لا يتكرر مشهد البارحة ، لو علمت أنه هنا ما

نزلت ظننته كالأيام السابقة سينام خارج المنزل ولم نعد نراه

ولا نهارا , أشعر بالخجل منه أكثر من الجرح فكم وضعي

أصبح سخيفا ومحرجا ، رفعت نظري لأجده واقفا أمام الباب

ينظر لي بهدوء فأنزلت رأسي للأسفل ووصلني صوته قائلا

" سما أريد أن أتحدث وأن تستمعي لي ولا تفهميني بشكل خاطئ "

هززت رأسي بلا وقلت بحزن " لا تقل شيئا نزار أرجوك

ويكفي حتى هنا "

تنهد تنهيدة طويلة وقال " والحل إذا "

رفعت رأسي ونظرت له وقلت بجمود " الحل عندي "

نظر لي باستغراب فمررت من أمامه خارجة من المطبخ

وقلت " حكت لي خالتي كل شيء ولم أعد أهتم "

ثم ركضت جهة السلام وصعدت وعدت لغرفتي واختبأت

في سريري أهرب من كل شيء وأولهم البكاء ولم أخرج

ولم أنم حتى التاسعة فنزلت بعد صراع نفسي طويل فعليا

أن لا أهمل شيئا مما كنت أفعله كي لا يرو أني أمن عليهم

توجهت لغرفة خالتي بعدما وقفت لوقت ولم أسمع صوته

في غرفتها فوقفت عند الباب وقلت " صباح الخير "

قالت " صباح النور ما كل هذا النوم فليست عادتك "

نظرت للأسفل وقلت " لم أكن نائمة "

تنهدت وقالت " هاربة منه إذا "

اتكأت على الباب وقلت بحزن " كيف أتصرف خالتي لقد تعبت "

مدت لي يدها فتوجهت نحوها وارتميت في حضنها أبكي

بصمت فمسحت على شعري وقالت " يكفي وارحمي نفسك

يا سما نزار فقط لا يريد أن يظلمك معه وهوا يرى نفسه بلا

مستقبل , يكفي وانظري لنفسك في المرآة وجهك شاحب

وحزين وعيناك ذابلتان لما كل هذا "

قلت بعبرة " أريد أن أنساه أن أتوقف عن

حبه فأخبريني كيف يكون ذلك "

اكتفت بالمسح على شعري في صمت وتركتني ابكي في

حضنها حتى توقفت عن البكاء وابتعدت عنها فمسحت

الدموع من خداي وقالت " ليته كان بيدي حل لما توانيت

لحظة عن فعله لا أريدك أن تضني سوءا بنزار وتكرهينه

ولا أن أعشمك بشيء لن تجديه عنده فقط أريدك أن تتبعي

رأي قلبك إن قال أحبيه فافعليها ولو لآخر العمر وإن

قال انسيه في أي يوم كان فلا تتراجعي "

بقيت أنظر لعينيها بضياع فتنهدت وحضنت يدي في

كفيها وقالت " سما ما أريد قوله عيشي حياتك والتفتي

لدراستك ونزار إن بقي قلبك يريده فستجديه يوما ما أمامك

وإن اختار غيره كوني له أما الآن فأعطي قلبك وعمرك

المجال فنزار يريد سما المستقبل "

شهقت شهقة صغيرة من أثر بكائي وقلت بحزن

" هوا قال لك هذا "

هزت رأسها بنعم فقلت بحزن " لا يريد سما اليوم إذا

فكيف سيحب سما الغد ! هوا يتحايل عليك فقط "

ضغطت على يدي بقوة وقالت " لا يتحايل علي , نزار لا

يريد أن يظلمك معه أقسم على هذا يا سما "

وقفت وقلت " لكن سما المستقبل قد تكون ميتة "

نظرت لي بحيرة من كلماتي فابتعدت جهة الباب وقلت

" هل أعد لك الإفطار "

قالت من فورها " تناولته مع نزار نامي أنتي الآن وارتاحي "

غادرت غرفتها وصعدت السلام عائدة لغرفتي





*

*



ما أن صعدت سما حتى خرج نزار من خلف المكتبة يمسك

في يده خيط المكبس الذي كان يصلحه وقال بضيق

" ليس هذا ما اتفقنا عليه يا أمي "

قلت ببرود " أخبرتك منذ البداية أني لن أعشمها بشيء وقلت

ما أنا مقتنعة به أما الباقي فأخبرها به بنفسك "

تأفف وقال بتذمر " لم تعطني فرصة يا أمي كم

مرة سأقولها لك "

قلت ببرود أشد " تستحق ذلك "

رمى السلك من يده وتركني وخرج متضايقا , يريد مني

أن أشرح لها أسبابا أنا لست مقتنعة بها ولا أراها أعذارا

مقبولة فليخبرها بها بنفسه وليتحمل نتائج ما سيأتي به المستقبل

وكما قالت سما فقد تكون بعد سنين ميتة أو هوا الميت فما

نفع إضاعة اليوم من أجل غد مجهول

لم يرجع بعدها نزار إلا بعد وقت الغداء فيبدوا لي لا يريد

أن يجتمعا عندي وخيرا فعل فأنا لاحظت سما لا تريد أن تلتقي

به أمامي وأعذرها فهي مجروحة منه ومحرجة من وضعها

أرى أن بقائها هنا أصبح يتعبها أكثر من مغادرتها ويبدوا

أنها هي أيضا باتت مقتنعة بذلك





*

*





ما أن تناولنا الغداء حتى أنهيت أعمال المطبخ وتركت له

غدائه وصعدت لغرفتي ممتنة لله أنه لم يأتي لتناول الغداء معنا

وقضيت باقي الوقت في غرفتي فلم أعد أريد أن ألتقي به

رغم الشوق الذي يتعبني وقلبي المتلهف لرؤيته , سحقا

للحب كم هوا سيء وكله مضار ، جلست على السرير

وأخرجت الرواية لأتسلى بها قليلا رغم أني لا رغبة لي في

شيء فقط لا أريد التفكير في كلام خالتي الذي قالت أنه قاله

لها فيبدوا أنها غاضبة منه وهوا أراد إسكاتها بتلك الكلمات

فما يعني يريد سما المستقبل وهوا يرفض سما اليوم وكيف

يخاف أن يظلمني وما يفعله الآن أكبر ظلم لي ، هززت

رأسي أنفض منه كل تلك الأفكار ومسحت الدمعة التي

تسللت من عيني ثم اتكأت على السرير ورميت الرواية

بعيدا وأخفيت وجهي بذراعي ونمت دون شعور

واستيقظت بعد وقت طويل لأجلس مفزوعة ونظرت لهاتفي

فكان المغرب خرج وقته منذ زمن فركضت جهة الحمام

توضأت وصليت المغرب ثم نزلت لأعد العشاء وتوجهت

أولا لغرفة خالتي فوجدتها نائمة والسجادة ليست في مكانها

وهذا يعني أنها صلت المغرب فأطفأت نور غرفتها وتوجهت

للمطبخ أعددت العشاء ووقفت عند الموقد بشرود أنتظر أن

ينضج فسمعت باب المنزل يُغلق وهذا يعني أن نزار قد عاد

يا رب لا يأتي هنا ويصعد مباشرة لا أريد أن أراه فيكفيني

إحراج وأعلم ما سيقول لي ولا أريد أن أسمعه كي لا يتعب

قلبي أكثر بنصائحه ، تنفست بارتياح حين مر بعض الوقت

ولم يأتي فالتفت للموقد وأطفأته والتفت لأذهب وأوقظ خالتي

فتسمرت مكاني حين وجدته أمامي مباشرة ينظر لعيناي

بتركيز وقال بهدوء " حتى متى سنهرب من بعضنا يا سما "

نظرت للأسفل ودسست شعري خلف أذني وقلت " أنت من

كنت تهرب لأيام وليس أنا , أعدك أن لا تسمع مني كلمة

عن الأمر وإنسا كل ما حدث لأني أريد أن أنساه "

مد يده وأمسك يدي وقال " تريدين نسيان ما حدث

أم نسياني أنا يا سما "

ارتجف كل جسدي من لمسته ولم أستطع قول شيء وأنا

أنظر ليدي في يده يرفعه ببطء ثم فرد أصابعها بيده

الأخرى وقال ونظره عليها " هل تري يدك يا سما "

رفعت نظري له فكان ينظر لها ثم مسح بأصابعه في

كفي وتابع " لا أريدها أن تبقى كل حياتها معي في

شقاء وكان يفترض بها أن لا تلمس الماء والصابون "

ثم رفعها لوجهه وقبل باطنها قبلة طويلة ولا يعلم ما أحدثه

بي من ملمس شفتيه عليها وقد توقف عقلي عن ترجمة

معنى ما يجري وما يفعل ثم أبعد يدي عن شفته وحضن

وجهي بيده الأخرى وقال ونظره عليها

" وهل تري هذه اليد يا سما "

ثم نظر لعيناي وقال " لا أريدها أن تعيش على حسابك

وبمالك وأن تمتد عليه وأن تهان من عائلة والدك "

ثم أمسك وجهي بيده الأخرى أيضا وقبّل جبيني ونظر لعيناي

مجددا وقال بهمس " لو كان الحب وحده ما يقدم يا سما

ما تركتك تخرجين من عندي لآخر عمرك "

شعرت بمفاصلي تصلبت من الصدمة لما فعل وقال , يحبني

هل تحبني فعلا يا نزار وليس شعورا من ناحيتي فقط وما

يمنعك فقرك وخوفك من عائلتي ورأيهم بك , شعرت بغصة

في حلقي لتمتلئ عيناي بالدموع وقلت بحزن ونظري على

ملامحه " وها أنا أسألك الآن ما الحل إذا "

أبعد يديه وقال ونظره للأسفل " سينقلك جابر من هنا فذاك

الرجل لم يرجع لمنزلكم وأصبحتِ في خطر حقيقي"











****************************************************

******************************************

برد المشاعر 06-08-15 12:37 PM

رد: أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل السابع والعشرون)
 
استندت بجبيني على كف يدي لينزل شعري مغطيا وجهي

ونصف جسدي من الأعلى وأنا أتذكر ما حدث يومها حين

وجدته أمامي في غرفة والدتي بل وحدّثها وعرفته بكل سهولة

ليضرب شيء واحد في دماغي أنه سيكون هوا من كتب لها

شهادة وفاة وهوا من أوصلها هنا وسيكون فاعل الخير الذي

يتكفل بكل تكاليف علاجها وأجهزتها

وقف بعدها والتفت ناحيتي وقال " ألن تفكري بعد في

العودة لمنزلك "

أشحت بوجهي جانبا وقلت ببرود " ليس منزلي فمنزلي

أنا فيه الآن "

تنفس بقوة وقال " أرجوان لا نريد شوشرة وفضائح في

المستشفى فلا تطرينا لرفع أصواتنا أمام الناس "

توجهت جهة الباب لأخرج من هنا فتبعني وأمسك ذراعي

ولفني ناحيته وضرب الباب بيده الأخرى ليغلقه وقال بضيق

" تخطئين وتغضبين كيف هذا يا عاقلة يا أرجوان "

استللت ذراعي منه بقوة وقلت بضيق مماثل " لست المخطئة

فلا تتهرب من أخطائك وهذا المكان كما قلت قبل قليل ليس مكانا

للنقاش أم أنك لا تريد أن تذهب لي في منزلي وتُحسب عليك "

تأفف وقال " أرجون لا أريد أن أخرجك من هنا مرغمة

فستخرجين معي للقصر في كل الأحوال فخلصينا من

الفضائح ووجع الرأس "

قلت بثبات " لن أعود له مكان أهنت فيه لا بقاء لي به ولو

كنتَ قادم لإرجاعي لكنت ذهبت لمنزلي وتحدثت معي

لكنك حتى هذه تريد فرضها علي بالإكراه "

ضغط على أسنانه بقوة وقال " ما الذي تريدين

الوصول له يا أرجوان "

قلت بهمس حزين " طلقني "

نظر لي بصدمة ولم يتحدث فقلت " وأبعد رجالك

عن منزلي واتركني وشأني "

أمسك حينها يدي وسحبني جهة والدتي وأراها إصبعي وخاتم

زواجنا فيه فابتسمت لتمتلئ عيناها بالدموع وكأن الحياة عادت

لها بمعرفتها بأنه زوجي فأخرج جابر الخاتم من أصبعي

ووضعه في كفي وقال محدثا والدتي " وتريد أن أطلقها "

لتتحول نظرتها للقسوة تنظر لعيناي بتركيز فأبعدت نظري عنها

وسحبت يدي منه وقلت ببرود " ولما لا تخبرها عن السبب

يا صهرها العزيز "

نظر لي وقال " وأخبرها عن أفعالك أيضا يا ابنتها فما رأيك "

ثم أمسك يدي وسحبني للخارج قائلا " وها قد رأيت بعينك

أن والدتك غير موافقة على جنونك أم ستناقضين

نفسك وتعصينها "

حاولت سحب يدي منه وأنا أجاري خطواته فسحبني بقوة

لأكون أمامه وضغط على رسغي بشدة حتى ظننته سيحطم

عظامه وقال بحزم " أرجوان أقسم أنها واصلة معي لأقصى

درجة من الغضب فلا تطريني لفعل ما أكرهه تفهمي "

وعاد يجرني خلفه كالشاة ولا شيء لدي سوا الدموع فحتى

ملامحه أخافتني ولن أضمن نتائج غضبه , خرجنا وأركبني

سيارته وغادرنا وها قد أجبرني على ما يريد هوا وضرب

رأيي وكرامتي عرض الحائط , لم أنظر ناحيته طوال الطريق

ونظري كان على النافذة أمسح أي دمعة تتمرد تريد النزول

وهوا لم يترك شخص اتصل به إلا وصرخ فيه حتى تعب

ليندموا على اللحظة التي فكروا فيها الاتصال به

وصلنا القصر ونزل وضرب باب السيارة ثم توجه جهتي

فتح الباب وقال بأمر " انزلي هيا "

لم أتحرك من مكاني ولم أرفع نظري له فتأفف وأمسك يدي

وسحبني مجددا فليدخلني مرغمة على أن أدخل وحدي أتبعه

دخل بي ولحسن حظي الذي يعرف متى يبتسم اجتاز بي

والدته الجالسة على كرسيها في الأسفل لتعلم أني لم أرجع

من نفسي كما قالت فها هوا أمامها أحضرني بنفسه ورغما

عني أيضا ولا أضن أنها موافقة على إرجاعه لي تحت

أي ظرف كان , صعد بي السلالم وتوجه بي لممر غرف

الأطفال وفتح باب غرفة الفتاتين على اتساعه ليقفوا ثلاثتهم

ينظرون لي بصدمة ورفع جابر يدي وقال بحدة " تكلمي أمامهم

يا أرجوان أخبريهم عن سبب تركك لهم فقد عجزت معهم

أفهميهم أنك تريدين الانفصال وتركهم للأبد أقنعيهم بكل هذا

ليرتاحوا ويرحموا أنفسهم من البكاء إن كنت أنا لا أعنيك

ففكري بهم وقدمي التبرير أو السبب أم هم باتوا لديك مثلي "

أنزلت رأسي وقلت ببحة وصوت منخفض " ليس هذا مكانه

يا جابر فأبعد الأطفال عن مشاكلنا وشجارنا "

ترك يدي وقال بحزم " بل هنا والآن "

قلت بهمس " أرجوك ليس هنا "

تأفف بغضب وفتح حينها الباب وخرج وتركني معهم ولا أعلم

أين ذهب ولا أريد أن أعرف , رفعت نظري لهم فكانوا ينظرون

لي بحيرة أو استغراب أو لا أعلم ما تكون تلك النظرة ثم انطلقوا

راكضين نحوي لأهوي أرضا وارتموا هم في حضني يشاركوني

البكاء والحزن والألم فكم ظلمتنا الظروف يا أبنائي وكم ظلمنا البشر

قالت ترف بعبرة " ماما لا ترحلي ثانيتا وتتركينا أرجوك "

حضنتهم بقوة اكبر ولم أعرف ما أقول وبما أعلق بعدما قاله أمامهم

حتى ابتعد أمجد عني وقال " لما والدي غاضب منك ولما تشاجرتما "

قلت بهدوء " مجرد خلاف بسيط بيننا بني وأردت أن

أبتعد عن هنا قليلا وها قد عدت "

ابتعدت عني بيسان وقالت " لما قال والدي تنفصلا هل

يعني هذا لن تكونا زوجين كالسابق "

مسحت على شعر ترف التي لازالت متعلقة بحضني وتبكي

وقلت " لا شيء حبيبتي والدك غاضب فقط فلا تتحدثوا

عما حدث هنا ثانيتا ولا تفكروا فيه "

دخلت حينها سيلا وركضت ناحيتي وجلست أمامي وأمسكت يدي

وقالت ودموعها تترقرق في عينيها " حمدا لله أنك عدتِ سيدتي

لم أصدق حين سمعت الخادمات يقلن ذلك كم أنا سعيدة بهذا "

ثم نظرت جهة أمجد و بيسان وقالت " ألم أقل لكم أنها

سترجع ها قد عادت "

نظرت بعدها لي مجددا وقالت بصوت منخفض " منذ سمعت

السيدة الكبيرة البارحة تقول للسيد بصوت غاضب

( أذهب وأرجعها عله يتحسن مزاجك علينا على الأقل )

علمت أن شيئا ما يجري بينهما وهي لا توافق عليه

ولم أتخيل أن يرجعك "

أبعدت ترف ووقفت ومسحت دموعي وسحبت سيلا بعيدا

عنهم قليلا وقلت " أمازلت وحدك من يصعد هنا "

هزت رأسها بنعم فقلت بهمس " أريد ثيابا لي من جناحي

وبعض الأغراض المهمة أحضريهم لغرفة أمجد هنا سابقا

ولا أريد أن يعلم احد وخصوصا الأبناء "

هزت رأسها بحسنا وغادرت في الفور وهذا هوا حالي منذ

أرجعني هنا سجينة الغرفة ولا أعلم في الخارج ما يجري



*

*



سمعت جرس الباب يقرع باستمرار وإصرار ورضا يبدوا

خارج الشقة أو أنه في الحمام فمنذ ذاك الموقف المخجل معه

يومها رفضت أن ننام معا في ذات المكان وقومت عليه ليلته

وكنت سأخرج أنا من الغرفة فخرج وتركها لي فلن أسمح أن

يستدرجني مرة أخرى لأجد نفسي في حضنه ولا أعي لنفسي

إلا صباح اليوم التالي ويضيع كل مخططي وتعبي فأنا أعلم

كم أضعف أمامه حين يستغل وقت احتياجي له ، وقفت عند

الباب وفتحته قليلا ووقفت أمامه فخرج رضا من حمام الصالة

وقال متوجها جهة الباب " عودي للغرفة يا زهور

فقد يكون أحد أصدقائي "

أغلقت الباب وسمعته يتحدث مع أحدهم ثم دخلا وأغلق الباب

ليختفي صوتهما خلف باب آخر ، غريب لما لم يجلس به في

صالون الاستقبال ! بعد قليل فتح عليا باب الغرفة وقال بشيء

من التردد " حبيبتي هلا أعددت لنا قهوة "

يبدوا وضعه ذاك في موقف محرج ولا يريد أن يظهر له أنه

هوا من يخدم نفسه بنفسه ، كنت سأرفض وأحرجه معه لكن

هذا سيمسني أنا وليس هوا فوقفت وقلت وأنا أخرج مجتازة له

" حسنا ولا تقل حبيبتي ثانيتا كم مرة سأقولها "

خرج خلفي قائلا بابتسامة " سأكذب وأقول لست

حبيبتي هل يرضيك هذا "

توجهت للمطبخ متجاهلة له وعاد هوا جهة غرفة الجلوس

فيبدوا أدخله هناك ، جهزت القهوة وبعض الحلويات ثم

احترت أوصلها له أو أخبره عنها فحملت الصينية وتوجهت

بها حيث يكونان وما أن اقتربت من الباب حتى سمعت رضا

يقول " حسنا سأرى فواز وأستلف منه لأرجع لك نقودك فأنا

أنتظر راتبي ولا دخل لي غيره ولا يمكنني أن أسدده لك

دفعة واحدة والآن لا نقود معي "

قال الآخر بشيء من الضيق " لو لم أحتاج للمبلغ ما طالبت

به وأنا ظروفي لا تسمح لأن أنتظر فبع سيارتك أو تصرف "

قال رضا " أخفض صوتك يا راشد وسأدبر لك المبلغ فأنا

لم أحتاج يوما وأستلف من أحد قبلك وظننتك ستنتظرني "

قال ببرود " غريب أمرك ناسبت رئيس شرطة البلاد

وتستلف النقود حالك يحير يا رجل "

قال رضا بضيق " ناسبتهم ليس لأمص دمهم وآخذ مالهم

ففرق كبير بين أن تتزوج امرأة وأن تتزوج مال عائلتها

وأنا مستعد لأن أحرث الأرض بأظافري على أن

أطلب المال منهم "

ابتعدت حينها ووضعت الصينية في المطبخ وعدت لغرفتي

ورننت على هاتفه ليأخذها من هناك وبقيت في غرفتي حتى

غادر ذاك الرجل وكل حرف سمعته يدور في رأسي فوقفت

وخرجت من الغرفة ولم أجده فهل خرج معه يا تري !!

قد يكون ذهب لذاك الذي سيستلف منه ليرجع له المال

حسنا وما دخلي أنا به فليجرب البؤس والضيقة , دخلت

المطبخ لأفاجئ به هناك يعيد الصحن للثلاجة وأغلقها ما

أن رآني ثم توجه ناحيتي وأمسك يدي وقبلها وقال مبتسما

" شكرا يا زهرتي فالرجل مدح قهوتك كثيرا وشعرت

أني صرت كالبالون أمامه من الفخر "

استللت يدي منه وأنا أنظر له , تكذب يا رضا لا أعتقد أن

ذاك الرجل كان في مزاج يمدح به قهوة , نظرت بعدها

للأسفل وقلت " أعجبني طقم في السوق حين خرجنا

سابقا وأريد أن تشتريه لي "
نظر لي باستغراب بادئ الأمر ثم أشار بإصبعه لعينيه

وقال " من عيني هذه قبل هذه قولي فقط أين رأيته "

بقيت أنظر له بحيرة ألم يفكر من أين سيجلب ثمنه ظننت أنه

سيعارض وأجدها فرصة لأعيره أنه لا يستطيع توفير ما أريد

فلما وافق على شروطي وتزوجني , قال عندما طال صمتي

" أو ما رأيك نخرج معا ونشتريه في أقرب وقت "

قلت مغادرة المطبخ " لم أعد أريده غيرت رأيي "

ثم عدت لغرفتي وجلست على السرير دون حتى أن أغلق

الباب فدخل وجلس أمامي وأمسك يدي بين يديه وقال

" لن يبقى في خاطرك يا زهور وأنا حي أتنفس فأخبريني

فقط أين رأيته وسيكون لديك "

قلت " قد يكون مكلفا جدا فهل ستشتريه "

نظر للأسفل ثم رفع نظره لي مجددا وقال " أشتريه أو أموت

دون ذلك فلا حياة لي وحبيبتي تريد شيئا أعجز عن إحضاره لها "

تنقلت بنظري بين عينيه محتارة من تصرفه هذا فهوا لم يفكر

حتى في الرجل الذي يطالبه بمبلغ لا يستطيع سداده ولا بكل

راتبه أم أن ذاك الرجل قرر أن ينتظره , قال عندما طال صمتي

" هل كل هذا بحث عن ذاك المحل في عيناي ستتسببين

بهلاكي بهذا يا زهور فارحمي حالي "

أبعدت نظري عنه بل ووجهي أدرته للجانب الآخر

فرفع يدي لشفتيه وقبلها وقل " ها ماذا قررتِ "

نظرت للأسفل وقلت بهمس خافت " لم أعد أريده أقسم لك "

ترك يدي ومد يده لذقني ورفع وجهي له وقال بدفء

" ولما الحزن في صوتك يا زهور وأنتي تقولين أنك لا تريدينه

فدعيني أوفر لك كل ما تتمنينه يا عينا رضا اللتان يرى بهما "

فتحت فمي لأتكلم لكن الكلمات تبعثرت ولم أعرف ما أقول

أطرديه يا زهور ابتعدي عنه لا تضعفي مجددا لا يخدعك

بالكلام فهذه هوايته ومراده ، لكنه لم يكن يعلم أني كنت أسمع

ما دار بينهما وهوا مستعد أن يدفع أي مبلغ فقط ليرضيني

كاذب يا زهور وسيأتيك بعذر تلو العذر ليتهرب من شراءه

لكنه أصر رغم رفضي ولم يستغل الفرصة ، مرر إبهام يده

التي يمسك بها ذقني على شفتي السفلى ببطء وقال بهمس

" أهلكتني يا زهور سامحك الله فتحدثي أو أغلقيهما مجددا "

شعرت بقلبي يضطرب بشدة وخداي يشتعلان من الخجل

لجرأته فأرخيت نظري للأسفل وأغلقت فمي فلم أشعر سوا

بشفتيه تقبلان شفتياي بسرعة لأنتفض بشهقة ووقف هوا

من فوره وقال مبتسما " سامحيني حبيبتي فقد أضعتِ

مني أي قدرة على التحمل "

ثم قال وهوا يخرج من الغرفة " إن غيرت رأيك فأخبريني "

مسحت شفتاي بظهر أصابعي متمنية أن أحرقهما على الشعور

الذي شعرته حين قبلهما ، أنتي تكرهينه يا زهور أجل لم تعودي

تحبينه فطيلة الأربع أعوام الماضية بعد طلاقك لم يراودك شعور

الاحتياج له ولا التفكير فيه إلا بحقد فما تغير الآن ماذا حدث

لك ، توجهت للحمام دخلت وأغلقت الباب خلفي وجلست مستندة

ببابه وضممت ساقاي أخفي وجهي فيهما بل دموعي التي

لا أعلم على ماذا تنزل بالتحديد





*

*





رفعت هاتفي ثم أعدته مكانه ولا أعرف أي خطوة سأتخذ

ففواز لن يملك كل هذا المبلغ رغم أنه ليس كبير جدا ولا حل

أمامي سوا منزل عائلتي القديم لكن كيف سأقنع أميرة بأن نبيعه


وهي متمسكة بكل ذكرياتنا فيه ثم ستسألني لما أريد بيعه وما

حاجتي للمال وهي لا تعلم بأمر شروط زهور ولن أستطيع أخذها

من منصور زوجها أيضا فهوا مثلها يعلم أن لي إرثا من عائلتي

كنت أحتفظ به في المصرف وجابر يستحيل أن آخذ المال منه

رغم أنه لن يمانع ولا حل أمامي سوا أن أعمل عملا آخر يكون

السداد فيه باليومية لكن المشكلة ستبقى كيف سأتدبر المبلغ لراشد

تنهدت وهززت رأسي ووقفت وتوجهت لغرفة النوم فلأنسى همومي

بفاتنتي التي النظر لها فقط ينسيني حتى نفسي وليس هموم الدنيا

فنظرتها لعيناي قبل قليل كانت مختلفة كتلك الليلة تماما ولولا

خوفي من عواقب الأمر كالمرة السابقة لكنت حظيت بقبلة مهلكة

كتلك التي سلبت مني النوم ليلة كاملة ، فتحت الباب ببطء فلم

تكن في الغرفة فدخلت واقتربت من الحمام ووضعت يدي على

بابه وقبضتها بقوة وأنا أستمع لنحيبها المكتوم وقلت بوجع

" زهور حلفتك بكل من يعز عليك أن تخرجي وتتوقفي عن البكاء "

لم تجب ولم تخرج ولم تزدد سوا بكاء فقلت برجاء

" زهور ارحميني وأخبريني ما الذي يرضيك وسأفعله حتى لو

طلاقك مني أو تركي البلاد التي أنتي فيها ولن تريني مجددا "

انتظرت قليلا لتخرج أو تتوقف عن البكاء وبلا فائدة فقررت

تركها والخروج من الغرفة لحظة فتحها لباب الحمام واتكأت

على حافته وعيناها منسدلة للأسفل تتنفس بصعوبة فتوجهت

نحوها بسرعة وأمسكتها وأوصلتها للسرير وقلت بضيق

" زهور لما تفعلين هذا بنفسك أنتي تعلمي أن كثرة البكاء تتعبك "

اضطجعت عليه في صمت ودون مقاومة وجلست أنا عند

رأسها أمسح على شعرها وقلت بهدوء " ستضطرينني

لأخذ مفتاح باب الحمام أيضا بما تفعلينه "

أخفت وجهها بذراعها وقالت " ولما تشغل بالك بي

اتركني أموت في الداخل "

رفعت ذراعها عن وجهها وانحنيت لوجهها ليصبح أنفي

ملامسا لخدها مستندا به عليه لأنها تنام على جنبها مقابلة لي

وقلت بهمس " أحبك يا زهور وأعشق حتى الهواء الذي يخرج

من رئتيك حتى إن صرختي في الشوارع أنك تكرهينني ولا

تريدينني ولو سلخت جلدي عن العظم فلن أتوقف عن

حبك ولن ينقص منه ولا ذرة "

ثم قبلت خدها مغمضا عيناي غير مصدق أنها لم تبتعد عني

وقلت بعدها بهمس " لو أعلم ما بك الليلة يا زهور هل قلت

شيئا أزعجك لهذا الحد أخبريني لأعتذر ولن أعيدها مجددا "

انقلبت على ظهرها تنظر للسقف وقالت بحزن

" رضا لما تحبني وأنا أكرهك "

شعرت بكلمتها كالنار على قلبي لكني سجنت وجعي في نفسي

ككل مرة وقلت بابتسامة " أحبك لأني أحبك ولا أعرف غير

هذا ولن أتعلم غيره ولن يتحول لكره أبدا كما حدث معك "

أغمضت حينها عيناها ببطء وقالت هامسة

" لا تخرج لا أريد أن أنام لوحدي "

ثم انتظم تنفسها ويبدوا استسلمت للنوم ولا أعلم قالت ما قالته

تعي لنفسها أم لا ولن أهتم فأنا كمن بحث عنها في السماء

ووجدها في الأرض فلم أتردد لحظة عن تلبية طلبها الذي

تمناه قلبي لسنوات طوال فشددتها لحضني لأعطي الحلم

مراده ورغم تحركها متضايقة من نومها إلا أني لم أتراجع

وكانت المعجزة أن استكانت في حضني ونامت بهدوء لتسرق

النوم من عيناي وكيف أنام وأحد أحلامي المستحيلة يتحقق

أخيرا كيف أنام وأترك متعة مشاهدة هذا الحسن عن قرب

وتنفس هذه الأنفاس ، كنت كطفل أعطوه لعبته المفضلة يلعب

بها كيف يشاء فكنت تارة أمرر أصابعي في شعرها وتارة

أتحسس بهم نعومة عنقها وتارة أخرى أوزع قبلاتي الخفيفة

جدا على ملامحها وليثه ليس لليلتك هذه صباح يا رضا





*

*








نمت ليلتي في غرفة أمجد ولم أخرج من ممر غرفهم ولم

أراه هنا فمؤكد نام في الخارج فكما قالت سيلا أنه قضا أياما

ينام خارج القصر أو يكون هنا ولم يهتم بأمري ولما سيهتم

الصفقة في زواجه بي هي الأولاد وهوا الرابح فيها في كل

الأحوال أما وجودي في حياته فهوا كعدمه بالنسبة له امرأة

كغيرها ، استغفرت الله وغادرت السرير ورتبته كما كان كي

لا يشعر الأطفال بوجودي هنا ثم دخلت الحمام استحممت

وغيرت ثيابي وخرجت لغرفة الفتاتين لتستقبلني ترف راكضة

جهتي ما أن فتحت الباب فنزلت عندها وحضنتها بقوة

كنت أشعر بحبي الشديد لهم والآن بعدما اكتشفت أنهم أبناء

شقيقتي زاد تعلقي بهم أكثر وبث أشعر أنهم جزء مني بالفعل

وفهمت معنى رسالة والدي التي تركها لي وعلمت لما أخفى

أمرهم عني لابد وأنه خشي أن أضعف أمام مسئولية تربيتهم

فأبحث عن والدهم لأعيدهم له أو أحمله مسئولية دفع

المال من أجلهم ، أبعدتها عني وقلت مبتسمة

" يكفي قبلات ستفوتنا صلاة الفجر "

حضنتني من جديد وقالت " اشتقت لك كثيرا ماما "

نزلت دمعتي ومسحتها بسرعة وعلمت الآن لما تتحمل

المرأة الضرب والسب من الزوج هم الأبناء وحدهم من

يكسرون ظهر المرأة لَما بقيت زوجة في منزل زوجها

حملتها من الأرض وقلت " ما بك أصبحت ثقيلة فجأة "

ثم تابعت وأنا أمسح على شعرها وأسير بها جهة سرير

بيسان " أم أنا التي أصبحت أعجز عن حملك "

أنزلتها وأيقظت بيسان التي قالت من نومها

" ماما عودي من أجلنا أرجوك "

ابتسمت بحزن على حالي وحالهم أكابر دموعي كي لا

تنزل ثم غمزت لترف وقلت بهمس " هيا ندغدغها "

فابتسمت بمكر وقفزت جهتها وبدأت تدغدغها معي حتى

استيقظت تضحك بهستيرية فبيسان أكثر طفلة رأيتها

تضحك بسرعة ما أن تلمسها ، أدخلتهما للحمام وخرجت

وغادرت الممر لغرفة أمجد وما أن عبرت جهة السلالم

لأكمل طريقي حتى سمعت صوت جابر من خلفي قائلا

" لا .... لا تتركوا المكان ولا يغيب عن نظركم

لحظة فلابد أن يرجع له "

فزدت من سرعة خطواتي حتى ابتعد صوته نازلا فوقفت

وعدت خطوات للوراء وأملت جسدي أنظر للسلالم فكان

نازلا والهاتف على أذنه وببذلة الشرطة فوقف فجأة والتفت

عائدا لتقع عينه في عيني فأبعدت نظري عنه وتابعت

سيري مسرعة حتى اختفيت وتوجهت جهة غرفة أمجد

حمقاء ما الذي أوقفك هناك تراقبينه وهوا ينزل ماذا سيفسر

الأمر الآن ، دخلت غرفة أمجد وأنا أتمتم قائلة " فليفسرها

كما يريد يعلم أني عدت مرغمة وليس حبا فيه أو في قصره "

أيقظت أمجد فجلس وقال " هل هذا وقت الصلاة "

قبلت خده وقلت وأنا أسحبه من يده " نعم وبسرعة

لتدرك عمك وابنه "

غادر السرير قائلا " لكن والدي منعني من

الخروج حتى للمسجد "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت بضيق " لا شيء يمكن

أن يكون عذرا لترك المسجد والله وحده من يحفظ البشر "

قال بهدوء " لكنه سيغضب إن خالفت كلامه "

تنهدت وقلت " بسرعة أدخل الحمام بني والحق

بي لنصلي معا "

دخل هوا الحمام وخرجت أنا لأعود للفتاتين سريعا ولحق

بي أمجد وعاد نهاري لروتينه المعتاد مع فرق وحيد لا

خروج لي من هناك لجناحي وغرفتي والأهم قلب مكسور

يشعر بالذل والاستصغار و الإهانة , لا أعلم متى سيجعل لي

هذا الرجل قيمة ورأي على الأقل فيما يخصني لكن هذا

الوضع لن يدوم ولن يبقوا أبنائه نقطة ضعفي فإما أن تتغير

معاملته لي ويضع لوالدته حدا أو أن يذهب كل في حال سبيله

" ماما ألم تعديني إن نجحت بتفوق تشتري لي تلك اللعبة "

نظرت له وقلت باستغراب " هل ظهرت نتائجكم "

هز رأسه بنعم , يالا كسلكم يا المدارس الحكومية حتى تنتصف

الإجازة لتظهر النتائج وفي المدارس الخاصة لا تأخذ أسبوعين

قال بحماس " أنتي وعدتني أليس كذلك "

قالت بيسان " وأنا نجحت بتفوق أيضا هل

ستشتري لي هدية "

قفزت ترف قائلة " وأنا ماما "

تنهدت وقلت " ألوضع كما ترون بني ممنوع

عني الخروج مثلكم "

قال من فوره " أطلبي من والدي أن يجلبها

لي هوا يخرج دائما "

آه يا لا مرارة الواقع الذي تجهلونه ثم من أين سيجد وقتا

ليزور الأسواق أشك أنه يعرف أين تقع في هذه البلاد

هززت رأسي بحسنا وقلت " سأرى ما يمكن فعله "

تناولنا الإفطار في الغرفة وأمضينا الوقت معا حتى صلينا

الظهر ثم جلسوا يتابعون الكرتون في التلفاز وجلست أنا

مبتعدة عنهم وبذهن شارد أفكر ما سيكون بعد هذا وكيف

سأجد مجالا لأناقش فيه وضعنا , لا أريد أن أعتب جناحنا

ولا أريد أن أسأله متى سيجد لي وقتا كي لا يجدها فرصة

ويسمعني كلاما يسم به بدني ، ارتجفت مفزوعة على صوت

هاتفي في حجري ليخرجني من شرودي فنظرت للمتصل فكانت

سوسن فحملته وخرجت من الغرفة ودخلت غرفتي الجديدة هنا

وأجبت عليها فقالت من فورها " أرجوان أين أنتي أنا عند

باب منزلك وحتى رجال زوجك ليسوا هنا "

تنهدت وقلت بحسرة " أنا في القصر يا سوسن "

قالت بصدمة " ماذا !! لكن متى وكيف "

قلت ببرود " منذ أمس وكيف هذه حكاية أخرى

مؤكد خمنتها لوحدك "

قالت مباشرة " مؤكد هوا قرر ونفذ "

تنهدت وحكيت لها كل ما حدث وهي تستمع لي دون

مقاطعة حتى انتهيت فقالت " أرجوان قد لا يكون كما

تضنين ويريد عودتك من أجل نفسه قبل الجميع "

ابتسمت بألم وقلت " لن يكون جابر حينها "

قالت بضيق " أرجوان سمعت كثيرا عن الغباء الذي يصاحب

الحب لكني الآن رأيته بعيني فأبعدي عواطفك جانبنا وانظري

للأمر بعقل فلا شيء يطره لإرجاعك ولا أبنائه فكم من رجل

طلق زوجته وفرض الأمر عليهم وتقبلوه إن بالطيب أو الإكراه

ثم نفرض أنك متِ كيف سيرجعك لهم حينها , قد يكون اتخذ

الأمر عذرا لكن أن تكون حجته الوحيدة مستحيل "

قلت بسخرية " لو كان كلامك صحيحا لكان على الأقل ذهب

لي في منزلي وأعاد لي ولو جزءا من كرامتي المهدورة

بسبب والدته لكنه لا يتغير أبدا "

قالت ببرود " ولا تنسي أخطائك أيضا يا أرجوان فكونك

تخفين عنه تلك الأمور جريمة في حد ذاتها "

قلت بضيق " سوسن لو أفهم لما تدافعين عنه دائما

ضعي نفسك مرة في مكاني "

قالت من فورها " أرجوان لا تدمري حياتك وزوجك من

أجل كلام قالته والدته وليس هوا وأنا أدافع عنه لأني أراه

تصرف بحكمة حتى الآن فآخر ما كنت أتوقع أن تطلبي منه

الطلاق ولا يرميه عليك وبالثلاثة , فكري بعقل ولو

هذه المرة فقط وداعا الآن "

أنهيت المكالمة أتأفف بغيض على صوت طرقات على الباب

ثم دخلت سيلا وقالت " سيدتي الغداء جاهز "

وقفت وقلت " قادمة حالا "

قالت من فورها " الغداء في الأسفل وليس في الغرفة "

بقيت أنظر لها لوقت بتجهم فقالت " السيد جابر هنا "

لويت شفتاي وقلت ببرود " وما جاء به وقت

الغداء ليست عاداته "

رفعت كتفيها وقالت " تناوله هنا بالأمس أيضا وهوا

من طلب مني الآن أن أبلغ الجميع لينزلوا "

ثم غادرت مباشرة فتنهدت بضيق وخرجت من الغرفة

ونزلت وأعلم أن تلك العجوز ستعدها انتصار لها علي

وستضن أن جابر أرغمني على النزول لذلك نزلت لكني

إن لم أنزل سأكون في مشكلة من أسئلة أبنائه فيكفيهم ما

رأوه وسمعوه بالأمس , وصلت غرفة الطعام ودخلت في

صمت وكانوا جميعهم يجلسون في أماكنهم المعتادة فالتفت

لي الأطفال ثلاثتهم بابتساماتهم الجميلة فعودتي بالنسبة لهم

تساوي الدنيا وما فيها , ابتسمت لهم مجبرة وتوجهت لمكاني

السابق مجبرة أيضا وجلست بجانبه وهوا لم يرفع نظره بي

أبدا منذ دخلت أما والدته فعيناها لم تفارقنا تتنقل بنظراتها

بيننا, بدأ الجميع بالأكل في صمت حتى قال جابر

" هل زارتك زهور "

فقالت والدته " لا "

قال من فوره " كيف وهي متزوجة منذ أكثر من

أسبوعين هل تحدثك بالهاتف "

قالت ببرود " نعم ومن حين قلت أنك وضعت حراسة عليها

أيضا حذرتها من الخروج ولا حتى المجيء هنا "

عم الصمت مجددا للحظات ثم قالت " ومعتصم لا تتركه

يرتع هكذا عليه أن يثبت هنا معنا "

وضع ملعقته وقال " تعرفين ابنك جيدا نبهته كثيرا

ولا يجدي معه شيء "

ثم أمسك الكوب وقال " سأرى كيف يمكنني أن أضع عليه

حراسة عند شقته ومزرعة صديقه وسيكون بخير ففي الجامعة

لن يمسه أحد بمكروه وامتحاناته باتت وشيكة "

وقفت حينها والدته وقالت " وزهور أنظر حالها مع زوجها

كي لا يتكرر ما في السابق وأنت سأتصل بك كل يوم

فأجب على اتصالي ولا تتجاهله وكن حذرا "

وغادرت وأنا أتبعها بنظري مستغربة مما حدث لها , غريب

أن ينشغل بالها عليهم وتخاف هكذا فليست عادتها المهملة لا

مبالية ميتة المشاعر اتجاههم , وقف حينها جابر يتحدث في

هاتفه وخرج من فوره ونظرت أنا للأطفال ووقفت وقلت

" من ينهي طعامه يغسل يديه قبل أن يصعد "

ثم صعدت قبلهم وسبقتهم للغرفة ولحقوا بي بعد قليل وجلسوا

حولي وكأنهم لم يروني من سنين وكل واحد منهم يريد أن

يحكي لي أولا ما حدث في غيابي عنهم وكأنهم لم يسردوا

كل التفاصيل صباحا فشكاويهم من بعضهم لا تنتهي أما أنا

فدهني لم يكن معهم أبدا بل كنت أفكر في المهزلة التي أنا فيها

الآن , يرجعني مرغمة ولا يفكر حتى في التحدث معي لنرى

حلا لمشاكلنا العالقة بل ضرب قراراتي عرض الحائط

يا رب صبرني على هذا الرجل وعلى دماغه المقلوب

" هل أخبرتي والدي عن اللعبة "

نظرت لأمجد الذي أعادني من أفكاري ثم أبعدت نظري

عنه وقلت ببرود " أمجد لا تشتغل لي كالمذياع حين سيجد

فرصة سيحضرها لك فأنت تراه مشغول كثيرا هذه الفترة "

قال بتذمر " ولكن ليس و.... "

ليقاطعه الصوت الرجولي القادم من خلفي قائلا

" تعالى خذ "

فقفز أمجد مسرعا نحوه ووقفت الفتاتين ولحقتا به وأنا على

وضعيتي لم أتحرك ولم ألتفت لما يجري خلفي وأنا أسمع

أمجد يقول بسعادة " هذه أفضل من التي مع عمر شكرا

لك أبي كم هي رائعة "

وقالت ترف قافزة " أروني ماذا تكون أنزل بها قليلا يا أمجد "

وقالت بيسان " وأنا بابا لقد نجحت بتفوق مثله أيضا "

قال بجدية " العام المقبل الهدية من نصيبك أنتي ثم هذه ليست

من أجله وحده ولا أريد أن أراها في أيدكم طوال الوقت

وما أن تبدأ الدراسة تختفي أو حطمتها "

غريب أنا لم أخبره عنها فكيف علم !! آه نعم كيف نسيت أنه

يراقب القصر ويبدوا كان يستمع لكل ما دار هنا بعد دخولي

جيد أني تحدثت مع سوسن وقت الغداء لكان تجسس على

مكالمتي معها هذا إن لم يرجع للتسجيل ويستمع لرأي السيئ

فيه , زفرت نفسا حارا بل حارقا يعبر عن الاشتعال في داخلي

فقال بضيق وخطواته تبتعد جهة الباب " يكفي تأفف يا ترف

لنجد طريقا للتفاهم وننتهي من هذا الوضع المأساوي "

ثم أغلق الباب وغادر فأمسكت رأسي بيداي مخللة أصابعي

في شعري متكأة بمرفقاي على فخذاي حيث أجلس , لما لا

يذكر نفسه قبلي أن عليه أن يوقف ثوراته الغاضبة حين نتحدث

لنجد السبيل للتفاهم فأنا حددت مطالبي إما أن يرجع لي كرامتي

واعتباري وأمامها أو لا حياة لي معه هنا , أخرجني من

أفكاري صوت ترف قائلة بحزن " ماما "

فرفعت رأسي لها فورا فقالت بذات النبرة مشيرة بأصبعها

لنفسها " لما قال بابا ذلك عني أنا لم أغضبه في شيء "

ضممتها لحضني وقبلت خدها وقلت هامسة في أذنها

" هوا يحبك بنيتي ولن يقول عنك ذلك أبدا "

عليه أن لا يسمع مدحي له ولا شتمي له أيضا أي يجب أن

أموت من كتم ما بي في داخلي حتى أنفجر , أبعدت ترف

عن حضني والتفت لأمجد و بيسان وقلت " أبعدها عن عيناكما

أمجد بسرعة ولن تلعبوا بها إلا لأوقات محددة مفهوم "

هز رأسه بحسننا وقال " شكرا لك ماما ففي السابق قبل

أن تتزوجا وتأتي للعيش معنا رأيتها عند عمر

فأخبرته عنها لكنه رفض "

قلت باستغراب " ولما وها هوا أحضرها الآن "

رفع كتفيه وقال " لا أعلم قال لا ينقصني مشاكل منكم

وقال أنها تضر العينين والدماغ "

تنهدت بضيق ولذت بالصمت , إذا يعلم الآن أني أنا من

ستواجه مشاكلهم وليس هوا فلما لم يشتري لكل واحد واحدة

لوحده , قال أمجد " سأريها لعمر هذه أجمل وأفضل من لعبته "

قلت من فوري " ولا تقل لن تدعه يلعب بها كما يفعل معك "

هز رأسه بلا فقلت " نعم هكذا أريدك بني "

ضرب يد ترف التي لمستها وقال بضيق

" لقد أفسدتها ها قد مات "

وانطلقت صرخة ترف الباكية فقلت بحدة " أمجد لا تضربها

مرة أخرى من أجلها ولا تنسى ما قال والدك أنها لكم ثلاثتكم "

لاذ بالصمت فقلت بضيق " أعطها لها فورا "

مدها لها من فوره فأخذتها منه طبعا دون ممانعة فقلت

بهدوء " أرِها كيف تلعب بها "

وانشغلوا مع بعضهم من جديد ووقفت أنا ودخلت غرفتي هنا







*

*







دخلت من الباب عابرا ممر المركز وأجبت على هاتفي قائلا

" نعم يا نزار "

قال بهدوء " ماذا قررت "

قلت وأنا أفتح باب المكتب " قررت ما قررته سابقا وعلى

سما أن تكون في مكان أضمنه بنفسي فعلينا أن نبعدها حتى

نمسك بذاك الرجل فما يدرينا ما الذي علمه تلك الليلة لم يجعله

يرجع ورسائل التهديد والابتزاز أصبحت تكثر بين رجالي وهناك

من وجهوا له سؤالا عن مكانها فهل تريد خسارتها للأبد "

تنهد واكتفى بالصمت فقلت وأنا أجلس أمام مكتب العقيد سالم

الذي وقف لي " خلال أيام تكون جاهزة لن أحدد يوما معينا "

قال " أين ستأخذها "

قلت وأنا أشير بيدي لسالم ليجلس " لم أحدد مكانا بعد , وداعا "

دسست هاتفي في جيبي على صوت سالم قائلا

" هل نبدأ المرحلة الثانية ونُشغل أضواء القبو "

قلت " هذان اليومان وإن لم يدخل المنزل نكون خسرنا

أهم جولة في الموضوع "

قال " ماذا عن خطيبة خالد سابقا سيدي "

حركت خرامة الورق على الطاولة ونظري عليها وقلت

" استعد أنت وأكثر شخص تثق به ليدون أقوالها وسنلتقي

بها قريبا وبسرية لا يخرج أسمها ولا شيء ولا توثقوا أقوالها

في محضر رسمي , الورقة ستكون عندي وفي منزلي وزيارتنا

لمزرعة زوجها ستكون ليلا وبتمويه فلن نعرض المزيد للخطر "

هز رأسه بحسنا فقلت " كونوا حذرين خصوصا أنت وخليل وأسعد

ولا تستهينوا بالوضع خصوصا بعد مقتل رجلين من الشرطة

فيبدوا أنهم شكوا أن أوراقهم باتت مكشوفة أو خمنوا ذلك "

تنهد وقال " ورجالك إن استمروا في تمنعهم عن المغريات

التي تُقدم لهم سيبدؤون بتصفيتهم بالتأكيد "

هززت رأسي وقلت " لذلك علينا التحرك بسرعة "

ثم شددت قبضتي وقلت من بين أسناني " لو أمسك ذاك الذي

يدخل منزل رفعت الشاطر ليلا أكون قفزت قفزة واسعة للأمام "

قال بجدية " سيعود إن لم يشكوا بشيء تلك الليلة مؤكد سيعود "

وقفت وقلت " ما يحيرني كيف علموا أن لرجالي معرفة بسما "

وقف لوقوفي وقال " يبدوا شكوا أنك أنت من يعرف شيء

عنها أو يكون مجرد تخمين لأنهم لو رأوها يومها لعلموا

أنها في منزل ذاك الشاب صديقك "

هززت رأسي بنعم وقلت " وأنا فكرت هكذا وهذا يعني أنهم

يعلمون بوجودها هنا في العاصمة وصعُب عليهم الوصول لها

لأنه لا معلومات لديهم عنها لا أسمها المزور ولا شكلها ولا شيء

لو أعرف فقط ما السر الذي تحمله تلك الفتاة وأين "

هز رأسه بقلة حيلة وقال " يبدوا شيئا مهما وخطيرا

والمشكلة أنها نفسها لا تعرفه "

قلت مغادرا من عنده " أريدك أيضا مع الرجال هناك الليلة

فلن أستطيع البقاء معهم وأعلموني بكل جديد "

ضرب التحية قائلا " حاضر سيدي "

وخرجت أنا من عنده وأخرجت هاتفي واتصلت بمعتصم

فأجاب من فوره فقلت " قلل من تحركاتك يا معتصم التهديد

وصل لرجالي وإن وصلت لشيء ستصبحون جميعكم في خطر

وسأضع لك حراسة عند شقتك ومزرعة صديقك وغيره

لا تخرج سوا للضرورة "

قال بضيق " هل ستسجنني في الشقة "

قلت بحدة وأنا أركب سيرتي " عد للقصر إذا وكن مع البقية

سيعجبك الوضع هناك أكثر أليس كذلك "

تأفف وقال " ومنزل عمي منصور "

تحرك بالسيارة قائلا باستغراب " ما به !! "

قال " وضعت حراسة عليه أم لا "

قلت بابتسامة جانبية " لا تخف زوجتك وضعت من يحرسها "

قال ببرود " وأخيرا مزحة من اللواء جابر حلمي "

قلت ببرود أكبر " لا تبتعد عن موضوعنا إذا "

تأفف وقال " والجامعة اختباراتي النهائية باتت وشيكة

لا تقل ستحرمني منها "

لففت بالسيارة يمينا وقلت " لا "

قال من فوره " وأنت "

قلت بهدوء " المهم أنتم أنا لا تخف علي "

قال " ليس ذلك أعني "

قلت " ماذا إذا "

قال بعد صمت " أعني زوجتك متى ستذهب لترجعها "

وقفت عند الإشارة وقلت " هي في القصر الآن "

قال مباشرة " فعلت الصواب لا تُفرط فيها يا رجل يكفي

زواجك الأول ثم هذه لا تعوض ولا تستبدل "

قلت ببرود " أرى الموضوع تحول لغزل "

ضحك وقال " سحقا للغيرة "

انطلقت مجددا وقلت " تلك الحركات تركتها لك وأمثالك "

قال بضيق " لا تكن مخلوق فضائي ولا أعلم لا تضيقها وهي

واسعة يا جابر ولا تترك والدتي تدمر كل زواج لك هذه

حياتك وعليك أن تضع لها حدا فأنت تطيعها بشكل مبالغ فيه "

قلت بضيق مماثل " وهل تريدني أن أتعبها أيضا , أنا لست

مثلك يا معتصم ولا أريد أن أشرح أكثر فخف عليها أنت

أيضا ولن يضرك شيء إن سايرتها "

قال بسخرية " والنتيجة تصبح حياتي مثلك أليس كذلك "

تأففت وقلت " لا أرى حياتك أفضل مني "

قال من فوره " من صنع يدي على الأقل كما أني

أجزم أن وضع حياتك لا يعجبك "

قلت منهيا الحديث " مهما شرحت لن يفهمني منكم أحد

لا تنسى ما أوصيتك وداعا "

أغلقت بعدها هاتفي ودخلت القصر نزلت من السيارة ودخلت

صعدت قاصدا جناحي فغيرت وجهتي جهة ممر غرفة الطفلتين

وما أن وصلت حتى لمحت والدتي عند الممر تتقدم جهة أرجوان

المولية ظهرها لنا لتدخل غرفة أمجد سابقا فعدت خطوتين للخلف

حتى اختفيت عنهما أسمع ما سيجري فوصلني صوت والدتي

قائلة " انتظري لا تدخلي "

لم يأتي الرد من أرجوان وقالت والدتي بعد قليل

" أراك كسرت غرورك وعدتي "

لم تتحدث أيضا لتقول والدتي " اسمعيني جيدا هوا أمر واحد

فقط ترفعي من رأسك فكرة أن تتحكمي في جابر وقراراته

أو تخرجي من هنا كما خرجت شقيقتك قبلك لكن من

دون الأبناء هذه المرة ولا تحلمي بها "

تحدثت حينها أرجوان لأول مرة قائلة " لا تتعبي عقلك

بالتخطيط والتدبير فطلبي الوحيد من ابنك هوا

الطلاق وهي مسألة وقت ليس إلا "

ثم سمعت صوت باب الغرفة يغلق بقوة فقبضت يدي

وضربت بها الجدار وتأففت وغادرت جهة جناحي , هذا

الوضع أصبح لا يمكن السكوت عنه , دخلت الجناح والغرفة

نزعت سترتي وربطة العنق ورميتهما على السرير ثم وقفت

لبرهة وسط الغرفة دون حراك أزفر الهواء من صدري

كالنيران تريدين الطلاق إذا يا أرجوان , ابتعادك عني أصبح

كل ما تريدين وتضحين حتى بالأبناء لتتخلصي مني , أين

الحب والكلام الذي كنتي تقولينه أين حياتي من دونك لا تساوي

شيئا يا جابر , مررت أصابعي في شعري وتأففت نفسا خرج

كالإعصار لأملأ صدري مجددا بالهواء وأخرجته بقوة أحاول

تخفيف ماذا لا أعلم , ثم ما بي هكذا ثارت أعصابي من سماعها

تصر على الطلاق , وأمي من جهة أخرى وما فعلته وتريد فعله

لا أعلم متى سأرتاح في حياتي كباقي خلق الله

غادرت الغرفة وخرجت من الجناح وعدت جهة ممر غرفهم

ولازالت أعصابي تقول للجدران ابتعدي عني





*

*







دخلت الغرفة أمسك دموعي كي لا تنزل ويراها فيما بعد

ليضن أني أهتم جدا للبقاء معه وفي كنفه , جلست وحضنت

الوسادة بقوة أتمتم بهمس " نعم يا أرجوان لا حاجة لك به

اكرهيه انسيه لا يستحق منك ولا حتى الدموع "

ضممتها بقوة أكبر وأنزلت رأسي للأسفل ليطرق أحدهم

الباب فوقفت بسرعة ودخل وكانت سيلا نظرت لي وقالت

" العشاء جاهز والسيد جابر وصل منذ قليل لكنه لم ينزل

بعد هل ستنزلين أم أقول أنك متعبة "

ابتسمت بألم للخادمة التي تراعي مشاعري أكثر من زوجي

ووالدته وقلت " لا تقولي شيئا ولن أنزل "

قالت بحزن " فكري مليا بأي شيء تفعلينه ولا

تتركينا سيدة أرجوان أرجوك "

" سيلا اتركينا وحدنا "

كان هذا صوته من خلفها الصوت الجاف الحازم الذي ارتجف

له جسد سيلا وجعل كل خلية في جسمي ترتعش فرغم كل

شيء نبرة الحزم والقوة لا تفارقه وفي كل حالاته , خرجت

سيلا من فورها ودخل هوا وأغلق الباب خلفه فوليته ظهري

وكتفت يداي لصدري فلم أشعر سوا بيده تمسك ذراعي

بقوة ولفني جهته وقال بحزم

" حين أكون أمامك لا توليني ظهرك يا أرجوان "

بقيت أنظر لعينيه بجمود ودون كلام فقال بحدة

" وهذه النظرة لا داعي لها "

أشحت بوجهي جانبا ولم أتحدث فتنفس بغيض وترك ذراعي

وقال " هل لك أن تشرحي سبب خروجك لمكان دون إذني

وتطلبين من السائق أن لا يخبرني "

جاء ليصفي الحساب مني إذا ولهذا جلبني , قلت ببرود

ولازال وجهي جانبا " خفت على والدتي منكم من

حقي هذا أو ليس من حقي "

قال بضيق " وهل سآكلها أم سأقتلها لتخافي عليها مني "

نظرت لعينيه وقلت " لكني لم أذهب لأضيع شرفي

وشرفك وهذا هوا المهم في الأمر "

رمى يده في الهواء وقال بحدة " وإن يكن تحترميني ولا

ترتعي من ورائي كيف تشائين لأني وثقت بك وجعلت لك

سائقا تحت إمرتك , لما لم تفكري في كل هذا ثم موانع الحمل

وأسألك وتتهربين من الجواب تضحكين مني وكأني طفل هل

تعلمي حجم هذه الجريمة وما تفعل في عقل الزوج يا أرجوان

وكيف يفسر إقدام زوجته على مثل هذا هل وضعتِ نفسك مكاني "

أنزلت نظري وقلت " ذلك عندما يكون زوج آخر وليس جابر

سيد حلمي رئيس الشرطة الجنائية عقله يزن عقولهم

ويعرف مقصدي من هذا "

أمسك ذراعي مجددا وضغط عليها بقوة وقال بحدة أكبر

" نعم وإلا كان مصيرك مني شيء لا يمكنك تخيله "

أمسكت يده أحاول تخفيف ضغطه على يدي وقلت بتألم

" نحن لا يمكن أن نستمر معا يا جابر أنا بث

مقتنعة بهذا وأنت تعلم ذلك جيدا "

هزني بقوة قائلا بغضب " هذا ما تفكرين فيه فقط الطلاق أن

ننفصل أن ندمر أسرة من جديد أما أنا أفكر دائما في مصلحتك

وأنتي آخر من يفكر بي تزوجتك ليس من أجل الدروس ولا

تربية الأولاد كما تتخيلي لأنها مشكلة لن يصعب عليا حلها

بل تزوجتك من أجلك أنتي يا أرجوان من أجل مصلحتك من

أجل مستقبل قلبك وعقلك أردتك معهم كي لا تكوني ضحية "

قلت بصوت منخفض متألم " جابر أتركني ليس التفاهم هكذا "

هزني بقوة أكبر وقال وغضبه يزداد اشتعالا " هل فكرتِ لما

أريد طفلا وأنا لدي الإناث والذكر هل حكّمتِ عقلك وفكرت

أنه من أجلك وليس من أجلي , لأحميك من نفسك يا أرجوان

حين تزوجتك ورأيت كم لك من عقل كبير فكرت أنك الزوجة

التي ستقدر البلاء الذي أنا فيه وتكون بجانبي لكني تسرعت

وأخطأت , لن تفهمي ما أقول مهما شرحت يا أرجوان لن

تفهمي لأنك لا تريدين إلا ما تقتنعين به ... حب وغرام وكلام

معسول ... لا أستطيع لا يمكن , ليس لأني لا أريد ولا لأني

لا أقدر لكن لأنه لا ينفع لي لا يخدم مشاكل حياتي ليتك

تفهمين يا أرجوان لكن دماغك توقف عن العمل فجأة "

قلت بحرقة " توقف عن معاملتي هكذا أنا بشر ولست بغلا

ولما لم تفكر بي ووالدتك تهينني وتتهمني وأم أبنائك في

شرفنا لما وحدي من عليها أن تقدرك وتحترمك "

ترك ذراعي بعنف وخرج قائلا " لا جدوى من

الشرح لك ويبدوا أن هذا الأسلوب لا ينفع "

وخرج وخلفني خلفه كالورقة أرتجف من شيء لا أعلمه

هل هوا الخوف أم الحزن أم الحسر أم كتم الدموع

تحركت ووصلت الكرسي بصعوبة وانهرت جالسة عليه

لتنزل الدموع التي أمسكها أمامه بل بدأت بالبكاء , يضع

اللوم علي وحدي بينما هوا لا يخطأ وهوا المتفضل بما صرت

فيه , لا ويقول بأنه تزوجني من أجلي ويريد طفلا مني من

أجلي أيضا أنا لم أطلب منه لا أن يتزوجني ولا أن يهديني

طفلا من صلبه , مسحت بعدها عيناي بقوة وخرجت أتبعه

فعلى هذه المهزلة أن تنتهي بأي طريقة كانت ولا يعتبرني

شيء يتحكم به كيف يشاء عليه أن يحترم قراراتي ورغما

عنه أيضا , نزلت السلالم مسرعة ليشدني صوته الغاضب

في جهة معينة من القصر فيبدوا أنه انفجر في أحد غيري هنا

ولن يكون غير والدته , توجهت جهة مصدر الصوت وسمعته

يصرخ غاضبا " هي لم تُخبرني بشيء بل سمعت ما قلتِه لها بأذني

أرحموني منكم ومن عذابي متى سأعيش حياة كغيري من البشر

ما الذي فعلته أكافأ عليه بالعيش حياة كهذه , متى سأرتاح من

هذا هموم في الخارج والداخل "

قالت والدته بحدة " اذهب وارفع صوتك عليها وليس عليا يا ابني

يا تربيتي أم لأنها لم ترضى عنك جئت تنفس غضبك بي لما

لا تضربني وتطردني لترتاح مني "

قال حينها بحدة أكبر " بل أنا من سأريحكم مني فقد

سئمت منكم ومن حياتي "

ثم سمعت صوت باب ضربه بقوة وخرج من بداية الممر حيث

أقف واجتازني وكأنه لا يراني وابتعد بخطوات غاضبة فعدت

أدراجي مسرعة قبل أن تخرج والدته وتجدني وتنفس غضبها

بي أيضا , عدت للأعلى ودخلت الغرفة وأغلقت الباب

وجلست على الأريكة ألهث بتنفسي بسبب ركضي لأصل

بسرعة , إذا سمع ما دار بيننا وقالته والدته لكن ما عناه

بأنه هوا من سيرحمنا منه وفي ماذا يفكر !! أمسكت جبيني

بيدي أضغط عليه بقوة وأحاول تفسير ما قاله لي هنا كان

الغضب قد أعماه وتفوه بأشياء مبهمة لم أفهم منها شيئا

ما معنى أنه لديه بلاء وما معنى كل ما قاله عن أن الحب

لا ينفع له ومكره لأن يكون هكذا , أشعر أنني في لغز

محير ويطلب مني أن أتفهمه وأستحمل , من يرضى

لنفسه أن يكون محكوما عليه بالإعدام ويبتهج بوضعه

بعد وقت مسحت دموعي ودخلت الحمام غسلت وجهي

وخرجت لغرفة الفتاتين ومر يومي معهم أحاول أن أكون

طبيعية أمامهم وأنفرد بحزني وحدي







*

*






صباح ليلة البارحة تسللت من السرير قبل أن تستيقظ

وخرجت من الغرفة بل وجنبتها رؤيتي باقي النهار , لا

أصدق أنها نامت في حضني بل كانت تدفن نفسها فيه أكثر

وتمسك قميصي بقبضتها بقوة وكأنها تخشى أن أتركها

وتمنيت فقط أن سألتها إن كانت مستيقظة وتعي ما تفعل

وخفت أن تكون نائمة وأوقظها بكلماتي ونصبح في مشكلة

عند المساء خرجت من غرفة الجلوس حيث سجنت نفسي

باقي النهار وجلست في الصالة عند التلفاز وشغلته بدون

صوت لينفتح باب غرفة النوم وخرجت منه ووقفت أمامه

تنظر لي بصمت وكأنها تريد سؤالي عن شيء وتمنع نفسها

لن تسألني أين كنت طبعا لأنها إن بحثت عني لوجدتني هناك

نظرت لي لوقت ثم قالت بهدوء " رضا أين كنت "

نظرت لها بحيرة مطولا ثم قلت " في غرفة الجلوس "

نظرت لي باستغراب ثم قالت " طوال النهار هناك !! "

ابتسمت وقلت " نعم جربت أن أجنبك رؤيتي لترتاحي مني "

تركت المكان وعادت للغرفة مجددا دون أن تضيف شيئا

هل خافت وضنت أني كنت خارج الشقة أم انشغلت علي

آه يا رضا يالا مخيلتك الواسعة هل تضن أنها ستقلق عليك

وقفت دون أن أفكر ولا أقرر ودخلت الغرفة فكانت تجلس

أمام مرآة التزيين تمشط شعرها فاتكأت على طرف الباب

بكتفي وقلت بابتسامة " هل تسمح لي فاتنتي أن أنام على

السرير الليلة فعظامي لم تعد تحتمل أكثر صلابة الأريكة "

وضعت المشط ووقفت وقالت متوجهة نحوي

" إذا أنا سأنام هناك "

أمسكت ذراعها قبل أن تخرج من أمامي وقلت

" زهور البارحة نمت هنا وأنتي في حضني ولم أنقض

عهدي لك ولم ألمسك فدعينا نتصرف كشخصين راشدين "

نظرت لي باستغراب بادئ الأمر ثم قالت " كاذب "

تنهدت وقلت " بل أنتي من طلب مني ذلك وكنت في

نومك تنادينني رغم أنك في حضني "

استلت ذراعها مني وقالت بحدة " كاذب أنا لم أفعل ذلك أنت

من تستغل ضعفي دائما أنت من تنتهز الفرص لتضيعني أكثر "

قلت بضيق " توقفي عن هذا يا زهور أنا لم أقصد يوما إيذائك

وأنتي تعلمين ذلك جيدا كان الأمر حادثا منذ البداية جلبت لك

الدراجة التي كنتي تتمنين فقط أن تركبيها ولو مرة في حياتك

ومن كثرة ما كنتي تتحدثين عنها أمامي ومن كثرة ولعي بك لم

أقدر إلا أن أجلبها ولو غير مناسبة لسنك وطولك ولم أعلم أن

نتيجة ذلك ستكون تلك الحادثة المشينة وكنت أنوي إصلاح

الأمر وخطبتك مرارا ووالدتك رفضت وأنتي تعلمين ذلك جيدا "

قالت بحدة " نعم فذلك وحده ما قدرت عليه كنت تعلم

وتركتني أتزوج دون أن تخبرني .. لماذا وما تفسير ذلك "

قلت بحدة أكبر " وما يدريني أنك لا تعلمين بذلك ما يدريني

أن فتاة تدرس في الجامعة ولا تعلم تلك الأمور ظننتك تعلمين بالأمر "

قالت بحرقة " كيف وممن وأنت وحدك من يعلم طبيعة حياتي

فما لم تُعلمه أنت لي لا أعلمه وما لم تخبرني عنه لا أحد

سيخبرني به فحتى جامعتي كانت انتساب "

رفعت يداي جانبا وقلت " وما يدريني أنا أيضا لما وحدي الملام "

قالت ودمعتها تدحرجت من عينها " وإن يكن كنت أعلم

وإن فرضا ذلك أنت تعي أن من سأتزوجه سيكتشف الأمر

لكنك هربت من البلاد ولم تفكر بي وفي ردة فعل ذاك الرجل

وردة فعل أشقائي ووالدتي لو أخبرهم ذاك الزوج , كيف نسيت

أني تزوجت من ضابط في الجيش يعني الصفعة من يده كالضرب

بالكهرباء ليحول جسدي لخرائط من التعذيب وأنت السبب "

ثم أشارت بإصبعها لوجهها وقالت ودموعها تزداد نزولا

" هل ترى هذا الجمال الذي تتغزل به لقد أصبح مجرد قشور

لامرأة بجسد مشوه من أثار التعذيب "

شعرت بكل خلايا جسدي تخونني أمام دموعها وكلماتها

فقلت بصوت منكسر " لم أقصد الهرب من مواجهتهم أقسم

لك يا زهور أردت أن أبتعد ولا أراك تصيرين لغيري ضننت

أنك وافقت وتزوجته لأنك وجدت حلا للأمر ولو بإجراء جراحة "

قالت بسخرية " جراحة لماذا يا رضا لجسدي أم لقلبي لكي

ينسى جرحك وتخليك عني , كنت تعلم أن والدتي من

تجبرني على كل ذلك ومع هذا هربت وتركتني "

ثم أشارت لي بإصبعها وقالت بحقد " لكنك سترى ما رأيت

وكما رأيته تماما هوا شهر واحد وسأرجع من حيث أتيت

وسأخبر الجميع أنك رجل عاجز ولا يمكنني العيش معك

أكثر وستطلقني رغما عنك وستعاني الشبهة طوال حياتك ولن

تتزوج مثلي تماما سنبقى كلينا نبكي الجراح والشبهة "

نظرت لها بصدمة مما قالت وسمعت ثم قلت بهمس

مصدوم " تقولين عني أني عاجز "

قالت بجمود " نعم لتجرب أن تعيش ناقصا في عين

نفسك رغم كمالك لتقاسي ما قاسيت أنا "

هززت رأسي وقلت " مجنونة هل تعلمي أنه يمكنني

أن أجعلك تحملي مني والليلة "

ابتسمت بسخرية وقالت " لن تستطيع يا رضا مهما حاولت

وفعلت لن ينجح ذلك أبدا "

نظرت لها بصدمة أكبر أحاول تفسير ما قالت ثم قلت

" تحبينني يا زهور قلتها البارحة لي مرارا أحبك يا رضا

لا تتركني وحدي فدعينا ننسى ما فات "

صرخت بحرقة " كاذب أنا لم أقل ذلك "

قلت بحدة " بلى قلتها لما لا تعترفي يا زهور كنت أسيطر

على نومك بسبب ضغطك على نفسك وأنتي مستيقظة "

صرخت بقوة وبدأت برميي بكل ما طالته يداها تبكي وتصرخ

فتوجهت نحوها وأمسكت ذراعاها وهززتها بقوة وقلت بحرقة

" توقفي وارحمي نفسك وارحميني يا زهور أرجوك "

لكنها لم تزدد سوا صراخ بهستيرية فلم أشعر سوا بيدي تضربها

على خدها بقوة لتسقط أرضا تمسكه وتنظر لي بصدمة ودموعها

لا زالت تنزل وبغزارة وعبراتها تتلاحق دون توقف فنزلت عندها

وشددتها لحضني وقلت بحزن " زهور ارحميني أقسم أني أحبك

أكثر من نفسي وأن ما في جسدك أشعر به وكأنه في جسدي "

قالت ببكاء " لن تشعر بي أبدا لأنك لست مكاني لقد دمرتني

لقد أنهيتني ولن أرتاح ما لم تقاسي مثلي "

ضممتها لحضني أكثر أخفي شهقاتها وارتجافها فقالت بعبرة

" أحببتك وأدمنتك يا رضا لكنك قتلتني مثل والدتي حين

حرمتني منك وقتلت قلبي وحلمي أنتما السبب في كل ما

حدث لي أكرهكم جميعكم "

ضممتها أكثر حتى كنت أكاد أدخلها لجوفي وقلت بهدوء

" توقفي عن تعذيب نفسك يا زهور لا أحد يكرهك ولا أحد يريد

إيذائك أنتي كنتي ضحية لظروف أرغمتنا على ذلك أعترف

أني أخطأت ولم أتحدث مع جابر وأحكي له كل ما حدث ليجد

حلا للأمر ويلغي ذاك الزواج بأي طريقة كانت لكن الأولى كانت

دون قصد مني يا زهور أرجوك ارحميني من تعذيب الضمير "

استكانت وهدأ ارتجافها وبكائها شيئا فشيئا وهي تحكي عن

معاناتها طوال تلك الفترة وكأنها تخرج ما في جوفها وتكتمه

لسنوات وأنا لم أتحدث بحرف أستمع لها وقلبي يتفتت عليها وما

بيدي شيء غير سماعها وتركها تحكي ما قتلها لسنين وهي

تسجنه بين ضلوعها فلعلها ترتاح ولو قليلا , وبقينا على ذاك

الحال حتى هدأت تماما وتوقفت عن الكلام واستسلمت للنوم

بين ذراعاي فحملتها ووضعتها على السرير وخرجت من

الغرفة وجلست في الصالة رأسي بين يداي أفكر في كل ما

قالته , كانت تنوي فعل ذلك وتشويه سمعتي لتأخذ بحقها

مني لذلك وافقت على الزواج بي إذا كانت تريد أن تتركني

بلا مال ولا سمعة ولا سكن , لم أكن أتخيل أنها حقدت علي

لهذا الحد حتى فكرت في تدميري دون تراجع , تنفست بقوة

ومسحت وجهي بيداي ورفعت رأسي واتكأت على طهر الأريكة

وأغمضت عيناي ولم أشعر بنفسي سوا بعد وقت نائما عليها

جالسا مكاني فوقفت وعدت للغرفة فكانت نائمة كما تركتها

فدخلت وجلست بجوارها على السرير أمسح على شعرها

ونظري لا يفارق ملامحها وشيء واحد يدور في رأسي

وهي كلماتها حين قالت أن هذا الجمال أصبح مجرد قشور

فكم عانيت يا زهور ولا يعلم عنك أحد ولم أعد ألومك في

أن تحقدي علي , انقلبت للجانب الآخر مولية ظهرها لي

فمددت يدي لخيط الفستان من الخلف وفتحته ببطء ليظهر

لي ما يخفي وارتجفت جميع مفاصلي لآثار الضرب التي

شوهت ظهرها في أماكن عديدة فقبضت على الخيط بيدي

وأغمضت عيناي بقوة وحرقة وأشعر بنيران تشتعل في

داخلي غضبا من نفسي قبل الجميع , سحقا لك يا رضا يا

غبي يا مغفل لو تركت جابر وقتها يسلخ جلدك عن عظامك

واعترفت له لكان أفضل من أن تتعذب هي بالنيابة عنك , ولم

تفكر إن أخبرهم ذاك الرجل بما علم تلك الليلة لكانوا أنهوا مسيرة

تعذيبها فالشرف لا يرحم فيه أحد , خرجت بعدها من الغرفة بل

ومن الشقة ونزلت للأسفل فشعوري بالاختناق لا يمكن وصفه






*

*






خرجت من الغرفة راكضة فأمسكت ذراعها وجذبتها

نحوي فقالت بضيق " معتصم أتركني من أين

تخرج لي أنت ومتى دخلت "

جذبتها لتلتصق بصدري وقلت " أنا هنا منذ وقت

وأستمع لشجارك وعمر وسأريه ولن يتعبك مجددا "

قالت وهي تحاول الابتعاد عني " اتركني قد

يرانا أحد فما سيضن بنا "

أمسكت وجهها بيداي وقبلته في كل مكان فيه قائلا

" يقول زوجته واشتاق لها وجاء لرؤيتها "

قالت بضيق وهي تدفعني عنها " معتصم ماذا تفعل

أتركني قلت لك ولا تنسى أين نحن الآن "

قلت بابتسامة جانبية " اعتراضك على المكان فقط

حسنا سنغيره ما رأيك في غرفتك أو غرفتي "

شهقت بقوة فضحكت وضممتها لحضني وقلت " لا تخافي

ما بك كدت تموتين وتتركيني أقسم أني اشتقت لك يا ظالمة "

ابتعدت عني وقالت " معتصم ماذا تريد بالتحديد اشرح لي لأفهمك "

أمسكت وجهها مجددا وقلت " كل هذا ولم تفهمي "

قالت بهدوء " اعتبرني غبية واشرح لي أكثر "

قبلت جبينها ووضعت أنفي على أنفها وقلت بهمس

" أحبك يا أجمل غبية في الوجود أحبك أكثر من كل

شيء وحتى الرسم هل فهمتي الآن "

نظرت لي مطولا بحيرة ثم قالت " إن طلبت

منك ترك الرسم هل تتركه يا كاذب "

قبلت جبينها مجددا وقلت " أقسم إن خيروني بينه

وبينك لاخترتك وإن كان الثمن أن لا ألمس ريشة

الرسم ما حييت "

بقيت على صمتها ونظرتها ازدادت حيرة وضياعا في

عيناي فقبلت شفتاها قبلة صغيرة وللمعجزة لم تتمنع أو

تهرب فزدت الأخرى وأنا أقول " أحبك بتول أحبك "

وهي جامدة مكانها سوا من توثر أنفاسها وقلبي يكاد يرقص

فرحا وفعلت الخطوة الأكبر وجذبتها لي وقبلتها بقوة لينفتح

باب الغرفة ويخرج منه عمر فابتعدت بسرعة وركضت قائلة

" تبا لك يا أحمق هل ارتحت الآن أحمق ومغفل وقليل حياء "

وواصلت وعلى هذا الحال حتى اختفت وأنا كنت أراقبها مبتسما ثم

نظرت لعمر وقلت بضيق " أنت ما أخرجك هذا الوقت يا مفسد "

حرك يديه في الهواء وقال " وأخيرا وجدتها شكرا لك يا ابن عمي "

ثم عاد لغرفته وأنا أنظر له بحيرة واستغراب ثم غادرت

تاركا المكان بعدما أشبعت شوقي وظمئي وركبت سيارتي

وأنا أتحسس شفتي بلساني مبتسما وكأني أتأكد مما حدث

فلازلت أشعر بملمس شفتيها حتى الآن ... آه من عشق

النساء كم هوا مهلك






*



*






مر أربعة أيام على خروج جابر ولم يرجع حسب كلام سيلا

ولم ينم هنا فهوا سابقا رغم أنه قد يقضي جل النهار في عمله

إلا أنه يزور القصر من وقت لآخر أقلها مرتين وها نحن نعبر

اليوم الخامس ولا أثر له هل كل هذا غضب مني ووالدته أم

حدث له مكروه ولا أعلم ! ومن أين سأعلم فحتى إن انقلبت

الدنيا في الخارج لا علم لي بها لأننا ممنوعون من الخروج

وحتى إن علمت والدته شيئا لن تخبرني طبعا ثم كيف يذهب

ويترك ما بيننا معلقا هكذا هل يكون سافر ! لكنه أخبرني سابقا

أنه لا يركب الطائرة ولم يذكر السبب وأستغرب كيف قبلوه في

منصب كبير كهذا ولا يسافر للاجتماعات في الخارج ويوكل

شخصا عنه , نظرت لهم خلفي فكانوا منشغلين باللعب فغادرت

الغرفة وذهبت للصالون المخصص للتلفاز هنا وشغلته وجلست

أقلب في القنوات المحلية والفضائية أشاهد الأخبار فإن أصابه

مكروه سيتحدثون عن الأمر , بقيت أتنقل بينها كثيرا حتى شعرت

بالملل فرميت جهاز التحكم ووقفت وعدت من حيث جئت فمالي

ووجع الرأس هل اهتم هوا بي وبأمري , دخلت الغرفة على

بكاء ترف فقلت بحدة " أقسم أن آخذها منكم لو

سمعت شجارا أو بكاء بسببها "

ناولها أمجد لها وقال بضيق " خدي أنانية دائما "

تنفست بقوة وقلت بغضب " ترف ستلعب بها صباحا لأنها

لا تنام ولساعة فقط بيسان بعد الغداء وأمجد قبل النوم ومن

الغد ستسيرون على هذا النظام أو أنا من سيحطمها مفهوم "

هزوا رؤوسهم بحسنا ينظرون لي باستغراب وخوف ولأول

مرة أرى هذه النظرة في أعينهم ثم وضعت ترف اللعبة على

الأرض ولم تلمسها فأمسكت رأسي بقوة وضربته بقبضتي

منذ متى تفرغين غضبك بهم يا أرجوان منذ متى كان هذا

أسلوبك معهم صراخ وغضب ونستِ أنهم أمانة شقيقتك

ووالدك , جلست على الأرض وانهرت باكية وكأني أفرغ

كبث اليومين بأكملهما فتوجهوا نحوي ترف تبكي معي و بيسان

وأمجد يحاولان الحديث معي فضممتهم لحضني أواصل بكائي

الذي هم آخر من كنت أريد أن يروه فقد تعبت ... تعبت من

نفسي ومن مشاعري ومن وضعي أقسم أنني تعبت حقا

بعد وقت أبعدتهم عني وتركت الغرفة وسجنت نفسي في

غرفتي كعادتي مؤخرا أمضي ساعات فيها لوحدي لأني

لا أريد أن أفرغ غضبي من والدهم وجدّتهم بهم

ارتميت على السرير وغطيت جسدي باللحاف حتى رأسي

ونمت في غير وقت نومي المعتاد ولا أعرف كيف ولا لما

لأجلس مفزوعة على صوت رنين هاتفي وأسكته من فوري

أنظر بحيرة للرقم الغريب على شاشته , من يكون يا ترى لم

يسبق واتصل بي رقم غير من أعرفهم ولا بالخطأ , لم أستطع

الإجابة عليه وقلبي يقول لي قد يكون شخصا يعرف جابر وقد

يكون حدث له مكروه ما , نفضت كل تلك الأفكار من رأسي لأنها

باتت تسيطر عليا بشكل مزعج على صوت رسالة رنت في هاتفي

ففتحتها من فوري فكانت من ذات الرقم وفيها ( أنا منصور عم

زوجك يا أرجوان أريد أن أراك من أجل أمر مهم ودون

علم أحد وأي كان )






المخرج كلمات لحبيبتي المبدعة عذراء سوداء القلب



وسن أنتي ملكي لي

أنتي امرأة غير كل النساء :

أنتي امرأتي ومعشوقي

بالله عليك ارحمي قلبي الملتاع في حبك سيدتي

يا امرأة اشتققت اسمها من سنيني

ماذا تريدين بعد ؟

هل تريدين هدم السنين

أنا عاشق مجروح جرحه غائر يأبى الشفاء فضميني

ضمي أجنحتي واهديني سنين سعادة بين حناياك فأودعيني



***********




نهاية الفصل ..... أتمنى يكون عند حسن ظنكم ويستحق انتظاركم


الساعة الآن 11:41 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية