منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f498/)
-   -   [قصة مكتملة] أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل الثاني والثلاثون واﻷخير) (https://www.liilas.com/vb3/t199405.html)

برد المشاعر 26-07-15 02:35 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همس الريح (المشاركة 3545980)
[[اوقف سيارته بحدة امام باب القصر قبل ان يندفع الي الداخل .. صعد الي جناحه و هو يقفز علي السلم اخذا 3 او 4 درجات في القفزة الواحدة ..فتح باب الجناح بعنف و هو يبحث عنها .. فتح خزانة الثياب .. كل ثيابها موجودة .. دار في الجناح كاسد حبيس .. خرج الي غرف الاولاد .. فتح الباب لتركض اليه ترف و تبدا في الشكوي من بيسان ..عقد حاجبيه و هو يسال عن والدتهم ... لتجيبه الفتاتان بتعجب انها في غرفتها .. خرج الي الدور السفلي ليصرخ باحثا عن سيلا .. التي وقفت امامه مرتجفه و تنكر معرفتها باي شي .. فسيدتها لم تبلغها انها ستخرج اليوم .. عاد مرة اخري الي جناحه و سحب حاسبه المحمول و نقر علي مفاتيحه بقوة كادت تحطمها .. استعاد تسجيل كاميرات المراقبة للساعات الماضية .. عقد حاجبيه اكثر و هو يراها تدخل غرفة الملابس و تخرج حاملة حقيبة صغيرة قبل ان ترتدي عبائتها و تتجه الي باب الجناح .. لتقف قليلا و تلتفت نحو الجناح و تشد علي صدرها قبل ان تخرج من الجناح و من المنزل كله ..تبادلت عبارات قصيرة مع الحرس قبل ان تصعد الي السيارة برفقة السائق فقط ... الاغبياء .. سيحاسبهم فيما بعد .. اخرج هاتفه و اتصل علي السائق الذي ابلغه بانه اخذها الي منزلها القديم .. اندفع الي سيارته قبل ان ينهب الطريق متجها الي منزلها .. و عقله يصرخ بالوعيد لها .. اوقف السيارة و ترك الباب مفتوحا و هو يندفع نحو الباب ليطرقه بقبضته بعنف .. مرة و اثنتان و عشر و طرقاته تعلو اكثر و اكثر قبل ان يركل الباب بقدمه مفتوحا .. "ارجواااان" .. صرخ بغضب قبل ان يصعد الي الدور الثاني ... ليصدم بان المنزل خال تماما .. اخرج هاتف العمل و اتصل باحد مساعديه معطيا له رقم ارجوان و هو يامره بتحديد موقع الهاتف بسرعة .. اغلق منه ليعيد الاتصال علي هاتفها .. ليصدح الصوت قربه .. تلفت ليجد هاتفها علي احدي الطاولات و جواره ورقة مكتوب عليها كلمتين "وداعا جابر" ]]

يا عيني عالإبداع شوي وكنتي بتخربي علي المشاهد القادمة ‏

لو تعرفوا وين وصلت حاليا في الكتابة وفي أي حدث تموتوا من الصدمة يا حزب أرجوان


ما أحلى جمعتكم وحواراتكم ياريتني كنت معاكم ورحمني هالنت المجنون الله يحفظكم ‏

نزف جروحي 26-07-15 02:43 AM

رد: أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل الخامس والعشرون)
 
0.0
البارت لنا ..الحمدلله

كويس حتريحنا شوي
ونبرد قلبنا شويات من جابر افندي ..
بالانتظار...

تفاحة فواحة 26-07-15 03:23 AM

رد: أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل الخامس والعشرون)
 
يسعد صباحكم جميعا بكل حب





أول شي أحب أوجه شكر كبير للأخوات متابعات

روايتي في المنتدى الآخر الذي تنزل فيه

الفصول بانتظام وهم



Dodah123


Rababe

أراك حلما

ألم الواقع الحزين

نداء الحق

أم سطام

سمراء الجنوب

عذراء سوداء القلب

نواعم

همتي في الثريا

دلع الماسة

خواطر كبرياء

تهاني العسولة


dreamamira

lattof


dodoalbdol




شكرا لكم حبيباتي سعدت جدا بكل كلامكم وتشجيعكم

وشكرا لغاليتي فيتامين سي لأنهاأعطتني فرصة

لمعرفة رأيكم بروايتي وبالنسبة للي سألت عن

إذا قرأت لكاتبات ليبيات فما سبق لي وللأسف

وأتمنى أقرأ لهم والي سألت كم فصول الرواية

ما أقدر أحدد لأني ما كملت كتابتها لحد الآن






وأترككم الآن مع الفصل














الفصل السادس والعشرون










ركضت جهة إسطبلها وهم خلفي ببنادقهم وقلت

" أقتلوه دون تفكير ولا تردد هذا إن لم يكونوا مجموعة "

وصلنا وأدخل عادل بندقيته من نافذة التهوية وفتحت أنا

الباب بقوة وكأن ثمة قوة ما دفعتني لفته قبل أي شيء

لأصرخ فورا " لا تطلق النار "

لترفع وسن رأسها من بين ذراعيها حيث جالسة

هناك وقال عادل " كدت أفعلها "

نظرت لهم وقلت بأمر " غادروا فورا "

ثم دخلت ووقفتْ هي على طولها فقلت بحدة

" ماذا تفعلين هنا يا وسن وكدنا نقتلك "

كانت تنظر لي في صمت وعيناها كانتا محمرتان بشدة

ويبدوا بكت لوقت طويل فقلت بذات الحدة ملوحا بيدي

" كيف تأتي هنا وفي هذا الوقت ماذا لو قتلناك "

قالت بحرقة " أرحم لي يا نواس .... قتلي أرحم

منك ومن انتقامك "

رميت البندقية وقلت صارخا فيها بغضب

" كيف أتصرف معك كيف أ.... "

ولم أنهي كلامي بسبب ثوران الوسن المفاجئ كتلك

الليلة حين جرحت نفسها بل أعنف بكثير فتوجهت نحوها

من فوري وأمسكت لجامها بسرعة لأحاول تهدئتها قبل

أن تؤذي نفسها وبدأت بشد اللجام وأنا أقول بصوت مرتفع

" توقفي يا الوسن لن أؤذيها توقفي "

ولكن عبثا أحاول فالتفت نصف التفاتة حيت وسن تنظر

لها بصدمة وقلت ماداً يدي لها " تعالي يا وسن بسرعة "

بقيَت مكانها ونظرها فقط تحول لي فمددت يدي أكثر وقلت

" تعالي بسرعة لتهدئ "

اقتربت مني ببطء ونظرها على الوسن فأمسكت يدها

وسحبتها نحوي وضممت كتفيها بذراعي والأخرى

أحاول بها تهدئة الوسن وأنا أقول " توقفي لن أؤذيها

قلت لك , أرجوك يا الوسن ستؤدين نفسك "

بدأت تخف حركتها وهيجانها فأمسكت رأس وسن بيدي

وضممته لصدري ودسست وجهها فيه وأنا أردد بهدوء

" انتهى كل شيء لن أصرخ بها هيا اهدئي "

خفت حينها حركتها أكثر سوا من صوت زفيرها وحركة

بسيطة لحوافرها على الأرض لأنتبه حينها فقط للجسد الذي

يرتجف من البكاء والخوف في حضني فرميت لجام الوسن

وحضنتها بكلتا ذراعاي وقلت بهدوء " توقفي عن البكاء يا

وسن ولا تخافي منها فكل ما فعلته من أجلك "

لكن بكائها وارتجافها لم يخف فبقيت لوقت أمسح على

ظهرها في صمت لتهدأ حتى خف بكائها وابتعدت عني

ببطء وغادرت الإسطبل راكضة دون أي كلام فاتكأت

بيدي على باب الحظيرة أنظر للأرض بصمت حتى عادت

حوافر الوسن للتحرك ببطء فرفعت رأسي ومددت يدي لها

ومسحت على وجهها حتى قرّبَته مني فقبلته وقلت بهمس

" أحبها يا الوسن أقسم أني أحبها وأكثر من السابق فقط اهدئي "

دست حينها وجهها في حضني كعادتها سابقا فمسحت على

عنقها وقلت بابتسامة حزينة " هكذا إذا تزورك هنا ... لهذا

لم تعودي تطيقينني ولا تعترفين بي , لما أنتي هكذا ظالمة "

رفعتْ رأسها وحرّكته فمسحت على أسفل فكها رافعا رأسي أنظر

لها وقلت " تزوجتها وانتهى ولن تكون لغيري ما دمت حيا "

عادت برأسها للأسفل فلعبت بشعرها بين أصابعي وقلت

" يسعدك هذا الخبر بالتأكيد لكنه لن يسعدها ولن

يكون خيرا على كلينا يا الوسن "

قضيت وقتا معها حتى هدئت تماما ثم خرجت وأغلقت

باب الإسطبل وتوجهت للمنزل ونظرت لساعتي وأنا أصعد

الدرجات فكانت الثالثة بعد منتصف الليل , دخلت وصعدت

السلالم لأفاجئ بوسن واقفة عند بداية الممر المؤدي لممر

غرفتها وكأنها تنتظرني من وقت , كانت تنظر لي بصمت

وسكينة غريبة لأصبح مثلها نتبادل النظرات وكأننا جداران

من هذه الجدران , كنت أنظر لها بشكل مختلف هذه المرة

كشيء يحل لي ويحق لي أفعل به ما أشاء , أراها كزوجة

نعم شعور مختلف جدا رغم كل تراكمات السنين رغم الألم

والجراح أراها بشعور مختلف تماما أما هي فكانت تنظر لي

باستفهام أو استغراب أو لا أعلم ما يكون غير أنها ليست

كنظرتي لها وكأنها تنتظر أن أقول شيئا حتى خرجت من

صمتها قائلة " ماذا فعلت "

بقيت أنظر لها باستغراب فلم أفهم ما تعني بالتحديد حتى

تابعت قائلة " لما لم تجب على اتصالاتي "

نعم فهمت الآن لما تسأل وعن ماذا , قلت ببرود مغادرا

جهة ممر غرفتي " منذ الغد ستنتقلين للطابق السفلي "

بما أنه وليد أخبرني أنه سيخرج فجرا من هنا ووافق أن

أبني له ضمن المخطط ملحقا هنا فسيخرج مؤقتا حتى

ذاك الوقت , أوقفني صوتها قائلة " لا أريد وسأخرج من

هنا يا نواس وطلقني منه فورا كان من يكون "

وقفت دون أن أستدير لها وقلت " وسن دعي باقي هذه الليلة

يمر على خير و صباحا ستنتقلين للأسفل ولن تخرجي "

قالت بحدة " لن أبقى لك لا أريد لقد دمرتني بما يكفي وما يزال

انتقامك لم ينتهي بعد , أي قلب هذا الذي تحمل بين ضلوعك "

ضغطت قبضة يداي بقوة وقلت من بين أسناني " وسن اتركيني

في صمتي لأن كلامي لن يعجبك وإن خطت قدماك خارج

المنزل ستري نواس جديد لم تعرفيه بعد "

ثم غادرت وتركتها لأنهي الكلام عند هنا , هذا ولم تعلم

بزواجي بها فكيف سيكون الوضع حينها , وصلت لممر

غرفتي لأجد مي واقفة عند باب غرفتها وقالت ما أن

رأتني " أين كنت يا نواس لقد شغلتني عليك "

قلت ونظري للأرض مجتازا لها " تزوجتها "

قالت قبل أن أدخل غرفتي " خيرا فعلت "

نظرت لها وأنا أمام الباب ثم فتحت مقبضه وقلت وأنا

أدخل " أتمنى ذلك رغم أني لا أتوقعه "





*

*





عدت جهة غرفتي وفتحت الخزانة وبدأت بإخراج ثيابي ولا

أعلم أين أذهب أو فيما أفكر وأين سيكون المفر فإن زوجني

به فسيعيدني له هنا , لا مكان لي إلا شقة والدي لكنه سيبحث

عني هناك أولا وسيجدني فهوا يملك المفتاح , رميت الثياب من

يدي بقوة فلن أتمكن حتى من الخروج من هنا فكيف سأجتاز باب

المزرعة , جلست بعدها على الأرض وبدأت بتمزيق جميع قمصان

النوم والبيجامات الحريرية وكأني أفرغ غضبي فيها وأمزق حزني

وسنيني ومأساتي , كل ما مررت به في كفة وهذه الليلة في كفة

لوحدها أقسم أنني تعبت ... تعبت ولم تعد لدي أي طاقة للاحتمال

انهرت بعدها باكية ونمت فوق الثياب الممزقة أبكي كل شيء

حتى هم ولم أشعر بنفسي إلا وضوء الشمس يتسلل لعيناي

ففتحتهما لأجد نفسي نائمة على الأرض مكاني فغطيتهما

بكف يدي من قوة ضوء النهار المتسلل من النافذة المفتوحة

ثم جلست أنظر باستغراب للحاف الذي يغطي جسدي ثم

نظرت لباب الغرفة المفتوح وأنا متأكدة من أني أغلقته

هل راضية زارتني هنا يا ترى !! وقفت بعدها بصعوبة

بسبب نومتِ القاسية لأبدأ بجمع الفوضى التي أحدثتها

فوقفت مصدومة قبل أن أبدأ وأنا أرى السوار الذهبي الملتف

حول معصمي فعدلت وقفتي أنظر له باستغراب وأقلب يدي

في كل اتجاه لأفهم ما يجري وما سبب وجوده , ثم أمسكت

بيدي الأخرى ورقة الشجر المتدلية من أسفله وقلبتها أنظر

لها بتركيز .... اسمي نعم هذا اسمي منقوش فيها وكان تحته

تاريخ يعود لأكثر من عامين من الآن , انفتحت عيناي من

الصدمة حين أدركت أن هذا التاريخ كان موعد زواجنا أنا

ونواس قبل أن تحدث كل تلك الأمور التي ألغته , ما الذي

يجري هنا وما معنى كل هذا ! لم آخذ وقتا في التفكير أو لم

أجد له وقتا لأني رفعت نظري للذي وقف أمام باب الغرفة

حينها ينظر لي بصمت ويدي لازالت تمسك الورقة الذهبية

في السلسال وملايين الأسئلة تجول في خاطري وعجز لساني

عن قول شيء وخطواته تقترب مني حتى أصبح أمامي مباشرة

وما أن فتحت فمي لأتحدث حتى تراجعت وأنا أرى يده تمتد

لحجابي الذي لازال على رأسي منذ البارحة , شلتني الصدمة

وأنا أتابع حركة يده وهوا يزيله عن شعري ثم رماه على السرير

بطول يده وعيناه في عيناي أنظر له بحيرة وبصدمة أتنقل بنظري

بين عينيه العسليتان أحاول ترجمة ما بات يتضح شيئا فشيئا

ويرفض عقلي تصديقه وما أن عاودت الكره وأبعدت شفتاي

لأتحدث حتى تبعثرت الكلمات حين حضن وجهي بكفيه يخلل

أصابعه في شعري ويقرب وجهي إليه ببطء وأنا كالجثة مات

كل شيء بي إلا شفتاي التي ارتجفت بقوة حين أصبحت في

براثن خشونة شفتيه وكأن ثمة من أرسله لهما تحديدا ليصهرني

وينهي الأكسجين ليس من رئتي فقط بل من العالم بأكمله حولي

وهوا يزيد من جنون تلك القبلة المنهكة للروح والحواس وكأنه

يفرغ كل الماضي فيها وأصابعه المنغرسة في شعري تشد

وجهي له بقوة لتخرج شهقتي الموجعة وتنساب دمعتي التي

فهمت أخيرا فظاعة هذا الواقع ومعنى ما يجري الآن فارتخت

يداه حينها وأبعد شفتيه ببطء يتنفس بقوة تعلو معها تفاصيل

صدره العريض وتنزل بتسارع ونظره عاد ليعلق بعيناي

الدامعة ثم سرعان ما أبعد يديه ودار بظهره للوراء وقال

متوجها جهة الباب " غرفتك في الأسفل جاهزة

وستُنزل راضية أغراضك لها "

أغمضت عيناي بقوة لتختفي صورته من أمامي ولم يبقى

سوا عطره ودمعتي , طيف ذكرى ما حدث وارتجاف شفتاي

كان الموقف أقوى مني وأقوى من أن أستوعبه فنزلت على

الأرض مستندة بيداي عليها ورأسي للأسفل وعدت لبكاء

البارحة المجنون ليصلني صوته من عند الباب قائلا

بأسى " توقفي عن البكاء يا وسن توقفي "

جلست وقلت بحرقة وأنا أرمي الثياب بعنف " أكرهك يا

نواس أكرهك هل تسمع .... أكرهك أكثر من أي شيء "

ثم نثرت كل ما كان حولي وقلت بألم " لماذا يا خالتي لماذا

هوا لا يريدني , أبنك لا يريدني يا خالتي لقد دمرتني "





*

*





وقفت بالمقربة من المطبخ وناديت " راضية "

فوصلني صوتها قائلة " قلت لك لا أريد أن أراك فغادر "

قلت بابتسامة " لكني أريد رؤيتك قبل أن أغادر "

لم تجب فاقتربت من الباب فكانت تقف عند المغسلة

تغسل الخضار وتمسح دموعها في نفس الوقت فاتكأت

على الباب وقلت بابتسامة حزينة " روضة لا تلوميني أنا

اعتدت وجودك أكثر منك وسأكون هنا كلها شهور فقط "

قالت بضيق دون أن تنظر لي " كان لي ثلاث أخوة أصغر

مني وأصبحوا اثنين ، لو كنت فقط بقيت ولو من أجل

نواس الذي يترجاك وكأنه يعمل عندك وليس العكس "

قلت بابتسامة " هكذا إذا غاضبة من أجل نواس

وأنا ظننته من أجلي "

نزل حينها نواس من السلالم بخطوات ثقيلة وملامح

غاضبة وهذا هوا مستقبله زوج الاثنتين ، خرج دون

حتى أن ينظر ناحيتي فنظرت جهة راضية وقلت

" نواس تزوج من ابنة خالته البارحة وبالتأكيد

لن يتركها في الطابق مع مي "

نظرت لي بصدمة وقالت " تزوج بمن !! "

نظرت للأرض وتنهدت وقلت " نواس كان خاطبا ابنة

خالته لأربع سنوات ثم حدثت ظروف منذ عامين منعت

ذاك الزواج وهوا على وشك أن يتم والآن تزوجها ولم يعد

بقائي يقبله لا منطق ولا عقل يكفي أني طوال الفترة الماضية

أحرم مي من أخذ حريتها هنا وأحرم ابنة خالته من النزول "

تنهدت ومسحت دموعها وعادت لما تفعل فقلت بعد

تردد " راضية أريد رؤية مي هلا ناديتها لي "

أعلم أنه لا مكان لهذا من الصحة لكني لم أعد أستطيع

تمالك نفسي , هي الأخيرة قبل أن أحرم رؤيتها ما حييت

خرجت في صمت وصعدت السلالم وغابت لوقت





*

*





كان اليوم قاسيا على الجميع على ما يبدوا فالبارحة لم

يغمض لي جفن أفكر في مستقبلي ووسن هنا وفي وليد الذي

سيستل أحشائي ويغادر بها ، ولم يكن غيري أفضل حالا مني

على ما يبدوا ... مِن نواس الذي قضى باقي الليل بين غرفته

وممر غرفة وسن يزوره كل حين وتلك التي لا أعلم البارحة

ما بها واليوم ما أصبحت عليه ، قضيت ساعات أبكي ولا أعلم

من أبكي بالتحديد وكلها أنا العامل المشترك فيها فإن تذكرت

وليد بكيت حضي العاثر وحالي بعد رحيله وإن هربت منه

وفكرت في نواس بكيت تعثر حالي معه وتعثره بي مسئولية

ملقاة على عاتقه إن أحب أو كره وإن فكرت في وسن بكيت

على وجودي كالشوكة في حلقومها وأقسم أنه أسوء المواقف

تنهدت بأسى واستغفرت الله ومسحت دموعي للمرة لا أعرف

كم تكون من كثرتهم على صوت طرقات على الباب فوقفت

من فوري أنظر للباب بصدمة ، لابد وأنها راضية ولا عذر

لي هذه المرة وأستغرب صعودها هذا الوقت المبكر ، فتحت

لها الباب فنظرت لي مطولا حتى أخفضت بصري وقالت

" أعلم أن زواج الزوج بأخرى أمر قاتل أكثر من كونه جارح

لكن هذا قدرك يا مي ونواس لن يظلمك تأكدي من ذلك "

ابتسمت بألم وقلت " شكرا لك يا راضية أنا أفهم ذلك جيدا "

قالت مغادرة " وليد طلب منى أن أناديك هوا ينتظرك في الأسفل "

تبعتها بنظراتي المصدومة وهي تبتعد وتمنيت أن بقت قليلا

لتعيد ما قالت فأنا لم أستوعب بعد كلامها وكأنني فهمت ما

قالت بشكل خاطئ أو خيل لي ذلك وهوا غير صحيح , بعد

قليل تحركت من مكاني ولبست حجابي ونزلت لأكمل باقي

مأساتي وأودع من هربت من رؤيته لوقت لأعتاد غيابه

وصلت للأسفل وكان هوا جهة باب المطبخ منشغل بالتحدث

مع راضية ووقعت عيناي على حقائبه عند الباب فأمسكت

دموعي بشق الأنفس واقتربت منه بخطوات بطيئة وعيناي

لا تفارق ملامحه حتى وصلت وانتبه لقدومي فهربت بنظري

فورا للأرض فقال مباشرة " أنا آسف يا مي أردت فقط

توديعك قبل ذهابي وإن احتجتِ شيء لا تترددي أبدا في

طلبه مني رقم هاتفي لدى راضية "

لم أتحدث بل لم أستطع قول شيء لأن حلقي كان يحترق

كالنار من إمساك دموعي فقال " مي "

رفعت نظري له لتتحول نظرته للاستغراب عاقدا حاجبيه

فأبعدت وجهي جانبا بسرعة فقال بنبرة غريبة يشوبها الحزن

" مي لن يظلمك نواس وإن تزوج بثلاث وليس واحدة

أعلم أن زواجه المفاجئ كان قاسيا عليك لكنه له ظروفه

التي تحكمت به ولا تنسي ما قلت لك لا تتركي أحد يهينك

وينزل من كرامتك فقط اتصلي بي وسأتصرف في الأمر "

ابتسمت بألم على الواقع الذي لو يعلمه لحار يبكي أم يضحك

لو يعلم أن دموعي لم تنزل إلا بسبب فراقه وحالي المأساوي

لما كان هذا كلامه , رأيت خطواته تبتعد وكأنه يسير على

قلبي ويمزقه فتبعته دون شعور مني منادية " وليد "

فالتفت لي وهوا عند حقائبه ووقفت أمامه أنظر لعينيه

بضياع ثم قلت " لما لم تخبرني سابقا بأمر خطبتك لي "

ضاعت حدقتاه بين عيناي وكأنه صدم من كلامي أو لم

يتوقعه فأنزلت رأسي وتابعت لأن ما حدث حدث وتكلمت

فالأكمل ليرتاح قلبي , تحدرج صوتي وهوا يخرج قائلة

" لما لم ترجع لخطبتي بعد الحادثة وأنت لم تصدق ما قيل "

قال بعد صمت " ما مناسبة هذا الكلام يا مي "

رفعت نظري له مصدومة ولم أعرف ما أقول فمعه حق

أنا في نظره الآن زوجة صديقه فلما السؤال عما فات

أبعدت نظري وقلت " أردت أن أعلم فقط "

رفع حقائبه وقال " لن أستطيع فتح قلبي لك يا مي وأتمنى

لك السعادة فنواس رجل يثقل بالذهب ويستحق مشاعرك نحوه "

ثم غادر هكذا بكل بساطة وتركني أتلاطم مع مشاعري

ليته بإمكاني أنا فتح قلبي لك يا وليد لتعلم أني أيضا

أحبك ومن سنين طوال لا يعلمها أحد ولا حتى أنت وكل

ما أخشاه أن أقف موقف وسن وأراك تتزوج بغيري





*

*





بعدما أفرغت باقي غضبي في بقايا الثياب توجهت للسرير

وارتميت عليه أبكي بحرقة وأتذكر كلماته حين قال

( لولا وعدي لوالدتي ما زوجتك به )

( حرريني من وعدي لها وأزوجك بسليمان )

( سأزوجك به الليلة لننتهي من هذه المهزلة)

تكورت على نفسي أشد بذراعاي على معدتي بقوة من الألم

وأنا أفكر فقط في أنه تزوجني من أجل وعد بينه ووالدته

فقط لأنها أخذت منه عهدا بذلك وهي تموت وإلا ما كان

تزوجني , يكفي وجعي أني الزوجة الثانية ليزيده هذا

تخيلت كل شيء إلا أن يكون هوا ذاك الزوج فلو كنت

أعلم لما طلبت منه فعلها وبقيت حياتي بلا زواج فكرامتي

فوق حبي له وفوق كل شيء فليس وحده يملك كرامة يحسب

لها ألف حساب , ليته زوجني بذاك ولو كنت سأعيش معه

هنا , كان سيكون أرحم من هدر كرامتي هكذا وأرحم منه

جلست بصعوبة وأمسكت علبة الحبوب وأخرجت منها واحدة

هذا المسكن قوي ولم أستعمله سابقا لكني سأموت إن لم يخف

هذا الألم ولو قليلا , بعد وقت دخل عليا أحدهم الغرفة وأنا

نائمة على السرير أخفي وجهي في ذراعي ووصلني

صوت راضية قائلة " وسن "

قلت دون أن أرفع رأسي " نعم "

قالت وهي تتحرك في الغرفة ويبدوا تجمع أشلاء الثياب

" سأنقل أغراضك لغرفتك في الأسفل , هي الغرفة الأخيرة

في الممر فالأولى سينزلون لها مكتب نواس "

لا اعلم لما مكتبه ملتصق بي دائما من أخبره أني مكتبة أو

أني سأهرب منه ثم كيف تكون غرفة بجوار مكتب قد يدخله

أي أحد من أصدقائه أو زائريه من تجار الخيول , قالت

وهي تغادر " سأرمي هذه وأعود لأنزل ثيابك وكتبك "

جلست بعدها وجمعت شعري وأمسكته بمشبك لتتساقط

خصلاته من جانبيه فدسستها وراء أذني على صوت رنين

هاتفي فنظرت للمتصل فكانت ملاك فتركته ودخلت الحمام

غسلت وجهي مرارا وتكرارا وكأني أوقظ نفسي مما أنا فيه

ثم نشفته بالمنشفة وخرجت ووجدت راضية عند الخزانة

تخرج الثياب فقلت " وأين صديق نواس الذي يعيش في الأسفل "

قالت وهي منشغلة بما تفعل " ترك المنزل منذ الفجر ولم

يعد هنا أحد غيرنا والرجل الوحيد هوا زوجك "

شعرت بلكمة قوية ضربت قلبي من كلمتها , أنا زوجته

نعم ونواس زوجي يالا السخرية , كم تمنيت هذا الأمر

وحلمت به وكم تمنيت تلك القبلة الأولى منه وانتظرتها

ولم أتخيلها هكذا وبذاك الشكل وذاك الوجع وأن تكون

مختلطة بالدموع فلم أشعر حينها بشيء سوا أنني أختنق

هززت رأسي بقوة وتوجهت جهة هاتفي الذي عاد يرن

بإصرار ورفعته وأجبت قائلة بضيق " ملاك يالك من

مزعجة لو أردت أن أجيب لأجبت من أول مرة , لن آتي

اليوم ولا الغد ولا أعلم متى وليثه يصلك خبر موتي قبلي "

جاء حينها صوت رجولي قائلا " انزلي لغرفتك ولا

تخرجي العمال سيصعدون بعد قليل "

ثم أغلق الخط فأبعدت الهاتف عن أذني أنظر له بصدمة

يالي من غبية فكرت أنها هي وأجبت دون حتى أن أنتبه للاسم

تأففت وحملت بعض الأغراض مع راضية وغادرت الغرفة

ونزلت للأسفل وأوصلتني حيث قالت أنها غرفتي وفتحت

الباب ودخلت قبلي قائلة " سأنزل البقية وأرتبها

لا تتعبي نفسك بها "

لم أجبها لأن نظري كان معلقا بالسرير الواسع المعد

لشخصين , أين سافر به خياله ذاك المغفل لن ينام معي

هنا ولو ذبحني ولا أعتقد أنه يفكر بها وقد يكون هذا تمويه

فقط لمن اشترى الغرفة ووضعها هنا فقد يكون صديقه ذاك

جلبت راضية باقي أغراضي وأصررت عليها أن أرتبها

بنفسي وقضيت باقي اليوم في غرفتي لم أخرج منها أبدا بل

ولم أترك سريري هربا من ماذا لا أعلم ومؤكد من واقعي





*

*




وقفت أراقبهم من بعيد فشعرت بيد على كتفي وقال صاحبها

دون أن أنظر إليه " هل كل هذا حزن على فراق وليد

سيكون هنا كل يوم أم أنك غاضب منه "

نظرت للأسفل وقلت " لا هذه ولا تلك "

ربت على كتفي مرتين ثم ابتعد في صمت وكأنه يتعمد

عدم التدخل , لا أعلم إن كان صحيحا ما فعلته أم لا ؟ ما

أعرفه أنه لن يجلب سوا مزيدا من المتاعب وأولهم ما أنا

فيه الآن ولا أعلم سببه هل كلمات الكره التي قتلتني بها أم

تلك القبلة الغبية التي لا أعلم كيف فقدت عقلي وفعلتها

فما أن رأيتها أمامي تنظر لي بصمت وأبعدت شفتيها حتى

سقطت كل حصوني ولم يعد لي مطلب إلا تلك الشفتين ولولا

شهقتها تلك ما كنت تركتها قبل أن أروي عطش السنين جميعها

أخرجني رنين الهاتف من أفكاري وخيرا فعل , نظرت للمتصل

فكان جواد فأجبت من فوري وقال " هل أفك الحصار

أم ليس بعد , شقيقتها ستأكلني حيا "

قلت بابتسامة جانبية " اتركها تكلمها لقد انتهى كل شيء "

قال بما يقارب الهمس " تزوجتها !! "

عدت بنظري للأرض وقلت ببرود " نعم البارحة "

قال بعد صمت " وما كانت ردة فعلها "

رفعت رأسي وشردت بنظري للبعيد وابتسمت بسخرية

وقلت " ما ستكون برأيك , أخف ما فعلته أن قالت لي

بأنها تكرهني أكثر من أي شيء "

تنهد وقال " ظننت أن هذا سيحسن الأمور لا أن يعقدها "

قلت بهدوء " كيف يحسنها وهي تراني تزوجتها

من أجل وعدي لوالدتي "

قال من فوره " والحقيقة يا نواس ؟؟ "

أخفضت رأسي مجددا وأغمضت عيناي وقلت بحسرة

" لعن الله الحب يا جواد فأن تحبها كل سنين حياتك

شيء وأن تكون ملكا لك بين يديك وبعيدة عنك شيء

آخر أقسى من الموت البطيء "

قال بهدوء " توقف عن تعذيب نفسك يا نواس وجدا

حلا لما بينكما كي تستطيعا العيش معا باقي

حياتك ولا تنتهيا للطلاق "

قلت ببرود " لن أطلقها مهما فعلت فلتبقى هكذا حتى

تضع عقلها في رأسها لنعرف كيف نحل مشاكلنا "

قال " ماذا عن مي ماذا كانت ردة فعلها "

ابتسمت بألم وقلت " مي أكثر من يشعر بي وأكثر من

يشغلني يا جواد فهي التي ظلمتها في كل هذا ولن

يرتاح لي بال حتى ترتاح هي "

تنهد وقال " لا أفهمك يا نواس , ما تقصد بهذا "

ابتعدت عن هناك قائلا " لا تشغل بالك كثيرا

وداعا الآن عليا المغادرة "

قال " وداعا وسأرسل لك رقم الطبيب الذي

حدثتك عنه من أجل وسن "

قلت " أجل وبسرعة لأني رأيت نوعا جديدا من

المسكن لديها وأقوى من السابق بكثير "

قال " حسنا .... وداعا "

دخلت المنزل وتوجهت لمكتبي لأخذ الأوراق من هناك

فتوقفت حين وجدت وسن تقف متكئة بجدار الممر تحمل

كوبا في يدها ولا أفهم سبب وقوفها هنا وسبب ما في يدها

أخفضت نظرها عني ودست خصلات شعرها الأسود خلف

أذنها وأنا عيناي ماتت هناك وكأني أراها للمرة الأولى بل

وكأن لا أحد قبلي عشق وأحب وتزوج , لم تعد لي أي سيطرة

عليهما وهما تحدقان فيها ونظرها للأسفل ملتصقة بكتفها على

الجدار تحرك يدها التي تمسك بها الكوب وأنا ارسم بنظري

أدق تفاصيلها وأنسى كل ما قالته , كل تلك الشتائم وعبارات

الكره التي قالتها تبخرت من ذاكرتي وكأنها أمامي وسن أخرى

لم يخرج كل ذاك من شفتيها وأكبر دليل الكلمات التي خرجت

مني دون أذن قائلا بقلق " وسن هل تشعرين بشيء "

اتكأت برأسها على الجدار ونظرها لا زال للأسفل

وقالت بعدما أمالت ابتسامة ميتة على شفتيها

" نعم أشعر بقلبي يموت والسبب أنت "

قبضت على يدي بقوة وأشحت بوجهي جانبا كي لا تتغير

تلك الصورة في عيناي فبقدر ما كانت تلك رائعة هذه

جارحة ومعذبة , قلت ونظري بعيد عنها " أطوي

الصفحات يا وسن فتقليبها لن ينفع في شيء "

وصلني صوتها قائلة بسخرية " هنيئا لك يا ابن خالتي أنت

المنتصر دائما وأنا الخاسرة , لو لم يكن الله من يرسم لنا

أقدارنا لقلت أن من فعل كل هذا ليس بعادل أبدا "

رفعت نظري لها مجددا فكانت على حالها متكئة على الجدار

بكتفها ورأسها , وفقط يدها أنزلتها للأسفل تمسك طرف الكوب

الفارغ بإصبعين من أصابعها وتحركه للأمام والخلف , كم

عشقت كل حياتي حركاتها الطفولية هذه وكم كنت أراقب

كل تصرفاتها حين أزورهم أو تزورنا وأعشق أن أوزع

تصرفاتها ... هذا لحبيبتي وسن الطفلة وهذه لحبيبتي وسن

المرأة وأصبحت هناك ثالثة الآن وهي وسن الحاقدة , وها

هوا ذا التصرف لوسن حبيبتي الطفلة , توجهت نحوها ووقفت

أمامها مباشرة واتكأت مثلها على الجدار بكتفي ورأسي وقلت

ونظري عليها " ليتك لا تفارقيها ... ليتك تبقين أنتي ولا

تتحكم تلك الجديدة بها "

رفعت حينها نظرها لي باستغراب فأبعدت رأسي عن الجدار

وأبعدت نظري عنها أنظر للفراغ خلفها وقلت بابتسامة حزينة

" أعشقها يا وسن ليتك تعلمين كم يكون ذلك وظننتها

ماتت من سنوات لكني اكتشفت أنني أخطأت "

ثم عدت بنظري لها فكانت نظرات الاستفهام لديها زادت

فعدت متكأ برأسي على الجدار ومددت أصابعي للخصلة

التي تمردت على وجهها من جديد ودسستها خلف أذنها

وقلت ونظري على يدي " فشلت في أن أحيي تلك وأحافظ

عليها وفي أن أقتل هذه ولو في داخلي .... نعم

فشلت وأنتي السبب يا وسن "

أوقعت حينها الكوب من يدها ورفعتها ليدي وأبعدتها

عنها وقالت " لم أفهم من هذيانك شيء لكن ما أفهمه

جيدا كلامك السابق عن أنه لولا عهدك لوالدتك ما تزوجتني

وأعلم أنك لن تفكر في أن تعتذر عما قلت ولا تفكر في ذلك

يوما لأن اعتذارات العالم كلها ما كانت ستكفي وتجعلني

أنساها , ليته فقط تبرد نارك المشتعلة مني من أكثر من

عامين لعلك ترحمني ولو من وجودك بقربي "

ابتعدت حينها عن الجدار وقلت متوجها جهة مكتبي

" ليتك أنتي فقط تتوقفين عن قول الحماقات يا وسن "

ثم دخلته وأغلقت الباب خلفي كي أبتعد عهنا ولا أتهور كالمرة

السابقة ونستمر هكذا هي تهديني الكلام المسموم وأنا أقابله

بالقبلات المتلهفة المتعطشة وكأني أكافئها على إهانتي



*

*





دخل مكتبه وأغلقه خلفه ليتركني ككل مرة بقايا من جراح

انفتحت من جديد وهي لم تلتئم بعد , نزلت للأرض ورفعت

الكوب وتوجهت للمطبخ لأني كنت ذاهبة إليه ورجعت حين

رأيته يقترب من بعيد ووقفت أنتظره ظنا مني أنه سيصعد

للأعلى وليس سيأتي هنا ويجدني , وضعت الكوب هناك

وعدت لغرفتي ولم أغادرها حتى المساء حين طرق

أحدهم باب الغرفة وفتحه وهي راضية بالتأكيد وقالت

" وسن العشاء جاهز "

قلت معطية ظهري لها " لا رغبة لي شكرا "

قالت " أنتي لم تأكلي شيئا اليوم بطوله لن ينفعك أحد

إن ضاعت صحتك "

قلت بهدوء " إن رغبت شيئا سآكل وحدي تأكدي"

لم تضف شيئا وأغلقت الباب وغادرت وما هي إلا لحظات

وانفتح الباب دون طرق هذه المرة ووصلني صوت نواس

قائلا " وسن أخرجي لتناول العشاء "

لم أجب فتأفف وقال " توقفي عن التصرف كالأطفال

ما تريدينه وفعلته ماذا بقي بعد "

شددت اللحاف على جسدي وقلت ببرود " لو علمت به ما

تركتك فعلته فلا تعتقد أنك تجرحني لأنه لم يعد يؤثر بي "

قال بحزم " وسن تخرجي الآن أو قسما أخرجتك بنفسي "

جلست وقلت بحدة " هل الطعام أيضا بالإكراه

لا رغبة لي قلت لكم "

قال بغضب " لا ترفعي صوتك علي يا وسن

واحترميني كزوج على الأقل "

رميت اللحاف من علي وقلت بسخرية وأنا أغادر السرير

" نعم هذا المكسب الوحيد لك من هذا جملة احترميني فأنا زوجك "

غادر أمامي يستغفر ويتأفف فأبعدت خصلات شعري عن وجهي

وعدلت البيجامة الحريرية على جسدي بل نفضتها نفضا بتأفف

وخرجت حيث طاولة الطعام وما أن دخلت حتى وقع نظري

في نظره جالسا هناك وزوجته بجواره فأبعد كل واحد منا

نظره عن الآخر واقتربت ببطء وأخذت طبقا لي وجلست

في أبعد كرسي عنهما أتجنب النظر ليس له فقط بل لزوجته

أكثر منه , جلست أبعد خصلات شعري خلف أذني وأغلقت

زر البيجامة الذي اكتشفت انه كان مفتوحا , حركت الأرز

بالملعقة لوقت ثم تناولت لقمتين وبقيت أمضغ كل واحدة منهما

حتى تفتت في فمي وقال نواس " عصام متى قال سيأتي "

رفعت نظري جهته فكان ينظر لطعامه ومي تنظر له

وقالت " في الغد ولن تدركه لأنه سيأتي وقت ذهابك "

عدت بنظري لطبقي وقال " أخبريه يؤجلها قليلا

أريد أن أكون هنا "

قالت بهدوء " سيعذر انشغالك وتتقابلا في وقت آخر "

قال من فوره " عليا أن أكون في استقبال أهلك يكفي

لا أهل لي أستقبلهم ومن بقي منهم يكرهني "

نعم جرحتك كلماتي وتنسى كلامك المسموم الذي تجرحني

به كل وقت , إن كان ثمة من يحق له كرهك فهوا أنا

وليته يكون ذلك فسأدفع عمري ثمنا لمن يجعلني أكرهك
وضعت مي الملعقة ووقفت مغادرة من أمامي وأنا أتبعها

بنظري , غريب أمرها وكأنه ليس زوجها وتزوج عليها اليوم !

تتكلم معه بأريحية وكأن شيء لم يكن !! وأستغرب أكثر من

ملابسها فهي لا ترتدي إلا ملابس محتشمة رغم أنه لم يعد

أحد هنا ولا حتى قريبها ذاك ونادرا ما ترتدي كمان قصيران

يصلا للمرفقين ودائما ملابسها فساتين طويلة , نظرت

لصحني ورميت كل تلك الأفكار من رأسي فلم يبقى سوا

أن أفكر في ملابسها فقد يكون ذوقها هكذا المهم أني

تحررت من الحجاب والملابس الطويلة وهذا المكسب

الوحيد من هذا الزواج الكارثي , لا أصدق أني صرت

زوجته لما لا أشعر بالسعادة ! هه وياله من سؤال غبي كيف

سأسعد وهوا تزوجني من أجل وعد قطعه لوالدته ولكي يريح

رأسه من كلامي كما يقول ونهايتها يتبجح علي بأني أنا من

أراد هذا وطلبه , بقي أن يقول أني ترجيته ليتزوج بي

" كلي جيدا "

رفعت نظري لصوته الذي أخرجني من أفكاري وكان ينظر

لصحنه ويأكل ثم تابع دون أن ينظر لي " لن تقومي حتى

تأكلي جيدا فتلكم الملعقتين لن تخدعي بهما إلا نفسك "

تأففت بصوت مسموع ثم قلت " راقب زوجتك واتركني وشأني "

رفع كوب العصير وشرب منه ثم قال وهوا يعيده مكانه

" وما الذي كنت أفعله برأيك ... أراقب زوجتي كما تقولين "

قلت بضيق " نواس ما تريده بكل هذا "

عاد لتناول الأرز وقال ببرود " كم بقي على تخرجك "

أكلت الملاعق متتالية ثم رميت الملعقة ووقفت وقلت

" إن كان ما تفعله لآكل فها قد فعلت وإن كان من

أجل أمر آخر فأجله للغد رجاءا "

ثم قلت مغادرة " ولا أعتقد أن أمر دراستي بات

يعنيك يا زوجي العزيز "

ثم توجهت للغرفة ودخلت وأغلقت الباب بعدي بقوة

على صوت رنين هاتفي ولابد وأنها ملاك هذه المرة

توجهت ناحيته وحملته وتأكدت من الاسم فسأحرم تكرارها

مجددا , أجبت عليها فقالت مباشرة " وسن ما بك تحبين

إقلاقي عليك , لو لم تجيبي كنت سأزورك في المزرعة غدا "

قلت بسخرية " نعم تحججي , كله لتري حبيب القلب "

ضحكت وقالت " يالا سخافتك لم أفكر بها مطلقا "

ثم تابعت بقلق " شغلتني عليك مآبك وما به صوتك

هكذا وكأنك مغصوصة بحجر "

ابتسمت بحزن وقلت " ليته كان حجرا بل هي

شوكة مشتعلة يا ملاك "

قالت من فورها " ما بك وسن ماذا حدث "

قلت بحسرة " تزوجت يا ملاك هل تصدقي "

قالت بدهشة " كيف ومتى ومن !!!! "

جلست على السرير وقلت " كيف لا أعلم ومتى آخر

ليلة البارحة ومن ... هذا ما يكسر ظهري "

سكتت لوقت ثم قالت " هل زوّجك بعجوز "

ابتسمت بألم وقلت " كان أرحم لي "

تأففت وقالت " وسن تكلمي بوضوح أو قولي أنها مزحة "

تنهدت وقلت " تزوجته هوا "

شهقت بقوة حتى ظننتها ماتت ثم قالت " نواس تزوجك "

قلت ببرود " نعم "

انفجرت ضاحكة فقلت بضيق " نعم أضحكي هذا

ما أنتظره منك , الحق علي حكيت لك "

قالت " يالا المفاجأات وأخيرا تزوجتما ياله من خبر سار "

قلت بحدة " ملاك ما أسخفك لم يكن الأمر إلا من أجل وعد

قطعه لوالدته وكان يماطل طوال الوقت كي لا يفعلها وأنا

من غبائي أضنه شخص آخر وألح عليه أن

يزوجني به لأبتعد عن هنا "

ضحكت وقالت " أقسم أن هذا تعجز أمامه حتى الأفلام

والمسلسلات تطلبين منه أن يزوجك لنفسه لتتخلصي منه "

قلت ببرود " وما أدراني أنا به اللوم عليه لما أخفى عني

لَما كنت طلبتها منه ما حييت فأن أبقى عانس أرحم لي

من هذر كرامتي بهذا الشكل "

تنهدت وقالت " أتمنى أن يكون في هذا حلا لمشاكلك

يا وسن لا أن يعقدها أكثر "

قلت بسخرية " آمنت أنه لا حل لمشاكلي "

قالت بنبرة فيها خبث " وأين زوجك عنك حتى

الآن صرنا بعد العاشرة "

قلت بحدة " ملااااك "

ضحكت وقالت " أعانه الله عليك "

تأففت وقلت " اتركينا من كل هذا وأخبريني عنك "

قالت من فورها " لا جديد لم أتصل بالبرنامج منذ ذاك اليوم

لأزيد من فضوله والليلة ستكون الجولة الثانية "

قلت ببرود " أتمنى أن لا يكون حظك كصديقتك

وأن لا يكون كصديقه "

قالت بصوت مبتسم " وما به حظي إن كان مثل

حظك وما سينقصه إن كان كصديقه "

قلت بسخرية " لا شيء فقط من تعاستي "

ضحكت وقالت " لا أعلم لما أشعر أن هذه الخطوة

ستجلب لك المسرات "

تنهدت وقلت بحسرة " لن يشعر بي أحد أقسم أن

قلبي يشتعل كالبركان "

قالت بهدوء " وسن اهتمي بصحتك ولا تفكري في

شيء غيرها ومبارك لك صديقتي رغم أني تمنيت

أن كان لك حفل زواج كغيرك "

ابتسمت بحزن وقلت " مبارك على ماذا وحفل من أجل

ماذا , أنا نسيت السعادة منذ أكثر من عامين "

تنهدت وقالت " لا فائدة ترجى منك ونصف تعاستك

بسببك , نواس يحبك وتعلمين ذلك جيدا "

قلت بسخرية " من يحب لا يتصرف هكذا يا ملاك ويبدوا

لم يكن يحبني منذ البداية ووحدي كنت أعيش عالم خيالي

فمن يحب لا يتزوج بأخرى ثم يتزوجني كفرض

فُرض عليه وإلا ما كان فعلها "

قلت بضيق " ومن يراك أنتي ما يقول غير أنك تكرهينه

بينما العكس صحيح , برنامجي سيبدأ وداعا الآن

ونلتقي غدا إن لم تقررا شهر عسل "

قلت بامتعاض " يالا مخيلتك وسذاجتك أي عسل وأي

بطيخ سأكون في الجامعة غدا وباكرا , لا يمكنني ترك

المحاضرات تتراكم علي أكثر من هكذا "

قالت من فورها " وداعا إذا ونلتقي في الغد "

أنهيت المكالمة معها وأنزلت الهاتف لحجري وتنهدت بأسى

ثم رميته على السرير وفتحت النافذة لأجد ساحة الخيول

أمامي فيبدوا أني صرت في الممر الذي تحت غرفتي وهذا

يعني لا نافذة تفتح إلا في الليل , ما هذه التعاسة المجتمعة

أطفأت النور وجلست عند النافذة متكئة عليها أراقب السكون

ولا شيء غيره , أين أنتي يا خالتي لتري ما يفعل ابنك بي

لماذا فعلتِ بي هذا لما ؟ لما لم تفكري في عواقب الأمر

خبئت وجهي في ذراعي المتكئة بها فسمعت نافذة أخرى

تفتح قريبة من هنا ثم صوت نواس ويبدوا يتحدث في

الهاتف قائلا " نعم لعلي أبارك لك أنا أربع

مرات يا سليط اللسان "

سكت بعدها لوقت ثم قال " لو كان الأمر علي ما

تزوجت من أساسه هل تضنها مفخرة "

قال بعدها " لا سنؤجلها لبعد الغد لأن شقيق زوجتي سيزورنا "

قال بضيق " معاذ لست في مزاج لدعاباتك تعلم أن

الأخرى لا أشقاء لها فمن ستكون برأيك "

ابتعد بعدها صوته ويبدوا ابتعد عن النافذة ونزلت دمعتي

ودسست عيناي في كمي كي لا تلحقها الأخرى , حسنا أنا

وفهمناها تزوجني مرغما ومقيدا بوعد , الأولى تزوجها

بمحض إرادته واختياره أم أنه قطع عهدا بها لوالدته أيضا

توجهت لسريري وشغلت المذياع في هاتفي لأستمع لبرنامج

ملاك لعلي أبتعد عن همومي ولو قليلا , كانت ثمة متصلة

تشكي وتبكي وانتهت ودخلت أخرى أسوء من التي قبلها

ما كل هذا البؤس ! تلك الحمقاء ملاك هل ينقصها تعاسة

بعد عدة مكالمات قال المذيع " وها هي ملاك تذكرتنا أخيرا "

ضحكت وقالت " مرحبا صفوان كيف حالك "

قال بصوت مبتسم " مرحبا ملاك أين كل هذا الغياب "

قالت " كنت أستمع لكم كل حلقة بوقتها وإن

لم أتصل فقلبي معكم دائما "

هذه الخبيثة أعان الله ذاك الشاب عليها , قال المذيع

" إذا عنوان الحلقة رسالة ولمن توجهيها "

قالت " وأنا من أجل العنوان اتصلت , أوجه رسالتي

لمن سيفقدني عقلي بسبب جنونه في القيادة وكأن

لا أحد يريده في هذه الحياة "

ضحكت رغم بؤسي وتعاستي , هذه المغفلة ستأتي بأجلها

بالتأكيد وإن اكتشف من تكون فلن يرحمها , قالت بعدها

" وأبشركم أن أمية المساء تلك الحلقة تحققت أخيرا "

قال المذيع ضاحكا " ليتك تمنيتي مليونا إذا "

قالت بهدوء " تحقق تلك الأمنية أهم عندي من كل

ملايين الدنيا وداعا وليلة سعيدة للجميع "

قال " وداعا ولا تغيبي عنا طويلا "

انتظرت بعدها صديق نواس ليتصل لكنه لم يفعلها ويبدوا

سيلعب ذات لعبتها وينقطع عن البرنامج , نظرت بعدها

للساعة فكانت الواحدة , كم تضيع تلك الغبية من وقت

ساعتين كاملتين تستمع لشكاوي غيرها , ضبطت منبه

الهاتف ووضعته على الطاولة واستلقيت على السرير

أرتجي النوم أن يأتي , حاولت أن لا أفكر في شيء ولم

أنجح حاولت حتى أن أفكر في أمور تافهة لا تخصني وبلا

فائدة أيضا ومضى الوقت وأنا أتقلب كالسمكة في المقلاة

سمعت بعدها صوت الباب انفتح بهدوء وأنا معطية ظهري

له فجمدت كل حواسي عدى السمع , مؤكد هذا نواس لكن

ما جاء به وما يريد ! قد تكون راضية أو حتى مي , وكان

من يكون ما جاء به هذا الوقت , حرك علبة المسكن من

على الطاولة ويبدوا رفعها ثم فتحها وأخرج كل ما فيها

وأعادهم واحدة واحدة للعلبة وكأنه يعدها ثم أعاد العلبة على

الطاولة واقتربت خطواته من السرير وجلس عليه فتصلبت

جميع مفاصلي من الخوف أو التوتر أو لا أعلم ما يكون ذاك

هذا عطره هوا نعم لن أخطأه أبدا , ما يريده بي ويجلس عند

سريري ! لا يكون يريد النوم هنا وترك زوجته , رفع شعري

للخلف بهدوء فأغمضت عيناي أدعي النوم وتنفسي يتوتر مع

حركة أصابعه وهي تبعدهم خصلة خصلة لتسري ارتجافه على

طول عمودي الفقري وأنا أشعر بشفتيه وأنفاسه على عنقي فكتمت

تنفسي وأغمضت عيناي بقوة لأني عند هنا انتهيت وعند هنا

تخلى عني كل شيء من حولي , زدت من الضغط على عيناي

متمنية فقط أن يبعد شفتيه ويرحمني ثم فتحتهما على اتساعهما

من الصدمة وأنا أسمع الكلمات التي همس بها



*********************************************

bluemay 26-07-15 03:47 AM

رد: أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل السادس والعشرون)
 
****************************************************

******************************************





مرت الأيام وانشغلت بدراستي واختباراتي ولم أعد أرى

نزار إلا وقت إيصالي للمدرسة وإعادتي للمنزل وفي صمت

تام فعند المغادرة أمسك كتابي وأدعي أنني أراجع ما ذاكرته

رغم أني أحفظ صفحاته بالترتيب , وفي طريق العودة أشغل

نفسي بمراجعة ما كتبت في الامتحان رغم تأكدي من أنه

صحيح ولأن المدرسة التي أمتحن فيها قريبة فلم تكن الطريق

تأخذ وقتا , ونزار انشغل مع عمله الجديد في مزرعة تاجر

الخيول ولم نعد نتقابل ولا حتى على طاولة الطعام وأتعمد

الصعود لغرفتي قبل قدومه رغم أني أتلهف كل صباح لرؤيته

لكني باقي اليوم أهرب منه وأشغل نفسي حتى عن التفكير به

اليوم كان آخر اختبار لي وخرجت متمنية أن أحضن الجدار

مودعة لها وداعا أخيرا لأنها أقسى اختبارات مرت علي ليس

لصعوبتها أو صعوبة المناهج لكن بسبب تعب نفسيتي من

المجيء والعودة معه كمن يعطي الظمآن ماءا باردا رشفة

صغيرة كل يوم لا هوا أعطاه له ليشربه كله ولا تركه يموت

عطشا فما أقسى أن تجبر نفسك على أن تبتعد عمن تحب وما

أقسى أن تكون بقربه وهوا ليس لك , لم أعد ألوم الشعراء فيما

يكتبونه فالحب مأساة تجعلك تقول دون شعور منك

" سما "

التفت للخلف وقلت مبتسمة " زهرة ظننتك غادرتِ "

وصلت عندي وقالت " لن أغادر قبل أن أودعك كم

سعدت بمعرفتك وكم ساعدتني قبل الامتحان يا سما

لن أنسى ما فعلته من أجلى ما حييت "

قلت مبتسمة " أنا لم أفعل شيئا مهما المهم أن تجتازي العام "

حضنتني وقالت " سأشتاق لك وكم أتمنى أن نلتقي قريبا "

قلت بحزن " وأنا كذلك وسأتصل بك دائما

ولن أنقطع عنك وعن أخبارك "

ودعتها وخرجت , زهرة تعرفت عليها هنا أحببت جدا

طباعها وطيبتها تذكرني ببتول كثيرا وساعدتها بالهاتف

أيام الاختبارات في كل ما لم تستوعبه متمنية من قلبي أن

تجتاز العام لتفرح والدتها الكبيرة في السن فهي بعد زواج

أشقائها بقيت وحدها تعتني بها , خرجت للسيارة وركبت

في صمت كعادتي وانطلق من فوره , لم أمسك اليوم كتابي

لأراجع ما كتبت لأنه قال لي وأنا أنزل أنه سيتأخر نصف

ساعة عن وقته المعتاد فلن تكون لدي حجة اليوم أمسك

بها شيء , بعد قليل قال " كيف كان اختبارك "

رفعت رأسي ونظرت له باستغراب وهوا ينظر للطريق

أمامه فهي المرة الأولى التي يسألني منذ بدأت امتحاناتي

عدت بنظري ليداي في حجري وقلت " أجبت كل شيء "

قال بعد قليل " لم تستعيني بي في أي شيء هل

لأن كل شيء واضح لديك أم لأنك لا تريدين "

نظرت له مجددا ولكن هذه المرة بصدمة وبقيت على

ذاك الحال حتى نظر لي لتلتقي عينانا بعد كل هذه المدة

ثم عاد بنظره للطريق وقال " تغيرتي كثيرا ناحيتي يا

سما فهل أغضبتك في شيء "

لم أعرف ما أقول امتلأت عيناي بالدموع وقلت بأسى

" بل أنت من تتهرب مني دائما ولا أعلم فيما أخطأت "

أوقف حينها السيارة أمام المنزل وفتح بابه وقال دون أن ينظر

إلي " أنا لست غاضبا منك وأنتي لم تخطئي معي "

مسحت عيناي وقلت " ولا أنا غاضبة منك

فقط وجدتك لا تريد رؤيتي فجنبتك ذلك "

نظر لي بسرعة بنظرة غريبة وكأنه صدم لكلامي

فأنزلت رأسي وقلت " آسفة لكني ظننت ذلك "

قال بصوت منخفض " لما قلتِ لجابر ذاك الكلام "

رفعت رأسي ونظرت له وقلت بهمس " هل أخبرك "

قال وهوا ينزل من السيارة " وليته لم يفعل "

بقيت أتابعه بنظري حتى دخل المنزل وترك الباب لي

مفتوحا فنزلت وأغلقت باب السيارة ودخلت وأغلقت الباب

وتوجهت لغرفة خالتي من فوري وكانت وحدها هناك وقالت

" وأخيرا تخلصتِ من هم الدراسة كيف كانت مادتك اليوم "

نظرت للأرض وقلت بحزن " جيدة وأجبت كل شيء "

قالت " مآبك بنيتي لما هذا الحزن إذا "

قلت مغادرة " لا شيء مهم خالتي "

ثم صعدت لغرفتي استحممت وبكيت كثيرا تحت المياه

كعادتي حين يجتاحني البكاء الشديد ثم نزلت وتوجهت

للمطبخ وأعددت الغداء ثم صعدت لغرفة نزار وطرقت

الباب فقال " لا أريد أن آكل سوف أنام "

نظرت للأرض بحزن من كلماته الجافة فيبدوا غاضبا

مني , قلت بهدوء " إن كان بسببي أكلت في غرفتي "

لم يجب فقلت " نزار "

قال ببرود " قلت لا أريد "

تركته ونزلت أمسك دموعي من أن تنزل وسحبت

الطاولة لغرفة خالتي وجلبت الطعام فقالت

" أين نزار ألن يتناول الغداء معنا "

جلست وقلت " قال يريد أن ينام "

تنهدت وقالت " يبدوا اليوم مستاء منذ الصباح فحين

أخذني للمستشفى كان يتأفف طوال الوقت وتشاجر

مع أحد الأطباء ولأول مرة يفعلها منذ مرضت "

اكتفيت بالنظر لها في صمت ولم أعرف ما أقول , لما

يغضبه ذلك كل هذا الحد وكل ما فعلته أني سألت جابر إن

كان سيخرجني من هنا إن طلبت منه , حسنا وما المشكلة

أليس هوا كان يريد تزويجي فأنا من يفترض بها أن تتضايق

لو ابتعدت عنه , أنا حقا تعبت من وجوده وعدم وجوده

وفكرت أنه بخروجي من هنا قد أرتاح وأنساه كما قال

قالت عندما طال صمتي " هل تحدثتما عن شيء "

نظرت للطاولة تحتي وقلت " لا أفهمه يا خالتي يغضب

مني من أمور يفترض بي أنا من تغضبها تلك الأشياء

ويتجنبني ويتهرب مني وأنا لم أفعل شيئا وحين صرت

أهرب من رؤيته قال أنني تغيرت ناحيته , أنا حقا

حائرة في أمره وتعبت "

ثم أنزلت رأسي أكثر وقلت بدمعة سقطت مني " حتى

الغداء لا يريده لأنه غاضب واستيائه منذ الصباح بسببي

وأنا لم أفعل شيء يستدعي كل ذلك "

تنهدت وقالت " امسحي دموعك وأخبريني ما حدث "

مسحت دموعي وقلت ونظري للأسفل " منذ مدة اتصلت

بجابر وسألته إن أردت الخروج من هنا هل سيخرجني

وأين سيأخذني فقال سيفعل بالتأكيد ولو أخذني لقصر عائلته

ومنذ ذاك الوقت لم أستطع اتخاذ قرار بذلك , أنا اعتدت

عليك خالتي ولا أتخيل يومي من دونك "

سكتّتُ قليلا ثم تابعت " ولا حتى نزار رغم أني أتهرب من

رؤيته والتحدث معه ومجروحة منه لكني لم أستطع وفكرت

في ذلك جديا عدة مرات لأني تعبت من قلبي وأتعبني "

ثم قلت بعبرة " متعِب هذا الشعور خالتي أكاد أموت منه "

قالت بهدوء " تعالي صغيرتي واجلسي بجانبي "

توجهت نحوها وجلست واتكأت على كتفها كما أحب دائما

وقلت " اليوم يبدوا علم من جابر عن ذلك لأنه سألني عنه "

مسحت على شعري وقالت " مغفل يا سما وأنا

أيضا اليوم فقط اكتشفت ذلك "

مسحت دموعي وقلت " ما الذي اكتشفته "

تنهدت وقالت " وهل تريدين فعلا تركنا يا سما "

قلت بحزن " لا أريد لكني فكرت أن ذلك قد يريحني ولو قليلا "

قالت بهدوء " يعز عليا فراقك يا سما وكم أحبك قلبي ولو

كان لدي ابن غير هذا الأحمق لزوجتك به لتبقي دائما

بقربي لكن ابتعادك قد يريحك فعلا فستتوقفين عن رؤيته

على الأقل رغم أن ذلك سيكون قاسيا جدا في البداية لكنك

ستعتادين فافعليها متى ما اقتنعتِ بها لأنه يستحقها

وليتحمل النتائج "

ابتعدت عنها وقلت " أي نتائج سيتحملها !! "

قالت مبتسمة " من قدمه في النار ويقول آه يا وجعي

ليس كمن قدمه فيها ويكتم حتى صرخته "

بقيت أنظر لها باستغراب وعدم فهم فمسحت على غرتي

وقالت بابتسامة حنونة " افعلي ما ترينه صوابا يا سما كي لا

تلومي أحدا فيما بعد فأفضل ما يفعله الإنسان أن يقرر وحده وينفذ "

نظرت للأسفل وقلت " لهذا لم تنهيني يوما عن أي شي "

قالت " نعم لم أنهاك إلا عن الخطأ أما الصواب تركت لك

حرية الاختيار فيه فالإنسان بطبعه لوام فحالما يقع في مطب

يبحث عمن يرميه عليه ليقول له كل هذا بسببك أنت , وتلك

طبيعة كل البشر لأن لوم النفس قاسي جدا فسيبحث

لا شعوريا عن غيره "

لذت بالصمت أنظر للأرض بشرود فقالت

" وهل ستأخذين برأيه إن رفض ذلك "

هززت رأسي وقلت " لا أعلم , نزار ساعدني كثيرا

وفضله عليا لن أنساه ما حييت ولولاه بعد الله لكنت حتى

الآن في قبو منزلنا ولا أريد أن أغضبه وأريد فعلا أن

يرتاح من مسئوليتي وأن أرتاح أنا من مشاعري "

ثم وقفت وجمعت الأطباق وحملتها في صمت وهي لم

تضف شيئا آخر , رتبت المطبخ وتركت له غدائه على

الطاولة وصعدت لغرفتي ونمت بعد جهد كبير ولم أستيقظ

إلا وقت العصر , صليت ونزلت للمطبخ لأعد شيئا نأكله

مع الشاي بما أن امتحاناتي انتهت وأخيرا , بدأت بإعداد كعك

مربى ووضعته في الفرن ثم ذهبت لغرفة خالتي ووقفت عند

الباب وقلت " أعددت كعكا لشاينا اليوم "

قالت مبتسمة " جميل فأنا اشتقت لكعكاتك اللذيذة "

انفتح حينها باب المنزل ودخل نزار يتحدث مع أحدهم

ويضحكان والصوت كان لفتاة وما أن ظهرا لي حتى

اكتشفت أنها دعاء التي ماتت ابتسامتها منذ رأتني وقالت

بدون نفس " مرحبا سما كيف حالك "

حولت نظري لنزار ولم أبعده عنه أبدا وهوا بقي ينظر لي

بصمت حتى غادرت من أمامهم للمطبخ دون أن أجيب عليها

وجلست عند الفرن أنتظر الكعكة لتنضج وأشعر أنني أشتعل

كالنيران التي تحتها , هذا ما حكت عنه خالتي وأسمته بالغيرة

يا إلهي ما أفظعه من شعور أشعر بأنني سأتمزق , تحول الأمر

بسرعة لبكاء في صمت وبدأت بمسح دموعي بمنشفة المطبخ

في يدي ثم شهقت بقوة وقلت بأسى " لم توفه حقه يا خالتي

هذا الشعور لم تصفيه بدقة "

تحرك حينها شيء ما خلفي في المطبخ فوقفت من فوري

واستدرت للخلف فكان نزار واقفا يضع يده على كرسي الطاولة

وينظر لي فوليته ظهري من فوري ومسحت بقايا دموعي

فقال " جابر أخبرني أن ذهابك لقصر عائلته فيه خطر

عليك أيضا لأنك ستصبحين محل شبهة هناك "

قلت ببحة " إنسا الأمر لم أعد أريده "

سكت لوقت ثم قال " وكيف تقررين شيئا وتتراجعين عنه

هل أتاك كلامي الآن عن تقلب المزاج في هذا السن "

ضغطت قبضتي على المنشفة بقوة وقلت بضيق

" يكفي يا نزار حلفتك بالله لا تتكلم عن هذا ... مراهقة

وطائشة ومشاعري تتغير وقراراتي غبية وأغيرها في

لحظة فهمت هذا فتوقف عن قوله لي "

تنهد وقال " جابر تكلم معي بحدة ظنا منه أني أعاملك

بسوء لذلك أردتِ الخروج من منزلي , ليكن بعلمك يا

سما لو تريدين ذلك فلن أمنعك ولن أسألك حتى عن السبب "

قلت بحزن " ولما غضبت إذا "

سكت ولم يتحدث فالتفت له وقلت وعيناي في عينيه

" أنا لا أنسى ما فعلته من أجلي يا نزار وما حييت

ولا أستطيع قول سبب ما قلته لجابر "

أبعد نظره عني وقال بهدوء " أفهمك يا سما ليس المهم

أن يبوح الإنسان ويبرر المهم أن لا تكون طريقته

جارحة , لو فقط طلبتها مني أنا وليس منه "

قلت بهمس ورأسي للأسفل " أنا آسفة "

قال مباشرة " لا بأس ولننسى الأمر "

وخرج وتركني وكأنه هرب مني , دائما هكذا يترك

الأمر معلق ويختمه بكلمة ( لننسى الأمر ) جلست على

الكرسي أتنهد بأسى , ما بك يا سما في لحظة جعلك تغيرين

قرارك وتعتذرين منه أيضا , أصبح يحسسني أني بالفعل

لا أعرف كيف أفكر وأقرر وأن صغر سني السبب

فتحت على الكعكة فوجدتها كادت تحترق فأخرجتها بسرعة

وتركتها تبرد ولتغادر تلك الدعاء أولا فلن أعطيها منها

خرجت بعدها من المطبخ وتوجهت جهة السلالم فسمعت

خالتي تناديني فعدت جهة غرفتها رغم أني كنت أنوي

الصعود حتى تغادر تلك , كان نزار أيضا ما يزال هناك

وكنت أنظر لخالتي حين قالت " تعالي أجلسي معنا "

لا أعلم لما طلبت هذا رغم أنها تعلم أني لا أريد البقاء

ودعاء موجودة ولم تطلبها مني سابقا , ولأني لن أرفض

لها طلبا ما حييت دخلت وجلست بجوارها على السرير

وقالت خالتي " قولي ما لديك يا دعاء "

نظرت لخالتي بحيرة ثم لها فقالت " قريب لي يبحث عن

عروس صغيرة في السن وربة منزل جيدة وأنتي أول

من خطر في بالي , هوا رجل رائع بكل المقاييس وسيسافر

للخارج بعد الزواج , أخبرت نزار وخالتي وطلبا أن

آخذ رأيك أنتي بما أن الأمر يخصك "

نظرت لنزار مباشرة فكان ينظر للأرض فعدت

بنظري لها وقلت " ولما لم يتزوج بشقيقتك "

نظرت لي نظرة غريبة ثم ابتسمت وقالت

" شقيقتي لا تعرف حتى كيف تطبخ بيضة "

قلت " وأنا طائشة ومراهقة ولا يمكن الاعتماد

علي فتزوجيه أنتي وسافري معه "

وقفت وقالت بضيق " جئت قصدي خيرا لما

تهينينني هكذا يا سما "

وقفت وقلت مغادرة " أنا قررت أني لن أتزوج ما

حييت فابحثي عن غيري "

ثم خرجت من الغرفة وصعدت لغرفتي وأغلقت الباب

خلفي بالمفتاح وجلست خلفه أبكي بمرارة





*

*





صعدت سما من فورها راكضة وعادت دعاء للجلوس

ويبدوا أن مسرحيتها لم تنتهي بعد ، ما قصدها بما فعلته

وتعمدت أن لا تخبرني حتى أصبحتُ هنا عند والدتي وكأنها

تحاصر الجميع وقالت لسما أنها تحدثت معي في الأمر وهذا

لم يحدث ، لا أنكر أن شعورا انتابني أوقظ مخاوفي أن توافق

فقط لتخرج من هنا أو لتهرب من واقع أني لا أحبها , حتى أني

تهربت من زيارة حسام لنا وتحججت ليؤجلها مخافة أن يتحدث

في موضوع زواج سما مجددا وتوافق هي بسبب جرحها مني

من الطبيعي أن تفكر كما فكرت وقت تحدثت مع جابر ولا

أعلم لما كانت ردة فعلي بهذا الشكل حين علمت ففقدت

السيطرة على أعصابي ومن الجيد أني لم أرها في وقتها لأنها

كانت في المدرسة لكنت أفرغت غضبي ذاك فيها ، تهربها

مني الأيام الماضية جعلني أشعر بفظاعة شعورها حين كنت

أفعلها أنا سابقا وازداد الأمر سوءا بمكالمة جابر لي صباحا

أخرجني من أفكاري صوت دعاء قائلة " لا أعلم لما وحدي

تقلل أدبها معي رغم أني لم أرد إلا خيرا "

قالت أمي " أنتي أردت جوابها ومنها هي وها قد سمعته "

وقفت مجددا وقالت " لا أعلم لما تغيرتِ معي كثيرا

يا خالة وحتى نزار كذلك "

قالت أمي " لم يتغير أحد معك يا دعاء فقط

أنتي بتي تتحسسين كثيرا "

قلت حينها " لما قلتِ لسما أنك أخبرتني بالأمر

وأني قلت خذي رأيها وذلك لم يحدث "

التفتت لي وقالت " لكني تحدثت أمامك وأنت لم

تعترض حين قلت لوالدتك نسألها بنفسها "

قلت " وإن يكن فأنا غير راض عن كل ما حدثت

أمامي ولو سألتني قبلها ما تركتك تكلمتِ أمام والدتي "

خرجت حينها دعاء دون أن تضيف شيئا وقالت والدتي

" ولما لم تقل رأيك هذا منذ البداية أم أنك بت تعشق

رؤية سما تتعذب بسببك يا نزار "

قلت بضيق " أمي توقفي عن لومي ليتك تشعرين

بي كما تشعرين بها "

قالت ببرد " هي لا أراها تجرحك وأنت تقتنص الفرص

لتبكيها ولا أعلم ما غرضك من هذا "

هممت بالخروج كي لا أخطأ في حقها فأوقفني صوتها

قائلة " أنا من سيقنعها بالزواج وستوافق "

نظرت لها بصدمة فقالت " مابك وكأن قلبك توقف

هل قلت شيئا خاطئا "

قلت " لن تتزوج من أحد هذا الموضوع أغلقته من جديد "

قالت بحدة " ما هذا يا نزار هل ستتحكم في

الفتاة , راقب تصرفاتك جيدا "

لوحت بيدي وقلت " قلت لن تتزوج وحين تعود لأهل

والدها يفعلون ما يريدون أما عندي فلا "

قالت بسخرية " وما به تغير كلامك , من هذا الذي

كان سيزوجها بمن تريد هي "

قلت ببرود " كان ولم يعد هناك منه شيء "

هزت رأسها بيأس فقلت " أعلم ما لديك ولن أفعله "

قالت بضيق " وأنا لن أقوله , منذ ولدتك وأنت منحوس

فلن يفارقك النحس يا ابن المنحوسة "

ضحكت رغما عني فقالت " أضحك نعم اضحك "

قلت مبتسما " أمي لا أعلم كيف أحببتها كل هذا القدر

أي سحر هذا الذي رمته عليك "

قالت بسخرية " أنكر أنها تأسر القلوب يا ابن أمك "

قلت بابتسامة جانبية " ليس لدي جواب "

قالت بلامبالاة " أعرفه من دون أن تقوله "

قلت " أمي لما لا تتحدثي بصراحة "

قالت ببرود " لما لا تقول أنت ما لديك وترتاح "

قلت ببرود أكبر " قلت لن أتزوجها , ضعيها بجانبي

وانظري لنا , لا أعلم أي عين هذه التي ترينا بها "

قالت بضيق " فقئ الله عينك , و لما لا تراك هي كما تراها

أنت , أما أنا أراكما ككفي يداي على بعضهما يا أعمى يا أعور

أخرج من هنا هيا , لا أريد أن تتزوجها ولا تتزوج غيرها

أحرقت لي دمي أحرق الله عدوك "

اقتربت منها وقبلت رأسها وقلت " حسنا فقط لا

تغضبي لا ينقصك تعب فوق تعبك "

ثم غادرت من عندها ومن المنزل برمته فيبدوا أني بت

مصدر إزعاج لكل من فيه وأولهم نفسي التي لا مهرب

لي منها وخرجت معي , ذهبت لصديق لي وانتقلنا لمنزل

آخر وقضيت الليل معهما نتسامر ولم أرجع للمنزل إلا

منتصف الليل , دخلت وتوجهت لغرفة والدتي فكانت

مستيقظة تمسك مسبحتها وتتمتم بالتسبيح فقلت

" مساء الخير "

نظرت للأسفل وقالت ببرود " عشائك في المطبخ

أخبرتها انك لن تأكله لكنها تركته لك "

قلت مبتسما " أمي لما الغضب مني الآن "

تأففت وقالت " لست غاضبة "

توجهت نحوها وجلست بجوارها وأمسكت يدها وقبلتها

وقلت " أمي أعلم أن الفتاة تعجبك وتريديها لي لأنها

الأنسب مهما بحثت بين النساء لكنك لا ترضي لي

بالمهانة أيضا أعرفك جيدا "

لم تجب فقلت " أمي بالله عليك تضعي نفسك في مكاني "

قالت بهدوء " لا أريد أن تَضِيع منك يا نزار أنا أكبر منك

وأعرِف النساء كما أعرفك أنت ابن بطني "

قبلت يدها مجددا وقلت " وأنا أخبرتك أنه ما أن

يكون الوقت مناسبا سأتزوجها "

قالت وعيناها لازالت على مسبحتها " وهل أخبرتها "

تنهدت وقلت " لا فعليها هي أن تقرر ذلك فيما بعد "

اكتفت بالصمت ولم تعلق فأمسكت رأسها وقبلته وقلت بهدوء

" أقسم يا أمي لو كانت أكبر ومن طبقتي لتزوجتها ولو من أجلك "

هزت رأسها وقالت " تكبر فهمناها ولكن أن تصبح ثريا كيف تكون "

قلت بهدوء " رازق العباد لم يمت بعد وأنا لم أقل أني أريد أن

أكون ثريا , على الأقل أستطيع الوقوف مرفوع الرأس أمام أهلها

ولو بثمن مهرها وجهازها ومنزلا يكون لي وليس لها أو لهم "

اكتفت بالصمت فقلت " يبدوا لم تقتنعي ولن تقتنعي "

قالت باختصار " لا "

ثم نظرت لي وقالت " ولا تلم أحد مستقبلا غير نفسك "

وقفت وقلت " حاضر لن ألومك طبعا فهل ترضين عني

الآن فأنا لا أقوى على زعلك يا أمي "

تنهدت وقالت " شرط أن نخرج غدا بهذه المسكينة

بعدما أنهت امتحاناتها "

قلت بتذمر " أمي قد نعرضها للخطر ولن ينفعنا الندم حينها "

رفعت نظرها لي وقالت " لا تتحجج يا نزار نخرج لمكان عام

كالمرة السابقة فإن كانوا يعرفون شكلها لأخذوها من هنا

أمام عينيك وأنت تنظر "

تنهدت وقلت " حاضر سنخرج للحديقة هذا إن لم ترفض "

قالت " أطلب أنت منها ذلك ولن ترفض "

لذت بالصمت لننتهي من هذه الليلة السيئة فقالت

" وعوني وزوجته معنا أيضا "

قلت " أوامرك مولاتي "

وضعت المسبحة على الطاولة واضطجعت وقالت

" لو كنت مولاتك لما عصيت لي طلبا , هيا

أطفأ النور وتصبح على خير "

ابتسمت وتوجهت لمفتاح الإضاءة وأطفأته وتوجهت للمطبخ

فتحت أطباق العشاء وجلست آكل منه رغم أني تعشيت هناك

على الأقل لا تستيقظ صباحا وتجد طعامها في الثلاجة لم ألمسه

غسلت الأطباق وصعدت ووصلت لباب غرفتها وطرقته بهدوء

لأرى إن كانت مستيقظة ففتحت الباب لي فقلت وعيناي قد

التصقت بعينيها ترفض الابتعاد " سنخرج للحديقة العامة غدا "

أنزلت رأسها ولم تتحدث فقلت " إن كنتي لا تريدين ذلك

ألغينا الفكرة لأنها من أجلك لترتاحي بعد عناء الامتحانات "

قالت بشبه همس " وحدنا "

قلت " وعوني وصباح وأطفالهما فقط "

قالت " حسنا "

تركتها وتوجهت من فوري لغرفتي فيبدوا أني في كل مرة

أقف معها أشعر بمشاعر جديدة , هززت رأسي متأففا

وقلت بهمس " نزار توقف عن الحماقات ولا تنسى نفسك "

ثم توجهت للحمام استحممت وغيرت ثيابي وغسلت أسناني

وللسرير فورا ونمت





*

*





دخلت الغرفة على صوت رنين هاتفي فتوجهت نحوه

مستغربة ! من هذا الذي يتصل بي هذا الوقت ، نظرت

للاسم فكانت بتول فجلست على السرير وأجبت عليها

قائلة بابتسامة " أفزعتني تتصلين هذا الوقت "

قالت بضيق " ومتى أجد وقت غير هذا يكونون القردة ناموا

ووالدتي منذ انتهت امتحاناتي أمس بدأنا في حملة تنظيف

لا تنتهي ، أحسدك لأن امتحاناتك انتهت اليوم "

قلت باستياء " أما أنا فتمنيت أن انتهت منذ أيام "

قالت باستغراب " ولما !! "

قلت بهدوء " دعينا من ذلك وأخبريني ما فعلته في

امتحاناتك بما أن الهاتف كان ممنوعا عنك "

قالت بحنق " لا تذكريني بمأساتي ، ذاك الغبي معتصم لا

أعلم ما قاله له عقله يأخذ هاتفي ويحاصرني بحجة أن

أدرس , الشيء الوحيد الذي أفلح فيه أن أنقدني من الأعمال

المنزلية التي لا أرتاح منها حتى في الامتحانات "

ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " جيد أنه

لم يسجنك في غرفتك "

قالت بتذمر " يكفي سجنني في المنزل ووضع عليا

جاسوسه ليخبره إن كنت أدرس أو لا "

ضحكت ولم أعلق فقالت " ماذا حدث معك

أنتي لم تحكي لي شيئا منذ تلك المرة "

قلت بحزن " لأنه لا شي يحكى أقوله لك "

قالت بهدوء " ما بك سما هل تحدثتما "

تنهدت وقلت " لا لكني علمت أنه لا يبادلني أي مشاعر "

لاذت بالصمت ولم تعلق فقلت " يبدوا معك حق وما

كان عليا أن أحب أحدا غير الذي سأتزوجه "

ثم تابعت بأسى " لكن ذلك حدث رغما عني

كيف تحكمت به أنتي يا بتول !! "

قالت باستياء " وهل وجدت أنا من يعلمني كيف أحبه لو

أني مثلك عشت مع شخص مثل نزار لوجدت نفسي أحببته

أكثر منك لكني لم أعرف غير معتصم الذي أكرهني

في الرجال لأجده هوا زوجي"

قلت " وما ستفعلين حيال الأمر وهوا مصر عليك "

قالت " هوا تغير معي كثيرا وهداياه أجمل من أطباعه

السيئة لكني أريد أن أنهي تعليمي , على الأقل الثانوية

فلا ينقصني أطفال في حياتي لقد تعبت منهم "

قلت بحيرة " غريب أمرك بتول أراك بدأت تقتنعين به "

تنهدت وقالت " أنا لم أختر شيء في حياتي كل شيء

يفرض عليا فرضا وعليا أن أقتنع به وأنا أحاول فقط

ولو أن أقتنع بوجوده في حياتي رغم أنني أفشل دائما "

قلت " وهل أصبحت توافقين عليه "

قالت بلامبالاة " لا أهتم وحتى يحين وقتها لن يفرق عندي "

قلت بحيرة " تفكيرك غريب فلو كنتِ تحبينه

ما تمنيت غير أن تكوني معه "

قالت مباشرة " لا شيء فيه غريب وأنتي أيضا عليك

أن تعيشي حياتك كالسابق تضحكي وتسعدي وتعيشي

كل لحظة بلحظتها لتغيظيه "

قلت بتذمر " ما أغيظه هذه وهوا لا يعلم حتى أني أحبه "

قالت مباشرة " وإن يكن عليك أن لا تلفتي انتباهه

إن كان لا يعلم وتلعبي بدماغه إن كان يعلم "

قلت بخوف " لا .... ماذا ؟ يعلم مستحيل "

ضحكت وقالت " وما بك خفتي هكذا

افرضي أنه يسمعك الآن "

قلت بأمر " بتول أصمتي أو غضبت منك "

ضحكت أكثر وقالت " حسنا حسنا وداعا الآن لتنامي

بعد أن تخلصت من هم الدراسة "

قلت مبتسمة " وداعا يا بتول وشكرا لك "

أنهيت المكالمة معها ووضعت هاتفي على الطاولة ووقفت

والهواجس تذبحني وتوجهت من فوري لباب الغرفة وفتحته

فلم أجد أحدا فضحكت في نفسي على الأفكار التي غرستها

بتول في رأسي ثم أغلقته وعدت لسريري ، لا أعلم لما لا

أشعر بالسعادة والتلهف للذهاب غدا كما حدث في رحلة البحر

ليته لم يخبرني عن رغبته بتزويجي وتركني لا أعلم عن مشاعره

نحوي أفضل من حالي هذا ، غادرت السرير وتوجهت جهة الخزانة

فتحتها وجلست على الأرض وأخرجت صورة عائلتي لتنزل

دموعي ما أن وقع نظري عليهم وحضنت الصورة وأجهشت

في البكاء وكأني أفرغ طاقة الأسابيع الماضية مجتمعة ، لماذا

تركتموني ورحلتم لماذا تخليتم عني وأنا أحتاجكم لماذا ، زاد

بكائي وأنا أشعر بالكم الهائل من الفقد والوحدة والحزن لأسمع

حينها باب غرفة أغلق بقوة وتبدوا قريبة فأغلقت فمي بيدي

أمسك عبراتي من الخروج فلابد وأنه باب غرفة نزار فسمعت

بعد دقائق صوت رسالة وصلت لهاتفي فأعدت الصورة مكانها

ووقفت وأغلقت الخزانة وتوجهت للحمام غسلت وجهي بالماء

عدة مرات ونشفته ثم خرجت وتوجهت لسريري وأخذت الهاتف

وفتحت الرسالة فكانت من نزار وكان فيها ( توقفي عن البكاء يا

سما ولو من أجلي ) نزلت مني دمعة مسحتها سريعا ووضعت

الهاتف على الطاولة واضطجعت على السرير لأكتشف أني لم

أطفأ النور فتنهدت بأسى وبقيت مكاني أنظر للفراغ بشرود وحزن

ترى لما أنا فقط من يموت كل أهلها وتبقى وحيدة وأنا من يطاردها

أشخاص لأجل قتلها وأنا من تحب شخصا لا يحبها ؟؟ هل كما

قالت خالتي يفعل الله الخير فقط هل سأسعد يوما وأشعر بالاستقرار

وأجد من يعوضني عنهم ترى هل سأرتاح ؟ انقلبت على الجانب

الآخر وتنهدت واستغفرت الله كثيرا على هذه الأفكار التي لن تغير

في الواقع شيئا ثم جلست وفتحت الدرج وأخرجت الرواية التي

لم أقرأها منذ أن اقتربت امتحاناتي ، أبعدت شعري للخلف

وفتحت حيث وقفت وقرأت (( قلت بصدمة " ماذا !! "

قال بمكر " سأتزوجها يا ردين "

أشم رائحة كذب وخبث في الموضوع فأنا رأيت بعيني

كيف كلمها ببرود في السوق وكيف صدمت من خبر زوجانا

بقي ينظر لي بترقب وكأنه ينتظر ردة فعلي فقلت بسخرية " كاذب

ولن تنال مني بهذه الخطة السخيفة فمشكلتك أنك لا تجيد التمثيل "

قال بابتسامة جانبية " بل كنت أريد الزواج بها ووالدي عارض

كما مع وائل وجوري ومن دون حتى أن يعلم من تكون وكله من

أجلك سيدة الدلال لذلك وافقت لتنزاحي عن حياتنا وأتزوج بها بعدك

وأشرف ساعدنا في تلك التمثلية في السوق حين أخذك لأنه هوا أيضا

لديه واحدة يريد الزواج بها ولم يجرأ حتى على قولها لوالدي بسببك "

حاولت إخفاء صدمتي من كلامه فهل يعقل أن يكونوا لعبوا

علينا كل هذه اللعبة ونحن نظن أنفسنا أننا نلعب بهم ، قلت

ببرود " لا بأس لا يهمني وإن تزوجت بثلاثة فذاك حقك "

نظر لي نظرة ساخرة لأفهم أنه لا يصدقني فجلست على السرير

ووضعت ساق على الأخرى وقلت وأنا ألعب بخصلة من شعري

بين أصابعي " أنا أساسا مشاريعي كثيرة ولم يكن الزواج من

ضمنها لولا عمي رياض ومعزته ومكانته عندي ما تزوجت

الآن ، فأن تتزوج بها أو بغيرها سيكون القرار الأنسب لكلينا

أنت تجد زوجة تعيش معها حياة زوجية طبيعية كزوجين وتنجب

لك أبناء وتعتني بهم أما أنا سأنجز كل ما حلمت به حياتي ، انهي

دراستي وأعمل محامية وأطور من نفسي وأصل لأعلى

المراتب ويصبح اسمي على كل لسان "

وضع يده وسط جسده وقال بضيق " ما رأيك أن أقتلك الآن لتصبح

سيرتك بالفعل على كل الألسن ودون كل ذاك المشوار الطويل "

قلت ببرود " ولما انزعجت هكذا وأنت اخترتها جلسة صراحة

وأنا فعلت مثلك وقلت عن خطط المستقبل فستطلقني نهاية

الأمر وأكون لمن يقدرني "

قال بسخرية " هه سنرى يا أم لسان "

ثم غادر الغرفة فسويت جلستي وقلت بغيض " في أحلامك يا

فراس أن تتزوجها أو غيرها علي ، أقتلك قبل أن تفكر فيها

فأنا لم أضحي براحة بالي وتزوجتك لتشاركني غيري فيك فمهما

كنت لا تعنيني أنت زوجي لي وحدي وتطلقني قبل أن تعقد عليها "

أمسكت هاتفي واتصلت بها فلم تجب تلك الخسيسة ، عاودت

الاتصال مرارا وتكرارا ولم تجب فأرسلت لها ( أجيبي يا جبانة )

أرسلت بعد قليل ( لا علاقة لي بكم أشرف من طلب

مني أن أقول لك ذلك )

أرسلت لها ( وفراس )

أرسلت ( لا علاقة له بالأمر )

رميت الهاتف وغادرت غرفتي فلا ثقة في هذه الكاذبة

وسأعلم بمعرفتي ، نزلت للأسفل وبحثت عن فراس حتى

وجدته في مجلسهم العائلي يشاهد التلفاز وأشرف معه فوقفت

عند الباب ووضعت يدي وسط جسدي وقلت

" اتصلت بها وعلمت منها يا مخترع الأكاذيب "

نظر للتلفاز وقال ببرود " وأنا اتصلت بها قبلك "

ثم نظر ناحيتي وقال بسخرية " ضننت أن أمري لا يعنيك "

قلت بجمود " كاذب وشريكتك اعترفت بكل شيء

لأنها مثلك لا تجيد التمثيل "

قال ببرود وقد عاد بنظره للتلفاز " أعلم بكل ما

قالته لك وبالحرف "

غبي يقول هذا لأفهم أن ما قالته لي باتفاق بينهما وما لا يعلمه

هذا الكاذب أنها لم تجب علي ، نظرت جهة أشرف وقلت

" وأنت يا مغفل هل تعلم أن جوجو وهذا متفقان على

الزواج وهي تستغلك وتأكل أموالك "

نظر له بصدمة وقال " ظننت أمرها لا يعنيك يا كاذب "

ضحكت حينها وقلت ونظري على فراس

" ظننته متفق معكما يا ممثل "

وقف حينها وتوجه ناحيتي ووقف أمامي وأمسك وجهي

وقال بخبث " لدي خبر سيسعدك يا أفعتي "

نظرت له باستغراب فقال بهمس " زواجنا عاد

لموعده السابق يا زوجة الممثل "

ثم قبل خدي بقوة وغادر قليل الحياء ذاك ومسحت أنا خدي بغل

وقال أشرف ضاحكا " أقسم أنكما أنذر زوجين في التاريخ "

أخرجت له لساني وقلت " أحمق يا قيس الـ... "

ولم أكمل جملتي لأنه وقف ليمسكني فصرخت وركضت

أمامه وهوا يتوعدني بالويلات إن أدركني وأنا أركض دون

هدف أو تركيز وتوجهت جهة باب المنزل لأخرج منه واستطيع

الركض أكثر والاختباء وما أن خرجت حتى اصطدمت بشيء

بقوة لأكتشف أنني في حضن فراس الذي قال

" هيه أين تضن نفسك ما بك مع زوجتي "

حاولت الابتعاد عنه ولم أستطع لأن ذراعاه تحاصرانني بقوة

وقال أشرف بغل " أتركني أقطع لها لسانها وأريح البشرية منه "

تمسكت بقميصه بقوة أدفن وجهي فيه وقلت " أنت من بدأ أولا "

أبعدني فراس حينها عن حضنه وأحاط كتفاي بذراعه وسار

بي جهة الباب وأبعد أشرف بيده الأخرى واجتزناه وقال

" إن قربت يدك منها قطعتها لك تفهم "

ثم دخل بي حتى ابتعدنا وأبعد ذراعه عني وقال بضيق

" كم مرة أقول لك لا كلام بينك وبينه "

قلت بضيق أكبر " أنا لم أكلمه هوا سخر منا بعد

خروجك هل أسكت له "

قال بحدة " ومن السبب غيرك جعلتنا سخرية للجميع "

خبأت عيناي بذراعي وقلت ببكاء مصطنع " لما جميعكم

ضدي كله لأني يتيمة لا أحد لها غيركم "

أمسك يدي وقال " اصمتي يا مغفلة كيف تقولين هذا ووالدي

مستعد لأن يطردنا حتى من العائلة لأجلك "

استمررت في تمثلية البكاء فسحب ذراعي عن عيناي ثم نظر

لي بضيق فضحكت ضحكة صفراء فشد على يدي بقوة وقال

" ظننت أنني أنا الممثل "

ابتسمت وقبلت خده بسرعة وهربت جهة السلالم قائلة

" شكرا على إنقاذي من قيس النساء "

وصعدت بسرعة على صوته المرتفع قائلا " تعالي يا مشاغبة "

لكني تابعت طريقي حتى وصلت لغرفة عمي رياض وطرقت

الباب لتخرج لي عمتي سعاد ففتحت الباب وقالت مبتسمة

" هذه أنتي أدخلي "

دخلت خلفها وأغلقت الباب وقلت " هل صحيح ما

قاله فراس أن موعد الزفاف عاد كما كان "

جلست على الكرسي وقالت " نعم ففراس حصل

على حجز في صالة أفراح بعد يومين "

شهقت وقلت " ماذا يومين !! "

قالت " نعم ولما لا فكل شيء جاهز وحتى فستانك

محجوز ومنزلكما جاهز "

جلست على السرير وقلت باستياء " ما به حظي هكذا "

قالت " ردين لما تجبرين نفسك إن لم تكوني مقتنعة

فعمك رياض إن سمع بهذا سنكون في مشكلة "

تنهدت وقلت " لا عمتي لم أقصد أنا فقط تفاجئت بذلك وأي

فتاة لا تحب الاستعجال في أمر الزواج وتتوتر كثيرا قبله "

وقفت وقالت مبتسمة " إن كان كذلك فهوا أمر لا داعي له بنيتي

وخير البر عاجله ففراس يبدوا أنه لم يهنأ له بال حتى وجد حجزا "

أنزلت رأسي ليس خجلا من كلامها بل استسلام للأمر الواقع

آه لو تعلمي أنه مستعجل فقط لكي يطبق انتقامه مني لكنه لم

يعرف بعد من تكون ردين ، قالت وهي تتوجه جهة الخزانة

" لا تقلقي يا ردين فأنا رفعت عنك هم كل شي فحتى من

سيقومون بتجهيزك حجزت معهم موعدا وكل

ترتيبات الحفل والمدعوين "

وتابعت وهي تبحث في الخزانة " حتى الثياب التي حجزتها

بالانترنت أخذها فراس لمنزلك , أي لا ترفعي هم شيء

أبدا غير أن ترتاحي وتنامي جيدا "

ثم أخرجت ما تبحث عنه وأخيرا حتى كاد يقتلني الفضول

واقتربت مني ونزعت لي حجابي وألبستني عقدا في عنقي

وقالت " هذا كان لوالدتي لبسته ليلة زواجها وألبسته لي حين

تزوجت عمك رياض ولأنه لم يرزقني الله ببنات قررت أن

ألبسه زوجة ابني الأكبر لتحفظه بعدي وتحافظ عليه متمنية

من الله أن تلبسيه ابنتك في عرسها "

وقفت وحضنتها وقلت بحنان " أطال الله في

عمرك لتلبسيه أنتي لها "

ابتعدت عني وقالت مبتسمة " عجلا بالحفيدة إذا "

ضحكت وقلت " على هذا الحال لا أضن "

مسحت على شعري وقالت " ردين الزواج مسؤولية كبيرة

وليس كما نعتقد نحن النساء وعلى المرأة أن تتحلى بالحكمة

والصبر لينجح الأمر فهي المضحية دائما "

لويت شفتاي بعدم اقتناع فقالت ضاحكة " أعانكما الله على

بعضكما وعمك رياض أقسم أمامي إن فكر فراس في

تطليقك يوما لا هوا ابنه ولا يعرفه "

قلت بصدمة " ولما !! "

رفعت كتفيها وقالت " قد تعرفين يوما لما

ولكن ليس مني الآن "

هززت رأسي وقلت " حسنا كما تريدين "

فابتسمت وأمسكت يدي وسحبتني منها قائلة

" تعالي عليك أن لا تخرجي من غرفتك هاذين

اليومين ولا يراك زوجك حتى وقت الحفل "

تنهدت وتبعتها بقلة حيلة ، وبالفعل صرت سجينة غرفتي

يومين وفراس على حد قولها هددته من دخول غرفتي ولا

تعلم أنه لا يدخلها إلا ليصرخ بي أو يعكر مزاجي

اليوم استيقظت الفجر كعادتي لكن ليس على صوت الأذان

بل على صوت عمتي التي لم تسكت حتى فتحت عيناي

وتوجهت هي للنافذة وفتحتها فجلست وقلت بتذمر

" عمتي ألا ترين أنه ظلام ما الداعي لفتح النافذة الآن "

عادت نحوي وسحبتني من يدي قائلة " بسرعة

لا عروس تنام لوقت متأخر في مثل هذا اليوم "

غادرت السرير قائلة " من يسمعك يضن أني أنام حتى الظهر "

ثم توجهت للحمام ليبدأ يومي الشاق ، استحممت وخرجت

ووجدتها تعدل الفستان المعلق هنا عندي من يوم أمس ونائم

معي كالشبح ، لا أعلم لما تفرح الأمهات هكذا بزواج أبنائهم

وكأنه زواجها هي رغم أنها لن تكسب منه شيئا ، أخرجني من

أفكاري صوت رسالة وصلت هاتفي فتوجهت نحوه وحملته

وفتحتها فكانت من فراس وفيها ( موعدنا الليلة يا أم لسان )

فرميت الهاتف على السرير بغيض ))

أغلقت الرواية لأن الصفحة انتهت ولأن النوم بدأ يغزوا

عيناي فتغطيت باللحاف ونمت سريعا قبل أن تسلبه مني الأفكار





*

*





عند الصباح خرجت من غرفتي نظرت جهة باب غرفة

سما ثم تابعت سيري ونزلت للأسفل وكنت أسمع صوتها في

المطبخ فدخلت غرفة والدتي وقلت " صباح الخير "

قالت مبتسمة " صباح النور ما كل هذا النوم هل كله

هروب من النزهة "

ابتسمت لها بحب فما أنقى قلب الأم لا شيء يضاهيه سوا قلوب

الأطفال النظيفة ، ثم نظرت للأسفل بابتسامة حزينة حين تابع

قلبي تصنيفه وقال وقلب سما التي كلما أخطأت في حقها تعتذر

هي مني وإن غضبَت ترضى بعد لحظات ، لولا حظي التعيس

ما كنت سأحتاج من الحياة غيرهما ، أخرجني من كل ذلك صوت

سما وهي تقول في الخارج " خالتي هل نأخذ شيء آخر، نزار لا

يريد أن ينزل ليساعدني ابنك هذا غضبه مني لا ينتهي أبدا "

نظرت لي بابتسامة ماكرة وقالت بصوت مرتفع

" أنتي من أفرطت في تدليله كلما أخطأ هوا تعتذرين

أنتي منه حتى أفسدت طباعه "

وضعت يداي وسط جسدي أنظر لها بضيق فضحكت

بصمت وقالت سما مبتعدة جهة المطبخ " وما عساي

أفعل سأقتل قلبي وأرتاح "

أخذت حينها أمي أحد وسائدها ورمتها علي فأمسكتها

وأعدتها خلف ظهرها وقبلت رأسها وخرجت وعدت للأعلى

وراقبتها حتى خرجت متوجهة جهة غرفة والدتي ونزلت كي

تضن أني نزلت الآن ثم توجهت من فوري لجهة الأغراض

وهي ما أن انتبهت لنزولي حتى أسرعت لتدخل غرفة والدتي

وكأنها تهرب مني ، أخرجت الأشياء التي جهزتها للسيارة ثم

عدت لغرفة والدتي فكانت جالسة على الكرسي المتحرك

ووحدها هناك فأمسكت يدا الكرسي وقلت " وأين سما "

قالت وهي تعدل غطاء ساقيها " صعدت لتغير ملابسها "

خرجت بها على نزول سما من الأعلى ترتدي بنطلونا من

الجينز وبلوزة للفخذ وجاكتة قصيرة جدا من الجينز أيضا

ترفع شعرها كذيل حصان ولأول مرة وغرتها تتحرك مع

خطواتها على السلالم كالريش وعيناي سافرت هناك واقفا

مكاني وهي كانت منشغلة بحقيبة يدها حتى اقتربت منا ، منذ

عاشت سما معنا لم أتدخل بثيابها ولا حجابها ولا مظهرها

كنت أراه شيء يخصها لا يحق لي التدخل فيه ولم أكن أعره

أي اهتمام ، الآن لا أعلم لما لا أريدها أن تخرج دون

حجاب ولا ملابس تبرز جسدها الغض الصغير ، أبعدت

نظري عنها ما أن وصلت وخرجت بوالدتي وهي تتبعنا

ساعدت والدتي على ركوب السيارة وصعدت هي في الخلف

ثم توجهت لبابي وأشرت بيدي لعوني في سيارته الواقفة

في الخلف عند منزلهم وهم جميعهم فيها ثم ركبت السيارة

وانطلقنا في صمت من الجميع فكل واحد من ثلاثتنا أصبح

هناك ما يخرسه طوال الوقت والمحور الأساسي واحد وما

لم أكن أستطيع التحكم به هما عيناي التي كانت تسرق النظر

لها وشعرها يتناثر مع الهواء القوي الذي يدخل من نافذتها

وعيناها مسافرتان للخارج بشرود ، لم أنسى لحظة ذاك البكاء

الموجع الذي سمعته البارحة حين نزلت لأغير قارورة الماء

ولم أنم بعدها ولم يغمض لي جفن رغم كل محاولاتي ، ترى

هل أنا السبب أم شيء آخر فملايين الأشياء لدى سما تستدعي

البكاء فكل ما مرت به لا يمكن لأحد أن يحتمله , لكنها لم تبكي

هكذا سابقا وبهذا الوجع والحرقة ، لماذا يا سما لما جعلتني

أحد أوجاعك الكثيرة والكبيرة لما صنعت مني جلادا يضربك

بلا رحمة طوال الوقت ، جمدت عيناي عليها وسهما اخترق

قلبي حين رأيت يدها امتدت للقلادة في عنقها التي أهديتها

لها سابقا وقبضت يدها على الزهرة فيها وهي لازالت تنظر

للخارج وبيدها الأخرى مسحت دمعة على أعتاب جفنها لم

تسمح لها بالنزول ونسيت نفسي في هذا المنظر حتى أمسكت

السيارة بسرعة من الاصطدام بمن أمامنا وبحركة سريعة

حتى تقدمنا جميعنا للأمام وقالت والدتي " نزار ما بك أين

عقلك كدت تصدمنا بالسيارة "

أدرت المقود وسلكنا الشارع الآخر وأنا في صمت لم أعلق

على الأمر فلم أخرج بعد من بعثرة تلك المشاعر ولم تمسح

عيناي ذاك المشهد بعد ، وصلنا حينها وأوقفت السيارة على

وصول سيارة عوني ونزل على لحظة نزولي واقترب مني وقال

" ما بك لقد أفزعتنا عليكم كيف لم ترى السيارة أمامك "

قلت متوجها جهة حقيبة السيارة " جاءت سليمة "

أنزلت كرسي والدتي وساعدتها للنزول والجلوس عليه ونزلت

عائلة عوني وسما التي توجهت نحو والدتي وصباح وابنيها وأنا

أنزلت الطعام وفراش الرحلات ودخلنا الحديقة واخترت مكانا

مناسبا وأجلست والدتي وجلسنا وأخذت سما ابنة عوني دون أن

تجلس وتوجهت بها جهة المراجيح والألعاب وتبعهما أحمد من

فوره راكضا ينادي " شما شما "

وبقينا نحن وكانت والدتي وصباح تتحدثان معا وعوني يحكي

لي عن الحادث الذي شهده بالأمس وبعد وقت قال عوني وهوا ينظر

جهة حافظات الطعام " لما لا ترونا ما أعدت سما من وجبات "

ضحكت والدتي وقالت " كل واحد يأكل من طعامه "

كان سيقول شيئا لكنه سكت حين نظر لزوجته تنظر له

بضيق فضحك وقال " أنتم الخاسرون "

ثم وقف وقال " صباح ما رأيك في نزهة مادمنا

وجدنا مربية لأبنائنا "

وقفت وقالت ضاحكة " فعل خيرا نزار حين لم يزوجها

بشقيقك لأنك لن ترحمها حينها "

سحبها من يدها قائلا " أصمتي قبل أن أتزوجها أنا "

قالت ضاحكة وهما يبتعدان " لن تقبل بك طبعا يا عجوز "

ابتسمت على جملتها فعوني يكبرني بعام واحد وقالت عنه

عجوز أمام سما فيبدوا أني لست وحدي أرى ذلك ، سافرت

بنظري حيث سما جالسة على طرف النافورة وطفلة عوني

في حجرها تلعبان بأيديهم في الماء وكأنها تتعمد الهروب من

الجلوس معي حتى أنها لم تنظر ناحيتنا منذ ذهبت لأني كنت

أراقبها كل حين والآخر عند الألعاب

" لما لا تذهب وتجلس بجوارها وتريح عيناك "

كان هذا صوت والدتي الذي أعاد نظري من هناك

ونظرت لها دون كلام فنظرت حيث سما وقالت

" لم أعلم قبلا أنك جبان أمام نفسك يا نزار "

قلت ببرود " أمي توقفي عن هذا "

تنهدت وقالت " ليثني أقدر على التوقف رغم أني البارحة

عاهدت نفسي أن لا أفتح معك موضوعها مجددا

لكني أحار في حالك بني "

نظرت للأسفل وقلت بهدوء " تتعمد تجنبي يا أمي وكل

خطئي أني أبصرتها للواقع كي لا تصدم بي فيما بعد "

قالت بجدية " جرحتها يا نزار وكسرت قلبها وما تراه منها ليس

هروبا بل خذلان وحزن تريد أن تعيشه وحدها وبعيدا عنك "

قلت ورأسي لازال للأسفل " تحدثي معها يا أمي عما أخبرتك "

قالت بحزم " لا "

نظرت لها فقالت بضيق " لن أعدها أنا وتخلف أنت فيما بعد

ولن أعلقها بأمل كاذب أرفع أنا أثمه فهي عندي باتت بمعزتك

ولا أريد أن تكرهني يوما أو حتى تحمل في قلبها علي مستقبلا "

قلت بتذمر " والحل يا أمي لما ترفضين مساعدتي "

أبعدت نظرها عني وقالت ببرود " أخبرها بنفسك وعِدها

وأخلف وتحمل ذنبك وحدك فلك لسان طوله شبرين "

تنهدت بضيق وقلت " أريدك أن تشرحي لها ذلك دون أن

تعلم أني أعلم بمشاعرها نحوي , أريدها أن تنتظرني باختيارها

هي أو تختار غيري مستقبلا دون أن تكون مربوطة بعهدها

لي لأني أعرفها لا تخلف العهد فقد تميل نفسها لغيري فيما بعد "

تجاهلتني ولم تتكلم فقلت " أمي "

قالت ببرود " ما لدي قلته وإن أطاعك قلبك فاتركها

لغيرك يا ابن أم نزار "

وصول حينها عوني وزوجته ومعهما أحمد وجلبت صباح

الطعام وقالت " اذهب ونادي سما لنأكل "

انطلق مسرعا ثم عاد وقال " شما لا تريد "

أكل البقية عداي أنا ووالدتي التي لم تأكل الكثير وقفز بعدها

أحمد يريد المثلجات ورفضا والديه الذهاب معه رغم بكائه

فقال كلاما كثير لم أفهم منه غير كلمة ( شما ) وذهب جهتها

فضحكت صباح وقالت " هذا الوقح قال سما أفضل

منكم وستذهب معي وتشتري لي "

قال عوني " وأخشى أنّ سما ستصدمه بالواقع "

قالت حينها والدتي " لن تكون سما إن فعلتها "

وبالفعل ما أن وصل عندها حتى وقفت معه وتوجهت

نحونا تحدثه حتى وصلوا عندنا وأعطت لصباح طفلتها

وأمسكت يده فقلت وهما يغادران " سما هل أعطيك نقود "

قالت مغادرة به " يوجد معي ما يكفي شكرا "

وابتعدا حتى اختفيا عن نظرنا وبدأت الهواجس تلعب بي

فالمكان حيث تُباع المثلجات بعيد ماذا إن لم ترجع ؟ ماذا إن

تعرضت للخطر أو تعرض لها أحدهم ، وقفت دون شعور مني

ولحقت بهما حتى أدركتهما عند بائع المثلجات ووقفت خلفها

وهي تأخذ ما طلبه أحمد وكيف يريد وعندما قال لها عن سعره

أخرجت أنا نقودا ومددتها له قبل أن تخرج هي ما في حقيبتها

فرفعت رأسها ونظرت لي فقلت ونظري على البائع

" اتركي ما لديك ، وأنتي ألن تشتري "

قالت بصوت منخفض وهي تنزل عند أحمد وتعطيه

له " لا أحب المثلجات "

ثم وقفت وأمسكت يده الأخرى وتحركت مغادران فأمسكت

بيدها موقفا لها فنظرت لي باستغراب فسحبتها معي حيث

شجرة كبيرة ودرت بها خلفها و أحمد يتبعنا وأوقفتها متكئة

بظهرها عليها ووقفت أمامها مسندا يدي بالشجرة جانب رأسها

وقلت وعيناي في عينيها " لدي ما أود قوله لك يا سما "







****************************************************

******************************************







وقفت انتظرهما وهما طبعا كباقي الأطفال أبطأ من السلحفاة

حين لا يريدون ترك شيء يحبونه ، اقتربت ترف تحرك الماء

حولها بيديها وقالت " قليلا فقط ماما أرجوك نسبح قليلا "

جلست على الكرسي تحت المظلة وفتحت شعري أحركه

في الهواء وقلت " نصف ساعة فقط ومن لا يخرج

لن يكون هنا المرة القادمة "

ثم جمعته للأمام كله وعادوا يلعبون بمرح فترف منذ انتهى

المسبح وهي تهدي به حتى في النوم خصوصا أن المهندس

الذي صممه اتبع فكرة ذكية تساعد قصر ساقيها مع عمق

المسبح ومنذ ذاك اليوم أصبح سلاحا فعالا لتهديدها فهي على

استعداد أن تخسر سنين من عمرها ولا تخسر الخروج له

أما أموري وجابر فمنذ تلك الليلة في برود تام بعدما سحبني

للغرفة وقال داخلا بي " لما لا نتوقف عن لعب الأطفال قليلا "

استللت يدي منه وقلت بضيق " ومن هذا الذي كان منذ

قليل يلعب كالأطفال ؟ أنا لم أفعل شيئا "

التفت لي ووضع يداه وسط جسده وقال

" اشرحي لي طريقة أتفاهم معك بها يا أرجوان "

قلت بأسى " لن أجبرك على أن تعترف بما لا تقتنع

به , لكن على الأقل اعترف أنك أخطأت في حقي "

قال بجمود " هكذا إذا تصرين على أن أعتذر "

قلت بجدية " نعم فأنت المخطأ "

قال متوجها جهة السرير " وأنا لن أقربك قبل أن

تعتذري عما قلته يومها "

نظرت له بصدمة من وقاحته ، ما يعني بهذا هل يراني أتلهف

للنوم في حضنه ليضع لي هذا الشرط ، اضطجع على السرير

وغطى جسده باللحاف وقال " ونامي خارج الغرفة لتري

وجهي الذي لا يعرفه إلا المجرمين "

ومنذ ذاك اليوم نسير على نفس المنوال انعدم حديثنا إلا من

الأمور الضرورية جدا ولم أعد أراه إلا فيما نذر وأسوء من

السابق ، يرجع وأنا نائمة ولا أتحرك حتى بعد تشغيله الإضاءة

ويخرج صباحا في صمت إلا إن لزم الأمر ولا أسمع سوى التأفف

من حين لآخر ، لن أستسلم لأني إن استسلمت هذه المرة سأفعلها

دائما وعليه هوا أن يرضخ بما أنه من وضع هذا الحد والقانون بأنه

تحكمنا العشرة والتعود ولن يعتذر فأنا أيضا أصر على كلامي ولن

أعتذر ، اقتربت بيسان وقالت وهي تتحرك بحرية في الماء

" ماما لما لا تأتي معنا الماء منعش وجميل "

ابتسمت وقلت " هل تريدي أن أغرق تعلمين

أني لم أتعلم السباحة مثلكم "

قالت ترف بمرح " البسي بطة ولن تغرقي "

لم أستطع إمساك ضحكتي وأنا أتخيل شكلي أسبح ببطة حول

خصري ، أعلم جيدا مبتغاهم يريدون أن يبقوا أكثر ، نظرت

لهم باستغراب وأنا أرى أعينهم تلعب خلفي فأدرت رأسي بريبة

لأرى من الذي يبدوا أنه يسكتهم في الخلف فلم أشعر بنفسي

إلا صارخة وأنا أرتفع في الهواء لأجد نفسي بين ذراعي

جابر وهم يصرخون " أنزلها هنا أنزلها "

فتعلقت بعنقه وقلت بخوف " لا جابر أنا لا أعرف السباحة أنزلني حالا "

قال بمكر " أنا أعرفها وأعرف كيف أنقذ الغرقى أيضا "

دسست وجهي في عنقه أكثر وهوا يتحرك بي جهة المسبح

وقلت برجاء " جابر لا أرجوك ألست غاضب

ولا تكلمني أنزلني "

قال ببرود " أنتي الغاضبة وليس أنا وعليك أن ترضي

حالا وتعتذري عن كل كلامك "

قلت باستياء " أنا لم أخطأ ولن أعتذر "

تم صرخت بذعر حين هز جسدي ليوقعني وقلت

" جابر أقسم إن أوقعتني غضبت منك لآخر حياتي ولن أكلمك "

حرك يديه مجددا ليزداد صراخي وتعلقي بعنقه وقال

" كل هذا ولستِ غاضبة وتكلميني "

قلت " أجل ولم ترى غضبي بعد "

قال " إذا للمسبح فورا وتوقفي عن الحركة لأنك ستقعين مني "

قلت بضيق " أنزلني هذا لا يجوز وليس عدلا لما أنا التي أعتذر "

حركني بقوة فقلت بذعر " حسنا آسفة آسفة "

قال " ولن تعيديها "

قلت بصوت منخفض " أنزلني أو عضضت لك عنقك حتى تتركني "

ضحك وقال " تحملي الفضيحة حينها لأني لن أخفيها بشيء

هيا قولي أنك لن تعيديها مجددا "

قلت بتحدي " لا ولم أعتذر إلا مرغمة "

قال " حسنا إذا هذا اختيارك فتحملي النتائج "

قلت بسرعة " توقف جابر أنا لدي فوبيا من المياه العميقة أقسم لك "

قال ببرود " إذا سأشفيك منها "

قلت باستياء " توقف لن أعيدها يا ظالم يا متجبر يا جابر "

أنزلني وأنا من ذعري لازلت متعلقة بعنقه وقال بهمس

" أنا الظالم يا ظالمة أكثر من أسبوع تعاقبينني

ونحن ننام في سرير واحد "

أنزلت ذراعاي ببطء قائلة " أنت من وضعت

لنفسك تلك العقوبة "

أمسك خصري بيديه ودفعني قليلا للوراء فعدت للتمسك

به و قلت بذعر " أقسم أن هذا ليس عدلا أبدا "

حضن خصري بذراعيه ورفعني ولف بي بعيدا عن المسبح

فابتعدت عنه وأمسك هوا يدي وسحبني منها قائلا

" المهم حصل واعتذرتِ مني "

قلت وأنا شبه أركض لأجاري خطواته

" مجبرة طبعا فلا تفرح بها "

وقف والتفت لي ليعود بي هناك مجددا فابتعدت عنه

ووضعت يداي وسط جسدي وقلت باستياء وبصوت ملئه

أسى " ظالم يا جابر تجرحني وترغمني على مالا أريد قوله "

مد يده وسحبني ناحيته ورفعني مجددا وتوجه بي جهة الباب

الزجاجي الذي تم إضافته جهة المسبح لينفصل عن باقي

الحديقة ودخل بي قائلا " كلمة أخرى يا أرجوان وأقسم

أني أنا من سيغضب منك لآخر العمر "

وصعد بي للأعلى أمام من قابلنا من خادمات ولم يكترث

لأحد وجيد أن والدته لم ترنا لكانت أغرقته بكلامها المعسول

فإن كانت قبلة على خده أعدّتها وقاحة فكيف بهذا ، وأنا طبعا

استسلمت لواقعي أحببت أم كرهت فيبدوا أن هذا الرجل لا أمل

يرجى منه وحتى الاعتذار يستله بالقوة لكني لك يا جابر ومثلما

أرغمتني على الاعتذار ستعتذر رغما عنك





*

*





وقفت أمام الباب المغلق واتكأت عليه بجبيني وكف

يدي وقلت بهدوء " زهور "

ولا مجيب طبعا وهذا حالها منذ تزوجتها أكثر من أسبوع

تسجن نفسها في الغرفة حتى الرحلة التي حجزها لنا جابر

تحججت لكي يلغي الحجز ومعتصم حين اتصل يريد زيارتنا

أخبرته أننا سنخرج ولا يضايقنا ثانيتا لأتخلص من الموقف

وهي على حالها حتى الطعام أترك الشقة لساعات لتخرج

وتأخذ شيئا من المطبخ ومنذ يومين لم تغادرها ولا حتى للأكل


وكأنها تريد أن تموت هنا أمام عيناي وتقتلني بحسرتي عليها

عاودت الطرق مجددا وقلت بأسى " زهور ارحميني هل

يعجبك حالي هكذا حتى النوم كباقي البشر لم أعد أنام "

لم تجب طبعا فضربت بقبضة يدي الباب وتنهدت باستسلام

فحتى الكسر لا يمكنني كسره عليها لأني أخشى أن يؤثر في

نفسيتها حين تضنني أريد أخذ حقي الشرعي منها بالقوة فهي

كما توقعت ما رأته من ذاك الذي تزوجها والصدمة بمعرفتها

الحقيقة أثرت بها كثير ، استدرت مغادر فإن حبست نفسها اليوم

أيضا سأخبر جابر يأتي ليخرجها فهوا حلي الوحيد الآن ، وما أن

ابتعدت بخطواتي حتى سمعت باب الغرفة انفتح خلفي فالتفت لها

بسرعة فكانت واقفة خلفه تمسك مقبضه بيدها ترتدي فستانا قطنيا

قصيرا ولأول مرة أراها بفستان غير فساتينها الحريرية الطويلة

كان وجهها شاحبا ومصفرا وخداها محمران وتتنفس ببطء شديد

اتكأت برأسها على طرف الباب وما أن فتحت فمي لأتحدث حتى

سقطت مغشيا عليها فركضت جهتها دون شعور صارخا باسمها

ونزلت عندها ورفعتها لحجري وضربت خداها وأنا أقول

بخوف " زهور ما بك زهور لا تفعليها بي وخافي الله

فيا يا زهور فأقسم أن أجن "

ضربت خدها أكثر حتى أنّت أنينا مكتوما فضممتها لحظني

أقبلها ثم أضمها بقوة وأقول " حمدا لله كدتِ تقضين علي "

حملتها بعدها للسرير وخرجت ركضا للمطبخ وأحضرت ماءا

باردا ورششت به وجهها حتى استفاقت قليلا ثم رفعت رأسها

وأشربتها منه وأعدتها مكانها ووضعت الكوب على الطاولة

ومسحت بيدي على شعرها أراقب ملامحها الفاتنة المتعبة

وقلت بهدوء " لما هكذا حبيبتي لما تعشقين تعذيبي يا زهور "

أغمضت عيناها ببطء ونزل من طرف إحداهما دمعة فمسحتها

لها وقبلت عينها وجبينها وخرجت من الغرفة بعدما أخذت المفتاح

معي هذه المرة وتوجهت للمطبخ وأعددت شوربة خضار سريعة

وأعددت عصير فواكه طبيعي وسكبت الحساء في طبق ووضعته

في صينية تقديم هوا وكوب العصير وأخذتهم للغرفة فكانت مكانها

نائمة على السرير لكنها تخفي عيناها بذراعها ، وضعت

الصينية على الطاولة وجلست بجوارها وقلت بهدوء

" زهور هل يضايقك نور الغرفة "

قالت بهمس متعب " نعم "

توجهت نحوه وأطفأته وأغلقت ستائر الشرفة ولم تبقى سوى

الإضاءة المنبعثة من الباب وعدت جهتها وجلست ورفعت

لها ذراعها مبعدا لها عن وجهها وسحبتها لتجلس قائلا " أجلسي

لتتناولي الحساء سيفيدك كثيرا فهذا كله بسبب سوء التغذية "

سحبت يدها مني وقالت " لا أريد "

وقفت وأجلستها مرغمة وقلت بحزم " بل ستأكلينه ولو مجبرة "

ثم جلبت الصينية ووضعتها في حجرها وجلست بجوارها

ورفعت الحساء بالملعقة وقربتها من شفتيها فأبعدت وجهها

وقالت باستياء " قلت لا أريد أبعده عني "

أمسكت ذقنها بأصابعي وأعدته ناحيتي وقلت

" بل ستأكلين يا زهور واتركي عنك الجنون "

قربت الملعقة لفمها مجددا فرفعت يدها لتبعدها فأمسكتها لها

وأنزلتها قائلا " لن أتركك حتى تأكلي فخلصي نفسك مني لترتاحي "

تأففت وأكلت أخيرا ولم أتركها حتى أكلت نصفه وأشربتها

كأس العصير بيدي رغم أنها كانت تريد أخذه مني لتشربه

بنفسها ثم اضطجعت على السرير وغطت نفسها باللحاف

وقالت من تحته " اتركني وحدي "

أبعدت اللحاف عن وجهها وقلت " زهور لما كل هذا أنا تعبت

من النوم على الأريكة ولن ألمسك ما لم توافقي على ذلك

وأنا لست طفلا وعند كلمتي وسأنام هنا "

جلست وقالت مغادرة السرير " إذا أنا من ستنام في الخارج "

وقفت وأمسكت يدها قبل أن تغادر وقلت بضيق

" زهور قلت لن ألمسك وستبقي هنا "

سحبت يدها مني بقوة وقالت بحدة " اتركني وشأني

قلت ابتعد عني ألا تفهم "

ترنحت بعدها في وقفتها وفقدت توازنها ممسكة رأسها

فأمسكتها من خصرها فاتكأت برأسها على صدري فسرت

بها جهة السرير قائلا " لما العناد يا زهور هل يعجبك هذا "

أعدتها للسرير وعدت جالسا بجوارها ومسحت على شعرها

وقلت " هل نذهب للمستشفى تبدين متعبة "

قالت بهمس وعيناها مغمضتان " لا أريد "

تنهدت بضيق لو تغير هذه الجملة فقط ، مسحت بيدي

على خدها وقبلت خذها المقابل لي وقلت بهمس

" نامي حبيبتي وسترتاحين "

بعد قليل بدأ تنفسها ينتظم ويبدوا نامت فوقفت وشغلت النور

وعدت وجلست عند رأسها أتأمل ملامحها جميلتي وفاتنتي

وحبيبة طفولتي بل وحلمي الذي سرقته مني السنين ، لماذا

يا زهور لماذا يا أميرة قلبي تفعلين بنا هذا ؟ لما لا تعطينا

فرصة واحدة نضمد الجراح وننسى الماضي ونعيش من أجلنا

نحن , وبقيت على ذاك الحال لوقت طويل لم أتعب ولم أمل من

النظر بشغف لملامحها آسرة قلبي سيدة الجمال بين جميع نساء

الأرض فلطالما تحدث كل من عرفها عن جمالها وكمال حسنها

وتهافت الخاطبين عليها حتى سرقوها مني ليعيدوها جثة بلا روح

قربت وجهي من وجها ببطء فلم تعد لدي أي طاقة للصبر عليها ولم

يهدأ قلبي المشتاق إلا حين استشعرت شفتاي نعومة شفتيها وقبلتها قبلة

صغيرة تطفئ القليل من الشوق ولكي لا تشعر بي ونصبح في مشكلة

فأبعدت شفتاي كطفل سحبوه من حضن أمه وهوا يتشبث به فهذه

اللحظة القصيرة لم تضاهيها سنين حياتي كلها ، كل الكون في كفة

وحرير شفتيها يضاف لذاكرتي في كفة أخرى يا الله ألهم قلبي العاشق

مزيدا من الصبر والقوة ، ابتعدت بسرعة من تنفس أنفاسها عندما

تحركت منزعجة فابتسمت على حركتها العفوية وهي تضن أنه شيء

ما على شفتيها ثم اضطجعت معها على السرير ورفعت يدها ببطء

ووضعتها على صدري بل على قلبي ووضعت يدي عليها , نعم

أعيدي له الحياة فهوا كان بدونك ميت , كان خرابا تسكنه الأشباح

مدينة فقدت ساكنيها وأنوارها وحتى ضوء النهار ، أغمضت بعدها

عيناي ببطء وقلت بهمس " هنا يا زهور هنا تسكنين منذ سنين كم

تعذب هذا القلب من بعدك وذاق مرارة الهجر والفقد والحرمان

اسمعي نبضاته تهذي باسمك وتعيش من أجلك وحدك , كنت على

استعداد لأن أبيع عمري من أجل هذه اللحظة يا حبيبة رضا "

ثم تنفست بارتياح وفتحت عيناي ونظرت لها فكانت مستيقظة

وتنظر لي بصمت وجمود فابتسمت لها ورفعت يدها لشفتاي

وقبلتها وقلت " عودي للنوم حبيبتي آسف لأني أزعجتك "

استلت يدها مني ودستها تحت خدها وأغمضت عينيها

وقالت " كم تعشق قول الأكاذيب يا رضا "

انقلبت مقابلا لها نائم على ذراعي ألتهم ملامحها بعيناي

وقلت " تعلمين أنها ليست أكاذيب وليس رضا من يكذب "

ثم مسحت بإبهامي على خدها وقلت " وعلى ضفاف زهور

خديك تموت وتحي أحلامي ، فاتنتي أنتي وعشقي لقد تغيرت

المدينة والشوارع والأشخاص وتبدلت الأرض غير الأرض ليس

هربا منك بل من موت ذاك الحلم لأكتشف بعد سنين أنني رحلت

لكني لازلت في مدينتك أرى شوارعها وبيوتها في منامي

كل ليلة لأنك تحتلين تلك الأحلام "

أبعدت يدي عن وجهها وقالت بهمس وعيناها ما تزالان

مغمضتان " ابتعد عني "

مررت أصابعي على يدها الناعمة وابتسمت وقلت

" هل تعلمي متى كتبت هذه الكلمات وأين "

قالت بذات الهمس " كاذب "

وتسللت من رموشها دمعة مسحتها لها بإبهامي وقبلته قبلة

خفيفة وقلت " كتبتها عندما سافرت من هنا هربا من واقع أنك

لم تعودي لي ولن تصيري لي واكتشف أني لم أغير سوى المكان

والباقي كله أخذته معي في قلبي كما أخذت ثيابي في حقيبتي "

ثم غادرت السرير وخرجت من الغرفة بعدما أطفأت النور






*

*





خرجت من الحمام أجفف شعري بالمنشفة ورفعت هاتف

الغرفة وطلبت من سيلا المجيء وجلست أجففه بالمجفف بعدما

غادر السيد جابر وكأنه جاء فقط من أجل هذا وهاتفه الذي أراني

الله فيه يوما يتحطم أو يضيع منه فهوا لم يتوقف عن الرنين حتى

غادر لهم ، تنهدت بأسى وأوقفت المجفف ومررت أصابعي على

عنقي نزولا لتلامس الأثر الخفيف عليه ثم أغمضت عيناي وتنهدت

بحزن ، بقدر جرحي منك يا جابر أتوق لك وأشتاق وليتك أنت

تشعر كما أشعر لكن الحجر يبقى حجرا ، أنزلت رأسي وزدت

من الضغط على عيناي وأنا أتذكر كلماته التي قالها وسط

قبلاته ( أتعبتني يا أرجوان ... هل تعي معنى هذا )

لكنها كالجليد تذوب ولا يبقى لها أثر كالكلمات التي كانت تخرج

منه سابقا في ذات الوضع وأفهم بعضها وأجهل أغلبها وجميعها

سراب تحكمها اللحظة فقط وتنقشع فيما بعد ، ليتني أتوقف عن

حبك يا جابر حتى أني لازلت لا أنام الليل إن تأخر وكل الهواجس

تزورني رغم أنه قال لي سابقا أن وضيفته لا مداهمات فيها وقبض

ومطاردات بل كل عملهم التحقيق في الجرائم ومع المجرمين لكن

قلبي الأحمق لا يرتاح ، طرق أحدهم الباب ليعيدني لواقعي الأسوأ

مما كنت فيه ففتحت عيناي وأنزلت يدي ودخلت سيلا قائلة

" نعم سيدتي "

نظرت لها وقلت " هل أدخلتي أولاد "

هزت رأسها بنعم فوقفت وقلت متوجهة جهة غرفة الملابس

" خذي الثياب للأسفل ونظفي الغرفة والحمام سأذهب لهم "

دخلت الغرفة لبست فستانا طويلا مفتوحا من جانبيه وخرجت

للغرفة أمسكت شعري وغادرت الجناح وتقابلت وعمتي التي

باتت تحركاتها تكثر ولا أفهم لما ومؤكد تدبر شيئا فهي منذ اكتمل

المسبح وأصبح الأولاد ينزلون له بأوامري ويلعبون حتى خارجه

زادت نظرات الحقد في عينيها وتغيرت تحركاتها ، تجاهلت كل

تلك الأفكار فلم يبقى لها سوى أن تقتلني فلتفعلها وترحمني وترتاح

دخلت غرفة الأولاد على صوت رسالة وصلت هاتفي فنظرت لها

فكانت من سوسن ففتحتها وكان فيها ( كيف هي أحوالك )

طبعا أنا وسوسن لم نعد نتحدث إلا بالرسائل بعد الذي قاله

بلسانه عن مراقبة الغرف ورأيته بعيني في حاسوبه تلك المرة التي

ليتها تتكرر بعدما علمت طريقة سهلة لفك رموز القفل ففضولي

لم يهدأ حتى الآن بعدما رأيت ذاك الملف بعيني ( حدودي عند هنا )

هذا الاسم سبب لي الهواجس من كثرة تخمين ما يوجد فيه ولم أجد

بعدها فرصة لرؤيته ، عدت من أفكاري لهاتفي وأرسلت لها

( كسر قراري وقراره كما هوا عليه )

أرسلت في الفور ( أرجوان عليك العودة لطريقتك السابقة

والصبر فبهذا الشكل لن تجني شيئا )

سوسن من مدة تصر على أنني أسلك الطريق الخاطئ بما فعلت

وأنه كان عليا أن لا أبالي لكلامه وأتصرف كما كنت دون تغيير

وأصبر لكن الكلام ليس كالتطبيق فكيف لا أبالي لحظتها وهوا

يطعنني بعنف ، وصلت رسالة أخرى منها وفيها ( أنتي لم تجني

شيئا بما فعلته والدليل أمامك فعودي كما كنتي لأنك كدت تنجحين )

رميت الهاتف بعيدا عني ... قال كدت أنجح قال فيما يا حسرتي

إن استسلمت أنا فسأكون دائما هكذا ، أدخلت الفتاتين للحمام ليناما

بعد هذه السباحة المطولة وكلام سوسن يدور في رأسي وأنا أقاومه

كل حين ، غطيت ترف باللحاف وقبلت جبينها فقالت مبتسمة

" أحبك ماما "

حضنتها وقبلتها وقلت بحنان " وأنا أحبك بنيتي وما الذي

يكسر ظهري غير حبكم أنتم وذاك الحجر "

قالت باستغراب " تحبين حجر من الحديقة !! "

ضحكت كثيرا ثم أمسكت أنفها وقلت مبتسمة

" نامي بسرعة "

قالت " حاضر "

وأغمضت عينيها ونظرت جهة بيسان فكانت في نوم عميق

فتوجهت ناحيتها وغطيتها جيدا وقبلت جبينها وخفضّت التبريد

ثم خرجت وأغلقت الباب وتوجهت لغرفة أمجد وكان هوا وعمر

يلعبان بلعبة الكترونية تخص عمر فنظرا لي وقال أمجد

" متى سيكون لدي مثلها "

قلت مبتسمة " كما وعدتك بني ستكون هدية نجاحك "

هز لي رأسه بحسنا مبتسما ثم عاد بنظره عليها فقلت

" عمر أبعدها عن عينيكما هذا مضر "

أنزلها قليلا للأسفل وخرجت من عندهما ، سأشتريها له ولو

ضربوني بسببها فلن أترك أمجد هكذا يشاهده فقط كالمتسول

وعمر أناني لا يسمح له إلا برؤيته وهوا يلعب وأمول والد أمجد

تفوق أموالهم بكثير غير أن ذاك المنزل يعيشون في الواقع وهذا

القصر منفى للأحياء ، وصلت جناحي على صوت رسالة ظننتها

من سوسن تعاود محاولات إقناعي لكنها كانت من جابر ففتحتها

بفضول فكان فيها ( إن وجدتك نائمة الليلة ستكملين نومك في المسبح )

تأففت ورميت الهاتف على السرير فها قد عدنا لذات الطريقة

أوامر في كل شيء , هذا الرجل كثلة متحركة من إصدار الأوامر





*

*





فتحت عيناي بصعوبة ثم جلست أمسك رأسي من الألم فيه

ولا أعلم من أين جاءني كل هذا النوم وكأني لم أنم حياتي

لممت شعري فانفتح الباب حينها ودخل رضا بصينية أخرى

ووضعها على الطاولة قائلا " صلي المغرب وتناولي هذه

شوربة لحم ليست كتلك "

وقفت ودخلت الحمام متجاهلة له واستحممت طويلا ولبست

المنشفة البيضاء الخاصة بالاستحمام وربطت حزامها وخرجت

فكان واقفا وسط الغرفة ويداه وسط جسده وقال مبتسما

" سخنته ثلاث مرات ، هل كل هذا تستحمين "

لم أعلق على كلامه وتوجهت من فوري لحقيبتي وفتحتها

وجلست أمامها على الأرض فاستدار جهتي وقال " لما لا

ترتبين أغراضك في الخزانة بدلا من كل هذا العناء "

أغلقتها ووقفت وقلت وأنا أسحبها معي " الأمر لا يحتاج إفراغها "

لحق بي وأمسك ذراعي قبل أن أخرج وقال " أين تذهبين بها "

استللت يدي منه بعنف وقلت " أترك لك الغرفة

طبعا مادمت تريدها "

عاد وأمسكها مجددا وسحبني نحوه حتى تركت يد الحقيبة

ثم رفعني عن الأرض وأنا أحاول إبعاد وجهي ونظري عن

وجهه فأوصلني السرير وأنزلني عليه وقال " فهمناها لا تحبيني

ولا تطيقين رؤيتي وستطلبين الطلاق وتتركيني فاتركي لي هذه

الأيام أعيشها معك كما أريد وأخبرتك أني لن ألمسك مالم توافقي "

توجه بعدها لحقيبتي وجلس أمامها وفتحها وهي عند الباب قائلا

" ماذا كنتي تريدين أن تلبسي أم أختار لك أنا على ذوقي "

رمى بعدها على السرير أمامي ملابس داخلية وتابع بحثه

فأنزلت نظري حرجا من هذا ولم أتحدث فوصلني صوته قائلا

" لما لا ملابس خروج لديك هنا كيف ستخرجين معي لنتنزه "

تنفست بقوة فوقف وأحظر لي أحد فساتيني وقال

" حسنا لا تنفخي هكذا سأخرج وأتركك "

ثم وضع الفستان في حجري وقبل خذي بسرعة وأنا

ابتعدت للخلف فقال مغادرا " لا بأس بها مقبولة أفضل

من أن أشاهد الخد الثلجي وأتحسر "

ثم وقف عند الباب وقال وهوا يسحبه معه " تناولي الحساء

لأنه لا مفر لك منه ، ومعتصم قادم لزيارتنا الليلة فاستعدي "

ثم أغلقه خلفه فنثرت الملابس من حولي وبدأت بالبكاء ، لما

أنتي ضعيفة هكذا أمامه لما لا تطرديه وتسكتيه لماذا يا زهور

لما لا تأخذين بحقك منه ، لا بأس فالضربة الأخيرة لا مهرب

له منها فليفعل الآن ما يشاء ، ارتميت فوق الفستان أشده بقبضتي

وابكي بصمت ومرارة ، لماذا يا رضا لماذا صنعت مني هذه

لماذا دمرتني وحرمتني منك مرارا





*

*





أشرت بإصبعي على أحد الأسماء في الورقة على الطاولة

وقلت " هذا أكثر شخص قرّب الشاهد ملامحه لمن رآه تلك الليلة "

ثم نزلت بإصبعي قائلا " أسمه عمران أحمد خيري النجار

اختفى صباح تلك الليلة ليُعثر عليه فيما يقارب الظهيرة ميتا

بسبب انزلاق سيارته من منحدر في الطريق الجبلي

للوادي الوفاة كانت بسبب الحادث "

قاطعني قائلا " كيف أجبروه على السقوط

بالسيارة وهوا غير مقيد !! "

رفعت نظري له وقلت " جرعة من المخدرات لجسم لم

يعتد عليها فكيف سيتحكم في السيارة "

ثم عدت بنظري للورقة مجددا وأشرت بإصبعي قائلا

" انظر هنا إنه طالب في الكلية البحرية "

قال باستغراب " كيف يكون ضمن عصابة خطيرة

كهذه , لا ويتعاط المخدرات "

أغلقت الملف وقلت " نظمت فرقة من رجالي ستساعدنا بدلا عن رجالك "

ضرب بيده على الطاولة وقال بضيق " جابر كيف تهمش رجالي

هكذا ودورهم كان مهما دائما , يكفي الاهنات والتوبيخ الذي

يسمعونه منك على الدوام "

نظرت له بجمود ثم عدلت وقفتي وقلت " أسعد لا ترفع صوتك

ولا تنسى أن أوامري فوق رأسك أنت أيضا وليس لأني أعفيتك

من ضرب التحية لي وكلمة سيدي أمام رجالك تخاطبني كشخص

يعمل لديك وتذَكّر أن الخلل في جهازك يا رئيس الشرطة وسما

الشاطر لم تعلم بها تلك العصابة رغم أن رجالي يعرفونها بل كانوا

راقبوها لأشهر أما ما يضع رجالك أعينهم عليه يختفي في طرفة

عين , وإن كشفوا أمر سما ستكون أنت أول من سأحقق معهم "

وقف حينها مغتاظا وخرج وتركني ، مهزلة تضحك لهم قليلا

يرفعون أصواتهم عليك بينما في دول أخرى من مثله لا يكلم

من في رتبتي إلا وجسده منتصب حتى إن كان رئيسا للشرطة

في البلاد مثله ، جمعت الورقتين ورفعت الهاتف وقلت من فوري

" أريد رقم المدعو نواس شاهين لدي صباح الغد وأدخلوا والد

عمران النجار حالا وأريد العقيد سالم هنا في أقرب وقت "

ثم أغلقت الهاتف على دخول خليل يتبعه اثنان ووالد

الشاب وجلس كل في مكانه وقلت ناظرا إليه

" ما الذي لاحظته على ابنك مؤخرا "

هز رأسه وتنهد بحزن وقال " ابني لم يكن يوما مجرما ولا

متعاطيا كان متفوقا في دراسته ويحب البحرية منذ صغره ودخل

للكلية برغبته لكنه الفترة الأخيرة كثر تغيبه عن المنزل وزيارات

رفاقه إليه أو هكذا قال لنا لأننا لا نعرفهم , كان آخر ما قال لوالدته

( أمي إن أنا ارتكبت ذنبا يوما ومت عليه فقد أكون مجبرا

فلا تنسيني من دعائك ) "

ثم توقف لأن دموعه بدأت بالنزول فقلت

" الماء من الثلاجة يا خيري "

ثم نظرت له وقلت " قد يكون تورط مجبرا كما قال فأريد منك

جميع أسماء أصدقائه المقربين ومن كان يخرج معهم مؤخرا "

ثم نظرت جهة خليل وقلت " أريد كل شيء عنه في قسمه في

الكلية البحرية وبسرية تامة وحققوا مع الأسماء التي سيعطيها

لكم والده ووافني بالمهم "

ثم وقفت وقلت " يمكنك المغادرة سيد أحمد بعدما يأخذوا

المعلومات التي طلبتها منك "

ثم قلت مغادرا مكتبي " حين يصل العقيد سالم يلحق بي للمصنع "

خرجت بعدها فورا وركبت سيارتي لألحق رجالي هناك فهذه كانت

الجريمة الثالثة في ذات المصنع وكانت أحداها آخر جرائمهم ولم

نحصل سوا على هذا الخيط الرفيع ( طالب في البحرية ) ترى ما

الرابط بين هذا والأذون المزورة لإدخال بضائع للبلاد وما في تلك

البضائع وهل لشرطة الجمارك أو البحرية أي يد فيها , قد يكونوا

مجموعة تعاون أحدهم على ذلك ويستحيل أن يكون الجهاز الأمني

البحري متورط بكامله لكان رئيس شرطة الجمارك على علم أم أنها

مجرد مصادفة فقط ، وصلت المكان ونزلت واقتربت منهم قائلا

" أين رجال أسعد "

ضرب لي التحية وقال " جاءتهم أوامر بترك المكان "

قلت وأنا أجول بنظري فيه " فعل الصواب قبل أن

أصرفهم من هنا بنفسي "

أشرت بعدها لهم فاجتمعوا حولي فقلت " انتم كما اتفقنا من سيستلم

معي القضية ووضعت فرقتين أخيرتين من أجل الحالات الخاصة

والمداهمات فاستعدوا لربط ليلكم بالنهار لأني سأعتمد عليكم

وتعلمون جيدا مصير من يقوم أحد باستغلاله أو تهديده وهوا

الموت على يديهم فكل من يتعرض منكم لابتزاز أو تهديد

ومن أي جهة كانت يعلمني فورا "

هزوا رؤوسهم بالموافقة وقال أشرف " وجدنا شيئا هنا سيدي "

غادرت معه حيث أشار فكان سوار من الجلد والحديد رجالي

باسم ومقطوعة فقلت " هل لمسها أحد "

قال من فوره " لا سيدي ولم نجدها إلا اليوم "

أشرت لهم بيدي فأحضروا لي قفازا فلبسته ورفعتها فكانت باسم

أحادي وهوا ( عمران ) وهذا أكبر دليل على ما حدث هنا وأنه

من أشار له الشاهد ، وضعتها في الكيس الذي مدوه لي وقلت

" ارفعوا البصمات عنها "

وتنقلت بعدها في المصنع لوقت , كان خاليا من أي ورقة تدل

ولو على تجارة مشبوهة أو ما شابه ، وصل سالم واقترب مني

فقلت " تأكدت الآن أنه هوا رغم أني كنت متأكد منذ البداية "

ثم نظرت له وقلت " مالك المصنع قُتل منذ أكثر من عامين

واستلم ابنه الأوسط إدارته ليُقتل منذ ست أشهر وفي تلك الليلة

دخلوا وقتلوا الحارس ورجوعهم لم يكن من أجل شيء غيره

على ما يبدوا أو أنهم بحثوا عن شيء وهوا شهد شجارهم

العائلة أغلقت المصنع منذ مقتل الابن ولم تفتحه "

قال بحيرة " كيف يكون جهاز الشرطة متورطا والبحرية دخلت

دائرة الشبهة أيضا ولا أحد من أجهزتهم الأمنية يعلم عنهم "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت بجدية " أجزم أن أحد

أجهزة البلاد الأمنية متورطة في الأمر حتى النخاع "

قال بصدمة " جابر هذا الكلام كبير جدا وحاذر

من أن تحاسب عليه "

ابتسمت بسخرية وقلت " الخيط فقط يا سالم إن أمسكته فلا

أحد يمكنه الوقوف في طريقي "

تنهد وقال " أعلم أنه لا أعلى منك سوا وزير الداخلية ولو لم

تختر بنفسك هذا المكان لكنت مكانه لكن أن تتهم جهة أمنية

بأكملها أنها وراء هذا فلن يصب في صالحك "

وضعت يدي على كتفه وقلت " أعلم فأنا الآن أُعدّك وكأني أتحدث

مع نفسي والأمر ليس مجرد تخمين وسترى صدق كلامي "

ثم نظرت لساعتي وقلت " سأغادر الآن أريدك أن تستلم أمر

عمران النجار ووافني بكل جديد , خليل لديه ملفه وأريدك

وأسعد صباح الغد في مكتبي "

ثم غادرت من هناك بعدما أعطيتهم الأوامر بإغلاق

المصنع ومراقبته أيضا





*

*





بعدما نومت الأطفال توجهت لجناحي استحممت ولبست فستانا

قطنيا قصيرا وجلست في الردهة أشاهد فيلما رومانسيا فلنعش

هذا ولو في الخيال مادام الواقع خالٍ منه ، لدي فضول فقط أن

أعرف زهور كيف يعاملها زوجها ذاك ولا يجب أن أعلم كي لا

أموت بحسرتي أكثر ، لا أعرف كيف يكون صديقا لجابر حتى ذاك

المهندس لا يبدوا مثله رغم أني لم أقابله سوا مرتين وبالمصادفة

تنهدت بحسرة وأغلقت التلفاز فقد عافت نفسي حتى متابعته ، دخلت

الغرفة وأمسكت إحدى المجلات أقلبها لوقت ولا شيء سوا الملل

لما لم يتركني أنام وأرتاح ، نظرت للساعة فكانت تقارب الثانية

عشرة فتنهدت بضيق , ليس وقت عودته ولا وقت نومي ولا أعلم

لما أشعر أنني سأنام وهوا يقيدني ، ماذا إن ضبطت المنبه على

الثانية فجرا ونمت قليلا ، رميت المجلة وأمسكت الهاتف وضبطت

منبهه ووضعته بجانب رأسي وأطفأت النور ونمت بسرعة لأول

مرة وما كدت أصل لعمق نومي حتى شرعت بالضوء عدوي اللدود

يتسلل لعيناي ففتحت عين واحدة فكان جابر متوجها جهة الحمام

وقال ببرود " يبدوا أن فكرة النوم في المسبح أعجبتك "

دخل وأغلق الباب خلفه وجلست أنا أجمع شعري للخلف ، ما به

هكذا بقي سلاحه لم يشهره في وجهي ! ما أدراني أنا به سيأتي في

غير وقته المعتاد ، غادرت السرير وتوجهت لغرفة الملابس واخترت

قميص نوم ولبسته وخرجت وجلست على كرسي طاولة التزيين

ووضعت كحلا ، خرج حينها من الحمام بمنشفته ودخل من فوره

لغرفة الملابس وأنا أتابعه بنظري وكأني أراه للمرة الأولى ، أشعر

أن تصرفاته غريبة هذه الليلة وكأن لديه فاجعة لا يعلم كيف يقولها

لي ! لو كان أحدا من أهلي موجودا لقلت أنه مات ، خرج من الغرفة

مرتديا بنطلونا رياضيا أسود وقميص أبيض داخلي وكأنه يريد اللعب

بمشاعري باستعراض عضلاته ، جلس بعدها على السرير في صمت

متكأ على ظهر السرير ينظر للسقف بشرود ، أبيع عمري وأفهم ما

يدور في رأسك يا جابر ، وقفت وأطفأت الإضاءة وعدت جهة

السرير فقال " لما أطفأته "

دخلت السرير وقلت " وما حاجتنا به سنطفئه في كل حال

فمؤكد أنك جئت مبكرا لتنتهي وتنام باكرا "

أنزل رأسه وقال بضيق " هل نحن حيوانات أم تريني حيوانا

أمامك لا آتي إلا من أجل غريزتي "

نظرت لملامحه في الضوء الخفيف بصدمة ثم قلت

" ولما أتيت إذا وطلبت مني أن انتظرك "

قال بحدة " لأستمتع بجمالك الفتان ، أو هل تعلمي

كل يوم تخذليني فيك أكثر يا أرجوان "

قلت بصدمة أشد من سابقتها " جابر ما بك !! "

نام معطيا ظهره لي وقال مغتاظا " نامي واشبعي نوما "

بقيت أنظر له بحيرة ، غبية يا أرجوان منذ متى يرتدي ثيابا

كهذه إلا إن كان لن يقربني ويريد السهر والتحدث ، لهذا إذا

كان تصرفه غريبا وكأن ثمة شيء لديه فما هوا هذا الشيء يا

ترى ولما انزعج لهذا الحد ، غبية من سيخلصك من فضولك

الآن , بعد وقت قلت بهدوء " جابر "

لم يجب طبعا فتنهدت بقوة وقلت " جابر أعلم أنك لست نائم "

قال بضيق " أرجوان اتركي في قلبي ذرة الرضا

عليك ونامي في صمت "

قلت بحزن " جابر لا تظلمني "

قال بحدة " أرجوان اصمتي "

لذت بالصمت ونمت معطية ظهري له , لا أريد رؤيته كي لا

أضعف أكثر وهوا مستاء هكذا والصباح سيكون أفضل ونتحدث

أمضى وقتا يتنهد ويزفر بضيق ويستغفر بهمس مغتاظ ، غريب

أمره رغم قوة شخصيته وغضبه السريع يده لم ترتفع يوما ولا

على أبناءه ، حتى الشتائم لا يعرفها ورغم خصوماتنا مؤخرا لم

يشتمني قط ! لا أعرف كيف يكون تربية والدته تلك التي تتنفس

ألفاظا سيئة ولم تترك شيء لم ترميني به ، انقلبت جهته وسرق

عيناي أرسم بهما تفاصيله ثم انقلبت للجانب الآخر ألعن نفسي

هذا وهوا يعطيني ظهره فكيف إن كان مقابلا لي , انقلبت على

ظهري فقال ببرود " توقفي عن الحركة أريد أن أنام "

رميت حينها اللحاف من علي وخرجت من الغرفة فلينم مرتاحا

سأخلصه مني ، أغلقت الباب وأنا أنظر للطاولة باستغراب , هواتفه

تركها هنا غريب لأول مرة يفعلها ولم تزعجنا برنينها !! ما هذا الأمر

المهم الذي جاء مبكرا وأبعد هواتفه لأجل أن يحدثني فيه , نظرت

لحاسوبه الذي تركه معهم هنا وتحركت خلايا الفضول في داخلي

لكن عليا انتظار أن ينام أولا فقد يخرج في أي لحظة ، أطفأت النور

وجلست وشغلت التلفاز فهكذا أحب مشاهدته وبقيت مكاني عين عليه

وأخرى على الباب حتى مضى وقت طويل ولم يخرج ومؤكد نام

توجهت نحوهم ورفعت هاتفه أولا لأجد المكالمات الكثيرة فيه فلم

أستطع لمسه ويبدوا أنه وضعه على الوضع الصامت فرفعت الآخر

وهوا المخصص بالعائلة , لا أعلم ما أسمي هذا فضول أم شك أو

صغر عقل لكن ذاك الملف السبب فلم أفكر يوما في فعل هذا

كان الهاتف كله لأرقام عائلته وبعض من أصدقائه المقربين على

ما يبدوا ورقم واحد تحت اسم ( القضية 1720 ) غريب رقم

لأحد أصحاب القضايا في هاتف العائلة وبدون اسم !! تركتهما

وفتحت هدفي وهوا حاسوبه لتظهر لي فورا شاشة مكتوب فيها

( هذه المرة الثانية يا أرجوان الثالثة سأقطع لك أصابعك )

فأغلقته فورا ونفثت هواء ساخنا من صدري ، كان يعلم إذا أني

فتحته وأني سأفعلها مجددا ولابد سيعلم أني فتشت هواتفه أيضا

تركت كل شيء وعدت مكاني وجلست طويلا أقلب القنوات بملل

ثم استلقيت على الأريكة أحضن وسادتها ليسافر بي النوم دون

شعور مني ولوقت طويل حتى استيقظت على صوت الأذان فقفزت

واقفة لحظة خروج جابر من الغرفة بملابس عمله وتوجه فورا

جهة هواتفه وحاسوبه حملهم وتوجه للباب وقال وهوا يفتحه

" حذرتك سابقا من النوم خارج الغرفة يا أرجوان "

ثم تابع وهوا يخرج " ولكن كسر كلمتي أصبح هواية لديك "

قلت وأنا أتبعه " جابر انتظر "

لكنه ابتعد ولم يلتفت إلي ولم استطع الخروج هكذا بقميصي فعدت

مسرعة وأخذت القميص الحريري الخارجي ولففته حول جسدي

وخرجت راكضة أربط حزامه ، عليه أن لا يخرج غاضبا هكذا

وأنا المتهمة بذلك , علينا أن نجد حلا لمشاكلنا العالقة ونصل لقرار

نهائي يريح كلينا ، وصلت منتصف السلالم الأخير ورأيت

والدته توقفه وهوا يقترب من الباب فالتفت لها فقالت

" تعال أريد التحدث معك "

نظر لساعته وقال " أجليه حتى أرجع تركت البارحة ملايين

الأمور معلقة تنتظرني ولا وقت لدي "

تنهدتُ بأسى وقالت والدته " وما لدي معلق من أيام كثيرة لن أعطلك "

انحنيت بجسدي أراقبهما أين دخلا ، متأكدة أن الموضوع يخصني

فهي منذ مدة توزع لي نظرات الكره وتتمتم بأشياء لا أفهمها

نزلت بسرعة وخفة وتوجهت نحو المكان الذي دخلاه فكان صوتها

الغاضب المرتفع واضحا وهي تقول " لا يا جابر بث أراك أصبحتَ

مهرجا منذ دخلت ابنة فارس القصر وأصبحتْ هي من يدبر

ويأمر ويقرر والباقي خدم تحت إمرتها "

قال بضيق " أمي أنا لست طفلا تتحكم بي أرجوان وغيرها

ولم ولن أفعل شيئا إلا مقتنعا به وقررته من نفسي , وأرى

أننا أعطينا الموضوع أكبر من حجمه "

قالت وصوتها لا يزداد إلا ارتفاعا " حتى صوتك لم يكن يرتفع

عليا هكذا إلا بعد أن أن تزوجتها , قلتَ الأولاد يحتاجونها قلنا

لا بأس , قلت خالتهم ولا نريد مشاكل مستقبلا وقلنا معه حق "

انفتحت عيناي من الصدمة وكتمت شهقتي بيدي لِما أسمع وتابعت

هي " قلت والدها ليس غريبا هربت معه حسناء بل زوج والدتها

وقلنا على العين والرأس لكن أن ترتع في القصر وتخالفني

مستقوية بك هذا تجد له حلا والمسبح يلغى حالا "

لم أعد أستوعب بعدها شيئا مما قاله جابر لأن عقلي مات وأنا

أفسر ما سمعت ... حسناء شقيقتي ووالدي زوج والدتها إذا هي

شقيقتي من والدتي وأبنائه أنا خالتهم وهم لعبوا بي وأخفوا الأمر

عني ويقول أنه لا يهتم إن كانت زوجته هربت مع والدي ، فتحت

عندها الباب لا أعلم أي طاقة حركتني ونظرا كليهما لي وأنا أنظر

لجابر بتركيز وصمت وكأني أواجهه بما سمعت حتى قالت

والدته بسخرية " جميل وتتجسسين أيضا يا مربية الأجيال "

لم أعلق على ما قالت ولم أبعد نظري عن جابر وهوا ينظر

لي بجمود وصمت حتى قلت " خذلتني فيك يا جابر "

قالت حينها والدته " عشنا ورئينا نساء يتطاولن على أزواجهن "

نظرت حينها جهتها وقلت بحرقة " أي امرأة أنتي ومما مخلوقة

تريدين تدمير حياة ابنك وتحرضيه علنا , ما هوا مبتغاك يا متجبرة "

قالت بسخرية " نفس مبتغاك وأنتي تأخذين موانع للحمل

كي لا تحملي يا ابنة الحسب "

نظر لها جابر حينها بصدمة لا تقل عن صدمتي ثم نظر لي وتابعت

تلك الحية " هلا شرحت سبب ذلك وخروجك مع السائق لساعات

وزوجك غير موجود وتخبريه أن لا يخبر أحدا عن مكان ذهابك "

شهقت شهقة قوية وقلت بصدمة " تتهمينني في شرفي وعلنا "

كتفت يداها لصدرها وقالت ببرود " إن كان كلامي خاطئا فأنكري

وهذه هي نتائج الزواج من فتاة تربية شوارع تعيش حياتها لوحدها

لا رقيب عليها ولا حسيب ولن تكون أقل من شقيقتها جالبة

العار ناقصة التربية "

نظرت حينها للصخرة الواقفة بجانبها دون كلام , وصل الأمر

لشرفي وشرف شقيقتي التي كانت زوجته وأم أبنائه وهوا يلوذ

بالصمت , غادرت حينها من أمامهم متوجهة جهة السلالم وكل

دمعة تلحقها الأخرى وإهانتي من صمته أكبر من جرحي من كلام

والدته ، وصلت السلام لتوقفني يد أمسكت ذراعي بقوة ولفتني للخلف

وكان جابر الذي قال بحزم " هل صحيح ما قالته يا أرجوان "

سحبت يدي منه وقلت ببكاء غاضب " نعم هذا ما تفلح فيه

وأنا فقط من تقدر عليها يا ابن والدتك "

صرخ حينها صرخة زلزلة المكان قائلا " أرجوااآآن "

صعدت وتركته على صوت رنين هاتفه وتوجهت لجناحي لا أرى

شيئا من الدموع التي غطت عيناي وغسلت وجهي ، توجهت لغرفة

الملابس وغيرت ثيابي وخرجت , لبست حجابي وحملت حقيبة يدي

ثم رميتها على الأرض فهي من ماله أيضا , أخذت هاتفي وأخرجت

منه شريحتي فهي لي وهذا الهاتف من ماله وأنا لم أعد أشرفه

خرجت من الجناح لا أحمل سوا شريحتي القديمة وجرحي الجديد

ودموعي التي تبكي حسرتي ونزلت لأجد تلك الجلمود واقفة في

الأسفل ومكتفة يديها لصدرها وتنظر لي بشماتة وقالت ساخرة

" أخبرتك منذ البداية أن لا تلعبي معي يا ابنة فارس وأن لا تغتري

بنفسك , كنت أود أن جرك من شعرك لخارج القصر لكن جابر

رفيقا بالنساء تربية يدي , وأحسنتِ أن خرجتِ من نفسك "

اجتزتها ولم أتحدث فقالت وأنا أصل الباب

" لا تحلمي أن يركض خلفك لإرجاعك "

وقفت والتفت لها فرفعت يدها وقالت " أقص يدي إن

فعلها وهوا ابني وأعرفه "

قلت بسخرية " لا تتعبي نفسك فأنا التي لن تعود "

ثم خرجت وتركتها ولم يكن هناك السائق ولا سيارته ولا هاتف

لدي لأخبره فقررت الخروج للشارع وركوب سيارة أجرى على

دخوله ولحسن حظي فتوجهت نحو سيارته فتوقف ففتحت الباب

وركبت على نظراته المستغربة وقلت " خدني لمنزلي حالا ولا

تخبر جابر أين كنت أذهب سابقا ولو قتلك أو قتلتك أنا "






*********


لحظات زواج نواس بوسن في المحكمة من كتابة الكاتبة حبيبتنا همس الريح

* * *

دلفا معا إلى مكتب القاضي الموكل باجراءات الزواج ... زفر بعمق و هو

يراجع الاوراق التي معه .. صورة من بطاقة هويتها .. بطاقة هويته ..

الاشهار الشرعي الصادر من المحكمة انه هو الوصي الوحيد عليها

في غياب اي قريب لها ... زفر مرة اخري و هو يدفع الباب .. لم يرى

اثاث الغرفة امامه .. لم يرى القاضي .. لم ير الرجل الذي كان يهم

بالخروج .. كل ما رءاه هو نيران ... السنة لهب تضرب وجهه .. كلا

.. انها لا تضرب وجهه .. انها تلتهم وجهه .... احس بنفسه ينفصل

عن كل ما حوله .. كأن عينهاه غادرتا جسده و تعلقتا في الهواء

امامه ... إنه الان يشاهد جسده .. كلا إنها كتلة لهب ترتدي ملابسه

.. متى بدأت هذه النار ؟ ... بدأت في اول يوم كان يشتري اثاث الغرفة

التي ستجمعه بها .. حبيبة قلبه .. ليستمع بالصدفة لحديث عن خطبة

تمت بين وسن و اسم اخر .. خالد الصقار .. احد الاغنياء ... لا يعرف

كيف مرت عليه الايام و الليالي بعدها ... فهو عندما كان يقرأ عن الم

الخيانة و الغدر بين الاحباء .. كان يسخر منها .. ففي عقله ان من

يحب لا يمكن ان يخون ... ابدا ...في ذلك اليوم تم غرس سكين صدئ

في قلبه .. و تبدلت الدماء في شرايينه بالتدريج الي حمم بركانية ..

تحرق اول ما تحرق صدره ثم تنتشر بعد ذلك لبقية جسده لتلتهمه

ببطء .. و لكنه يحبها .. حتي و هي تتهمه بانه يكرهها و يريد اهانتها

و تعذيبها .. يعشقها .. و لولا مزيج من خوف الله و كبرياء و الم الجرح

لكان زرعها في صدره و بين اضلاعه حيث تنتمي ... انتزعه من افكاره

جذبة يد صديقه له بانهما يقفان امام القاضي منذ دقائق .. ليمد يده

بالاوراق لبدء الاجراءات الرسمية ... دخل و على ذمته مي بوعدها

الذي اقسم الا يحنث به مهما حدث .. و خرج و قد تزوج بحبيبته ..

التي يشعر انها ستتمني الموت علي ان يرتبط اسمها باسمه ...

تنهد بقوة و هو يرفع عينيه للسماء بدعاء صامت ان يمنحه الله القوة

... زفر لهبا من انفه و هو يشعر بالسكين المغروسة في قلبه تتحرك

لتمنحه الما اعظم .... هل فعل الصواب ام الخطا ... هل سيفوز في

النهاية ام سيخسرها و يخسر روحه معها ... لا يعلم .. لا يعلم]]







ودمتم في حفظ الله جميعا

نزف جروحي 26-07-15 04:26 AM

رد: أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل السادس والعشرون)
 
مافي شي بالبارت يشفينا ...حزب ارجوان..


يعطيكي العافية برودة..
بدت تزين الاحوال بالنسبة لنزار وسما ..ونواس و وسن..

لكن جابر وارجوان ...💔

مااستاهل هدية ..
لاني توقعت زمان انه حيصير شي يكون القشة اللي تقصم ظهر صبر ارجوان وتترك له عياله وتهرب ..


ابي هدية ..جابر ينكفخ لين يتكسر ...

هههههههه...
بانتظار البارت الجاي ..

ومشكورة تفاحه على نقلك للبارتات 🌹🌹


الساعة الآن 03:07 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية