رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
اقتباس:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مَساء الخير حبيبتي أبها حيّاش عزيزتي في المكان اللي يريحش.. مُرحّب فيش في كل مكان. طبعًا أذكر.. وشرف لي أن ما أكتبه يُعد بالنسبط لكِ موهبة.. أسعدتيني. الحمد لله إن قدرت أصيغ هذي القصة بالشكل اللي يرضيكم ويصل لكم.. إن شاء الله ما أخيّب ظنكم بالنهاية. حبيبتي ويحفظش يارب. فزتين بالجائزة والله.. الشرح اللي شرحته أتى بفائدة.. استانست وااجــد =)) الأسئلة اللي سألتينها نفسش عطتش الجواب.. برااافو. شًكرًا لكِ حبيبتي.. شُكرًا للاهتمام والتقدير والمُشاركة المُستمرة. قُبلاتي لكِ. اقتباس:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
السلام عليكم ورحمة الله ...
سلمت يمناكِ سمبلنيس ..🍃 قبل التعليق .. اعتذر جداً عن تأخري في الرد . 🌷 جنان .. 🤭 😯 واخزياااااااه ،،، شموديچ شقة فيصل من غير ما يكون عند المعرس خبر ؟ عيب يا بنتي ، والله عيب ،، شبيقول عنچ فيصل الحين ، حتى بيت خالچ ، شنو بيقولون عنچ ، فاصخه الحيا ؟ !! على الأقل نمتي عند جنى في غرفتها ، عذر مقبول جدا ،، بس نايمة في غرفته ، فشله والله .. اللي أعرفه ومتعارف عليه ، إن العروس حتى لو كانت طليقة الزوج سابقاً ، يسوون لها عشا و لو كان محفوف بين الأهل ، لإعلان إنها انتقلت بيت زوجها ، هذا السنع مو رايحه بروحچ بدون علم الزوج ،!! أشوه الريال شال شلايله وانحاش 😅 حنين ... 😥😢 ألف سلامة ، وخطاچ السو .. إذا كانت جميع الفحوصات سليمة ،، فهل للجانب النفسي دخل في حالتها ؟ هل إحساسها السابق بأنها لا تستطيع العناية بطفلها وأنها تحتاج مزيداً من الوقت لتتعلم ،بينما بسام ضغط عليها لتعود للمنزل ،، هل لذلك دخل ؟ ربّما هي تسقط على نفسها اللوم لأنها أخفقت في العناية بطلفها ، أو أنها أحسّت أن اللوم يقع عليهم جميعا ،لأنهم لم يستمعوا إلى مطلبها في بقائها في بيت أهلها مدة سنة كاملة ، وفي داخلها أرادت أن تبيّن خطأهم وتُشعرهم بالذنب ؟؟؟ أرجو أن تكون حالتها مؤقتة، ويستطيع بسام أن ينتشلها من وهمها، وتعود صحتها وعافيتها كاملة ..🤲🏼 المحققون الثلاثة 🕵🏻♂🕵🏻♂🕵🏻♂ "بحَنق وقِلّة صَبْر: متى متـــى! " وأنا بصرخ معاك متى متى 😂 رائد هو من اكتوى بنار سلطان حالياً، بعد تحرش سلطان بزوجته،، وكلما طالت المدة طال أذاه فاتن ،، الله يستر عليها ويحفظها. " رَفَع إصْبعه مُحَذِّرًا ومن عَيْنيه طَفَح التَّهديد: عندش فرصة أخيرة.. فرصة وحدة بس.. إذا تعدّى عليش مرة ثانية.. بضطر إنّي أحبسش لين ما ننتهي منه.." استغرب من رائد ، كيف يعطيها فرصة أخرى لتنفيذ مخطط آخر ، وهي التي وقعت بين يدي سلطان داخل شقتها وعلى سريرها هل هناك خطر أكثر من ذلك ؟ الكدمة التي على ذراعها هل بسبب مقاومتها له حين أراد أن يتحرش بها؟ أم أنها ضربة تقصّدها سلطان لتحذيرها من شئ ؟ ليتك شرحت لنا الموقف على لسان فاتن .. " وَضَّحَ: يعني نبدأ نبحث في الأماكن الغير معتادة.. اللي ما تخطر على البال.. لو كلّفنا إن نهدم جدار.. أو سقف.. أو حتى نحفر أرض" يا سلاااااام يعني كلامي في التعليق السابق طلع صح ؟ 🤓 ممكن يكون في شي تحت الطوب الأحمر المبعثر ؟ 🤔 عبدالله & مروة " ضَحَكت وبتعليق: جنــك بيبي عبد الله.. ساعات أحسّك بريء " ذكرتني بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل، ولا حسد " أشعر أن عبدالله من هذه الفئة،. فحذاري يا مروة أن تكسري له قلباً ، فتلك قلوب يندر وجودها . 🚫💔 ملاك .. أول ما شفت سالفة الترجيع ،طبعاً التفسير الأول الذي يتقافز أمامنا ( مبروك حامل) 😁 لكن سالفة عصير انترجن ،، خلتنا نتراجع هل كان العصير معدّ ليتناوله يوسف ، طبعاً معروف الشي اللي داخله ، وبتوصية من سليطين ،، الله يستر على ملاك ما تتضرر 😓 اسم انترجن لفت سمع محمد ،، هل هي من ضمن الشبكة التي كان يتعقبها محمد في برلين ؟؟ سمبلنيس ،،عندي استفسار نور وطلال لاحظوا الشبه بين فاتن في طفولتها وبين حور بنت سلطان ،، ليش ما حاولوا يتأكدون من تلك العلاقة ؟ كل الشكر والتقدير لمبدعتنا سمبلنيس 🍃🌷🍃 |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مَساء الخير، الفصل إن شاء الله بينزل الأسبوع القادم، مثل ما اتفقنا باخذ وقت أطول هالمرة.. راح أكون مسافرة بس راح أكتب وراح ينزل الفصل بإذن الله. نلتقي على خير يارب💛. |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عيدكم مُبارك جميعًا وكُل عام وأنتم بخير.. أعاد الله علينا هذه الأيام المُباركة بالخير واليُمن والبركة. أعتذر منكم لعدم التعقيب على التعليقات الأخيرة.. بس لظروف السفر وعدم توفر الوقت وكذلك الشبكة. بإذن الله السبت المُقبل راح يكون موعدنا مع الفَصل. كونوا بخير💜. |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم تَوكلتُ على الله الجزء الثامن والخمسون الفَصل الأول أَصْوات تأفف.. زَفرات مُتململة.. تَمْتمات مَكْتومة يَبْدو عليها الحَنق.. فَتَحت عيْنيها الضّائِقَتين من حَشوة النّعاس ومن الشمس المُتَسَكِّعة في الغرفة.. أَبْعدت خصلاتها عن وجهها باحِثَةً عنه.. كان يَقِف أَمام المرآة وظَهره يُقابلها.. دَعكت عيْنها ثُمَّ رَمَشت لمرّات مُتتالية مُحاولة أَن تُبصرهُ جَيِّدًا.. اسْتدارَ هُو بطريقة مُفاجِئة ومن فَمه عَبَرت زَفْرة مَسْموعة، وبيديه شَدَّ على قَميصه كما لو أنّه سَيُقَطّعه قَهرًا.. هي التي اسْتوعبت ما يجري هَمست: ليش ما قعدتني؟ انتبه لها.. تَرَك القميص مفتوحًا وهو يُجيب دون أن يَنظر لعينيها: مو إنتِ زعلانة عَلي تَنَهَّدت وهي تَعتدل لتجلس على رُكْبتيها وتُناديه: تعال اسْتجابَ لها مُباشرة لأنّه لأكثر من خمس دقائق كان يحاول أن يُزرر قَميصه وجميع محاولاته باءَت بالفشل.. تَوَقَّفَ أَمامها.. تناولت طَرفي القَميص لتغلق الأزرار وهي تَهمس: تستاهل إني أزعل عليك اسْتَنكرَ بحاجِبَين مُرْتَفعين: اللحين من الغلطان؟ أنا ولا أبوش؟ رَنَت لهُ بحدّة: اثنينكم دافعَ عن نفسه: أنا ما سويت شي غلط كَشَفت لهُ عن مَقصَدها وغَصّة الخَيْبة تُشاكس حَلْقها: واعتقادك إنّي ما أبيك عشان تعليمك؟ وإنّي أفضّل الدكتور عليك؟ وإنّي ما أحبّك؟ بَرَّرَ وملامحه يُخامرها ضيقٌ يَرفض أن يَعتقه: نُور.. إنتِ تعلقتين فيني في طفولتش ومراهقتش.. في فترات ما يُعَوَّل على الحُب فيها.. شدراني إذا هالتعلق بقى بعد نضوجش؟ شدراني إنّه تطور لحُب!.. نُور أنا تربيت على إن خواتي.. اللي من لحمي ودمي يكرهوني ويستغلون أي فرصة عشان يجرحوني ويهينوني.. ما أنلام إذا راودني شك بخصوص محبّتش لي.. إنتِ الغريبة... المتفوقة والدكتورة.. أنا كنت ولاشي نُور.. ولا شي.. ثقتي في نفسي عَدم.. فمو شي غريب إنّي أَصَدِّق كلام ناصر! والدَّمعُ يَهْتَزُ في مآقيها: بـس أنا حبّيـ ـتك.. حبّيــتك رَدَّ وهو يَسكب بصوته دَمعٌ مُوارب: وأنا حبّيتش.. إنتِ كنتِ ولا زلتِ أغلى شي في حياتي.. بعد ما فقدتش فقدت كل شي.. السعادة والابتسامة والرغبة في الحياة.. صدقيني كنت كل ليلة إذا حطيت راسي على المخدة أنتظر الموت.. أتمنى إن الصبح يتجاوزني وما اييني لأنّ رُوحي ما تتحمل يوم جَديد خالي من وجودش "احْتَضَنَ وَجْهها وبخطوط يَده تَشَرَّب صَبيب عَيْنيها.. هَمَسَ وهو يَمس جَبينها بجبينه" ما كنت واثق إن طلال اللي ولا شي.. تحبه نور اللي هي كل شي! نَطَقت.. لا بَل نَطَق الحُلم المَنحور الذي غالهُ والدها: ضاعـ ـت سنين.. من عمرنا.. واحنا بعاد عن بعض.. ليــ ـش.. ليـــش! مَضَت يَداه إلى عُنقها شَدَّ عليه بمَلق وهو يُقَرِّب وَجْهها منه: أُشش.. خلاص حَبيبتي.. هذي إرادة رَب العالمين.. ما ندري شنو الحكمة من اللي صار "أَتت لتفصح عما يختلج في نفسها إلا أَنَّه قاطعها بقُبلتين قَصيرتين مُتتاليتين قَبْلَ أن يهمس" خلاص يا عُمري.. ما يفيد الحجي اللحين.. اللي صار صار.. إنتِ ريحي قلبش بس "أخفض يُمناه لبطنها ليُردف بابْتسامة" حتى البيبي مسكين تضايق من هالكآبة غادرت صَدرها تَنهيدة مُرْهَقة لتقول: لكن أنا لازم أكلّم أبوي انكمشت ملامحه: متأكدة من هالقرار هَزَّت رأسها بإصرار: اي طلال.. لازم أعرف ليش هو رفضك وحط أسباب من عنده للرفض من غير ما يقول لي حَرّك كَتفه: على راحتش.. إذا الكلام معاه بيريحش.. فسوي اللي يريحش ,، يَجلس بِجذعٍ مُتَقَدِّم.. كَجلوس الوَجِل المُتَحَفِّز للخَطر.. شابِكًا يَديه، يُقَلِّب بَينَ راحَتيه قِلّة حيلته.. بصمت وسكون.. يُعاين الضَّجيج الحائِم في صدره.. ما بين قَلبه ونَبضه. انتبه لجلوس والده بجانبه.. ابتسم لهُ تلك الابتسامة الصفراء.. الشاحبة.. والباصقة ألوان الحياة من قُعر الرّوح.. قال والده وكأنّه يَتساءل: أشوفك قاعد اهني بو حسين وَضَّح بهدوء: حَنين جايين لها بنات عيلتها، وأنا ما أبي أتركها.. أخاف تحتاج شي.. فقعدت اهني تَساءَل باهتمام: وشلونها اليوم؟ ما صار عندي وقت أمر عليها وأتطمن تَمْتَمَ بخفوت وجفنيه يَتّكئ فوقهما غراب البؤس: الحمد لله اسْتَفسرَ: وشنو الحل اللحين يُبه مدام كل النتايج سليمة؟ أَجابَ وهو يَضغط الكَف بالكَف وبصره مُتعلّق بمنحدر الضياع: العلاج النفسي.. أنا خبّرتهم عن خوفها أول ما عَرَفت إنها حامل.. وساوسها.. وبعدها مشكلة المَشيمة وانهيارها قبل العملية.. والشهرين اللي قضاها حسين في المستشفى.. وآخر شي خَبّرتهم عن خوفها من التعامل معاه بشكل طَبيعي.. فأكّد لي الطبيب إن سبب هالشلل نفسي.. وتحتاج لعلاج نفسي.. جَلسات بس.. وطبعًا تداوم على العلاج الطَبيعي.. وإن شاء الله بيتحسّن الوَضع. : إن شاء الله "وبتساؤل" بس إنت ليش متكَدّر هالكثر يُبه؟ الحمد لله في حل لمشكلتها أَفْصَحَ ويَده تَسْتقر فَوْق جَبينه: خايف هي ما تقبل بهذا الحَل عَقَدَ حاجِبَيه مُسْتَغرِبًا: وليش؟ ما تبي هي تتحسن صحتها وترجع لحياتها الطبيعية؟! رَدَّ: امبلى يُبه.. بس أقصد "بَلّلَ شَفتيه ثُمَّ أكمل وهو يعود لِشبك يَديه" أقصد إنها ما بتقبل بالعلاج النفسي.. أنا أعرف حَنين.. أدري إنها راح تَتحسس من الموضوع هَزَّ رأسه بتفهّم: لازم بتتحسس.. وخصوصًا هي هالفترة حساسيتها بتكون بزيادة.. بس إنت يا ولدي لازم بتكون مهيئ نفسك لأي ردة فعل.. وإن شاء الله راح تعرف تتصرف وفي النهاية هي بتوافق "رَبَّت على فَخذه وبابتسامة داعِمة" لا تحاتي يُبه.. كل الأمور راح تتعدّل ابْتَسَم بخفّة وفؤاده يَعتلج بالقَلق: إن شاء الله ، هُناك في الأعلى.. على يَمينها وشمالها تَسْتقر بنات أترابها.. كانت تَبكي.. تَجُر الوَجع المُتراكم داخلها وتَبكي.. يَأسها ورمادية أحلامها وانهيار صَرح ثقتها.. كُل ذلك كان ترجمانه الدّموع. هَمَسَت من بَيْن اخْتناقات أَنفاسها: راح أقول.. له.. يطلقني أَغْمَضَت بقوّة وأصواتهن المُعترضة تَتكالب عليها من كل صَوْب.. قالت نُور بجديّة يُخالطها الغَضب: حَنين شهالحجي! ليش هذا التشاؤم الكَبير؟ ليش تسمحين لنفسش تستلم لليأس بهالسهولة! أَيَّدتها غَيداء التي قالت: إنتِ مو ضَعيفة حَنين.. وإنتِ راح تتجاوزين هالمرحلة.. لا تتهورين وتهدمين حياتش بإيدش.. إنتِ بطلبش هذا راح تدمرين نفسش وتدمرين زوجش وتدمرين ولدش اللي توه طالع على الدنيا نَطَقَت حُور بنبرتها الناعمة: وانتو تظنون بسّام بيوافق على طلبها؟ مُستحيــل.. بَسّام لو شنو يصير ما بيتخلى عنها حَرَّكت رأسها تَرفض كُل الذي قيل وسَيُقال: أنا ما أقدر.. ما أقدر أعيش معاه وأنا جذي.. وأنا ضعيفة ومحتاجة.. وهُو.. مرده بيمل وبيتعب.. ما في رجال يصبر على مراة جذي.. ما فــي قالت جِنان بنبرة غَلَّفتها باللُطف: حَبيبتي حَنين.. بسام بيمل وبيتعب.. هذا شي أكيد.. بس ما راح يتخلى عنش.. ما راح يسمح لنفسه يتركش محتاجة.. إنتِ زوجته وحبيبته وأم ولده.. راح يبقى معاش ويكون معاش خطوة بخطوة لين ما تنتهين من علاجش وترجعين مثل قبل... ما راح يتذمر ولا يتضايق.. راح يبقى سند وظهر ببحّة وهي تُكَفكف دموعها: ما في شي يجبره إنّه يبقى.. أنا بريحه مني ومن مرضي.. بخليه يطلقني.. وخله يشوف حياته مع وحدة ثانية.. ما تتعبه.. ولا تبهذلـ ـه عَقَدت جود حاجبيها مُسْتنكرة: وإنتِ عادي عندش يكون مُلك لمراة ثانية؟! أَجابت وعَسَل عَينيها المُغرم بهِ تُلَوِّثهُ كَلماتها البَليدة: عـادي.. ما صار لنا حتى سنة من تزوجنا.. ما بيننا ذاك الحُب.. نقدر نتخلى عن بعض عَلَّقت بتعجُّب: تفكيرش غَريـب! جنان باسْتنكار كَبير: الغريب مو بس إنش راضية تنفصلين عنه وتتركينه لغيرش.. الغريب إنش راضية تبهذلين ولدش بهالقرار! حَنين إنتِ ما تدرين يعني شنو يتربى الطفل بين أم وأب منفصلين.. الموضوع أصعب وأعقد مما تتصورين عَقَّبت تَسْتَسهل الموضوع: عـادي.. أطفال واجد تربوا مع أم وأب منفصلين وحياتهم أفضل من حياة الأطفال اللي ظلوا أمهم وأبوهم مع بعض بكل مشاكلهم وعقدهم النفسية اللي أثرت عليهم وعلى شخصياتهم نُور بحدّة لا تُناسبها: حَنيــن.. مُشكلتش لها حل.. الاستسلام في بداية الطريق يدل على ضعفش واستهتارش بمشاعر الناس اللي حولش.. وأولهم بسّام عَقَدت حاجِبَيها وأهْدابها المُبَلّلة تَنعى الانكسار السابح في رُوحها.. هَمَسَت بخواء: أنا ما أستهتر في مشاعره.. أنا بنقذه من الجحيم.. بنقذه من البهذلة.. الحياة قدامه ويقدر يقضيها مع امراة تحبه وما تكسر ظهره.. أنا عالّة.. بمنعه من أبسط حقوقه ومن إنّه يعيش حياته حُر.. إذا بقى معاي.. راح يكون للأبد ملتزم فيني.. راح أكون سجنه والقيد اللي يمنعه من الحَياة. ,، أَبْصَرت الصُّبح والشمسُ بأبّهة تُراقص أَشِعّتها على الجدران والأَرضية الخشبية.. اسْتدارت يَمينًا جِهة النافذة.. الضَوْء الآتي منها قَوي.. تُرى كَم الساعة؟ انقلبت على يسارها حيث اعْتادت تضع هاتفها.. لكنّها لَم تجده على الدرج الجانبي.. لذلك رَفعت نَفسها وهي تَمُد ذراعيها في الهواء وتَمط عَضلاتها.. تَركت السرير وبيديها ساوت أطراف قميصها.. كانت نائمة بالملابس نَفسها التي ذهبت بها إلى منزل شَقيقها.. بنطال من الجينز وقميصٌ أَبيض.. غادرت الغرفة المفتوح بابها لِتَجد زَوجها على إحدى الأرائك يَعمل على حاسوبه.. قال دون أن يلتفت لها: صباح الخير رَدَّت وهي تَتَكوَّم في زاوية الأريكة ذاتها: صباح النور "اسْتَفسرت" الساعة جم؟ نَظَر لساعة الحاسوب ثُمَّ أجاب: عشر وعشر اتَّسَعت عيناها: أوووف.. أنا توقعتها بالكثير سبع "زَفَرت بضيق" اللحين شسوي ويا دوامي! ابْتَسم وهو يرنو لها للحظات قَبْل أن يعود للشاشة ويوضّح: كتب لش الدكتور سِك ليف.. يومين بعد مو بس يوم ارْتَفَعَ حاجِبَيها: والله! هَزَّ رأسه: والله.. لأن تحتاجين للراحة مالَ رأسها باستنادٍ للأريكة وهي تُعَبّر عن شعورها: والله حسيت روحي بتطلع من كثر ما استفرغت.. أول مرة يصديني جذي "صَمتت لثواني قَبْلَ أن تُرْدِف باعتراف" قبل.. يوم كنت في بيتنا القديم.. بين فترة وفترة إذا تذكرت حادثة أبوي.. وريحة الدم.. وريحة ذيك الليلة بالذات.. كنت أستفرغ.. بس ولا مرة كان الاستفراغ بهالعنف! غريـــب ومُخيف أَخْفضَ شاشة الحاسوب بِصَمت.. تَراجع للخلف دون أن يُحَرِّك بَصره إليها.. إلا أَنّهُ بعد نصف دقيقة عَقَّبَ بنبرة هادئة: الدكتور شك إنش ممكن تكونين حامل انَطوت على نفسها أكثر وهي تحشر يديها بين فَخذيها.. حَكّت خدّها بخجل وحُمْرة خَفيفة لاطفت وَجْنتيها.. همست: مو حامل أَكَّد: اي.. مو حامل.. سوى لش تحاليل أَفصحت: ولا حسيت بشي.. ما أذكر أصلاً شصار.. بس أذكر إنّك حملتني للمستشفى ومن بعدها ما أذكر شي هَمهم ثُمَّ قال: طبيعي إنش ما تتذكرين.. هذا المطلوب كان عُقْدة عَدم فَهم تَوَسَّطت حاجبيها: شلون يعني؟ شتقصد! قابلها بسؤال مُفاجئ: تعرفين يعني شنو انترجن؟ رَدَّدت خلفه: انترجــن! "استنكرت" شدخلها اللحين؟ وبعدين هذا اسم.. شدراني شمعناه في بلدها.. أصلاً مادري هي من وين! وَضَّحَ مُزيحًا الخمار الثَقيل عن أعينهم البريئة: المُفترض إنها ألمانية.. لأن اسمها له معنى بالألمانية اعْتَدلت في جلوسها لتسألهُ بانتباه شَديد: وشنو معناه؟ بخفوت وعيْناه تُراقبان ملامحها بدقّة: انترجن.. يعني مَكيدة.. دَسيسة ازْدادت عُقدتها: انزيــن! ليش هذا اسمها.. وليش اسمها له دخل باللي صار؟! اسْتدارَ إليها بكامل جَسده لينطق ببطء شارِحًا لها: مَلاك.. العصير خبرتيني إن انترجن عصرته لكم.. ومن بعد ما شربتيه تبهذلت حالتش ارْتَفَع حاجِباها وكأنّها للتو تَعي ما يقصد: تتوقع حاطة لي شي في العصير؟ بس ليــش! أنا ما سويت لها شي ولا ضريتها حَرَّك رأسها ينفي صِحّة ما تقوله: اللي في العصير ما كان حقش.. كان ليوسف هَتَفَت بصدمة: شنـــو! قال يُذَكّرها: إنتِ قبل قلتين لي إن كان بينه وبين زوجته مشاكل صح؟ بس ما وضحتين لي بالضبط هالمشاكل.. أقدر اللحين أعرف؟ ازْدَردت ريقها المَرْعوب وهي تستقر على رُكْبتيها بجلوسٍ وَجِل.. أَبْعدت خصلاتها عن وجهها لمرات مُتتالية.. حتى أنّها في المرة الثانية والثالثة كانت لا تُبْعِد سوى الوَهم الذي يُحاوطها.. أَجابت بتردّدٍ التهمهُ الهَمس: كــ ـكــ ـ.. كـان.. كان يضربها.. ضرب مو طبيعي.. يسيّل دمها.. جم مرة.. يضربها.. بـس.. بـ ـس هو.. يقول ما يذذ...كـ ـ أكْمَل عنها بثقة: ما يذكر.. يقول إنّه ما يذكر إنّه ضرها.. صح؟ هَزَّت رأسها بالإيجاب.. ويَداها تكادُ أن تَتَكَسَّر أصابعها من فَرط ضَغطها عليها.. التَقطت صَوْتها المَدهوش من بين رُكام الصَّدمة لتتساءَل: يعني.. انترجن.. كانت طول هالفترة.. تحط له شي في أكله يخليه يضر زوجته! أَكَّد: هذا الظاهر لي.. اسمها مُستحيل يكون جاي صدفة.. والمادة اللي شافوها في تحاليلش تأكّد أكثر "اسْتطردَ" بسألش.. هي من متى تشتغل عندهم؟ دَعَكت صدغها بسبّابتها مُجيبةً: مو من زمان.. بعد ما انتقلوا لبيتهم هذا اشتغلت عندهم.. هي والسواق.. عمي سلطــ "شَهْقة مُسَنّنة بَترت كلمتها وجَرحَت حَلْقها الغاص بالصَّدمة.. صاحَت وابْتسامة مُحَمِّد كانت الجواب" سلطــان.. سلطـــان اللي وظفها ووظف السواق.. يعني هــو.. هــوو سبب كل اللي صار رَدَّ مُوصِلاً الخطوط إلى نقاطها حتى تكتمل الصورة المشوّهة: يوسف قال إنّه كان معاهم في المكتب ليلة الجريمة.. سلطان لعب هاللعبة القذرة من طفولة يوسف لين اللحين عشان يعيَشه في صراع ما بين الواقع والوهم.. عشان تسقط عنه الشهادة وما يتم التحقيق معاه.. المادة اللي ظهرت في التحاليل تسبب الهلوسة وتعطّل وظايف بعض أعضاء الجسم.. تسبب خلل مؤقت في الأعصاب.. جسمش النحيل ما تحمّل قوتها وتصدّى لها مباشرة عشان جذي صادش هالاستفراغ.. لكن يوسف.. الله العالم من متى وجسمه يتعذب من هالمادة ومحّد داري! ارْتَفعت يَداها بارْتعاشٍ إلى وَجْهها.. ضَغَطَت عليه وجحوظ عَيْناها كان المَعْبَر لمسير الدَّمع المُحَمَّل بذهول الروح وهَلعها.. هَمَسَت بشهقة مُتعَرِّجة: لـ ـلـيش.. ليـ..ــش... ليـش! أجابَ بجوابٍ واحد هَوى فَوْق قَلْبها صَخْرة قَذفها إلى حاضرهم نِفاق سلطان مُنذ عشرون عامًا: لأن أبوش انذبح.. ومن غير أدنى شك.. انذبح بيدين سلطـان ، عَوْدة لليلة الماضية.. تَحديدًا مَطْبخ منزل يوسف وحُور. سَكَبت العَصير في الكؤوس النظيفة والمَصْفوفة في طَبق التَّقديم بترتيب.. بعد انتهائها أخرجت من جيبها بحذر وهي تَسْترق النظر للباب؛ كيس شفاف صغير جدًّا.. أفرغت ما فيه في أحد الكؤوس ثُمَّ أَدارت المزيج حتى اختلط جيّدًا.. حملت الطَبق بظهر مُسْتقيم وابْتسامة احْترفت ارْتدائها لسنوات.. ابْتسامة ينطوي خَلْفها كَيْدٌ قَذِر.. تحركت لتخرج من المَطبخ.. وعند الباب تَقابلت مع حور التي قالت بابْتسامة: هذا يكفي انترجن.. أنا سأوزّع العصير.. أنتِ عودي إلى غرفتكِ وارتاحي.. يومكِ كان طويل ومُتعب رَفَضت سَريعًا وهي تُشَدّد من مَسكتها للطبق: لا لا.. سيدتي.. لستُ مُتعبة مَدَّت يَدها للطبق قائلة: لا أنا مُحرجة.. عملتِ كثيرًا اليوم.. أعطني إياها أَبعدتها عنها وهي تَتصنع الضحكة: أووه سيدتي.. وكأننا نلهو.. دعيني أواصل عملي.. لا مُشكلة في ذلك رَفعت كتفيها باسْتسلام: مثلما تُريدين "أرْدفت بأمر لَطيف" لكن هذه مُهمّتكِ الأخيرة.. بعد الانتهاء منها أنا آمرك بالذهاب إلى غرفتك من أجل الراحة أَوْمأت بطاعة: حسنًا سيدتي غَمزت لها وبضحكة ويدها تتناول أحد الكؤوس بعشوائية: سأسهّل عليكِ المُهمة فَغرت فاهها للحظات قَبْلَ أن تهتف مُعترضة: لكــن سيدتي.. العصيــر ضَحكت: ماذا؟ ما به العصير؟ : انتو الثنتين شعندكم؟ صار لكم ساعة واقفين عند باب المطبخ تهذرون اسْتدارت حُور لملاك والابْتسامة لَم تُبارح شَفتيها لتُجيبها: أحاول أقنعها تترك اللي في ايدها وترتاح.. بس مو راضية.. تبي توزع العصير وبعدين ترجع لغرفتها أشارت للعصير الذي في يدها وبتساؤل: برتقال؟ أَكَّدت: اي.. فريش هي عاصرته "مَدَّت لها الذي في يدها تحت نظرات انترجن المُتَخبّطة" خذي ذوقي تناولته منها مَلاك.. ارْتشفت رشفتان ثُمَّ حادثت انترجن بابْتسامة ناعمة: لذيـذ جدًا.. شُكرًا لكِ انترجن ,، كانت تَستريح على إحْدى الأَرائِك الطَّويلة عندما سَألتها والدتها: طلال بعد بيجي يتغدا؟ أَجابت وهي تُرَتِّب الوسائِد الصغيرة خَلف ظَهرها: لا.. بيتغدا في الشغل.. دوامه للمغرب اليوم وَقَفت: زين بقوم أنجب على ما يوصل أبوش رَفعت جَسدها: بجي أساعدش أشارت لها بالبقاء: إنتِ انسدحي ارتاحي.. كفاية زحمة المستشفى والوقفة طول اليوم.. ريحي ظهرش اسْتجابت وعادت لوضعها السابق.. جَسدها مُمتد باسْترخاء على الأريكة.. شعرها مُحَرّر من رَبطته ليتناثر كنَهرٍ من الكاكاو حَوْل صُبْح وَجْهها المُرْهَق.. أسْبَلت جِفْنيها وهي تُحاول أن تَحيد بمَسْمَعيها عن الغَوغاء وهي تَصخب داخلها.. بَدأت تُصغي لأنفاسها وتُرَتِّب خطواتها لتنتظم وهي تَعبر صَدرها.. يَداها مَبْسوطتان فَوْقَ بَطْنها.. تَتَحسّس تكوّره البَسيط.. قُرابة الأربعة أشهر تفصلها عن لقائه.. عن لقاء الإنسان الذي خَلَقهُ الله في رَحْمها من صُلْب طَلال.. حَبيب عُمْرها. ارْتَعَشَ جْفناها واضَّطرَبت أهدابها.. كما لو أَنَّ مَخاضًا قَد أصابَ عَيْنها لِتَلِد دَمْعة تَنوح على فَقْدٍ سَبّبه والدها.. حَبيب وُجودها. ماذا لو وافق عليه ليلتها؟ ماذا لو كانت لطَلال مُنذ تلك اللحظة؟ هي زوجته هُو.. لا أحد غيره.. لا عبد الله ولا أي أحد آخر.. حينها لن تَتراشق عليها سِهام بلقيس المَسْمومة.. ولَن تُهاجم واقعها أسواط كوابيس تَجلد طُهرها وضَميرها. ماذا لو قَبَلَ به! كيف كانت ستصبح الحياة؟ قُبلة عنوانها الحُب والرَّأفة والحَنان.. ها هي تَحُط على جَبينها.. شَرعت بوّابَتيها.. أَبْصَرت وَجْهه الذي لطالما كان انعكاسًا لكُل الذي يتوارى بين زوايا رُوحها.. كانت عَيْناه كَلامها الأَبكم.. وابْتسامته سَعادتها المُتَرَدّدة.. ولسانه شعورها المُصْمَت قِسْرًا.. فكيف لهُ أن يَغْفَل عن الحُب الذي عاشَ في نِفْسها.. بين حُجرات قلبها.. تَحت جلدها.. مُمتزجًا مع حواسها وعلى ملامحها؟ كَيْــف! بلا إرادة منها.. وبسبب عُمْق الجِرح المُنتَحِب في صَدرها.. انزَلقت من عَيْنها دَمْعة توالت من بعدها الدّمعات والشهقات المُوْجِعة. تَجَهَّمَت ملامحه وباضطراب جلس على رُكبتيه ليرفعها مُتسائِلاً بصدمة: يُبــه نُور! شصايــر؟؟ تَنَشَّقَت وألَم أضلاعها يَسْتَبِد بها.. كانت تَشعر بأنّها تَحْمل انكسار طَلال في صَدرها.. لا تُغالي إذ هي قالت بأَنّها كانت تَسْمع خَشْخشة أضلاعه التي هَشّمها رَفْض والدها.. اسْتَلَّت من الغَصّة كلماتها لتنطق بأسىً كَئيب وتعاسة مُوْحِشة تَذيلها عِتابٌ لاذع: أوجعنـ ـي رفضك له.. وأوجعني.. إنّـ ـه ما يدري شكثر قلبي كان يحبـ ـه.. بس اللي قاعد ياكلني.. ويقطّع روحي قطعة قطعة.. وأحسه يدوس فوق قَلبي.. كَسْرِتَــ ـه.. إنت كَسَرته يُبه.. إنت كَسَرته مع إنّك أكثر واحد يدري شكثر هو انكسر.. تعرف عدد جروحه وخيباته.. هدمت حلمه يُبـه.. نهبته من ايده بجذبـة.. جذبـــة! "تَلَفَّتت وكأنّها تَبْحث عن البؤرة التي سَتجذبها للحظة التي انتحر فيها حُلْمه لتراه.. تطعن قلبها وتراه" أتخيل شعوره حزتها.. شلون قَدر يحمل قلبه اللي طَعنته ويمشي! دموع رُوحه بقت داخله لو تفجرت وغرقته! شكـ ـى لمن؟ أي حضن احتوى انكساره؟ من اللي جمع قَلبه بعد ما قسمته نصين! يُبه إنت خذلته.. خذلته.. وخذلتنـ ـي "واللوعة تَلْتهم صَوْتها المَبْحوح" آخــ ـر واحد كنت أعتقد إنّه بيخذلني.. هو إنـ ـت! اهْتَرَت ملامحه.. أَرْخى طَرْفه وجَثى جَواه على رُكْبَتيه.. أَطْبَقَ شَفتيه، فلا جَدوى من الكَلام.. شَدَّ قَبْضَتيه.. فكَفّه فَقيرة من دِفء.. ماتَ فيها الرَّبيع وغَفت بَيْن خطوطها قِطع جَليدية لاسعة.. لا تُريد منكَ الآن مَسْحة ولا تَربيت.. لا تُريد أَسفًا ولا تَبريرًا.. لا تُريد حُضنك ولا أُبوّتك.. أَنتَ خذلتها ناصِر.. خَذَلت قِطعة قَلبك. وَقفَ وعلى كَتفيه عباءة الانهزام.. التوى عِرْقٌ في ضَميرها.. فهي لَم تَعْتَد أن تُبصره بهذا الحال.. ازْدَردت ريقها بصعوبة.. وهو هَمَس وعَيْناه تَهربان من النَظرة العابرة مُقلتيها باتّجاه رُوحه: كنت أظن إنّي.. سويت الصح.. لش وله.. كنت أظــن! ,، أَطْفأت الأَضواء جَميعها مُكتَفِية بضَوءٍ أَصْفَر خافِت يَسْتَقِر فَوْقَ رأسها.. ذَكرت مُنذ الصباح من خلال لوحة الإعلانات ومن خلال الحساب الخاص بالمتجر؛ بأنّه سَيُغْلَق اليوم في وقتٍ مُبَكِّر.. في حدود الساعة الثامنة مساءً.. وها هو المَتجر مُغْلَق وفارغٌ من جَميع مُوَظّفيه.. الباب الزُّجاجي تَزاحَمَ فَوْقه الضَّباب مما حَجَبَ عنها رؤية الذي خَلفه بوضوح. نَظَرَت لساعة رِسْغها.. الثامنة وعشرون دَقيقة.. عشر دَقائق على المَوْعد.. زَفَرت رُعْبها وهي تَرْتعش.. ساعتها وهي تنتظر، شَعرت وكأنَّ الشتاء يَبزغ من جَسدها. فَرَكت كَفّيها ببعضهما البعض وهي تُقَرّبهما من فَمها لتَمنحهما بَعض دفء.. لكن لا فائدة.. تَعتقد أَنّ بدخوله سَتَتحول إلى قالَبٌ ثَلجي.. مَهما قالت.. ومهما كَذبت على نفسها وعلى رائد.. فهي تَخافه.. تَخاف من حَيْوانية أَفعاله.. تَخافُ من ضَميره المُنتحر.. خُبْثه وخَواء قَلْبه. سَترت رُعبها المَسْفوك على مَلامحها بكَفّيها.. أَغْمَضت وهي تُجاهِد للظَفر بشَهيقٍ سَوي.. حاولت أن تُهَدّئ من رَوْعها المُهَدِّد بالانهيار.. لكن ساعات ذلك الفَجر الأَسود كَشَّرت عن أنيابها أَمام ذاكرتها. ، شَخَصَ بَصَرُها لفترةٍ لَم تَكُن فيها واعِية لا للزمان ولا للمكان.. لوَهلة ظَنَّت وكأنَّها قَد قُذِفَت في دَوَّامة رَمادية تَتَلقّفها ذات اليَمين وذات الشِّمال.. ما بين الماضي الأَسود.. والحاضر المُناضِل من أَجل البياض. نَطَقت باسْمه بلا صَوت.. حَركة شفاه لا أكثر.. حركة فَزَع لا غير.. تَسَلَّقت يَدها إلى صَدْرها وهي تَتَسَوّر بالارْتعاش.. قَبَضت على ردائها وهي تَنْكمش كورقة خَريفية.. كُل القوة التي كانت تَتباهى بها تلاشت من بين أصابع يَديها.. تَكَوَّمَ البُكاء في حَلْقها وثَقُلَت أَجْفانها من حِمْل الغَمام.. لَحْظتها صَرخت في جَوْفها تُنادي بــ "رائـــد". حاولت أن تُلَمْلِم شَتاتها.. أن تُعيد تَرقيع رَتق شَجاعتها المُهْتَرِئة.. فَتَحَت فَمها.. ابْتَلَعت هواءً بارِدًا فَغَصّت.. سَعُلَت لثواني ثُمَّ هَمَست ببحّة مُضاعَفة: خَــ ــ ..ــ ــخــ ـوفتنـ ـي! وَقَفَ من على مقعد التسريحة.. خَطَى إليها وفي عَيْنيه شَرٌّ لا تَستطيع تَرجمته.. أَحْنى جذعه حتى قابلها بوجهه الأسْود، المُحْتَكِر قُبْح العالم أَجْمع.. هَمَسَ بفحيحٍ قاتِل: ترى إذا طالت لعبتش.. بتشوفين شي عمرش.. عمــرش ما شفتيه يا وَعد "سَخَر بابْتسامة مائلة" هذا إذا كان اسمش وَعد فعلاً! تَساءَلت بتأتأة وقبضتها تزداد على ردائِها: أي.. أي لـ ـلــ ـعبة! ارْتَفَعَ حاجبه: إنتِ أَدرى هَزَّت رأسها سريعًا تنفي اعتقاده الصَحيح: لا.. لا.. مو قاعدة ألعب.. صدقني.. مو لعبة اخْتَرَقت حَلْقها شَهْقة هَلِعة حينما قَبَضَ على ذراعها بشراسة.. شَدَّ عليها وهو يَهْمس بتهديدٍ تَعلمُ يَقينًا أنّهُ سَيُحَقّقه: كل مرة تسكتيني بجم كلمة.. وبعدها ما أشوف شي.. لكن والله.. وهذاني حلفت.. والله إذا انتهى هالأسبوع وما شفت شي.. راح أقلب حياتش لجحيــم "هَزّها بجلافة مُكمِلاً" مَحّد كفو إنّه يتلاعب في وقتي وفي أفكاري... مَحّـــــد هَمَسَت بأنفاسٍ مَشْروخة وهي تَشعر بانسلال الثبات والاتزان من أَطرافها: قريب.. قريــب.. كل شي بيتوضح قريب.. صدقني , رَمَشت بخفّة.. الباب فُتِح.. رَفعت عَيْنيها.. كان هُو.. أَمَرت قَلْبها لألا يَرْتعد.. فليَكُف عن الخَوْف والجُبْن البَغيض.. اسْتدارت بصمْتٍ خَيّمَ على المَكان بَعْدَ أن أَدار القفل.. مَشَت وصَوْت كَعبها يَشق سكون الليل وهو يَتبعها؛ ماشِيًا بِقَدَمين لطالما حَمِلَتاه للذّبِح والنّهب وتدمير الإنسان. وَصلا للمَخْزن الخاص بمكوّنات المخبوزات والحلويات.. أَغْلَقت الباب ثُمَّ وَقَفت عند الرَّف الخَشبي المَصْفوفة عَليه أكياس لها لونٌ قشدي.. أَخْرَجت من جَيْب بنطالها الخَلْفي سكّينًا مَسْلولة خَطَف التماعها لُبّه.. فيمَ سَتستخدمها! وقَبْلَ أن يُقَلِّب أَفْكاره.. رَفعت يَدها ثُمَّ وبقوة هَوت على أَحد الأكياس وبحركة واحدة شَقّتهُ لتَتناثر منهُ ذراتٍ صَغيرة مثل شَلالٍ أَبيض يَمضي إلى الأرض الخشبية مُكَوِّنًا هِضاب.. ذرات يَعرفها جَيّدا وهي تَعرفه.. ذرات أَجْبَرته على الاستسلام لِقَبْضة الصِّدمة التي أَثارت اسْتهزاءها. نَطَقت وحاجبها الذي يَعْتلي جَبَل الثّقة أَكّد لهُ بأَنّه قَد اسْتَصغرَ أمرها أكثر من اللازم..: مئـــة كيلو من الكوكايين ,، فَتَحَ الباب.. دَخَلَ لِتَصلهُ الأَصوات المُتمازجة بِصَخَبٍ قَليل.. مَضى لغرفة الجلوس الواسعة حَيث اسْتَقبلتهُ جُود بابْتسامة عَريضة: أهلاً وسَهـلاً يا عريـــس أَشاحَ عنها ببرود ثُمَّ جَلَسَ بجانب والدته.. ظَلَّ صامِتًا لفترة وعَيْناه تدوران على المكان ومن ثُمَّ تَسْتقران على السُلَّم.. اسْتَمَر هكذا لبضع دقائق قَبْلَ أن تَسألهُ نُور بصوت مبحوح: فيصل.. شفيك ساكت؟ نَظَرَ لها بعدم اسْتيعاب.. وكأنَّ عَقله كان يَطْفو في مَجالٍ آخر.. بَعيدًا عن الجَميع.. لذلك عَلَّقت جُود: باله مشغووول قالَ بملل: جود إنتِ ما تعقلين؟ بس عـاد! الله يعين علي عليش فَتَحَت فَمها لِتُعَقِّب لكن والدتها قاطعتها لِتُنهي الجِدال قَبْل أَن يَبدأ: جَنى فوق.. مع أمها.. راحت تنام تَنَحْنَح وبظاهر سَبّابته مَسَّ أَسْفل أنفه قَبْلَ أن يسأل: يعني ما بتنزل؟ "حَكَّ صدغه بإصبعه مُوَضِّحًا" جنان أقصد أَجابت وهي تنظر للساعة: ما أعتقد.. الساعة تسع.. وأكيد تبي تجهّز لها ملابسها وأغراضها للمدرسة هَمْهَم بتفهّم وهو يَحني ظَهْره قَليلاً وبيده يُمَسِّد رأسه، في الوقت الذي نَطَقَت فيه جُود بنبرة ماكِرة: ما يحتاج تمثّل وتسوي روحك تعبان عشان تركب لها.. قوم.. مرخّص لك وهو على وضعه، نَظَرَ لها بحدّة وبِشَفَتَيْن مَزْموتَيْن.. قَبْلَ أن يَقِف لِيَتّجه لها ويلتقط طَرْف قَميصها من جهة الكتف ويقول: قومي قومي.. قومي روحي بيتكم.. زودتيــها انفجرت ضاحِكة ونُور عَلَّقت بابْتسامة: وصل حده منش المسكين نَطَقت من بين قهقهتها وهي تُحاول أن تُبعد يده: والله.. قاعد يمثّل علينا.. تبيها اركب لها.. ما لها داعي هالحركات! جَرّها بقوّة حتى وقفت وضحكتها تضاعفت للحَد الذي فَقَدت فيه السَيطرة على جسدها.. لذلك جَلَست على الأرض وهي تَنحني وتَضرب فوق فَخذها.. هو قال بقهر: تضحــك! أنا أطردها وهي تضحك! "انتقلت يده لذراعها ليرفعها حتى تقف" برا.. إذا أنا اهني إنتِ ما تطبين البيت دَفعها من ظهرها فتعثّرت.. تَمَسّكت بيد الأريكة مُتَجَنِّبة السقوط وهي تصرخ فيه: فيصلووه شلون تدزني جذي! ما تخاف أكون حامل؟ هَتفَ بعينين مُتفاجِئَتَين: إنتِ حــامل؟ اسْتقامت وهي تُرَتب قميصها وتقول بابْتسامة جانبية: لااا.. بس يعني ما ندري.. يمكن أكون حامل "غَلَّفَت نبرتها ونَظراتها بالخُبث لتُكمل" على إنّي متأكدة إن جنان بتحمل قبلي ما إن رَأته يَتَقدّم ناحيتها حتى استدارت تجري هاربة للمطبخ وصوت ضحكتها يتردد من خلفها.. وَقَفَ مَكانه وهو يَعض على شَفته قَبْل أن يقول بصوتٍ عالٍ تسمعه: وين بتروحين مني.. مردنا بنتاقبل وبراويش والدته أَرْخَت كَف فَوْق الأخرى وهي تنطق باسْتنكار: هذي ما تستحي! في وحدة تقول هالحجي لأخوها! مادري متى بتعقل! ضَحَكت نُور: يُمّه خلها.. تغيّر لنا جَو اتَّسَعت عيناها: بس عيـــب! مَرَّرَت لسانها على شَفتيها قَبْلَ أن تُوضِّح بِحَرج وهي تُشيح عنهما: هي مو قصدها يعني.. بس تبي تنرفزه هَزَّ رَأسه فيصل ويده ارْتفعت تَضغط على جبينه: أنا أدري فيها.. فاهم لها اسْتَفسرت والدته باهْتمام: للحين راسك؟ ابْتَسَم بخفّة: شوي وباسْتجواب: نمت لو ما نمت؟ كَرَّر وهو يَهرب بعينيه: شوي "مَسَّ أنفه من جَديد ثُمَّ أَشار للسُلّم" أنا بركب اللحين.. تصبحون على خير رَدّت الاثنتان: وإنت من أهله تَساءَلت نُور بعد أن غاب: شنو فيه فيصل يُمّه؟ بتنهيدة أَتخمها القَلق والإرهاق: أرق.. من خبّر ياسمين بموضوع جنان وانهيارها وقعدتها في بيت أختها وهو مو قادر ينام أَرْفَعَ التَّعجب حاجبيها: للحين هي هناك! أَكَّدت: للحين.. ومو راضية تشوفه أو ترد على اتصالاته عَقَدَت حاجِبَيها: بس ما يصير جذي.. لازم تكلمه عشان يتفاهمون.. الحقران مو حل! بصوتٍ مهْموم: شدراني يا بنتي اقترحت: كلميها إنتِ يُمّه اعْتَرَضت سريعًا: لا لا.. مابي أدخّل روحي.. هذي حياتهم وهم أبخص فيها بمحاولة: بس يُمّه قاطعتها بحزم: كيــفهم.. خلهم هم يحلون مشاكلهم من غير ما يتدخل أحد ، نَظَرَ لباب غُرفتهم أولاً هذه المرة.. كان مُشَرَّعًا والواضح أَنَّ لا أحد داخلها.. تَحَرَّك بَصره لغرفة ابنته.. تَضَخَّمَ قَلْبه.. فالباب نصف مَفتوح والأضواء تَعْمل.. إذن هي هُناك. مَشى بهدوء وبطء وكُلَّما اقْترب من الغرفة اتَّضح صَوتها أكثر.. يبدو أَنَّها تَقرأ لجَنى قصة ما قبل النوم. تَوَقَّفَ عند الباب يُصغي لنبرتها الرَّقيقة وهي تَقرأ.. رَفَع بَصره.. جانب جَسدها وشعرها ما كان يَستطيع رؤيته.. هذ لا يكفيه.. لا يكفيه.. لذلك دفع الباب بخفّة لتلتقي عَيناه بعيني جَنى التي كانت تُقابله.. نَطَقَت باسْتنكار نصفه زَعَل: بابا.. توك تجي! اسْتدارت جِنان بانتباه لِيَرتطم القَلب بالقَلب.. تَعَمَّد أن يَتجاهلها وأَن لا يَسْمح لنظراتهما بأن تَلتقي.. فهو ابْتَسَم بحنانٍ فاضَ من عَيْنيه وخَطَى لصغيرته التي تُعاتبه بملامحها البَريئة.. جَلَس بجانبها على الجهة الأخرى والرائحة التي يُحاول أن يَتَصَدَّى لها ها هي تُحاصره.. أَحاطَ كَتفي جَنى وقَرّبها لصدره وهو يُهْدي جَبينها قُبْلتان مُتتاليتان ومن ثُمَّ يَهمس باعتذار: آسـف يُبه.. بس كان عندي شغل عَلَّقَت بِقَهر طفولي: كلــه شغل كلـه شغل.. قبل يوم كنا أنا وإنت ماما كان كله عندها شغل.. واللحين يوم صرنا أنا وماما إنت صار عندك كله شغل رَفَع يَدها الصَغيرة وأخذ يُقَبِّل كُل إصْبع على حِدى وهُو يُردّد: آسف.. آسف.. آسف.. آسف.. آسف "وأخيرًا طَبَع قُبْلة دافئة وعَميقة في باطنها ثُمَّ قال بصدق" آخر مرة حَبيبتي.. صدقيني كل يوم بتشوفيني تَساءَلت لتُطَمئن قَلْبها الصَّغير: وَعد؟ أَكَّد وهو يُداعب أنفها: وَعد يا عُمري أَرْخَت رأَسها على صَدره بارْتياح.. وكأنَّ جَبَلاً من هَم كان يُقَرفص فَوْقَ رُوحها المُسالمة.. إلا أنَّ إغلاق والدتها للقصة حالَ بينها وبين تلك الراحة.. فهي أَطبقت الكتاب ذو الرسومات الطفولية وتَحَرَّكت مُسْتَعدة للنهوض.. نَطَقَت الطفلة بخيبة: ليــش ماما؟ شوفي شلون.. اللحين بابا جا وإنتِ بتقومين.. ليــش! بَرّرَت: بتنامين مع بابا صح.. ما يحتاج أقرا القصة هَمَسَت من بَيْن غَصَّة كَوَّمتها سنين الفَقْد: أبي أنام معاكم.. اثنينكم.. أبي تقرين القصة.. وبابا اهني.. مـ ـ قَطَعت حَديثها حَشْرجة البُكاء الذي بَدأ يَنهش صَدرها.. تَقَوسَّت شَفتاها واهتَزَّتا.. ووَسَط مُقلتيها سارَ بَحرٌ من دمْعٍ أَحمر.. اقتربت منها جِنان سَريعًا واحتَضنت وَجهها بكلتا يديها وهي تهمس بكل ما في جوفها من لُطف: أُشش حبيبتي.. لا تصيحين يا بعد قلبي.. خلاص بقعد وبقرا القصة لين ما تنامين تَنَشَّقَت قَبْلَ أن تَزْدرد بُكاءها ويدها احْتَضَنت يَد والدتها القريبة لتقول برجاء: لا تروحين شَدَّت على يَدها: ما بروح ماما "قَبَّلت عَيْنيها بخفّة ثُمَّ هَمَسَت بابْتسامة ناعمة" بقرا القصة لين تغمض هالعيون الحلوة ابْتَسَمت برِضا وقَرَّبت يَد والدتها من صَدرها وهي تعود لتسترخي في حضن والدها المُسْتَسِلم للصَّمت وللدهشة. اعْتَدَلت جِنان في جلوسها لتستأنف قراءة القصة.. اسْتمرت تحكي لصغيرتها وهي تُراقب ملامحها الناعسة.. وبين الفينة والأخرى تُلْقي نظرة على ذاك الذي هَجره النَّوم.. فهو كان يَرمش ببطءٍ شَديد.. كما لَو أَنَّهُ يُقاوم رَغْبة في ذاته تَحِن للنَّوْم على هَدهدة صَوْتها. أَغلقت الكتاب بَعْد أَن تَأكَّدت من نَوْمها.. نَظَرت له.. عَيْناه مُتعلقتان بالشرود.. سارحٌ هُو، في ماذا لا تدري! ويَده مُسْتمرة في المَسْح على شَعر جَنى.. لَم تُحادثه ولَم تُحاول حتى أن تلفت انتباهه.. فهي وَقَفَت لُتعيد القصة إلى مكانها ثُمَّ غادرت الغرفة باتجاه غُرفة الغَسيل.. انشغلت في كَي ملابس المدرسة، ثُمَّ اتَّجهت للمطبخ لتجهيز حافظات الطّعام الخاصة بابنتها والخاصة بها.. قَبْلَ أن تعود للغرفة لتجدها فارغة إلا من جَنى الغارقة في سُباتها الشَهي.. عَلَّقت ملابس المدرسة.. جهَّزت ملابسها الداخلية وحذائها.. تَأكَّدت من ترتيب كُتبها حسب الجَدول.. غَطَّتها جَيّدًا وفَوْق جَبينها رَسَمت قُبْلة سَتشرق شَمسًا من وَجهها صَباحًا. أَنهت مُهمّتها مع ابنتها لليوم.. وها هي تَقف أَمام باب غُرفة نومها.. هي وزوجها.. فيصل. فَتحت الباب بهدوء شَديد وحَرص.. فَقد يكون نائمًا.. إلا أَنَّ توقّعاتها خابت عندما أَبصرت السَّرير خاليًا.. أَيُعَقل أَنَّهُ خَرج؟ حَرَّكت كَتفيها.. الله العالم.. خَطَت إلى حَيث يَستقر هاتفها على الدرج بالقرب من السرير.. نَظَرت للوقت.. العاشرة وخمس وأربعون دَقيقة.. حَرَّكت إصْبعها على الشاشة.. مُحادثة من نَدى.. وجود.. وأخرى من نُور.. بعــ... ــصوت خطوات من خلفها.. التفتت بشهقة خافتة.. كان هُو.. هُـــو. اسْتَدارت بكامل جَسدها إليه.. كان خارِجًا من غُرفة الملابس.. إذن كان يَستحم.. يرتدي سروال مَنامته.. صَدره عاريًا ويُجَفِّف شَعره بمنشفة صَغيرة. مَرَّرت لسانها على شَفتيها وهي تَعقد ذراعيها على صَدرها تَنتظره أن ينتبه لها.. أَخْفَضَ المنشفة ومُباشرة أَلْقاها على مَقعد التسريحة.. لَم ينتبه بعد.. أَبعد خصلاته المُبللة عن جَبينه وأَرجعها للخلف.. نَظَرَ لوجهه في المرآة وهو يَتحسّس لحيته بعينين ضائقتين.. تعتقد أَنَّهُ غير راضي عن كَثافتها.. فهو لَم يَحلقها منذ مدّة كما هو ظاهرٌ لها. مَشَّط شَعره.. رَشَّ عطره الخاص ثُمَّ اسْتدار عائدًا لغرفة الملابس وهي تنظر إليه بحاجِبين مُرْتَفعين وفَمٌ انتصفته ثغرة التَّعجب.. يتجاهلها.. يَتجاهلها بعمد! لماذا؟ لماذا هذا التجاهل المُسْتَفِز؟ لَم تفعل شيء! هي أساسًا لَم تَرهُ منذ فَجر الليلة الماضية.. لِمَ إذن يُقابلها الآن بهذا الأُسلوب؟ شَدَّت قَبْضتيها ثُمَّ تَحَرَّكت بِحَزم ناحية غرفة الملابس.. وعند مدخلها تلاقت معه.. كلاهما تَوقّف تفاديًا للاصطدام.. تَنَفَّسَت بوضوح وهي لا تزال تَشد قَبْضتيها.. هو لَسعها بنظرة جَليدية قَبْلَ أن يَتجاوزها كما لَو أَنّها قِطعة جماد مُهْملة في الغرفة.. اسْتدارت إليه بسرعة وبنبرة هجومية: إنت شفيــك! لَم يُجِبها.. قابلها بظهره وراح يَرتدي بلوزته السوداء دُون أَن يُعيرها أَدنى اهْتمام مما أدى لاشتعال أول جَذوة داخلها.. تَقَدَّمت منهُ تُناديه: فيــصل.. أكلمك اسْتَدار فَجأة ليقول بحدّة مُبالغ فيها: لا تكلميني.. مابي أسمع صوتش اسْتنكرت بارْتفاع حاجِبين: وليــش! أنا شسويت؟ اقترب خطوة مُجيبًا بسؤال: ليش إنتِ اهني؟ ليش جاية الشقة؟ وهي لا زالت رَهْن الاستنكار: وليش ما أجي! مو خلاص احنا رجعنا لبعض؟ عَقَدَ حاجِبيه: والموضوع هالكثر سهل! تجهز الشقة الصبح.. في الليل تنقلين أغراضش وتنثرينهم وتملين المكان بريحتش! بكل سهولة.. وكأن السبع سنوات اللي راحت ما لها معنى.. صفحة وانطوت بإصبعين.. أو صورة قطعتيها نصين وتناسيتيها.. تناسيتين خيانتش.. تناسيتين إنّي للحين مو مسامحش! ارْتَفع صَدرها لِتكشف عن نَفَسٍ ثَقيل وهي تُسْبِل ذراعيها بجانبي جَسدها وتهمس بيأسٍ وحَسْرة: تَوّك البارحة.. كنت عادي.. ليش رديت رجعت لقسوتك! بَرَّرَ: كنت مريض ابْتسمت بشحوب: وإنت إذا مرضت تطغى عليك شخصيتك الحقيقية.. شخصيتك اللي ساجنها غَصب داخلك رَفَع يَده أمام وَجْهها ليقول بملامح مُشْمَئزة: عن التفلسف.. لا تعورين راسي زيادة هَزَّت رأَسها وهي تبعد خصلات شعرها وتزدرد ريقها الغاص بالدموع المُصْمَتة.. قالت بهدوء: أوكي.. ما بتفلسف "ارْتَفَعَ حاجِبها ونظراتها ارْتَدَت الحِدّة لتُرْدِف" وترى أنا بعد مو مسامحتك.. على بنتي.. بس ما عليه.. بنسكت اللحين "وهي تَضغط على حُروف الكلمة" وما بـنـتـفـلـسـف.. ما بعور راسك زود أَكمل عنها: وما في نومة في الغرفة عَقَدت حاجِبيها: نَعـــم! أَكَّد: اي.. ما تنامين في الغرفة.. نامي برا أو مع جنى.. أنا متقصد آخذ لغرفتها سرير كبير عشان يكفيكم ثنتينكم استغربت وهي تعود لتعقد ذراعيها: وليـش! رَفَع يَديه بالقرب من وجهه وهو يهمس من بين أَسنانه بنفاذ صبر: جنان لا تجننيني.. لا تجننينــي! عادت وصَفعت صَبره بسؤال آخر: شفيك؟ أنا شسويت! خَطى لها وبكلتا يَديه قَبَض على كَتفيها ليهتف في وجهها: إنــتِ شنــــو! ما تحسيـــن! مو واعية لوضعنا! شهالبرود اللي أنتِ عايشة فيه! كَرَّرت بهمس مُرْتَجف يُصارع البَحر المُتأجّج داخلها: شسويت! هَزَّها بجلافة وتَعبهُ الهائِل يَمضي بتصرفاته للاعتباطية: لا تقولين شسويت.. لا تقوليــن.. راجعة لي وقاعدة في شقتي ولا كأن شي صار! ولا كأن احنا انفصلنا سنيــن.. خلالها إنتِ تزوجتين وأنا تزوجت.. ما كأن كان بيننا شد وجذب.. ولا كلام وجروح.. متجاهلة إنش خايـــنة.. راجعة لي وتبينا نرجع زوجين.. فرّقنا يوم لو يومين! أَبْعَدَت يَديه بقوة عن كَتفيها وهي تهتف بحنقٍ وقلّة حيلة: شتبيني أسوي! تبيني أنوح وأترجاك تصدقني وتسامحني؟ تبيني أوقف على الأطلال وأغرق نفسي بالدموع؟ لو تبيني أحبس نفسي في بيت أبوي رافضة دخلة شقتك؟ "رَفعت إصْبعها أمام وجهه تُنَبّهه" لعلمك.. ترى أمّك وأمي قالوا لي بيسوون لي حفلة.. بيعزمون أهلنا وقرايبنا ومعارفنا.. وبعدها أنا بنتقل اهني.. بس أنا رفضت "أشارت لنفسها ووميض الدّمع يَزعق وَسَط مُقلتيها" أنا رفضت.. قلت لهم مابي.. لأنّي ما أقـــ ـدر "تَزاحمت الدّموع على خَدّيها وهي تُكْمِل بتهدِّجٍ وأَنفاسٍ مُرْهقة" ما أقدر أصارع هالشعور.. شعور العودة لك بعد كل هالسنين.. بعد الهجر والفقد والخذلان.. ما أقدر! "وهي تَمسح ما هَطل بظاهر كَفّها" ألبس وأتزين.. ويجون لي الناس.. يباركون لي.. ويهنوني.. على شنـو! على زواجنا من جديد؟ على رجعتنا بعد ما ظلمتني وطلقتني؟ يباركون لي لأنّك رضيت ترجّعني لذمتك وأنا في نظرك خاينة! قول لي.. على شنو يباركون لي؟ "ضَحَكت ببحّة تتهكّم من حالها" على فقدي لسنين عمري وأنا بكل غبــاء مصدقة إن بنتي ميتة! "حَرّكت رأسها" على شنو فيصل؟ شلون كنت تبيها رجعتي؟ أنزف لك؟ لو أستأذن منّك؟ لو شنو؟ أنا اي.. قاعدة أتناسى.. قاعدة أتغاضى غصب عن الحقيقة.. خلني.. خلني غارقة في هالشعور.. خلني أقنع نفسي إني كنت نايمة يوم لو يومين في بيت أهلي.. وجانا الصبح وجيت لك.. اهني في شقتك.. في شقتنا.. خلني أَقتنع إن السبع السنين ما هم إلا يومين.. يومين بس! حَرَّكَ رأسه بأسى شابَ ملامحه لأعوام وهو يَهمس: مو يومين.. مو يومين! سبع سنوات.. سَبــع سنوات وأنا أتقلّب على جَمر.. أَفكّر جم مرة طعنتين فيها ظهري وأنا معطيش كل ثقتي.. سَبع سنوات أَراجع نفسي.. أراجع تصرفاتي.. بشنو أنا قَصّرت.. بالحُب؟ بالأمان أو الدعم؟ كنت لـش كل شي.. كل شــي.. وفي النهاية يطلع أحمد اللي عوضش! أَرْخَت جِفْنيها وأهدابها تَصافقت بارْتباكٍ أَحدثتهُ كلماته المُعاتِبة.. هَمَست بدفاع: أنا ما قلت جذي أَكَّد: امبلى.. لسانش قال إنّه لَعب دوري.. صار أنا.. صار زوج وحبيب وعوضش عن كل اللي فقدتيه عادت وطَوَت رُوحها خَلْف عُقْدة ذراعيها.. كما لو أنَّها بهما تَمنع تَحْليقها المَلْهوف إليه.. رَفَعت ذِقْنها بكبرياءٍ مُهْتَرئ لتقول: إنت ما تحبني.. تكرهني.. ليش هالكثر مأثّر فيك زواجي؟ رَدَّ بسؤال.. لا بَل بخَنَجَرٍ شَطَر قَلْبها المُوارب: متأكدة إنّي أكرهش؟ شَدَّت بذراعيها على صَدرها حتى شَعرت بأنَّ أَضلاعها سَتَتهشم من قَسوتها على نَفسها ومن صَدمة ما ينطق به.. هَمَسَت بأنفاسٍ تائهة وعيْناها تَتَحَرّكان باضطراب على وجهه: إنت قلت.. قلت تكرهنـ ـي.. وطلقتني.. وتصرفاتك كلها.. من ذاك اليوم للحين.. تأكّد إنّك تكرهني قالَ بِوَجْسٍ مازجتهُ سُخرية مَريرة: إنتِ اخترتين إنش تقتنعين إنّي أكرهش.. لازم مهما قلت ومهما فعلت ما تصدقين إنّي أكرهش كَرَّرت تُحاول أَن تُطْعِم جواها هذه الحقيقة المَسْمومة: إنت تكرهني هَمَسَ ليُعيدها لماضٍ أَجبرت رُوحها على صَرف النَّظر عَنه.. لتُواصل الحياة باقتناعٍ من كُرهه لها: اتركي كل شي.. كل شي.. واذكري آخر ليلة جمعتنا.. آخـــر ليـــلة "أشارَ بيده للمجال حَوله" هذي الغرفة شاهدة عليها.. الليلة اللي كان نتاجها جَنى أَغْمضت وسَيْل الدّموع كَوّن على صَفْحة نَحْرها واحة مالحة.. وبغصّة: كانت رغبة.. كنت تبي تشبع رغبتك وبس.. بـــس لَطمَ رُوحها بسؤالٍ آخر: متأكدة؟ نَظرت إليه بعينين راجيتين ومُتْعَبَتَيْن.. وكأنَّها قَد قَطعت مَسافة سَبع سنوات من النَّظر.. هَمَسَت تُناشده: لا تسألني.. لا تسألنــي.. خــلاااص اقترب منها أكثر حتى التَصق جَسده بجسدها.. وأَنفاسه الساخنة أَخذت تَصهر جلدها المُتَهَيِّج من فَيْض عَيْنيها.. هَمَسَ مُتجاهل رجاءها وعَيْناه تَغزوان عَيْنيها: ليش ما تبيني أسألش؟ خايفة يخونش الجواب ويطلع؟ خايفة بعد كل هالسنين تكتشفين إنّش تدرين إنّي أحبّــش؟ خايفــة؟ رَفَعت رَأسها إليه والمَسافة المَعدومة بَينهما نَهَبت منها أنفاسها وقوّتها البالية.. هَمَسَت بصوتٍ جَريح.. أَصابته السنون بسيوفها وسِهامها: اللحين أنا أتحمل الغلط كله؟ أنا أشيل على جتفي أخطائي وأخطائك؟ وإنت.. المظلوم المطعون في ظهره؟ وأنا الخاينـ ـة.. الساذجة والغبية.. واللي تجذب على نفسها وتتغذى على الوهم؟ خلاص.. جنان تتحمّل الذنب كله.. وفيصل هو البريء المظلوم؟ عَقَّبَ مُوَضِّحًا الصورة: إنتِ اللي جريتينا لهذي الدوامة.. إنتِ سَبب كــل شي ودَمعةٌ مَكسورة تَطُل من شُرفة عَيْنها: لو إنّك سَمعتني.. جان ما صار اللي صار.. كنت وقتها بعذرك حتى لو ما سامحتني.. يكفيني إنّك تسمعني وإنّك تعرف إنّي ما خنتك.. وعمري ما فكّرت إنّي أخونك قَرَّبَ وَجْهه منها حتى أَنَّ أنفها اصْطدم بخدّه.. وأنفه اصْطَدم بوجنتها المُحمَرّة.. هَمَسَ والأنفاس تهرب منهُ إليها.. ومنها إليه: جِنـان.. إنت ما خنتيني مرة.. إنتِ خنتيني ثلاث مرّات "عَدّد لِيُفَتِّت قلبها" طلعتش مع أحمد.. زواجش منه.. وموافقتش على نادر تَمَسَّكت بأذيال ثقتها لتُواجهه بهجومٍ مُرتعش: وإنــت خذلتني ثلاث مرات.. تخليك عنّي ورفضك لسماعي.. إيهامك لي بموت بنتـ ـي.. وزواجك من ياسمين.. مثل ما أنا كنت لأحمد.. إنت اللحين لهـ ـا انتقلت عَدستاه بين عَيْنيها لثواني صامِتة.. قَبل أن يَتراجع عنها إلى السَرير وهو يَقول: أنا أسكت عنش أحسن.. راسي يعورني وأبي أنام بثقة مُنقطعة النَّظير: ما راح تنام وهو يَرفع اللحاف: راح أنام أَكَّدت بذات الثقة التي اسْتَفزته: ما راح تنام.. صدقني.. بتقعد تتقلب لين ما يأذن.. وعقب الصلاة بتغط لأقل من ساعة وبعدها بتقعد ووجع راسك متضاعف اسْتَلقى وهو يُغطي جسده إلى نصف صَدره قائِلاً ببرود: ما لش دخل.. نمت لو ما نمت.. شي ما يخصش انتظر منها رَد لكنّها تحركت للتسريحة.. فتحت أحد الأدراج وأخرجت علبة طولية ثُمَّ استدارت عائدة إليه.. جَلَست مكانها على السَّرير بساقين مَطويتين.. أشارت لحضنها وهي تقول: تعال ارْتَفَع حاجبه ساخِرًا: احْلفــي! تكلمت بجديّة: بسوي لراسك مساج.. إن شاء الله بترتاح وبتقدر تنام بحدّة: شُكرًا.. مابي منش شي انقلب على جانبه الأيسر ليُوليها ظَهره.. فهمست هي تُذَكّره: مَسّجت لك راسك أكثر من مرة.. وعلى طول كان يفيد معاك.. خلني أساعدك هالمرة بعد "لَم يَنطق بشيء فأكملت هي بنبرة مُغرية" مو مشتاق للنوم العَميـق والمُريح في هالبرد؟ تتدفى عدل وتريّح راسك من الفوضى اللي فيه.. تنسى كل شي وتنــااام كان يَسْتمع لها والأَلم كدودة تنخر في رأسه.. هُو يَتذكّر جيّدا تلك الليالي التي يأتي فيها إليها.. باحِثًا عن دفء حضنها وسِعته الغَريبة.. هي بالنسبة إليه.. أنثى ناعمة.. ضئيلة ونحيلة.. لكن وبغرابة كان حُضنها يَتّسع لجسده الرُّجولي.. لا يقصد هُنا هو الاتّساع من حيث المساحة فقط.. فحنانها ودفئها وحبّها.. كُل ذلك كان يَسعه.. يَسع حُبّه.. احْتياجه.. قلبه وذاته المُقَيّدة بها.. وأن يَحْظى بنومٍ هانئ.. وأن تغفو العَيْن وتنهار الأفكار في حضنها.. هذا ما لا يستطيع شَوْقه مُقاومته. أَغْمَضَ عَينيه بضعفٍ يَبغضه وهو يَقْبض يَده بارْتجاف.. حَبَسَ أنفاسه وجُل إحساسه تَمركز في المَوْضع الذي داعبتهُ أناملها.. عُنقه وخصلات شعره القصيرة.. أَتاهُ هَمْسها الليّن: تعال فيصل وكأنّها قَد أَلقت عليه تعويذة سحرية.. فهو أَدارَ رأسه إليها وبَيْن ملامحه لاحَ التَّردد.. ابْتَسمَ لهُ وَجْهها الباقية بين طَيّاته آثار البُكاء المُوْجِع وهي تَقول بذات الهمس اللذيذ: لا تخاف.. نومتك في حضني.. وعلاج إيدي لراسك ما يعني إنّ السماح صار.. راح يظل الزعل موجود تَبادلا النَّظرات بصَمْتٍ سَيْطَر على المَكان.. قَبْلَ أن يَتحرّك زاحِفًا إليها مُتَذَيِّلاً بكبريائه.. تَنَفَّسَت براحة وجَذَل وهو قال ورأسه يَحُط على أَرْض حضنها بَعد سَبعة أعوام من القَحط: هذا ما يعني إني رضيت عنش وهي تُرَطِّب يَدها بالزّيت: أدري.. ولا يعني إنّي رضيت عنّك وَزَّعت الزّيت بَين يَديها، ثَبّتت أصابعها على صِدْغيه، ثُمَّ بهدوءٍ وبنعومة بالغـة بَدأت تُدَلّك المنطقة باحتراف.. كان يَتَأوّه بين الحين والآخر وملامحه تَتَصَدّع بألم.. وهي كانت تُجاهِد لسانها لألا ينطق بـ"حبيبي".. "بعد عمري".. و"فيني ولا فيك" اسْتَمَرّت تُدَلّلك جبينه وجانبي رأسه.. وكذلك هَبَطت لعُنقه من الخلف وكتفيه.. فهي تعلم أنَّ صداعه غالبًا ما يمتد لهذه المنطقة عندما يُطيل مُلازمته له. مَضَت ربع ساعة وهي تُعالجه بيديها الطّبيبَتين.. هي حتى لَم تكُن مُلْتفتة للأَلم الذي دَبَّ بين مفاصلها.. كانت مُولية جُل حواسها إليه.. جِفْناه اتَّكأ عليهما الوَسن.. تجاعيد جَبينه اسْتَسَلمت وتَبَدّدت.. ارْتدت ملامحه ارْتخاء مُسالِم.. وأَنفاسه تَخَلَّت عن قطارها السَّريع.. لِتَسْتقِل سَحابة مَنحتها الهدوء والانتظام. ابْتَسَمَت برِضا تــام عندما أَطْبَقَ جِفْنيه وأَرْخى عضلاته بَيْن قَبْضة النَّوم.. هُنا.. في هذه اللحظة الذي غابَ فيها وَعْيه.. سَمحت لقلبها الواله بالتَّعبير عمَّا في جَوْفه عن طَريق لسانها.. فهي قَد هَمَسَت بمشاعر مُتَوَهِّجة وأصابعها تَزور خصلات شعره: حَبيــبــي "كَرّرتها ويدها سَعت لمُصافحة ملامحه" حَبيبي.. حَبيبي سَلَّمت على جرح رأسه.. حاجبيه.. عَيْنيه.. أَنفه.. وَجْنتيه.. لحيته الكثيفة.. شاربه وشَفتيه.. رَعَدت في جَسدها السّماء الساهرة وإبْهامها يَتحسس شَفتيه بتَوْق.. أَغْمضت تُحاول أن تَنفذ إلى قُعر رُوحها حيث تَنطوي الذكريات.. نَبّشت عن قُبلاته.. عن إحساسها وثغرها يَرتوي من شَفتيه.. نَبّشت ونبّشت.. لكنّها لَم تَجِد شيء.. ارْتَعَش قَلْبُها بأسف.. فَتحت عَيْنيها بضيق.. ناظرت شَفتيه.. سَألتهما بِوَله.. متى سَتحيا بَيننا القُبلَ؟ أَفْصَحت عن تَنهيدة مُتعبة حَدَّ تَمني الانغماس فيه والاندماج معه.. لعَلَّ الذات تُشفى.. انْحَنت إليه.. وبخفّة تُشْبه النَسيم المُداعب قَبَّلت ما بَيْن عَيْنيه.. قَبْلَ أن تَسْتند للسرير برأسٍ مائل.. سامِحة للنَّوم بأن يَسرقها.. فَرُبّما تَلتقي معه بين عَرصات حُلمٍ مَحْفوف بالحُب والغفران. ,، يَدور حَوْل نَفْسه.. مَرة واثنتين وعَشر.. يَتَفَقّد هاتفه.. للمرة الثلاثون.. لا شيء.. الشاشة فارغة.. لَم تَتصل.. لَم تكتب شيء.. إذن هي بخير.. لَم تتعرض للخطر.. اتفاقهما كان هكذا.. أن تُرسل له رسالة طارئة في حال نَوى ذاك الخَسيس لها شَرًّا.. لكن إلى الآن لا شيء.. الحمد لله. التَفت لصوت عَزيز الضائق : تعال دوّر معانا.. مو إنت محترق عشان تنتهي هالسالفة؟ تعال وساعدنا رَدّ بأمَلٍ مَيّت: ما في شي.. صار لنا أسبوع ندوّر وما لقينا شي.. هذا يعني إن ما في شي أَيّدهُ مُحَمّد: هذا الواضح.. قلبنا البيت فوق تحت ما لقينا شي سَخَر رائد: كسروا الجدران وحفروا عَزيز بعقدة حاجِبَين: ما يصير من غير خطة "زَفَر وهو يَضرب الأرض بنهاية عكّازه ضربات متتالية" شنو الحَل.. شنــو! دَقَّت الساعة الثانية عَشر.. التَفتَ الثلاثة إلى الساعة المُعَلّقة والتي استأنفت عملها مُنذ أن حَشروا فيها بطاريات جَديدة.. عَلَّق رائد بضيق وهو يَصُم أذنيه بيديه: صوتها واجد عـالي.. شهالازعاج! تَمْتَم مُحَمّد: فعلاً.. الصوت عالي بطريقة غريبة.. يعني لو كل ساعة دقت جذي بتسبب إزعاج لسكّان البيت صَمَت وعَيْناه مُتَعَلِّقتان بها.. ينظر بتركيز يُوحي بالانغماس في أفكارٍ خَفِيّة.. مَضت دَقيقة وهو على وَضعه حتى انتهت الموسيقى.. تَحرّك بهدوء إلى الساعة.. أعادها للحادية عَشر وتسع وخمسون دقيقة.. انتظر حتى عَلا صَوْت الموسيقى من جَديد يَتبعهُ صوت تَذَمّر رائد: ليــش رديت شَغّلتها! من ذاك اليوم واحنا نسمعها.. والله لاعت جبدي لَم يُجِبه.. فَهو قَد تَراجع للخلف ببطء كما لو أَنّهُ يَمشي على ألغام.. أَخذ يخطو بظهره تحت نظرات عزيز الذي لا زال يُعاقب الأرض بعكّازه، رائد الذي اسْتَوعبَ فعلة مُحمّد فَلحقه.. تَجاوز الباب الداخلي.. وكُلَّما ابْتَعد عن الساعة انخفض الصَّوت.. خَطى للخف.. خَطى.. خَطى.. وَخَطى.. ثُمَّ تَوَقّف.. قَدَمٌ للأمام والأخرى للخَلف.. تَقَدّمَ بالأولى وهو يُرْهف السمع.. إنها الموسيقى.. أَرْجع الثانية.. رَكّزَ جيّداً.. لا صوت.. تَلفّتَ.. دارَ حَوْلَ نفسه باحِثًا.. هَمَسَ رائد: الأرض أَخْفَضَ رَأسه في الوقت الذي قَدِمَ إليهما عَزيز جادًّا السَعي وهو يَهتف بحمـاس عارم: الأرض محــمــد.. الأرررض "تَوَقّفَ أمامهما وهو يَلْهث.. ضَرَب بعكّازه على المَوْضع المقصود وهو يهمس بابْتسامة النّصر" اهني.. تحت هالطوب المبهذل انتهى |
الساعة الآن 07:26 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية