رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
اقتباس:
وأنا بعد فاقدة بلومي من زمــان.. عساها تكون بخير. وطعون الحمد لله هي بخير.. على تواصل معاها. |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مَساء الخير.. شخباركم جميعًا؟ هذي السبت مثل ما اتفقنا ما راح يكون في فصل.. راح نلتقي بإذن الله السبت اللي بعدها واللي من عقبها راح أبدأ آخذ وقت أطول للكتابة.. خلاص وصلنا للنهاية والأحداث المُنتظرة كَثيرة.. وجميعها مُهمة ودقيقة وتحتاج شغل.. فما أقدر بس خلال أيام بسيطة أكتب.. وفي النهاية ينزل الفصل فيه موقف أو اثنين مُهمين.. لذلك عشان ننتهي بأسرع وقت ومن غير تمطيط في الأحداث أحتاج وقت أكثر للكتابة.. مثل قبل.. عشرة أيام أو بالكثير أسبوعين.. عشان بانتهاء ثمانية أو كحد أقصى تسعة أكون أتممتها. أدري بتتوجه لي اعتراضات وانتقادات واتهامات كذلك.. بس أبي أنهي الرواية بأفضل صورة وعشان أكون راضية وانتوا راضيين عنها. هذا الكلام نزل في حسابي في تويتر قبل يومين تقريبًا.. أدري الوضع بيضايق الأغلب.. بس الفصول الأخيرة شفتوا بنفسكم إنها ما كانت ترضيني.. وما أبي أندم على النهاية وأنا تعبت على الرواية لسنوات.. وكذلك انتوا تعبتون من الانتظار فمن حقكم إن تكون النهاية مُرضية.. اللي تضايقه الفترة بين كل فصل وفصل أنصحه يترك الرواية ويكملها بعد انتهائها.. كان في بالي شهر ثمانية إنها تنتهي.. بس للأسف وكالعادة ما أعتقد بيمدينا.. فحطيت شهر تسعة كآخر موعد مُتَوَقّع.. وإذا استمريت أنزل فصول بهالحجم وبهالأحداث صدقوني راح تطوّل الرواية أكثر.. فهذا هو الحل الأمثل بالنسبة لي.. وادعوا معاي إن ننهيها فعلاً على الموعد. شي أخير بغيت أقوله.. أدري إن اهني المنصة الأساسية ولازم أكتب أي شي أبي أقوله اهني قبل.. بس ساعات أضطر أنزل كلامي في تويتر لأن أسهل وأسرع لي.. فأعتذر من اللي ما يتابعوني هناك أو حتى اللي ما عندهم عضوية. https://twitter.com/_simpleness7?lang=ar حتى اللي ما عنده تويتر يقدر يدخل اللينك من جهازه وبيفتح له.. لأن غالبًا أي شي يستجد أنزله هناك. نلتقي الأسبوع القادم.. ودعواتكم لتيسير الأمور. قُبلات. |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
.
السلام عليكم ورحمة الله .. أسعد الله صباح كاتبتنا الصغيرة المبدعة ...🍃🌸🍃 اعذريني أكتب رد على تغريداتچ في المنتدى ، أحس المكان هني شرح وواسع ، وما أبالغ إذا قلت إني في المنتدى أقدر أتنفس بحرية، بينما في برنامج ( curiouscat ). أشعر بالاختناق، وكأن المكان خالي من الأكسجين ، ضيق الله لا يبلانا . 😁 تذكرين سميلنيس مرة سألتك في بداية الرواية إن كان تخصصك الجامعي لغة عربية؟ فكان جوابك بالنفي . فتبين لي أنني أمام موهبة فذة، استطاعت أن تخلق أحداثا متقنة وتصيغها بصورة شيّقة ، وبلغة متمكنة تفيض جمالاً ، تبارك الرحمن (رغم أن تخصصك الجامعي لا يخدمك في الكتابة ) سمبلنيس العزيزة ... اختيارك لنوع القصة والتي نسميها نحن القصص ( البوليسية) 🕵🏻♂ تحتاج بلاشك إلى ذكاء في حبك الاحداث، ورسم شخصية المجرم، وأدوات الجريمة، وإخفاء الأدلة، ورسم شخصية المحقق، ومدى فطنته باستخراج الأدلة التي تدين المجرم ..تبارك الله استطعتِ أنت أن تقومي بذلك بمهارة الحاذق المتمكن... كل ذلك يثبت لنا ما أشرتِ إليه اليوم في تغريداتك أنّ الكتابة موهبة من الله عزّ وجل،ولا يتم تلقينها في دورات ، اللهم فيما اسميته الإخراج الكتابي ماشاءالله تبارك الله ،،، الله يحفظك 🤲🏼 أما فيما يخص القراءة بين السطور ،،،،. يااااااه يا سمبلنيس أرهقتني تلك القراءة ،، أحاول جاهدة أن أتصيد هنا وهناك لعلي أفوز بجائزة السبق في اكتشاف دليل أو حقيقة ،،، لكني أرجع بخفي حنين 😂 قلتِ أن ذكر أشياء في خلال الوصف قد يكون له مغزى ،، فأعدت قراءة آخر جزء فيما يخص بيت صالح ،،، فوجدت ذلك الوصف .. ( . كان يَتَتَبّع بعكّازه خُطوط الطُوب الأَحْمَر التي عُبِّدت بها الأَرْض.. كان الطوب حَيث يَقِف مُرتّب بعشوائية على خلاف باقي الأرْض.) قلت في نفسي باسمع نصيحتچ وأقرأ بين السطور. ،، : ليش في جزء مصفوف بعشوائية بينما الباقي مرتب ! 🤔 هل ممكن أن أحداً أزال الطوب ليخفي شيئاً ، ثم أعاد وضعه بعشوائية ؟ عاد إنتي أقري وعدي ،، 😁😁😂😂 وترى مالقيت شي ممكن المفتاح الكبير الحجم يركب عليه ويفتحه 😓 لذك ننتظر الجزء القادم بشوق . شكرا سمبلنيس ❤🍃 |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
Salaam alaikum
|
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم تَوكلتُ على الله الجزء السابع والخَمسون الفَصل الثاني خَيَّمَ عَلى فِكْرهِ الليْل.. لَم يَعُد قادِرًا على جَرِّ فِكْرة واحدة إلى مَوْضِعٍ مُضيء.. لذلك اسْتَسلمَ سامِحًا للظَلامِ بأن يَبْتَلعه وللصّداع بأن يَنخر رأسه. تَأَوَّهَ وهُو يَغمض بألم وبأصابعه يُمَسِّد صِدْغَيه.. كان للتو يَدخل إلى مَنزل والده.. سَيبات هُنا الليلة.. فشقته لا تُطاق.. كأنَّها كَهْفٌ خانِق تَسد بابه في كُل ساعة صَخْرة جَديدة.. فيَقِل الهواء.. فَيَضيق النَّفَس. خَطى بثقلٍ إلى السُّلَم.. رَكَبَ العَتبات بجسَدٍ يَميل بخمول لِيَستند إلى الحاجز.. حرارته مُرْتفعة.. لا يَدري إلى أَي حَد.. ولكن جَسده مَحْموم.. هُو لَم يَنم مُنذ.. كم؟ أسبوع ونصف تقريبًا.. الأَرَق أَمْسى صَديقه الصّدوق.. يُلازمه كُلَّما قَرَّرَ أن يَسْتَفرغ تَعبَه على وسادته وَسَريره.. ويُلازمه أيضًا وهو يُنَبِّش عن النّوم على الأريكة في شقته.. فوق الأرْضية الصَّلبة.. على عُشْب حَديقة منزل والده.. بين أحضان والدته وعلى رمال الشاطئ.. يَبحث ويَبحث عن النَّوم ولكن بلا نَتيجة.. فلا زالَ الأَرق يُقَيِّده وعلى شَفتيه قَد ظَهرت أَنيابُ لَيْثٍ مُبْتَسِم. تَجاوزَ الطابق الأولَ وهو يُلقي نَظْرة على باب غُرفة والديه المُغلق.. نَظَرَ لساعة رسغه.. إنّها الثانية والربع صَبَاحًا.. عَبَرَت فَمه زَفْرة مُتَململة وضائِقة.. قَبْلَ أن تَشد شَفتيه ابْتسامة ساخِرة.. وكأنّكَ مُشَرَّد فَيْصل.. لا دار تأويك.. ولا غطاء يَصد عنك بَرد ديسمبر. وَصَلَ لشقته.. أَدخلَ المفتاح في القفل ورَأسه مُطَأطأ بإرهاقٍ تام.. شرَع باب الشّقة.. أو لنكن دَقيقين.. شَرَعَ باب الجَنّة.. الجَنّة.. نَعم.. الجَنّــــة! بحركة تلقائية ارْتفعت يده إلى أنفه وكمّمته وملامحه تَسْتحيلُ يَبابًا مُقْفَر.. للحظات اخْتفى اللون من وَجْهه واتَّسَعت محاجره حتى خُيِّلَ لهُ أَن عَيْناه سَتَتساقَطان على الأَرْض من تَحته. أغلق الباب بهدوء ويَده لا زالت تَعمل كحاجز بين أنفه وبين الرائحة التي تَسَرْبَل بها المَكان بزَهْوٍ وخَيلاء.. كان يَكتم أَنفاسه عندما بدأت قَدماه تَزْحفان بِحَذر لداخل الشقة، وعَدستاه تَتَقَلقلان على المَكان باحِثَتان عنها أو عن أي شيء يَنتمي لها. أَنفاسه المُتعَبة ناجته فاضطر أن يطلق سَراحها بالتوالي مع انخفاض يَده عن أَنفه.. بَدأ يَسْتنشق ببطء وهو يَشعر بدُوار الحُلم يُحاصره.. أَهذه رائِحتها؟ أَهذا هُو عِطْرها الأَذْفر؟ هَمَسَ وبين أَوصاله سارت قَشعريرة لَذيذة هَجرتهُ لأعوام: يـــا الله! رَفَعَ رأسه ناحية غُرفة طفلته.. الباب مفتوح قلَيلاً.. ضوء النّوم الأَصفر يُنير الغرفة مما يُتيح لهُ رؤية كأس الماء المُسْتَقِر فَوق الدرج الجانبي.. التقَطَ شَفته السُفلية بأسنانه وهو يَتحرّك بخفّة إلى غرفة نَومه وعَيناه لَم تُفارقان غرفة طفلته؛ مُحاولاً مع الاستعانة بخياله أن يَتَصَوَّرها وهي نائِمة وبَين أَحضانها تَغفو جَنى.. آآه.. يا لها من صورة شَهية... لا يدري متى سَيتسنى لقلبه المُلتاع أن يتـــ ـــ ـأ.... مـــ ـ... ـــ ـــلــ ــهـــ ــــ ـا! جُمـــــود. شتاء ديسمبر ها هُو قَد اخْتُزِلَ في جَسده.. هُو تَجَمَّدَ.. تَصَلَّبَ.. حَوَّرهُ المَشْهد الخُرافي إلى كائنٍ ساكِن مَبْتور الحَركة ومَنهوب الانفعال. تَسَمَّرَ أَمامَ المَشْهد لمدّة لا يَعلمها.. لَم يَكن يَتحرك فيه شي غير عَيناه المُتمرغتان بحُسْنها. كَيْـف؟ كَيْف أتت بها السّماء إلى داره... تغفو على مُضَّجعه.. تنثر شَذا مَوْجها البُني على وسائِده.. وتَرسم خريطة جَسدها الأنثوي على أَغطيته؟ كَيْــف؟ نائِمة بَسلامٍ مُطْمَئِنة.. ذراع تَسْتَريح على السرير بجانبها.. والأخرى مُمتدة أَمامها وقَد سَقَطَ من يَدها كتاب يَبدو أَنّها كانت تَقرأه قَبْلَ أن يَغشيها النّعاس... نائِمة وعلى وَجْنتها تَغفو خصلة تَمَرَّدت حتى لامست طَرف شَفتها وقَبَّلته.. ارْتَعَشَ حتى تَفَصَّد جَبينه عَرقًا.. فعَيناه قَد وَصلَ بهما المَسير إلى مَنبع التوت ومَصدره. تَبَسَّمَ بخفّة وذاكرته تعرض أَمامه وَمْضة حَوَتهُ وهُو طِفْلٌ يَتسلق الأشجار لِيَظْفر بِثَمرة كانت براءته تعتقد أَنّها تنمو من شَفتيها. تَحَرَّكت قَدمه اليُمنى إلا أَنّها عادت بتردّد كَبير.. التَفَتَ جانِبًا ويده تَرتفع إلى شعره تَتَخلّله والحيرة تَعتريه.. سَبع أعوام مَضَت والبُعْدُ بَينهما مُحيط يُستحال عُبوره دون غَرق.. والآن ها هُما نَاجيان وتَفصلهما أَرْبع خُطوات فَقط.. فَكَيف لمُحيطٍ أَرْعن أن يَستحيل إلى خُطواتٍ أَرْبع يَسيرة؟ كَيْــف! ازْدَرَد ريقه المُتَحَجِّر.. آلمه قَليلاً.. ولكن الألم الأعظم كان يَرتكز في قلبه.. فحجراته تكاد أن تَنهدم بانهيار من فَرط نَبضاته الوَلِهة. لا يَعتقد أنَّ الذي يَحدث واقِعًا.. غير مَعقول! لحظة فيصل.. رُبَّما أنتَ تَهذي.. وكُل الذي تراه وتستنشقه وتشعر به ما هو إلا أوهام كَوَّنها وَعْيك المُرْهَق.. فبالأمسِ فَقط انتهيت من تجديد الشقة وتنظيفها.. كيف لها أن تأتي اليوم وتنثر وجودها بين جدرانها؟ حتى لو هي فعلاً حَقيقة ووعيك لا يُوْهمك.. فَلِمَ هي نائمة هُنا؟ في غرفة نومك وفوق سريرك! أنت تَقَصَّدَت أن تختار سَريرًا كَبيرًا لغُرفة جَنى حَتى يَسعهما.. لأنّكَ كُنت مُقْتَنع بأنّها سترفض مُشاركتك الغرفة... لكن المَشْهد الذي أَمامك يَنسف كُل قناعاتك واعتقاداتك! مَشى بخفوت إلى السرير ونصفهُ مؤيِّدًا لاحتمالية أنَّهُ يَتَوَهَّم.. قَرْفَص عندما أَصْبَح أمامها مُباشرة.. تفصلهما مسافة صَغيرة.. أَنفاسه واضحة.. يَسْمعها الليل وقَمره.. مَدَّ يَده لكنّه لَم يَلْمسها.. فهو مُباشرة قَبضها وأخفضها بانْهزام.. فَقَد تَكون حقيقة فَيوقظها. مَرَّرَ عَدسَتيه على وَجْهها.. ارْتَعَشَت ذاته.. رَفْرَفت رُوحه واسْتَعَرَ نَبْضه. غَريبٌ هُو سِرّها.. فهي في مَقام الشَّمس والقَمر.. وهي توأمًا للجاذبية.. هي كالبحار بحركة أمواجها.. وكالسماء بسحبها الماطِرة.. هي مثل كُل شيء له تأثير على الكَوْن.. إلا أَنَّ تأثيرها هُو الأَعظم.. تَسْتطيع في لحظة.. لحظة واحدة أن تَخْتصر الفصول الأَرْبعة.. فمن عَيْنيها تَبْزغ نَظرة الشتاء.. ومن لَمستها يَفيض دفء الرَّبيع ورقّته.. وفي صَدّها عِتاب الأشجار لأَرْض الخَريف.. وفي شَفتيها اشْتعال نيران صَيْف مُلْهِبة.. ببساطة.. هي أنثى على هَيئة كَوْنٍ مُختَصر. قَطَع تَأمّلاته التي تَستنفذ أنفاسه.. أَخْفَضَ رأسه مُقَرِّبًا وَجْهه من وَجهها.. مالَ به مُحاولاً الظَّفْر بأنفاسها.. أَغْمَض وهو يَسْتشعر اختلاطها بأنفاسه.. بَدأ يَستنشق بهدوء.. يَستنشقها.. لتغتسل رُوحه من أنفاسها فَتَتَحَرَّر من سَطوة غُبار الهَجْرِ والخذلان. أَزاحَ جِفْنيه بَعد دقائق فاتَّضَح لليْل الهيام وهُو يَسْبح وَسَط عَينيه.. أَبْعَد رَأسه المُثْقَل ثُمَّ وَقفَ وهو يَشْعر بالأَلم يَمتد ليصل إلى عُنقه.. تَراجع للخَلف والصورة تبدو لهُ مُشَوَّشة.. أغمض وهو يَستدير ليخرج وبأصابعه يَضغط على مُقْلَتيه ويتأوه.. أَغلَقَ الباب ثُمَّ اتّجه للمطبخ.. بَحث عن علبة الدواء ووجدها حيث اعتاد أن يَضع الأدوية.. تناول كأس وسَكَب لهُ بعضًا من الماء.. قَذَف في فمه قِرصان من الدّواء شَرَب بعدهما الماء مُباشرة ليساعده على الابتلاع. أَخْفَض الكأس على المنضدة وهو يَنحني بكتفيه ويُنَكِّس رَأسه.. أَغْمضَ مُنتبهًا للضوضاء داخله والتي تُناقض السكون من حَوْله.. لا شيء في مكانه.. كُل شيء في المَكان الخَطأ.. الناس والماضي والعائلة والعَمل والحُب والصَّفح والخيانة والحاضر والمستقبل المجهول.. هُو.. هُو نفسه ليس في المكان الصَّحيح.. أَضاعَ طَريقه وحَشَرَ نَفسه بِنَفسه في متاهاتٍ تَعم فيها الفَوضى.. لا يدري كيف سيعود.. ومن أين العودة.. وما تَكلفتها.. ومتى ستكون! لا يدري.. فقط لا يدري. شَرِبَ الباقي من الماء قَبْلَ أَن يَسْتَدير لِيَلتقي مع هَدية الفَجْر والسّماء.. غَصَّ بالذي في حَلقه وأَخذ يَسْعُل مُتفاجِئًا بوقوفها.. هي التي كانت تُقاوم شَوْقها إليه هَمَست وهي تَقْبض على أصابع يَدها بقوّة: اوتعيت.. وشفت الباب مسكّر.. خفت.. أنا كنت تاركته مردود.. عشان جَنى تَقَدَّمَ منها بهدوء وهو يَمسح فمه.. تَوَقَّفَ عندما انهارت كُل خطوات البُعْد.. فعلاً لَم تَبْقَ خطوة واحدة.. حتى أَنَّ مُقَدِّمة حذائه الْتَصَقَت بأَصابع قَدميها.. رَفَع يُمناه، وهذه المرة لَم يَتراجع.. بخفّة وكما تَحُط قَطرة النَّدى على الزَّهْرِ حَطَّت يَده فَوْقَ وَجْنتها لِتَنفذ إلى رُوحه رَعشة الحَقيقة.. ارْتَفَعَ حاجِباه وبهمسٍ مُتَعَجِّب: إنتِ صـــدق! يَدهُ الأخرى شاركت أُختها في احتضان وَجْهها فاسْتَسَلمت هي للذوبان.. كانت تَذوي من لَمسته.. وجَلْدها الرَّقيق قَد أَصابتهُ الدَّهْشة.. فهذه اليَد.. وهذه اللمسة.. قَدَ مَرَّت ليالٍ وأَيّام دُون أَن تَزورانها.. تَمَنَّت أن تأَتيها هذه اللمسة في ليلة شتوية بارِدة.. أو في ساعات نَهارٍ صَيْفي يَستجدي فيه الجَسد الرّاحة والرّخاء.. تَمَنّتها في أوقات البُكاء والضياع بين الدّموع والآهات.. تَمَنّتها وهي مُلْقاة بإهمال، تَحْتوي شَوْقها الصارخ وتُطَبطب على فَقْدها.. تَمَنّتها أَكثر مما تَمَنّت شيء آخر. هُو.. العالِق بَيْن الواقع والوَهْم.. بأصابعه بَدأَ يَتَحَسَّس ملامحها كضريرٍ يَطْمئن على الذكرى المحفورة في ذاكرة قَلبه.. عَينيها.. أَنفها وشَفتيها.. مَوْج شَعرها... عُنقها؛ حيثُ تَجثو القُبَل وتَتَعَثَّر الأَنفاس.. زارَ عظام ترقوتها ونَحرها.. قَبْلَ أن يَستقر عند مَحطّة خِصْرها.. ضَغَطَ عليه ونَشيجها المكتوم يَصله.. رَفَع عَينيه لِعَينيها الباكَيتين ليهمس بابْتسامة ذابلة: ضعفانة.. كل شي نفسه.. ما تغير فيش شي.. بس.. ضعفانة مَسَحت دُموعها بظاهر كَفّيها وحرارة جَسده تَلسعها.. نَطَقَت بهمسٍ مُثْقَل بالدّموع وهي تُحاول أن تَتجاوز مع حَواسها أَثَر لَمسته.. تلك اللمسة التي حُرِّمت عليها لِسَبعة أَعوام: إنت حـار رَدَّ وهو يَقبض على ذراعيها بِمَلق: وإنتِ باردة.. ليش مو لابسة عدل؟ هَزَّت رأسها: البيت دافي "رَفَعت يَدها الرّاجفة وبتردّد السنين مَسَّت جَبينه لتهمس بقلق" حرارتك مرتفعة أَطالَ النَّظر حتى شَعَر بأنّ رُوحه غادرته وسَكنتها.. هَمَسَ بعد دقيقة وهو يَبعد يَدها: ما فيني شي تَراجع للخلف خطوة ثُمَّ تَجاوزها لخارج المَطْبخ.. اسْتدارت تَتبعه.. كان يمشي باتّجاه باب الشّقة.. نادته بهمس: فيصل "وباستنكار" وين بتروح؟! أَجابَ بصراحة وهو يمسك بمقبض الباب وعَيْناه تَهْفو لعينيها: أنا مو مستوعب.. للحين.. متدوده.. وأدري ما بقدر أسيطر على تصرفاتي وأفعالي.. فبطلع قالت بحَنو وهي تَرْجو قُرْبه: بس إنت مريض نَفَى: ما فيني شي ثُمَّ خَرَج.. ببساطة خَرَج.. بَعد أن أضرَم فيها نار الشَّوق التي كانت تُثَبِّط عَزْمها لسنوات.. خَرَج.. وبَقِيَت هي تَحْتضن لَمساته لِتَقتات عليها إلى حين عَوْدته. ,، لا يَعلم كَيْف قادتهُ مَرْكبته إلى المَشْفى دون حادِث أو إصابة.. لا يذكر الطريق الذي اتَّخذه ولا الإشارات التي قَطع.. سُرعته كانت مَجنونة.. كانت كفيلة بأن تَطرحه على سَرير المُستشفى لولا رَحْمةِ الله. ما ضاعَفَ من ارْتباكه أنَّهُ لَم يَفْهم ماذا حَدَثَ تَحديدًا.. فَبُكاء أُم حَنين وَفَزَعها مَنَعاها من التَّوضيح. "طايـحة في الحمام" "كنت جاية لها.. عن بروحها.. إنت اليوم في شغلك.. هي بروحها" "صياح حسين واصل لين تحت" "على أرض الحمام طايحين" "ما ترد.. ما تجاوب" "أنا وأبوها معاها في المستشفى" هل تَضررت؟ حسين، هل أصابهُ شيء؟ ما هُو سَبب السقوط؟ كيف حَدث ومتى تحديدًا؟ لماذا الإغماء طالت مُدّته؟ أَضَرَرٌ كَبيرٌ أَصابَ رأَسها؟ يا إلهي! ما هـــذا العذاب! تَجاوزَ الباب المؤدّي للطوارئ وحواسه مَشْدوهة للأَسْئلة المُتصادمة داخله بحيرة.. تَبْحث عن جوابٍ تَخافه الذات.. فإن أَصابها شَيء فَحتمًا سَيصيبه.. وهذه مُصيبة! كان يَبْحث بِعَيْنيه عنها.. أو عن عَمّته وعمّه.. لكن وللمرة الرابعة لَم تَلْتقط عَيْناه أي منهم.. ازْدَرَد ريقه ويَده تَسْتَقِر على جَبينه بقَلَقٍ لاحَ بَين ملامحه المُصْفَرَّة.. إلى أين ذهبوا.. لا أحد هُنا من بين الجُموع.. أين هم! : بَسّام التَفَتَ سَريعًا للصَّوت القادم عن يَمينه.. كان عَمّه.. سَأل بِلَهفة تَنضح من عَيْنيه: عمّــي وينها حنين؟ شنو صار فيها؟ أَجابَ بنبرة كانت هادِئة بطريقة غَريبة: نقلوها لغرفة خاصة.. أنا طلبت.. أريح لها من هالزحمة وهو يَتَقَدّم خطوة: ليــش؟ يعني.. هالكثر... هالكثر هي متعورة؟ نَفَى: لا ما تعوّرت الحمد لله.. بس.. يبون يسوون لها شوية فحوصات عشان نتطمن سؤال آخر والغَصّة في سَقْف حَلْقه: وحسين؟ طَمأنه: حسين بخير.. تركناه مع جيني ومن شوي راحت له جود.. الحمد لله ما تضرر "وبابْتسامة يَكسوها الأَسى أَجَّجت الخَوف في نَفْس بَسّام" كانت حاضنته بكل قوّتها.. الأرض ما لمسته.. ظَل طايح على صَدرها وذراعينها تحاوطه بأمان "اسْتَطَرَدَ بَعْدَ أن حَلَّقت من صَدره تَنهيدة تُشْبه الرّياح الكَئيبة" تعال يُبه.. بنروح لها الغرفة مَشى معه وهو لا يزال لا يَعي شَيء.. فكلامُ عَمّه يُناقض بعضه البَعض.. وملامحه المَهْمومة تَشي بالسوء.. ما بها؟ ما بهـا زَوجته؟ رَفعَ رَأسه ينظر إليه وهُما يَسْتقران في المَصْعد.. تَساءَلَ بكلماتٍ مُتَرَدّدة: عمّـي.. شفيها.. حَنين؟ عادَ وأَلبَسَ شَفته تلك الابتسامة المُخيفة: إن شاء الله خير يا ولدي.. كله قضاء وقدر كَرَّرَ وقَلْبه يَكادُ أن يُسْتَفرغ من فَمه: شفيـــها! مَسَحَ على جانب وَجْهه وهُو يَزْفر قِلّة حيلته ببصرٍ مُشيح، قَبْلَ أن يَرْنو إليه وفي عَيْنيه قَد أَبْحَرَ دَمْع الأُبوّة ليقول بهمسٍ كَسَرته الغَصّة: هذي بنتي بسّام.. ما أقدر أنطقها... ما أقدر أقول شنو علّتها.. ما أقدر تَقَهقَر جَسده ويَده باسْتنجاد تَمَسَّكت بالحاجز الجانبي.. دَوَّامة من غَثيان تحوم في صَدره.. لا قُدرة له على مُجابهة قَلْبه.. فهو في أي لحظة سَيبصرهُ مُلقىً على الأَرض بجانب قَدميه. فُتِحَ باب المَصعد.. خَرَج أبا حَنين وهو لَم يَتَحَرَّك.. ناداه: بَسّام لَم يَرفع رأسه.. لَم يَلتفت إليه.. لَم تَرْمش عَيْناه حتى.. كانَ يُعاين حجرات قَلبه وهي تُقاوم الانهيار.. أَتى النّداء من جَديد: بسّام.. بو حسين؟ حَرَّك عَيْنيه ناحيته برأسٍ مُنْخَفِض.. ازْدَرَد ريقه العالِق به قَلْبه المَفزوع دون جواب.. لذلك قال أَبا حَنين وهو يُشير إليه لِيَتَقَدّم: تعال يُبه.. سَم بالله وتعال تَحَرَّك ببطء بَعْدَ ثواني.. كان يَشعر وكأنّه يَمشي على السّماء.. لكنّها ليست كأي سماء.. كانت سوداء وتَغشاها سُحب رمادية مُوْحِشة.. وكأنَّ عاليه قَد أَصْبح سافله.. لا توازن ولا قوّة ولا وَعي.. جُلَّ حواسه مُرَكِّزة في العلّة التي أَصابت زوجته. وَصلا لغرفتها.. فَتحَ والدها الباب وهو يُشَجّعه: ادخل يبه.. ادخل بسّام اسْتَجابَ وعَيْناه تَتَخبّطان على المجال باحِثَتان عنها.. هُو وَجدها سريعًا.. في ثواني وَجدها.. دَلَّهُ عليها صَوْت بُكاؤها المَكتوم في صَدر والدتها التي تَحتضنها.. كانت الاثنتان تجلسان على السرير.. وكات الاثنتان تبكيان.. إلا أَنَّ بُكاء والدتها كان صامِت.. مُوْجِع وثَقيـــل.. كَما لَو أَنَّها تَجُر حُزْنها من قُعْر رُوحها وتُترجمه على هيئة دموع. تَوَقَّفَ في مُنتصف الغرفة.. خائِفٌ من أن تُلْقيه الخطوة على أعتاب صَدْمة تَحني الرُّوح.. لذلك وَقَفَ.. حائِرٌ ونواحها يُقَطّع نياط قلبه قطعة قطعة. ارْتَعَشَ عندما رَفَعت رأسها.. حَبَسَ أَنفاسه الوَجِلة وعقله هاجمته ألف صورة وصورة لوجهها.. فَرُبَّما هو تَشَوَّه من السقوط! لكنّ الوَجْه الذي قابله لَم تَكن تشوّهه غير الدّموع والحُمْرة القانية التي تَخنقه.. هي حَتى أَبْعَدت خصلاتها عنه فبان قَمره المَخْسوف بشكلٍ أوضح.. نَظَرَت إليه.. شَبَكت عَيْنيها بعينيه فانْهَمَرَ نَهر عسلها الآسن في رُوحه.. هي ليست على ما يُرام.. هي ليست بخير.. لكن أين العلّة.. أين هي! لا دماء ولا جروح.. لا كَسر في ذراعيها ولا ساقيها! ما هي العلّة إذن. : بســــ ـــام خَطى إليها.. ببطء.. بخوف وبرعبٍ ساكِن.. لا يفهم شيء.. لا يفهم شيء. تَوَقَّفَ عند السَّرير.. يَده بتيه وتَعَثّر تحرّكت باتجاه جسدها.. نصفه العلوي كان مُنكمش في حُضْن والدتها.. لذلك أَرْخى يَده على ساقها من فوق الغطاء وضَغَطَ بحَنْوٍ شَتَّتته الشَهْقة الحــادة التي اخْتَرَقت صَدرها.. عَلا بُكاؤها ورأسها مالَ بإعياء في الهواء حتى اصْطَدم بكتف والدتها؛ التي هَمَسَت بصوتٍ التَهمتهُ بَحّة وَهِنة وكَفّها تَمسح على رأسها: اسم الله عليش يُمّه.. اسم الله عليش يا رُوحي.. فيني ولا فيش.. فيني ولا فيــ ـش كانت عيْناه باتّساع الذهول تَنظران لهما والمَشْهد لَم يَستوعبه عَقله بعْد.. لا يفهم شيء.. لا يفهم.. أَخْفَضَ رأسه ينظر إلى المكان الذي اسْتقَرَّت فوقه يَده.. كانت ساقها.. نعم ساقها هو يعرف ذلك.. رَفَع اللحاف الأبيض عنها.. ها هي مكشوفة بسبب ثوب المُستشفى القَصير.. سَليمة تَمامًا ولا تشوبها شائبة.. نظر للساق الأخرى.. هي الأخرى بأحسن صورة.. إذن لِماذا غادرتها تلك الشهقة العَنيفة عندما أمَسك بها! أَهو آلمها؟ عاد إليها وبتساؤل: أنا ألمتش حنين؟ عوّرت ساقش يوم لمستها؟ أَغْمَضَت وابْتسامة الأسى تلك التي اسْتَفَزَّتهُ وهي فوق شَفتي عَمّه.. ها هي تَتَلَقَّف شَفَتي حَنين.. ارْتَجَفَ صَدْرها كما لو أَنَّ أَضلاعها كانت تَتَهَشَّم من نَشيجها.. أَزاحت جِفْنيها لتنظر إليه من خلف غشاء الدّمع.. هَمَسَت بنبرة تكالبت عليها مَشاعر الكَمد أجمع لتُصَيّرها قَبْضة نَهَشَت بمخالبها قلْبه حتى صارَ فُتات: ما عورتني.. لمستك هذي.. ما حسيـ ـت فيها... ما أحس.. مو حاسة بإيدك بَسّــ ـام... مو حاسّــ ـة.. أنا انشليت.. انشليــ ـت بَسّام.. انشليــــت! ، انْتَبَه من غَرَقه لحركة رأسها.. رَمَشَ بخفّة وابْتسامة خَفيفة تكاد أن تكون لا مرئية ارْتَسَمت على شَفتيه.. اسْتَقَرَّ رأسها عن الحَركة وَوْجهها يُقابله.. فَتَحَت عَيْنيها فأشرقت شَمسها العسلية.. هَمَسَ برقّة: صَبــاح الخير رَمَشَت لثلاث مَرّات تَسْتوعب ومن ثُمَّ أَشاحت بصرها عنهُ دون رَد.. مثل كُل صَباح. خَبّأَ تنهيدته مع باقي أخواتها في صندوق يَقبع في إحدى زوايا ذاته.. اقْتَرَبَ منها وانحنى عليها.. وَضَعَ ذراع أَسْفَل ساقيها.. والأخرى خلف ظهرها.. وبخفّة وحَذَر رَفعها حتى جَلَست.. راقبها وهي تَتَأفف بضيق وترفع طَرف ثوبها من عند الصَّدر.. حيث اسْتَفْرَغ صَغيرها عند الفَجْر.. هي مَسحته بالمناديل المُبَلّلة.. لكن الرائحة عَلَقت بملابسها ونحرها.. حَرَّكت بصرها ناحية دورة المياه.. لذلك تَساءَل: تبين تتسبحين؟ لَم يَأته جواب وظَلَّ بصرها مُعَلّقًا في مكانه.. إلا أَنَّها بعد ثواني هَزَّت رأسها بالإيجاب.. فَوَقَف قائلاً: بجهّز الحمام قَصَد دورة المياه بعدَ أن أخرج لها ملابس جديدة.. دافئة ومُريحة.. التقطَ عُلب الصابون الخاصة بها ووضعها في مكانها عند حوض الاستحمام.. فَتَحَ الصنبور، وازن حرارة المياه قَبْلَ أن يتركها تَملأ الحَوْض بانسياب.. وَقفَ يتأملها ويداه تستقران على خصره.. مَرَّ أُسبوعان على الحادثة.. ومَرَّ أسبوعان وهُما على هذا الحال.. البرود الذي يُحاوطهما وينتصف علاقتها بَدأ يَتَكَدَّس جبالاً جليدية على رُوحه.. إلى الآن لَم يَهتدِ إلى طَريقة مُثْلى يتعامل بها معها.. فهي بلا مُقَدّمات وبلا أسباب وَجيهة قَد تنفعل وتنهار بين يَديه بعُنفٍ خَطير بعض الأحيان كان ينتهي بالإغماء.. لذلك هو حَذِرٌ جدًا جدًا بالتعامل معها.. وكُلّه مُتأهِّب لأي رَدَّة فعل تصدر منها. الفحوصات كانت سَليمة... جَميعها سَليمة.. الدماغ سَليم والحَبل الشوكي كذلك.. الأعصاب تعمل بشكلٍ مُمتاز.. لا خَلَل فيها.. هي ببساطة سَليمة! أَغْلَقَ الصنبور ثُمَّ خَرَجَ إلى الغرفة.. قَرَّبَ الكرسي المُتحرّك من السَرير وعَيْناه تَلْتقطان ارْتْعاش صَدرها وازْدرادها الواضح لسكاكين غَصّتها.. هي تَكره هذا الكُرسي.. تبغضه وتبغض حاجتها إليه. حَملها لِيُجلسها فيه ثُمَّ جَرَّهُ حتى غرفة الملابس.. ساعدها على خَلع ملابسها قَبْلَ أن يحملها لدورة المياه ويَغطس جسدها في الماء.. تَساءَل: أوكي حرارته؟ "هَزَّت رَأسها بالإيجاب وهو أضاف سؤالاً آخر" تبين مُساعدة؟ "هَزَّت رأسها بالنفي.. فقال بابْتسامة" زين.. اخذي راحتش تَركها تَسْتحم لوحدها مثلما تُفَضِّل.. وَضَعَ كُل حاجِيّاتها بجانبها.. حتى فرشاة أسنانها والمعجون قَرَّبها منها حتى لا تَطرق الحاجة للوقوف باب جِرحها. طالَ اسْتحمامها قَليلاً.. حتى أن الصَّغير اسْتَيقظ من نومه وهي لَم تنتهِ.. حَمله وَظَلَّ يُهَدْهده بين يَديه بخفّة وهو يَقف عند الباب مُنتظرًا ندائها الذي أتى بعد أكثر من نصف ساعة من الانتظار. أعادَ الصَّغير لسريره ثُمَّ ذَهب إليها.. لَم يُطِل النَّظَر في وَجْهها المُحْتَقِن ولا في عَيْنيها المُتَوَرِّمَتين.. ادَّعى عدم المُلاحظة وتَصَرَّفَ بشكلٍ طَبيعي.. مثل كُل صباح. ساعدها على تَجْفيف جَسدها وارْتداء ملابسها قَبْلَ أن يجرّها لغرفة النّوم.. تَساءلت بهمس وصوت الصَّغير يَصلها: قعد؟ أَجاب: اي.. من شوي طَلَبت بذات الهمس.. الخاوي: عطني إياه.. أكيد يبي يرضع اسْتجابَ لطلبها وحَمَلَ الصَّغير ليستقر به بين ذراعيها.. تَركها تَرضعه وهو اتّجه للسرير ليجلس خلفها.. هي على المقعد ترضع صغيرها.. وهو فوق السرير خلفها.. أَزاح المنشفة عن شعرها وأخذ يُجَفّفه بعناية وهو يستفسر: شنو تبين ريوق؟ ردَّت: مادري هَزَّ رأسه: أوكي.. بسوي لش على كيفي تَرَكَ السَّرير قاصِدًا التسريحة حيث تستقر حاجياتها.. تناول فرشاة شعرها ثُمَّ اسْتدار عائِدًا إليها.. هي انتبهت للذي في يَده.. وبنبرة بارِدة.. حادّة ولاسعة: ما يحتاج.. عندي إيد وأقدر أمشط شعري بروحي ابْتَسَم لها وبهدوء: على راحتش "أَرجع الفرشاة مكانها ثُمَّ قال وهو يَفتح الباب وعَيْناه تبتسمان لعينيها" أنا بسوي الريوق.. إذا تبين شي ناديني لَم تُعَقِّب.. وهُو خَرجَ من الغرفة وفي صَدره لواعج مُقَيَّدة قِسْرًا.. تحرقه وتلهبه بِصَمت.. بلا أَلَمٍ ولا شكوى.. مثل كُل يوم. ,، كَرَّرَ للمرة الأَلف: مو معقولة مو معقولة.. دورنا البيت كله.. أكثر من مرة.. ما حصلنا شي يفتحه المفتاح.. مو معقولة! محمد ببرود بَعْدَ أن نَفَثَ دُخان سيجارته: انزين ما عليه.. بنحصّل بحَنق وقِلّة صَبْر: متى متـــى! بعُقْدة خَفيفة بين حاجبيه وبنصف ابْتسامة استغراب على شَفتيه: ليش هالكثر مستعجل؟ جنك قاعد على نار! تَصافقت أهدابه بارْتباك لَم يَفُت مُحَمَّد.. مَرَّرَ لسانه على شَفتيه وبتأتأة: لا.. يعني.. مو قصدي.. بس إن قاطعهُ عَزيز بحدّة: امبلى قصدك.. وإنت فعلاً مستعجل وقاعد على نار اسْتَفسر مُحمّد بذات النبرة الباردة: وليـش؟ تَبادل عَزيز ورائد النّظرات للحظات.. قَبْلَ أن يَهمس رائد بتحذير: حاسب تنطق ارْتَفَعَ حاجِبا مُحَمّد: أووه.. سِر يعني "هَزَّ رأسه بتفهّم" مو مشكلة.. من حقك ما تقول.. بس ترى يمكن أقدر أساعدك بَرّر وهُو يشبك أصابع يَديه بتخبّط: مو قصدي محمد.. أدري فيك ثقة.. بس ما أحس إنّ الوقت مُناسب إنّي أقول ابْتَسَمَ له: على راحتك "اسْتَنشق من سيجارته ثُمَّ اسْتَطرَد" شنو الخطة الجاية؟ لازم نغيّر طريقة البحث.. أو مكان البحث تساءل عزيز: وين في بعد مكان غير؟ جيكنا البيت وجيكنا معمله.. وما حصّلنا شي كَرَّرَ: نغير طريقة البحث اسْتَفسَر رائد بعدم فَهْم: شلون يعني؟ وَضَّحَ: يعني نبدأ نبحث في الأماكن الغير معتادة.. اللي ما تخطر على البال.. لو كلّفنا إن نهدم جدار.. أو سقف.. أو حتى نحفر أرض سَخَرَ رائِد: لا قول نهدم البيت أحسن ببساطة: لو اضطرينا نهدمه عادي بنهدمه عَقَّبَ عزيز: لا نستعجل اللحين.. خلنا ندوّر مرة ثانية في البيت.. يمكن فاتنا شي.. ويمكن المفتاح ما يفتح شي أصلاً.. بس هو مجرد دليل بأن الموسيقى هي حل القضية وافقَ محمّد: أوكي تَنَهّد رائد وصَبْره يكاد أن ينفذ، لكنّه قال باسْتسلام: أوكي.. بندوّر مرة ثانية "وبأمل" إن شاء الله هالمرة نحصّل شي عَلَّقَ عزيز: إن شاء الله.. جان تنطفي نارك شوي زَفَرَ بضيقٍ جَلي وهُو يُشيح عنه.. تَعَلَّقَ بصره بنقطة جَرَّته للأيّام الماضية.. بالتحديد لليوم الذي صَفعتهُ فيه فاتن بالذي حَصَل. ، أَرْخَت كُمّها بأناملها المُرْتعشة وهي تُراقب بِحَذَر البُركان الذي يُهَدّد بالانفجار من عَيْنيه.. هَمَسَت برجاء: رائد.. أرجوك لا تعصّب.. لا تفضحني قدامهم تَهَكَّم بملامح مُتَجَهِّمة: ما تبيني أفضحش قدام أخوش وزوجته؟ أخوش اللي ما صار لش شهر من عرفتيه.. ما تبين تنفضحين قدامه؟ ما تبينه يعرف عن شجــااعتش وجرأتش الخرافية! مالَ رأسها تُعاتبه: رائــد اتَّسَعَ محجراه وفحيحه يُسَمِّم مَسْمعيها: شنــو! شنــــو فاتن.. ولا أقول وعد؟ شنو تبينه يسوي أكثر عشان أنا يحق لي أعصّب وأعترض وأمنعــش من خطتش الغبيّــة.. شنـــو! تَمْتَمت بخفوت: ما صار شي ارْتَفَعَ صَوْته حتى أَنَّها ارْتَعدت منه بفزع: مــا صــار! قَرَّبَت يَدها من فمه وملامحها تتَصَدّع مُهَدِّدة بالبُكاء، وبهمسٍ تَوَسَّلت: الله يخليــك رائد قصّر صوتك.. لا تفشلني.. لا تفضحني رائد.. لا تخليني أطيح من عيون أخوي.. الله يخليــك قَبَضَ على غَضَبه بصعوبة حتى أَنَّ جَسَده ارْتَجف من شِدّة كَبته.. وبنبرة مُنخفضة تَتَذيّلها أنفاسه السريعة: يعني تدرين إنّ اللي تسوينه يفشِّل وينزّل الراس! خَلَّلت أَصابعها بين خصلاتها وهي تُعَقِّب بضعف: ما عندي غير هالحل.. ما عندي.. افهمنـــي عارضها: لا عندش.. عندش حل غير.. خلينا احنا الشرطة نسوي شغلنا وبتشوفينه مقبوض عليه مثل الجلب هَزَّت رأسها بحدّة: لا.. لااا.. أنا أبي انتقم منه بنفسي "وبحُرقة وحقدٍ دَفين" أنا اللي أبي أعذبه.. أبي أقطعه بإيدي.. أبي أطفي النـاار اللي في قلبي.. مع إنّ ولا شــ ـي مُمكن إنّ يطفيها.. بس بعــد.. أنا اللي أبي انتقم منه رَفَع إصْبعه مُحَذِّرًا ومن عَيْنيه طَفَح التَّهديد: عندش فرصة أخيرة.. فرصة وحدة بس.. إذا تعدّى عليش مرة ثانية.. بضطر إنّي أحبسش لين ما ننتهي منه.. وترى مو قاعد بس أهدّد لتخويفش.. صدقيني بحبسش ومحّد بيقدر يوقفني بثقة مُنقطعة النَّظير: ما راح يصير شي.. صدقني.. إنت بس باجر طَرّش اللي اتفقنا عليه المخبز.. وخل يحطونهم وين ما قلت لك بالضبط.. صدقني ما راح يسوي لي شي من بعدها.. صدقني وَقَفَ وثقته تُناقض ثقتها: بنشــوف "أشار للباب" تفضلي إخت وعد أَزاحت بَصرها عنه بمَلل وهي تخطو للباب.. فتحته لتغادر المجلس إلى غرفة الجلوس.. استنكر طلال: ليش طلعتون؟ اخذوا راحتكم.. البيت بيتكم وَضَّح رائد: لا خلاص.. أنا عندي شغل "أشار لفاتن دون أن ينظر لها" شوف إختك إذا تبي تقعد كيفها عَقَدَ حاجِبَيه وبضحكة: أووه شهالأسلوب! "أَرْدَفَ مازحًا" شكلها الأوضاع متوترة أَخْفَضَت فاتن رأسها بِحَرج وبحركة عَفوية ارْتَفعت يَدها إلى ذراعها من الأعلى.. وما إن مَسّتها حتى انْكَمَشَت ملامحها بأَلم.. :شنو فيها ذراعش؟ بسرعة نَفرت يَدها عن ذراعها بخوف.. كيف انتبه! ازْدَرَدت ريقها ولَم تُجِبه.. كانت تَبحث عن تَبرير أو جواب مُقنع في عقلها.. ولكنّها من ارْتباكها لَم تَظفر بشيء.. قَبَضت يَدها التي بَدأت تَتعرّق من فَرط توترها عندما اقترب منها.. حَبَسَت أَنفاسها وهي ترى الصَّدمة تُصَب عليه من رأسه حتى أخمص قَدميه.. فهو قَد رَفع كُمّها لِتُواجهه الكَّدمة المُروعة والمُشوّهة بياض بَشرتها.. هَمَسَ باستنكار عَظيــم: شنــو هذا! ليش جذي؟ ليــش! "التَفَت لرائد بصدمة أخرى" هذي منك؟ نَفت سَريعًا: لا لا لا.. لا طلال.. مو رائد.. مو هو سَألَ بحدّة: عيـل من؟ من الــ.... اللي سوى فيش جذي؟ مــن! مَسَّت بأصابعها المُهترئة صدغها ومن ثُمَّ خصلاتها.. كانت مُتَخبِّطة والتَّوتر قَد عاثَ فَسادًا بثقتها.. الكلمات ضاعت منها ورائد اكتفى بأن يَعقد ذراعيه على صَدره ويَرشقها بنظراتٍ ساخِرة خَذلتها.. لذلك عادت ببصرها لأخيها.. مَرَّرت لسانها على شَفتيها القاحلتين.. لَوَت ذراعها خلف ظَهْرها.. وبأهدابٍ مُتصافقة همست وهي تَهرب بعينيها بعيدًا عن رماد عَيْنيه: سلطــان ,، الْتَقَطت صُورة مُنْعِشة تَجمعهما.. الشمس تَحتضنهما من الخَلف.. ناشِرة شُعاعها الحاني من حَولهما بطريقة خلابة وآسرة.. هُو خَلْفها وهي أمامه.. ظَهرها مُسْتَنِد لِصَدره الذي لَم يُقابلها سوى بالدّفِء والرِّقة والحَنان.. كانت هي التي تَحمل الهاتف من أجل التقاط الصورة.. كلاهما كان يَبتسم.. إلا أنَّ عَيْناه كانت ضائقتان من الشَّمس فظَهَر وجهه وكأنّه عابِس. ضَحكت وهي تَتأمَّل الصورة مُعَلِّقة: عبد الله جنك متضايق في الصورة.. الابتسامة انعفست من عيونك الضايقة من الشمس بَرَّرَ: إنتِ مختارة مكان غلط للصورة.. الشمس صَلخت ظهري وشوي وتعمي عيوني ارْتَفَعَ حاجبها: عاد لا تبالغ.. الجو بارد أَصَرَّ: بس الشمس حارة وهي تَضع هاتفها على جانب الطاولة: أوكــي.. إذا نزلت الشمس بنصور صورة ثانية.. تمام؟ ابْتَسَم بِسعة مُبالغ فيها: تمـــام ضَحَكت وبتعليق: جنــك بيبي عبد الله.. ساعات أحسّك بريء كَشَّر بوجهه: اللحين هذي شيسمونها؟ مديح لو ذم لو تطنز لو شنو بالضبط؟ ضَحَكت بخفّة وحرج خَفيف.. حاولت أن توضّح وهي تَعبث بالورد المُتَوَسِّط الطاولة وعَيناها تَتَجنبان عَيْنيه: لا يعني.. أقصد.. فيك بساطة.. قلبك أبيض.. وأي شي يرضيك ابْتَسَم ووصفها الرَّقيق داعب فؤاده: ما أحب أعقّد الأمور هَزَّت رأسها: اي.. لاحظت صَمَتت لثواني وهي لا تزال تعبث بالوردة المُستسلمة لها.. رَفعت عَيْنيها وهي تفتح فَمها بانْدفاع.. لكنّها أجبرت نَفسها على إطباق شَفتيها والصَّمت.. لكنّهُ شَجّعها: قولي اللي تبينه حَكَّت خَدّها الذي تَوَرّد بنعومة: لا ما يحتاج اقْتَرَب من الطاولة: لااا قولي.. صار عندي فضول أعرف شنو كنتِ بتقولين بَلّلت شَفتيها المَطليتين بلونٍ نهاري خَفيف ثُمَّ قالت: هو سؤال.. يمكن يضايقك هَزَّ رأسه: لا ما راح يضايقني.. عادي قولي اسْتَجابت: أوكــي اقتربت هي أيضًا من الطاولة حتى صَغُرت المسافة بينهما.. هَمَسَ بمُشاكسة: والله لو ما كنّا بين الناس.. جان صارت أشياء وأشياء.. لكن للأســـف تَجاهلت مَقصده وَرَكَّزت عَينيها بعينيه لتفصح عن سؤالها: ليش انفصلت عن نور؟ كانت تنتقل بعدستيها بين ملامحه مُتَحَفِّزة لردّة فعله.. تخيلت عدّة سيناريوهات لَم يَتضمن واحدًا منها ردّة الفعل التي صَدرت منه.. فهو ابْتَسَم ابْتسامة جانِبية وهَمَسَ بنبرة واثِقة: كنت متوقع إن هذا سؤالش.. أصلاً استغربت إنّه تأخر رَمَشَت بعدم تَصديق وثَغرة تَنتصف فَمها.. ضَحَك وهي بَرَّرت: ترى أنا مصدومة.. ما توقعت ردة فعلك تكون جذي! رَفَع حاجِبه: مو تقولين أنا بيبي وبريء وما أعقّد الأمور؟ أَكَّدت: ايـــه والله إنّي صَدقت "وباهتمام استطردت" زين تفضل.. قول لي شَبَك أصابع يَديه وبهدوء: احترامًا لعشرتنا وخصوصية العلاقة اللي كانت بيننا.. واحترامًا لها هي.. نور.. بختصر الموضوع قدر المستطاع بتفهّم: من حقّك بَدأ بسرد القصة: كانت علاقتنا قبل الزواج عادية.. أولاد عم وبس.. يعني أقصد ما كانت بيننا مشاعر "ابْتسم بخفّة" ولا كنت أنا فاضي إنّي أحب وألهي نفسي بهالسوالف.. بس كانت علاقتي فيها غير عن باقي بنات أهلي.. بسبب دراستنا.. يعني كنا نتبادل الكتب والأوراق.. وبعض الأحيان كنت أشرح لها بعض الدروس بما إنّي أكبر منها.. وهي بنت مؤدبة وأخلاقها عالية.. تربية عمي ناصر.. فوقت اللي قررت أخطب هي أول وحدة جت في بالي.. فخطبتها.. ووافقت هي هي التي تَدّعي جهلها بالحقيقة: يعني ما استمر زواجكم لأنكم ما تزوجتون عن حُب؟ ضَحَكَ: لااا.. شهالسبب التافه! "غَمَزَ لها وبنبرة ماكِرة" وبعدين أنا وإنتِ ما تزوجنا عن حُب.. شنو يعني بنتطلق بعد! نَحَرَت تنهيدة في صَدرها لتقول: زيــن كمّل وهو يُلْبِس الحكاية قُلنسوة المَنطق والأسباب المُقنعة: هي نُور كانت من صغرها متعلقة بخالي طلال.. اللي قلت لش عنه.. وهو يحبها.. وهي بعد كانت تكن له مشاعر.. بس ما صار بينهم نصيب فوافقت علي.. لكن أمي كان مضايقها إن زوجة ولدها كانت تحب غيره.. فما كانت الأمور تمام بينهم.. فتأزم الوضَع.. وكان الحَل الأَسلم هو الطلاق "ابتسم" وبــس كَشَفت عن سؤال آخر: ومن اللي قَرر إن الطلاق هو الحل.. إنت ولا هي؟ بذات هدوئه: هـي هَمْهَمت وهي تَهز رأسها.. عَلَّقت بعد ثواني وهي تَتأَمّل ملامحه المُتَّزِنة: الموضوع شوي في تعقيد.. بس إنت متقبله باحتراف! اتَّسَعت ابتسامته وهو يَتراجع للخَلف ليستند.. عَقَدَ ذراعيه على صَدره ولسانه يَنطق باعتراف: ما جا التَّقبل بسهولة.. أنا بنيت شخصية جَديدة من الصفر عشان تتقبل هالتعقيد.. وسفرتي لإيرلندا وابتعادي ساعدتني بشكل كبيـر إنّي أهضم زواجهم مالَ فَمها باشْمئزاز وهي تقول بنبرة مُتَهَكِّمة تُخالطها الغيرة: ايــه طبعًا.. هناك مَسحت عليك الشقرا! "رَفَع رأسه وقَهقهته تَعْلو بطريقة أثارت اسْتفزازها.. قالت هي بقهر" اي اضحك اضحك.. تستانس إذا سمعت طاريها قالَ بعد أن سيطر على ضحكته: ترى مارتينا المسكينة بريئة من اتهاماتش.. البنت مخطوبة وتحب خطيبها ارْتَفَع حاجِبها وبثقة: ايـه بس إنت تهتم لها.. واجــد حَرَّك رأسه وهو يرخي بَصره وبهمس: صَحــيح "نَظرَ لها وحَور عَيْنه يُناغيها لِيَنطق بكلمات عَذْبة أخرستها" والله ما كان اهتمامي لها إلا لأنّي مَدين لعيونها... كلما اشتقت لعيونش.. سَلَّمت على عيونها ,، على الجانب الآخر من الجَزيرة الصَّغيرة.. كان زَوْجان آخران يَجْلسان مُتقابلان لكن دون شَمْسٍ وسَماء.. كان سَقف مَقهى المُستشفى الذي يُظَلِّلهما. حَشَرَ في فمه قِطعة الأَناناس قَبْلَ أن يهمس بحَنق: أَنا اللي قاهرني إن رائد ساكت عن اللي قاعدة تسويه عَقَّبَت بهمسٍ لائِم: طَلال فاتن بنفسها قالت لك إنّه حذرها جم مرة وطلب منها توقّف اللي تسويه.. بس هي معاندة غَرَسَ الشَّوكة في قطعة أناناس أخرى بجلافة وهو يقول: لا حبيبتي.. الحجي ما يفيد.. يعني أكيد هي ما بتستجيب لكلامه.. لازم يمنعها بإيده اسْتنكرت بحاجِبين مُرتفعين: شنو يعني تبيه يسوي؟ يضربها! ابْتَلع ما في فمه ليُجيب ببرود: أكيد لا.. اللي أقصده إنّه يرزها في مكانها غصبًا عنها لين يرجع لها عقلها "تَغَضَّنت ملامحه وهو يُشير لقطع الأناناس بتقزز" استغفر الله.. شلون تاكلون هالشي! "التَقَم قطعة وهو يُكمل" مو حــلو! ضَحَكَت بخفّة: انزين ليش تواصل وإنت مو عاجبك؟ أَجاب: يوعان لامته: قلت لك بطبخ لك قبل طلعتي للمستشفى بس إنت ما رضيت.. شوف شلون اللحين إنت جوعان وَضَّحَ: كان خاطري في سمج مشوي.. بس ما لي خلق أسوي لي عَضَّت على شفتها قَبْل أن تُعَقّب بتلذذ: الله من زمــان ما أكلت ابْتَسَم لها وهو يَلتقط قنينة الماء: يوم اللي إنتِ أوف بصيد لنا فرش وبشويه لنا بادلته الابتسامة وبحُب: تمام عمري "اسْتَفسَرت باستطراد" اللحين شنو بتسوي مع فاتن؟ حَرّك كَتفه وهو يَرْتشف قَليلاً من الماء.. أَجابَ بعد ثواني بحيرة: مادري.. من صدق مادري! مَرَّرت كَفّها على ساعده برقّة وهي تهمس بمَلق: أنا أقول إنت لا تدخل نفسك.. أدري هي إختك.. بس هي ورائد عارفين الوضع أكثر مني ومنك.. فمدام الموضوع معقد لا تتدخل إنت وتعقده أكثر.. وهي مرأة كبيرة.. يعني تعرف الصح من الخطأ أَفْصَحَ عن خَشيته: بس أخاف يضرها مرة ثانية.. إنتِ ما شفتين زندها.. آثار أصابعه كانت واضحة النذل ضَغَطَت على ساعده: اللحين هي ورائد المفروض عرفوا بشكل وحجم الخطر اللي ممكن يسببه.. فلازم يكونون مستعدين لصدّه في أي وقت "وبرأفة غَلَّفت صوتها" أدري حبيبي إنّك تحاتي إختك.. بس تدخلك مُمكن يضرها أكثر مما يحميها.. خلها هي وزوجها يتصرفون حسب خطتهم أَفْرَغ تَنهيدة مُذَيَّلة ببضع خَوْف وقَلق.. همسَ وهُو يُقَرِّب فوهّة القنينة من فمه: زيــن : ســـلام دكتورة نور التَفَتَ بانتباه للصَّوت الحَيوي بدرجة مُبالغ فيها.. كانت فتاة.. طَبيبة.. معها ثلاث طبيبات أخريات.. يَعتقد أَنَّ أعمارهن لا تتجاوز الرابعة والعشرون.. ازْدرد الماء وبصره ينتقل لنور التي رَدّت بابْتسامة ودودة: وعليكم السلام.. شلونكم بنات؟ رَدّت تلك التي سَلّمت: الحمد لله احنا بخير دكتورة.. من زمان ما شفناش "وبنبرة ذات معنى وهي ترنو لطلال بطرف عَيْنها وبابْتسامة جانبية" سمعنا عنش خبر حلو شاركتها زَميلتها: اي دكتورة فرحنا لج وااايد.. بس زعّلنا إنج ما قلتِ لنا ولا عزمتينا على العرس! دَعَكَت طَرف حاجِبها بِحَرج وهي تَقول مُبَرِّرة: السموحة بنات.. بس كل شي صار بسرعة بسرعة.. وما كان في عرس أصلاً.. حفلة بسيطة مع الأهل بس أخرى سَألت طَلال بفضول وبلا أي مُقدمات: شنو تخصصك؟ باطنية بعد ولا شي ثاني؟ نَظَرَ لنُور مُتفاجئ من الأريحية التي تتحدث بها الفتاة معه.. كَتمت نور ضحكتها لتُجيب بَدلاً عنه: طلال مو دكتور عَقَّبَت بصراحــة قَد تُعَد وقاحة في بعض الأحيان: أهـــا.. بس لأن توقعناه دكتور مثل دكتور عبد الله! ابْتَسمت بمجاملة: لا.. خابت توقعاتكم لوَّحت لها التي افتَتحت الحَديث: زين دكتورة احنا ماشيين اللحين "وَجَّهت كلمتها لطلال" تشرفنا أخ طلال فَور ابْتعادهن اسْتدارت إليه لتقول باعْتذارٍ مُبتسم: آســـفة طلال على الإحراج.. ذلين كانوا متدربات عندي.. والله يهديهم شوي فضوليات حَرّك رأسه وهي يغلق القنينة: لا عادي "وبنظرة دَقَّت ناقوس استفزازها" أنا اللي آسف.. بحرجش وايد بسبب إني مو دكتور أَغمضت للحظات وهي تَلتف جانِبًا وتهمس: إنا لله "نَظرت إليه وبحدّة" طلال ترى الموضوع زاد عن حده.. مصختهــا ياخي! ارْتَفع حاجِبه مُستَنكِرًا: ليش تنكرين إن مستواي التعليمي يهمش؟ وملامحها تَشْتد من الانفعال: لأن فعلاً ما يهمنـــي.. أنا يوم قلبي حبّك ما نظر لشهادتك أو عمرك أو شكلك.. حبّك من غير شروط وبلا أسباب شَخَر مُتَهَكِّمًا: اي حبني من غير شروط بس رفضني لأنّي ما كنت على مقاس شروطش! اتَّسَعت عَيْناها ورَجْفة الغضب زَحفت لأوصالها وحُمْرة خَفيفة صَبغت أطراف وَجهها وهي تقول: متى رفضــك! متى أنا رفضتــك! شكلك قاعد تهلوس طلال! قَرّبَ رأسه منها ليستل سَوط كلماته من بين أسنانه: لا ما أهلوس.. الطعنة اللي في قلبي والكَسرة اللي أحنت ظهري وأنا طالع من ميلسكم دليل على إنّي ما أهلوس نَطَقت بارتجاف وجواها يَرتطم بصدرها من شِدّة تَخبّطه: أنا مادري إنت شنو قاعد تقول.. مو فاهمة شي! ارْتَفَع حاجبه: اسألي جود.. خل تفهمش عُقدة استغراب تَوَسَّطت حاجِبَيها: شدخل جود! وهو يَسخر من جرحه: لأنها كانت شاهدة على غباء ثقتي.. سمعت كل شي.. سمعتني وأنا أخطبش وسمعت أبوش وهو يرفضني اخْتَنَقت بين ضِلْعيها شَهْقة.. اهْتَزّ ذِقنها.. شُعورٌ مُوحِش قَبَضَ على عُنقها بيده السّوداء حتى اسْتعصى عليها جَر النَّفس.. هَمَست ببحّة وهي تَرفع كَفّيها أمام وَجْهه تستجدي منهُ شَفقة: لحـ ـظة.. لحظة.. أنا مو فاهمة.. مو فاهمة شي.. متى... متى جيت.. خطبتني؟! أَجابَ لاطِمًا وَجْه أحلامها الماضِية: من زمـان.. من قبل لا يخطبش عبد الله ييت وخطبتش من أبوش حَرّكت رأسها بالنّفي ومن عَيْنيها تَساقَطت أدمع حَسرتها: أبوي ما قال لي.. مـا قال لي! نَطَقَ يَجلدها بكلماته: وليش يقول لش وإنتِ كنتِ تبين واحد في مثل مستواش؟ واحد يناقضني في كل شي.. فرفضش كان جاهز من غير ما يقول لش. أَنكرت بشدّة.. بشراسة أنكرت: لا.. لااا.. ما كنت أبي غيـــرك.. وإنت تدري طلال.. تدررري.. "هاجمته بضراوة" لا تجذب على نفسك.. إنت كنت تدري إني أعشقــك.. مو بس أحبّـ ـك.. لا تقول لي إنّك ما كنت تدري.. لا تقول إنّك ما تدري إنّي كنت أبيـــك.. لا تقــوول عَقَدَ حاجِبيه مُدافِعًا عن نفسه: من وين كنت بدري؟ عمرش ما نطقتين بها! عَقّبت بلوعة: ما يحتاج كنت أنطق بهــ ــا.. كانت واضحة في عيونــ ــي.. وكلامي.. والتفاتي لك أعادَ من جديد: بس إنتِ كنتِ تقولين إنّش تبين واحــ قاطعته بنحيبٍ قَد نَفذ صَبره: مـــا قلت.. والله ما قــ ـلت.. عمري ما قلتها ولا فكرت فيها.. ما يهمني ولا بيهمني في يوم شنو شهادتك.. حتى البنات.. وجود إختي.. كانوا يستنكرون حبّـ ـي لك.. أنا بكل طموحي أحبّـ ـك إنت بكل استهتارك! بس أنا ما همني ولا راح يهمني في يوم "وبخيْبة عَبَّر قَلْبها الذي شَطره الخذلان إلى نصفين" ليش أبوي ما قال لي؟! ليـــش ما قال لــي؟ ليـــ ـش! ,، مُذ اسْتَقَرَّت على مَقْعدها وهي صامتة.. رَأسها مائلٌ إلى النافذة باسْتناد.. كَفٌّ على بَطْنها.. وَكفٌّ فَوْقَ فَخذها لاحَظَ أنّها تنقبض وتنبسط بين الفينة والأخرى. ناداها بهدوء وعيْناه تَلتفتان لها للحظة: ملاك هَمهَمَت دون أن تنطق بكلمة.. اسْتَنكرَ هو فتساءَل: شنو فيش؟ ليش ساكتة؟ تَحَرّكت مُبْتَعِدة عن النافذة.. أَسْنَدت ظَهْرها للمقعد وهي تَرْفع رأسها وعيْناها تدوران على سَقف المركبة.. عَقَدَ حاجِبيه: صار شي في بيت أخوش؟ ازْدَردت ريقها وبيدها أشارت لمنتصف صَدرها.. فَتحت فمها بصوتٍ ذاوٍ: لا مــ ـ جَحظت عَيْناه عندما انْحَنت بحركة مُفاجِئة وهي تَسْتفرغ بإسهاب.. نَظَرَ للطَريق والارْتباك الذي اعْتراه أَثّر على سياقته.. أَرْكن السيارة على الجانب ونَزلَ بسرعة قاصِدًا بابها.. من حسن حّظّه أنّه لَم يدخل الطريق السريع بعْد. فتح الباب ويَداه مُباشرة قَبضتا على ذراعيها لِتُثَبّتان جَسدها المُختَل توازنه.. قَرْفصَ على الأَرْض وهو يُساندها بهدوء: اخذي راحتش حاولت أن تبعد يده وحُمرة الحَرج تخالطت مع احتقان وَجْهها المَشدود الأعصاب.. وبحلقٍ مَجروح همست: لعوزتـ ـك بعدم اهْتمام: عــادي.. طلعي اللي في خاطرش حَرّكت رأسها بالنّفي وجاءت لتعترض إلا أنَّ نوبة جديدة قاطعتها.. تَمَسّكت بساعديه وجَسدها يَرْتعش بأكمله والعَرق قَد غَسله.. كانت تشعر وهي تَستفرغ وكأنّها تَقتلع رُوحها من جذورها.. رأسها ينبض بشدّة وطَنينٌ مؤلم يخترق أذنيها. تَوَقَّفَ استفراغها بعد دقائق.. مالَ رأسها بإعياء فأسندها للمقعد وأَرجعه قليلاً للخلف حتى تستريح أكثر.. سَحب بعض المناديل ومَسح بها فمها بعناية.. التقط قنينة الماء المتوسطة مقعديهما، فتحها وسكب منها في كفّه ثُمَّ رَشح بها وجهها.. راقَب عَدستيها وهُما تُدوران وسَط مُقلتيها بلا هُدى.. هَمسَ باهْتمام: بشنو تحسين؟ أَجابت بصوتٍ مُمَزّق: قلبي.. يدق بسرعة.. أحس جنّه المكان يدور فيني.. وراسي.. راسي ثقيل وهو يُعيد خصلاتها المُتمردة لأسفل حجابها: من متى تحسين بجذي؟ وعيْناها لَم تُفارقان السقف: قبل لا تتصل لي بشوي.. وزاد يوم ركبت السيارة قال: بنروح المستشفى عارضته سريعًا وهي تخفض رأسها تنظر إليه والإرهاق يُكحّل عينيها المُحْمَرّتين: لا محمد.. ما يحتاج.. بصير زينة بإصرار: لا أحسن نروح.. خل نتطمن أكَّدت: صدقني ما يحتاج محمد.. بشرب لي دوا ينفع لمثل هالأوجاع.. ولو ما خف بقول لك توديني المستشفى سَألَ ليتأكد: أكيــد؟ لو بتقولين لي بعد ما يحتاج وهي ترخي رأسها لمسند المقعد: أكيد.. والله هَزَّ رأسه: أوكــي وَقَفَ وأغلق الباب.. عاد لمكانه وهي كانت تُعاين بحرجٍ عارم الفوضى التي أحدثتها.. همست بغصّة: عفست سيارتك وهو يُشَغّل المُحرّك: عــادي ملاك.. بتتنظف.. أهم شي إنتِ ارتحتين بخفوت وهي تُشيح عنه بضيق من نفسها: زين افتح الدرايش استجاب لها وهو يَسأل ليُخفّف من حرجها: إنتِ ماكلة شي ما يناسبش؟ رَدَّت: لا.. ما أكلت شي.. أكلتي من الغدا.. حتى ماما قالت اتعشى معاهم بس قلت لها إنّي مسوية لنا عشا عَلَّقَ بتعجّب: غَريــب.. فجأة جذي صادش! وهي للتو تتذكر: آه.. تذكرت.. شربت عصير برتقال اسْتَفسَرَ: عصير البرتقال يسوي فيش جذي يعني؟ أنكرت وهي تلتفت إليه: لا والله.. عادي يعني أشربه.. بس هو كان حامض شوي.. أقول يمكن منه نَظَرَ إليها بعد أن توقف عند الإشارة: طبيعي كان لو العادي؟ وَضَّحت: لا طبيعي.. انترجن عصرته لنا.. فرش يعني اسْتَنكرَ: شنـــو! بعدم فهم وتقطيبة حاجِبيه أثارت استغرابها: شنــو؟ أَشارَ للذي نطقت به: إنتِ تقولين انترجن.. شنو انترجن! استوعبت: ايــه.. ذي خدامة بيت أخوي.. شفتها إنت جم مرة.. اسمها انترجن اعْتلى حاجِباه قِمّة التَّعجب وهو يهتف: انترجــن! اسم خدامتهم انترجــن! جاءَت لتؤكّد إلا أنَّ الاستفراغ داهمها بعنفٍ أَكبر أَرْعَد جَسدها البالي.. حتى أَنَّها من شِدّته خُيّلَ لها بأنّهُ سَيفقأ عيناها الواحدة تلو الأخرى. انتهى |
الساعة الآن 09:21 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية