رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مَساء الخير.. كيف الأحوال يا جَميلات؟ اشتقت لكم. ما أدري ليش من أجي أقتبس عشان أعقّب يشيّر المنتدى.. قلت أرد عليكم في رد واحد مرة وحدة. أول شي طبعًا شُكــــرًا .. شُكرًا من القَلب لكل شخص علق وشارك وتفاعل ولو بكلمة.. مُمتنة لكم جدًا جدًا. ثاني شي أبها وليلي وطعون.. استمتعت بقراءة تعليقاتكم وتوقعاتكم.. شُكرًا لكن لإحياء صفحة الرواية. أبها حَبيبتي.. التعليق اللي ذكرتين فيه اقتباسات من الفصول السابقة ترى بتلقين فيه الجواب.. إنتِ حليتين القضية بذكرش لهذي الاقتباسات =) يعطيكم العافية جميعًا ومشكورين مرة أخرى.. ولو إن هالرد ما يوفيكم حقكم. وبخصوص الفصل القادم.. ما راح ينزل بكرة.. راح ينزل الأسبوع القادم بإذن الله.. لأن الأفضل ينزل بحجم جيّد.. وإذا بنزله باجر ما راح يرضيكم ولا يرضيني. وبشارة للبعض.. راح تفرحون في الفصلين أو الثلاث فصول القادمة *_^. اذكروني في دعاؤكم في يوم الجمعة.. ألقاكم الأسبوع القادم بإذن الله. أحبكم |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
سمبلنيس حبيبتي عندي استفسارين لحد الآن مادري لين بعدين بمكن يزيد العدد
أول استفسار: في اليوم اللي احترق فيه البنك وكانت ملاك موجودة بعد اتصال من موظفة مزيفة وحصل إن محمد كان موجود في نفس اليوم ،، محمد استنتج ان آستور هو اللي دبر هذا اللقاء وهو اللي افتعل الحريق حتى يكون ( بطلها) .. أثناء مراجعتي للفصول القديمة ،، وفي جلسة المصارحة بين محمد وملاك عن حادثة البنك : "" قالت بعدم تصديق: يعني اخذوا كل الفلوس؟ كلــها؟ أَكَّدَ: كلها.. وحَرقوا البنك عشان تختفي كل الوثائق، سواء كانت ورقية أو إلكترونية.. بس هالأوراق كان لازم تظل.. لازم تنجو من الحَريق.. عشان جذي هي محفوظة في خزنة تعتبر من أكثر الخزنات سريَّة وأصعبها للفتح."" اللي فهمته من هالجزئية إن العصابة هي اللي حرقت البنك . شلون نفك التعقيد ؟ 🤔 الاستفسار الثاني : هل أخوات مروة على علم ودراية بمذكرات أمهم ، واللي فيها اعترافاتها ضد بلقيس ؟ فليس من المعقول أن تتحفظ واحدة على مذكرات الأم وما فيها من أسرار تبرأ ساحتها ولا تخبر الأخريات والأب بها ،! فمصاب الأخوات واحد ، وما يعكر حياة واحدة لابد أن تتقاسمه مع شقيقاتها . 🍃🌷🍃 |
ط±ط¯: ط°ط§طھ ظ…ظڈظ‚ظٹظ‘ط¯ط© ط*ظˆظ‘ظ„ ط¹ظڈظ†ظڈظ‚ظگ ط§ظ…ظ’ط±ظژط£ط© / ط¨ظ‚ظ„ظ…ظٹ
اقتباس:
حيّاش حَبيبتي. مُلاحظة مُمتازة👏🏻 أنا لكن برد بسؤال.. ليش تعتقدون هاينز هالكثر يكره شغل أبوه ودائمًا بينهم مشاكل وصراعات؟🙇🏻♀ أحس الشي واضح.. آستور يعرف كل شي عن العصابة.. ويعرف تحركاتهم وخططهم.. ليش أساسًا استخدم محمد الشاب اللي ما له أي دخل بالشرطة والتحقيقات وهالأمور! ليش استخدمه كعميل سري؟ من هالتساؤولات بتعرفين الجواب😉. لا.. محد يعرف بأمر المذكرات غير مروة بسبب قربها من والدتها.. ومحد يعرف باللي صار غيرها لأنها الوحيدة اللي قرأتها.. وطبعًا كان لازم تكشف كل شي لأهلها.. بس هي قررت تتصرف تصرف ثاني🤷🏻♀. |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
مساء الخيرات ..🍃🌷
( أبها حَبيبتي.. التعليق اللي ذكرتين فيه اقتباسات من الفصول السابقة ترى بتلقين فيه الجواب.. إنتِ حليتين القضية بذكرش لهذي الاقتباسات. ) يا بختي أثاري الحل عندي وأنا بو هندي ! 😂 بس اسمحيلي سمبلنيس،، الحر عامل عمايلة، ومو قادرة استنتج شي.. حان وقت الاستعانة بصديق 📣ليلي 📣 طعون ساعدوني ☺ وبما إن الساعة تعتبر أحد الأدلة، طلع معاي هالاستنتاج فلاش باك ..محمد ... ( الساعة.. اللي معلّقة في مكتب أبوش.. تحسين فيها شي غريب؟ عَقَدَت حاجِبَيها بعدم فهم: يعني شنو؟ حاولَ أن يَشْرَح: يعني.. في شكلها.. أو حجمها بِصدق: ما أدري والله.. ما أذكرها أصلاً "اسْتَفسَرت باهْتمام" إنت لاحظت شي يعني؟ شاك في شي؟ وهو يضغط زِر التَّشغيل: لا.. بس "صَمَت لِلحظة ثُمَّ أَكْمَل مع تَحَرّك السَّيارة" بس حسيتها ثقيلة أكثر من اللازم ) أول فكرت إن بو يوسف ممكن يكون خبى أوراق مهمة داخل الساعة 🕰 تدين سلطان ، تالي استبعدت الفكرة ، لأن الأوراق لا يمكن إنها تزيد من وزن الساعة ،، 💡، اعتقد والله أعلم إن بو يوسف لما حس إن نهايته قريبة على إيد سلطان ، قرر يحط جهاز تسجيل صوتي 📻 ، أو كاميرا 🎥. ويخبيها داخل الساعة ، وبالطريقة هذي يقدر يوثق الجريمة ،، اشرايكم بالتحليل ؟ 🧐 |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم توكلتُ على الله الجزء السادس والخَمسون الفَصل الأول هَرَعَت إليه بخطوات مَفْزوعة.. هَلِعة ومُتَخَبِّطة.. تَوَقَّفَت أَمامه بيَدَين قَيَّدهما الحَرام.. لا يجوز لكِ لَمسه، ولا يجوز لكِ مَسْح الدّماء عن عَيْنَيه. هَمَسَت بذهول والدّمعُ يَسْبحُ باسْتعداد في مُقلتيها: مــمــ..ـن شنو! من شنو هذا! اقْتَرَبَت خطوة عندما مال جَسده على مَرْكبتها بإعياء.. تَحَرَّكت يَداها سريعًا.. لكن في منتصف الطَّريق تَوقَّفَ مَسيرهما إليه.. قَبَضتهما بقلّة حيلة وهي تقول بغصّة: ارْكب.. ارْكب خل نروح المستشفى هَمَسَ أَخيرًا ببحّة مُضاعَفة: كنت أبي.. اركب سيارتي بس حـ قاطعته بانْفعال تَأجَّجَ من الرُّعب المُشْتَعِل داخلها: شلـون يعني تركب سيارتك! شلون بتسوق وإنت بهالحالة! "انحنت تَجمع حاجياتها التي تَساقطت بيَدين راجفتَين وهي تُرْدف" ارْكب.. بنروح الطوارئ وَقَفت وهي تُتابعه من خلف غشاء الدّموع وهو يستند على السيارة ماشيًا باتّجاه باب الرّاكب.. ياقة قَميصه الأَبيض مُلَطَّخة بالدّماء التي سالت منها قَطَرات على صَدره وكُمّه حتى.. وَجْهه تَكاد مَلامحه تُخْسَف من الدَّم العَبيط المُسْتَفرَغ فوقها.. كان حاله مُخيــف.. جدًا مُخيف.. وقلبُها يكادُ ينهار من فَرْط رُعْبه وخوفه عليه. ازْدَرَدت ريقها وهي تَرْمش مَرَّات مُتتالية في مُحاولة لتثبيط عَزْم أَشواك الدّموع المُهَدِّدة بالانهيار.. انتبهت إليه وهو يُعاني في فتح الباب.. يا إلهي، قواه خائرة بالكامل.. أَلقت حاجياتها فوق المقاعد الخَلفية بإهمال ثُمَّ أَسرعت إلى جهته.. فتحت له الباب وهي تُراقب تَحَرّكاته بِحَذر.. جَلَسَ على المَقعد أَوَّلًا ورجلاه لا تزالان تسكنان الأَرْض.. ظَهره مُنْحَنٍ.. ذراع مُسْبَلة.. والأخرى قَد اتَّكأ مرفقها فَوْقَ فَخذه سامِحةً ليده بِتَشَرّب الدّماء عن طَريق قطع مناديل بُلَيت من كمية النَّزيف الهائلة.. زَفَرت أَنفاسها الحارة وهي تَسحب ذراعيها لداخل العَباءة الواسعة.. خَلعت سترتها الخَفيفة التي تَرتديها فوق القَميص لِتَمُدّها إليه وهي تهمس بتأتأة: خِذ.. الكلينكس.. ما يصلح.. خِذ.. خل تتشرب.. الدّم لَم يُبْدِ أَي حَركة أو اسْتجابة.. فهو كان أَقْرب لأن يَكون قَد فَقَدَ وَعيه.. جَسده في وضعية الاسْتلقاء ورأسه قَد رَجَع للخلف بلا سيطرة منه.. عَقَدَت حاجِبَيها في الوَقت الذي طَرَقَ البُكاء فَكّها المُرْتَجِف.. هَمَسَت وهي تَنحني لِتُلْصِق السترة بجبينه فَوْق يَده: خِذها فيصل.. خِذهــ ـا تَناولها بأطراف أَصابعه الوَاهِنة وهي عندما تأكدت من مَسكته لها تراجعت للخلف وَأغلقت الباب.. اتَّخَذَت مكانها وشَغَّلَت المُحَرِّك بحركاتٍ سَريعة ومُرْتَبِكة.. لكن قَبْلَ أن تَضغط على البنزين وَصَلها هَمسه المَبْحوح: جِنــ ـان "نَظَرَت إليه دون جَواب.. فدُموعها المَسْفوكة على خَدَّيها تَسَلَّمت المُهِمّة. نَظَرَ إليها من خَلف السَيْل الدَّموي الذي أَغرقه ودون أن يرفع يَده اليُسرى أَشارَ لِعُنقه بسؤال" مُمكن؟ فَهمت هي.. وكيف لا تَفهمه وعلى جِدار قَلْبها قَدُ نُحتِت طِباع ذاته؟ أَعادت المَرْكبة لوضع الوقوف ثُمَّ قَرَّبت جَسدها من مَقعده وهي تَمُد يَديها إلى عُنُقه؛ وبأطراف أَصابع حَذِرة بَدأت تَحُل رَبْطة عُنقه مُحاولةً عَدم مُلامسته.. أَزاحتها وألقتها على المقاعد الخلفية ثُمَّ فَتحت الزِرّان الأول والثاني من قَميصه.. هَمَسَت بصوت مَكتوم وهي تُبْصِر مَسير الدّماء فَوْق عُنقه: تحمّـل.. دقايق واحنا في المستشفى مَسَحت صَبَيب عَينها اليُمنى لِتَترك فَوْقَ أَثَر الدّموع لَطْخة من دَمه.. اسْتَدارت تنظر للأمام بتيه وكأنّها تبحث عن إشارات تدلّها الطريق.. زَفَرَت بقوّة ثُمّ ازْدَرَدت ريقها.. أَغْمضت بخفّة وهي تعود وتزفر.. فالأنفاس داخلها قد تَصادمت وتَشابكت بعشوائية حَوَّرَت التَّنفس إلى أَلَم يُزاحم أَضلاع الصَّدر. أَزاحت جِفنيها.. التَفَتَت إليه.. جَسده سابح في العَرَق.. أَنفاسه سَريعة ومُتَخَبِّطة.. وتَوَجّعه تُترجمه خُطوط ملامحه المَشدودة.. عادت ونظرت للأمام وهي تُمسك بالمقوّد.. ثوانٍ وغادرت المَرْكبة بوَّابة الدخول الخاصة بالمصرف وهي مُحَمَّلة بِرَجُلٍ أَدماه الجنون، وبقلب امْرأة شارفت نَبضاتها على الانتحار. ,، يَتجاوز مُرتادي السّوق بخطوات حازِمة ولكن هادِئة.. كانت عَيْناه على بُقعة واحدة.. تلك التي اعْتاد أن يَجلس فيها صَديقه مُنذ سنوات لِيُمارس هواية تألَفها رُوحه.. هُو حتى بَعْد أن تَوَظَّفَ في الشركة لَم يترك الصَّيد ولَم يَنكر فَضائله عليه.. وكأن هذا العَمل بَركته.. كما المَطر الذي يُنعش أرضه كُلَّما تَراكم عليها غُبار الزَّمن. سَلَّمَ بهدوء وهُو يَتَّكئ على الحاجز من خلفه.. أخرج سيجارة وأَشعلها وبَدأ يَستنشق منها بأنفاس رَتيبة. مَضَت دقائق لَم يَحسبها الاثنان.. كلاهما صامت يَتأمَّل الحياة المُضجّة أَمامه.. ذاك يَتشاجر مع جاره الذي أخذ من مساحته.. وذاك يضحك على سذاجة البائع الجَديد.. آخر يتناقش مع مُشْترٍ بَخيل.. وآخر يُكرّر عَدَّ ربحه للمرة الخامسة خلال دقيقة. رَفعَ رَأسه للسَّماء وهُو يَنفث الدُّخان الذي تَطاير ببعثرة بسبب الهواء العَليل نسبيًا.. السماء مُلَبّدة بالغيوم.. هل سَتُمطر.. لا يعتقد.. على الرغم من أنَّ شَهر نوفمبر قَد اسْتَهل منذ الأسبوع الماضي.. إلا أَنَّ الأجواء لا زالت دافئة أكثر من أن تكون باردة. تَنَهَّد وهو يُخفض بصره إلى صَديقه.. كان جالسًا والصَّمتُ يَعتريه.. رَأسه مُنَكَّس للأرض ينظر لما وراء الواقع.. عُقْدة خَفيفة بَين حاجِبَيه ساندت تقطيب جَبينه.. ملامح ساكنة ولكنَّ الحَديث يَضج بين ثناياها.. شَفتان مَزْموتان ويَد بأصابع مُرْتَبِكة. هَمَسَ وهو يَجلس على المقعد بجانبه: كانت عندكم.. في الشقة بهمس دُون أن ينظر إليه: قالت لك؟ نَفَثَ الدّخان جانِبًا ثُمَّ أَجاب: لا.. شفتها سؤال مُسْتَنكر: تراقبها! بأجوبته المُختصرة: حاليًا اي بذات الاسْتنكار: ليـش؟ : خايف عليها صَمَتَ ولَم يُفْصِح عن سؤال آخر.. لكن رائد واصَلَ باسْتفسار: شنو كانت تبي؟ ارْتَفَعَ حاجبه: وليش ما تسألها! بصراحة: يا إنها بترفض تقول لي.. أو بتجذب نَظَرَ إليه وهو بوضعيته ذاتها.. جذعه مُتَقَدِّم للأمام وذراعاه مُتَّكِئتان على فَخذيه.. وبسؤالٍ سَمع فيه رائد نبرة التَّعجب: صار لك أكثر من سنتين تعرفها.. ومتزوجها بعد.. معقولة ما انتبهت! عَقَدَ حاجبيه بعدم فهم: انتبه لشنو؟ شَخَر ساخِرًا: هذا وإنت مُحَقِّق.. الحقائق كلها واضحة قدامك.. ما قدرت تربطها مع بعض! زادت عُقدته: اللحين شيدخل إنّي مُحقّق.. ترى مو فاهم شي! أشارَ لنفسه: أنا طَلال.. وهي فاتن "وبسخرية مَريرة طَغت على صوته" شفت شكثر الدّنيا صَغيرة! التَزَمَ الصَّمت حابِسًا أسئلته بالْتفات لِتساقط الأَقنعة التي لَطالما راوغته وأَغشت وَجْه الحَقيقة.. ازْدَرَد ريقه وهو ينظر لِعَيني طَلال وذاكرته تعود به للحظة التي اصَطَدمت فيها عَيْني فاتن بهما.. تَعَرَّفت عليه.. استطاعت في ثواني أن تربط كُل الخيوط.. طَلال والبَحر والعَينان الرَّمادِيَّتان.. فَتَحَ فمه باحِثًا عن صَوته لينطق حَرفين: إخـ.. إخـ ـ أَكمل عنه بهمس: إختي.. فاتن.. هي نفسها فاتن.. إختي شَعَرَ بجليدٍ يَتَسَلَّق جَسده من أطراف أصابعه قَدميه حتى قِمّة رأسه.. عندما أبصرت الحَقيقة النور داخله ظَلَّ جُزءٌ صَغير من ذاته غير مُصَدّق.. لكن الآن بعد أن نَطَقَ بها طَلال.. هَوت عليه الحَقيقة كالجَبَل. سَقَطت السيجارة من بَين أصابعه المَذهولة.. حَرَّكَ طَلال قَدمه وأَطفأها حتى أمست رَماد يُنافس الذي لَم يَفتأ أن يُشاغب عَدَسَتيه. وَصلهُ هَمس رائد المَدهوش حَدَّ نسيان الكَلام: شـ شــ.. ــشلون!.. يمكن.. يعني.. غلطـ.. غلطـانين! أَفْصَحَ: لقَبل ما تطيح عيوني عليها وهي واقفة عند باب الشقة كنت ناكر.. وبقوة.. تدري أنا ما تقبلتها من أول ما تعرفت إنت عليها.. وشكثر كنت رافض إنّك تتزوجها.. وياما تخاصمنا بسببها.. واللحين تطلع إختي! إختي اللي فقدت الأمل إنّي أشوفها.. كنت متأكد إنّي بموت وأنا ما شفتها ولا أدري وين أراضيها.. وفي النهاية تطلع المراة اللي أكرهها! كَرَّرَ: يمكن.. غلطانين مالت شَفتاه لا يدري رائد بابتسامة أسف.. ألم.. أسى.. أو حَنين.. وبهمسٍ بدا وكأنّه يطوف حَول ذِكرى جَميلة: لا.. مو غلطانين.. قبل لا تسافر ألمانيا.. رحنا لها أنا وأمي نودعها.. وأهديتها سفينتي.. قلت لها ترجع لنا فيها "حَرَّكَ كتفه وكأنّهُ مُسْتسلمًا للواقع" وكانت السفينة معاها.. يابتها عشان أعرفها منها اسْتَفسرَ باهْتمام: شنو صار عقبها؟ أَجابَ ببساطة: طَردتها عاتبه: حرام عليك بَرَّرَ وهو يرفع ظهره ليستند للكرسي: من صدمتي.. مو قادر أتقبّل حقيقة إنها إختي! قال يؤنّبه: تراها وحيدة نفسك والدنيا بهذلتها مثلك ويمكن أكثر منك بعد سَخَرَ: لا والله.. شلون بهذلتها؟ حرمتها من تنورة ولا من حمرة؟ قال يُذَكّره: شكلك نسيت قصتها اللي قلت لك عنها! بس ما تنلام.. لأنّك ما سمعت منها إلا المختصر المفيد وَقَفَ وهو يُعَقّب: زيــن.. اللحين بيأذن.. نصلي وبعدين تقول لي قصتها بالتفصيل المُمل "وهو يُكمل باسْتهزاء" يمكن أشفق عليها وأتقبلها! ,، تَقِف عند باب غرفته من الخارج.. رَفضَ المُعالج دُخولها.. فَظَلَّت واقفة عند الباب تَنتظر طَلعة وَجْهه وُهو حُرًّا من دِماء. كانت واقفة بِكَتِفَين أَحْنَتهما الصَّدمة.. الهَلع لا زال مُتناثِرًا بين مَلامحها.. عَيْناها لَم يُغادرهما الاتّساع، ولَم يَجزر عنهما بَحر الدّموع التي حَوَّرَت وَجْنتيها لصحراء فَقيرة من جَوابٍ عَذْب يُهْديها بِضع اطْمئنان. كانت تَحْتَضن نَفسها بذراعيها.. ورُوحها من الدّاخل تَحْتضن رُعْبها.. قَلْبها قَد انهارت حُجراته مُذ هَرَب عنهُ الوَعي قَبْل الوصول لِمبنى الطّوارئ بدَقِيقَتيْن.. هي تَركت السيارة وَسَط الطَّريق ونزلت تَصرخ من أَعْماقها بالنّجدة.. فَتحت بابه.. احْتَضَنت وَجهه بيَديها العارِيَتَيْن من ثَبات.. كانت تَرْتعش.. تَرْتجف.. بَل كانت أَرْض تَتَزلزل.. مَسَحت الدّماء عن عَينيه.. أزاحت خصلات شعره الذابلة عن جَبينه.. نادته.. هَمَست من قُعر خوفها باسْمه.. هَزّته وهي تَبْتلع شُحوب ملامحه بغصّة.. نادته من جَديد.. هَمَست بفيصل.. ثُمَّ فيصل.. ثُمَّ حَبيبي.. ولَم يَسْتَجِب.. صَرخت واسْتغاثت وصَوْتها قَد ابْتلعته بَحَّة مَرْعوبة. أخيرًا قَدِمَ إليها المُسْعفون بالسرير الذي حَمَل جَسده إلى مَبنى الطَّوارئ.. لا تدري كَيف قادتها قَدماها خَلفهم وهم يَجرونه.. وكأنَّها كانت تَحرث الأرض لتَصِل إليه.. رفضوا دخولها رَغم إصرارها.. فتَسَمَّرَت عند الباب تَبكيه.. وكُلَّما مَسَحت دَمْعة.. غَفت بُقعة دَم مَكانها. : جِنــ ... ـنان.. جِنــان.. شــنو... شنو.. صار! شفيكم؟ شفيه فيــصل! نَظَرَت ببصر زائغ للوجه المَفزوع أَمامها.. تلك الأهداب الطَّويلة والشَّفتان الصَّغيرتان.. كَفَّيها تَضغطان على ذراعها وكأنَّها تُريد أن تَنتشلها من دوامة اللاوعي المُسيطرة عليها..: جِنــــان! حَرَّكت عَدستَيها على وَجْهها والدمع يَجري بلا انقطاع على الخَدَّين.. أَتاها صَوتها مُجَدّدًا كما لَو أَنّهُ يَأتيها من كَهفٍ بَعيد: جِنـــان شفيكم؟ نادوني يوم شافوا تشابه الأسماء بيني وبين فيصل.. وينه هو اللحين؟ داخــل؟ "تَحَسَّست وَجْهها وهي تَستفسر باهتمام نصفه خُوف" من شنو الدم؟ شلون انجرحتين؟ "حَرَّكَت رَأسها بالنّفي وشَفتَاها ارْتعَشتا وكأنهما تُريدان الكَشف عن كلمات.. لذلك ضَغَطت نور على ذراعيها تُشَجّعها" قُولــي جِنان؟ شنو صــااار! "لا شيء.. لَم يأتِها جواب منها.. وكأنَّ الموقف أَحالها بَكْماء إلا من شهقات.. لذلك أَحاطت رسغها وهي تَستطرد برجفة" تعالي.. بعالج جرحش "نظرت للغرفة المُغلقة بعينين يُلاحقهما القَلق" فيصل أكيد بيعتنون فيه زيــن.. امشي نشوف جرحش شَدَّت رسغها وحركة رأسها في ازْدياد.. وبصعوبة نَطقت: مــمــ... مــا فينــ... ما فيني... شي عَقَدت حاجبيها: والدم اللي على وجهش من وين؟ كَرَّرَت: ما فيني.. ما فيني شـ ـي أَصَرَّت وهي تَسحبها بخفّة: ما عليــه بنتأكد.. يمكن الجرح من راسش وإنتِ ما تدرين حَرَّكت رسغها في مُحاولة للتحَرّر من قبضتها وهي تنطق بنبرة باكية: دَمّـــه.. دَمّــ ـه "أَغمضت وهي تُغطّي نصف وجهها بكفّها وكأنّها تحاول حماية بَصرها من صور الدماء المُعربدة بين طَيّات ملامحه.. وبهمسٍ مُنْهَك أَكملت" هذا دَمّـه.. دَم فيصـ ـل.. أنا ما فيني شي شَعَرَت بقلبها يَثِب من مكانه ليستقر عند حلقها من شدّة الخوف.. حاولت أن تزدرد ريقها ولكنّها فَشَلت.. هَمَسَت مع اسْتقرار باطن كَفّها فَوْق حنجرتها: ليــش.. ليش.. هالكثر.. دَم! شنو صار جِنان! أَجابت وهي تَلتفت للغرفة المُوصدة ثُم تعود وتلتفت لنور مُجَسِّدة بذلك صورة الضَّياع: مـادري.. كنت بطلع.. من البنك.. وهو شفته.. بدمه.. هو قال لي "مَسَّت صدغيها وهي تُكمل ببعثرة" قعدي.. حق شغل.. مادري شصار! بس خالي قال لي ارجعي.. وأنا كنت طالعة.. وهو وجهه.. كله دم.. واجـد الدم نور.. من راسه.. كنت بروح.. يمكن ما كنت.. شفته.. كنت بمشي.. وهو جاني وقال ليـ قاطعتها وهي تُبْصِر حالها البالي: خلاص خلاص "شَدَّت على كتفيها" خلاص جِنان "ساعدتها لتجلس على أحد المقاعد القَريبة وهي تُرْدِف" قعدي ارتاحي.. لا تخافين "وَجَّهت نظرة للغرفة من جديد وهي تزفر بخفوت قَبْلَ أن تعود ببصرها لِجنان وتقول" أنا بدخل وبشوف شفيه التَقَطَت يَدها سَريعًا وبرجاء: دخليني معاش.. أرجوش نور.. أرجووش دخليني.. أبي أتطمن عليه ضَغَطَت بحَنو على يَدها وهي تُوَضّح بلُطف: ما يصير حبيبتي.. ممنوع.. أنا بدخل وبشوف شسالفة وصدقيني بطمنش عليه "أردفت وبكلماتها كانت تُريد أن تُهدّئ من روعها على شَقيقها قَبل أن تُهدّئ رَوْع جِنان" وأصلاً واضح إن ما فيه شي خطير.. لأن لو فيه شي خطير لا سمح الله جان شفتين الغرفة مشحونة من الدكاترة شَدَّت على يَدها وبوَجْسٍ يكاد أن يَنطفئ: طمنيني عليـ ـه هَزَّت رأسها وهي تُرَبّت على ظاهر كَفّها ثُمَّ اسْتدارت لتدخل الغرفة.. حيث هُناك قابلها جَسد أخيها الجالس بنصف اسْتلقاء على السَّرير.. المُعالِج على يَمينه يُخيط جِرْحه، وإحْدى المُمرضات تَمسح الدّماء بعناية عن وجهه.. اغرورقت عَيناها بالدّموع ومن قَلْبها الشارد فَرَّت شَهْقة.. هَمَسَ بعِتاب: نُور ليش الصياح؟ ما فيني شي "مَدَّ يَده اليُسرى إليها وهو يُرْدِف بابْتسامة جانبية" تعالي تَحَرَّكت إليه وهي تَرفع يَدها لتلتقي مع يَده.. احتضنتها وهي تُقَرِّبها لصدرها وتتساءَل بذهول: من شنو هذا فيصل! قال المُعالِج: الجرح عميق شوي من جذي نزف هالكثر وفقد الوعي "أكمل وهو يُحيط رَأسه بقطعة قِماش خاصّة لمثل هذه الإصابات" الحمد لله قدرنا نسيطر على النزيف وخيّطناه له "ابْتَسَم" ما يحتاج تخافين دكتورة بادلته الابْتسامة بشحوب: يعطيك العافية ما قصرت أومأ برأسه: الله يعافيش " أَرْدَفَ بمُشاكسة مُحادِثًا فيصل" أعتقد اللحين لازم تدخل زوجتك.. المسكينة شوي ويغمى عليها من الخوف عَقَدت حاجِبَيها وباسْتفسار وهي تمسح دموعها: ياسمين اهني؟ ما شفتها! ابْتَسَمَ لها بخفّة دون أن يُجيب ثُمَّ حَرَّكَ بصره للمُعالِج: مشكور ما قصرت "وبسؤال" خلاص اللحين امشي؟ أَجابَ: لا نحتاج بعض الفحوصات.. قلت انضربت بحديدة.. فلازم نتأكد إن الراس ما تضرر.. وبعد نحتاج بعض التحاليل "وبضحكة" يعني شكلها سهرتك عندنا اليوم ابْتَسَم برِضا أَرْفَع حاجِب نُور اسْتغرابًا والتي نَما في عقلها ألف سؤال وسؤال: مو مشكلة.. أهم شي أتطمن "ثُمَّ التفت لنور مُسْتَفسِرًا" وين جِنان؟ أَجابت بعد ثانيتَين من الصَّمت المُتَعَجِّب: برا! بِعَطْفٍ نَضَح من عَيْنيه: خليها تدخل واشتري لها ماي خل تشرب.. واااجد كانت خايفة نَطَقَت بخفوت وعلامات التَّعجّب تُقرفص فَوْق رأسها: أوكـــي! تَراجعت للخلف ناحية الباب.. أمسكت بالمقبض وفَتحته.. التَفَتت تنظر إليه وهو يُخرج مفاتيحه ومحفظته من جَيْب بنطاله الخلفي ليستلقي بارْتياح تــام وابْتسامة الرِّضا الغَريبة تَتَّسِع فَوق شَفتيه! فَور مُغادرتها الغرفة هَبَّت جِنان واقِفة واقتربت منها بخطوات سَريعة.. تَساءَلت والبُكاء لَم يَبرح عَيْنيها المُحْمَرَّتَيْن: شلــونه؟ شفتينه؟.. هو بخير؟... شنو فيه؟.. والدم.. ليش هالكثر؟ من شنو؟ أَجابت بهدوء وهي تَتَفَحَّص ملامحها المأهولة بالتَّعب: هو بخير بعدم تَصديق وهي تُلاحظ آثار دموع على وَجْنتيها: أكيد لو تبين بس تسكتيني؟ أَكَّدت: والله.. هو بخير.. ما فيه شي.. جرح بسيط في جبينه وخيطوه له اسْتَفسرت بقلق: زين ليش إنتِ صايحة؟ وَضَّحت بصدق: كنت خايفة ومو فاهمة شفيه بالضبط.. يوم دخلت وشفت إنّه بخير ما قدرت ونزلت دموعي سؤال آخر: كان واعي؟ حَرَّكت رأسها: اي.. وكلمني بعد "هذه المرة هي سألت" شلون انجرح؟ رَفَعت كتفيها: مــادري! كنت بركب سيارتي.. وناداني هو "تصافقت أهدابها وبَلَلٌ جَديد شَاغبها إثر زيارة المَشهد المُرعب لها" وشفتـ ـه.. الدم كله على وجهه هَمْهَمت بتفهّم قَبْلَ أن تُشير للغرفة وتقول: سأل عنش.. ما تبين تشوفينه؟ نَظَرَت للغرفة بصمت وذراعيها تعودان لاحتضانها.. مَرَّرَت كَفّها على ساعدها وهي تَتساءَل بهمس: هو بخير صح؟ بذات الهمس: صَح مَسَحت دمعة قَبْلَ هبوطها: ما فيه شي خطير؟ شَرَحت: لا ما فيه الحمد لله.. بس بيسوون له بعض الفحوصات للاطمئنان هَزَّت رأسها وهي تهمس: أوكـي تساءلت من جديد: ما تبين تشوفينه؟ أَجابت بكلمة واحدة: لا "نَظَرت إليها" قولي له الحمد لله على السلامة "تراجعت للخلف خطوة وبغصّة مُوْجِعة" لازم.. أروح قالت سَريعًا: لحــظة.. تعالي شربي ماي وامسحي الدم وبعدين روحي حَرَّكت رأسها وهي تُشيح عنها حتى لا تَرى الحَقيقة المُرَّة التي انبَجَست داخلها بلا موعد: لا ما يحتاج.. لازم أروح "استدارت وقبل أن تخطو مبتعدة" اتحملي فيه حَشَرَت كَفّيها في جَيبي معطفها الأبيض وهي تُشَيّع ابنة عَمَّتها بنظرات حَوْت شُكوك خَطيرة.. عادت لغرفة المُعالجة التي خَلت إلا من شَقيقها.. كانت تمشي بخطوات بطيئة وبصمت وعلى مُحَيّاها بَدت الحيرة واضِحة.. وَقفت عند سَريره وهو تَساءل: وين جِنان؟ أَجابت دون أن تنظر إليه: مشت تَقَدَّم جذعه للأمام هاتِفًا بصدمة: مَشـــت! كَرَّرَت بنبرة هادئة: اي مشت.. قالت لي أقول لك الحمد لله على السلامة وبعدين مشت ضَرَب على فخذه وهو يُغمض بقهر: أووووف "تَطَلَّع إليها بلوم" ليش تخلينها تروح؟ ليـــش؟ تَصَدَّت لهُ بسؤال: وليش إنت ما تبيها تروح؟! أَشاح عنها وهو يُصدر صَوت ضائق من بين شَفتيه.. وَضَع كَفّه فَوْق عينه قَبْلَ أن يَرفعها لرأسه لتَتخَلَّل خصلات شعره والزَّفرات تُغادر صدره كالمُهاجِر اليائس.. هَمَسَ بانْهزام: خـلاص "ضَرَبَ على فخذه بأسف" راحـــت حاولت أن تَتجاهل حاله الذي انقلب عندما عَلِم بذهاب جِنان.. كلماته وإيحاءات ملامحه الآسِفة؛ وسألته.. بجديّة كَبير سألته: شنـو صار لك بالضبط؟ لا زال بَصره بَعيدًا عنها ولسانه لَم يَنطق بحرف.. نادته بحدّة: فيــصل "رنا لها بطرف عَيْنه فأكملت" شنو صار لك؟ شقصة الحديدة ومن ضربك وليش؟ أَدار وجهه لها مُجيبًا بهدوء: مراهقين.. غافلوني وضربوني عَقَدَت حاجِبَيها والجواب لَم يَجد لهُ مُسْتَقَرًا في عقلها: نَعــم! مُراهقيــن! "استطردت بتهكّم وهي تُشير لجسده" اللحين كل هالعضلات وهاللياقة ومراهقين يسيلون دمّك! دوّر جذبة غيرها فيصل أَكَّدَ: والله.. مراهقين ضربوني بحديدة وصار اللي صار مالت في وقوفها ويدها تَتكئ على خصرها: وليـش؟ مَسَّ أنفه بظاهر سَبّابته وهو يُجيب دون أن يَنظر إليها: باقوني كَرَّرت خلفه بملامح قَطَّبها الاستنكار: باقووك! هَزَّ رأسه: اي.. اخذوا مني فلوس دَارت عَدستاها على ملامحه المُواربة.. حَتْمًا يُخفي شيء.. القصة لا تدخل العَقل! التَفتَت جانِبًا فقابلتها محفظته ومفاتيحه.. اعتدلت في وقوفها وهي تتناول المحفظة.. فَتحتها لتُلقي نظرة على ما بداخلها.. رَفعت عَينيها إليه بعد ثواني لِتُعَلّق بابْتسامة ساخِرة: شكلهم حنّوا عليك على آخر لحظة وتركوا لك ثلاثين دينار "حَرَّكَ كَتفه وهي واصلت والتقطت مفاتيحه.. قَلَّبَت مفتاح سَيَّارته وَسَط راحة يَدها وهي تُرْدِف" الواضح إنهم مو من محبّين المرسيدِس أَبدى رأيه: أكيد ما يبون يورطون روحهم.. بسهولة بينصادون لو باقوا السيارة اقتربت منه وهي تُمسك ساعده الأيسر.. رَفعت يده أمام وجهه لتلتقط عينيه ساعته.. وبحاجب مَرْفوع عَلَّقت: قنوعين هالبوايقة.. حتى الرولكس غَضّوا البَصر عنها! سَحَب يده منها مُتسائِلاً بنفاذ صَبر: شنو تبين توصلين له نُور؟ غَمَرَت الجديّة عَينيها وصَوتها وهي تُجيبه: أبي أتأكّد.. إنتِ فعلاً انضريت من أحد؟ لو إنت تعمّدت تضر نفسك عشان شوفة جنان؟ ارْتَفَعت زاوية شَفته بسخرية وهو يهمس: وإنتِ شنو تتوقعين؟ حَرَّكت رأسها بعدم تصديق والذهول صُبَّ على وَجْهها: مَجنـوون.. مَجنون فيصل "هاجمته بحدّة" شفيك صاير ما تحاسب لتصرفاتك؟ بديت أشك إنّك فقد عقلك! يعني لو صادك شي؟ لو مت من الضربة؟ تحسبها شي عادي يعني؟ شفيك تحولت لإنسان متخبّط ومتهور؟ تصرفاتك صارت مجنونة وغبيّة! "حَذَّرته وإصبعها يُلوّح أمامه" ترى حياتك بدأت تنفلت من ايدك.. غفلة أخيرة منّك وبتشوف إنّك فقدتها كلها.. بعدين اقعد عض أصابعك ندم نَطَقَ وضيقٌ مُوحش بَدأ يجول داخله: خليني بروحي عَقَّبَت بِقهر: بخلّيــك.. يمكن يرجع لك عقلك وتبدأ تفكر نفس الأوادم استدارت عنه بعد أن ألقت عليه نظرة خَيْبة أمل كَرِهها لأنَّها انتصفت قَلبه.. غادرت الغرفة وهي تخرج هاتفها من جيب معطفها.. ضغطت الأرقام ثُمَّ رَفعته لأذنها.. ثواني وأتاها الرد: هــلا نور تَساءلت سريعًا: جُود إنتِ في بيت عمتي؟ أجابتها: اي ليش؟ أمرتها: إذا جت جِنان كتبي لي.. مو تنسين.. إذا جت كتبي لي.. باي قَطَعت الاتّصال دون أن تسمح لها بإلقاء أي سؤال.. ومُباشرة اختارت أرقامًا اعتادت أن تلجأ إليها طَلبًا للعَون.. ولكن هذه المرة العَون لم يكن لها..: ألو نور حياتي ابْتَسمت بحُب: هلا يُبه شلونك : بخير ما دامش بخير بتردّد: يُبه.. بغيت أكلمك بموضوع باهْتمام: قولي حبيبتي نَظَرَت للغرفة ثُمَّ تَحَرَّكت مُبْتعدة وهي تُوضّح: عن فيصل باستغراب: شفيـه؟ مَرَّرت لسانها على شَفتيها.. تَنَهَّدت قَبْلَ أن تُجيب بكلمة واحدة: اسْتَخف! ,، خَلَعت ثَوْبَ الصلاة مع دُخول والدتها للغرفة.. سَألتها وهي تَطويه: هـا؟ للحين مُصرة على رايش؟ أَجابت بخفوت دون أن تنظر إليها: اي للحين مالَ رأسها وبمُعاتبة: يُمه حَنين غلط.. غلط إنش تتركين بيتش سنة رَفعت بَصرها مُسْتَنكرة جُملتها: ليش غلط ماما؟ وين الغلط أصلاً! بقعد في بيت أبوي ما بقعد في بيت غريب وهي تَقترب منها: وزوجش؟ شلون تتركينه كل هالمدة؟ ببساطة: يقعد معاي هو بعد : وتتوقعين يرضى؟ ارْتَفَعَ حاجِباها: وليش ما يرضى! عــادي في مُحاولة لِإقناعها: ما بيرضى يا بنتي.. ما بياخذ راحته.. وما يبي أكيد يترك أبوه في البيت.. لا تصعبينها على الرجّال وارجعي بيتش عَقَّبَت بنبرة زَعل وهي تَجلس على السَّرير: قولي ما تبيني في بيتكم وخلاص زَفَرَت قَبلَ أن تَمضي وتجلس بجانبها: يُمه شهالحجي؟ إنتِ بنتي الوحيدة وتدرين شكثر أحبش وأحب ولدش.. وهذا بيت أبوش.. بس ما يصير تتركين زوجش وبيتش.. هذي مو حياة يا يُمه وعيناها تتنازع وَسطهما الدّموع: ماما صدقيني للحين ما أعرف لحسّون عدل.. والله أخاف أضره "انهمرت دموعها وببكاء" والله ما أبالغ ماما ولا أتدلع.. بس صدق للحين أحس إنّي ما أقدر أهتم فيه بروحي تَمْتَمت: إنا لله وإنا إليه راجعون "أحاطت كَتفها لِتُقَرّبها لحضنها وهي تَستطرد بمَلق" يا يُمّه ما يحتاج الصياح.. والله إنش تقدرين تهتمين فيه وتراعينه.. لو ما تقدرين جان الله ما رزقش إياه.. الله أعلم حَبيبتي.. إذا إنتِ تقولين ما تقدرين على هالنتفة.. أمهاتنا وجداتنا مساكين شنو يقولون؟ قبل حتى لا يكمّل الطفل سنة تولد الأم بالثاني.. وعقبه الثالث.. ويشيلون ويحطون ويربون بروحهم.. محد يشيل معاهم ولا يساعدهم "وهي تُمَرّر كَفّها على ذراعها بحَنو" ماما حَبيبتي إنتِ تقدرين وتعرفين.. هذا ولدش.. محد بيهتم فيه وبيخاف عليه كثرش.. وما راح تكونين بروحش.. بسام معاش وما راح يتركش.. وأنا بكون عندش أي وقت تحتاجيني.. حتى لو بنص الليل.. حتى جيني إذا تبينها إخذيها معاش وخلها هي تقابل شغل البيت وإنتِ بس قابلي ولدش لين ما تتعودين هَمَست وهي تنكمش في حضنها: مادرري مَسَحت على شعرها وهي تُقَبّل جبينها ثُمَّ قالت بنصيحة: فكري يُمه.. فكري بعقل واتركي عنش الخوف.. إنتِ مو أول وحدة تربي.. فكري عدل واخذي القرار الصح.. عشانش وعشان زوجش.. ترى الرجال بيجي يوم وبيمل.. لا تخلين الخوف يخرب حياتش وينغصّها ,، أَرْكَنت السَّيارة في موقفها الخاص.. أَوقفت المُحَرِّك.. فَتحت الباب وغادرتها.. مَشَت بخطوات بَطيئة ومُتَعَرِّجة حتى دَخلت إلى المنزل.. كُل ذلك حَدث بآلية وببرود كان أَقرب للتَّبلد.. ما إن أغلقت باب المَنزل حتى قابلتها والدتها التي ارْتَفَعت من صَدرها شَهقة فَزِعة.. نَظَرت بلا رَدَّة فِعل لها ولجُود وندى المَصْدومتان خَلْفها.. ثانيتان وأشاحت عنهن وهي تُواصل طَريقها إلى السُّلم.. وقَبْلَ أن تَركب أَوقفتها يَدُ والدتها التي نَطَقت بصوتٍ غائر: من شنو هالدّم! شنو فيــش؟! أَجابت بنبرة جَرْداء: ما فيني شي.. مو دمي.. دم فيصل اتَّسَعت عَيْنا جُود وبوَجْسٍ نَطقت: فيـصل! اسْتدارت من جَديد وهذه المرة مَنعها سؤال نَدى: شصار في البنك جنان؟ تَطَلَّعت إليهن وبخفوت: مادري! والدتها بإصرار: شلون يعني ما تدرين! من شنو هالدم وليش توش ترجعين؟! وفيصل شنو فيــه؟ تَصَدَّعت ملامحها وكأنَّما السَّماء اختارت أن ترعد على قارعة وَجْهها.. تزاحمت وَسط مُقلتَيها الغَمام وتلوَّت الحيرة في قلبها حتى طالت همسها: مــادري.. والله مادري "وبرجاءٍ شَديد" خلوني أرووح تَحَرَّكَت للأعلى ومن خلفها نَدى تَتبعها.. انتبهت لها فالتفتت إليها عند منتصف السُّلم لتوضّح بخفوت: بروحي نَدى.. أبي أقعد بروحي نَطقت باعتراض: لكن مـ قاطعتها وهي تُطالب عَينيها بالتَّفهم: أرجــوش زَفَرت باسْتسلام وهي تَتراجع بنزول للأسفل.. أما جِنان فواصلت طريقها إلى الطابق العلوي حيث غرفتها.. أغلقت الباب ثُمَّ شَرعت في نزع عباءتها وحجابها.. ألقتهما في سلّة الملابس المُتَّسِخة وتَبعتهما بملابسها.. دَلَفت لدورة المياه.. وما إن تقابلت مع وَجْهها في المرآة حتى استيقظت بين أوصالها الرَّجفة الهيستيرية.. وبلا سيطرة منها بدأت الشهقات تتنازع في صدرها لتغادره بحدّة مُوجِعة جَرحت حلقها.. كانت الدماء المنسية على وَجْهها تَرسم لها هَزيمتها.. تَحكي لها من خلال خُطوطها عن فَضيحتها.. حالها المُزري هذا كان الشاهد على ضِعفها وهوانها.. فتحت الصنبور.. مَدَّت كَفّيها بارْتعاش.. وفي لَحظة رفعتهما وصَفعت وَجْهها بالماء.. نَعم كانت صَفْعة.. تَمَنَّت لو أَنَّها تُوقِظ ذاتها بها.. أو أنَّها بهذه المياه تَغسل رُوحها وتُطَهِّرها.. تَمسح خطايا الماضي ودَنس أفعالها.. تُطلي صَفحات الذكريات بالبياض.. وتُعيد إحياء ما مات وقُتِلَ وانتحر.. لَيتها بهذا الماء تَبتلع واقعها المُشَوَّه وتَجترع سُمومه الأَبدية.. لَرُبَّما يُدفن في قُعرٍ مُهْمَل في رُوحها.. فيَمسي الوُجود حُرًّا منه.. حينها تَستطيع أن تَبدأ حَياة جَديدة.. حياة كالإطار الذي يَحتضنها معه ومع جَنى.. هُم.. كَعائلة. اسْتَحَمَّت لمدة طَويلة.. فهي قَد اعتكَفت تحت المياه غارقة في تَفكيرٍ عَميق فَصلها عن هذا العالم وانتشلها من براثن أَحداثه.. قطرات الماء تَتساقط بالتوالي على وَجهها وجَسدها العاري.. ترفع يَديها تنظر لباطنهما الباقية فيهما بضع دماء.. دعكتها بقوة بَسيطة حتى اختفت تَمامًا.. أخفضتهما لبطنها.. تَحَسَّست آثار عملية ولادتها.. ثُمَّ انخفضت أكثر لفخذها حيثُ انطوت غُرز الجِرح الذي كَوَّنته يَده الغاضِبة.. تخالطت الدموع مع المياه حتى استعصت عليها الرؤية.. سيسكن جبينه أثرًا كهذا.. أَثرًا لَن يمحيه الزَّمن ولَن تغفل عنهُ العيون.. على الأقل عَيونها.. عَيناها وعين قَلبها. أغمضت وهي تعود لاحتضان جسدها.. احتضان ذاتها وضَياعها.. تَلَمْلَمت على نَفسها لتغوص في أعماقها. للحظة ظَنَنتُ أنّي قَد فَقدتُك للأبد فَيصل.. وأَنَّ رُوحك قَد هاجرَت جَسدك ولَبَّت نداء رَبّها.. حينها حاولتُ أن أَستعيد آخر قُبْلة بيننا.. الحُضن الأخير والهَمسة الأخيرة.. نَبَّشتُ بين قواريرٍ كَثيرة عن رائحتك.. تلك التي تغفو فَوْق عُنقك بَعد أن تُمارس رياضتك.. تَصَفَّحتُ جُدران قَلبي باحثة عن وَجْهك الذي وَدّعني في آخر لقاء بيننا كَزوجين.. تَحَسَّستُ ذُبول روحي ورَبَّتُ على شَيْب أُنوثتي لعَلّي أظفر بذكرى.. ولكن لا شيء.. فكُنتُ كُلَّما حاولت أن أتمسّك بذكرى لنا مَعًا تُنجيني بعد موتك أَفشل مرة ومرتان وعَشر. أَيُعْقَل فَيصل! أَيُعقل أن يَسرق المَوت واحدًا منّا لينتهي الحال بالآخر فَقيرًا من الذَكرى؟ ألهذه الدرجة قَسونا على نَفسينا؟ على قلبينا وعلى رُوحينا؟ ما هذا الخَراب الذي أَلمَّ بنا؟ أَيُّ فَقدٍ هذا الذي أَحالنا مسكينَيْن؟ لا تُطعم صَبرنا قُبْلة.. ولا يَحتضن شَوْقنا دِفئٌ عَتيق. أَزاحت جِفْنيها ببطء.. نَظرت للصورة الضبابية المُشَوّشة.. هَمَسَت لذاتها بانشداه: أَسينتهي بنا المَطاف هَكذا؟ قَلبان عَصيٌّ عليهما اللقاء؟ ,، دَخلت الشقة.. بَحثت عنهُ بِعَينيها في غرفة الجُلوس والمَطبخ ولكن لَم تَجده.. إذن هو في غرفة النّوم.. تَحَرَّكت بثقل وهي تفتح أزرار عَباءتها وتُزيح حجابها عن رأسها.. فتحت الباب فقابلها جَسده المُسْتلقي فوق السَّرير على بَطنه بطريقة عرضية.. التَفتَ إليها للحظات ثُمَّ عاد للذي كان في يده. عَلَّقت العباءة والحِجاب ثُمَّ قَصدت دورة المياه لتغتسل سَريعًا.. أَبدلت ملابسها بثوب مَنزلي من القطن الخَفيف والمُريح قَبْل أن تعود للغرفة.. اضَّجعت في مكانها والصَّمت ثالثهما.. هو لا يزال على بَطنه يَعبث في قارب خَشبي صَغير استطاعَ أن يَلتقطه بَصرها من مكانها وهي مُسْترخية بنصف اسْتلقاء، يَد على بطنها.. والأخرى تُداعب بأصابعها خصلاتها المُتناثرة بنعومة على كَتفيها. اتَّكأ على جانبه مُتسائِلاً: للحين مخاصمتني؟ لَم تُجِبه ولَم تنظر لهُ حَتَّى.. كانَ تَجاهلها صَريحًا جدًا.. ناداها وهو يَدفع فخذها بقدمه: إنتِ يا النتفة.. أحاجيش لا مُجيب.. تَرَك القارب ثُمَّ تحرّك ناحيتها.. قال وهو يضع يَده فوق يدها: ترى ولدي اشتاق لي "أَبْعَدَت يَدها عن يَده فارْتَفَع حاجِباه تَعَجُّبًا وهو ينطق" لا والله! رَفَع جسده مُقَرِّبًا وَجْهه من وَجْهها وهو يقول بنبرة تخويف مُصطنعة" هــي يا النتفة.. إذا ما صرتين عاقلة بتندمين.. ترى أنا ساكت لمصلحتش "اسْتَطَرد بمُشاكسة" وتدرين عاد.. رحت البحر ورجعت تسبحت.. عنــاد عشان ما تشمين ريحتي نَظَرت إليه وعلى جِفْنيها استراح الاستخفاف.. ابْتَسَمَ لها بثقة وهو يُقَرّب وجهه أكثر حتى ألصق جَبينه بجبينها.. هَمَسَ وهو يُحاول أن يُركّز في عَيْنيها: ترى أدري إنش مشتاقة لي.. اعترفي حبيبتي "مال رَأسه ليترك فَوْق شَفتيها قُبْلة خَفيفة قَبْلَ أن يُكْمِل" خل ننسى الزعل.. أنا بعد مشتـاق أَبعدت رأسها وهي تُشيح بوجهها عنه فَنَطَقَ هُو بتنبيه: تدرين إن الملائكة تلعنش إذا دعاش زوجش لـ قاطعته سريعًا وهي ترفع يَدها أمام وجهه: اسكت اسكت "وبهجوم" طبعًا ما تحفظون من الدين إلا اللي من صالحكم عَقَّبَ بسخرية: لااا احلفي؟ وهي تُزيح خصلاتها عن وجهها: هذا الصدق.. لا تنكر ارْتَفع حاجبه: يعني تبين تقنعيني إنّش تفهمين في الدين أكثر مني؟ بثقة: اي طَبعًا "وبنبرة واخِزة" أفهم إن قطع صلة الرحم ما يجوز وإثمه كبيــر الْتَزَمَ الصَّمت ولَم يُعَقِّب.. مالت شَفتاه يُخفي ابْتسامته عندما ارْتَفعَ حاجِبَها بانْتصار.. هَمَسَ: بوصلها إن شاء الله تَعَجَّبَت وبسخرية: أوووه.. شنو اللي غَيَّر رايك؟ أَفْصَحَ بجدية: كَلَّمني عنها رائد "حَرَّك كتفه" وكسرت خاطري استلقت على جانبها لتُقابله باهتمام: شنو قال لك؟ باختصار: قال لي إنها تبهذلت في حياتها مثلي.. وأبوها ما كان زين معاها "استطرد والذهول لَم يُفارقه" تخيلي.. زَوَّجها وعمرها أقل من خمستعش سنة! ارْتَخَى حاجِباها بعَطف: على عمري! ليش عــاد؟ أَكمَلَ: بس عشان الفلوس.. تزوجت من سلطان الــ ارْتَفَعَ حاجِباها: والله؟ هَزَّ رأسه بتأكيد: ايــه.. ويابت منه بنت.. سمتها حَنان على اسم أمي الله يرحمها.. بس أخذها منها.. وهي ما تدري وين أراضيها.. حية لو ميتة صَمَتت لثواني وعدستاها تَتقلقلان بتفكير.. تساءلت بعد وَهلة: قلت لي تزوجت سلطان الــ؟ أجابَ: اي.. ذاك التاجر سؤال آخر: وجابت منه بنت وأخذها؟ : اي أخذها وما تدري وينها "نَظرت إليه وعيناها تَتّسعان شَيئًا فشيء.. اسْتَفسر وهو يُلاحظ كيف وَمضت عَينها" شنو؟ بشنو تفكرين؟ هَمَسَت وهي تترك السرير بحركات سَريعة: دقيــقة غادرت الغرفة لثواني ثُمَّ عادت وهي تَتَصَفَّح أَحد الألبومات.. تساءَل باسْتغراب: شنو تدورين؟ نَطَقت وهي مُنهمكة في البحث: الصورة.. وينها ياربي.. ذاك اليوم شفناها اعتدل في جلوسه: صورة من؟ هَتَفَت بحماس وهي تُخرجها من مخدعها: هذي هي "جَلست بجانبه وهي تُشير للوجه المألوف وبسؤال" تذكرها؟ أمسك بطرف الصورة: اي أكيـد.. صديقة حَنين أَكَّدت: ايــه.. اللي قلت إنها تشبه إختك وهي صغيرة.. تشبه فاتن حَرَّكَ رأسه: اي انزيــن.. شفيها؟! تساءَلت من جديد: تدري من أبوها؟ ارْتَفعَ حاجباه: لاا! "وباسْتنكار" شيدخلها اللحين في الموضوع؟! اسْتَنَشَقت نَفَس عميق ثُمَّ نَطَقت بالذي التمع وَسَط عقلها وعيناها تُراقبان ملامحه: أبوها سلطان.. سلطان الـــ ,، كانت تَرتدي قِرْطاها أَمام المرآة عندما دخل الشقة.. تَركت الغرفة وهي تُلْبِس أُذنها القرط الألماسي الصَغير.. كان يقف وَسط غرفة الجلوس يُحادث والدته في الهاتف: ما عليه.. مو مشكلة يُمّه "صَمت يَستمع إليها ثُمَّ عَقَّبَ" عادي يُمّه ما فيها شي.. بقول لها "صَمتَ من جَديد ثُمَّ واصل بعد ثواني" إن شاء الله.. طمنيني.. مع السلامة أَخْفَضَ الهاتف ثُمَّ نَظَرَ لشاشته وهو يَزفر من شَفتيه بوضوح.. رَفَعَ رأسه لها فاقتربت منه وهي تَفهم من عَيْنيه أَنَّهُ سَيُحادثها.. وفعلاً عندما اسْتَقَرَّت أَمامه قال وهو يَتحاشى النَّظر إلى وجهها: هذي أمي.. تقول إن تكنسلت الشوفة عُقْدة حاجِبَين خَفيفة واسْتغراب: ليـش؟ بتنهيدة وهو يتراجع ليجلس على الأريكة: تقول فيصل تعرض لحادث ونزف.. وكانت معاه جنان وتبهذلت تبهذل المسكينة شَهقة خافتة فَرَّت منها أَتبعها سؤالها الخائف: صادها شي جِنان؟ حَرَّك رأسه: لا.. الحمد لله هي ما تضررت.. بس على حد قول أمي إنها مصدومة واجد ورافضة تطلع من غرفتها.. عشان جذي اضطرت تعتذر من الجماعة "أكمل بخفوت وعيناه اسْتَعد الغَبش لالتهامهما" شكلها خافت عليه.. واجـد لَم تُعَقِّب.. حَمدت الله في سِرّها بأنَّ جِنان لَم تَتضرر، وبأن يكون ضرر فيصل بسيط. نَظَرت لزوجها.. راقبت ملامحه وهي تَستحيل جَليدًا يُصْعَب كَسره أو حتى إذابته.. تَأمَّلت عَينيه وانطوائهما.. أَصغت لصفير أَنفاسه المُرْهقة.. ولاحظت انقباض وانبساط يده المَجروحة. اسْتدارت لتخطو بهدوء عائِدة لغرفتها.. دقائق وعادت وهي مُحَمَّلة بعلبة مُطَهِّر.. مرهم خاص بالجروح.. شاش.. قطع صغيرة من القطن.. وشريط لاصق؛ وقَد جَمعت شعرها عند قِمّة رأسها حتى لا يُضايقها. جَلَست بجانبه فالتَفتَ إليها ببصر زائغ.. رَكَّز في الذي بَين يَديها.. وقَبل أن يَستوعب غافلتهُ اللسعة التي تَسَبّبَ بها المُطَهِّر.. تأوّه ويده بردة فعل طَبيعية نَفَرت عن قطعة القطن التي حوت المُطَهِّر.. هي انتظرته حتى تفاهم مع الأَلم ثُمَّ عادت وأَمسكت يده لتنظف الجِرح جَيّدًا وهي تَتحدث بصوت هادئ قريب من الهَمس: أنا ما صار لي مدة طويلة أعرفكم.. أَقصد عايلتك.. أمك وأبوك وأخوانك.. بس قَدرت ألاحظ بعض الأمور.. أو عشان أكون صريحة.. اضطرتني المواقف إنّي ألاحظ بعض الأمور "تناولت المَرهم.. أزاحت غِطاءه ثُمَّ بدأت تُبَرّد الجرح بوضع القَليل منه بأطراف أصابعها وهي تُواصل حَديثها" ومن الأمور اللي لاحظتها حال جِنان.. ما أقدر أجزم.. بس أقدر أكون متيقنة بنسبة قوية إنها تعاني.. واجد تعاني.. تحتاج إنها تتكلم وتفضفض.. تحتاج أحد يدلها الطريق ويوصلها له.. مو بس يعطيها إشارات "وهي تَلف الجِرح بقطعة الشاش" تحتاج تسمع صوت غير صوتها عشان تعرف تقرر صَح "ثَبَّتت الشاش بالشريط اللاصق" ومن كلامك وكلامها فهمت إن قبل سفرك كانت علاقتكم غير عادية "رَفعت بَصرها إليه مُرْدِفة" فأعتقد حديثك معاها راح يكون مُفيد عَقَّبَ بخفوت وهو يُمْسِك يَده المُعالَجة: اللحين احنا مو مثل قبل.. تغيّر الوضع بذات النبرة نَبَّهته وهي تُشْبِك عَيناها بِعَيْنيه: لا ما تغيّر.. للحين هي إختك وإنت أَخوها أَشاحَ عنها وعُقْدة انزعاج تَتَوَسَّط حاجبيه: ما راح تتكلم حَرّكت كتفها: جَرّب.. لو ما تكلمت اللحين بتتكلم بعدين.. لأنها لقت الاهتمام "ابْتَسَمت له وهي تُرْدِف بهمس ونظرة حاذِقة" ويمكن هذا الشي اللي كانت فاقدته واللي كان سبب في تخبّطها " كعادته أَحنى كاهِل رُوحه بِثقل الكلمات ولَم يُفْصِح عن أي كَلِمة.. دَعَكَ صدغه وهو يَنظر للأمام.. فواصلت هي الخوض في غِمار ذاته واحتضنت يَده بكلتا يَديها وهي تَسْتَطرد" حاول ما تستخدمها جم يوم عشان لا تجهدها.. أنا بطهّر الجرح وبحط لك مرهم وبغير الشاش كل يوم هَمَسَ وهو يَنظر ليده: شُكرًا تَساءلت دون أن تُحَرّرها من دِفئها الكَثير على فقده: ها.. بتروح؟ نَظَرَ لها بعقدة حاجبَين: اللحين! أَكَّدت: اي اللحين.. هذا أفضل وقت شَرَح الوضع: بس أمي تقول ما تبي تشوف أحد ابْتَسَمت: ما عليك.. هذا حجي بس.. الصدق هي تبي أحد يتجاوز أمرها ويثبت لها أنها شي مهم وهو يُجاهد نفسه لألا تُسْهِب في تأمّل ملامحها المُتزينة بنعومة بسيطة: إنتِ جذي تقولين؟ هَزَّت رأسها بثقة: ايــه "غَمَزت لهُ بشقاوة وابْتسامتها المَعهودة تُداعب شَفتيها" صَدّقني راح تشكرني بعدين ابْتَسَمَ بخفّة وعَيْناه تَسْتَجيبان لنداء الشَّفَتين.. تَعَلَّقَ بصره بهما والتَّرددُ حاديه.. مَطليتان بلون زَهري على ما يعتقد.. وكأنَّ بتلة من زَهْر قَد ذابت فَوقهما. هي المُلتفتة إليه بجُل حَواسها لَم تَفتها النظرة التائقة.. انتفضَت دواخلها وتسارعت نَبضاتها واحْمرارٌ طَفيف شَعرت بهِ ينزح إلى وَجْنتيها. كَسَرَ نَظرته ثُمَّ وَقَفَ وهو يقول: اللحين بروح نادته قَبل أن يخرج: لحـظة محمد اسْتدارَ إليها بنصف جَسده: تبين شي؟ أَجابت وهي تمشي إليه: اي.. أبي أقول لك شي اسْتَفسَر باهتمام: شنو؟ أَشارت إليه ليقترب: تعال ابْتَسَمت وهي تَرى كَيْف قَرّب رأسه منها بِحَذَرٍ يُثير الضّحك.. دَنَت منه لتهمس في أذنه: ترى.. من أول يوم دخلت فيه الشقة وأنا زوجتك.. ما صدر منك أي شـي يضايقني أو يضرني وقَبْلَ أن يَسْتوعب عَقله معنى الذي قالته.. أَرْخَت يَدها فَوْقَ صدره، وببالغ النّعومة قَبَّلت زاوية شفته.. قُبْلة قَصيرة.. رَقيقة.. ومُلْهِبة. ابْتَعَدَت قَليلاً ليَتسنّى لها النَّظر لوجهه السابح فيه الذهول وعدم التَّصديق.. اتَّسعت ابْتسامتها وهي تُناديه: محمـد رَمَشَ بانتباه وأطبق فَمه الفاغر وهو يَتنحنح.. اعْتَدل في وقوفه وببصرٍ هارب: نعـم؟ تراجعت للأريكة وَوَسط مُقلتَيها رَقَصت رَغْبة انجَذَبت لها ذاته المُحتاجة: راح أنتظـرك ,، المَبنى ذاته.. هذه المرة لَم تَطل مُدَّة بقاءَها مثل المَرة الأولى.. يحتاج أن يعرف تفاصيل الساكنين في ذلك المَبنى. أَلْقى الصور بإهمال على المنضدة القَريبة في الوقت الذي دَخلت فيه مُساعدته ومن خلفها ذاك الأبله.. ابْتَسَم بسخرية مُسْتَفِزّة وهو يَتأمَّل ارْتباكه وتعرّقه المُبالغ فيه.. أَشارَ له ليجلس ثُمَّ أَشار لمُساعدته بالخروج. ذاك الأبله سأل بتأتأة: عمّـ ـي.. قلت.. قلت.. تبيني ببرود وهو يُشْعِل سيجارة: ايــه وهو يَعبث بأصابعه: خــخــ.. خيـر عمّي؟ أَلقى عليه سَهْمٌ حاد: خيـــر! إنت يجي منّك الخير؟ وأنفاسه تكادُ تَنفد من الرُّعب: شــ ..ــسويت.. عمّي! بحدّة: يوســف.. أشوف وضعه في تحسّن بَرَّرَ: مو بإيدي عمّي.. صدقني مـ قاطعه بتهكّم: لاا؟ مو بإيدك؟ بعد ما لهفت الفلوس قلت لي مو بإيدك؟ وهو يَتشبث بالكلمات لِتُعينه: عقب آخر مرة.. دخل فيها.. المستشفى.. صار يشرف عليه أكثـ ..ـر.. أكثر من طبيب.. فما ما أقدر.. إنّي ألعب في الأدوية.. على كيفي.. بنكشف اسْتَفسر بصوت جهور: وما يصير إنت تشرف على علاجه بروحك؟ نَفى: لا.. اللحين جذي النظام الجَديد أَمرَه: عطني كل المعلومات عن الأطباء المشرفين عليه.. أبي معلومات بالتفصيــل هَزَّ رأسه سريعًا وكأنّه قَد تَلَقَّف طَوق النّجاة: إن شاء الله.. إن شاء الله عمي.. ولا يهمّك.. بعطيك كل المعلومات اللي أعرفها نَفَثَ الدّخان وبنبرة دَقَّت ناقوس حَذره: اللي تعرفها واللي ما تعرفها بلهاث مُثير للشفقة والازدراء: إن شاء الله عمّي.. على راسي ,، فَتَح الباب لِتَلتقي عَيناه مع العَيْنَيْن اللتين يَنسلخ ضِعفه تحت أهدابهما عن كبريائه المَزْعوم.. هَمَسَ بعِتاب عندما فاضت على وَجْنَتيها دُموعٌ أَرْهَبت ضَميره: يُمّـه عـاد لا تصيحين وتعورين قلبي "وَقَفَ أمامها ثُمَّ أحاط كَتفيها بذراعه وهو ينحني لتقبيل جَبينها قَبْلَ أن يُرْدِف بابْتسامة شاحِبة" شوفيني يُمّه.. ما فيني إلا العافية أَخذت يَده تَمسح دُموعها، أمّا يَداها هي فَقد قَصَدت جَسده باحِثةً بحواس أُمومتها عن وَجَعٍ وَجِرح.. وبهمسٍ مخنوق: حَبيــ ـبـي.. إنت بخير يُمّه؟ ما فيك شي؟ ما يعورك شي؟ شَدَّ على كَتفها: والله يُمّه ما فيني شي مَسَّت جرح جبينه من فوق الضمادة وبصوت مُتَهَدّج: يا بعد طوايفي.. فيني ولا فيك قال بسرعة: اسم الله عليش يُمّه.. لا تقولين جذي.. الحمد لله جت خفيفة تَمْتَمت بَعد أن قَبَّلت كَتفه: الحمد لله "رَشَّحت صوتها لِتَسْتَفسر" كلمت زوجتك؟ اتصلت فيني تسأل عنّك تقول تتصل لك وما ترد أَجاب: اي كلمتها.. بس ما قلت لها عن شي.. بس قلت لها انشغلت مع أبوي.. ما أبيها تخاف تنهّدت بتعب وهي تُشير للأعلى: جَنى بالغصب رضت تنام.. سألت عنك وعن أمها يمكن عشرين مرة.. جنها كانت حاسة إنّي أجذب عليها بالأعذار عَلَّقَ بعاطفة: بعد عمري.. بركب لها بعد شوي "وبتساؤل" وين أبوي؟ رَدَّت وهي تجلس على الأريكة بارْتياح: صار له فترة يحوس في الحوش.. ما شفته؟ أنكر: لا "وبتفكير" يمكن ورا البيت "وهو يتراجع للخلف "بروح أشوفه تجاوز الباب الداخلي لباحة المنزل الخلفية.. وهُناك عند المَخزن الكبير التقى بوالده الذي قال بنبرة ناقِعة في التَّهكم: الحمد لله على السلامة يا مُديـــر وَقَفَ أمامه وهو يَحشر كَفّيه في جَيبي بنطاله: الله يسلمك دون أن ينظر إليه وهو يُفرغ السّماد في الأصائص الصغيرة: هــا.. شخبارك بعد حادث السرقة الخطير؟ خسرت ثروتك كلها لو تلاحقت على عمرك؟ ابْتَلَع كلماته للحظات يستوعب فيها مقصده قَبْلَ أن ينطق بسؤال: قالت لك نور؟ نَظَرَ إليه وحَول أَجْفانه رَفْرَفت السُخرية: ما يحتاج تقول لي.. الخطة الطفولية واضحة.. يعني شهالصدفة اللي خلت المراهقين يجون يبوقونك ليلة شوفة بنت عمتك! ولا.. بنت عمتك نفسها كانت الوحيدة اللي معاك! حَرّك كتفيه يدّعي البراءة: بعد صار اللي صار حَمَلَ الأصائص ثُمَّ اقترب إليه ناطِقًا ببروده الحـاد: وعدتني إنّك ما راح تضرها قال سَريعًا: ما ضريتها.. ما صار فيها شي.. بس أنا اللي انجرحت ارْتَفَع حاجبه وفي عينيه لوَّح سَوْطٌ لاسع: يعني لازم يسيل دمها عشان يحس ضميرك ويوتعي؟ تراها نزفت واجـد.. بس من داخل.. إذا واصلت على استهتارك وأنانيتك بيجي يوم وبتشوفها جامدة.. الإحساس كله بيكون مات فيها بعد ما استنفذت كل دمها تَحَرَّكَ والده فَلَحِقه وهو يَجُر معه رُوحه التي أَفزعتها كلماته.. ناداه وهو يُشاهده يَصُف الأصائص على جانبي الباب: يُبـه رَدَّ بانزعاج: شتبي؟ وَقَفَ أَمامه وسنوات عمره الثلاثة وثَلاثون تَقَلَّصَت إلى عَشْر.. هَمَسَ بخواء وقلّة حيلة: شسوي؟ قول لي شسوي؟ وَقَفَ أمامه وبتنبيه: ارجع لعقلك أَفْصَح مُعرٍّ بذلك ذاته: ما أقدر.. عقلي ضاع مني من ضاعت هي من بين ايديني وَخزه بلا رأفة لعلّه يَفيق من غفلته: إنت اللي ضَيّعتها.. كنت تقدر تزعل منها وتعاقبها وتخاصمها وهي عندك وزوجتك وَضَع يَده فوق جَبينه بهيئة الحيرة والتيه: كنت مصدوم يُبه.. مصدوم ومجروح.. كنت معاها ألمس الجنة.. بعد اللي شافته عيوني حرقتني النار وأرمدت كل شي فيني وحولي عَقَّبَ ببساطة: كل شي له حل.. حتى الرماد مُمكن إنّه يستحيل إلى ألوان مدامكم مع بعض أَلقى ثقل جَسده المُتهالك على عَتبة الباب.. هَمس بإغماضٍ يُترجم الانهزام وهو يَحني ظَهره ويُمَرّر أصابعه بين خصلات شعره: بس اللحين احنا مو مع بعض.. وما راح نصير مع بعض.. يعني الرماد راح يبقى رماد.. والجنة من بعد ما ودعتنا.. ما راح يكون لنا معاها لقاء شارَكه والده الجُلوس وهو يَنفض يَديه من بقايا السّماد.. يُراقب السّماء وهي تَتَسربل بغلالة زرقاء داكِنة مُرَصّعة بنجومٍ ساهِرة.. ويَتَسَيّدها قَمَرٌ لَم يَفتأ أن يُضيء عتمة الأرواح الحائِرة. التَفتَ لابنه عندما تساءَل بخفوت: حددوا الملجة؟ أجابَ بكلمة واحدة: لا أَخفض يَديه عن رأسه ليرنو إليه باستغراب: ليش؟ باختصار وهو يَترقَّب ردّة فعله: لأن ما تَمّت الشوفة ارْتَجَفَ قلبه بلهفة تُثير الشفقة.. ومن عَيناه هَتَفَ انتصارٌ أَعرج.. فَتحَ فَمه يَبحث عن كلمة تُعبّر لكنّهُ أطبقَ شَفتيه بعد ثوانٍ بافتقار.. ضَحَكَ بخفّة وهو يلتفت عنه ويمسح جانب وجهه.. وكأنَّما يَمسح غُبار الحَرب التي رَبحها بعد أن راوغته الخَسارة. ازْدَردَ ريقه وهو يُحاول أن يُخفّف من بهجته.. فَلم ينتهِ الأمر بعد.. فحتى لو لَم تكن لنادر هذا فَقد تكون لغيره.. ارْتَعدت فرائصه عندما خَدَّرت أحلامه هذه الحقيقة.. شَخَبَت الضحكة من وجهه شَيئًا فشيء لتحل محلّها وِحْشة قاتِمة تُثير الكآبة. هَمَسَ برأسٍ مُنَكَّس وهو يَنظر لأرضٍ أمَست قَبْرًا لحُبّه وأحلامه: إذا ما كانت له.. بتكون لغيره هَمْهَمَ والده يُؤيّده قَبْلَ أن يَكشف عن سؤال غير واضح المعالم: جم حسابك في البنك؟ التَفتَ إليه بلا استيعاب وعُقْدة مُسْتَنكِرة تَوَسَّطت حاجِبَيه: شنـــو؟ كَرَّر: جم حسابك في البنك؟ جم عندك فلوس في البنك؟ وهو لَم يَستطع أن يَفهم ما يرمي إليه: وليــش! بلا مُقَدّمات وبلا عَطْفٍ على ذاته الفاقِدة أَجابَ لِيرفع رُوحه لباب الجَنّة التي طُرِد منها: عشان أعرف.. يكفي اللي عندك مَهر لها ولا أساعدك ,، طَرَقَ الباب ولَم يأتِه جَواب في المرّتين.. وفي الثالثة حَلَّقَ إليه صَوْتٌ بِجناحٍ مَكسور: خلــ ـوني بروحي كان سَيُلَبّي الطَلب وسَيتراجع.. ولكن كلمات زَوجته عادت وحَفَّزته للدخول إليها وإن كانت رافضة.. لذلك فَتحَ الباب بهدوء فَلفحه هواء المُكَيّف البارد المُخترق الظلام المُصْمَت.. الجَو مُعْتَدِل.. لا يَعتقد أَنّهُ يَستدعي حرارة مُنخفضة لهذه الدرجة! أَغلقَ الباب وهو يَتحسس الحائط بجانبه.. فتحَ أوَّلَ زِر لامسته إصبعه.. فأُضيء المصباح المُسْتَقِر بجانب سَريرها.. انتبه إليها وهي تدفن وجهها في الوسادة وتَسحب اللحاف لتُغطّي رأسها.. هَمَسَ وهو يقترب: جِنان.. أنا محمد الْتوى عِرْقٌ ناجٍ وَسَط قَلبه من نَحيبها الذي اعْتلى.. جَلَسَ بجانبها وهو يُحاول أن يُبعد الغطاء عن رأسها: قومي جنان نَطَقت بصوت مَكتوم قَد ابتلعت نصفه البحّة: مابي مــااابي.. خلوني بروحي اسْتطاع بسبب قوته أن يُزيح الغطاء عنها.. أَبعدَ خصلاتها عن جانب وجهها بيد وبالأخرى أمسك كتفها بَحنو.. طَلب منها بلُطف: طالعيني جِنان.. طالعيني حَبيبتي تَضاعف بُكاؤها والنَّحيبُ غارَ في صَدرها حتى اتَّسعَ عمق الفَجوة التي تَنتحر عندها الأَنفاس.. أَمسكها بكلتا يَديه.. وبشدّة بسيطة رَفعها حتى تَصطدم عَيْناه بلوحة البؤس المُحتكرة ملامحها.. هَمَسَ بانشْداه عارم: جِنــان! ليش جذي؟ ليش جذي مسوية في نفسش! أَصدرت إشارات آمرة لأطرافها لِتَتمَلَّص من قَبضتيه لكنّ كُل الذي صَدر منها كان حَركة لحظية وَهِنة.. بالكاد استشعرها مُحمّد.. هَمَسَت وهي تَهرب بعينيها عن عَينيه المُتَفَحّصَتين: خلنـي.. خلني محمد قَرَّبها منه وهو يقول بحزم: لا.. ما راح أخليش "رَفع رأسها يُرغمها على النظر إليه ويهو يُكمل" ما راح أخليش تفهمين؟ تبين تصيحين صيحي على جتفي أَغْمَضَت بأسـى وماضيها استعان بلسانها ليَحكي عن الثَغرة التي هَرَبت منها كُل أحلامها: ليــتك جيت لي حزّتها.. يوم كنت محتاجة لجتفك.. ليـتك ما رحت أصلاً! "مالَ رَأسها على كَتفه وهي تَسكب دُموعًا كان لها عُمران.. بعضها وُلِد اليوم.. وبَعضُها وُلِد قَبْلَ أعوام. بتنَشِّقٍ هَمَست وهي تَنظر لمَسير حَياتها الاعتباطي" تعبــ ـانة.. أحس إنّي واقفة على حافة الموت.. ضايعة.. أدور على طريق يرجعني له.. بس ما في حواليني غير الموت.. أحس إنّـي.. حتى مو كفو أربي بنتي لامها وهو يَشدّها إليه: جِنان شهالحجي؟ مَسحت بظاهر كَفّها الدمعة التي اتَّكأت فوق أنفها وهي تقول: والله.. لو بنتي تطّلع على الماضي بطيح من عيونـ ـها نَهرها: كفاية جِنان.. كفاية جلد لذاتش باهتزاز صَوت: أسـ ـتاهـ ـل "شَهَقت ثُمَّ واصلت بحُرقة" شوَّهت مراهقتي، وبغلطة سخيــفــ ـة هدمت حياتي مع زوجي.. واللحيــ ـن.. بكل غبـــاء وافقت على تشويه حاضري ومستقبلي سَأَل وهو مُتَيَقِّن من الجواب: للحين تحبينه؟ ابْتَسَمت بشحوب وهي تُجيب بوَجْسٍ مُسْتَسلم للاعتراف: أنا عايشة على حُبه محمد.. هو يميني ويساري.. كل ما التفت ألقاه.. حتى بنتي.. أغلى مخلوق في الدنيا.. قطعة منـه.. وين ما رحت ووين ما شردت عنه ألقاني أرجع له.. شســوي! "رَفعت نفسها لتنظر إليه باسْتجداء" قول لي محمد؟ شَســوي؟! سَألَ وهو يَتشرب بخطوط كفّيه صَبيبها: إنتِ شتبين؟ هَمَسَت والتَّرَدّد يؤطّر أجفانها: ما أدري احْتَضَن وَجْنتيها وبتَشجيعٍ حَنون: قولي جِنان.. لا تخافين.. ما راح أحكم عليش.. إنتِ حرة في تمني اللي تبينه.. حتى لو حسيتين إنّه غلط أو بيثير حفيظة اللي قدامش بِشَفَتين مُطْبَقَتَين حَرَّكَت عَدَستيها على وَجْهه تَبحث عن الصِّدق.. وَوجدتهُ هُناك.. في مهْد نَظراته.. وبَين أحضان ابْتسامته المُتَطَلِّعة لإصلاح الخَراب.. تَمَسّكت بِكَتفيه وكأنَّما تَتمَسّك بآخر أَمل للنّجاة من حافة المَوْت الحَتمي.. سَطَع الدّمعُ وَسطَ المُقلتين.. احتراقٌ اشْتَعَلَ في أنفها.. شَيءٌ يشبه الفَرقعات وَمَضَ في فكّها.. وَغصّة تَكوّمت على نفسها ألف مرّة حَرجًا من الحَقيقة التي آزرها شَقيقها لكشف الخِمار عنها؛ قَد انتصفت حَلْقها.. هَمست في الوقت الذي عَزفت فيه الدّموع لَحن الأُمنية المَكسورة: أبــ ــي.. نرجع.. أنا وهو.. مع بعض.. نربي بنتنا.. ما في أحمد ولا نادر.. وما في ياسمين.. بس أنا وهو وَجنى.. أنا أنسى وهو ينسى.. والله.. والله أقدر أنسى جرحي منه مدامني بكون معـ ـاه.. والله! "تَقَوَّسَ حاجِباها ومن قَلبها المُلتاع ارْتفع سؤال" عادي يصير هالشي؟ عادي ولا مُستحيــ ـل؟ طَرَدَ جُثث الدّمع عن خَدّيها.. أزاحَ خصلاتها الذابلة عن وَجهها.. قَبّلَ جَبينها ثُمَّ رَبَّت على الوَجْنَتين بإبهامَيه، وهو يُجيب بنبرة أَرغمتها على الالتفات للضّفة الأُخرى حيث تَستقر النّجاة: عــادي.. ما في شي مُستحيل على رَب العِباد. ، عاد إلى منزله في تَمام الساعة الحادية عَشر لِيَجدها مُسْتَغرِقة في النَّوم على الأريكة الطَّويلة.. ابْتَسَمَ وهو يَتَأمَّلها.. ساقيها مَطْويتان وثوب نومها القطني قَد انحسَر قَليلاً كاشِفًا عن جزء من فَخذيها.. خصلاتها حُرّة من ربطة، وقَد تناثرت ببعثرة ساحِرة حول وَجْهها المُسْتَكين.. يَد تحت خَدّها والأخرى قَد تَدَلَّت لخارج الأريكة ومن أسفلها على الأرض قد استقرَ جِهاز التّحكم الخاص بالتلفاز.. الْتقطهُ من الأرض ثُمَّ أغلق التلفاز قَبْلَ أن يضعه على المنضدة. اقترب منها وعيْناه لَم تُفارقانِها.. سِحرها أَبدي.. مُخَلَّد أَثره في الرُوح والذّاكرة. انحنى بهدوء وهو يَضع ذراع أسفل عُنقها، وذراع أسفل رُكبتيها.. وبخفّة حَملها ليمضي بها إلى غُرفتها.. حُيثُ هُناك أَراحها فَوْق سَريرها الوَثير.. اسْتدار ليقصد زِر المُكَيّف لكنَّ رَبيعها الدّافئ أَوقفه.. التَفتَ ليَدها التي عانقت ساعده قَبْلَ أن يرفع بصره إليها.. ابْتَسمت إليه وهي تَهمس بنعاسٍ شَهي: آسفة.. نمت وأنا أنتظرك بادلها الابتسامة ونبضه يُعاقب قَلبه الجَبان: لا عـادي شَدَّته بخفّة وكأنّها تدعوه للجلوس وهي تَتساءَل: شنو صار؟ استجاب لها وجَلسَ على السَرير أمامها.. تفصلهما مَسافة أمان.. وهو يُجيب بذات الابتسامة: الحمد لله.. صاحت واجد.. بس حسيتها ارتاحت.. خصوصًا بعد ما تكلمت.. وكأن حِمل ثَقيل انزاح من على ظهرها "ضَحَكَ بخفّة" مشكـورة عَقَّبت بموَدّة: حاضريــن. الحمد لله.. أهم شي ارتاحت.. وااجـد تَمــام أَوْمأ برأسه: الحمد لله نَظَرَ لها وفي عَيْنيه حَديث استطاعت بخبرتها البسيطة أن تُبصره.. لكنّه أَسرع وأشاح عنها ليُخفيه كعادته.. لذلك زَحفت على رُكبتيها حتى قَلَّصَت المَسافة إلى ما يُقارب الصِفر وبهمس رَقيق: تبي تقول شي محمد؟ عَضَّ على شَفته قَبْلَ يَكشف عن ضحكة قَصير مُحْرَجة.. ضَيَّقَ عينَيه وهو يدعك صِدغه.. قَبْلَ أن يَنظر إليها ومن شَفتيه لَم تَغِب الابْتسامة.. هَمَسَ بعد فترة: يصير أسأل سؤال؟ باهْتمام واضح: أكيـد يصير حَكّ ذقنه وأخفض بَصره.. ثُمَّ عاد ورَفعه مُفْصِحًا: ليش ملامحش هالكثر ناعمة؟ هي التي لَم تَتوقّع سؤاله أبدًا ضَحكت باستغراب وبتلّات خَجل بدأت بسَقي خَدّيها.. وبجواب وحيد: مـا أدري! ويُمناه تَشَجَّعت لِمَسِّ قطعة من البَذخ المَخلوقة على هيئة وَجْنة: واجــد ناعمة.. يمكن أنعم ملامح شفتها في حياتي كلها! سَألت بعقدة خفيفة وهي لا تزال تبتسم: يعني مو حلو؟ تداركَ: لا امبلى.. حــلو.. واجــد حــلو... بـس "تَغَضَّنت ملامحه باستعطاف وهو يُعَبّر بكلمات بَريئة" يتعّــب اسْتَنكرَت بضحكة والخَجل يَكاد يَفيض منها: يتعّب! شلون يعني؟ مَسَّ أنفه بظاهر سَبّابته وهو يَعتدل في جُلوسه مُحاولاً شَرح إحساسه: حلو بس مُرْهِق.. يعني نفس الشي اللي يحبه القلب بس يتعبه في نفس الوقت "هَمْهَمت وهي تَزْدرد ريقها بصعوبة وتُصغي لطُبول نَبضاتها.. وهو يواصل شرحه بإسهاب لَطيف" يعني لو غَضّيت البَصر أو أطلت النظر بتعب.. التعب في كل الأحوال هو النتيجة أَرْخَت طَرفها لتهمس بنبرة أَرْجفت ذاته: يَمـكن.. لأنّك حـارم نفسك.. وتقسو عليها.. فتتعب! هَمَسَ باستفسار وهو يَشعر بقُرب انهيار أنفاسه: يعني.. قصدش.. أنهي الحرمان؟ أَكَّدت وصوتها يَكاد يخبو من فَرط الخَجل المُتّخِمة منهُ حواسها: ايــه.. ترى في ايدك نهاية تعبك اقْتَرَبَ منها وبِيَديه رَفعَ قَمرَ وَجْهها ليَرتوي من النَّظر إليه: ومـا في خُوف؟ هَمَسَت بأهدابٍ تُلَملم بتحليقها النَّظرات الشاردة: ما في خُـوف أَحاطَ عُنقها بكلتا يَديه.. اقْتَرَبَ سامِحًا لذاته باستنشاق أَنفاس الحياة الوالدة من رُوحها النّقية.. التَقَت العَين بالعَين.. ابتسَم القَلبان قَبل الشَفتين.. أَرْخى جَبينه فَوْقَ جبينها وهو يَسْتشعر بجميع حَواسه خطوات أصابعها على جانب وَجْهه وبين خصلات شعره.. مالَ رأسه وبشوق كُل ليالي الفَقْد قَبَّلها.. مُسْتَقِلًّا بذلك السَحابة التي حَلَّقَت بهما لسماء جَديدة تَشرع أبوابها من أجل اللقاء الأوَّل.. حيث تعانقت الرُّوح بالرُّوح.. لتغتسلان من ماء الأغادير العَذبة.. وتَنفضان عن كَتِف الحُب غُبار الانتظار.. وترتشفان من شُعاع الأملَ الذي ضَلَّت الذَّات طَريقه لأعوامٍ طَويــلة. انتهى |
الساعة الآن 05:27 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية