رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الفصل بينزل كالعادة الفجر.. هو أنسب وقت لي. *قبل چم يوم نزلت شي في تويتر يخص قضية والد يوسف.. للي حاب يطلع يدخل على حسابي. نلتقي على خير💙. |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم تَوكلتُ على الله الجزء الخامس والخَمسون الفَصل الأَوَّل تَجثمُ الحَياة فَوْقَ صُدورنا.. تَتخذ من القَلْبِ مُتَّكأً حتى يَهترئ ثُمَّ تُغادره من خِلال ما أَوْجَدته فيه من فَتقٍ وَخرق... وحين تَنتبه حَواسك، لا تَجِد سوى الفَراغ الصارخ في جَوْفك.. فالقَلب قَد هَرم بَعَد أَن عَبَثَت به الحَياة وهَرَبَت.. وَكَأنَّها السَّارق الذي يَأتي خِلسة على غَفْلةٍ من فَرَحٍ عابِر أو ابْتسامة أَضاعت الطَّريق؛ لِيَنهب من القَلب كُل لَونٍ ونَبض.. وكُل أَمَلٍ وصَبْر.. يُشَوِّه الذكريات ويَقتَلع السّعادة من جُذورها حَتى يُخَيَّل للقَلب أَنَّهُ لَم يَعْرفها قَط.. وبعد كُل ذلك.. يَلتفت السارق، أو تَلتفت الحَياة.. بوجهها الحَقيقي، تُطالع الخَراب الذي خَلَّفته.. تَنفض يَديها من آثار الجَريمة.. ثُمَّ تَسْتَدير وتَمضي.. بَعدَ أن عاثَت فَسادًا في تَكوين ذلك المَخلوق الرَّهيف. حتى الآن لَم تَبكِ.. لا زالَ الدَّمعُ جامِدًا وَسط مُقلَتَيها.. مَلامحها صَفحة بَيضاء.. نَعم بَيضاء.. حتى أَنَّها لَم تَكتَسِب الرّمادية أو السَّواد.. بَيضاء فَقط.. بلا حَياة.. وكأَنَّها المَوت عندما يَأتي مُحَمَّلاً بالأكفان. لَو أَخبروها قَبْلَ أيّام.. قَبْلَ أَيّامٍ، فَقط عن الأحداث التي سَجَّلتها هذه الليلة.. لما صَدَّقَت أَنَّها لَن تَبكِ.. ولَن تَستسلم لِفَيض الدّموع مثلما فَعَلت طوال حَياتها.. هي سابقًا حينما كانت تُعاهد نفسها بِذرف الدَّمعة الأخير.. تعود بعدها وتُفَجِّرُ بَحْرًا من عَيْنيها.. لكن هذه المرة لا شيء.. وكأنَّ جَليدًا قَد صَمَّد عَيْنيها.. أَهذا هُو المَوْت؟ مَوْت الشعور.. مَوت الأَلم والوَجع.. مَوت الوَعي للجِرح ومَوت النَّدم؟ هَل فَقَدتْ كُل شيء.. هل ماتت الحياة فيها؟ أَيُعقل! لِنَكُن صَريحين مع بَعضنا البَعض.. الإنسان لا يُحِب الأَلَم.. أو بعبارة أَصَح.. الإنسان السَّوي لا يُحِب الأَلم.. لكن أَن تَعيش مَبتور الأَلم! هذه مُشكلة.. مُشكلة حَقيقية.. كَيف إذن سَتُمَيِّز صَديقك من عَدوّك؟ كَيف سَتُقَدِّر الرّاحة والعِلاج؟ بأي الطّرق سَتُعَبِّر عن اشتياقك لِفَقيـدٍ عَزيز.. مَيّت أو مُهاجر؟ ذلك الطفل المُلقى على قارعة أَرْضٍ مُحْتَلَّة.. من أَي جِرْح سَتبكيه؟ لا تَقُل لي أَلا حاجَة للإنسان للأَلم.. فلا عَيش لهُ بلا أَلم.. فَبالألم يُبْصِرُ المَرء عافيته وَضِحكته وَطَمأنينته. قَرَعَ باب رُوحها سؤال.. هَل نَهَبْتَ مني الأَلم فَيْصَل؟ أَوَلَستَ أَنتَ الحَياة؟ زَفَرَت وهي تَمسح وَجْهها بِراحتيها.. مَضَت ساعات مُذ انقَضَت الحادِثة.. لا تَدري كَيف نَطَقت بكُل ذلك.. من أين أَتَتها الجُرأة.. بَل وَكَيَف تَحَمَّلت عِبء أَعينهم المَصدْومة؟! وكأَنَّها لَم تَكُن هي ساعتها.. وإلى الآن لا تَشعر بَعودة رُوحها الحَقيقية لِجَسَدها.. هذه لَستِ أَنتِ جِنان.. لا دُموع على وَجْنَتَيكِ ولا آه تَتَكَسَّر بَين ضِلْعَيكِ. وَقَفَت أَمام المرآة.. لَم تُبالغ في تَأمّل ملامحها.. لا تُريد أن تُبصِر المَوت بأم عَيْنيها.. لذلك أَحَلَّت رَبطة شعرها ثُمَّ أعادت مُباشرة ربطه عند قمة رأسها قَبْلَ أن تَتَحَرَّكَ للباب.. تَرَكت غُرفتها قاصِدةً مَكانًا واحِدًا.. لا تَهمها الساعة المُشيرة لما بَعد الواحِدة فَجْرًا.. لا يَهمها سوى شيء واحد.. أَمر عَزَمت على فعله مُذ اخْتَلَت بنفسها. قَصَدت الطّابق الثاني.. تَوَقَّفَت أَمام باب الشِّقة.. طَرقته مَرَّتان قَبْلَ أن يَأتيها الجَواب.. كان شَقيقها.. ما إن رآها حَتى أَشاحَ عَنها والغَضَبُ الصّامت يَكسو وَجْهه مع شيءٍ من اشْمئزاز.. ابْتَسَمت بشحوب هامِسةً: مو طايق تطالعني عَلي؟ مو قادر تشوف أختك حَبيبتك؟ تَجاهلها كُليًّا واستدار للدّاخل في الوَقت الذي اقتربت فيه جُود.. تَساءَلت بصوتٍ خافِت وَوجهها قَد غَزته انفعالات مُتناقضة: تبين شي؟ بلا إرادة منها احْتَدَّت ملامحها وكذلك صَوْتها.. أَجابت وهي تَعقد ذراعيها عند صدرها: اي.. تعالي معاي غرفتي مَسَّت خَدّها بطرف سَبّابتها قَبْلَ أن تُرَشِّح حنجرتها وتَسْتقر بذراعها خَلْف ظَهرها قائلة: بس الوقت متأخر ارْتَفَعَ حاجِبها: ما أعتقد وراش دوام باجر.. ومتعودة إنتِ على السهر مَرَّرَت لسانها عَلى شَفتيها ثُمَّ هَمَست بنبرة بالكاد تُسْمَع: أوكــي أَشارت لها جِنان بيدها للِأمام فَتَقَدَّمتها للطابق الأوَّل.. ثوانٍ واستقَرت الاثنتان في الغرفة.. عَلَّقَت جُود بنبرة مازِحة عندما أَغلقت جِنان الباب: ترى حَسيت نفسي طفلة وإنتِ قاعدة تعاقبيني وهي تَتَقَدَّم إليها والحِدّة تَكشف عَن أَشواكها: وليش تصرفاتش تصرفات بنت كَبيرة؟ تصرفات مرأة عاقلة وفاهمة؟ بثقة أَجابت: اي طبعًا ارْتَفَعَ حاجِباها وهي تَقِف أَمامها وبتهكم: والله! اللي سويتيه اليوم تسويه وحدة عاقلة! "ارْتَفَع صوتها" مو تصرفات جهـــال! اسْتَنكرت بِعَينين مُتَوَسّعَتَيْن: وأنا شسويــت! ونبرتها تعلو: لا أبدًا ما سويتي شي.. فيصل نام وحلم بموضوع الخطبة وجا يهاوش ويهاجم دافعَت عن نفسها: سواء قلت له أو لا.. في النهاية كان بيدري.. وردة فعله بتكون نفسها نَفَت بشدة: لا ما بتكون نفسها.. ردة فعله ما بتكون نفسها.. كان بيجيه الكلام بهدوء وعقلانية من أمي وخالي اعْتلى صَوتها: وتتوقعين ما بيطق عرق جنونه إذا سَمع بموضوع خطبتش من أبوي وعمتي؟ جِنــان.. المشكلة مو في الشخص اللي يوصل له الخَبر ولا حتى الطريقة.. المُشكلة في الخَبر نفسه.. المشكلة في خطبتش.. إنتِ متى بتفهمين! متى بتفتحين عيونش وبتشوفيــن! قاطَعتها بهجومٍ شَرس: مـــا لش دخــل.. ما لش دخل في حياتي.. إنتِ بنت خالي وبَس.. وبـــس.. حتى إنتِ مو الأقرب لي.. مو صَديقتي.. لا تلعبين دور الشخص المسؤول عن حياتي والمهتم فيني نَطَقَت وغَصَّة في منتصف حَلْقها قَد أَجَّجتها كلمات جِنان: أنا أعتبرش مثل أختي الكبيرة.. مثل نور بقسوة لا تُناسبها: بس أنا مو أختش.. احنا مو أخوات.. تفهميــن ولا لا؟ هَزَّت رَأسها وأهدابها تَتصافق بسرعة مُقاومَةً وَخز الدموع: أوكـي.. أوكي.. مثل ما تبين.. احنا مو أخوات.. وما عاد يهمني أمرش "لَمَعَ شَيءٌ وَسَط حَدَقَتيها.. وكَأنَّما حُسامٌ يُلَوِّح" بس يهمني أخوي.. وتهمني حياته.. وأخوي يحبش حَذَّرتها والأَنفاس بَدأت تَسْعَر داخلها: سكتي تَجاهلتها وأكملت: يموت فيش.. حُب حياته اللي أخفاه عن الكل.. وللحين يحبش نَهرتها من جَديد: سكتــي.. سكتي.. مابي أسمع شي واصلت فاضِحةً خَباياها: وإنتِ تدرين إنّه للحين يحبش.. بس تنكرين.. تجذبين على نفسش وتقولين ما يحبني.. لأنش ضَعيفة "كَرَّرتها باسْتفزاز" ضَـــعــيــفــة.. ما عندش القدرة إنش تسترجعينه.. من بعد ما فقدتينه استسلمتين والدليل هروبش لذاك.. أحمد نَطَقت من بين أَسْنانها وإصْبعها يَرتفع بتحذير صارم: جُود جَـــب وكأنَّها لا تَسمع نَبرتها الحامِية ولا ترى ضَجيج الحَريق في عَيْنيها: يمكن أنا الوَحيدة اللي ما انصدمت مثل الباقيين بموضوع زواجش منه.. لأني أدري شكثر إنتِ ضَعيفة.. تدورين على الحَل السهل.. حتى لو كان خَطأ وأكبر خطأ.. بس تلجئين له لأنه أسهل.. فقدتين بنتش.. طلقش حَبيبش.. تقعدين تنوحين وتتعذبين وتعضين أصابعش ندم؟ أو تسعين إنش تسترجعين حياتش وتبنيها من جديد مهما كلفش من تعب وصبر وعذاب؟ لا.. صعبة.. واجد صعبة على جنان الاتكالية.. جنان الضعيفة اللي تتخبى ورا ظروفها.. الظروف اللي حاطتها شماعة لكل غلط ترتكبه.. عشان جذي تزوجتين أحمد.. عشان تطمسين أي صوت أو فكرة داخلش ممكن يوجهونش للطريق الصح والصَعب.. عيّشتين نفسش في وهم وتَسببتين على نفسش وحياتش ومستقبلش، "وبسخرية عَرَّت ما تَبقى من سِتر ذاتها" ما أستبعد إنّش إنتِ اللي اقترحتين فكرة الزواج على أحمد اقْتَرَبَت منها وصَوت أَنفاسها المُضطربة يَشق صَمت الليل.. هَمَسَت بتحذيرٍ حامٍ: ترى تجاوزتين حدش.. واجــد.. واجــد يا جُود.. كلمة زيادة وبتندمين حَرَّكَت كَتفيها بِعَدم اهْتمام وَضَح على مَلامحها المُرتخية: على راحتش.. اقبلي بالضعف ولا تكونين ولو لمرة في حياتش قوية أَشارت للباب: اطلعي برا وهي تَخطو للباب: بطلع.. بس بقول لش شي واحد أَشاحت عنها بتجاهل: مابي أسمع منش شي نَطَقَت دون تراجع: ترى في ألف بنت وبنت غيرش مروا بظروفش وبظروف أسوأ.. وفي سن حساس مثل سنش.. بس ما ارتكبوا ربع أغلاطش.. غياب الأم والأب مو حِجّة في كل الأوقات للتخبط وارتكاب أخطاء كَبيرة.. وإنتِ ما كنتِ بروحش بكل ما للكلمة من معنى.. أبوي ما ترككم أبدًا.. فعذرش واجد واهي "أمسكت بالمقبض وباعتراف" أنا أدري إني فضولية.. وما أعرف أمسك لساني.. بس يوم قلت لفيصل ما كان قصدي أسبب لش مشكلة.. كنت أبيه يحس وأبيش تحسين إن كل واحد فيكم قاعد يتجه للطريق المعاكس.. وطريقكم لازم يكون واحد.. إنتِ كل شي سويتيه من مراهقتش لين طلاقش من أحمد؛ كان كله للفت الانتباه.. تبين أحد يحس بوجودش.. يفتقدش ويحسسش إنش شخص مُهم وله وجود.. أنا واثقة إن فيصل منحش كل هذا.. لكن ما أدري شنو الغلط اللي ارتكبتيه وخلاش تنحرمين من كل اللي منحش إياه في غمضة عين "فَتحت الباب.. نَظْرة سهمية.. وأخيرًا" تصبحين على خير خَرَجت مُغلِقَةً الباب خَلْفها.. أغلقته على التي بَدت لها سَوأتها لمرتَيْن في هذه الليلة.. مرة أمام فَيصل.. ومرة أمام جُود.. هي مَفْضوحة.. مَفْضوحة للحَد الذي غَشَت فيه الفَضيحة على بَصرها. انْهارَ جَسَدها بوَهن على الأَرْض الخَشَبَيِّة.. رَعْشة غَريبة بدت تَدب بَين أوصالها.. الجَليد الذي شَكَّل دِرعًا مُحامٍ لحواسها بَدأ يَنحسر عنها شيئًا فشيء؛ مُفسِحًا المَجال للحرارة الهائجة في أَن تَحْتَل كامِل جَسدها. ، أَغلقت باب غُرفة النَّوم.. خَطَت بلا مَعنى ناحية منضدة المرآة.. أَخذَت أَصابعها تَعْبَث بحاجِياتها برأسٍ مُنْخَفِض تَحْتَ أنظاره.. تَساءَلَ من مكانه: شنو فيش؟ أَجابَت بهمسٍ مُتَّخِم بغصّة البُكاء: ما فيني شي سَأل سؤال آخر: شنو صار؟ باخْتصار: هاوشتني اتَّضَحَت لهُ الصّورة فقال بتأنيب: أنا جم مرة محذرنش من التدخل في الغير؟ أكيد بتعصب رَفَعت رَأسها إليه فبانَ لهُ الْتماع الدّمع وَسط عَيْنيها، وباستنكار: وإنت شدراك! مالَ رأسه وبابْتسامة قَهَر: يعني جُود ما يبي لها ذكاء.. من غيرش بيوصل الخَبر لفيصل وبيخليه يجي مشوّط جذي؟ عَقَّبَت بتبرير وهي تَتَقدم منه: أنا ما كان قصدي سوء.. والله.. بس ما يصير نسكت ونخلي كل واحد فيهم يغلط ويخرب حياته! ببساطة: كيــفهم.. كل واحد وكيفه جُود.. هذي حياتهم وهم مسؤولين عن كل شي يصير فيها.. محد له دخل بملامح مُقَطَّبة وهي تَجلس على السرير أَمامه: بس هو أخوي "صَمتت للحظات ثُمَّ أكملت" وهي قالت لي إني ما لي دخل فيها واحنا مو أخوات ومدري شنو! بضيق لَم يُفارق طَيّات مَلامحه: جُود أرجوش لا تتدخلين في موضوعهم مرة ثانية.. أدري هو أخوش.. بس هو رجال وعنده عقل.. مو محتاج لمساعدتش أَضافت سريعًا: بس جنــان قاطعها بعقدة حاجبين: لا تجيبين لي طاريها.. مو طايق حتى أسمع اسمها "وبغصّة خائِبة" حاليًا هي وحدة غريبة بالنسبة لي.. واجد غريبة ,، على الجانب الآخر.. كانت الأُنثى الأُخرى المُتَيَّمة بفيصل تُصارع هواجسها.. لَم يَنطق بكلمة واحدة منذ عودته.. اسْتَحم ثُمَّ اضَجَعَ لينام.. وهي عندما أَبصَرت بَعثرة ملامحه لَم تَتَجرَّأ لِمُحادثته.. إلى الآن لَم تُقابل فَيصل الغاضب.. ربما غَضِب منها من قَبل أو من أي شخص أو شيء آخر.. ولكنه غَضب طَفيف.. لا يتجاوز نبرة حادة وانعقاد حاجِبَيْن.. لكن الذي رأتهُ على صَفحات وَجْهه الليلة أكبر من ذلك بكَثير.. وكأنَّ رياح عاتية تُهَجِّر غبارًا رماديًا إلى ملامحه ساعة بعد ساعة. ها هُو أَمامها على السرير.. ظَهرهُ لها وَوجهها له.. مُسْتَكينة بخدّها على كَفّها.. تُطالعه من هذا المَدى القَريب حسِّيًا والبَعيد مَعْنويًا بسنوات ضَوئية.. يَتَّضح لها منه ذراعه اليُسرى.. الجُزء العلوي من ظهره.. ظاهِر عُنُقه وخصلات شعره الفاتحة.. رَفعت بعضًا من خصلاتها لتنظر إليها.. يمتلكان لون الشعر نفسه.. بني فاتح.. جذبها من اللقاءات الأولى بينهما.. كما جَذَبتها ابْتسامته.. نَبرته المَبْحوحة.. اهتمامه.. شَخصيته المُميزة جدًا.. أسلوب حَديثه ونجاحه الباهر.. كان رَجُل أحلامها خَلقًا وخُلقًا.. وأن تَعثر عليه بهذه السهولة والصدفة العَجيبة دَفعها للتمسك بحُلم امْتلاكه على الرغم من معرفتها بزواجه.. وها هُو الآن مُلكها.. زوجها.. ولكن على الوَرق فقط. أَسْدَلت جِفْنيها تُخَبِّئ عن الليْل دمعة مَخْنوقة.. السواد الذي أحاطَ بها جَرَّها لزُمرة من ذكريات لندن المحفورة في قلبها. ، تَكتب آخر رَقمين في الآلة الحاسِبة.. تَطرح الثاني من الأول.. الجواب ذاته.. تَزفر وهي تَدعك صدغها في الوقت الذي ينزلق فيه القَلم من كَفّها المُتَعَرِّق.. تَعود وتمسك به لتكتب على جانب الوَرقة عَمليات حسابية بسيطة بطريقة سَريعة.. تُحاول بها أن تَسْتَخرج الجَواب بأي طَريقة. لَم تَنتبه لاقترابه منها.. كانت مُلتفتة بجُل حواسها لهذا السؤال البغيض.. لو أَخطأت في الجواب النهائي سَتخسر المسألة بأكملها.. والسؤال من ثَمانية عَشر دَرجة! تَكَوَّمت غصَّة في حلقها.. ودُموع تَراكمت وَسط مُقلتيها مُسَبّبين بذلك احتراق في أنفها.. لا وقت للبكاء ياسمين.. نَظرت لساعة رسغها.. تَسارعت نَبضاتها.. بقيت عشر دقائق فقط.. يا إلهي.. ماذا تفعل! : ياسمين رَفَعت رَأسها إليه فأبصر وَجْهها المَلطوم باللون الأحمر.. هَبَطَت على خَدّها دَمعة فتساءَل بشك وهو يقف عند طاولتها: ياسمين في مشكلة؟ "حَرَّكَت رَأسها بلا وهي تخفضه فَأكملَ" باقي عشر دقايق.. والقاعة اختلت.. باقي بس إنتِ.. واللحين تصيحين! قالت بتردد وهي تشير بطرف إصبعها إلى السؤال: الجواب مو قاعد يطلع لي "وبنبرة بكاء" حاولت حاولت بس مو راضي يطلع.. شوف دكتور "تصفحت أوراق الامتحان" حليت كل شي.. ومتأكدة صح.. بس هذا السؤال.. مادري ليــــش! نَظَر لحلّها ويده أمسكت بطرف الورقة: أشوف "تابع الحَل من البداية إلى النهاية قَبْلَ أن يقول" عيدي السؤال نَظَرَت لهُ بصدمة: ليـش؟! ابْتَسَم وهو يَرى الخوف يُشاكس ملامحها: عندش خطأ في البداية فتواصل لين النهاية.. ما أقدر طبعًا أقول وين الخطأ بالضبط.. فبطلب منش تعيدين من أول.. شوي شوي وبتركيز نَظَرت للساعة من جديد: بس دكتور.. باقي أقل من عشر دقايق! قَرَّب أحد المقاعد ليجلس على يسارها مُعَقّبًا: ما عليه.. بعطيش وقت لا تخافين.. امسحي وعيدي حل الجدول بس.. باقي المسائل صح ابْتَسَمت له بامْتنان عارم: شُكــرًا دكتور ، تَرفع رَأسها بانتباه واهتمام شَديديْن لإحدى صَديقاتها التي قالت: شوفوا شوفوا.. دكتور فيصل وزوجته سَألت بسرعة: وين؟ أَجابت أخرى: عند الباب.. توهم داخلين ثالثة أَضافت: شوفوه.. كأنه شخصية مهمة.. صاحب المطعم جاي يرحب فيه الأولى: طبعًا شخصية مهمة مدام عنده فلــوووس الرابعة شاركتهن الحَديث بعد أن كانت مُندمجة في تأمل جِنان وفيصل: ما شاء الله لايقين على بعض ياسمين بسؤال بَطَّنته الغيرة: وليش يعني؟ تعرفينها إنتِ الا تقولين لايقة عليه! وَضَّحت: لا ما أعرفها.. بس ما يحتاج إنّي أعرفها عشان أقدر أشوف بعيوني إنهم لايقين على بعض قالت ياسمين وهي تُلصق عَينيها بفيصل: والله هو أحلى منها.. مو حلو الزوج أحلى من زوجته... شلون رضت تكون في هالموضع! الثالثة استنكرت: شفيها البنية! حــلوة.. جاذبيتها واضحة.. مو لازم تكون ملكة جمال عشان يحبها! رَفعت كتفها مُدّعية عدم الاهتمام: ما عجبتني الرابعة وهي تَعي جيّدًا مقصد صَديقتها: أهم شي هو عاجبته وفي عيونه أحلى وحدة نَظَرَت لها ياسمين بحدّة وحَنَقَ تَضاعف عندما نَطَقَت الأولى بنبرة حالِمة: يا ربـــي.. أبي زوجي جذي يطالعني تَحَرَّكَ بصرها سَريعًا للجهة التي جَلَسا فيها.. كانت جِنان مُسْهبة في الحَديث وهُو أَمامها يَستمع إليها.. لكن ليس ببساطة هكذا.. كان مُتَقَدِّمًا بجسده إلى الطاولة التي تَتَوسطهما.. مُتَّكئ بمرفقه على سَطحها لترتفع يده إلى ذقنه مُتَّخِذًا بذلك وَضعية الالتفات التام.. هيئته الخارجية توحي بإنصات كُل حواسه إليها.. وبَريق عَيْناه الأَخَّاذ وحبور ابْتسامته يَحكيان عن سَكَرٍ انتشت منهُ رُوحه. وَقَفَت.. تساءلت الَأولى: على وين؟ أَجابت بثقة: بروح للدكتور.. عندي سؤال عن الأسايمنت استنكرت: شلون تروحين له ومعاه زوجته! لو بروحه بنقول ما عليه.. عيـب! قالت واحدة: زين اسألينا يمكن نعرف بطريقة مُستعجلة وهي تَتجاوز المقعد: سألتكم قبل محد عرف شَزرتها الرابعة وهي تنطق بحدة: ياسميــن تَأفَفت باسْتهتار قَبْلَ أن تخطو باتجاه الزَّوجين.. كانت جِنان لا زالت تَتَحدث، وفيصل لا يزال غارِقًا في التَّأمل.. وكأنَّهُ يَنظر لكائن ثَمين ونادر.. عندما تَوَقَّفَت عند الطاولة قَطَعت حَديثها جِنان.. هُو انْتبه لصمتها فتساءَل دُون أن ينتبه لوجودها: شفيه؟ لَم تُجِبه جِنان وظَلَّت عَيناها مُعَلَّقتان بتلك الواقفة والضيق ملاهما.. تَتبع نَظَراتها فانتهى إليها.. وأخيرًا انتبه لوجودها.. قالت بابْتسامة ناعمة: السلام عليكم دكتور رَدَّ باسْتغراب بانَ في عَيْنيه: وعليكم السلام "سألَ سَريعًا" خير في شي؟ أَشارت لإحدى الطاولات مُجيبةً: كنت مع البنات.. وشفتك.. وأنا عندي سؤال عن الأسايمنت.. فجيت أسألك عَقَّبَ بابْتسامة جانبية: تقدرين ترسلين لي على الإيميل وأنا بجاوب عليش أَكيد أَضافت بمحاولة أخرى: بس دكتور الشي مهم حَرّك كتفه: عُذرًا بس احنا مو في الجامعة.. فأنا غير مُلزم إني أتكلم في مواضيع تخص الدراسة.. وقتي حاليًا لزوجتي فقط أَنهى جُملته مع تَحَرّك يَده لِيَد جِنان المَقْبوضة فَوْق الطاولة.. احْتضنها ببالغ الرّقة وإبْهامه بنعومة أَخَذَ يُداعب باطنها.. ارْتَجَفَت دواخلها بقهر وغيـرة.. حتى أَن وجهها أَحْرقها من لَهيب ما اتَّقَد في جوفها.. نَطَقَت بخفوت وَعَيْناها لَم تُفارقان عِناق اليَدَين: أوكي.. أعتذر على الإزعاج لَم يُعَقِّب فابتعدت بعد أن اصْطَدَمَ بَصرها بابْتسامة المُجاملة المُلَوِّحَة من شَفتيه.. جَلَسَت في مقعدها وهي تشعر بحرارة تَكسوها من رأسها حتى أَخمص قَدميها.. نَظَرت لصديقتها التي عَلَّقت بحَرج: وي شكله أحرجش.. لو أنا منج أقوم وأطلع من المكان أَضافت التي نَبهتهن منذ البداية لدخول فيصل وجنان: مو بس جذي.. ما أخليه يشوف رقعة ويهي لنهاية الكورس ، انتهت المُحاضرة.. وَقَفَ الجَميع.. البعض خَرج والبعض اتجه للدكتور للسؤال.. أَما هي فكانت غارقة في أحلامها التي باتت تُلازمها في صَحوتها ومَنامها.. هَمَست صَديقتها: هــي إنتِ.. قومي انتهت المحاضرة "التفتت إليها وعلى جِفْنيها اتَّكأت نَظرة ساهية فعلَّقت بسخرية" تلاحقي على عمرش حبيبتي لأن شكلش بترسبين في المادة هَمَسَت بكلمة واحدة: أحبه اتَّسَعت عَيناها بصدمة: شنـــو! كَرَّرَت: أحبه.. أحبـــه حَرَّكت رأسها تُعارضها: لا.. هذا مو حُب.. إنت بس معجبة فيه.. معجبة بزيادة نَفَت بشدة: لا مو إعجاب.. اللي أحسه مو إعجاب.. إحساس عمري ما جربته "قَرَّبت يديها منها وهي تُضيف" شوفي شلون يرتجفون.. من أشوفه أو حتى أفكر فيه أو أسمع اسمه.. من غير ما أحس كل شي فيني يرتجف.. قلبي شوي وأحسه يطلع من صدري من كثر دقاته نَطَقت بحدّة من بين أسنانها وبصوت واطي: ياسمين هذا كله وهم.. اتركي عنش الرجال وخليه مستانس مع زوجته.. وخلينا نركز في دراستنا.. احنا جايين ندرس مو جايين نحب ونسوي قصص! أَكَّدَت: والله أحبه.. مو إعجـاب وَقَفَت لتقول منهية الحَديث: أوكي حبّيه.. بس ادفني الحب داخلش وسكتيه.. الرجال متزوج.. خليه مرتاح في حاله أَتَت لِتُعَقِّب لكنَّ نداءً قاطعها.. التفتت سَريعًا ونَبضاتها تَسْتجيب بلهفة.. وَقَفَ أمامها بملامح عادية لا تشي بشيء قائلًا بأمر: إذا ما عندش محاضرة تعالي لي المكتب أَومأت برأسها وبابْتسامة: أوكــي اسْتدارَ مُبْتعدًا فتساءلت صَديقتها: ليش يبيش في المكتب؟ "وبشك" إنتِ مسوية شي؟ أَجابت ببراءة: لا ما سويت شي "اسْتطردت على عَجَل" بروح أشوفه وبخبرش بعدين تَرَكت القاعة باتّجاه الطابق الذي يقبع فيه مكتبه.. طَرقت الباب ثُمَّ دَخلت بعد أن أَذِن لها.. تساءَلت وهي تُقَرِّب كُتبها إلى صدرها وعَيْناها تَنتبهان للعلبة المُسْتَقِرَّة فَوْق مكتبه: تبي شي دكتور؟ أَشار للمقعد الجانبي: اقعدي تَقَدَّمت بتردد.. جَلَسَت وأسلوبه الجامد وَتَّرها.. تَناول قَلَمًا وألصقه بالعلبة وبخفّة دفعها لجهتها ثُمَّ قال بنبرة هادِئة وصاخبة في الوقت نفسه: كنت أقدر أحرجش أمام الطلبة.. بس قلت بعدّيها هالمرة.. بعدش صغيرة وخطواتش غير مدروسة "وبتحذير وَثَبَ سَهْمًا من عَيْنيه" بس مرة ثانية إذا شفت تصرف مثل هذا.. أو أي تصرف مُشابه له.. بيكون ردي غيـر.. وصدقيني ما راح يعجبش شَدَّت على كُتبها ولسانها بتعثّر نَطَق: لـ.. ليـش دكتور.. أنا.. شسويت! أشارَ للعلبة المُغَلَّفة باحتراف: هذي شنو؟ بثقة أجابت: هدية عيد ميلادك أَضافَ سؤال آخر: وتعتقدين إن عادي تهدين دكتورش هدية عيد ميلاد؟ حَرّكت كتفها: اي عادي.. هذا هم زميلاتي عطوك.. شمعنى هم! ارْتَفَعَ حاجبه: عطوني كمجموعة.. اهدوني بنية صافية دافعت عن نفسها: أنا بعد نيتي صافية.. شنو بقصد مثلاً! أَشارَ برأسه للعلبة من جَديد وهو يُجيب بتهكّم: الحجي اللي في البطاقة يقول غير جذي بَرَّرَت ببصر منخفض وهي تُحاول أن تُسيطر على رَجفتها التي تَضاعفت من هَوْل المشاعر المُتناقضة التي حاصرتها: عادي دكتور.. أنا بس كنت أبي أوضّح لك إنّك شخص.. عزيز.. وغير.. عن باقي الدكاترة عَقَّبَ بنبرة عالية قَليلاً ولكن زادت من بحَّة صوته: بقولها من الآخر ياسمين.. أنا ما أحب زوجتي "رَفعت رأسها فبانت لهُ صَدمتها.. ابْتَسَم بسخرية وهو يُكمل بكلمات اسْتَفَزَّتها حتى النخاع" أنا أعشقها.. بل مجنون فيها.. كلي ملتفت لها ولوجودها.. ولا امرأة كفو إنها تقدر تخليني أحيد النظر عنها.. أنا أحبها ومكتفي فيها للأبــد ، فَتَحت عَيْنيها وبالتوالي فَرَّت دَمعة ناحت فَوْقَ خَدِّها.. تلك الكَلمات التي نَطَقَ بها قَبْلَ أكثر من سَبعة أعوام لا زالت تُبصرها وَسط مُقلَتيه.. كَذَّبَت نَفْسَها.. أَشاحت قَلْبها عن الحَقيقة وأَصَمَّت مَسامع رُوحها عن صَوت تَحَطّم أَحلامها.. هي غير مُتَيَقِّنة.. ولكن ظُنونها تُوَشْوش لها بأن الخَراب الذي بَعثره هذه الليلة سَبَبه جِنان ولا أحد غَيرها. ارْتَجَفَت برَهْبة عندما انتبهت لحركته.. أغَمضت بارْتباك وهي تَشعر به يَسْتَدير ناحيتها.. حاولت أن تُسَيْطر على تَصافق أَهدابها لكنّها فَشَلت.. هُو انتبه لرفرفتهم السَريعة.. لصَوت أنفاسها العالية.. ولآثار الدّمعة الشاقة طَريق خَدّها.. هَمَس وهو الذي هَجَرَ النَّوم عَيْنيه: ليش مو نايمة للحين؟ فَتَحَت عَيْنيها ببطء شَديد.. وكأنَّها تَخشى إن أَبْصَرت أن تصطدم نَبضاتها بوجه جِنان غافٍ بَين جِفْنَيه.. تَحَرَّكَت عَدَستاها على وَجْهه.. وكأنَّها تُنَبِّش بَين ملامحه عن جَواب تَتيقن منه ظنونها.. لكنها لَم تَظفر بشيء.. وكأنَّما كان يَسُد أَمامها كُل بابٍ لليَقين. باغتَتها رَعْشِة إثر مُلامسة كَفّه لخدّها.. شَدَّ عليه بِحَنو وبإبهامه مَسَح بَقايا الدَّمعة.. هَمَسَت بحشرجة لِتُجيبه: ما جاني النوم ابْتَسَمَ فانعصر قَلْبها حتى كادت تَتأوه.. كان الأَسى الذي يبْتَسَم لا شَفَتيه.. لِوَهلة شَعرت وكأَنَّه سَيبكي.. فالتماعٌ أَحْمَر طَفَى وَسط عَيْنه اليُسرى.. أَرادت أن تَبكي هي الأخرى.. فالذي تُبصره أَخافها.. والمَجهول الناشر جَناحيه المُرْعِبَيْن عند قارعة ملامحه هَدَّدها بالخَطر.. أَرادت أن تَستكشف المَزيد لكنّه حَجَبَ عنها الرؤية بِجَذْبها إليه.. وجهها مدفون في صَدره.. وَوجهه غافٍ ما بين عُنُقِها والكَتِف.. ارْتَعَشَت من تَنهيدته المُتَعَبة.. وكأنَّه يَجُر بأنفاسه عُمْرًا ثَقيلاً يَخلو من أَحباب.. هَمَسَ ببحة عَظيمة: نامي ياسمين.. نامــي ,، كان نَوْمًا مُزْعجَا ذاك الذي زارها.. كُل ساعة تَستَيقظ فَزِعة من كابوس.. تَلهث وهي تَبسط يَدها فَوْقَ صَدرها.. تَسْتغفر.. تُسمي بالله.. تَرتشف من كأس الماء الذي بجانبها.. ثُمَّ تَعود وتحاول أن تَلتقط ساعة أخرى من نَومٍ هادئ.. لكنّها تعود وتفز مَفزوعة من جَديد.. لذلك اسْتَسلمت في النهاية وتَركت السَرير.. انْحَنت تنظر للساعة في هاتفها.. بالكاد تجاوزت التاسعة صَباحًا.. وهي لَم تَنم إلا بعد أن صَلَّت الفجر بساعة.. مَجْموع الذي نامته رُبما لا يَزيد عن الساعَتَيْن. دَلفت لدورة المياه.. اغتسلت ببطء وهي تَشْعر بخَدر يُغَلِّف عظامها.. وآلام قوية تَخترق عضلاتها.. لا تدري هل السبب نومها السيء؟ أم الكوابيس؟ أم ما حَدث فَجْرًا؟ ارْتَعَشَ كَيانها والقُبلة تَعود لِتُوقظ حواسها.. نَظَرَت لانعكاس صورتها في المرآة.. رَفَعت يدَها وبِرَجْفة مَسَّت شَفَتيها.. زَفَرت بحَرارة وهي تَغمض مُسْتَرجعةً بذاكرتها الخَصبة لحظة اللقاء.. فاجَأها وجدًا.. شَفتاه لَم تَحتويان شَفتيها فقط.. بل احتوتا كُل حَواسها.. وكأنَّما كُل المشاعر اخْتُزِلت لَحظتها في شَفتيها. رَشَحَت وَجهها بالماء وهي تُوَبِّخ ذاتها.. كَفى مَلاك.. كَفـــى.. كَيْف لِقُبْلة أن تُحدث كُل هذه البَعثرة فيكِ؟ لا لَيست القُبلة لوحدها.. خطوات أَصابعه على عُنقها وَوجْنَتيها.. دفء صَدره المُلتصق بِصدرها.. رائحة أَنفاسه وهي تَعبر دواخلها.. ومَذاق القُبلة وقُدرتها على احْتضانها بكُل رِقة.. كل ذلك تَسَبَّبَ في الشعواء التي داخلها. خَرَجت من دورة المياه وهي تُحاول أن تُشغل فِكْرها بشيء آخر.. لا تُريد أن تَنجرف أَكثر.. تَخشى أن تَصدر منها تَصرفات عَفوية تُسقطهما في المنحدر نفسه. لكن مَلاك.. بدا من تلك القُبلة أَن في المنحدر تَقَبع فيه حَديقة غَنَّاء.. رُبما لَو واصلا المَسير لما بعدها سَتستقبلهما جَنَّة. أَغْمَضَت وهي تَهز رأسها طارِدةً الصُور البلهاء التي بدأت تُشاكس عَقلها.. عَضَّت شَفتها بِحَرج صَبَغ خَدَّيها ثُمَّ هَمَست تَنهر ذاتها: ملاك صيري عاقلة واتركي عنش هالأفكار ساوَت أَطراف بلوزة مَنامتها عند خصرها.. جَمعت خصلاتها عند قمة رأسها.. ثُمَّ فتحت باب الغرفة ببطء.. خَطَت بحَذر إلى غرفة الجُلوس.. حَيث هُناك قابَلها جَسده المُستلقي على الأريكة.. ساقه اليسرى نصفها على الأرض.. واليُمنى قَد تجاوزت يَدُ الأريكة القصيرة مقارنة بجسده الطَويل.. ذراع ممتدة في الهواء.. وذراع تُغَطِّي عَيْنيه. كانت تنتعل خُف منزلي لا يُصْدِر صَوت عند مَشيها.. ومع هذا كانت حَريصة ألا يَرتفع منها صَوْت يُنَبِّهه.. لكن عندما أصْبَحت خَلف الأريكة مُباشرة رَفَعَ ذراعه لينظر لها بعَيْنين ضائِقَتَيْن.. تَراجعت للخلف بارتباك نصفه خَجَل وبَصرها تَقلقل على المَكان بتخبّط.. هَمَسَ مُسْتَفسِرًا وهو على وَضعه: الساعة جم؟ أجابت بهدوء وهي ترفع عينيها إلى مكانه: تسع وربع انتبهت لحركته.. رَفَع ذراعه اليُمنى واتَّكأ بِيَده على ظَهر الأَريكة ليجلس.. تَأوَّه عندما اضطَّرَ أن يَضغط على يَده ليرفع جَسده.. نَظَرت إليه باهْتمام باحِثَةً عن سَبب الآه التي غادرت حنجرته.. كان يُحَرّك كفه في الهواء وهو يَزفر بألم وملامح مُتَصَدِّعة.. شَهَقت بصدمة عندما التَقَطَ بَصرها الجروح الطَرية المُسْتَقِرَّة على ظاهر كفّه.. هَمَسَت بتعجّب وهي تقترب منه بلا وَعي: إنت شسويـــت! "رَفَعت عَيْنيها لِوَجْهه، كان زامًا شَفَتيه بضيق.. أَرْدَفَت بتأنيب وهي تتذكر الصوت الذي ارتفع من الكراج بعد مُغادرتها" محمد ليش تسوي جذي في روحك! بوَجس بارد وحاقدٌ على ذاته: أستاهل مالَ رأسها وباسْتنكار: محمــد! نَطَقَ قَبْلَ أن تُكْمل ببصر مُشيح وكلمات سَريعة: أنا آسف.. آخر مرة يصدر مني مثل هالتصرف "تَراجع خطوة للخلف وبنبرة رَجاء" وأرجوش ملاك.. لا تقربين مني "صَمَتَ للحظات قَبْلَ أن يُكرّر بهمس" آسـف أَغْمَضَت بقلِّة حيلة عندما تَجاوزها بهروب.. وَصلها صوت باب غرفته وهو يَفتحه ومن ثُمَّ يَغلقه.. لَم يَمنحها فرصة لإبداء رأيها.. لو عَلِمَ حَقيقة ما بداخلها لما أعتذر.. لكن ملاك حتى لو أعطاكِ الفرصة.. هل سَتَجرُئين على الإفشاء بسِر أحاسيسكِ؟ مَشاعرك المُتلهفة هل سَتُهدينها الضَّوء الأخضر؟ بالتَّأكيد لا.. لَستِ مُعتادة على مثل هذه الأفعال.. العلاقة بينكما غريبة من الأساس.. ومثل هذه القُرب الحَميمي زادها غرابة وتَعقيد. فَرَّت من قَلْبها زَفْرة مُتْعَبة وكَفَّيها ارتفعا لاحتضان ضَياع مَلامحها.. هَمَسَت بضياعٍ وحيرة: ياربــي شَسوي!! ,، لَمَسات خَفيفة.. رَقيقة وناعمة.. كَقَطرات غَيْثٍ حَنون، وكَهَدْهَدة نَسيمُ الرَّبيع لبتلات زَهْرٍ يانع.. انتقلت اللمسات الدافئة من جَبينها إلى وَجْنتها المُحْمَرَّة.. قَبلَ أن تَتجه لخصلاتها المُبعثرة وَتُبعدها عن وَجْهها.. حاوَلت أَن تَفْتَح عَيْنيها.. ولَكن ثِقلاً يُشْبه الصَّخر اتَّكأ فوقهما فَعارضها.. داعَبَت مَسْمَعيها هَمسات بَريئة ورائحة الطفولة غَمَرَتها عندما انْحنى الجَسَد الصَّغير واحْتضَنَ جَسَدها البالي. بَحَثَت عَن صَوْتها من بَين رُكام الآهات التي أَصمتتها قِسْرًا.. نَبَّشَت عن نَبرة مُتَّزِنة تَخلو من حَشْرجة.. لكن الذي غادر حنجرتها كان هَمْسٌ ضَعيف يكادُ أَن يَنكسر من شِدّة انْحنائه.. فهي نادت صغيرتها بشَوْق ضاعَفَ من حَرارة جَسدها المَريض: مــاما جَنى.. حَبيــبتي ابْتَسَمت بحُب للقُبلة التي طَبَعتها شَفتيها الصَّغيرتَيْن على خَدّها، قَبْلَ أن يأتيها صَوْتها الناعم بقلقٍ بَريء: ماما إنتِ مريضة.. إنت واجد حارة أَعادت مُحاولاتها وهذه المرة استطاعت أن تشرع نصف عَيْنيها.. فاجأها ضَوْء الشَمس المُتَسَكِّع بقوة وخَيلاء بَيْن أَرجاء غُرفتها.. لذلك أَغمضت سَريعًا بردة فعل طَبيعية.. رَفعت يَدها وَوضعتها كحاجب بَينها وبين شُعاع الشَّمس.. حاولت من جديد ونجحت هذه المرة.. ابْتَسَمت بسعة شاحِبة عندما قابَلها وَجْه ابْنتها القَمري والتي بادلتها بابْتسامة أَكثَر سِعة وأكثر نَضارة وهي تقول: مـاما وحشتيــني احْتَضَنتها بلهفة وهي تَنثر قُبلاتها على جانب وَجهها ورأسها وببحة: بعد عمري إنتِ وَحشتني أكثر "اسْتَفسَرت" من متى جاية؟ أَجابت: اللحين.. جيت ويا بابا ناصر عَقَدَت حاجِبَيها باستغراب: ليش! إنتِ مو نايمة مع بابا فيصل؟ حَرَّكت رأسها: لا.. بابا قال لي أنام مع بابا ناصر وماما ليلى.. عشان أجي حقش "مَدَّت يَدها وتَلَمَّسَت جَبينها ثُمَّ اسْتَطردت بخوف" ماما إنتِ واجد واجد حارة وَضَّحَت بلطف وهي تعتدل جالِسة: حَبيبتي حرارتي مرتفعة شوي.. عادي ماما.. بشرب دوا وبصير زينة أَشارت يَمينًا: خالو نور بتعطيش الدوا التفتت للجهة التي أَشارت إليها ابْنتها.. عَقَدت حاجِبَيها باسْتنكار واسْتغراب كَبيرَيْن.. تَساءَلت وهي التي للتو تَنتبه لوجودها: من متى إنتِ اهني؟ ابْتَسَمت وهي تَقترب: دخلت مع جنى بعدم فهم: وليش جاية؟! أَشارت للحقيبة المتوسطة الحجم التي تَحملها على كتفها: بضربش أَبر ارْتَفَع حاجِباها بتعجّب: شنــو! ضَحَكت وهي تجلس على السرير: ليش جذي مصدومة؟ بضربش أبر عشان تنخفض حرارتش تَساءَلت بحيرة: شدراش إني مريضة؟ أصلاً متى مرضت! ترى مو فاهمة شي! شَرَحت لها بهدوء وهي تفتح الحَقيبة: عمتي كلمت أبوي "نَظَرت لها وبخفوت" خبرته بكل شي "أكملت بنبرة عادية" وقالت له إنش مريضة وطول الليل ما نزلت حرارتش وتهلوسين.. حتى رفضتين تروحين المستشفى هَمَسَت ببصر مُنْخَفِض وشعور غَريب يُخامرها: ما أذكر! هَزَّت رأسها بتفهم: من الصخونة.. اللحين بعطيش أبر وبتنزل الحرارة اسْتَفسَرت جَنى باهْتمام: عمو ماما بتصير زينة؟ ابْتَسَمت بود: اي حَبيبتي بتصير زينة "وَجَّهت حَديثها لجِنان" انسدحي على جنب اسْتَجابت جِنان بهدوء.. نَظَرت لابْنتها وبمَلق: ماما جنى ما عليه تلفين الجهة الثانية؟ بطاعة: أوكي رَفعَت ثَوب نَومها القَصير بعد أن سَتَرت ساقيها وفخذها بغطاء السَّرير.. مَسَحت نُور الموضع بالمطهر قَبْلَ أن تغرس الإبرة باحتراف وخِفّة يَد وهي تقول: بعد شوي اكلي شي خفيف.. جسمش يحتاج قوة لأن الإبر بعد بتتعبش شوي "رَفَعت جذعها بعد أن غَطَّت الموضع بقطعة قطن صَغيرة.. أَزاحت جِنان الغطاء وبالتوالي أَخفضت ثوبها بحركة سَريعة.. لكن نُور التي لَفَتها شيء غَريب أَوقفتها" أشوف أشوف هي التي فَهَمت مَقَصدها قالت بخفوت: ما يحتاج أَبْعَدت يَدها بإصرار وعادت وأَرفعت الثوب.. اتَّسَعت عَيْناها بصدمة: جِنان شنو هذا! جَنى تَساءلت بخوف دون أن تلتفت: شنو؟ شنو فيها ماما؟ نَطَقَت بسرعة بنبرة مُطَمْئِنة: حَبيبتي جوجو ما فيني شي هَمَسَت نُور وعَيناها الخبيرتان لَم تُفارقان فَخذ جِنان: من شنو هالجرح؟ ليش جذي غزيـر! هَمَسَت بضيق: نور اتركيني.. مابي جَنى تخاف ازْدَرَدت ريقها وبشك شاغَب نظراتها وصوتها: إنتِ.. إنتِ جارحة نفسش؟ أَرْخَت بَصرها وبتهكّم: ليش هالكثر إحساسي ميّت إلا بقوى أجرح نفسه جذي! هَمَسَت بتفكير: الجرح واضح قَديم.. مو أقل من ثلاث سنوات "صَمَتت للحظة تَسْتوعب.. قَبْلَ أن تَعْلو منها شَهْقة أَجبَرت الصَّغيرة على الالتفات.. نَطَقت بصوت بالكاد يبان وعَيْناها غالهما اتّساعٌ مَصْدوم" فيـــصل! أَشاحت عنها دون أن تُجيب.. أَمسكت ذراع ابْنتها وشَدتها إليها برقة: تعالي ماما في حضني.. سولفي لي حَبيبتي عَقَّبَت الصغيرة: أوكي ماما.. عندي سوالف واااجــد.. بس بابا ناصر قبل يبي يسولف معاش عُقْدة خَفيفة: خــالي! وَضَّحت نُور التي لَم تَتجاوز صَدمتها التي أكَّدت عليها جِنان بإشاحتها: هو برا.. ينتظرش ارْتَفَعَ حاجِبَاها: رَكب فوق! هَزَّت رأسها: اي.. قال ما بيخليش تنزلين له وإنتِ مريضة قالت بتأنيب وهي تترك السرير: ليش توش تقولين؟ فشلة "وَجَّهت الحَديث لابنتها" ماما أنا بغسّل وبنطلع مع بعض لبابا ناصر ، تَجلس على يَمينه بيَدَين مُتشابِكَتَيْن على إحْدى أرائك غرفة جلوس الطابق الأول.. طَلَب منها أن يكون حديثهما على انفراد.. لذلك تَرَكت ابْنتها مع نُور في غرفتها.. هي تَعلم عن أي مَوضوع سَيتكلم.. ولكن لا تدري بأي الكلام سَيبدأ.. وبأيّه سَينتهي.. زَفَرت بلا صَوت والارْتباك أَوْجَدَ داخلها شِتاء ها هي تَرتجف من شدة برودته. : أنا آسف التَفَتَت إليه باسْتنكار لتقول مُعارضةً كلمته: خــالي لا تقــ قاطَعها: أنا آسف.. أعتذر نيابة عن ولدي أَغْمَضَت بإرهاق قَبْل أن تُبْصِر وتقول: خالي إنت ما لك دخل.. وأنا مو منتظرة منك اعتذار.. الله يخليك لا تخليني أحس بالذنب والفشيلة نَظَرَ لها وفي عَيْنيه وَمَضَ حَنانٌ لَم يَخبو قَط: يُبـه جِنان.. إنتِ ما أذنبتين.. إنتِ بس قررتين تبدأين حَياة جَديدة "فَتحت فمها لتتكلم لكنّه رَفع يده وبطلب" خليني أكمل كلامي هَمَست باسْتسلام: إن شاء الله واصَل بنبرة جادّة: جِنان أَنا أحبش وأعزش مثل بناتي.. أبيش تعيشين مرتاحة ومستانسة مع اللي يقدرش ويحتويش.. ما أنكر إني تضايقت من انفصالكم إنت وفيصل.. بس هذي إرادة رَب العالمين.. والواحد ما ياخذ غير نصيبه في الدنيا.. هو اختار البنت اللي يبي يكمل معاها باقي حياته.. وإنتِ بعد من حقش تختارين الرجال اللي تكملين معاه.. وكلنا راح نكون معاش ندعمش.. ومدام إنتِ موافقة "بَسَط كَفّه على صَدره مُرْدِفًا بصِدق" أنا بنفسي بسأل عن الرجال وأخلاقه وأهله.. "انخفضت يده قاصِدة يَدها المُرْتَعِشة، احْتضنها بحَنو أَثارَ فيها رَغبة البُكاء التي افْتَقَدتها وهو يُكْمِل" يُبه صدقيني بكون معاش.. وبنتش مُستحيل تنحرمين منها مدامني حي.. ما عليش من كلام فيصل.. ما يقدر يسوي شي.. تجاهلي كل شي قاله وركزي على نفسش وأفكارش.. شوفي إنتِ شنو تبين وشنو اللي بيريحش وسويه.. واحنا بنكون معاش مهما كان قرارش نَطَقَت بغصّة: خـ ـالي.. أنا أحب بنتي.. أكثر من أي شي في هالدنيا.. وما أبي أفقدها أَكَّدَ بثقة: ما راح تفقدينها.. بنتش بتكون معاش وين ما بتروحين بتردد وتيه: بس.. فيــصل هَمَسَ ومن عَيْنيه نَطَق الصّدق: ما عليش منه.. تجاهليه.. أنا موجود ما بيقدر يسوي شي سألت لآخر مرة: أكيد خالي ابْتَسَم لها بحُب: أكيد يا بعد قلب خالش بِوَجْسٍ حَمَل امْتنان عَميق وبابْتسامة صافَحها اللون: مَشكـور خالي.. مَشكـووور أَحاطَ كَتفها بذراعه وقَرّبها منه وهو يقول بنبرة أبوية اعْتادت عليها منه: أنا من اليوم بكلم كل معارفي وبسأل عن الرجال.. وبروح بعد منطقته وشغله أسأل عنه.. وإن شاء الله ما بيصير إلا كل خير تَمْتَمَت بَأمَلٍ لحياة ستكون فيها حُرّة: إن شاء الله يارب ,، انتهى طَعام الغَذاء الذي جَمعهُ مع عائلتها لأول مَرة.. وها هُم الآن يَتجاذبون أَطراف الحَديث في غرفة الجلوس حَوْل طاولة الشاي والقهوة والكعك والحلوى.. كان مُندَمِجًا في الحَديث مع والدها وهو يَشْرب من كوب الشاي.. وهي على يَساره تُشاركهما في الحَديث تارة.. وتارة تُضيف مُداخلة لحديث شَقيقتَيها وزَوْجَيهما. وَضَعت لها قطعة صغيرة من الكعك وأخذت تَتناولها والحَديث على يَمينها اجْتذَبها.. شَقيقتها الكُبرى وزوجها يَتحدثان عن فِكرة السفر التي راودتهما مُؤخّرًا.. ونَظرًا لجدول زوجها المُزْدحم في العَمل.. فإن لا فرصة لديه إلا في إجازة العيد الوطني التي ستكون بعد شَهرين تَقريبًا. أما هي فقد أخبرها عبد الله أنهما لَن يُسافران في هذه الفترة.. أي أن شهر العَسل سَيتأجّل لبضعة أشهر بسبب عمله.. وهي أيضًا لا تُريد أن تُسافر الآن حتى تُكْمِل فترة تَدريبها.. وكذلك هي لا تُريد أن تَبتعد عن والدته.. فبالطبع سَتحتاج لبعض الوَقت حتى تَكسب ثقتها وتكون أقرب لها.. والسفر سيَكون عائقًا لخطّتها. : ولدي؟ أي ولد! انتبهت من غمرة أفكارها لسؤال والدها المُتَعَجِّب.. اسْتدارت في الوَقت الذي نَطَقَ فيه عبد الله بحرج: آسف عمي.. بس كنت أقصد ولدك الله يرحمه بَهت لونها وتَوَقَّفَت حَركة فكّها لتعلَق اللقمة في فمها.. ضَحَكَ والدها: يا ولدي شكلك غلطان.. أنا ما عندي غير هالثلاث بنات.. الله ما رزقني ولد ابْتلَعت اللقمة قَبْلَ أن تَتَصَنّع الضحكة وهي تخفض الطَبق للطاولة وتقول: يبه شكله مضيّع عبد الله "نَظَرت إليه فتسارعت نَبَضاتها اسْتجابةً لِعُقْدة حاجِبَيه.. اقتربت منه وبهمس" تعال معاي غرفتي وَقَفَت وَوَقَفَ هُو.. اسْتأذن من والدها ولَحِقَها للأعلى حَيث غُرفة نومها.. تَقَدّمها للداخل وهو يَستدير إليها.. أَغْلَقَت الباب ثُمَّ اسْتَنَدَت عليه ويَديها لا تزالان مُمسكتان بالمقبض خلف ظَهرها.. نَطَقَ بشك وهو يَرى كَيْفَ أَطْبَقَت أَسْنانها على شَفتها السفلية: مُمكن أعرف شنو المقصود من اللي صار تحت؟ أَخْفَضَت رأسها وهي تُرَشِّح صَوتها.. مَسَّت أنفها بظاهر سَبّابتها ثُمَّ تَرَكت المقبض واقتربت منه مُعترفةً بتردد: موضوع أخوي اللي قلت لك عنه مو صحيح ارْتَفَع حاجبه: شلون يعني مو صحيح! وهي تَعبث بأصابعها: يعني اختلقت قصة.. ما عندي أخو ميّت تشبهه وتذكرني فيه مثل ما كنت أقول.. وما كنت معاك أصلاً في المدرسة.. أنا طول عمري دارسة في مدارس حكومية تَساءَلَ بعدم فَهم وحاجِباه أَرْفعهما الاستنكار: وليش اختلقتين مثل هالقصة! ليش جذبتين! قَوَّسَت شَفتيها وهي تُبَرِّر: يعني شتبيني أرد عليك يوم قلت لي إني أسأل عنك في المستشفى وألاحقك.. جذبت عشان لا تفهمني غلط وتظن إني إنسانة مو زينة هَمْهَمَ قَبْلَ أن يَتساءَل بخفوت: وسببش الحقيقي بيخليني أفهمش غلط؟ رَفعت كَتفها وبصدق: ما أدري اقترب منها: وشنو هو؟ نَقَلت عَيْنيها بَيْن عَيْنيه.. مَرَّرَت لسانها على شَفتيها ثُمَّ تَنَهَّدَت بثقل؛ قَبْلَ أن تَتجاوزه لتعبر إلى نافذتها.. تَوَقَّفَت عندها وأزاحت الستائر عن جانبَيها.. أشارت للجدار بجانب إطارها وهي تهمس: تعال شوف اهني تَحَرَّكَ باسْتجابة إليها.. توقَّف خلفها وبدأ يَقرأ المكتوب بعُقدة حاجِبَيْن.. أشعار وأحاديث نفس تَضمَّنَت اسمه في بعضٍ منها.. وفي غالبيتها كانت تُشير لرجل مَجهول.. نَظَرَ لها بتساؤل وحيرة فأجابت وهي تنقل بصرها للنافذة.. وكأنَّها تُشاهد الماضي من خلال زُجاجها: قبل ثلاث سنوات تقريبًا.. كنت للحين في الجامعة.. كنت راجعة العصر وحدي تعبانة بعد يوم طويــل.. لقيت سيارة واقفة عند بيتنا.. قبال البارك مالي بالضبط.. فما كنت أقدر أدخل.. ضربت هرن بس محد جاوب.. نزلت واكتشفت إن السيارة ما فيها أحد.. لَفتني صوت.. صوب الزرع.. تبعته.. كان رجال يتكلم في التيلفون.. ناديته فالتفت لي "نَظَرَت إليه بابْتسامة خَفيفة وهي تُكْمِل بهمس" والتقينا.. أنا وإنت التقينا صَمَت لبرهة وعَدستاه تنحرفان جانِبًا يُحاول أن يتذكر.. لكنه همس بعدها بخواء: ما أذكر.. كلش ما أذكر رَفعت كتفها: أدري.. بس أنا أذكر عدل.. وما نسيت حتى الكلام اللي كنت تقوله للي تكلمه.. عرفتك ذاك اليوم.. عرفت إنك ولد خالتي بلقيس.. وظليت أوقف عند هذي الدريشة كل مرة تزورنا فيها ويكون أحد موصلها.. أقعد انتظر.. يمكن تكون إنت اللي بتجي تاخذها عَقَّبَ بابْتسامة جانِبية اسْتَشَفَّت فيها خَبَث: يعني حبيتيني ارْتَفَعَ حاجِبها وبإنكار: طبْعًا لا.. أُعجبت فيك وبس أَشارَ للكلام المَكتوب فوق الحائط وهو يقترب منها ببطء: الكلام يقول إن اللي في قلبش كان أكثر من إعجاب حَرَّكَت يدها بعدم اهتمام: ما عليك من الكلام أَحاطَ خصرها بذراعيه وهو يخفض رأسه لرأسها هامِسًا بمكر نَضَحَ من عَيْنيه: زين وسؤالش عني في المستشفى واحتكاكش فيني.. بعد هذا ما عَلَي منه؟ وَضَعت يَدها على خصرها وبنبرة ذات معنى: والله اهتمامك كان مطلوب ذاك الوقت.. اللحين ما له معنى.. فيعني اي.. ما عليك منه.. انتهى وقتك ضَحَكَ بعلو وهو يرفع رأسه قبل أن يُعَلِّق بلحنٍ لَعوب: والله وقتي توه في بدايته.. وإن شاء الله بيمتد ليــن نهاية العمر تَرَكت يدها خصرها وشَخبت الانفعالات البسيطة من ملامحها.. رَمَشَت بخفّة وَوَسطَ عَينيها لاحَ فجرٌ بعيد لا تدري هل ستشرق شمسه؟ أم سَيحتكره الليل إلى يَوم يبعثون؟ أَبْعَد خصلاتها عن عَيْنها هامِسًا: ليش ساكتة؟ قولي إن شاء الله تَصافقت أهْدابها بوَعي.. ازْدَرَدت ريقها.. اغْتَصَبَت ابْتسامة.. ثُمَّ هَمَسَت وهي تَسْتشعر شَفتيه وهُما تُقَبِّلان ما بين عَيْنيها: إن شاء الله.. لين نهاية العمر انتهى |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته صَباح الخير حَبايبي.. هذا هو الفصل نزل.. أدري الأغلب إذا مو الكل ما راح يرضيه.. ولكن كتبته في فترة قصير جدًا.. يومين أو أقل.. لو كنت بكثّر أحداثه كنت بتأخر عليكم أكثر.. لأن الأحداث القادمة طويلة ويبي لها شغل. أتمنى تلقون فيه شي يمتعكم.. هو بالنسبة لي فصل انتقالي.. كضفة بتنقلنا للأحداث القادمة.. هو كحال باقي الفصول اللي تنتصف الفصول الدسمة كتنهيدة راحة. نَلتقي على خير، وقراءة ممتعة. |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
من هذا المنبر ومن كل المناااابر اقووووووول نصوووووري وباااااااااس والبااااااااااقي خس وفجل وعدس يا نصووووري يااااااا جاااامد 😂😂😂❤❤❤ والله اليوم من فرحتي بنصوري استلطفت مروة شفتِ كيف اني طيبة وكيوت يا بسم الله ما شاء الله 😂😂😂😂 فصيل والله تصدق اني حنيت عليك شكله عشان جينات نصوري اللي فيك ولا انت حسبنا الله على شيطانك ليه تااااخذ ياااسمين والله اني ما اقدر اشفق عليها هي من زمان تلاحقه الله يهديها حتى وهو متزوج ومحترم زوجته وما قصر ووضح لها بمنتهى الاحترام والحزم مكانة زوجته عنده وصحباتها وضحوا لها وما قصروا بس برضو والله المستعان لسى وراه الله يهدي الجميع يا رب ما ابغى اكون قاسية يمكن ناس تانية تقرأ التعليق جالك كلامي ياللي في بالي ولازم نترك انطباع حسن اقتداءً بطنط ليلى الكيوت جدة جنى التوت ام خدود سكر معقود يا اختي هذا كله بعد فضل الله من التوت اللي كان يقطفه فيصل ويغصب جنان تاكله طلعوا التوتة الفتفوتة دي ❤❤❤❤ بس توت فيصل كان حامض ازاي طلعت توتة حلوة وطعمة بالشكل ده 🤔🤔🤔 الجواب يقووول انه نصووووووري 😂😂😂 احلى حاجة انه المحرومة من نصوري ما وطوطت فيه 😈😈😈 جعله دوووم يا قرشانة القوووم 🤡🤡🤡 جناااان الله يكون في عونك موقفك صعب ربنا يسامحك ويسامح اللي كان السبب ملاحقة جنان لاحمد وهي صغيرة رغم انها خطأ ومو مبرر لها ولكن كانت صغيرة ويمكن ما كانت ناوية تخرب على زوجته زي ياسمين قد ما انه اعجاب مراهقة ساذجة ولا ننسى انه احمد اعطاها وجه صح انه نيته ما كانت سيئة بس ياسمين فيصل كان حازم معاها وبرضو ما نفع معاها وكانت في عمر اكبر واللي زاد على جنان انه مافي احد كان قريب منها لدرجة انه يعرف هذا الشيء عنها من اهلها والحمدلله احمد كنت حأكتب ناصر ما اعرفش ليه 🙈🙈 المهم ساعدها انه خلى احد ينتبه لها فيمكن لمن تلاقوا بعدين وتحت تأثير امتنانها له غلطت وقابلته وهذا طبعاً حرام وغلط بس اللي زين لها فعلها انه محترم وانها في مكان عام وما حد حيعرف و حصل انه فيصل يشوفها والثاني منسوب حبه فائض اساساً فحصل الطوفان اللي عدم الاخضر واليابس مهو عاشق مجنون وانتقامه حيكون متفجر حاد السنون لانه ما اعتبرها خيانة لزواجهم فقط وانما خيانة لروحه وذاته اللي كان يشوفها فيها ابو عيون زايغة عاد ما لقيت تاخذ الا ياسمين والله لو هي اخر واحدة ما رضيت انك تاخذها يا مغرور السريرة معدوم البصيرة نفسي اعذبك بالشيرة بأفكار خطيرة 😤😤😤😤 اللهم اخزيك يا شيطان بس تظل حتة من نصوري وولده الوحيد وينك يا طرطيعة العيد 😈😈😈 المهم عبوووووووود ياااااا عبوووود اتدلع دلوقت على قد ما تقدر طالما الدنيا ربيع بس ما تنساش انه الشتاء قااادم دا انت اللي مستنيك حيقلب دنياك خريف كله من شيخة القبابيس امك بلبيس جعل ما من بلبيس وحسبنا الله ونعم الوكيل 😤😤😤 محممممممد يا اخي انت ايش اعمل فيك بس انت وملاك ؟ يا همام يا مقدام يا غضنفر يا ضرغام يا كراتيه من دون حزام يا عميل فوق المقااام ... لااازمته ايييه الفلسعة من المداااام ؟ دي حتى رقيقة زي النسمة في المنام على مخدة من افخمها وانعمها ريش نعام وبصوت كهديل الحمام.. اثبت انت بس في ارض المعركة عشان تكسب الحرب يا دا متري🤓🤓 وانت يا ملاك اقتحمي حصونه ولا تاخذك به رأفة واسحبيه قسراً وخديه للسعادة خطيفة 😈😈 ده واد مكسوف وبيتلكك اعملي فيه زي الاقزام الستة لمن شالوا غضبان هيلا بيلا ورموه في الحوض وخلوه ياخد حمام بالعافية 😈😈😂😂😂 وطوق الازهار علي💐💐💐😂😂🎁🎁 وربنا يعيننا على فعل الخير دايماً 😈😈😂😂😂❤❤❤ الى اللقاء على خير بإذن الله 🙋🏻🙋🏻🙋🏻 |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
السلام عليكم
فصل ممتع انفجار جنان و ردود الفعل الناتجة عنه حدث بارز انتظرناه طويلا جود رغم انها الهبلة فيهم الا انها شخصت حالة جنان تشخيص صحيح ربما هي اكثر من فهمها ياسمين لست اعلم كيف تسوغ الفتيات لانفسهن مطاردة رجال متزوجين بذريعة الحب جنان فعلت الشي نفسه مع احمد و من العدالة ان تذوق من نفس الكاس .. لكنها استيقضت متاخرة فمتى ستدرك ياسمين مدى اجرامها في حق نفسها نادر و جنان و الارتباط المرتقب هل سيتسلم فيصل للامر الواقع ام سيفجر كبت السنوات على حد تعبيره ننتظرك يا مبدعة فلا تطيلي علينا |
الساعة الآن 03:29 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية