رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
الله يسعدك مس ليلام على التعليق الفرفوشي ..😂
اتفقنا إن بلقيس يصلح لها لقب مشتق من اسم ابليس .. فعلا يليق عليها .👍🏼 |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مَساء الخير كيف الأحوال جميعًا؟ مُمكن الفصل الجاي يتأخر چم يوم، "يمكن مو أكيد" لأن عيوني صادها إجهاد من الجهاز والتركيز.. فأحتاج راحة شوي ووقت أقل أمام الشاشة.. فيمكن يتأخر عن الأحد.. قلت أعطيكم خبر لو فرضًا فعلاً تأخر. وإن شاء الله تعليقاتكم الجميلة بعقّب عليها في وقت آخر.. شكرًا لتواجدكم الدائم. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته صَباح الخير حبيباتي الفصل راح ينزل الأحد القادم بإذن الله لسببين عشان أكون صادقة معاكم.. الأول لأنّي ما كتبت منه غير صفحة وشوي فقط.. لأن عاندت نفسي وما رَيَّحت ورجعت للجهاز فزادت عيوني بدل لا تخف للأسف بسبب عدم اهتمامي. والسبب الثاني هو أهمية أحداث الفصل القادم.. وأحتاج فعلاً أكتبها بهدوء وتروي وتركيز.. يعني أحتاج وقت، وصراحة بديت أفكر آخذ لي راحة أسبوع بين كل جم جزء.. راحة تكون مثل نَفَس عميــق يرتب أفكاري ويخليني أستعيد طاقتي الكتابية، لأن المواقف تستنزفني كُليًا وترهقني وأكون بعدها وكأني خالية الوفاض.. ما أقدر أنجز للمواقف التالية.. لذلك تشوفون فصل طويـل ومليء بالأحداث.. والفصل اللي بعده يكون أقصر وأخف... ففكرة الراحة أحسها نافعة. شيء ثاني.. قد يزعج البعض أو الكل هذا التأجيل.. وممكن يشوف إنّه مو من حقي من بعد غياب طويل.. وأنا معاكم في هالشي.. بس أرجو منكم التفهّم.. صَحيح أبي أنهي الرواية في أسرع وقت.. بس كذلك ما أبي تكون خطواتي عبثية وغير مدروسة.. ما أبي تعبي في النهاية يكون هباءً منثورًا.. لذلك بكون حذرة. آخر شي.. تعليقاتكم مصدر لتجديد الطاقة وبث الحَماس فيني.. أدري بعد هالغياب والانقطاعات المتكررة والتجارب السابقة مع روايات أخرى أٌهْمِلَت خلت ثقتكم عَدَم من ناحية إكمال أي رواية.. لكن أفتقد لهذي التعليقات.. ألاحظ إن عدد القرّاء أكبر من التعليقات وبوضوح.. ترى الفصل السابق تم رَمي خيط لَم يلتقطه أي أحد فيكم.. شي واضح جدًا. على العموم أعذركم ولكن أحتاج مُساعدتكم في نفس الوقت.. وترى الرواية أعتبرها دين ما برتاح إلا إذا أدّيته، مهما كانت الظروف اللي واجهتني أو قد تواجهني إلا إنّي ما راح أتخلى عن الرواية.. راح تكتمل إن شاء الله. طوَّلت عليكم هالمرة.. بس كان لازم التوضيح لبعض الأمور نلتقي الأحد بإذن الله. |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم توكلتُ على الله الجزء الثالث والخَمسون الفَصل الأول حَوْل طاولة الطّعام كانوا مُجْتَمعين.. المَشْهد ذاته مِثلَ كُل صباح.. والده عَلى رَأس الطَّاولة.. يَشْرب كُوب الحَليب المُمتزج مع مِقْدارٍ مُعَيَّن من الشَّاي.. نَظَّارته تَتكئ على أَنفه سامِحةً لِعَيْناه بقراءة الأخبار من خلال جِهازه اللوحي.. وعلى يَمينه والدته، تَتناول فَطورها بِصَمْتٍ وعَيْنان تَضُجَّان بِحَديثٍ مُبْهَم.. أَمَّا غَيْداء.. تَبَسَّم بِحُنو وهُو يَراها كَطيْرٍ نَشيط.. يَلْتَقِط الغذاء بِرُوحه لِيُطْعمه قَلْبَي صَغيرَيه.. كانت في الوَسط.. على يَمينها بَيان.. وعلى يسارها عبد الله الصَّغير.. كُلَّها لهما.. ولا شيء لِنفسها.. هي كالعادة لَم تَشْرَب سوى كأس ماء عند استيقاظها.. تنتظر أن يَشْبَع الطِّفلان ثُمَّ تأكل هي براحة. تَقَدَّم للدَّاخل بهدوء بَعْد أن انتهى من تأمُّل المَشْهد اليَومي.. وبهمس وَعيناه تَتحرَّزان الاصطدام بِعَيْني أُمّه: صَباح الخيـر ضَحَكَ بِخفَّة عندما التفتوا إليه وعلى وجوهِهم فَغَرَت فاهَها الصَّدمة.. الصغيران كانا أوَّل من امْتَصَّ المُفاجأة.. فَكِلاهما تَرَكَا مقعدهما ليركضا إليه بحماس وسعادة.. قَرْفَصَ أَمامهما لِيَحتضن كُل واحد بِذراع.. شَدَّهما إليه لِيُقبّلهما وهُو يقول بشوقٍ عارم: والله انتوا أكثر اثنين واحشيني غَيْداء وهي تَقْترب منهُ بعينٍ دامِعة وابْتسامة أَرْعَشها زُحام الشَّوق والفَرح: واحنا كلش ما وحشناك؟ ولّا مو قد المقام؟ وَقَفَ لِيُقابلها وهو يُجيبها بود: قد المقام ونص بعد قلبي إنتِ احْتَضَنت عَزيز قَلْبها وعَضيدها الذي لَم يَعِد إلا لِيَفي بِوَعده.. قَبَّلَت خَدَّيه وهُو سَلَّمَ على جَبينها المُتَلألئة منه السَّعادة... ابْتَعدَ عنها لِيَتجّه لوالده الذي قَدِمَ إليه بدوره.. صافحهُ لكن والدهُ فاجأهُ واحْتضنه بطريقة أحرجته.. لَم يتوقع هذا الكم الهائل من المشاعر.. اسْتمع لنبرته المُعاتبة: يُبه طوَّلت.. أربع شهور حارمنا من شوفتك ابْتَسَمَ بِسَعة: هذاني رجعت يُبه سَألَ ليتأكد: خلاص بتظل اهني؟ هَزَّ رأسه: إن شاء الله ابْتَسَمَ لهُ برِضا: الحمد لله حَلَّ الصَّمْت والأَعين زَحَفَت للمَقعد الأخير الذي لَم تُفارقه صاحبته.. كانت تنظر لطبقها برأسٍ مُنَكَّس الْتوى منهُ عِرقٌ في قلبه.. لَم يَفته الارْتعاش المُسَوِّر يَديها، كانت تَضغط على كَفَّيها بقوة كأنَّما تُهَدِّئهما.. هُو اشْتاقَ لها.. كَثيرًا.. كثيـــرًا.. ومَنظرها هذا وَكَزَ عَطْفه وحَنانه.. تَبقى أُمّه في النهاية.. مهما عَمِلت وقالت وفعلت.. لا يَستطيع أن ينبذها من حياته أو أن يُعاقبها أو حتى أن يُطيل ابْتعاده عنها.. هذا امتحانه وسَيخوضه حتى ولو انْكسَر شيءٌ داخله. خَطى ناحيتها وهي تَضَخَّم فؤادها لخطواته المُقتربة.. وَقَفَ بجانبها.. وقَبل أَن تتوقَّع عَشرات رُدود الأفعال منه.. نَسَفَ كُل هواجسها بِقُبلته التي نَثَرها غَيْثًا فوق رأسها.. هَمسَ وهو يَسْتقيم في وقوفه: شلونش يُمّه؟ رَفَعت رَأسها إليه بلهفة تَعَثَّرت في منتصف الطَّريق.. كان يَنظُر لِكُل شَيء عَداها.. بَصره كان يهرب منها ويتَجَنَّبها بطريقةٍ أَحْبَطتها وكَدَّسَت الغَصَّات في حَلْقها.. بعبرة عاتبته: مو قادر تحـ ـط عيونك في عيوني عبـ ـد الله! مو قادر تحط عيونك في عيون أمـ ـك! اضَّطَرَبَت عَدستاه كأَنَّما تهربان من وَجَعٍ قادِم.. أَحْنت رَأسها وأجْهَشَت بالبُكاء.. قَبَضَ يده وأسْنانه تَحْتك بقلَّة حيلة.. هُو فعلاً لا يستطيع أن يَضع عَينه في عَينها.. لا يستطيع.. لكن الألَم الذي يُقَطّع نِياط قَلْبه الآن أَشَد من ذلك الذي قَد يقبض عليه إذ هُو قابَل عَيْنيها.. لذلك داسَ على نفسه.. شَدَّ يده واقْتَلَع ثَبات نَفْسه من بين فُتات صَبره لِيَدفع ببصرهِ إليها.. جَلَسَ على رُكْبَتيه عند مقعدها.. ارْتَفعت يَدهُ لِذقنها وبِلُطف حَرَّك وجهها لِيُقابله.. ارْتَجَفَ لِلَفْحة البُرودة التي باغتته وعينيه تُصافح عينيها بسَماح.. ابْتَسَم بتردد ويداه تَحتضنان يَديها ليقول: يُمّه مابي أشوف دموع في عيونش.. مشتاق لش ومابي أشوف غير الضحكة على وجهش "قَبَّلَ يديها قَبْل أن يُرْدِف بغصَّة حاولَ أن يُخَبِّئها" سامحيني يُمّه.. بس كان لازم ابتعد.. كنت محتاج للابتعاد.. بس اللحين أنا رجعت.. وبس.. ما بيكون بينا فراق انْحَنت قَليلاً لتحتضنه ونطقها يخرج مُتَعرِّجًا: حَبيبي.. ولدي.. والله.. البيت ما يسوى.. من غير وجودك.. وحسّك.. الله لا يحرمني منك هَمَسَ وهُو يُعاني لِتَجاهل انْكماش رُوحه التي بُتِر جِزْءٌ من ثِقتها تجاه هذا الدّفء: ولا منش... يُمّه ,، كانت لَحْظة هارِبة من كابوس تلك التي تَلَقَّف فيها رِداءَها عند الصَّدر لِيُقَيِّدها فَوْقَ سَريره.. شَهقات فَزِعة من حِدَّتها كادَت تَجْرَح حَنْجرتها وهي تَخْترق حَلْقها.. لَم تَفهم مَعنى الذي نَطَقه، بَل هي لَم تُحاول فَهمه.. فَحقيقة انْقضاضه عليها نَهَبَت كُلَّ اسْتيعابها.. كانَ جَسَدها يَتَلَوَّى باضّطراب، وكفَّيها الضَّعيفتان تَضربان صَدره وكَتفيه بِوَهْن.. هي كُلَّما حاولت الدّفاع عن نَفْسها شَعَرَت وكأَنَّها تَسحب صُخور قَد قُيِّدَت بِحَبْلٍ حول أَطْرافها.. لماذا خارت قواها هكذا؟ لِمَ هي ضعيفة؟ فُتورٌ مُناقض للهستيرية التي داخلها قُد صُبَّ على جَسَدها؛ الذي تَحَوَّل فَجأة لكائنٍ رَخْو لِيَنجو من شُعور الرُّعب والخَطر.. وحَواسها قَطَعت آخر صِلة لها مع الواقِع.. فَلَم يَتَبقَّ مُدافِعًا سِوى البُكاء.. دُموعها سُيولٌ بَدأت تَجْتاح رِمالها التي تَلاشى ذَهَبها المُلْفِت بسبب احْتلالٍ أَصْفَرٍ شاحِب.. شَفتيها تَكَفَّنت بالبَياض.. والزَّفير قَد اخْتَبَأ في رئتيها اللتان بَقِيتا تَركلان شَهقاتٍ مَخْنوقة يَنْتصف طُولها الرّعب. هُو ما إن أَصْبَحت أَمام ناظريه بوضوح حتى وَعَى من غَفلة مَرَضه.. ارْتَخَت يَداه عن ذراعيها.. أَبْعَدَ جَسده قَليلاً عن جَسَدها الذَّابِل.. دارَت عَدَستاه عَلى وجهها المَكدود بمحاولة لِربط خُيوط الاسْتيعاب.. هَمَسَ بِدَهْشة: مَــلاك! ابْتَعَدَ عنها ببطء الصَّدمة وعَيْناه لا يَزال نَظرهما مُتشابك بِجْنْحَي غُراب المَوْت المُقَرْفِص على ناصِية وَجْهها.. هي ما إن شَعَرَت بالهواء يَصْطَدِم بِجَسدها وذراعيها تَتَحرَّران من قَيْده، حتى زَحَفَت لزاوية السَّرير لِتَجْلِس وهي ترفع رُكْبتيها إلى صدرها، وَيَداها بارْتعاشٍ وبَعْثرة تَلَقَّفتا أَطْراف ثوبها لِتُسَوِّيه عند قَدميها.. وكأَنَّها بحركتها هذه تُدَثِّر جَسَدها بدرع حِماية يُلائم ضعفها وأُنوثتها المَعْطوبة.. كانت تَرْتَجِف كَمحْمومة.. تخالطَت عليها الأجواء.. لا تدري أَهواءٌ ناري يَلْفح جلْدها.. أم صَقيعٌ يُجَمِّد رُوحها؟ هُو كان مُسْتَقِرًا على رُكْبتَيه أَمامها.. وفُرْجة صَغيرة بَيْن شَفتيه يَلِج من خلالها الاسْتيعاب.. كَيْف لَم ينتبه أَنَّها هي! كَيف افْتَقَد على حِين غفلة منه لِسُرعة بَديهيته! كَيف لَم تَنْطق خُطوط يَدّه التي مَسَّت حَريرها لِتُحَذِّره! كَيــــف! بَحَثَ عن عُذْر.. عن تَبريرٍ يَتَشَرَّب ماء َوجهه الذي أُريق بِفعلته المَجنونة.. لَكنَّهُ أَطْبَق شَفتيه بِفَقْرٍ وقِلَّة حيلة.. ابْتَلَعَ ريقه بصعوبة وهُو يُبْصِر أَمطار عَيْنيها وهي تُحيل رِمالها لطينٍ ثَقيل تَضيق منه النَّفس.. يا إلهي وكأَنَّها بدُموعها تُعَرِّف الحياة على فَصْلٍ جَديد من البؤس.. كانت تَبْكي رُعْبها.. تبكي خَسارتها.. تَبْكي شَرفها.. وتَبكي كُل أُنثى غالَ طُهْرَها ذِئبٌ نَجِس. هي ومن بَيْن عاصِفتها رَفَعَت عَيْنيها إليه لتنظر لهُ من خَلْف أهدابها الغارِقة، انْقَطَع جِزْءٌ من قِلْبه لا يَعْتقد أنَّه سَيسْتعيده ما حَيي.. نَظْرة خَوْف امْتَزَجَ بها ضَياع ولَمْحة عِتاب.. وكأَنَّها تَلومه لأنَّهُ هَدَم أَساس الثِّقة الذي بنتهُ لهُ في رُوحها.. لَوَّثتَ تُرْبة البَذْرة مُحَمَّد.. لَوَّثتها بيَديك المُلَطَّخة بآثار تَدريبات بَرْلين القسْرية. تَراجَعَ للخَلف والنَّدَمُ قَد أَحْنى نَبْضه قَبْلَ رأَسه.. نَبْضه الذي صَغُر من شِدَّة خَجله وأَخْتَبأ خلف حُجْرة من حُجرات قَلبه حتى لَم يَعُد يَسْمعه أو يَشعر به.. تَرَك السَّرير.. ها هُو واقفٌ على الأرض أَمامها.. قَبَضَ يَده بشدَّة حَتَّى ابْيَضَّت وشَفتاه تَتَحرَّكان بتَردُّد.. أَرْخَى جِفْنيه حتى لا يَرَ اسْتنكارها لكلمته العَرجاء: آســـف ، اتَّكَأ على سَطْح الليْل يَنتظر عُروج النَّهار وَهيمنة الشَّمس.. لَعَلَّها تُنَحّي السَّواد عن ذاته التي أَجْرمت قَبْلَ ساعات.. هي كَرِهتهُ فعلاً.. كَرِهته.. فَمن العاقل الذي يَرْتَكِب مثل حَماقته! هُو حتى لا يستطيع أن يُوَرِّط مَرضه ويتّهمه.. لا دَخَلَ للمرض في ذلك.. لا دَخَلَ للحُمَّى في جُنونه.. هُو مُشَوَّه أَساسًا مُنذُ زَمَن.. مَجْنونٌ قَد فَقَدَ عَقَله مُذ خَنَقته زِنزانة بَرْلين.. وَقَد اتَّخَذَ نَبْضُ قَلْبه طَريقًا عَكْسيًا يَمضي بهِ للموت لا للحياة.. هذا الفِعْل لا يَصْدر من عاقِل.. لا يَصْدر من رَجُل سَليم الروح.. ولا يَصدر من إنسان بذكرياتٍ بَهيجة.. هي بالكاد اعْتادت عليه وبدأت تَخْطو بِحَذرٍ وتَردُّد لحياته لتندمج معه.. للتّو كان مُسْتَبْشِرًا بفتحها للباب وبمُعانقة جَسَدها لحريرٍ أرجواني.. الآن بالتَّأكيد سَتوصِد الباب.. بَل وسَتقفله بالمفتاح.. وسَتُعيد صَبْغ رِمالها بالأَسْود وبغيره من الألوان الكَئيبة.. هُو بَدلَ أن يَقْتَلِعها من أَرض مأساتها المَسْمومة.. سَيدفنها في أَرْض ذاته المفقودة. زَفَرَ ويده تَرتفع إلى رأسه.. مَرَّرَ أصابعه بين خصلات شَعره لمرّات مُتتالية وعَيْناه لَم تَبْرحان باب غُرفته.. مُذ غادرها بعد اعتذاره الرَّكيك لَم يَدخلها.. وهي لم تخرج منها.. لا يدري هل نامت؟ أم أنَّ الصَّدْمة شَلَّت قَدميها؟ أَمَّ أنَّها اسْتَسلمت لإغماءٍ يَفصل وَعْيها عن كُل المشاعر الثَّقيلة التي وَلَّدها الموقف.. هُو حتى لَم ينزل للمَرأب.. كَلَّفَ زملائه بكُل العَمَل بعد أن اعتذر مُتَحَجِّجًا بمرضه الذي شُفي منه تقريبًا.. وكذلك أَجابَ على اتّصال مَدْرَستها.. اضطَّرَ أن يُكَذِّب ويَختلق قِصة مَرض خاصة بملاك منعتها من الذهاب للمَدرسة.. يا إلهي تعقيد تعقيــد أَلقى نفسه فيه بلا تفكير.. وكأَنَّهُ عادَ لنقطة الصفر بعد أن أحرزَ تَقَدُّمًا مَلْحوظًا معها.. أَعاد ظهره بقوَّة للوراء وهُو يَشد خصلاته بكلتا يَديه بقهرٍ من نفسه وعلى نفسه.. لا يُحْسِن أي شيء طبيعي.. لا يُحْسِن سوى ما يُخالف طَبيعة البَشر.. رُوحه لا تألف الرَّاحة.. هي تطردها ما إن تشعر بنسَماتها تُلَوِّح إليها.. اعْتادت على اسْتنشاق القَلق والشُرب من ماء البؤس والضَّجر.. شَخَرَ بِسُخْرية.. يقول لهُ هاينز عامل نفسك كإنسان.. كَيف يُعامَل الجَماد كإنسان.. كَيف! هو حتى لا يصلح لأن يكون حيوان.. فالحيوان ومع أَنَّهُ بَهيمة إلا أَنَّهُ يَملك مشاعر لا يملك هُو رُبعها.. هو خواء.. كائنٌ مُجَوَّف.. جَسَدٌ بالٍ يَنتظرُ المَوْتَ لا أكثر. ,، وَقَفَت تَتَلَفَّت باحِثَةً عن جِنان بَعْد أن انتهى لِقاء أولياء الأمور المُقام في قاعة المدرسة الكَبيرة المُهَيَّئة لِمثل هذه الاجتماعات.. جَميع الآباء والأمهات كانوا واقفين.. بعضهم مَشى خارِجًا.. بعضهم ذهب لأخذ المطويات المُحْتوية على رؤية المدرسة وأهدافها وأنظمتها والعديد من الأمور التي تَم ذكرها بالتفصيل خلال اللقاء.. والبعض الآخر وقفَ للحَديث مع أحد المُعلِمين أو إحْدى المُعلمات أو حتى مع مُديرة المدرسة للاستفسار والسؤال. : تدورين على من؟ أَجابت زوجها وهي لا زالت تبحث بعينيها: عن جِنان : يمكن ما جت "أشارَ للجهة المُقابلة لهما" لأن فيصل هذا هو اهني : بلى جت.. مُستحيل ما تجي قال: زين أنا بروح أسلم عليه على ما إنتِ تدورينها هَزَّت رَأسها وهُو تَحرَّكَ ناحية فيصل الذي رَحَّب به بحرارة قبل أن ينخرطا في الحديث. على الجهة الأخرى كانت جِنان أيضًا تبحث عن نَدى.. أَخرجت هاتفها لتكتب لها "إنتِ وين؟".. أتاها الرد بعد ثوانٍ "آخر شي على اليسار".. رفعت رأسها وعيْناها تَتجهان إلى الموضع الذي وصفته نَدى.. وبالفعل رأتها تَلْتَفِت يُمْنة وَشِمالاً.. تَقَدَّمَت خُطْوة قاصِدةً رَفيقتها.. لكنَّ خُطوتها الثانية اقْتَطعها صَوتٌ قَريب...: السلام عليكم تَوَقَّفت وهي تُدير رأسها تبحث عن مَصدر الصوت.. قابلها رَجُل تعتقد أنها تلتقيه للمرة الأولى.. هُو تساءَل بابْتسامة لَطيفة عندما رأى علامات الاسْتغراب تَطوف عَيْنيها: أم جَنى صح؟ هَزَّت رأسها: اي نعم أَفْصَح عن هويته: معاش الأستاذ نادر.. مُدرّس رياضيات ابْتسمت بمُجاملة: أهلاً أستاذ "تساءَلت بشك" ما تدرّس جنى صح.. ولا؟ أَكَّد: صَحيح ما أدرّسها "وبتوضيح" بس أنا المسؤول عن نادي الرياضيات وخبّرتني مُعلمتها عن ذكائها وتميزها في المادة.. وألقيت نظرة على تقييماتها خلال هالفترة البسيطة وكانت فعلاً شي مُميز عَقَّبَت ببهجة وزهوٍ بابْنتها: اي هي ما شاء الله عليها شاطرة في الرياضيات بشكل خاص.. مادتها المفّضلة : عشان جذي أنا قلت أستغل فرصة اليوم وأخبرش إننا نبيها تكون معانا في النادي قالت بتفكير: إذا كان الشي في صالحها وما يؤثر على حصصها وموادها الثانية بتأكيد ليُطمئنها: أكيد بيكون في صالحها.. بتقوّي مهاراتها وبتكتسب مهارات إضافية.. وطبعًا بتكون مشاركتها في النادي في حصص النشاط.. يعني ما بتضطر تتغيَّب عن حصصها الأساسية.. إلا في حالة وجود مسابقات خارج المدرسة.. بس طبعًا بتكون مُعلمتها مُلزمة بإعادة الشرح لها ابْتَسَمت بقبول: مو مشكلة.. ما دام بتستفيد وما بتتأثر موادها الثانية فما عندي مانع اتَّسَعت ابْتسامته: إن شاء الله بتستفيد.. وبعطيها اليوم اسْتمارة حق بعض البيانات وحق توقيع ولي الأمر أَوَّمأت برأسها: تَمام.. وشكرًا أستاذ على اهتمامكم.. شي ممتاز بثقة: ولو أم جنى.. هذا واجبنا تجاه طلبتنا ابْتسمت لهُ بامْتنان: يعطيكم العافية "تراجعت للخلف خطوة" أستأذن.. تشرفنا أستاذ بادلها بابْتسامة أوسع وأَعْمق بِكَثيــر: الشرف لي.. مع السلامة قَبْل أن تَسْتدير: مع السلامة تَبِعتها عَيْناه وَلم تُفارقها حتى عندما توقفت مع رفيقتها.. حَشَرَ يَديه في جَيْبي بنطاله وأسْنانه تَلْتقط شَفَته السُفلى مُحاوِلاً مَنع الابْتسامة من الاسْتمرار في التَّوسع والانتشار.. هُو سَعيد.. سَعيد جُدًّا مُذ عَرَف من خلال بيانتها الشخصية أنَّ والداها مُنْفصلان.. سعيد وهذه السَّعادة يشعر بها تَغْزو وَجهه وتصل لعينيه اللامع فيهما حَماسٌ لَسَع حَذَرَ ذاك الذي لَا زال يُحاول أن يَفُكَّ قَيْدَ ذاته.. هو انْفَصَلَ عن حَديثِ مَنصور كُليَّا مُذ وَقِفَت هي تَتحدَّث مع نادر.. لَم تَفته الابْتسامة التي ظَلَّت مُلازمةً شَفتيه بسِعة وَقِحة.. وكأنَّهُ يَعرفها ومُعتاد على مُقابلتها بهذه الابتسامات! لحظة.. رُبما هو فعلاً يعرفها وهي تعرفه.. قَد يَكون صَيْدًا جَديدًا بَعد أن اسْتعادت طُعْمها من أَحمد.. احْتَكَّت أسنانه وقَبْضَته تَشْتَد بانْفعالٍ مَكْبوت.. أطالت الوقوف معه.. فيما كانا يَتحدثان؟ ما هُو هذا الموضوع المُهم الذي انْسَجما في مُناقشته! هي أيضًا ابتسمت إليه.. ابْتسامة مُميزة جدًا.. ابتسامتها الجذابة القادرة على بَعْثرته... يا إلهي.. النار التي خَمَدَت داخله خلال الفترة الماضية ها هي تَكْشِف عن شَرارة.. شَرارة بَسيطة لو اسْتسلم لها لأحرقتها وأحرقت هذا الوَقِح الذي يَنظر لها بلا خَجَلٍ وحياء.. وَقِح وغير مُحترم.. بلا وعي منه تَحَرَّكت قدماه وكأنَّه ذاهِبٌ إليه.. لَكن نِداء منصور نَبَّهه: فيصل شفيك!.. قاعد أكلمك وإنت خَبر خير! "نَظَر للجهة التي هُو مُسْهِبٌ فيها وبتساؤل" تطالع من هناك؟ نَفى وهو يُحاول أن يَسْتعيد اتّزانه: ما أطالع في أحد.. بس شكيت في واحد.. طلعت مشبّه عليه : زين كنت أسألك متى عرسك؟ أي يوم بالضبط؟ وهُو يَفْتَح زِر قَميصه المفتوح زره الأول أساسًا: هذي الجمعة ابْتَسم: زين زين.. على خير قال بسرعة وهو يَشْعر بالاختناق يُحْكِم قَبْضته على عُنقِه: منصور بكملك بعدين ها.. لازم أمشي اللحين تأخرت على البنك هَزَّ رأسه بتفهم: اي حبيبي الله وياك تَحَرَّك بخطوات سَريعة يُريد مُغادرة المَكان.. اسْتطاعَ وبصعوبة أن يُشيح عيْنيه عن ذاك الرجل حتى لا يصدر منه ما لا يُحْمَد عُقْباه.. لو كان الأمر بيده لَوَسَّده الأرض بضربة واحدة.. فالشرارة قَد تطورت وأصبحت نار صَغيرة ها هُو يحترق منها والعَرَق بَدأ باخْتراق صدغه النافر منه عِرْقٌ غاضِب. كان وَجْهه مُتَجَهِّمًا ومُخْتَنِق بالاحْمرار عندما مَرَّ بجانب نَدى وجِنان التي رَماها بنظرة حــادة أَوْجَستها قَبْلَ أن يُواصل طَريقه للخارج.. نَدى بتعجُّب: أووف.. شالهنظرة!.. هذي كف مو نظرة! اسْتَنكَرت بخفوت بحاجبَيْن مَعْقودَيْن وقد لاحظت عَيْناها اللتان تحفظه زرّي قَميصه: شفيــه! ,، أَغْمَضَ عَيْنيه للحظة وَهُو واقِفٌ على بُعْدِ خَمْسِ خُطواتٍ منها.. أَغْمَضَ وَقْلبهُ تَشَبَّثَ بِشَهيقٍ يُعينه على خُطْوته الجَريئة بالنسبة لوضعه.. رُبَّما هُو غير مُتَرَدِّد.. ولكنّهُ على الرَّغم من ذلك ليس مُتَيَقِّنًا من نجاح هذه الخُطوة.. لا يدري إذ هُو اتَّخذها ماذا ستكون رَدَّة الفعل وما الجَواب الذي سَيَتَلَقَّاه؟ أَسْئِلة كَثيرة تَجوس في نَفسه لكنَّها لَم تُنَحِّه عن قراره.. فترة اتّخاذ القَرار انتهت مُذ كان في هِجرته المؤقتة.. بَقِي التَّطبيق.. وَها هُو على بُعْد خُطواتٍ منه فَقط. تَحَرَّكَت قَدَماه مع احْتلال الابْتسامة لِشَفتيه.. ابْتسامة بها خِفَّة وتكسوها ثِقة طالت حَتَّى زاحَمَت حَوَرَ عَيْنه.. هُو لَم تَطَأَ قَدماه أَرْضَ الوَطَن إلا لأجْلها ولأجِل لِقاء زُمُرِّدتيها.. سَلَّمَ على زُملائه على عَجَل مُتَحَجِّجًا ببعض الأشغال الوَهمية في مكتبه.. هُو لَم يَبْدأ دوامه الرَّسمي بَعْد.. ولكنّهُ أراد أن يَفْلت من قَبْضة أَسئلتهم واستفساراتهم حتى يلتقيها.. قَبْلَ أن يأتي اسْتَعلم عن ساعات دوامها من الطَبيب حسين والذي اعتلت منهُ ضِحْكة أَحْرجتهُ غَصْبًا.. لكنَّهُ لَم يَهْتم.. فلا يُريد لأي شيء أن يُعيق وُصوله إليها.. هي آخر أمل لولادته.. هي آخر أمل لإنقاذ ذاته. أَخيرًا وَصَل إليها.. وَقَفَ على يَمينها، لَم تنتبه إليه.. كانت مُرَكِّزة في المَلف الذي بين يَديها.. كانت تَقِف عند الاستقبال الخاص بالجَناح.. مُتَّكِئة على المنضدة الطَويلة بساعديها، قَلَمٌ في يُمْناها.. ويُسْراها تُتابع الكلمات بأصابعها النَّحيلة.. هُو أيضًا اتَّكَأ على المنضدة بذراعه وجسده قد اسْتدار إليها بالكامل بوقوفٍ مائِل.. يَدهُ اليُسْرى اسْتراحت في جَيْب بنطاله.. وقدمه قَد التفت حول كاحل الأخرى.. بهدوءٍ وَهمْسٍ رَخيم: صَبــاح الخيـــر تَجَمَّدَت أَصابعها على إحْدى الكلمات، وَعَيْناها اللتان كانتا تَقرآن تَعَثَّرتا من الصوت المُفاجئ الذي زَلْزَلَ حَواسها.. رَفَعت رَأسها مُسْتَجيبةً لهمسه، لكنَّها لَم تَسْتَدِر إليه.. وكأَنَّها تَخْشى أَن يَكون حُلْم يَتَبَدَّد إذ هي واجهتهُ ببصرها المُتَلَهِّف.. نَظرت سَريعًا للمُمرضة التي قالت بنبرة مُتفَاجِئة: دُكتر أبدولاه! حَرَّكَ عَدسَتيه للمُمرضة: هَلوو رَحَّبَت بهٍ بابْتسامة واسِعــة: أهلاً بعودتك أَوْمَأ لها وبلُطف: شُكرًا تَساءَلت بفضول: هل ستبقى هُنا أم أنَّك ستعود إلى إيرلندا؟ بابْتسامة جانبِية: سنرى "عاد بصره للتي أَنْهى هِجْرته من أجلها.. قال بخفوت وعَيْناه تُتابِعان الفَوْضى الواضِحة على جانب وَجْهها" بيصير لي دقيقة من وقفت وإنت ما قلتين لي الحمد لله على السلامة أغْلَقت المَلف ثُمَّ اسْتَقامت في وُقوفها وَرَأسها قَد ارْتَفَعَ مُسْتَعينًا بشموخٍ متهدّل الأطراف.. انْتَزَعَت نَفَسٌ عَميق من بين مَعْركة الأنفاس التي داخلها.. رَمَشَت ثَلاث مَرَّات ببطء لتَطْمَئِن على صُمود الدَّمع في مآقيها.. شَدَّت على القَلَم ثُمَّ اسْتَدارت إليه لِتَنْفَذ إليها ريح عاتِية عَصَفت بكيانها المُضطَّرب.. اتَّسَعت ابْتسامته اسْتقبالاً للزُّمرّد.. كان يَلْتَمِع.. يَلْتمع بطريقة مُلْفِتة.. وكأَنَّهُ يُناديه إليه.. آآه ليت المَرْء يَسْتَطيع أن يَحْتَضِن عَيْني مَن يُحِب.. يَحْتضنهما بين قَلْبٍ وَنبْض ويَحْميهما من أُجاج دَمْع. نَظَرَ لساعته ثُمَّ عاد إليها وبذات النبرة الخافتة: انتهت الدقيقة أخْفَت ارْتعاش يَدها في جَيْب معطفها الأبيض وهي تقول بصوتٍ كَرهَت خُروجه مَبْحوحًا: وليش أقول؟ بترد ترجع من مكان ما جيت عُقْدة خَفيفة والابتسامة لم تُفارقه: برجع؟.. من قال برجع؟ حَرَّكَت كَتفها وهي تُكسي مَلامحها البرود: يقولون بتستقر هناك.. يعني أكيد بترجع.. وبعـد... "حاولت بشدّة أن تَدْفَع الإجابة للدَّاخل.. أن تَسْجنها وَسط البؤرة الناشئة منها غِيرتها.. حاولت وحاولت.. لكنَّ الكلمة كانت أقوى.. والغيرة كانت أشَد وأَعظم"... عشان حبيبتك عُقْدة حاجِبَيه تَضاعفت وباسْتنكار: حَبيـبتـي! الْتَفَتت جانِبًا وكأَنَّها تَتَذكر: شنو اسمها؟.. اي... "نظرت إليه بعد أن غَمَرَت مُقْلَتيها بنظرات عَدَم الاهتمام" مارينا مدري مارتينا ارْتَخَت ملامحه وابْتسامته توسَّعت وبهمسٍ وَلَجَ إلى مَسْمَعيها رَقيقًا وَوَدودًا: ايــه.. مارتينا كَرَّرَت: فما يحتاج أقول لك الحمد لله على السلامة وإنت بترد ترجع لحبيبتك عَقَّبَ وابْتسامته الحالِمة تَسْتَحيل كابوسًا يَقْضِم فُتات قَلْبها ببرودٍ قاتِل: اي برجع لحبيبتي "قَرَّبَ رأسه منها قَليلاً وهُو يهمس مُرْدِفًا" ومدام عندش خَبَر عن حبيبتي فبعطيش معلومة إضافية عشان تفرحين لي "اتَّسَعَت عَيْناها وأهدابها توقَّفت عن الحَركة بِتَرَقُّب... ونَبْضها الذي أصابهُ مَسٌّ مُذ رأته، ها هُو يُضاعِف من جُنونه.... بَلَّلَ شَفَتيه قَبْلَ أن يُلْبسهما الابتسامة مُجَدَّدًا مُفْصِحًا" راح أخطبها كَتَمَ ضِحْكته مُحاولاً ألا تنفلت منهُ الجدِّية المُصْطَنعة وهُو يرى كيف نَشَرت الصدمة جَناحيها حول ملامحها.. ازْدَرَدت ريقها بصعوبة شَديدة وازْدَرَدت معهُ صَرخة قَهر وغِيرة وانْهزام.. تَقَلَّدَت بابْتسامة مَيِّتة وهي تشعر بنصل الخَبَر يَسْتَقِر وَسَط جَواها بعُنْف.. هَمَسَت ببحَّة بَغيضة: مَبـــ ـرووك هَزَّ رأسه: لا.. باركي لي في الوقت المناسب.. بعد ما أملج عليها "وَضَّح" طبعًا بتكونين معزومة يا زميلتي شَتَّتت نَظراتها عنه وبضحكة ساخِرة قصيرة ومُرَقَّعة: شكله الموضوع منتهي وقريب! أَكَّد: صحيح كل شي منتهي منه.. حتى الدبلة اشتريتها "نَظَرَت لعينيه وهُما تتخمان بحُبٍّ جَلي" دبلة تتوسطها زُمردة.. مثل لون عيونها بالضبط "وبتنهيدة لهْفة وانتظار" باقي بس موافقتها اهْتَزَّ شَيءٌ داخلها.. تَفَحَّصَت.. كانت روحها التي أُعْدِمَ انْتقامها بَل وَانْتَحرَ حُبّها الأبْلَه.. كَم هي غبية.. ساذِجة وغبية.. أَكانت تعتقد أنَّها سَتجذبهُ إليها بهذه السهولة؟ هل سيقع في حُبّها وهي التي قابلتهُ بشخصية مَغرورة، نرجسية وهُجومية.. شخصية لا تُطاق.. شخصية بالكاد تَسْتَسيغها عائلتها، كيف بهِ وهُو الغَريب الذي لَم يَكُف عن تَجاهلها بصراحة؟ كم أنتِ غبية يا مروة وكم أنتِ مُثيرة للشفقة حقًا. عادت ورَتَّبَت عَباءة الكِبرياء على كَتِفيها.. وَجْهها اكْتساهُ شُحوبٌ مُفاجئ لَم يَفُت عَيْنيه المُنْتَبِهة لها.. نَطَقت وهذه المرة لَم تُضْعِف صَوْتها البحة.. بل أن صَوْتها خَرَج جَليـدًا.. صَلْبًا ومُنْسَلِخًا من غَصَّة البُكاء: الله يوفقك "تراجعت للخلف مُسْتَعِدة للهروب" بس ما أعتقد أقدر أجي ملجتك.. تعرف الدوام والالتزام ضَحَك وهُو يعتدل في وقوفه قَبْلَ أن يقول بثقة: لا بتجين.. صدقيني بتجين هَزَّت رأسها وثقته هذه تَزيد من حَطَبِ حَنقِها: يصير خير.. عن إذنك ما إن اسْتدارت حتى أُطْلِق سَراح صَبيب عَيْنيها.. هَبَطَت دَمْعة، عَدَسَتاها تَحَرَّكتا على الفراغ بِحِيرة بَحْثًا عن سَببٍ لِهبوطها.. خسارتها وفشل انتقامها؟ تَهَشُّم حُلْم قَلْبها المُفْرِط في نَشْوته؟ أم انْكسار غُرورها الذَّليل أمامه؟ لا تدري.. لا تدري.. لكنّها كانت مُمتنة لهذه الدّمعة.. ومُمتنة للدّمعات التي توالت من بعدها.. كُنَّ كالطَّبْطبة الحَنونة التي احْتاجتها ذاتها في هذه اللحظة.. خَطَت مُبْتَعِدة عنه.. تُريد أن تنفرد بنفسها.. تُريد أن تُلَمْلِم خَسارتها للانتقام.. وخَسارتها لَه. ,، لا تَدري كَم ساعة بَكت وكَم ساعة مَضَت على تَدَثُّر حَواسها بالنَّوم.. اسْتَيقَظت على صَوْت أذان الظهر، ظَلَّت تَسْتمع إليه وعقلها لا يزال مُتَّخِم بالا وَعي.. انْتَهى الأذان وهي ظَلَّت ساكِنة في مكانها.. وهي مُسْتلقية على السَّرير دارت عَدَستاها على السَّقف.. الأضواء الصفراء تُنافِس عَظَمة الشَّمس بوَهْن.. اتَّكَأت على ساعديها لترفع جَسدها المُتَصَلَّب.. تَصَدَّعت ملامحها على إثر زيارة الحَركة لعضلاتها النائمة.. استوت جالِسة وبَدأت عَيناها تَجوسان خلال المَكان تَبْحثان عن وَعيٍ وجَواب.. الغُرفة البيضاء.. الفارغة من أٌلفة العَيْش والمُفْتَقِدة لِهَويَّة.. كأس الماء والدواء على المنضدة جانبها.. وهُناك التصقت بالمرآة صورته.. إذن هي غرفته.. هي نامت في غرفته! ارْتَعدت فرائصها حينما هاجمها شَبَح الليلة الماضية.. تذكرت قُربه الشَّديد بارْتجاف.. حرارة جَسده التي شَعرت بها سَتُذيب رداءها الحَريري.. أنفاسه المُصطدمة بوجهها بتخَبّط.. صَرخته المُفْزِعة وأغلال يَديه.. أغَمَضَت والنَّفَس يَعْبر صَدْرها بثِقْل.. تَشَعر أن الأنفاس المَرْعوبة قَد تَكَوَّمت فَوْق قَلبها.. ضيق.. ضيــقٌ يَحَفَّها من جَميع الجَهات.. تَشعر وكَأنَّها وَسَط مَتاهة مُدَجَّجة بالأبواب.. وهي لا تَملك مفتاحًا واحدًا لها.. أسرار كَثيرة تَحوم حَول رأسها ولا قُدْرة لها على مُجابهتها.. تَخْشى أن تَمُد يَدها إليها لِتُزيل اللّثام عنها فتُصْدَم من وَجْهها الحَقيقي.. لكنّهُ هُو مُجْبَر على إخبارها وجعلها في الصورة.. هُو بنفسه قال أنَّهما أَخان أو صديقان.. بل هُم شَريكان.. وهذه المُسَمَّيات لا بُد أن تُوَظَّف.. فكما هي سَتُفْصِح وسَتكشف.. فهو مُلْزَم بذلك أيضًا. تَحَرَّكت تارِكةً السَّرير وهي تَمْسَح وجهها وتُحاول أن تَجْمع خصلاتها الذابلة بربطة شَعرها التي وَجدتها ساقطة على الوسادة.. اتَّجهت للساعة المَرْكونة على المنضدة.. انْحنت تنظر للوقت دون أن ترفعها.. كانت تقترب من الحادية عشر والنصف صباحًا.. اسْتقامت وهي تَسْتوعب أخيرًا.. لَم تُصَلِّ الفَجْر.. هي أَصْلاً لَم تَسْمع الأذان.. يبدو أنَّ صَوْته لَم يَسْتَطِع أن يَخترق الغشاء العازل الذي شَيَّدته حواسها لإنقاذها من الواقع. توقفت عند الباب.. تعتقد أنَّهُ في المَرأب.. لكن احْتمال وجوده في غرفة الجُلوس وارد.. وبالطَّبع.. عندما خَرجت قابلتهُ جالسًا على إحدى الأرائك.. ومُذ رآها وَقَفَ بصمتٍ يُناقض الصَّخب الناطق من عينيه ومَلامحه.. شَتَّتت بَصرها عنه.. كانت سَتمضي لغُرفتها.. لكنَّها في اللحظة الأخيرة تَشَبَّثت ببقايا شَجاعتها العَليلة وخَطَت إليه.. تَوَقَّفت على بُعْد خُطوات مَعقولة.. تَحميها وتعطيها مُتَّسَعًا من الوَقت والمَسافة إذ هي أرادت الفِرار والنَّجاة لو هاجمها مرة أخرى.. ازْدَرَدت خوفها وترددها.. فَضَّت يديها وكأَنَّها تنفر التراجع عنها.. نَطَقت ببَصر مُبْعَثر وأنفاس قَصيرة تَنتصف كلماتها المُبَعْثرة: أنا.. ما أعرف.. ما أعرف شي عنّك.. إنت قلت.. لازم نتعامل عادي.. احنا أخوان.. ولازم كل شي نقوله.. احنا بنتعاون.. إنت اللي قلت.. بس أنا ما أعرف عنّك.. ولا شي! والبارحة.. البارحة واجد.. وااجد أشياء صارت.. أنا شفت بعيوني.. "بحزمٍ حامٍ أكملت ووجهها يتَّقد لا يدري من غَضب أو من شيء آخر".. لكن إذا إنت ما بتقول شي.. أنا بعد.. ما بقول أَفْرَغت آخر كلمة من جوفها الواضح انْشغاله وهَمّه.. ثُمَّ اسْتدارت عائِدة إلى غُرفتها.. زَمَّ شَفتيه ويَداه تَسْتقران على خِصْره.. أعادَ شَريط كلماتها في عقله.. تُريد أن تعرف عنه.. تُريد أن تعرفه.. أن تَطأ أرض مأساته.. لا مانع لديه.. الكلام ليس مُشكلة والاعتراف لا يُرهبه إن كانت هي المُسْتَمِعة.. لكن.. هل سَتُرَحِّب دِمائها بسُموم حَقيقته؟ سَتَتمازج معها برضا على الرَغم مما سَتَبَثّه من وَجِعٍ قاهِر؟ هل أنتِ جاهزة ملاك؟ هل ذاتكِ مُحَصَّنة ضد الفَقد؟ ,، لَم يَسْتَطِع أَن يَرْكِن في مَكانه.. وكأَنَّ النار التي شَبَّت داخله امْتَدَّت حتى التهمت مَقْعده فَلم يَعُد قادِرًا على الجُلوس.. غادرَ مَكْتبه وهُو لا زال على حاله مُذ خَرَج من مدرسة جَنى.. بَل أنَّ حاله ازْداد سوءًا.. الهواجس والوساوس في نَفْسه بَدأت تُحيك لا يدري حقائق أم أباطيل؟ للأسف هو لا يَثِق فيها حتى يكون مُتَيَقِّنًا من عَدم تَوَرَّطها مع ذلك الرَّجل.. وكذلك قلبه لا يشك فيها للحَد الذي يُلْبسها تُهْمة أو يَرْميها بإثم.. وهذا التناقض يزيد إرْهاقه أكثر فأكثر.. هُو في هذه الأوقات عالِق بين الاطْمئنان والقَلق.. لا يَدري إلى أيهم يَمُد يَده.. هل يَزْفر شَكّه ويَنْعم بشهيقٍ صافٍ؟ أم أنَّه يَغُص بفكرة انْجراف أُنوثتها لِأرض رَجُلٍ آخر؟ أَغْمض بشفتين مَزْمومَتين وهُو يَرْفع رأسه للأعلى بنفاذ صَبْر.. يــا الله.. كَيف أَرْدَتهُ مُشَوَّشًا هَكذا؟ أي تواصل بينها وبين رَجُل غَريب يَجعله مَجْنون.. مَجْنون فعلاً.. هي تُحْرقه وترمده بأفعالها دون أن تُبالي.. هي تَمْنعهُ من مُواصلة حياته الجَديدة بهدوء واستقرار.. هذه الحَياة التي ابْتَدأها بأرْضٍ نَقِيَّة لا تشوبها شائبة.. خَطى فوقها دون أَن يَعْلم بأنَّ وَحْل خيانتها المُخَضِّب قَدَميه قَد دَنَّس طُهْرها. تَوَقَّفَ المَصْعَد عند الطَّابق الذي يَقْبع فيه مَكْتبها.. تَحَرَّكَ خارِجًا بخطوات هادئة وقَصيرة على عكس الصَّخب الذي داخله.. يَداه في جَيْبي بنطاله الرَّسمي.. كُمَّي قَميصه قد طَواهما إلى المِرْفق.. والزِّران لا يزالان يَسْمحان للهواء بمُعاينة اخْتناقه... كان يَمشي وهُو يُلْقي نَظراته بِصَمْت على المكاتب حيثُ المُوظفين والموُظفات.. البعض من شِدَّة انْشغاله لم ينتبه إليه.. وآخرون ابتسموا لهُ بمُجاملة.. والبعض عاد مُسْرِعًا إلى العَمَل بَعْد اسْتراق دقائق من الرَّاحة. تَوَقَّفَ عندما وَصَلَ إلى المَمر حيثُ مَكتبها.. على اليَسار كان المَكتب والذي كان بابهُ مَفْتوحًا.. هي كانت من ضمن المشغولون.. لَم تنتبه لوقوفه.. فقد كانت مُنْدمجة في الحاسوب والأوراق المُنتشرة على مكتبها.. نَظَرَ لوجهها الجاد ولَمْعة التركيز المُتَوَسِّطة عَيْنيها.. كانت تنظر للشاشة لفترة.. ثُمَّ تطرق على لوحة المفاتيح.. تُحَرِّك الفأرة ومن ثُمَّ تخفض رأسها للأوراق. أَدار رأسه يَمينًا.. مَكْتب يَحْوي ثلاث مُوَظَّفات.. والثلاث جَميعهن مُذ التفت لهن أخْفَضن بَصَرَهن بسرعة لمكاتبهن يُشْغِلن أَنفسهن بأي شيء.... عادَ إلى التي كانت مَجْمعًا لأضْدادٍ لَم تفتأ تُرْبِك رُجولته.. هي جِنانه وناره.. عِشقه وحقده المُتَوَّلِد من خِيانة.. هي سَماؤه وهُداه، وأَرْضه المَدْفون فيها قَلْبًا ذَبحته بيدين كانت لهُ دِفئًا وبَلْسًما ذاتَ ماضٍ وحُب... هي، أُنثى طُفولته.. مُراهقته وشَبابه.. وكم هُو خائف أن تُلاحقه جَنَّتها المُذَيَّلة بالنَّار إلى كُهولته.. حينها سَيكون مُقَيَّدًا ما بين مَوْتَيْن.. مَوْت فَقْدها.. ومَوْت الواقع المُقَدَّر. تَحَرَّكَ للداخل ومن ثُمَّ أَغْلَقَ الباب. إحدى موظفات مكتب جهة اليمين قالت بعدَ أن زَفَرت براحة: الحمد لله.. من نظراته حسّيت شوي ويعطي كل وحدة فينا كف الثانية بعتاب: حرام عليش عاد مو لهالدرجة! صدق شَديد بس طيّب بَرَّرت: ما شفتِ أنتِ نظراته قبل شوي؟ ما أقول إلا الله يعين جنان عليه.. سكَّر الباب وراه شكله ناوي على نيّة "اسْتَطردت" هو صدق طيّب.. بس صراحة.. مغرووور بشكل فظيــع الثالثة أَيَّدت سريعًا وكأنَّها كانت تنتظر من يُشَجّعها على الإفصاح عن شعورها: ايـــــه مغرور، مغرووور.. ما أدري يعني هو يمكن يعتبرها ثقة.. بس حتى لو ثقة مو هالكثر! الثانية دافعت: يحق له.. شاب ناجح ويتقلّد منصب كبيـر وهو في هالسن.. مُدير لبنك وهو حتى خمسة وثلاثين ما وصل.. لازم بيكون واثق من نفسه الأولى قالت بابْتسامة جانِبية بها شيء من سُخرية: والله يا حبيبتي الواسطة لها دور نَفَت: لا والله.. مو واسطة.. مُمكن تكون عنده علاقات ممتازة مع أصحاب المناصب فسهَّل عليه الأمر لمعرفتهم فيه وفي قدراته.. بس أبدًا مو واسطة وَيدها عند خِصرها: وإنتِ إن شاء الله شدراش؟ أَجابت: نَدى قالت لي.. على إن عمره في حدود الثلاثة وثلاثين لكن عنده خبرة أكثر من خمسطعش سنة.. من كان عمره اثنعش سنة بدأ يشتغل شغلات بسيطة.. ومتفوق، كان الأول على دفعته.. ودرس في يو كَي وماخذ ماستر ومشتغل هناك في بنك لفترة طويلة، ودرّس في جامعته بعد.. يعني الهيستوري ماله ذهــب.. أكيد بيكون مُدير في هالعمر الأولى باستغراب: وندى شدراها بهالمعلومات؟ الثالثة مُسْتَنتجة: كأنّ سمعت إن جِنان بنت عمته.. وندى صديقة جِنان فأكيد قالت لها نَظَرت لهما وعلى وجْهها أثار ضِحْكة وبتعجّب: حلفوا ما تدرون! الأولى: ندري بشنو؟! وَضَّحت: جِنان مو بس بنت عمته.. جِنان كانت زوجته شَهقت الأولى بصدمة: حـــلفي! لا ما أصدق.. ما أصدق! الثالثة بحماس تركت مقعدها لتّتجه لمكتب زميلتها: لحظة لحظة.. قولي لنا السالفة بالتفصيل اسْتنكرت: أي سالفة! ما أدري بسالفة ولا شي.. بس اللي أعرفه إنهم كانوا متزوجين وانفصلوا من ست سنوات تقريبًا.. وعندهم بنت الأولى بتفكير فضولي: يعني تركها عشان ياسمين مثلاً؟ الثالثة وهي تحرّك يدها في الهواء: لو تدري ياسمين إن اللحين هو معاها في المكتب والباب مسكّر عليهم بعد وَبَّختهما: أقول سكتي إنتِ وياها وارجعوا لشغلكم وعن الحجي الفاضي ، في المَكتب.. حَيْثُ شاركت أَنفاسه المُشْتَعِلة أَنفاسها المُتَطَيِّب بها المَكان.. صوت إغلاق الباب نَبَّهها لدخوله.. استدارت إليه بنظرة مُسْتفسرة.. ثَوانٍ وتَحَوَّل الاستفسار إلى اسْتنكارٍ شَديد.. لماذا أغلق الباب! تَرَكت يدها فأرة الحاسوب ثُمَّ أدارت المقعد لتُواجهه.. تَساءلت بنبرة هادئة وهي تشبك أصابعها على سَطْح المكتب: في شي؟ لَم يُجِبها.. ظَلَّ واقِفًا في مكانه بصمتٍ وعَيْناه تَرْمقانها بنفس النظرة التي صَفعها بها صَباحًا.. شَدَّت أصابعها بتوتر وهي غير قادرة على التَّنبؤ بشيء.. لا تعتقد أنَّها ارْتَبَكت فعلاً يُغْضبه.. أو قالت كلمة أو أي شيء.. لَم تفعل شيء! ما به إذن؟!.. عندما طالَ صمته وَقفت لِتَقْتَطِع حَبْل التوتر الذي باتَ يخنقها.. تحركت وهي تهمس: بروح أفتح الباب بحدَّة قـال: خلّيـــه وَضَّحت وهي تقف عند الباب: فيصل بفتحه، غلط يكون مسكَّر علينا بتهكُّم سَلَّ سيف كلماته: غلط يتسكّر علينا باب بس مو غلط السوالف والضحك ويا رَجّال غريب قدام الناس! اسْتدارت لهُ بذهول وملامحها تَنْشَد من الصَّدمة: نَعـــم! ارْتَفَعَ حاجِبه والسُخرية تَغمر عَينيه وصوته المَبحوح: أووه ليش مصدومة آنسة جِنان! ولا الأحسن أقول مَدام جِنان مُقدمًا؟ أَغْمَضَت للحظة وكأَنَّها تُريد أن تُنَحِّي غَشاوة عَدم الفهم عن عَيْنيها لتَتَّضح لها الصورة.. اسْتَقَرَّت يَديها عند وجهها دون أن تَمَسّه: لحظة لحظة.. أنا كلش مو فاهمة شتقصد!.. يا إنّك تهلوس.. أو أنا مو قاعدة أستوعب! ارْتَفَع صوته والحدَّة تَفيض منه: الأخ اللي كنتِ واقفة معاه في المدرسة.. سوالف وضحك ووقاحة عَقَدَت حاجبيها وبغَضِبٍ زَجرته: ما الوقح إلا إنت.. ما تستحي على وجهك تقول لي هالكلام! نَطَقَ باسْتنكار ساخِر وهُو يَتَقَصَّد جِراحها: ما مداش تطلقتين إلا ورحتين تدروين لش صيدة جديدة! وهي تَشْعر باعْتصار قلبها الذي أَصْبَحَ مَداسًا لاتّهاماته: حَــرام عليـك تَجاهَل الأَلم في صَوتها وغَضَّ بَصَرَ قَلبه عن تَخَثّر الدموع وَسَط عَيْنيها وبابْتسامة جانبية: هالمرة بعد الصيدة متزوج وبتاخذينه من زوجته؟ عَقَدَت ذراعيها على صَدرها وبهجومٍ شَرِس وصوتها يرتعش من عُظْم القَهر: شكلك غلطان بينه وبين نفسك يا صيدة ياسمين انْسَحَبت السُخرية من مَلامحه لتعود الحِدّة إلى مَخْدعها.. تَقَدَّمَ منها حتى تَرك بينهما خُطْوتان.. رَفَع يده وَسَبَّابته تَتَقَلَّد بسلاح التَّهديد: اسمعي كلامي عدل وركزي فيه "بهمسٍ فَحيحي نَفَذَ من بين أسنانه وعيْناه تَتوعَّدانها بسوادٍ أبَدي" والله.. والله لو تفكرين مُجــرّد تفكير إنّش تتزوجين مرة ثانية.. ما بتشوفين بنتش لين تموتين.. بحرمش منها بدم بارد وما بيهمنــي أي أحد.. أي أحد.. مهــما كان تَغَضَّنت ملامحها برهبة وتَعَثَّرت الأَنفاس في صَدرها.. لكنَّها حاولت أن تبقى صامِدة وهي تقول: البنت تعلقت فيني.. إذا حرمتني منها يعني بتحرمها مني.. بتضرها قبل لا تضرني رَفَع كتفه بلا مُبالاة قاسِية نَهَشَت قَلْبها: بقول لها ماتت.. مثل ما إنتِ ميتة بالنسبة لي "حَرَّك يَديه في الهواء وكأنَّهُ يتخلص من فُتات وهُو يُواصل جَلْدها بِسَوط كلماته" إنتِ ولا شي بالنسبة لي.. إنتِ حتى مو ذكرى.. إنتِ زَفرة تخنق ما تعطي هوا.. وبتكونين مثل الشي بالنسبة لها فَرَّت منها شَهْقة.. طَيْرًا مُهَشَّم الجَناحَين كانت تلك الشَهقة.. تهافتت الدُّموع على خَدّيها لِتُذْبِل وَجْنَتي الجِنان.. هَمَسَت والوَجعُ يَنوح معها: متى بينتهي عقابك فيصــ ــل؟ متى.. .. متى بينتهي فتح الجروح؟ ترى والله ما عاد فيني جزء صاحي.. كلـ ـي ينزف فيصل.. .. يكفيني جرح السنين اللي انحرمت فيهم من بنتي.. يكفيني جرح اتّهامك وبعدك.. يكفيني جرح امتزاجك مع مرأة غيـ ـري " بألم كان كألف سَهم صابهُ في الروح والقَلب" يكفـ ـي فيصل.. والله يكفي.. ترى بس خلاص... ذبحتنـ ـي لَمْلَمت بِيَديها المُرْتَجِفَتين تَهَدُّل مَلامحها المَخْسوفة.. بَكَت ونَحيبها يُعيده لذكريات يَدَّعي نِسْيانها.. رَمَشَ بِخفَّة كأنَّما يَلْتَقِط صُورة لِحالها المَكْروب هَذا ليُضيفها لِصُورٍ عِدَّة شَبيهة.. هي لَو أَبْعَدت يَديها في تلك اللحظة، لَرأت في عَيْنيه حُضْنًا يَضمها ويُكَفْكِف دُموعها.. ولأبْصَرت وجهه وهُو يَسْتَسلِم بِضُعف لملامح العَطف والرأفة.. لكنَّها لَم تَر ولم تُبْصِر شَيء.. فقط سَمِعت صَوْت الباب وهُو يُفْتَح ويُغْلَق.. واسْتَشعرت حواسها خُلو المَكان من وُجوده القاسي. ,، لَجَأت لِوالدتها لِتَسْتَجدي كَلِماتٍ مُطَمْئنة تُطَبْطِب على قَلَقِها، وتُثَبِّط خَوف نَبَضاتها المُسْتَعِرة في قَلبها.. رأسها مُتَوَسِّد صدرها، ويَداها مُتَمَسِّكتان بأمانها.. اسْتَنشقَت نَفَسٌ وَلَج إلى صدرها مُرْتَعِشًا وهي تُصْغي لِحَديثها المُطَعَّم باللطُف والحَنان: حَبيبتي ابعدي عنش التشاؤم.. الحمد لله مُشكلتش بسيطة.. حتى ما بنسميها مُشكلة.. عارض بسيط وله حل الحمد لله.. بس عليش تاكلين وتتغذين وتريحين نفسيتش تَساءَلت بغصَّة: وإذا ما فاد كل هذا؟ بس بيموت البيبـ ـي! نَظَرت لِبَسَّام الذي أَفْصَح لها ولوالد حَنين عن المُشكلة الحَقيقية، ثُمَّ عادت لتنظر لصغيرتها التي تأبى أن تكبر لتُجيب مُطَمْئِنة أُمومتها ويدها تُناغي خصلاتها النّاعمة: لا يُمه اسم الله عليه.. لو ما فاد يسوون لش عملية يولدونش.. عشان يبدأ يتغذا بشكل طبيعي من حليبش.. وبيظل عند المستشفى يعتنون فيه بأفضل طريقة لين ما يكبر ويوصل للوزن الطبيعي.. وبعدين بيعطونش إياه حَرَّكَت عَدَستيها لزوجها الذي قال بملامح مُنْشَرِحة تَبعث الرَّاحة: قلت لها عمتي.. قلت لها السالفة بسيطة وما يحتاج تخاف.. لازم تصير قوية عشان البيبي بعد طَرَدَت زَفيرٌ آخر.. ولكن لَم تَتَحَرَّر نَفْسَها.. وكأنَّ الزَّفرات تَتقاسم داخلها من حيثُ لا تحتسب.. لا تدري من أين مصدرها لِتَسد بابها.. أو لتقتلعها من جُذورها.. أهو خَوفٌ على جَنينها الذي لَم تلمسه ولَم تَسْتنشق رائحة طُهْره؟ أم هو قَلَقٌ من مُسْتَقبَلٍ تَجْهَل حالها فيه؟ أم توترٌ من تَربيةٍ واهْتمام لا تعلم إن كانت تُجيدهما فِطْرةً أم لا؟ أَغْمَضَت والزفرات لَم تَكُف عن اخْتراق صَدْرها.. تُريد أن تَفتح عينيها وترى أن كُل شيء انتهى.. وصغيرها قَد مَلأ حُضْنها المَخْلوق على مقاسه. ,، وهي مُتَعَجِّبة مما سَمِعَته: شفيه فيصل.. اسْتَخف! شيقصد بحجيه؟! ويَدها تَتَخَلَّل شَعرها.. تارَّةً تشدّه.. وتارَّةً تَضغط على رَأسها والغَيْمة لَم تَبْرح عَيْنيها: شدراني فيــه.. قهرني قهرنــــي.. يعني كل رجَّال بكلمه عقله المغرور بيعتقد إنّي بتزوجه! شنو شايفني! : ماله داعي.. كلش ماله داعي كلامه.. يعني إنتِ في مدرسة وفي لقاء مع المُدرسين والإدارة.. مو شي غريب يجي أحد يكلمش.. رجَّال ولا مرأة.. وأساسًا إنتِ في الشغل حوالينش زُملاء وتتعاملين وياهم وهو يشوف هالشي.. شمعنى هالمرة سواها سالفة ورمى هالحجي الغبي! ضَغَطَت على رَأسها وهي تغمض بِضياعٍ وإرهاق: مادري نَدى مادري.. يعني أنا كلش كلش ما أفكر في الزواج، أبدًا.. ليش هالفكرة في باله مادري! عَقَّبَت بصراحة: لأنّه مقروص جِنان.. صَحيح هالمرة ما له داعي كلامه.. بس كفكرة عامة مو غريب إنّه يكون متحسس من هالموضوع تَنَهَّدت وجِفْنَيها يَكْشفان عمَّا احْتَوتهُ المُقْلتان: أدري.. وندمانة على اللي سويته.. أدري إن غلط وعيب وشي يفشل.. بس خــ ـلاص.. الندم مو كفاية؟ "تَنَشَّقت وهي تَمس أنفها بظاهر كَفّها" وبعدين هُو يكرهني.. يعني حتى زواجي من أحمد المفروض ما يؤثر فيه.. لأني ما أعني له شي.. ميتـ ـة تَساءلت بنبرة مَحْشوة بمعنى مُوجِع: متأكدة يكرهش؟ أَجابت بحرقة: اي ندى يكرهنــ ـي.. ولا ليش تزوج ياسمين! صَدمت نَبْضها بسؤالٍ آخر: ليش إنتِ يوم تزوجتين أحمد كنتِ تكرهين فيصل؟ عَقَّبَت سَريعًا حتى لا تسمح لذاتها بالْتقاط خَيْط الأمل الوَهْمي: أنا كنت أبي أنسى فيصل.. أبي شخص يلملمني بعد انكساري بثقة: وفيصل بعد يبي أحد ينسّيه ويبي أحد يداوي جرحه منش.. وياسمين كانت حوالينه فاسْتغل الفرصة نَطَقَت بخفوت ونَبْضها تَشْعر بهِ يَثقل من حَجْم ما تقوله صَديقتها: ينسّيه شنو!.. أنا كنت أحبه.. بس هو ما يحبني عشان ينساني قَذفتها بجذوة حامية: متأكدة ما يحبش؟ بِرَجاء قالت وصوتها يَتعرَّج: نـ ـدى الله يخليش لا تحرقيني زيادة بهالكلام.. والله ما أقدر تأففت: زين زين بسكت "وباِشْمئزاز" وإنتِ بس خلاص وقفي هالصياح.. لوَّعتي جبدي.. لو نجمع دموعش من أول مشكلة بينكم لين اللحين بيستوي لنا بحر هَمَست وهي تَتشرَّب صَبيب عَيْنيها بِرْسغها: ما تضحكين بمُشاكسة: بلى أضحّك بس إنتِ كئيبة "اسْتطردت" إنتِ وين اللحين؟ : في غرفتي.. من استأذنت من الدوام دخلتها وما طلعت.. حتى جَنى خليت علي ياخذها من المدرسة اسْتفسرت: وجنى وين؟ لا تقولين شافت المأساة اللي إنتِ عايشة فيها؟ بِعَطْفٍ أجابت: لا والله.. حاولت أسوي روحي طبيعية كثر ما أقدر.. اللحين آخر شي عشيتها ونامت : زين الحمد لله "تساءلت" باجر بتداومين؟ بضيق: ايــه.. لو على كيفي فنشت ورحت أشتغل في أي مكان غير.. ولا يجيني كل مرة يرمي علي كلامه السم بمُزاح قالت: لا ظلّي.. عشان شوي تقهرين ياسمين عَبَسَت: والله هي إلا تقهرني.. كلما تشوفني تلزق فيه يعني تبي تقول لي إنّه حقها "وبحَنق وكره" مالت عليها وعليه ضَحَكت: انزين خلاص لا تاخذين ذنوبها "أَرْدفت بلُطْف" زين حبيبتي أشوفش باجر.. ريحي ولا تشغلين بالش باللي صار وبكلامه بقلة حيلة وهي تُسنِد ظهرها للسرير: بحاول : في حفظ الله حبيبتي.. تصبحين على خير هَمَسَت: وإنتِ من أهله أَغلقت الهاتف ثُمَّ ألْقته بإهمالٍ على السَّرير.. أَغْمَضَت ومِن صَدْرها فَرَّت تَنْهيدة حارَّة وطويـــلة... أَرْهَفت السَّمع.. نَبْضها لا زال يَجْري بِحِماسٍ وأَملٍ يُثيران الشَّفقة.. لَمَعت من بين أَهْدابها الخَفيفة دَمْعة يَتيمة.. لَم تَظَل مُعَلَّقة كَثيرًا.. فهي رَسَمت طَريقَ حُزْن رُوحها على خَدِّها الباهت.. فَتَحَت نصف عَيْنيها، كانت الرؤية مُشَوَّشة.. كحياتها بعد فَقْده.. رَمَشَت لتُعانق دَمعة جَديدة تلك التي ماتت على وَجْنتها... تقول ندى يُحِبّني.. هُو.. فيصل.. يُحِبّني! كُل مُسْتَحيلات الدُّنيا يُمْكنها تَصْديقها.. إلا حُبّهُ لها.. فهذا الأمر قَد تَجاوزَ المُسْتَحيل بسنواتٍ ضَوْئية.. فالحُب انْطَفأ في عَيْنيه ولَم يَعُد بَريقه يُنَوِّر حياتها.. هو قَد تَحَوَّرَ إلى عَلْقَمٍ فَوْقَ شَفتيه، يَبْصقهُ على قَلْبها لِيُذيبه بؤسًا وأَسَفًا.. وأُذْناها لَم تَعِدان تطربان منه في صوته.. فَبَّحته باتت عارِية من شَجَنِ العِشق والهَوى.. والدفء الذي كانت تنعم به رُوحها حَلَّ مَحَلَّهُ شِتاءٌ طَويـل.. يُسْتَعصى على عَيْنيها الغائمتَيْن رؤية نهاية له.. فأين هُو الحُب من كُل هذا! الحُبُ حَيٌّ في ذاكِرة الصُّور.. وبين صَفحات تاريخ لُنْدن.. وعلى أَرْصِفة الليل وفوق سَطْح القَمر.. وهُو مَرْسوم على رِمال شاطئ احْتَضَن جَسَديهما ذات فَجْرٍ وَسَكَر. لا وُجود للحب واقِعًا.. الحَياة أَضْعف من أن تَتحمل ثِقْل حُب مَجْنون.. بل هي أَتْفه من أن تُقَدِّر حُبَّا لا يعرف قيمته سوى قَلْبٌ أَضْناه الحُب نَفْسه.. فهل هُنالك من هُو أَعْرف من الجِرْح بسكّينه؟ ,، هُو على الطَّرِف المُوازي كان يَعيش المأساة ذاتها.. انْعَزَلَ في شِقّته لِيَغُوص في الذَاكِرة مُفَتِّشًا عن الحُب.. كان في صَوْتها عِتاب.. تُعاتبهُ لأنَّهُ امْتَزَج مع امْرأة غيرها.. أَجُنَّت؟ أَم أنَّها نَسِيَت زاوِية المَطْعم التي لَو طَلَبَ شَهادتها اليوم لَشَهِدت بخيانتها؟ أَمَّ أنَّ حُرَّيتها الحالية أَنستها القَيد الذي كَبَّلت بهِ أَحْمد ليكون عَبْدًا لأنوثتها؟ لَن يَقول أنَّ نَظرات ذلك الرَّجُل لها كانت كَنظرات أَحْمَد تَمامًا.. وَلَكنَّها كانت تُشْبِهها.. نَظرات إعْجاب وَحماس.. وكَأَنَّها أَرْضٌ قَيِّمة.. دُفِنَ فيها كَنْزٌ سَيشد عَزْمه للبحث عنه.. هُو رَجُل وَيعرف أَسْرار عُيون الرِّجال.. يَعرف أَنَّ عَيْن الرَّجُل إذ هي صافَحَت وَجْه امْرأة لأكثر من دَقيقة فهي قَد احْتَفَظت بملامحه بدقِّة.. لِيُعيد رَسْمها على الوِسادة في أوقات سَهره.. أو يُخيطها بثوب السّماء عند الغَسَق.. أو رُبَّما يَسْتعيدها في لحظة غِياب لِتُهْدي شَفَتيه ابْتسامة لهفة تُرِّغبه بالمَزيد.. وهُو ذاك لَم يُزِح عَيْنيها عن وَجْهها.. حتى عندما ابْتَعدت إلى نَدى ظَلَّ يَجُول مَلامحها بانْدماجٍ أَجَنَّه.. لذلك قَذَفها بجمرات كَلماته.. نادِمٌ هُو نعم.. ولكن لا يعتقد أنَّهُ مُخْطئ.. ذلك الرَّجُل غير بَريء.. غير بريء أَبدًا.. لَكن لا يدري كيف يَتصرف.. نعم حَذَّر جِنان.. ولكن إلى مَتى سَيظل يُعَرْقِلها بحجار تهديده الذي يَعْلم أنَّهُ لَن يَسْتطيع تَنفيذه؟ هُو مُجَرَّد كَلام.. بَل مُجَرَّد قَهر وغِيرة على هَيئة كلام.. هي تَسأل متى سينتهي العقاب، لا تعلم أَنَّهُ تَنازلَ عنهُ مُذ بَكت دَارهما في لُنْدن شَوْقًا إليها.. حِرمانها من جَنى لَم يَكُن عِقابًا بالنسبة له.. كانَ قرارًا أنانيًّا اقْترحه بنفسه ووافق عليه وحده.. أن تُربَّى الطفلة في كنفه فقط.. لأن جِنان لَم تكن تُريدها.. أليست هي التي أرادت أن تَحْرمها الحياة وتَبيعها بثَمَنٍ بَخْس للإجهاض؟ في نَظره لَم تَكُن أَهْلاً لِتَربيتها.. لَكن احْتياج جَنى الشَّديد لأُم، وافْتقادها للمسة الحانية الأُنثوية أَرغمتهُ على العَودة.. ظَنَّ أن صَغيرته مُكتفية به وبصور والدتها.. لكنَّ رُوحها البَريئة كانت عُطْشى.. تُريد أن تَنْهَل من عَذْب الجِنان التي هَزَمته بأُمومتها العَميقة؛ التي تَفَجَّرت غَديرًا أَعادَ الحَياة لِكُل الذي ذَبَلَ في قَلْب جَنى. كان مُسْتَلْقٍ على الأريكة الطَّويلة أَمام التلفاز في غرفة الجُلوس.. يُتابع إحْدى مُباريات الدوري الإنجليزي بعقلٍ غائب تَمامًا.. لا يَدري ما النتيجة ولا مَن سَجّل أو من خَسر.. أَصابعه تَشد شَعْر ذقنه بتفكيرٍ واسْتماع لِوَشْوشة قَلْبه.. تُرى هل تَوقَّف بُكاءها؟ تناولت شَيء أم أَنَّها اتَّخَمت من الضّيق مثله ولَم يَبْقَ مُتَّسع للطعام؟ حَرَّك عَيْنيه للساعة.. إنَّها العاشرة وبضع دقائق مَساءً.. لا يعتقد أَنَّها استسلمت للنّوم.. ولا يعتقد أَنَّها اكتفت بُكاء.. لكن فيصل.. رُبَّما هي طَلَّقت هذه العادة.. وباتت تَقْتَصِد في دُموعها حتى لا تُعَكِّر صَفو جِنانها.. تُريد أَن تَطرد الحُزن من أَرضها.. وأَن تُكْنِس غُبار الانتظار المُتَكومة في غُرف قَلْبها.. تُريد أن تُجَمِّل جَنَّتها لاسْتقبال الزّائر الجَديد.. بالطَّبع... أَغْمَض بتأفف وهُو يَمْسح وَجهه براحتيه بعُنف حتى شَعر بحرارة تلسع جلده.. ليتهُ لَم يَره.. لَيته لَم يُبْصِر وُقوفهُ معها.. هذه الشُكوك التي زُرِعَت في نفسه لا يعتقد أَنَّها سَتتوقف عن النمو.. لا.. هي سَتكبر وسَتتشابك بتعقيد داخله حتى تَتَحَوَّل إلى غابة مُزْدَحِمة بالظنون.. تَحْجب عَنهُ شُعاع يَهديه لليَقين. أَطْباقٌ تَسْتَقِر على الطَّاولة المُتوسِّطة المَكان.. رَمَشَ بانْتباه وهُو يَرْفع جَسده قَليلاً: يُمّـه "ألقى نظرة ثانية على الأطباق وهُو يَقول" يُمّـه ليش متعبة نفسش ومركبة لي أكل.. مو مشتهي والله قالت بنبرة هادئة وهي تُرتِّب الأواني: رجعت من وقت اليوم من شغلك وما تغديت.. قلت تعبان.. بس العشا ليش ما نزلت؟ كَرَّر وهُو يعتدل في جلوسه: يُمّه مو مشتهي رَنَت لهُ للحظة ثُمَّ واصَلت تَرتيبها: ليش؟ هَمَسَ وهُو يُبْعِد بَصره عنها بهروبٍ جَلي: بس جذي أَدارت وَجْهها بالكامل له وهي تقول بابْتسامة جانِبية بها عِتاب: تخش علي فيصل؟ أَنْكَرَ: لا يُمّه.. تعرفيني ما أخش عليش شي.. بس.. "أَخْفَضَ رَأسه وأصابعه تَعبث بَبعضها البَعض، والحَرج يُصْبِغ مَلامحه" أَنا غلطان.. أدري إنّي غلطان.. وماكل في نفسي من الندم.. فما أقدر أسمع لوم زيادة عُقْدَة اسْتغراب بَين حاجِبَيها: ليش شمسوي! "زَمَّ شَفَتيه بِضيق لازمَ عَيْنيه وَلم يُجِبها.. فتساءَلت هي بشك" الموضوع يخص جنان؟ أَغْمَضَ ومن صَدْرهِ غادرت زَفْرة مَخْنوقة.. ذَكَّرته بكلماته التي قَذفها عليها فَتَعَكَّرت ملامحه أَكثر وأَكثر.. نَظَرَ لوالدته التي قالت بنبرة جادّة وهي تجلس بجانبه: فيصل.. أتوقع إنَّ قصة جنان انتهت.. المفروض المواقف المشحونة ما عاد لها مكان بينكم.. حاليًا هي مجرّد بنت عمتك وإنت ولد خالها.. بينكم بنت واحترام.. لا أكثر.. ما أعتقد إن مسموح لكم إلى اللحين إنكم ترتبكون أخطاء في حق بعض.. كل واحد اكتفى. أَطْرَق والنَّدم يَجُر كَلماته: أَدري يُمّه.. أدري.. بس يُمّه.. ساعات.. "وهُو يُحاول أن يَشرح ما يعترك في نفسه" ساعات تصير مواقف تفقدني توازني.. توترني.. تخليني أتصرف من غير وعي.. تجنني أَعادت سؤالها بصيغة أخرى: شصار اليوم بينك وبينها؟ شنو سويت من جنون؟ اسْتَنشَق نَفَس عَميـق لِيُعينه على سَرد سَفاهته.. مَرَّرَ لسانه على شَفتيه.. ثُم نَطَق بهدوء وعَدَستاه تَتقلقلان على المَكان ما عداها: اليوم كان لقاء أولياء الأمور في مدرسة جنى.. قلت لش البارحة "هي هَزَّت رأسها وهُو واصل ويداه تشرحان معه" بعد ما انتهى اللقاء ظليت واقف.. ما طلعت مباشرة.. جاني منصور.. زوج ندى صديقتها.. كان معانا في لندن.. سلم وقعدت أسولف معاه.. هي.. جِنان.. كانت على الجهة الثانية.. ووأنا شفتها.. يعني طاحت عيوني عليها بالصدفة.. جا لها رجال.. شاب يعني.. يمكن من عمري.. قام يسولف معاها.. يعني سوالف وضحك "صَمت" طَلَّت في وجهه المُشيح به لتَتساءل ببرود: انزيـن.. وين المشكلة؟ نَظَرَ لها بتأنيب: يُمّه.. شلون يعني وين المشكلة! ما يصير توقف تسولف معاه وتضحك.. وين قاعدين! بجديتها قالت: فيصل.. في أمور لازم ما تنساها.. أولاً هي ما عادت زوجتك.. إنت مو ولي أمرها ومو مسؤول هي وقفت مع من أو شافت من أو سولفت مع من.. عندها أبو وأخوان.. وثانيًا هي مرأة راشدة وعاقلة.. تعرف الصح والخطأ.. وثالثًا "حَرَّكت يدها بابْتسامة وعينها تَضيق" أنا شاكة في موضوع الضحك.. متأكد إنها كانت تضحك بطريقة تخليك تستنكر هالكثر؟ بَلَّل شَفتيه من جَديد ليقول وهو يَمس أنفه بظاهر سَبّابته وابتسامة حَرِجة تشد زاوية فمه: يعني كانت تبتسم.. وهو يبتسم معاها.. ظلت مبتسمة لين آخر الكلام بينهم مالَ رأسها وهي تهبط بيمينها على ظاهر يُسْراها وباسْتنكار: فيصل يعني تبيها تعبس وتكشر في وجه الرجال عشان ترضى! ما يصير حبيبي.. هذا هي معاك في الدوام حوالينها رجال من كل الجنسيات والأعمار.. الدنيا جذي صارت يمّه.. شتسوي يعني.. كل مكان بتضطر تتعامل معاهم.. هو يمكن مُدرّس أو مُشرف كانت تسأله.. ما تدري إنت. هَزَّ رأسه: لا يُمّه ما يدرّس جَنى.. في الروضة اللي تدرسهم مُدرّسة وحدة لكل المواد تقريبًا نَظرت لهُ بطرف عَيْنها وبضحكة: زين قلنا يمكن مُشرف.. بس شكلك إنت مو مشكلتك إنه رجَّال.. مشكلتك الرجَّال نفسه ابْتسَم لها.. هي تفهمه دائمًا.. لذلك أَفْصح وعينه في عينها: اي يُمّه.. ما ارتحت له.. يُمّه أنا رجَّال وأعرف.. أفهم.. أقدر أفهم مقصد الرجَّال من عيونه وحركاته.. هو حتى ابتسامته ما كانت خالية.. أحس وراه شي صَدمتهُ بالحقيقة التي قَد تكون: شنو يعني عاجبته؟ يبي يخطبها مثلاً؟ "وببساطة" خل يخطبها اتَّسَعَت عَيْناه وباسْتنكار: يُمّــه! شتقوليــن! عادت وارتدت الجديّة: فيصل.. عرسك بعد أربعة أيام.. أربعة.. ما باقي شي.. وما في مجال للتراجع أشاحَ وجهه مُسْتَنْجِدًا بالهروب من جَديد: اللحين يُمّه شيدخل عرسي وقلة الحيلة غَمَرت صَوتها: أبيك تنتبه لنفسك شوي.. تحس إنّك ثابت في مكانك ما تحركت.. بعدك واقف على أطلال جِنان.. يُمّه خلاص.. إنت اخترت تعيش حياتك مع إنسانة ثانية.. صرت مُلزم فيها ولازم تكون وَفِي معاها بوجودها وعدم وجودها.. في تفكيرك وقلبك ومشاعرك.. ولازم تتقبل إن جِنان بيجي يوم وبتلتقي مع أحد.. بتتزوج وبتأسّس حياة جديدة.. البنت بعدها صغيرة وحلوة خَبَّأ بيديه وَجْهه المُسْتَفرِغ جُل مشاعره الداخلية، وبهمسٍ يَحْترق ويتقد من نيران رُوحه: مو اللحين يُمّه.. مو اللحيـــن.. ما أقدر اللحين.. ما أتحمل.. تنتظر شوي... بس شوي "انْخَفض صوته أكثر وكأنَّهُ يَخْشى حتى أن تسمع ذاته الحَقيقة المُرَّة" لين أنســاها ألانت عاطِفة رَقيقة مَلامح وَجْهها المُتَسَرْبل بالحَنان.. أًمسكت بساعده لِتَشدّه ناحيتها برفق.. وهُو اسْتجاب إليها دون مُعارضة أو هُروب.. أراحَ رأسه على فَخْذها.. وليته يُريح رُوحه من عِلَّتها.. لكن والدته رَقيقة وهَشَّة كَغُصن.. لَن تَتَحَمَّل أثقال نفسه.. لَن تَستطيع أن تَحْتَوي بَحر حُزْنه.. فهو عَميق.. عَميقٌ جدًّا. احْتَضَنت يَديه لتُزيحهما عن وَجهه.. شَدَّت عليهما بِمَلق تَمْنَحهُ دِفأً يُطَبْطِب على شتاء قَلبه الوَجِل.. قَبْل أن تَنْتَقِل يُسْراها لتَرتاح فَوْق صَدره.. وترتفع يُمناها لشعره.. تُخلْخِل أَصابعها خصلاته.. تَطرد البعثرة والتَّخبط.. وبَصوْتٍ أَشْبَهُ بِنَسْمة حانِية تُعانقك بَعدَ دَهْرٍ من الضياع والتَّعب: حَبيبي.. حياتي فيصل.. لا تقسى على نفسك.. لا تطالبها بعسير.. خل الحُب يغادرك شوي شوي.. تراك إنت قاعد تتخلَّص من جزء منك.. جزء حاله حال قلبك وعيونك وجلدك.. جِنان مو في يوم وليلة انوجدت داخلك.. تكونت وكبرت وعاشت سنين بين نبضك وأنفاسك.. كانت معاك في مراحل حياتك.. طفولتك ومراهقتك وشبابك.. وصارت زوجتك.. هي حبيبتك اللي تمنيتها طول عمرك.. وما في أقرب من الزوجة يا فيصل.. صرت معاها شخص واحد وروح وحدة.. صحيح إنكم جسدين.. بس الروح وحدة.. لأنك تحبها وهي حبتك.. المشاكل وسوء التفاهم والقسوة اللي صارت بينكم ما رحمتكم.. خياركم كان الفراق والابتعاد.. ولا تعتقد إنّك بروحك تعاني عشان تنساها.. هي بعد عانت وللحينها تعاني.. ولَّا ما التجأت لأحمد.. اللي فهمته من كلامها إنّه مُناقض لك في كل شي.. راحت لشخص ما يشبهك عشان تنساك.. إنت تشوفها خانتك.. وهذا من حقك مدام شفت منها الغلط.. بس يُمّه هي ندمت.. واعتذرت.. وعندها تبرير في قرارة نفسها إن ممكن ينقذها من اتهامك.. أنا ما أبرر لها يُمّه.. بس لو في ايدها جان رَجَّعت الزمن وما ارتكبت هالأخطاء.. بس ما يفيد.. الخطأ انوجد يا عشان نتعلم منه.. أو عشان ندل طريق الصواب ونتجاهله.. وهي تعلمت.. وأول شي سوته انفصلت عن أحمد.. ولو تسمح لها جان أفصحت عن أسبابها واعتذرت منك عن اللي صار في لندن.. بس إنت قررت ما تسمع وتمضي في حياة ثانية.. وهي من حقها بعد تبدأ حياة مُريحة.. مو شرط مع هذا اللي شفته.. ما تدري وين نصيبها.. لازم تتقبل إنها في يوم من الأيام بتكون حليلة رجَّال غيرك.. وبيكون عندها عيال بعد.. مثل ما هُو حقك.. فهو حقها "أرْدَفَت بابتسامة ناعِمة ونظرة مُحِّبة الْتمعت وَسَط مُقْلَتيها" فيصل إنت مثل أبوك.. تحب بجنون.. والحب يسيطر عليكم ويسيركم.. أنا الله رحمني وما غلطت مع أبوك.. لكن جِنان ما انتبهت.. وقد تكون أسرفت في الغلط. تَساءَلَ بهمسٍ مُحاولاً أن يُغَيِّر طَريق أَفكاره: يُمّه شلون أبوي حبّش؟ ضَحَكت بخفّة: فيصل شهالسؤال! ابْتَسَم وهُو يرفع عينه لها: يُمّه احنا بس ندري إنّه كان يحبش.. بس ولا مرة سمعنا منكم قصة الحب قالت بِخَجل يُليق بها: ما في قصة حب ولا شي.. "قالت وقلبها يَسْترجع ذكريات بريئة" بس كنت أروح المعلّم.. اللي هو جدّه.. يعني في البيت العود كانت الدروس.. البيت كان كبيـر.. مثل بيوت أول.. من غير سقف والغرف دار مدار البيت.. كان لكل عايلة غرفة أو غرفتين.. غرفة لجدك.. وغرفة لأعمام أبوك.. وهو أبوك كان يراقب من دريشة الغرفة "بضحكة واصلت وهو ابْتسامته تَتسع من الحُمرة الجَميلة التي عانقت وجْنتيها الحَبيبتين" يقول لي كنتِ أقصر وحدة في البنات.. نتفة.. غايصة في البخنق اللي يزحف على الأرض.. وقذلتش السايحة فوق عيونش خلتني أتخيل إن شعرش طويـــل وحرير.. وقلت لازم أتزوجش عشان أشوفه أَكمل عنها بابتسامة واسعة: وما خاب ظنه هَزَّت رأسها وهي تضحك بنعومة: ما خاب قال بمشاكسة: بس عاد يُمّه شهالسبب اللي تزوجش عشانه.. عشان شعر! ضَربت كتفه بخفّة وهي تقول بنبرة: عيارتك.. خلني ساكتة يا قاطف التوت عَقَّب وابْتسامته تميل بخَيْبة ومن نبرته سَمعت الألم: يُمّه التوت ما عاد لنا.. هجرت أرضنا شجرته شَدَّت على كَتفه وفي عيْنيها نَظْرة جادة وحازِمة: حبيبي اخترت ياسمين.. والبنية واضح إنها تحبك.. وخلاص كلها جم يوم وتعيشون فعلاً كزوجين.. هذا قرارك وأكيد إنت ما اتَّخذته إلا وإنت مقتنع فيه مئة بالمئة صح؟ أَطْبَقَ شَفتيه ونَبْضٌ داخله ارْتَعَدَ فَزَعًا.. بَحث عن إجابة.. لكن دُخول والده أنقذه قبل أن يتورط بجوابٍ رَكيك.. قال والده مُوَجِّهًا الحَديث إليه وهو يقف أَمامهما ويده تستقر عند خِصره باعْتراض: وأنا كلما أدخل عليكم أشوفك ماخذ مكاني؟ اتَّسَعت عَيْناها باسْتنكار من جملته: ناصـــر! تساءَل وكأنَّهُ لا يدري: شنو تستحين من ولدش؟ جَلَسَ فيصل وهو يقول بضحكة: يُبه توها مسكينة تقول لي شلون كنت تراقبها في بيت جدك وهي ميتة من الحيا ابْتَسَم وكَأنَّما الذكرى غَمرته بدفئها.. نَظَرَ لها والحُب الذي كان يَسْكن عَيْنيه قَبْل أَرْبعين عام لَم يُهاجِر ولَم يَسْتقر في ماء غير مائها.. بل زَكى وتضاعف حُبًّا وألف حُب.. هَمس وهو يعود ببصره لابنه: تدري إنها ما تغيرت؟ للحين مثل ما هي وقفت وهي تهمس بِخَجَلٍ لَم تَشوبه شائبة: اي قص علي.. شوي وتقول عمري عمر العشرين "انْحَنت لِتَترك على جَبين ابْنها أَمانًا آخرًا، ثُمَّ هَمسَت وهي تحتضن وجهه" حبيبي اتّكل على الله ورشّح قلبك وعقلك من كل شي ينغص عليهم.. سَو اللي إنت تشوفه صح وأهم شي إنّه يريحك قَبَّلَ كَفَّيها وبامْتنان وحُب لا يُضاهيه شيء: بعد عمري يُمّه.. الله يخليش لي ولا يرحمني منش ابْتَسَمت لهُ برِضا: ويخليك لي حبيب قلبي.. تصبح على خير يُمّه بادلها الابتسامة: وإنتِ من أهل الخير اسْتدارت لزوجها الذي أشار لنفسه: اللحين بعد ما عطيتين ولدش كل الحب شنو بقى لي؟ والله صدقت جود يوم قالت إنش تحبينه أكثر واحد رَدَّت بثقة وهي تقف بجانبه: إذا بتقارن نفسك فيه فأي.. أحبه أكثر منك عَضَّ على شفته وكأنّه يتحسّر: لو على كيفي جان خليتش عنده عقاب.. لكن للأسف "أشار لعينه" هالعيون ما تغمض إلا في حضنش بقهر قالت وهي تخطو مُبتعدة عنه ووجهها يحمر من جَديد: أنا أروح عنك أحسن لي.. صاير ما تستحي اليوم غادرت الشقة ومن خلفها تعالت ضِحكتان.. ضحكة زوجها.. الرُجل الذي عَشَق ففاز.. وضِحكة ابْنها الذي عَشَق ولَم يخسر.. لكنّهُ قُتِل بسهمٍ غَدَّار وَسَط المعركة. ,، جالِسَةٌ على المَقْعَد تُسَرِّح شَعْرها المُحْتَفِظ ببعض الماء أَمام المرآة.. يَداها تَتَحَرَّكان بآلِية، فالحِسُّ لا زال مُعَلَّقًا هُناك.. على مَشْذَبِ أَهْدابه التي ناغَاها حُبٌّ حَديث الوِلادة على مَرأى من قَلْبها.. كانت تَمْضي في خُطتها والانتقام حاديها والحُب كَذلك كان مُسَيِّرًا لخُطواتها.. لَم تَلْتفت لاحتمالية الخَسارة، وَلم تنظر للوجه الآخر من الخطة.. وَجَّهت غُرورها نَحْو النَّجاح لا غير.. صَدَّت عن كُل الخسائر لتظفر بالفَوز.. دُون أَن تعلم أنَّ الفوز سَيتجاوزها لِتَتَلَقَّفها الخسائر على غفلة من ثقة. أَجْفانها كانت مُكَحَّلة باحْمرارٍ خَفيف.. يُشْبِه أَثَر الحِرق المُلْهِب.. نَعَم دُموعها أَحْرَقت أَجْفانها.. بَكَت وبَكَت وبَكَت.. ولَم تَكْتَفِ إلى الآن.. ها هي دَمْعة تَمْلأ مُؤق عَيْنها الذي لَم يَتحَمَّل ثِقلها؛ فاسْتفرغها على وَجْنتها المُتَضَرِّرة من الاحْمرار نَفْسه.. لَم تَكُن تُريد مَسْحها.. أرادت لقلبها أن يَتذوق مَرارتها لَعلَّهُ يَفيق من نَشْوة حُبٍّ أَبْله.. لِكنَّ يدها اضَّطرت أن ترتفع بارْتباك لطرف وجهها لتمسحها حينما طُرِقَ باب غُرفتها.. ابْتَلَعت نبراتها المُتَّخِمة بالبُكاء.. رَشَّحت صَوْتها ثُمَّ قالت: ادخل يُبه حاولت أن ترسم ابْتسامة على شَفتيها الجافَّتَيْن عندما اتَّضح لها وَجْهه.. لكن الابْتسامة خَرَجت شاحِبة ومَبتور نصفها.. اقْتَرَب منها بعُقدة بين حاجِبَيه وهو يَتساءل: يُبه ليش جذي وجهش أحمر؟ أَجابت بهدوء بالكاد مَسَّت أَطرافه: ولا شي يُبه.. بس.. تسبحت بماي حار.. وتعرف جسمي بسرعة يتحسس نَصَحها: يُبه اتركي عنش الماي الحار.. الجو من غير شي حر.. المُكيّف شَغَّال.. إذا ما تقدرين على الماي البارد عالأقل خليه دافي ولا تضرين جسمش هَزَّت رأسها: إن شاء الله "انْتَبَهت لابْتسامته ونظرته المُشيرتان لشيء تَجهله.. اسْتَفسرت" يُبه في شي؟ تبي شي؟ وهُو يَتَّكئ بكفّه على منضدة مرآتها: كنت أبي أقول لش شي وهي تُحاول أن تُصفّي عقلها لتنتبه له: اي يُبه تفضل اسْتَهَلَّ حديثه ببضع كلمات فَهمت منها مروة مَغْزى الموضوع: أدري يُبه إنش رافضة فكرة الزواج هالفترة.. وأي واحد يتقدم لش ترفضينه.. وأنا محترم قرارش مدام هالشي يريحش.. وهالمرة خواتش قالوا لي ما أعطيش خبر وأرفض مباشرة.. بس أنا مارضيت بعتاب: ليش يُبه؟ جان والله أريح لي بدل ما أعيد الأسطوانة من جديد أَوْمَأ برأسه يأمرها بالتروّي: ما عليه يُبه سمعيني هَمَست على مَضَض: إن شاء الله : أنا ما حبيت أرفض من غير ما أعطيش خبر لسببين.. الأول لأن ما يجوز لي.. من حقش تعرفين بخطبتش حتى لو كنتِ رافضة.. يمكن هالمرة سبحان الله تتقبلين وتوافقين "أرادت أن تقاطعه لكنّه رفع يده أمامها لِيُكْمل" والسبب الثاني عشان أمش الله يرحمها عُقْدة عَدم فهم وباسْتغراب: أُمّي! شدخل أمّي؟ أَجابَها ولَم يَعْلَم أَنَّهُ أَهْداها عُمرها الآتي بَعْد أن ظَنَّت أَنَّها فقدته للأَبد: لأن الرجال اللي خطبش مني ولد وحدة من أعز صديقاتها.. هو ما عرفنا.. بس أنا عرفته.... عبد الله، ولد أم عبد الله.... ولد بلقيـــس. انتهى |
اقتباس:
الشُكر لكِ عَزيزتي. اقتباس:
ههههه وَضَح اللحين حق من الهدية.. ايــه والله.. الولد وخاله مو مترقعين مساكين ومروة هذي هي بدأت تقرّب من بلقيس.. بنشوف من اللي بيفوز في النهاية بينهم. ههههههه حبّيت بلبيس.. يناسبها صراحة.. والمسكينة ياسمين كسرت خاطري مرة وحدة أشركتينها في الزَّف بس فعلاً عايشة الجذبة ومصدقتها.. وفيصل.. الغيرة توها.. جايتكم الأحداث اللي فعلاً بتحرقه. أتوقع بعد هالدعاوي سلطان انسحب من الرواية وسَكَّر الباب وراه هههههههه ظهوره راح يشتد.. وراح نرجع للماضي اللي نحتاجه بقوَّه في الفصول القادمة. على الرغم إن الحديث عن ملاك ومحمد، بس بعد بلقيس وسلطان الدعوات عليهم متواصلة :) فعلاً التقوا محمد وملاك.. وكل شي اللحين بيتوضح.. سواء من ناحية ماضيه أو من ناحية قضية والدها. وترى لعيونش ذكرت شلون ناصر عرف ليلى.. الموقف كان في بالي من زمان.. بس قلت مُمكن ما له أهمية فتركته.. لكن عشانش أدرجته في هالفصل. حبيبتي والله واضح الطّيبة على الرغم من الدعاوي ههههههه.. بس الطّيب ينعرف مهما يصير. تُشكرين حبيبتي على التنبيه.. والله أشرت للقدر بما أن القدر من الله أساسًا.. فكانت عائدة لله، بس لو كان فيها إشكال.. فإن شاء الله بحاسب مرة ثانية وما بذكرها، حبيبتي ويحميش يا قمر.. مَشكورة. هههههه يارب يحفظه لها.. البنت ميتة خوف عليه. تسلم ايدش حبيبتي على التعليق الشيّق والخفيف على القلب.. أسعد بتعليقاتش شُكرًا لتواجدش وكلماتش.. تنوريني دايمًا. اقتباس:
مَساء الخير حبيبتي صَحيح.. هذا تكملة الموقف في الماضي طَلال أنجرف ونور للأسف لَم تكن واعية والتي إلى الآن لا تعلم بحقيقة ما حدث. ههههه والله المفروض.. غير إنها في الحقيقة جميلة كما ذكرت من قبل لكن رُوحها للأسف بعيدة كل البعد عن الجمال. تفضلي اخنقيها.. لولو ما قَصَّرت فيها بعد. اللقاء قَريب جدًا.. بينا وبينه رُبَّما فصل. ياسمين مستمرة وتحارب إلى الآن.. ننتظر ردة الفعل من فيصل. ههههههه المسكينة انفجعت.. رايحة تتطمن عليه وما شافت نفسها إلا تحت رحمته بس على الرغم من صعوبة الموقف عليها.. إلا إنّه كان خيرة لهما. هدية عبّود ذكرها في الفصل الأخير اللي نزل اليوم *_^ الشُكر لكِ حبيبتي لا تحرميني من هالطَّلة وأعذروني جميعًا على التأخر في التعقيب. |
الساعة الآن 04:29 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية