منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f498/)
-   -   ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي (https://www.liilas.com/vb3/t200312.html)

مفاهيم الخيال 16-03-19 02:20 AM

رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
 
شكرا لك ياجميله

simpleness 17-03-19 11:12 PM

رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
 

بسم الله الرحمن الرحيم
توكلتُ على الله

الجزء الثاني والخَمسون
الفصل الثاني


سَحَبَ قِطعة مِنديل من العُلْبة التي بَدت لهُ خَفيفة، رَفعها لينظر داخلها فاتَّضحَ لهُ نَفاذها.. تأفف وهُو يَمْسحُ أنفه الذي بدأ يَزْحف إليه احْمرارٌ خَفيف.. بوادر مَرض.. يَتمنى أن يقتصر مرضه على الزُّكام وألا يتطور لإنفلونزا تَسْلب قوة عِظامه. وَقَفَ يُريدُ أن يَذهب للمَخْزن لإحضار علبة مناديل جَديدة.. ومع وُقوفه ارْتَفعَ صَوْت هاتفه.. تناوله من على مكتبه لِيُجيب وهُو يمشي للباب: هالو هاينز
هاينز بنبرة اجْتمعت فيها العصبية مع القهر: أيــن أنت؟ مُنذ الصَّباح وأنا أُحاول مُحادثتك.. لِمَ لا تُجِب على هاتفك؟
أَجابَ ببرود وهُو يخرج من المَكتب: كنتُ أعْمل
بذات النبرة: ألا ينتهي هذا العَمل؟ من غير المَعقول ألا تملك دقيقة في اليوم تحادثني فيها! تبًا لك أيها الأخرق
نَطَق وابْتسامته تُسْمَع في صوته: ما بك عزيزي هاينز؟ أَلم تَلتقِ بحبيبتك اليوم؟
تَجاهلهُ مُفْصِحًا عن سؤاله: هل كلمك والدي اليوم؟
بنبرة عادية وهُو يُخْرِج علبة جَديدة: لا لم يُكلمني.. في الحَقيقة هُو لَم يُكلمني مُنذ أكثر من أُسْبوع
اسْتَفسر كما لو أَنَّهُ يُحَقِّق: وماذا قال لك عندما كلمك؟
شاكَسه: لا صلاحية لدي للإخبارك
نَطَقَ من بين أَسْنانه: مُوهاميـــد
سَأل بجديّة مع اسْتقراره على إحْدى أرائك غُرفة الجُلوس: ما بك؟ صوتك مُتوتر.. لا تبدو على ما يُرام.. هل حصل شيء؟ "وَصَلته تَنهيدته المُشيرة إلى حَجْم الثِقْل المُتَّكئ على نفسه.. لذلك واصل باهْتمام ويده تفتح العُلبة" هل هُناك مُشكلة هاينز؟ أخبرني.. إن كان يمكنني المُساعدة فسأساعدك
أَجابَ ونبرته تهوي إلى قاعٍ هادئ ولكن يَضج بخفايا اعتاد عليها مُحمَّد: أنت الذي تحتاج المُساعدة.. لستُ أنا
عُقْدة خَفيفة: ماذا تقصد؟
راوغه: أنتَ أخبرني أولاً.. هل أخبرك والدي عن قضيّة ذاك الرجل.. أَمَّار؟
صَحَّحَ له كعادته: تقصد عَمَّار؟ نعم أخبرني بأنَّ رفيقه طلبَ منهم هُنا بفتح الملف لإعادة التحقيق في قضية موته
: نعم.. قضية موته.. أو مقتله كما يعتقد رفيقه.. ووالدي أيضًا
مُحَمَّد بعدم فهم: حَســنًا! وما المُشكلة في هذا الأمر؟
وَضَّحَ: والدي يُريدك أن تعمل على القضية أنت أيضًا "انتظر منه تعليق لكن مُحَمَّد ظلَّ صامتًا ينتظر تفسيرًا أكثر إقناعًا.. فَأكملَ هاينز كاشِفًا عن عُقَد قَلَقه" هُو سَبَق وأخبرك أنَّك ستعمل مع رفيق أَمَّار.. ذلك المُدعى أزيز.. لكن ظننت أنَّك ستعمل معه فقط على قضية والد إنْجِل.. والعصابة.. لَم أتوقع أنَّ العمل يشمل قضية رفيقه
: هاينز.. أنا إلى الآن لَم أفهم ما المُشكلة!
ارْتَفَعَ صوته بِحَنَقٍ وَنفاذ صَبْر: أيها المَجنون.. أنت ومع عملك مع قضاياك الأصلية ستكون مُهَدَّد بالخطر.. قُد تُقتَل في أي لحظة.. كيف إذا شاركت في قضية أخرى؟ وليست أي قضية.. مقتل مُحقّق.. مُحَقّق.. ألا تعلم ما هي نوع القضايا التي كان يحقق فيها؟ أنت لو تَرى جثته وجرح ذراعه ستعرف الجواب
رَماهُ بِسَهمٍ جَليدي لَسَعَ جواه القَلِق: وهل هي المرّة الأولى التي أكون فيها مُهَدّد بالخطر؟ أنا مُذ التقيت بوالدك لَم يَزرني الأمان قَط.. لَم أعد أعرف شعور المرء وهو مُطْمئن حتى في وطنه.. سواء كُنت مُشارك في قضية أو اثنتان أو عَشر.. مهما كانت الضحية.. فأنا في أي وقت ومكان قَد أُقْتَل.. تقبَّل الواقع هاينز "وبسخرية أَضاف" ألم تَعْتَد على قصة حياتي بَعْد؟ أصبح الأمر أسلوب حياة بالنسبة لي
هَمَسَ وأنفاسه المُرتجفة تستجدي من مُحَمَّد الحَذَر: ولكن خَطَر عن خَطر يختلف.. اكتف بالأهداف الموجهة إليك.. لا تُضِف هَدفًا آخر إليهم.. اعْتنِ بقلبك.. أرجوك مُوهاميـد.. لا تَستعجل المَوت.. أرجـــووك
تَبَسَّم.. ابْتسامة تَخْلو من سُخْرية قَدر ومن شُحوب.. ابْتسامة كانت توأمًا للصْدق الذي غَمَر صوته: شُكْرًا لك هاينز.. شُكْرًا لخوفك واهتمامك.. شُكْرًا لأنّك الشيء الوحيد الذي أهدتني إياه هذه الحياة
اسْتَنكرَ: ماذا تقول! أنا سأفقد أعصابي من خوفي عليك وأنت تشكرني! بالله عليك موهاميــد عامل نفسك كإنسان.. ولو لمرة.. ولو مرة!
عادَ لشرنقة بروده: هاينز لا داعي لإعادة سَرْد مأساة فقدي.. لقد سمعتها مني ألف مرة وبأطوار مُختلفة.. الأمر مفروغ منه.. اتفقنا أنا ووالدك وانتهينا.. خوفك هذا لن يغير شيء.. إما أن تتقبَّل الأمر، أو أنَّك تتعايش مع قلقك وحدك.. لا داعي لأن تبثّه إلينا
احْتَكَّت أَسْنانه بقهر والكلمات تدافعت في حلقه لتُعَبّر عن غضبه، لكنَّها تصادمت من شدّة الغيظ وتعرقلت.. فلم تنفذ إلا كلماتٍ مُتقاطعة: وغــ.. أيها الأحمق.. مجنون.. مجنــوون.. لكن لا شأن لي بك.. أحــمق... لن أكلمك بعد الآن.. مُــت وحدك.
أَبْعَد الهاتف وأَخذَ يَنْظر إلى شاشته بحاجبَيْن مُرْتَفعَيْن.. هَمَسَ باسْتنكار: شفيه هذا!

أَغْمَضَ عَيْنيه بانْحناء مُسْتَجيبًا لنوبة العُطاس التي داهمته دُون أن تعطيه مَجال لِيَتَنَفَّس، الزُّكام مُقْبِل بشراسة.. زَفَرَ بتعب وهُو يَتراجع للخلف لِيَسْتند على الأريكة برأس مَرْفوع.. ويده قد ارْتفعت مُثَبِّتة المَناديل فوق أَنفه.. فَتَحَ عَيْنيه لِيَسْتَقبل بَصرهُ السَّقف.. ازْدَرَد ريقه قَبْلَ أن تَنْتَصف شَفَتيه ثَغرة صَغيرة تُعينه على التَّنفس.. عليه أن يشْرب دواء قَبْلَ أن يَتَأزَّم الوَضع.. فالصَّداع ها هُو يُمَهِّد لهُ بقدومه.. وَعضلاته قَد ارْتَخَت باسْتسلام اسْتعدادًا للألم. أَخْفَضَ رأسه مُعْتَدِلاً في جلوسه.. وَقَفَ ثُمَّ أَلْقى المَناديل في سَلّة المُهْملات القَريبة ومن بعدها الْتَقَط له أُخرى نَظيفة.. كان يُريد أن يَتَوَجَّه للمطبخ من أجل الأدوية.. لكن باب غُرفتها المَفْتوح غَيَّر وِجْهته.. لَقد تَطَوَّرت في الأيَّام الأخيرة، باتت تترك باب غرفتها مَفْتوحًا أثناء عملها أو قراءتها أو حتى عندما تُشاهد التلفاز.. وكَأَنَّها تُخْبِره أَنَّ راحة وثقة قَد تَسَلَّلتا إلى قَلبها من ناحيته. تَوَقَّفَ على بُعْد خُطْوة واحدة من الدّاخل، كانت جالسة وَسَط سَريرها أَمام حاسوبها.. ساق مَطْوية والأُخرى ارْتفعت لِتكون رُكْبتها مُتَّكَأً لذقنها.. تَأَمَّلتها عَيْناه مُطَوَّلاً وَعُقْدة خَفيفة قد قَرَّبت حاجبيه.. هي مُخْتلفة اليوم.. ولكن لا يدري كيف ومن أي ناحِية! حَرَّكت يدها لِخصلاتها، وبنعومة أَبْعدتهن عن عينها إلى خلف أُذْنها التي لِفَت انتباهه عُرِيَّها من قِرْط.. وبحركتها هذه أَجابت عن سُؤاله.. فهي قَد أَبْدَلت الأسوْد والألوان القاتِمة الباعثة على الكآبة.. عَلى الرغم من أَنَّها لَم تَتَخَلَّ عن الأكمام الطَّويلة.. إلا أَنَّها كانت تَنبض أُنوثةً في ثَوْبٍ حَريري أُرْجواني، تَمازج مع صِبْغة جلدها المُميزة لِتُشَكِّلان هالة تَجذبهُ لها بلا هوادة.. غريبٌ كَيْف أن لوُجود الأنثى في حياة الرَّجُل أَثَرًا في عَيْنيه.. فبعد سِنين من العَمى يَبْدأ يُبْصِر الرَّبيع، كَزَهْرة تَتَفَتَّح بَيْن أَهْدابه. هي لا تَمْتلك فَقط صُورة الرَّبيع.. هي أيْضًا تمتلك رائحته! كُلَّما فُتِح باب جَنَّتها حَلَّقَ إليه عطر أَذْفَر يُعانِق بِرِقّته رجولته الخَشِنة، فَتُطالب بِمَزيدٍ أَسَفًا لا يَستطيع أنَ يَظْفر به.. هُو حتى لن يُحــ... قاطعَ العُطاس بَوْح ذاته الصامت وكذلك نَبَّهها لوِقوفه.. نَظَرت إليه وعلى وجهها علامات التَّعَجُّب والاستنكار.. وسؤال واحد رآه يُومض فَوق رأسها.. منذ متى هُو واقف هُنا؟! مَسَح أَنفه ثُمَّ قال ببحَّة: آسف على الإزعاج
هَزَّت رأسها وبهمس: لا عـادي
زَمَّ شَفتيه دَلالة على الحيرة وهُو لَم يَتحرّك من مكانه.. اتَّكأ بباطن يده على جانب الباب وعَدستاه تَمرّان على الغرفة ثُم تَعود إليها.. نطق ورغبة ذاته المُتَلَهِّفة للشّفاء تُحَفّزه: كنت أبي أكلمش في موضوع... موضوع الوالد الله يرحمه
أَخفضت شاشة الحاسوب.. تحَرَّكت تاركةً السَّرير.. احْتَضَنت يسارها بيمينها وهي تشد عليها.. تَرَدَّدت وتَبَعثر بَصَرها لِيَهْرب من نظراته وعَيْنيه.. هي اسْتَمعت لحديثه في الهاتف قَبْل دقائق، والذي لَم تفهم منهُ كلمة واحدة.. ووصلها صوت عُطاسه ومن ثُمَّ فترة صمته الأخيرة.. لكنّها لَم تتوقَّع أن يأتيها إلى هُنا.. لا بل ويُريد أن يتحدث معها عن موضوع والدها.. وو والأهم من ذلك.. تشعر أَنَّهُ يَرْغبُ في مُحادثتها هُنا.. في غُرْفتها.. وكأنَّه قَد فَهَم الرِّسالة التي رَمت بها إليه من خلال فتحها لبابها. جاءها صَوته من جَديد: إذا ما تبين نتكلم اللحين على راحتش.. أي وقت تبينا نتكلم أنا موجود
بَلَّلت شَفتيها قَبْل أَن تُجيب بِتَرَدّد ويَدها قَد ضاعفت من شَدِّها: أوكـي... اللحين "أَشارت للأريكة الجانبية" تفضّل
تَقَدَّم للداخل حتى جَلَس على الأريكة وهي عادت لتجلس على سَريرها.. نَطَقَ بجديّة: مَلاك.. قبل ما نتكلم في الموضوع.. في شي أهم "نظرت لهُ بترقّب وهُو أكمل" لازم شوي نبدا نتعامل مع بعض بشكل طبيعي.. يعني أقصد "وَضَّح حتى لا تُسيء فهمه".. أقصد نبتعد عن الرسمية شوي ونخفف من الحواجز "اقترح" خل نتعامل مع بعض مثل الاخوان.. أو.. مثلاً رفقاء سَكن.. أي شي.. بس عشان نقدر نتكلم بأريحية "تساءَل" فاهمتني؟
حَرَّكَت رَأسها بالإيجاب قَبْل أن تَقِف وتَتّجه إليه.. اسْتَقَرَّت عند زاوية الأريكة دُون أن تنظر إليه.. مَدَّ يَدهُ إليها بِتَعمُّد وهُو يقُول: خلاص اتفقنا؟
أَدارت رأسها ناحيته، نظرت ليده ثُمَّ رَفعت عَيْنيها إليه باسْتفهام.. هَمَس يُجيبها: مُصافحة العلاقة الجديدة "مالَ بيده قَليلاً لِيُرْدف مُشيرًا إلى ساعده" ايدي ملوثة حاليًا
أَرْخت يدها ببطء وعَيْناها لَم تُغادِران ساعده.. حرَّكتها مع احْتلال الجيش الأحْمر لوجْنتيها واحْتكار ابْتسامة الخَجَل لِشَفتيها.. وبخفّة وارْتعاشٍ بَسيط عانَقَت أناملها النَّحيلة ساعده الصَّلْب.. لا يدري هل ارْتعاشها انْتَقلَ إليه.. أم أنَّ نبْضه قَد وَلَّد ارْتعاشًا خاصًّا به؟ ولا يدري، هل صافَحتهُ أَناملها النَّاعِمة.. أم أَنَّ الحَرير الذي تَرْتديه قَد داعبه؟
ازْدَرَد ريقه وهُو يَشْتم نفسه في داخله.. غَبي.. غَبي.. مجنون مثلما قال هاينز.. يُلاعب النّار هُو، بجُرأة يُلاعبها ومن دُون خِبْرة.. لَهيبها يُحَذّره.. وشَراراتها تَلْسعه لِتَترك فيه وَجَعًا وأَثَر يُذَكِّرانه بخُطورة ما يفعله. هي فقط ثوانٍ بسيطة تلك التي حَدَث فيها اللقاء بين أناملها وساعده.. تَنَحْنحَ وهُو يُحاول أن يَنتزع تأثير اللحظة من حواسه.. هُو حَقيقةً لَم يَكُن يُريد مُحادثتها عن قضية والدها.. لكن عندما قَبَضت عليه مُتَلَبّسًا بَحثَ عن كذبة تنقذه ولَم يَجِد غيرها.. وليكون صَريحًا.. كَذَّب كذبته لتدعوه إلى غرفتها ويُشْبِع رئتيه برائحتها. شَبَكَ أَصابعه وبتساؤل: شتعرفين عن قضية أبوش؟
تلقائيًا ارْتفعَ رَأسها بثباتٍ مَهْزوز لِتُجيب بِصَوْتٍ تَدَثَّر بالثّقة: أعرف إن أبـ ـوي ما انتحر مثل ما يقولون.. قتلوه
سؤال آخر: وليش واثقة هالكثر! عندش دليل؟
هَزَّت رأسها ومشاعرها تَتَدَفَّق من عَيْنيها لِتُغْرِق مَلامحها: اي عندي.. مو دليل مَلموس.. ولا دليل جنائي.. دليلي إيمان أبوي وثقته في رب العالمين.. لفترة قبل مقتله عانى وتعب وتعذّب بطريقة بشعة.. لكن صبر واتَّكل على ربه.. من المستحيل إنّه يلجأ للانتحار في وقت كانت فيه أموره متحسنة
وكأنّهُ يُحَقِّق: كنتِ موجودة في البيت حزّتها؟ كنتِ شاهدة على شي؟
هَزَّت رَأسها بالنفي ورياح تلك الليلة السوداء عَكَّرت صَفْو عَيْنيها.. وبهمس: لا.. كنّا رايحين عرس.. أنا وأمي.. بس يوسف كان مع أبوي في البيت
: عشان جذي يوسف تعرض لردة فعل عنيفة
: صحيح.. "عُقدة خَفيفة بين حاجبيها" بس تحسَّنت حالته لفترة طويلة.. صحيح كان انطوائي بطريقة واضحة.. يعني ما كان مثل الشباب اللي في سنه.. من المدرسة للبيت ومن البيت للمدرسة.. لين ما اشتغل وتزوج.. بس في السنوات الأخيرة.. انتكست حالته.. ومسكينة... زوجتـ ـ
أَجْبَرَت نَفْسَها على التَّوقْف هُنا.. لا تَسْتطيع أن تُواصل أكْثَر.. فليس من حقّها بَثَّ أسرار شَقيقها وَزوْجته.. قال هو: كملي.. ليش وقفتين؟
وَضَّحت ويَدها تعود لشدّها: شوي الشي خاص.. يعني بينه وبين زوجته.. ما أقدر أقولك شي من غير إذنهم
هَزَّ رَأسه بتفهم: مو مشكلة "اسْتَفسرَ مُجدّدًا" زين من المسؤول عن علاج يوسف؟ يعني من اللي مهتم في دكتوره وأدويته وهالأمور
: عمّي سلطان
كَرَّر الاسم ببطء: ســلطــان
هَزَّت رأسها: أي عمي سلطان.. هو كان صديق أبوي المقرب.. أقرب واحد لأبوي.. من طفولتهم مع بعض.. مثل الأخو له.. اهتم بيوسف من أول مرضه للحين
هَمْهم: اي فهمت.. لكن أنا ولا مرة شفته!
: هو على طول مشغول.. وشغله كله برا.. قليل إذا يبقى اهني.. حتى حور ما تشوفه واجد
وتحقيقه لَم ينتهِ: وزوجة أخوش ما عندها أخوان أو خوات؟
: لا والله.. وحيدة أمها وأبوها.. أمها بعد ما ولدتها تعرضت لمشكلة وما صارت تقدر تحمل
أَدار وجهه جانِبًا ليعطس وهي همست بـ "رحمك الله".. رَدَّ بهمس: يرحمنا ويرحمكم "اسْتَطردَ وهَو يَعود لأشهرٍ مَضَت" من خلال مُلاحظتي.. اتَّضح لي إنش متابعة قضية والدش بشكل كبير.. كبيــر واجد
التَفتت عنه بحرج وهي تُبرر بهمس: لأن الشرطة أغلقوا القضية على إنّه منتحر.. وأنا أخذت عهد إنّي اكتشف المُجرم لو كلفني أي شي "أَنْكَسَ الأَسفُ رَأسها وقلّة الحيلة فاضت من كلماتها" بـس.. فشلت.. وخسرت كل شي.. للأسف.. "غارَ صَوْتها من ثِقْلِ حُزْنٍ أَقْسَمَ أن يَقتات على بقائها" وما كلفنــ ـي شي عـادي.. كلفنـ ـي.. كلفني.. أغـ ـلى شي.. تملكه البنـ ـت
وَجْسٌ اخْتَرَقَ الجَليد بدفئه المُنْدَفِع لِيَنْفَذ إلى رُوحها: غلطـانة "نَظَرَت لهُ ومَوْجٌ آسِن يُشاغِب سَواد عَيْنيها، وهُو واصَلَ بهمسه مُطْعِمًا ذاتها ثِقة هُو نفسه يفتقر إليها" إنتِ مُجرد ضحيَّة.. إنتِ طاهرة، والطاهرة ما تخسر شي.. أيَّا كان هالشي.. الشرف صَحيح غالي.. لكن إذا الله أراد يمتحن البنت الطاهرة فيه، فما عليها غير الصبر واحتساب الأجر منه.. البنت مدامها محافظة على عفافها وسترها وخجلها فهي ما خسرت شي.. ما خسرت ولا شـي
انْتَهى من بث أَمل كلماته وَلم يَنتهِ جرح أُنوثتها من تحفيز البُكاء.. تَبَلَّلَ وَجْهها حتى أَضْحَت مَلامحها قَمَرًا مخسوف.. غالهُ الفَرح فاعْتَزَل خَلْفَ شَعْبٍ من سُحبٍ مُدَجَّجة ٍبأمطارٍ مالِحة.. هُو في داخله لَم يَتوقف عن شتم نفسه مُذ وَطأت قَدماه أرْض غُرْفتها.. ودُموعها كانت المَنْشأ للنَّار التي حَذَّرهُ لَهيبها من قبل.. لكن هذه المَرَّة لَم يَهْرب، صَمَّ أُذنيه عَن أي ضعفٍ وجُبْن عَدا كلماتٍ نَطَقَ بها هاينز قَبْل دقائق..

" عامل نفسك كإنسان ولو لمرة"

سَيُجَرِّب.. ما الذي سيخسره؟ وإن باغتَته رَدّة فعل غير مُتَوَقَّعة سَيَرْتَجِل.. سيتصرف وسينقذ نفسه.. لكن هُو راغِب.. راغِبٌ في أن يَحْترق.. ذاته تُريد أن تُجَرِّب عَذاب آخر وَوجع جَديد.. لَن تضرّه النتيجة مهما كانت.. فهو مَيّت أَسَاسًا.. وهل يَموت المَرْء مَرَّتيْن؟ قَد يكون الجَواب نعم.. ولكن لا شيء يُضاهي أَلَم المَوْتة الأولى.. لذلك أشاحَ وَجهه عن كُل ما قد يُزَعْزعه.. تأَهَّبَ للنَّار.. فليحْتَرق إن كان في احْتراقه فرصة لِيَكون إنسان، ولو لمرَّة.... حَرَّكَ يَده مُحَلِّقًا بها إلى ملامحها الغارِقة.. وبخفَّة حَنـونة تَجْهَل ذاته كَيْف نَجت من بين خضم المعارك التي جابهها؛ مَرَّرَ ظاهر كفّه على خَدّها.. أَصابعهُ تَعْبر مَلامحها وصوت موسيقى يَرْتفع.. كان كمن يُداعب أوْتارَ كَمَانٍ حَزين.. كان يُقَبِّلها لا بشفتيه، بل بيدٍ واحدة عَزْلاء من أَسلِحة الحُب وثورات الوالهين. هي بردَّة فعل طَبيعية تَجَمَّدت.. تَجَمَّدت فعلاً بلا مُبالغة.. كانت تشعر بأصابعه كنار تَصْهر جَليد وَجْنتيها.. لَم تَسْتَطِع أن تُبْدي أي حَرَكة.. تَوَقَّفت عن البُكاء.. عن التَّنفس وعن الاسْتيعاب.. هي حتى لَم تعد تَرمش.. عَيْناها تُناظِران الفراغ باتّساعٍ مَصْدوم.. آخر ما توقعته منهُ فِعْلٌ كَهذا!

: الأخو ما يحب يشوف دموع إخته

الْتَفَتت له بسرعة لَم تَكن في صالح عنقها المُتَشنّج.. لكنّها تَجاهلت الألم بَحْثًا عن تَفسير لحركته.. ارْتَخى جدار قَلْبها وهي تَسْتمع إليه: قلنا بنكون أخوان وأصدقاء.. وأنا ما أحب أشوف دموع إختي وصديقتي.. أعتذر إذا كنت صحّيت جرحش "وقفَ" نكمل نقاشنا في وقت ثاني.. مابي أثقّل عليش "وهو يَسْتدير" أسْتأذن

خَرَجَ وأَغْلَقَ الباب.. عَيْناها لا زالت صَرْخة الاسْتنكار تَسْكنهما.. لكنَّ التَّجمد بدأ بالنّزوح عن حواسها شيئًا فَشيء.. أخوان.. أخوان.. أو أصدقاء.. لا يقصد شيء.. لَم يُرِد شَيء.. اتَّفقَ معكِ قَبْلَ قَليل مَلاك.. لا داعي للخوف.. تَنَفَّسَت الصُّعداء وهي تَغْمض بارْتياحٍ عَميــق.. كلماته طَرَدت الرُّعب من جَسَدها حَتَّى باتت تشعر بهِ هلاُمًا من شِدَّة خِفَّته وارْتخائه.. لا تدري إن كان يُفَكِّر مُسْتقبلاً في تطوير العلاقة بينهما.. لتكون "زوجة" بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.. لكنَّها الآن غير جاهزة مُطْلقًا.. نعم هي ترتاح إليه.. وبذرة الثِّقة نُموّها في تواصل.. لكنِّها إلى الآن غير مُسْتعدّة أن تَسْتقبل منهُ أفعال تكون تحت إطار الزوجية.. وغير مُستعدة أن تَتفاعل.. فلو صدمها بفعْلٍ كالذي قام به قبل دقيقة لَن يَرَ منها ردة فعل غير الذي رأى.. حتى ولو كان فعل أخوي بَريء.



سألَ مَسْؤول مَكْتبه باسْتغراب وهُو يراه يَضَع طَبَق حَلْوى على الطَّاولة الجانبية قُرْب القهوة: من وين هالحلاو! صار لي فترة أشوفكم تجيبون منه
أَجابه: هذا من محل توّه مفتوح من فترة بسيطة.. المحل اهني قريب من الشركة.. كل بداية أسبوع صاحبته ترسل حلاو وكيك للمباني اللي حوالينه "تساءَل" ما عجبك أستاذ؟
: لا والله عجبني.. ذكرني بسنوات أوروبا "أشار للطبق" أشوف عطني عطني وجيب القهوة بعد
لَبَّى رغبته وقَرَّب منهُ الطَّبق.. قالَ بابْتسامة وهُو الذي يعرف بواطن مُديره: أستاذ صاحبة المحل ما تقل حلاوة عن أكلها
قَضَم من قطعة الحلوى وهُو يُعَقِّب باهْتمام: والله! شفتها يعني؟
هَزَّ رأسه: اي أستاذ شفتها.. علَّمت الأهل عن المحل وطلبوا مني أجيب لهم منه.. يوم رحت كانت موجودة هناك
مالت شفتاه بابْتسامة تُشابه ابْتسامة مُوظفه: قلت لي حلوة ها؟
غَمَزَ لهُ: على مزاجــك
أَشارَ للقهوة ليصب له وبضحكة: زيــن احنا بعد بنروح نشتري للأهل.. خل نشوف منبع الحلى "اسْتَفَسْرَ" بس ما قلت لي تصلح لو ما تصلح؟
وَضَع يَده على ذقنه بتفكير: والله يا أستاذ ما أدري تصلح لو ما تصلح.. بس حتى لو ما تصلح "تَلَوَّنت ابْتسامته بالخَبَث مُواصِلاً" ما أعتقد بتصعب عليك
هَزَّ رَأسه بثقة وتفاخر والحلوى التي تَلَذَّذَ منها لسانه رَغَّبَتهُ بالمَزيد.. مُنذ فترة طويـــلة لَم يُمارس هوايته.. انْشَغَل في العَمل وَضغطه ولم يُكافئ نفسه.. يحتاج إلى جائزة.. يحتاج إلى مُكافأة مُطَعَّمة بالحَلوى.
اسْتَعلم وهُو يَفْتح أحد الملفات: يوسف داوم اليوم؟
أَجابَ: اي مدوام؟
: وشلونه؟
أشار بإبهامه: تمــام التمام
هَزَّ رأسه وبهمس: زيـن زين



تَوَقَّفَت مَرْكبته أَمام المَنْزِل.. نَظَرَ إليه.. شاهِقٌ وأَنيق، مثلما غادرهُ قَبْلَ أكثر من عاميْن.. لَمْ يَتَغَيَّر هيكله الخارجي، لَم تُؤثِّر به الأحداث التي جَرَت.. أَمَّا الأَجساد التي تَتَقَلْقَل داخله، فَقد تَصَدَّعت جُدران ذواتها وبَدَأَ أساس العلاقة بالتَّآكل مُنْذِرًا عن انْهيار أُسْرة. أَوْقَفَ المُحَرِّك ولكنّه لَم يُغادر المَرْكبة.. مُتَرَدّد.. مُتَرَدّد جدًا.. وهو أصلاً غير راضٍ على هذه الخطوة.. واقعًا هُو مُجْبَر من قِبل غَيْداء التي قالت "خلاص كل شي انكشف وتوضّح.. أهم شي احنا قلوبنا تصافت.. ماله داعي البُعْد.. اللي بينا دَم.. مو شي عادي"
إضافة لذلك فإنّ نُور شَجَّعته على الذّهاب ونصحتهُ بتجاهل بَلقيس إذ هي نَفَثَت سُمومها.. واليوم هي لَن تكون في الشقة، واعتاد على روحها وهي تَملئ المكان حَياة ودفء.. فلا يُريد أن يتناول طَعام الغداء لوحده.. فكان كُل ذلك سَبَبًا لوقوفه هُنا. نَظَرَ لهاتفه المُلْقى على مقعد الرَّاكب.. كانت غيداء تتصل.. أَجابَ وهُو يفتح الباب: أنا برا
جاءهُ صَوْتها المُتَحَمِّس: أووكي.. اللحين بفتح لك
ابْتَعَد عن سَيَّارته ماشِيًا ناحِية المنزل.. كان الباب الخارجي مفتوح.. دَخَل وعَيْناه مُباشرة وَقَعَت على غُرْفته.. أو منزله.. عُشّه المُحْتَفِظ بُكل الجراح التي سَكَنَت جَناحيه.. تَوَقَّع أَنَّ أخته هَدَمته.. لكن يَبْدو أَنَّها من شِدّة عَدم اهْتمامها به وبأموره لَم تلتفت حتى لغرفته المهْجورة. أَدَارَ وَجْهه جهة الباب الداخلي.. ابْتَسَم بخفّة عندما رأى غيداء تنتظره بوقوفٍ مائل ويَدُها اسْتَقَرَّت عند خصْرها.. قالت عندما وَقَفَ أَمامها: أنا واقفة انتظرك وإنت ماخذ راحتك تتأمل غرفتك!
عَقَّبَ وهُو يَخْلع نَظَّارته الشمسية: تصدقين اشْتقت لها.. ذكريــااات وايد فيها
وهي تُشير لهُ بالدّخول: للحين مثل ما تركتها.. محد لمس فيها شي
بتعجّب: والله!
هَزَّت رأسها: ايــه.. كل شي موجود فيها.. أغراضك وباقي ثيابك وأفلامك.. حتى المكيف والتلفزيون "ابْتَسَمت له" ما ناقصها إلا إنت
بادلها الابتسامة مع توقّفهما وَسَط المنزل: صدق اشْتقت لها.. بس عايفها

: أكيـد بتعوفها.. لو لها لسان جان شهدت على خيانتك

التَفَتَ جهة الصوت والتَفَت كذلك جِرْحه المُشَرَّع.. يــاااه، مَضَى زَمن مُنذ التقيتكِ... أُختي. نَزَلت العَتبات وَعيْناها مُتَعَلِّقَتان به.. عَيْنان تُصارعان نَبْضًا كان هُو الوَحيد المُقاتل من أجْلِ الحَياة.. رافِضًا أن يُغادر قَلْبها حتى لا تَموت الأُخوَّة فيه.. وَقَفَت أَمامه مع قَوْل غَيْداء المُعْاتِب: يُمّــه.. ما خلّصنا من هالحجي!
لَم تَسْمعها.. كانت مُنْصِتة للحَرْب الضَّارِية داخلها.. ها هُو يَقِفُ أَمامها بعد غيابٍ كانت هي سَببه.. اشْتاقت إليه.. ترفض الاعتراف بذلك.. ولكن للشَّوْق كَلمته.. فهو لَم يُفارقها مُذ كان في العاشرة من عَمْره.. كَبَرَ أَمام عيْنيها، ونَمَت الجراح في ذاته أمام فؤادها دُون أَن تَشفق عليه ولو للحظة.. فهو ابْن حَنان التي تَكْره.. لذلك بَصَقَت عليه كُل أنواع الكراهية والحقد والبغض.. كان عَدوًّا لا أخًا وَحيدًا.. قَهَرَت يُتْمه ونَهَرت سؤال ذاته الباحثة عن العطف.. الأمان والحُب... والأُم. العامان اللذان فارقها فيهما كانا قَحَطًا لَم يَسْتَطِع أي حقد أن ينبت فيه حتى شَوْكًا يملئ الفراغ ولو بوخزٍّ مُؤجّج على الظُلم.. حتى غُرفته، كانت تُخَطِّط لجعلها مجلسًا للنساء.. أو صالة ألعاب لحفيديها.. أو أي شيء يُمْحي أَثَر عَيْشه.. لكنّها لَم تَجرؤ.. فالنّبض الحَي فيها مَنعها من أي فعلٍ ينْحر وجوده من حياتها. اشْتقت إليك طلال.. ولكنّني لا زلت أكرهك.

قالت غَيْداء لتقتطع سِجال العُيون: أنا بروح أشوف الغدا وبنادي بيان وعبّود مرة وحدة

تركتهما بعد أن أَلْقَت عليهما نَظْرة قَلِقة.. تَخْشى أن يتحوَّل هذا الصمت الصّاخِب إلى جدالٍ حام. لكن على العكس.. مَدَّ يدهُ طَلال وبهمس: شلونش بلقيس
قالت بحاجب ارْتَفعَ اسْتنكارًا مُتَجاهلةً يَده: شلوني! تسألني عن حالي وولدي مفارقني من شهور بسببك!
مالت شفتاه بابْتسامة مُتهكّمة وهُو يَتراجع عن مُصافحتها: أعتقد إنّ ولدش فارقش لسبب ثاني.. احنا ما تفارقنا إلا بعد ما خفّفنا ثقل القلوب
وهي تتجّه لإحدى الأرائك وتجلس: ايــه.. أكيد فضّيت قلبك لست الحسن
وابْتسامته تتَقَلَّد بالاسْتفزاز وهو يجلس أَمامها: طبــعًا.. ومن غيرها يستاهل هالقلب؟
أَرْخَت ساق على الأخرى وثعبانها المُلْتوي في فمها نَطَقَ بخبث: هي مو بس تستاهل القلب.. هي تستاهل إنّك تخون ولد إختك عشانها " احْتَدَّت ملامحه وعِرْقٌ نَفَرَ غَضَبًا عند صِدْغه، هي واصلت مُتَعَمِّدةً مُضايقته" إلا ما قلت لي.. شخبار أول ليلة لكم؟ أتوقع ما كان فيها مُفاجآت.. لأنها ما كانت أول ليلة من الأساس
خَتَمَت جُمْلتها الحَقيرة بالنسبة له بابْتسامة ساخِرة زادت من اشْتعال قهره.. نَطَقَ من بين أسْنانه ويده تمَنَّت لو كانت تجرؤ على صَفْعها: متأكّــد.. متأكّــد إن إنتِ سَبب اللي صار ذيك الليلة
شَهَقَت كما لو أنَّها فُجِعَت من الصَّدمة ويدها تُشير لنفسها باسْتنكار: أنـــا! اللحيــن إنت وياها تسوون بلاويكم وأنا أصير السبب!
هَزَّ رأسه يُنْفي احْتمالية خَطيئة نُور: مُسْتحيل نُور تسوي هالشي.. مُستحيل تروح للحَرام.. قولي أنا كنت حقيـر.. مستهتر وبعيد عن ربّي.. لكن نُور ما تسويها "وبثقة شَقَّت طَريق عَيْناه لترفع إصْبع التَّحْذير أمام مكْرها" نُور ما خانت عبد الله ولا لحظة
بغيظٍ تساءلت: وليـش إن شاء الله ما تسويها؟ بنت ناصرو ملاك منزّل من السّما!
لَم يُجبها بل قابلَ سؤالها الحاقد بسؤالٍ غارق في الشَّك: شنو كنتِ مسوية لها!.. إنتِ كنتِ عاطيتها شي؟ شاربة شي هي؟ ما كانت طبيعية أبدًا.. واستفراغها الغريب وكلامها.. كانت مو هي.. أبدًا مو هي!
ارْتَفَعَ حاجِباها ويدها ضَربت على ظاهِر الأخرى اسْتنكارًا: ما باقي إلا تقول إنَّ اللي جت لغرفتك وحدة متنكرة على شكل نور
وثقته تأبى أن تَهْتز: ايــه عادي.. ولا يمكن أصدّق إن هالفعل يصدر من نور
وهي تلوي فمها: اي.. بنت ناصرو الملاك البريء
تجاهلَ سخريتها المَقيتة ليتساءَل باسْتغرابٍ شَديد: إنتِ ليش هالكثر تحقدين على ناصر! شسوى لش المسكين!
نَظَرَت لهُ لثواني بصمْتٍ وعَيْنان بانَ وسَطهما دُخان نارٍ لَم يَخْمدها الزَّمن.. وَقَفَت تَقْتطع النّقاش، وَلم يَفته الهُروب الجَبان الذي طَلَّ من عَيْنيها.. غادرت المَكان دُون أن تُجيب بكلمة.. وهو ظَلَّ يَتَقَلَّب في حيرته.. حقدها الكَبير على ناصر كان سَببًا لرفض خطبة عبد الله لنور.. وكان السبب لمضايقتها لها وإجبارها على طلب الطلاق من عبد الله كما قال لهُ ناصر.. ليس لأنّها علمت بحبّ طلال لها كما تدَّعي.. هذا السبب كانَ سِتارًا للسبب الأصلي.. لأنَّها لو اعْترفت بكرهها لناصر لتهافتت عليها الأسْئلة من كُل حَدْبٍ وَصَوْب.. وبالتَّأكيد لَن تُفْصِح عن الجَواب أو السّر المَدْفون في ذاكرتها.. أحبّته لكنّه رَفَضَ حبّها ليتزوج حبّه.. ليلى.. لكن.. أَيُعْقَل أن يَتَحَوَّل ذلك الحُب القديم إلى حقْدٍ ينشر أمراضه القاتِلة بينهم بلا رَحْمة ولا رأفة!



ضَغَطَ على زر المَصْعد مع تساؤله: تبين نروح مطعم ثالث عقب الموعد؟
انْكَمَشَت ملامحها ويدها ارْتَفعت تُكَمِّم أنفها وفَمَها: لاا بس خلاص.. من غير شي جبدي لايعة.. ما بيها تزيد من الفرارة بالسيارة في هالشمس
: زين شنو بتاكلين؟ ما يصير تظلين بلا أكل
وهي تتقدّمه لداخل المصعد: ما أدري.. أي شي " وبضيق" كنت مشتهية مطعمي المفضل.. بس خساارة "وبنبرة مُتحسّرة" مو نافع لا أكل البيت ولا أكل برا
بمُشاكَسة قال: هذي النساة اللي كنتِ تنتظرينها.. تحملي
مالَ رأسها بتعب: ما توقعتها تجيني بهالحدّة.. ذبحتني
: اللحين إذا دخلنا على الدكتورة بنقولها وبنشوف شنو تقول
فور وصولهما للطابق الواقع فيه مكتب الطبيبة الخاصة بها.. توجَّها للاسْتقبال حيث أخبرتهما الموظفة أن الطبيبة في انتظارهما منذ دقيقتان.. دخلا وهما يلقيان التحية.. قال بسَّام بابْتسامة: عُذْرًا دكتورة على التأخير.. بس كنا ندوّر لها أكل
اسْتفسرت: أكل؟
وَضَحَّت حَنين وهي تجلس على المقعد: دكتورة مو قادرة آكل شي.. كل شي تلوع جبدي منه وعلى طول استفرغ
ضَحَكت: طبيعي يا حَنين
بحرج: بس دكتورة أحس طوَّل الموضوع.. يعني أنا في الشهر الخامس اللحين.. يعني المفروض تنتهي هالسالفة
: لا عـادي.. مو شرط ينتهي.. في حوامل يستمر معاهم هالشعور لين الأشهر الأخيرة.. فالوضع طبيعي جدًّا
اسْتَفسرت: زين شنو الحل؟
: سبق ووصفت لش حبوب اللوعة.. بس ما أبيش تكثرين منهم.. فعشان جذي إنتِ لازم تحطين لش جدول بالأطعمة المرغوبة وغير المرغوبة.. عشان تعرفين شنو اللي تقربين منه وشنو اللي تبتعدين عنه.. وحاولي ما تاكلين في الأوقات اللي يكون فيها جسمش خامل ومسترخي.. أول ما تقعدين من النوم مثلاً.. أو إذا تكونين مستلقية.. وابتعدي عن الوجبات الدسمة.. لأن احتمال كبير يكون الشعور مرتبط بالمعدة
بتنهيدة: إن شاء الله.. بطبّق وبشوف
أَشارت للسرير بابْتسامة: تفضلي عشان نتطمن على البيبي
تَركت حقيبتها على المقعد واتَّجهت للسرير.. اسْتَلقت بعد أن خلعت عباءتها وأعطتها لبسَّام الذي كان يقف بجانب رأسها.. دقائق بسيطة واتَّضَحت لهما الصورة في الشاشة.. تساءلت الطَّبيبة: خبرتكم من قبل إنّه ولد صح؟
أجابَ الاثنين بابْتسامة واسعة وعَيْناهما تَلْتقيان بسعادة بالِغة: ايــه
تساءلت بلُطف: صار له اسم ولا للحين؟
أجابت حَنين: والله للحين دكتورة.. بعدنا نفكر "وبضحكة" شكله بيجي مسكين واحنا للحين ما قررنا
ابْتَسَمت: الله يتمم على خير ويجيكم بالسلامة ويحمل أحلى اسم
رَدَّدا: إن شاء الله
ظَلَّت الطَّبيبة تُحرِّك الجهاز وعَيْناها تُتابعان المَعلومات على الشاشة بدِقَّة.. اسْتَفسرَت حَنين باهْتمام: دكتورة البيبي زين؟
هَزَّت رأسها وهي لا زالت تنظر للشاشة: الحمد لله البيبي زين "اسْتدارت إليها وبنبرة هادئة" بس الواضح عندي إنّه وزنه جدًّا قليل مقارنة بعمره
تَجَهَّمَت ملامحها ونبْضها اسْتجاب بخوف، رَفعت رأسها قليلاً مُتسائلة: يعني شنو دكتورة؟ الشي خطير؟
وضَّحت بأسلوب حاولت ألا تُفْزِع به هذه الأم: لا إن شاء الله حاليًا ما في شي خطير.. بننتظر للشهر الجاي وبنشوف شنو يصير
أرادت أن تَمْنح فؤادها اطْمئنانًا وصوتها هذه المرّة تَعَثَّر بغصَّة: أكيـد دكتورة؟ يعني الشهر الجاي بيصير وزنه طبيعي؟
طَمأنَتها بسرعة عندما رَأت كيف الْتَمَعت عَيْناها بالدّموع: لا تحتاين.. الشي عادي وتواجهه كثير من الأمهات.. بس يتعدل أكلش وتصيرين تتغذين عدل ببتحسن صحته إن شاء الله
بَسَّام وهُو يحْضن كَفَّها: بيكبر إن شاء الله.. هذا لأن إنتِ تواجهين مشاكل في التغذية.. ما في شي خطير.. بس تحتاجين تغذية سليمة.. صح دكتورة؟
أَكَّدت: بالضبط
عادت وأَرْخَت رأسها على الوسادة وهي تَزْدرد ريقها لِتَبْتلع الغَصَّة.. أَحْنى رأسه ليهمس في أذنها: حبيبتي إن شاء الله بيتحسّن وزن البيبي.. بس إنت لا تخافين.. تمام؟
هَزَّت رأسها وأهدابها تتصافق مُصارعةً شَعْب الدُّموع.. وفي صَدْرها قَد كَتَمت تنهيدات قَلِقة ستَظَل تَتضاعف بلا توقف حتى تحتضن ابْنها بين ذراعيها طِفلاً كاملاً. رتَّبَت ملابسها ثُمَّ غادرت السرير وهي تأخذ عباءتها من بسَّام الذي اتّجه للمقعد حيثُ تركت حقيبتها.. وفي هذه الأثناء هَمَست له الطَّبيبة: إذا ممكن أكلمك بروحك
نَظَرَ لها بعدم استيعاب، وقبل أن يسألها وقفت حَنين بجانبه وبابْتسامة طَغى عليها الشحوب: مشكورة دكتورة، الله يعطيش العافية
ابْتسمت لها: العفو حَنين.. أشوفش الشهر الجاي
: إن شاء الله "نظرت لبسّام الذي جَمَدَت عَيْناه في الفراغ" نمشي بسام؟
هَزَّ رأسه بانْتباه: اي.. اي مشينا
رفعت يدها حنين للطبيبة: مع السلامة
غادرا مكتب الطبيبة بصمتٍ اسْتمَرَّ حتى السيارة... جلست في مقعدها وقبل أن يغلق بابها قال وهو يتحسس جيوبه: شكلي نسيت تيلفوني هناك "وهو يتراجع للخلف" بروح أشوفه
هَزَّت رأسها وهو أغلق الباب بعد أن احْتَفَظت ذاكرة عَيْناه بملامحها المأهولة بالقَلق.. عادَ للمشفى وهذه المرّة لم يَنتظر المصعد.. فهو من عَجلته استعان بالسّلالم ليصل إلى مكتب الطبيبة من جديد.. طَرق الباب ثُمَّ دَخَل بعد إذنها.. مُذ رأى وجهها تساءَلَ باهْتمـام: حنين فيها شي دكتورة؟
أشارت للمقعد: ما عليه تتفضل
كَرَّرَ سؤاله والخَوْف بَدأ يتسلّل إلى أطرافه: حنين فيها شي؟
أَكَّدت: صدقني ما فيها شي.. حتى البيبي ما فيه شي.. إنت ارْتاح
جَلَسَ ومن صدره فَرَّ نصف نَفَس.. النصف الباقي ظَلَّ داخله مُتَحَفِّزًا لأي صَدْمة.. قالت بتوضيح: يوم شفت خوفها الشديد وارتباكها ما حبيت أتكلم قدامها وأفزعها.. من جذي بغيت أكلمك بروحك
بنفاذ صَبْر قال: دكتورة واللي يرحم والديش قولي لي شنو فيه
برسمية أجابت: اتضح لي إن المشيمة فيها مشكلة.. قصور في وظائفها مثل ما نقول..
قَبَضَ يَده التي باغتَتها رَعْشة خَفيفة: شنـو يعني؟
فَسَّرَت له: يعني تواجه الجَنين مشاكل من ناحية التغذية أو ضخ الدم وحتى تنفسه.. وغيرها من الأمور اللي تأثر على نموّه
تَساءَل بصوْتٍ غائِر في قلقه: وشنو العلاج؟
قالت وهي تضغط على لوحة المفاتيح: بوصف لها دوا تستخدمه لين شهرها السادس.. بعدها بنشوف إذا صار في تحسّن
سَألَ بتردّد خَشْية الإجابة: وإذا.. .. إذا ما صار تحسّن؟
ببساطة أجابت: بنضطر نولّدها في الشهر السابع "أَغْمَضَ وهو يَزم شَفَتيه بضيق واغْتمام وهي أكملت لتُطمئنه" ترى الوضع عادي جدًّا.. والولادة في الشهر السابع طبيعية وما فيها أي ضرر إن شاء الله.. لا على الأم ولا على الجنين
أَفْصَحَ ويَده تَتَخلَّل خصلات شعره: أعرف، والحمد لله إن المُشكلة بس جذي.. لكن هي كان عندها خوف من أول ما عرفت بالحمل.. والحمد لله هدأت نفسيتها واستقرت.. بس اللحين "أَصْدَرَ صوْت ضائق من بين شَفتيه ثَمَّ زَفَرَ بحيرة مُرْدِفًا" ما أدري شلون أخبرها!
: من جذي ما حبيت أقول لها مُباشرة.. فإذا تقدر تمهّد لها شوي شوي لين يجي موعد الشهر الجاي.. عشان لو فرَضًا احتاجت لولادة مُبكّرة ما تنصدم
هَزَّ رأَسه بتفَهُّم: إن شاء الله.. بحاول "وقف وهو يتناول ورقة الدّواء منها.. والابْتسامة الشاحبة التي لَطَّخت شَفتي حَنين ها هي تَحط على شفتيه" مشكورة دكتورة.. مع السلامة
: مع السلامة "تبَسَّمت له بلُطف" بتكون بخير.. لا تحاتي
تنفَّسَ بأمل: إن شاء الله

عادَ إلى السَّيارة والورقة في يده.. جلس في مقعده مع نطقها: تأخرت
قال بنبرة مَرِحة بالكاد اجْترَّها من تحت الصَّخْرة المُتَّكِئة على قلبه: بالغصــب حصلته.. حتى الدكتورة جت تدور معاي.. في النهاية حصلته عند الريسبشن.. حتى الموظفة ما انتبهت له
بهمس: أشوى حصلته "انْتَبهت للورقة التي في يَده" شنو هذي؟
وكأنَّه للتو يتَذَكَّر: ايــه صح.. أقول لش الدكتورة كانت طالعة من مكتبها تدورنا.. وزين صادفتها.. تقول هذا دوا حق اللوعة
تساءلت باسْتغراب: مو هي توها قايلة ما تبيني أكثر منه!
تَداركَ وهو يُشيح بوجهه عنها ويُشَغِّل المُحرّك: لا قالت هذا غير.. هذا عادي.. كانت بتعطينا إياه بس نست
أَخذت منهُ الورقة تُحاول أن تقرأ اسم الدّواء: زيـن جان تروح هاللوعة وأقدر آكل عدل.. عشان البيبي يتغذى ويكبر
هَمَسَ بنبرة غالها تشوّش أَفْكار وعيْناه متسمرتان على الطريق: إن شاء الله.. إن شاء الله



وَقَفَ جانِبًا يَنْتظر أن تنتهي ياسمين من القِياس.. يَد في جَيْب بنطاله الخَلفي ويَد مُمْسِكة ببعض الأَكْياس الخاصة به.. عَدستاه تجولان على المَتْجر المُكْتَظ نوعًا ما.. اليوم السبت.. إجازة عند الأغلب.. البعض يأتي ليتسوَّق.. والبعض للترويح عن النفس بعد أيامٍ من العَمل والتي قَد تكون مُرْهِقة.. والبعض من أجل الترفيه له ولأبنائه.. وهو هُنا اليوم لا لأي سبب من هذه الأسباب.. حتى التسوّق لَم يكن في نيّته.. لكنه فيْصل، حتى ولو لم يكن مُخَطِّطًا للشراء فإنّه يشتري.. بل ويدفع مبالغ طائلة في بعض الأحيان.. لطالما انتقدتهُ جِنان من هذه الناحية.. فهو يشتري دون أن ينظر للسعر حتى.. وبعض الأشياء يعلم أَنَّ سعرها مُبالغ فيه.. ولكنه يشتري.. اعتاد على هذا الطَّبع. اسْتَنَدَ للعمود الذي خلفه وهو يتأفف بملل.. يعتقد أنَّ ياسمين ستتأخر.. فغرفة القياس تبدو مُزْدَحمة جدًّا وهي كانت تحمل معها أكثر من خمس قطع.. أَخْرَج هاتفه من جيبه لينشغل به أثناء انتظاره.. تَحرَّكت عَدستاه عن المكان لتنتقل لشاشة الهاتف.. ولكن تحرّكهما الخاطف جعلهما تصطدمان بوجه.. لَم يكن وجْهًا كاملاً.. أحد جانبيه فقط.. جانبه الأيسر بالتَّحديد.. اسْتَقامَ في وقوفه ثُمَّ خَطَى بهدوء إليها دُون أَن يردعهُ شيء.. لا ياسمين التي قد تُبْصرهُ معها.. ولا مشاعره التي باتت تَحن إليها بجُنونٍ يَخْشى عَواقبه.. لكن لا يهم.. لا شيء يهم. توَقَّف عندها.. لَم تنتبه إليه.. كانت مشغولة في الاختيار.. كانت تحمل قميصان.. أحدهما أسود والآخر أبيض.. لو كان من حقّه الاختيار لاختار الأسود بلا تردد وأنهى حيرتها.. ظَلَّت تُقلّبهما وتَتفحصهما بدقّة.. ثوانٍ وشَدَّت شَفتيه ابْتسامة واسِــعة.. فهي أعادت الأبيض لتُبْقي على الأسود.. هَمَسَ ببحّته: مَســاء الخير
التفتت إليه بانْتباه.. ابْتَسمت عندما اسْتوعبت أَنَّهُ هُو.. رَدَّت: هـلا مساء النور
ويده تعود لتستقر في جيْبه: شخبارش؟
: الحمد لله.. إنت شخبارك؟
هَزَّ رأسه: أنا بخير "تساءَلَ وعيْناه تبحثان" إلا وين جَنى؟ مو معاش؟
أَجابت: امبلى معاي بس راحت ويا ندى "أشارت لخلفه" هذي هي رجعت "اسْتدار ليرى جَنى مُقْبلة مع ندى وابْنتها.. وجِنان أرْدَفَت بتوضيح" قالوا يبون آيسكريم فراحت معاهم يشترون
جَنى مُذ رأته تَسارعت خطواتها بحماس والفَرْحة حَلَّقت من عينيها.. تَعَلَّقت بساقه وهي تنطق بابْتسامة واســعة: حبيــبي بــابــا
قَبَّل كفَّها: بعد قلبي.. وحشتيني جَنى.. ما شفتش من يوم الخميس
أَفْصَحت ببراءة: بابا أنا أمس رحت بين بابا ناصر بس إنت ما كنت هناك
وَضَّحَ: اي بابا كنت طالع.. عندي شغل
ابْتعدت عنه قليلاً لتُشير إلى ابْنة نَدى: بابا شـووف.. هذي صديقتي إلا أقول لك عنها بنت خالو ندى
داعبَ خَدَّها فيصل بلُطف: شلونش يا حلوة؟
أَجابت الصَّغيرة بهمس خَجول: زيــنة
رَفع رأسه لندى: سلام ندى.. اعذريني ما سلمت
ابْتسمت لهُ: وعليكم السلام.. عادي بو جَنى
تَساءلت جَنى وهي تأكل من المثُلجات: بابا باجر بتجي لي المدرسة؟
: قصدش أوصلش الصبح؟
هَزَّت رأسها: لااا بابا.. حق البيرنتس ميـتنق
نَظَرَ لجِنان باسْتفهام وهي وَضَّحَت بِحَرج: كنت بقولك والله.. بس راح عن بالي
اسْتَفسر: شنو؟ لقاء أولياء الأمور؟
: اي.. كنت بقولك إذا تبي تروح
ابْتَسَم وهو يعود بنظره لابْنته: اي أكيد بروح.. بجي حبيبتي
بحماس وسعادة: أووكــي بابا

صوت رسالة.. رفع هاتفه.. كانت ياسمين تخبره بأنَّها انتهت.. التفت جانِبًا فرآها واقفة على بُعْد خطوات منهم وعَيْناها عليه.. أَوْمأ لها برأسه ثُمَّ قال لطفلته: جِناني أنا اللحين بمشي.. باجر نلتقي تمام؟
بموافقة مُضَّطرة: أوكــي
انْحَنى مُقَبِّلاً جَبينها قَبْلَ أن يلوّح لها: مع السلامة
بادلته التلويح وابْتسامتها تتقَلَّص وهي تراه يُغادر برفقة ياسمين: مع السلامة
جِنان نَطَقت بسرعة لتُلْهي حُزْن صَغيرتها وبنبرة زَعَل مُصطنعة: جَنى ليش ما شيرتي لي آيسكريم؟
نَظَرَت لها بتورّط: هــا!
أَشارت لكوب المُثلجات الذي في يدها: ما جبتي لي آيسكريم مثلش
بَرَّرت: ما أدري إن تبيـن "تداركت الأَمر سريعًا" أروح اشتري حقش؟
بابْتسامة: أوكـي بس بدفع وبعدين نروح مع بعض نشتري
بادلتها الابتسامة برضا: أووكي

التفَتت لندى التي هَمَست بحُنو: بعد قلبي.. وضعش صعب
أَفْرَجت عن تنهيدة مُرْهَقة: صعب وموجع بعد.. كل ما أقول بيتعدل الوضع وبتتعود.. يصادف موقف يرجعنا لنقطة الصفر
رَبَّتت على كتفها: في النهاية بتتعود
وملامحها تتغضن بكآبة خانِقة: في النهاية.. يعني عقب ما يشقى ويتعب قلبها الصغير "زَفَرت مُحاولة ترشيح حواسها من مُخَلَّفات الموقف، وبِبَوح بائِس" شوفته كثر ما هي تطبطب على القلب، كثر ما هي تجرحه وتصوبه



عادَ إلى الشِّقة مُبَكِّرًا.. نُور لَم ترجع بَعْد.. نَظَرَ لساعة معْصمه وهُو يمشي لغرفة نومهما.. المفروض أن تَصِل قرَيبًا.. فعملها انتهى منذ ربع ساعة.. الساعة الآن السابعة والربع مَساءً.. بَعْد أَن خَرَج من بيت بلقيس ذهب لرائد في مكتبه.. كان الضِّيق يغمره، فاض منهُ قلبه حتى اسْتفرغ ليغرق حواسه بأكملها.. هُو نَكَرَ هذا الضّيق الجَلي جِدًا عليه حينما سأله رائد.. وحاول أن يُضيّع الموضوع ولكنّه وقَعَ في حفرة أكثر عُمْقًا.. عَمله. اقْترح عليه رائد العَمل في شركة والده.. وهذه هي ليست المرة الأولى التي يعرض عليه العمل.. فهو منذ سنوات يرجو منه موافقة فقط تجعله موظفًا في الشركة براتب مُمتاز جدًّا.. راتب أَكْثَر بكثيــر مما يحلم به.. وأعلى من مستواه للحد الذي يُوقِظ فيه شُعور غير مُريح.. شعور الحاجة وأن يكون في موضع شَفَقة.. لذلك كان يرفض دائمًا.. يعلم أنَّ رائد يُريد مُساعدته بأي طريقة ومن المُستحيل أن يَسْتَنقص منهُ بنظرة أو كلمة.. هُو لولا كرمه ومنّه عليه الله وحده يعلم بحاله.. ناصر لَم يُقَصّر معه أيضًا.. لكن من الناحية المادية كان لرائد الحُضور الأَكْبر.. يكفي أَنَّهُ وبعد أن هجَرَ منزل بلقيس لَمْلَم تَشَرُّده وآواه في هذه الشقة التي هي مُلكٌ له بعد وفاة والده.. والده الذي كان رَفيق درب والده.. كلاهما كان تاجِرًا وحُوتًا في السُّوق.. كلاهما كان كَريمًا ولهُ يَدٌ بَيْضاء لا تَكل من العَطاء.. لكن ذاك مات ليرث رائد أملاكًا وأملاك.. ووالده مات لِيَرثَ هو أَلف قَهَرٍ وَقَهَر. خَلَعَ سترته ثُمَّ ألْقاها في سلة المَلابس المُتَّسِخة قَبْل أن يدخل لدورة المياه.. قابلهُ وَجْهه في المرآة.. عابِس بشكلٍ يبعث الكآبة.. لَيتهُ لَم يذهب.. ليتهُ لَم يذهب.. الأسابيع الماضِية مَرَّت كما نَسْمة طَبْطَبَت على فقده لها.. احْتوتهُ نُور بكيانها وزَرَعتهُ إنسانًا آخر ينمو من جذور رُوحها.. أغدقت عليه بفيض أُنوثتها العَذب، واحْتَضَنت شَتات ذاته بحنانها الذي افْتَقَرَ إليه لسنوات.. حياتهما جَميلة وهادئة ومُطَعَّمة بالحُب.. لكن عودة بلقيس يُهدِّد مَجْرى هذه الحياة.. فهي قَد تُعَكِّر صَفْو عَيْشهما بكلماتهما النَتِنة.. آآه لو يَجِد الدّليل الذي يجزم على تورّطها تلك الليلة.. هُو متأكِّد أنَّ لها يَدًا في حالة نُور.. كانت غير طبيعية تمامًا.. لا يحتاج المَرْء لأن تكون بينه وبينها صلة قوية ليعرف أَنَّها لَم تكن في حالتها الطَّبيعية.. كيف إذا كان هو! تَخَلَّصَ من الباقي من ملابسه مُتَهَيِّئًا للاسْتحمام.. ثوانٍ وَتهاطَلَ عليه الماء لِيُعيده إلى بَلَلِ تلك الليْلة.

،

القُبْلة تَطَوَّرت وَبدأت رُجولته بتدنيس مواضع أخرى.. لَم يَكن يَمتزج بها كما أراد.. بل كان يُحَطِّم طُهْرها ويرسم بين مفاتنها عُقَد سَتَظل تُضْنيه وتُضنيها.. لوهلة تَناسى كُلَّ شيء.. رَبّه ودينه.. ابْن أُخْته الذي سافرَ بَعدَ أن ائتمنهُ على زوجته، عَرْضه.. وتناسى هذه التي بَيْن يَديه.. لَم يُحاول أن يُقَيِّد حواسه بِصَدْمة قُدومها إليه، كلامها وأفعالها الغريبة.. تجاهل كُل ما هُو من شأنه أن يَرْدعه وأَنْصَت لشيطانه الأرْعن.. ولكنَّ السَّماء كان لها اعْتراضها العاصِف.. فهي زَمْجَرت بِحَزْمٍ كاشِفة رَعْدة كانت السَّيف الذي اقْتَطَعَ حَبْلَ الوِصال المَسْموم.. تَنَافرا بحركة سَريعة والبَرْقُ من حولهما يُضيء لِيَكْشِف عن مَلامح وعُيون ابْتلعها الهَلَع.. ارْتعاد آخر شَقَّ السَّماء لِيَخْتَرِق جَسَد نُور وينفضه.. انْفَلَتَت من بين شَفتيها شَهْقة حادَّة تَذَيَّلَ منها بعضٌ من وَعْيها.. تَصَدَّعت مَلامحها وهي تَميل في وقوفها مُستَجِيبة للدُّوار الذي أَحاطَ بها.. حاولت أن تَتَّزِن في وقوفها، لكن قَدَماها سُلِبَ منهما الإحساس بملمس الأرْض.. شَعرتَ وكأنَّها تَهْوي من جَبَلٍ عَظيم والجاذِبيَّة من تحتها تَشّدها بعُنْف.. قَلْبها بَدَأ في الخَفقان حتى بات يَتَضخَّم ويصطدم بصدرها.. تَبَعْثَرت الأنفاس في رئتيها فاسْتَصعب عليها تمييز الشَّهيق من الزَّفير.. ضَغْطٌ حامٍ يكاد يُهَشِّم جُمْجمتها.. الخَفَقان يَزيد.. الجاذبية تُواصل عُنْفها.. اضطَّرَبَت الأنفاس.. نار حارِقة أَلْهَبَت صَدْرها وواصلت إلى حَلْقها، حيثُ هُناك فَقَدَت كامل سَيْطرتها لتهوي باسْتسلامٍ للأرض الهُلامية وهي تَسْتفرغ كُل ما في معدتها بِضعف. جَلَسَ بارْتجاف أمامها وهُو يراها تذوي والقوَّة تُسْحَب منها ببطء مُوْجِع.. أَمْسَك بِذراعيها العاريتَيْن وَشَعَر كأنَّهُ يُمْسِك بجمرة مُشْتَعِلة.. كانت ساخِــنة جدًّا وَجَسَدها قَد اسْتَحَمَّ بالعَرق بالكامل.. هَمَسَ بلُهاث وبصره يَرْجو عَمىً يُنقذه من هذا الانهيار: نُـ ـ.. نـ ـوو ..ر.. نـ ـور... نُـــور
تَوَقَّفَ اسْتفراغها للحظة أَنَّت فيها أَنينًا مَزَّقَ قَلْبه المُرْعوب.. ثُمَّ عادَ إليها بشراسة أَكْبَر.. كانت تَرْتَعِش فيرتعش هُو بجُنون.. تبكي وتستفرغ في الآن نفسه.. وجهها كان رَهْن دُموعٍ وعَرَق وحُمْرة قاتِمة.. كانت عُروقها تَشْتَد بطريقة مُخيفة وهي تَسْتفرغ وكأنَّها تَسْتفرغ رُوحها. توقفت قَليلاً فاحْتضن وجهها الغارق بكفيّه المُرْتَعشتين.. أَبْصَرت عَيْناه المُتَوَسِّعتان بجحوظ ذبول ملامحها الخَريفي.. خُطوط تَعب وعلامات تَيه تكسوه بلا رحمة.. والبُكاء يَشْخب من مُقْلَتيها صافِعًا وَجْنتيها الرَّقيقتيْن.. هَمَسَت وهي تُنَبِّش عن منفذ للنّجاة من كابوسٍ أَسْود: طَـ ــ .. ـ ..ـطـ ـ..ــلال
شَدَّ على وجهها وَعيْناه تذرفان دَمْعًا للتو هَرَب من الغَفْلة: نُــــ ــور
تَأوَّهَت وجَسَدها يَتضعضع بتعب وعَلى عَيْناها قَد جَثَمَ ضَبابٌ مُوْحِش: أنـ ـا.. ويــــن!
هَمَسَ وهُو يُجاهِد أَنفاسه الثَّقيلة ليَذبح شَيطانه: ما صار شي.. مـ ـا صار شي.. نُـ ـور.. ما صــ ـار.. ما صار شـي
مالت عَدستاها بِغياب وَسَط البَحْر الآسن اللاسع مُقْلَتيها.. اصْطَدَمت أَهْدابها بِوَهْن وأَنْفاسها أَضاعت طَريق الشَّهيق.. خَرَجَ صَوْتها مَكْتومًا، مَذْبوحًا وتائِهًا: عبــ ـد.... الله....
ثُمَّ تهاوت بَيْن ذراعيه وَوعيها قَد غابَ تَمامًا والرَّعْشة فَرَّت من جَسَدها لتنفذ إليه وتَجلدهُ عَذابًا.. شَدَّها إلى صَدْره ومن قلبه اعْتَلَت صَرْخة لا تَزال ذاته ترتجف منها.. صَرْخة صَحَى منها كُل الذي أَغْفَله عَمْدًا وكُل الذي أَجْبرهُ شَيْطانه على تَناسيه.

,

انْتَفَضَ لِيُعيده طَرْق الباب للواقع.. أتاهُ صَوْتها الرَّقيق: طَلال بتتأخّر؟
أَجابَ وهُو يلتقط علبة صابون الشَّعر: لاا شوي وطالع
غَسَلَ شَعره مُكْمِلاً اسْتحمامه سَريعًا.. لا يدري كم دقيقة مَضَت وهُو مُسْهِب في تَذَكُّره.. زَفَرَ وحاله هذا يؤكّد لهُ خَطأه في الذهاب لمنزل بلقيس.. لكن من المُستحيل أن يَسْتمر هذا البُعْد.. كان لا بُدَّ وأن يلتقي معها سوى الآن أو بعد عشرة أعوام.. ولا بُدَّ لهذه الذكريات بأن تعود وتحاصره.. فهو ما دام لَم يعتذر بعد لا لنور ولا لعبد الله على فعلته.. فإذن سَيَظَلَ مُقيَّد بها.. لن تموت هذه الذكرى ولن ينقشع لَيْلها الأسود.. إما أن يعترف ويعتذر ويرى إلى أين ستؤول إليه الأمور.. وإما أن يَبْقى يُصارع خَطر ابْتلاعها لكيانه.

خَرَجَ من دورة المياه.. جَفَّف شعره بالمنشفة ثُمَّ ارْتَدى لهُ سروال قصير وسترة قطنية خفيفة بلا أكمام.. واصَلَ طريقه لغرفة النّوم حيث كانت هي هُناك مُسْتَلقية على السّرير.. اقْتَرب منها حتى جَلَس بجانبها.. انْحَنى مُقَبّلاً جَبينها قَبْل أن يهمس: يعطيش العافية
اسْتدار إليه جَسدها بانْجذابٍ فطري وهي تُجيبه بعد أن أَحاطت خصره بذراعها وأَسندت رأسها لصدره: الله يعافيك "زَفَرت تُعَبّر عن تعبها" اليوم كان شغل واااجد.. وطول الوقت واقفة.. والله ما قعدت إلا يوم دخلت سيارتي
قال بنبرة تأنيب وأصابعه تَتخلل خصلاتها: وطبْعًا مو ماكلة شي "رَفَعت رأسها إليه وهي تعض على شفتها تُخْفي ابْتسامة، هو أَكْمَل يُعاتبها على إهمالها" نُور ما يصير.. من جذي تتعبين هالكثر.. اخذي لش بس خمس دقايق واكلي فيهم أي شي
مَرَّرت لسانها على شفتيها قَبْل أن تقول بنبرة اصطنعت الثقة: أكلت موزة الحمد لله
نَظَر لها بسخرية: والله؟ موزة هـا
هَزَّت رأسها وهي تكتم ضحكتها: ايــه.. عطتني طاقة "اسْتَطْردت لتهرب من تَوبيخه" قولي انزين.. شصار في بيت بلقيس؟
حَرَّك كتفه وبنبرة عادية: ما صار شي.. تجاهلتها مثل ما قلتين
تساءلت: ما قالت لك شي؟
نَفى: لا.. ما كلمتني.. ما عطتني وجه أَصلاً
: أحســن
بابْتسامة مُحِبّة: شفت عبّود وبيان.. ما شاء الله كبروا.. ما كأنها سنتين.. بس خسارة بيان ما تذكرني
: طلال كانت صغيــرة.. أكيد ما بتذكرك "اسْتفسرت" عمي كان هناك؟
: اي هناك.. المسكين ما كان داري شنو يسوي وشنو يقول عشان بس يحسسني براحة.. وكل حين ما يقول لي هذا بيتك وهذا مكانك
بعاطفة: حبيبي عمي.. والله قلبه ما في منه
عَلَّقَ بضحكة: ما يستاهل إختي صح؟
ضحَكت وبحرج أَجابت: يعني أدري إن هي في النهاية إختك.. بس هو بعد عمي.. وو وصدق.. يستاهل وحدة أفضل
قالَ لِيُنهي الحَديث حتى يُرَشِّح فكره من بلقيس: ما لنا دخل.. هو راضي فيها وهي راضية فيه
وهي تشد نفسها إليه وتدفن جانب وجهها في صدره: ايـــه صَدقت.. ما لنا دخل
تَساءل وهُو يرى أَجْفانها تَسْتريح بإغماض: بتنامين؟
هَمْهمت ثُمَّ أَجابت بصوت مَحْشو بالنّعاس: النوم في راسي والله.. بس أبي أتسبح.. وأبي آكل لي شي قبل لا ترتكب فيني جريمة
قَرَصَ خدّها بقوّة: اي صيري مُطيعة
تَقَطَّبت ملامحها بألم: آآي طـلااال
مَسَحَ بإبهامه على مكان فعلته الذي احْمَر: زين قومي عشان تتسبحين وتتعشين
هَمَسَت بصوت مكتوم بعد أن غابَ وجهها كُلّه في صدره: شوي بس
ابْتَسَم بخفّة حَنونة شادًّا على جسدها بمَلق.. ظَلَّ يَمسح على ظهرها وَأفكاره تعود لتغزو رأسه.. لو يسألها عن تلك الليْلة.. لا يدري كيف ستكون ردَّة فعلتها.. رُبَّما تستفرغ مثل السَّابق.. لكن يُريد أن يسمع عن الليلة منها.. يَحتاج أن يَرى أحداثها من خلال عَيْنيها.. رُبما كان لديها تحليل آخر فتكون أخته بريئة... رُبما! تَنَهَّد.. نَظَر لرأسها.. فَكَّرَ.. ومن ثُمَّ: نُور "هَمْهَمت كإجابة فَتابَعَ" اليوم كلمني رائد... عرض علي شغل في شركة أبوه الله يرحمه
أَبعدت رأسها عن صدره لتنظر إليه بعينين ضاقا من تراكم النّوم، وبتساؤل: شنو قلت له؟
: ما قلت شي "وَضَّحَ" هو سبق وعرض علي الشغل أكثر من مرة.. يصر علي بس أرفض
باسْتنكار: وليش ترفض! يعني شغلة في مكان زين ومحترم وبراتب زين أكيد.. وصديقك هو.. يعني المميزات واجد
أَفْصَح وملامحه أَصدعها الضّيق: نُور ما أعرف.. ما أدري.. بس أحس بشعور مو حلو "أضاف" وبعدين إنتِ تعرفيني.. ما أتوالم مع أي أحد.. ياما اشتغلت في أشغال عدلة بس تفنشت بسبب مشاكلي ويا الموظفين.. وما أبي أسوي مشاكل لرائد
قالت بجديّة: بس طلال إنت اللحين كبرت.. مو معقولة بتتصرف نفس تصرفاتك قبل.. يعني اللحين شطولك وشعرضك إذا صارت مشكلة بينك وبين زميل بتقوم تضربه مثل يوم كنت مراهق! أكيد لا
كَشَّرَ ملامحه وهُو يقول بإحْراج: أووف تذكرين الضرب؟
قالت بتنهيدة وابْتسامة جانبية: ايــه يا حبيبي أذكر.. أذكر لأن كنت أحاتيك.. أخاف يجي يوم ينتقم منك واحد من اللي بهذلتهم
ضَحَكَ: شنـــو ينتقم مني.. وين قاعدين! طيش شباب كان.. بس كبرنا عقلنا
ارْتَفعت أصابعها لذقنه تَتَحسَّس جرحه: ها.. هذي فعايل طيش الشباب
ضَحَكَ من جديد ولكن بعلو: لا عـاد هالجرح بريء من هالاتّهامات
تساءلت: شلوون يعني بريء؟
وَضَّحَ: ما له دخل في الشغل.. هذا من أحمدوو ولد إختي جان تذكرينه.. سب أمي ورمى جم كلمة غبية نفس كلمات أمه وخالاته.. فضربته وهو ما قَصَّر
: صــح أذكر يوم تقول لي السالفة "اسْتفسرت باهْتمام" بشنو ضربك؟
: غرشة بيبسي الزجاج مالت أول.. كسرها وضربني فيها "ومَكْر طَغى على صوته ونظرته" لكنش يا دكتورة ما قصرتين.. عالجتيني.. كنت مريضش الأول
بعدم فهم: كل مرة تقول لي جذي.. بس أنا ما أذكر!
: لكن أنا أذكر
: شلون عالجتك؟ كنت صغيــرة!
أَكَّد: اي كان عمرش أربع شنوات تقريبًا "وهو يُداعب أنفها" كنتِ نتفة حدّش
تساءلت بحماس: زيــن شلوون عالجتك؟ قوول
تَنحنح ثُمَّ بلَّل شفتيه قَبْل أن يُجيب بهمس وبابْتسامة تستعد أن تتطور لضحكة: جيتين لي وحضنتيني وقلتين لي "وهُو يُصَغِّر صوته مُقَلِّدًا صوت طفولتها" ماما تقول إن لازم نبوس جرح اللي نحبهم عشان يصير زين وما يألمهم "أشارَ بإصبعه للجرح المُتوسّط ذقنه وبصوتٍ أَجش" وبستيني اهني.. على الجرح بالضبط
ابْتَعَدَت عنهُ مع وصول قافلة الحَرَج إلى وجهها.. ضحك باسْتمتاع وهو يَرى كيف انتشر الاحْمرار صابِغًا وجهها وعُنُقها.. باعْتراض قالت وهي تجلس لتقابله: جــذَّاااب.. تجذب علي
وهو يضحك: والله.. اسألي فيصل.. المسكين كان شوي ويطلع من خشمه دخان من العصبية.. يمكن لو أبوش ما كان قاعد جان صفعش كف على شفايفش
أَنهى جملته وضحكته تتعالى أكثر.. ضربت ذراعه بحَنق والإحْراج يتفاقم: سخيــف ما يضحّك "وبتبرير لا داعي له" تـرى مو قصدي شي.. يوم كنت صغيرة إذا أنجرح أنا أو أخواني ماما كانت تمسح على الجرح وتبوسه.. يعني سويت الشي ببراءة
ارْتفَع حاجِباه بتعجّب والضحكة لم تفارق ملامحه الوسيمة: عمرش أربــع سنوات.. يعنــي أكيــد ما كان قصدش شي! "رنا لها بطرف عينه بخبث وبنبرة لعوبة" يعني شنو بيكون قصدش مثلاً حبيبتي؟
قرصت ساعده: سخيـــف.. قليل أدب.. والله " وهي تتحرك للتترك السرير" أقوم عنّك أحسن
اسْتلقى على السرير وضحكته ترتفع بلا سيطرة من خجلها المُتأخّر.. ناداها وهو ينقلب على بطنه ويُحاول إيقاف ضحكته: حبيبي تعالي.. بس بسكت خلاص
واصلت طريقها لدورة المياه وهي تقول بصوت اخْتلَط فيه الحَرج بالغيظ دون أن تلتفت إليه: مــاابي أقعد معاك "دَخلت وقَبْل أن تغلق الباب وصلتها ضحكته الشقية لتهمس بابْتسامة حَرَجِها" نحيــس طلالو



الساعة الحادية عَشر والنّصف مَساءً.. مضت أكثر من اثني عَشر ساعة مُذ دَخَلَ إلى غُرْفته.. ظَنَّت أَنَّهُ نَزَلَ للمرأب، لكنَّها رَأت مفاتيحه وهاتفه كذلك الذي أُرْهِق من الاتّصالات المُهْمَلة حتى انتهت بطَّاريته.. عندما طَرَقت باب غُرفته للغداء قال أَنَّهُ لا يشتهي.. وكذلك غابَ عن موعد طَعام العَشاء.. ما به! فَكَّرت وهي تَتَذَكَّر عُطاسه، ربَّما اشْتَدَّ مرضه وهي لا تعلم.. ازْداد الزُّكام أو ارْتَفعَت حرارته مثلاً... زَفَرت بحيرة وهي تمشي لباب غُرفتها للمرة العشرون لتُلْقي نظرة على باب غرفته المُوْصَد.. هي حتى حاولت أن ترهف السّمع لعلَّ صَوْتًا ينفذ لأذنها فتطمئن عليه.. لكن وكأنَّ الصَّمت قَد ابْتَلَع الغُرفة بأكملها! تَحَرَّكت من مكانها إلى غرفة الجُلوس.. نظرت لمفاتيحه المُسْتَقِرة بجانب هاتفه على الأريكة.. رُبَّما خَرَجَ دون المفاتيح.. توَجَّهت لباب الشّقة، حاولت أن تفتحه، كان مُقْفَلاً.. من المُحتمل أن لديه مفتاح آخر! لكن لو غادرَ المكان لَسَمِعت صوت فتح الباب وإغلاقه.. عادت لغرفتها والقلق بَدأ رحلته. لَم تُغْلِق بابها.. ظَلَّت واقفة عنده تُطالع غرفته وهي ساكِنة.. حَكَّت خَدَّها بِتفكير.. هل تطرق الباب لتطمئن عليه؟ تَقَدَّمت خُطوة ثُمَّا تراجعت مُباشرة وهي تُحَرِّك رَأسها.. لا.. تخجل.. هُو قد تجرأ ودخل غُرفتها اليوم.. لكن هي.. ماذا سيقول عنها؟... ولكن هو قبل ساعات اتَّفَقَ معها، هُم أخوان الآن.. يعني لا داعي للخَجَل من خُطْوة كهذه.. وهي قَد لا تحتاج للدُّخول.. رُبَّما يخرج لها هُو إذ هي طرقت الباب.. ستخبره أَنَّها أرادت أن تطمئن عليه وستسأله إن كان يحتاج إلى شيء.. شَجَّعت نفسها وخَطَت بهدوء إلى غُرفته.. طَرَقَت الباب بخفّة.. انتظرت جواب ولكن لا شيء سوى الصَّمت.. عادت وطرقت بوضوحٍ أكثر.. كذلك لا شيء.. أعادت الطرق من جَديد وهذه المرة صوتها يُعينها: محمد

القَلق تجاوز المُنتصف.. بدأت توسوس.. الساعة اقتربت من الثانية عَشر.. ولا تعتقد أنَّه خارج المنزل.. فهو لَم يتركها لوحدها لوقت متأخر.. دائمًا ما كان يَعود عند التاسعة أو العاشرة.. وإن خَرَج فهو ينزل للمرأب ليعمل.. لكن هاتفه ومفاتيحه هُنا.. لحظة.. قلنا إن احتمالية وجود مفتاح آخر واردة.. لكن لَم يكشف صوت الباب عن خروجه.. إذن هو هُنا.. تسعون بالمئة هو هُنا.. لكن العشرة الباقية.. أَغْمضَت ورأسها يميل بتعب من هذه الأفكار التي تدور وتدور في عقلها بلا نهاية.. دخولها للغرفة سَيُنهي المعمعة التي في عقلها.. أَبْصَرت والفكرة تومض في عَيْنيها.. هل تدخل؟ تحرَّكت يدها ببطءٍ مُتَرَدّد، لَمَسَت بأطراف أناملها المقبض ثُمَّ تراجعت للحظات قَبْل أن تعود وتمسك بهِ مُسْتَعِدّة لفتح الباب.. بهدوء وبحذر أخفضته لَتُبْصِر عَيناها داره للمرَّة الأولى.. تَحَرَّكَت عَدَسَتاها على المَكان سريعًا، لَم تُدَقِّق فيه لأنَّها كانت تبحث عنه.. وفعلاً وجدته.. تَنَفَسَّت بارْتياح وهي تراه مُسْتَلْقٍ على السَّرير.. أو لتكون أكثر دقِّة.. كان مُسْتَلْقِيًا على بطنه ورأسه مَخفي أَسْفَلَ الوسادة.. ذراعاه مَمدودتان على الجانبين ونصف جسده كان حُرًّا من مَلابس.. كان يرتدي بنطال من الجينز فقط والذي كان مُرْتَخٍ قَليلاً عند خِصره.. ظَلَّت عَيْناها مُعَلَّقة به.. لا شك بأنَّ مرضه تطوَّر.. الغُرفة قَد خُنِقَت من الحَر، فالمُكَيَّف لَم يكن يَعْمَل.. الأضواء الصَفراء الخافتة أَوْحَت لها بالكآبة.. والصَّمْت المُتَّخِمة منهُ الجُدْران يَحْكي عن وِحْدة لَم يُخالطها أنيسٌ قَط. تَرَكت المقبض مُتَقَدَّمةً للدَّاخل وبصرها هذه المرَّة يَتَفَحَّص المَكان بدقّة.. الغُرفة قَد صُبِغَت بأكملها بالأبيض، لا وَرق حائط ولا حتى لونٌ آخر يمتزج معه.. بياض لا غير.. الأثاث كانَ ما بين الرَّمادي.. الأسود.. الأبيض والأزرق الدَّاكن.. غُرْفة المَلابس على اليَسار تُفْضي لدورة المياه.. ومن خلفها قُرْبَ الباب كانت المنضدة بمرآتها.. كانت شبه خالية إلا من عطر وحيد.. ساعة معصم.. فرشاة للشعر وفقط.. لكن لَفَتتها صورة مُثَبَّتة عند أحد جانبي المرآة.. اقْتَرَبت أكثر لِيَتِّضح لها الشَّخصان اللذان احْتَفَظت بذكراهما اللقطة.. كان هُو مُحَمَّد، بِغبش عَيْنيه وصَفْحة ملامحه المُتَكَتِّمة على أسرارٍ عِدَّة.. وجهه مثلما هو.. جامِد إلا من ابْتسامة كانت كالخيط الواهِن.. تَكادُ لا تبان.. عاقِدًا ذارعيه عند صدره وحول عُنُقِه التَفَّت ذراع الشاب الواقف بجانبه.. كان مُناقِضًا لمُحَمّد في الشكل وفي صَفْحة الملامح المُحتفظة بخطوطٍ بألوانٍ مُتَعَدِّدة.. كان يبتسم بسعة مَرِحة وفي عَيْنيه الْتماعٌ جَريء نافَسَ الْتماع القرط السَّاكِن أّذنه اليُسرى.. شعره الأحمر وبشرته شَديدة البياض أَكَّدت لها أَنَّهُ أَجْنبي.. تعتقد أَنَّهُ ألماني، ورُبَّما هُو صَديقًا لمحمد في غربته. اسْتَدارت لتُواصل التَّعرف على زوجها.. أو أخيها... هذه المرة توقفت عند السرير.. نظرت للمنضدة عند رأسه.. مصباح نوم بقاعدة سوداء.. كتاب بعنوانٍ للغة لا تعرفها.. هاتف.. حسنًا إذن، يوجد هاتف ثانٍ لا مفتاح.. وبجانب الهاتف ساعة أخرى.. قلم وبعض القصاصات الورقية، وكأس ماء مشروب نصفه وبجانبه علبة دواء.. الغرفة لَم تَكُن مُزْدَحِمة بالأشياء.. حاولت أن تعثر على شيء خاص.. شيء يُمَيّزه ويُعَرّفها على شخصيته المُنغلقة.. لكنها لَم تجد شيء مُلْفت.. لذلك أنهت رحلة البَحث ليتوقف بصرها عليه.. وجهه مَدْفون أسفل الوسادة لذلك لَم يَتَسَنَّ لها رؤيته لتتعرف على وضعه الحالي.. لكن تنفّسه المُنْتَظِم دَلَّ على استغراقه في النّوم.. مَضَت عينيها لمنطقة أخرى.. قَطَرات من العَرَق قَد رَسَمَت خَطًّا من أسفل عُنُقِه حتى نهاية ظهره.. أَرادت أن تُبْعِد عَيْنيها من وَطْأة الخَجَل الذي غَمَرَ وجْنتيها.. لكنَّ شيءٌ غَريب أَجْبرها على مُواصلة النَّظر... ضاقت عَيْناها بتركيز.... ما هذا؟ ..... لحــظة.. اقْتَرَبَت أكثر.. دَقَّقَت النَّظَر في نهاية ظهره المكشوفة قَليلاً بسبب ارْتخاء البنطال.. شيء مَرسوم هناك! انْحَنت وعقلها مُنْشَده بالذي اكتشفته وَقد نَسَت وَضعها ومكانها.. اتَّضَح لها المرسوم قَليلاً.. كأنّهُ رَقْم.. نعم رَقم قَرأته بحذر "7087".. تَهَدَّلَت ملامحها بصدمة عندما اسْتوعبت.. وَشْم.. يا إلهي إنّه وَشْم... هذا وَشْم لرقم! هي من شدّة تركيزها بالذي اكتشفته ومن صدمتها وتقززها أيضًا الذي بدأ يَتِّضح على وجهها، لَم تنتبه لحركة رأس محمد.. محمد الذي أَحسَّ بدخول أحدهم مُذ شاركته الغرفة.. إحساسه كان ما بين الوَعي واللاوعي.. حرارته التي ارْتفعت فجأة قبل ساعات طَغَت على استيعابه.. حاول أن يتحرّك ليتأكَّد من وجود شخص آخر معه ولكن عضلاته الواهِنة لَم تُساعده... هو شعرَ باقتراب هذا الشخص.. تَحَفَّزَت مَسْامعه لصوت الأنفاس القَريبة مُرْسِلةً إشارات تحذير لجسده الذي عانَدَ الوَجع من أجل النّجاة.. وبحركة سَريعة وخاطِفة قَبَضَ على رداء الشخص الغَريب عند صدره لِيُلْقيهِ بقوَّة على سَريره قَبْلَ أن تُقَيِّد يَداه الحَديديتان ذراعيه بإحْكامٍ وشِدّة.. وصوته يرتفع بصراخ مبْحوح بالألمانية: مــــن أنـــــت!



قالت بَعد أن أَلْقت نظرة على القائمة المُحتفظة بها في هاتفها: خلصت من المشتريات الجديدة.. باقي بس أنقل الأشياء اللي أحتاجها من غرفتي في بيتنا.. إنت انتهيت من نقل أغراضك صح؟
كانا عائِدان من شقتهما التي ستحتضن بدايتهما صَعْبة التَّنبؤ.. لا تدري كيف ستكون حَياتهما إذا جَمعهما سَقْفٌ واحِد.. هل سَيصير السَقفُ سَماء تَحُفَّهما بالحُب والود والمشاعر الحميمة؟ أَمَّ أنَّ السقف سَيُهْدَم فوق رأسيهما ليجبرهما على عض الأَرْض نَدمًا؟ لا.. تتمنى أنَّه الاحتمال الأوَّل.. لا تُريد أن تَلْعَق النَّدم، لا تُريد أن تجلد ذاتها التي حاربت كُل شيء.. كُل شيء فعلاً لتفوز به.. لا تُريد أن تُسْجَن في زاوية كَئيبة، تَقْتات فيها على اللوْم والحَسْرة. تأَمَّلت وجهه المُشير للاحْتمال الثاني.. كان مُلْتَفِتًا بكُل حواسه لعالم آخر.. تجزم أَنَّه لا زال عالِقًا في البُقعة التي جَمعتهُ بِجنان وَجنى.. عَيْناه انْعَكَسَت فيهما صُورة جَمَعت وَجْهي الاثنتيْن.. قَبَضَت يَديها وكأنَّما تُغْلِق الباب في وَجْه غيرتها وقَهرها اللذان يأكُلان صَبْرها كما تأكل النَّار الهَشيم.. اقْتَلَعت نَفَسًا يُثَبِّط انْفجارها لتُناديه بهدوء بالكاد ساعدها: فيـصل.. فيصل أكلمك
التَفتَ لها بانْتباه قبل أن يعود بصره للشارع: نعـم.. ما سمعتش
شَدَّت على يديها وشَفتيها تَتشبَّثان بابْتسامة بالية: كنت أسألك.. انتهيت من نقل أغراضك؟
أَجابَ: اي.. كل أغراضي في الشقة اللحين
هَزَّت رأسها: تَمـام "تَجَرَّأت وشَبَكَت أصابع يُسْراها بيمينه المُرْتاحة جانِبًا.. هي التي قَيَّدت خَجَلها غَصْبًا في الأسابيع الماضية لتتجه بهذه العلاقة لضِفَّة الأمان.. هَمست بنبرة مُترقِّبة بحُب" ما باقي شي.. أيام بسيطة بس ويجمعنا بيت واحد
أَخْفَضَ بصره بخفَّة لينظر ليَدها وهي تَغْزو عالمهُ المُوارِب.. شَدَّ على المقوَد بيده الأخرى وأَعْصابه كُلَّها انْشَدَّت مُحاولةً إرسال إشارات لكفّه عَلَّها تُبادل كَفَّها العِناق.. حاول.. وحاولَ، وفي النهاية ظَفَرَ بقَبْضٍ يَسير وخَفيف، بالأحرى مَسٌّ بسيط بأطراف أصابعه.. قَبْلَ أن يُحَرِّر يده من شباكها ليرفعها لشاشة السيارة بطريقة حاولَ أن تكون عفوية وهو يقول: اي ما باقي شي "ابْتسم وهو يرنو لها بطرف عينه" الله يتمم على خير
هَمَسَت والانْفجار دَوى داخلها ليغرقها ببحرٍ لَم تستطع أن تُترجمه إلى دموع.. لذلك ابْتلعت موجه المالح الذي بَدأَ يذوي منهُ يَنع رُوحها المُتَفَتِّحة على حُبّه: إن شاء الله



ابْتَسَمَ لِوَجْه الليْلَ الذي صافَحَ عَيْنيه.. ضَحَكِ بِخفَّة من الرُّطوبة التي غَزَت جلده.. سيكون كاذِبًا إذا قال أَنَّهُ لَم يَشْتاق لهذا الجَو الخانق.. الجَو الذي تشعر وكأنَّه يكبس على صدرك حتى أنَّك بالكاد تَتَنفَّس.. تَحَرَّكَت يده لحقيبته المُتَدِلِّية على خصره، تَأَكَّد من وُجود دوائه.. قَد يحتاج إليه أَثْناء الطَّريق.. فالهواء يَكاد يَسْتحيل ماءً عَكِرًا من شِدَّة الرُّطوبة. مَشَى مُبْتَعِدًا عن بَوَّابة المَطار وهُو يَجُر العَربة التي تَحْمل حَقيبَتيه.. ذهب بواحدة وعاد باثْنتيْن.. فهو احْتاج لشراء الكثير من الملابس عندما طال مُكوثه هُناك.. وكذلك بعض الهدايا التي اشْتراها لأسْرته.. حتى والدته.. لَم يَنْسها وابْتاعَ لأجلها ساعة أَنيقة تُليق بها.. اشْتاق إليها، اشْتاق لحضنها المُفَصَّل عَلى مَقاس بَوْحه وأَشْجانه.. إلا أَنَّ هذه المرَّة البواحِ تَاهَ في الفلاة، باحِثًا عن كَهْفٍ يَعتزلُ فيه عن تَراشقِ سِهامٍ كان ذلك الحُضْن هُو القَوس الذي وَجَّهها. رَفَعَ يده لأحد سائقي الأجرة والذي فتح لهُ صندوق السَّيارة سَريعًا ليضع حَقيبتَيْه.. لَم يُخْبِر أَحَدًا بعودته.. لَم يُرِد أن يَنشر في نفوسهم قَلق أو اضطراب.. وَلم يُرِد هُو أيضًا أن يُشَوِّش هدوءه.. جَلَسَ في مقعده بعد أن أخبر السَّائق بوجهته، ثوانٍ وتحرَّكت السيارة وعَيْناه مُلْتَصِقَتان بالنَّافِذة.. هُو هادئ.. هادئ جدًّا، وراضٍ جدًّا أيضًا.. يحمد الله على هذا القَدَر وإن لَم يعرف الخَيْر منه.. أَمْرهُ بِيَد الله فلماذا التَّشَبُّث بماضٍ انتهى؟ أَخذَ كفايته من التفكير والبُعْد.. رَتَّبَ أَهْدافه وخططه.. يعرف الآن ماذا يُريد، ويعرف ماهي خُطْوته الأولى ومُتشوّق لها للحَد الذي يجعلهُ يَضْحك على نفسه.. لاطَفَت شَفتيه ابْتسامة خَفيفة وخُطوته هذه تُذَكِّره بواحدة من الهَدايا المُسْتَقِرَّة في حَقيبة سَفره.. هدية هي الأهم بالنسبة له.... هدية هي الوِلادة الجَديدة لذاته.



انتهى

simpleness 17-03-19 11:34 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

صَباح الخير

أعتذر منكم بسبب تأخري في تنزيل الفصول.. يصير وكأنّه ينزل في اليوم الثاني، غير اليوم المتفقين عليه
أحاول جاهدة إن يجهز لكم في وقت مُبَكِّر لكن الظروف تفاجئني ولا بد من أن يتأخر.. أتمنى هالتأخير ما يسبب لكم ضيق.

استمتعوا بالجزء وانتظر تعليقاتكم

missliilam 18-03-19 01:23 AM

رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
 
عبود تعوذ من ابليس يا ولدي هات الهدية و انا اضمن لك انه بإذن الله بدايتك الجديدة حتكون من أولوياتي 😂😂😂 يا ولدي والله انك محزنييييي يقولوا الولد لخاله وانت شايف خالك يا نضري بلقيس بنت ابليس مو مخليته يتهنى وللأسف علاقتك بها حتى الموت ما يشيلها والست مروة رغم اني صراحة ما ابغاك تاخذها بس امك جرايمها واااجد فالنكد لاحقك لاحقك عشان كذا اسمع شوري وامشي انا وانت ناعب أونو على نغمات الربيع ونشرب لنا عصير استوائي وخلي بلقيس ومروة ينطحوا بعض الى ان ينطحن الحب اللي في دماغهم يا ولدي كله لمصلحتك والله انت طيب وانا ابغالك الخير 😈😈😈😈 طليللووووه على وزن عطيللللوه قول آمين الله يزرقك السعادة مع نور على قد حقد بلقيسة الابليسة ومليار ضعفه كمان ،، سمعت يا بلبيس هذا اسمك الجديد مجموع بلقيس وابليس يطلع بلبيس بلبيس بلبيس كرريه عشان تحفظيه ولو انك من اللي ينقال فيهم علم في المتبلم يطلع ناااااسي 👹👹👹👹 جعلك تنسي نفسك يا شيخة كود العالم يرتاح والله انه مروة عندي اهون منك انت وياسمين اللي كاذبة الكذبة ومصدقتها شااااااايفة القصة من أولها وعاشتها وبرضو يعنني حبها المضروب اللي زي حبك لنصوري حبيب طنط ليلى عامي على قلبها ومخليها مكملة في مشروع العش الفاشل اللي ان شاء الله يجي الذيب نادر وينفخ عليه ويطيره 😈😈😈😈 الصرااااحة انا مستنية ظهوره على نااااار خلي الفسقان فصيل اللي فالح في بعزقة الفلوس يتعلم كيف ان المال السائب يعلم السرقة 😏😏😏 جالك كلامي يا فصيل البطران الفسقان 😈😈😈 قرب وقت انك تغني جررررررب نااااار الغيررررررررة ،، وقول لي ،، عاد مع بحك صوتك حيكون الشجن عاااالي العااال 😈😈😈😈 لااااا أطيق صبراً لهذه اللحظة 😎😎😎😎😇😇😇 سليطين الخياس الأزلي جعله بالسم الهاااااري السااااري الجاااااري الضااااااري بطعم الكااااااري على ذا الطاااااري يا جعلك تروح ما تسلم وتجي ما تغنم وتنام ما تحلم جعلك من حكيم لحكيم وعن الدوا ما تعلم فاااضي لسوالف السكة الشمال بس هذا اللي فالح فيه يا من يحطك انت وبلبيس في علبة واحدة و ارسال طوالي على جزيرة بني نمنم خليهم يشوفوا شغلهم ويوروكم الشغل الصح بس حراااام أخاف أستأثم فيهم ويجيهم عسر هضم ولا سعار ولا كزاز ولا اسهال انتوا والله لو على الأرض يمكن لو في يدها تتعزز تستقبلكم تحتها من نجاستكم وعفنكم الله يتوب علينا خصوصاً تفيلين ايوا تفيلين هذا اسمك الجديد بدل سليطين مقتبس من حاجة يعملوها الناس على وجه اللي وجودهم عبارة عن عار وآثام متحركة وبلاهم في كل حتة وله علاقة باللعاب لو فهمت يعني هذا أقل شيء ينعمل فيك يا عرة الرجالة يا مسخ يا غول وتكوم المسوخ والغيلان طبعاً اذا ما عجبك في سفيلين شييطين تصغير قدوتك اللي غلبتها والمتمثلة في الشيطان اللي تفوقت عليه جعلك تروح ما ترجع وما احد فيك يشفع ولا يبكي عليك مدمع وتتفشفش بطلقة مدفع كرهتني في الفشفاش حسبي الله عليك دنيا وآخرة يا شبشب ابليس الشمال وبلبيس هي الفردة اليمين ويكرم القارئين الا صح ليه ما تطيح في بلبيس يقولوا حلوة مرررررة جعل الحلاوة تفارقها بس مو قبل ما ترفع عندك السكر وتفنقش وتفك الناس منك ومن بلاك ومرة واحدة تاخذ سكرتيرك الوسخ زيك معاك في ستين داهية بإذن الله عااااااجلااااااً غير آااااااااجل ،، محمد الله ياخذ اللي كان السبب للحتة اللي حيروحها شييطين وبلبيس غير مأسوف عليه 😭😭😭😭 والله انت حالك صعبان علي انا كمان مو بس هاينز جعله الماااغص على الحلق اللي لابسه هداه الله واللي حيقولي حرية شخصية حأقوله وانا حرية تهزيئية ،، محمد وملاك الاثنين مجروحين هي تلاحق الماضي وهو هارب منه واتلاقوا في منتصف السكة يا ترى حتاخذهم لوين ؟ هي حاضرها حبسها في الماضي وهو ماضيه قتل حاضره والله مو عاارفة ايش أسوي عشان أساعدهم 😭😭😭😭😭😭 ما عندي غير الدعاء أدعي لهم مرة وعلى بلبيس وشييطين ألف مليار تريليون مرررررررة 😈😈😈 محمد يا اخي انحرق وايش فيها ده حتى الأكل الحار والسپايسي ما في منه والنار احياناً ما تطفيها الا نار ثانية اسمع مني بس وانت بإذن الله مش حتندم 😇😇😇 بعدين يا الحبيب هدي اللعب انا اتخنقت لمن ما شاء الله قريت الوصف وانت ساحب لي اياها من تلابيبها بسم الله ما تسوى عليها المخلوقة عاد هي من لاشيء داخلة ويدها على قلبها تقوم تديها وتديني فجعة نستني ايش ابغى آكل يا شيخ ،، اعمل ايه انا دلوقتي 😂😂😂🙈🙈 لا وبعدين بالألماني يبقى قابلني لو طلعت بعقاد نافع يا وحداني بتاع الألماني 😂😂😂 وجنان احسبيني معاكم في الايسكريم يا بنت وكثري الكمية واتقوا الله في الضعيفة اللي هي انا والله حال جنى الصغيرة في رقبتك انت وابوها وابوك حسبي الله عليه وامك وبعدين تعال يا نصوري وحلها يا نصوري ما ينفع هذا الكلامخلوا الرجال يرتاح من همكم مو كفاية بلبيس جعل حوبتي ما تتعداها بس والله اللي خسرته مو شوية نيالك يا طنط ليلى 😂😂😂 الا صحيح نصوري رفض بلبيس هذه عرفناها بس عرف طنط ليلى ازاااي 😍😍😍 هذه لازم اعرفها عشان اعيد وازيد فيها واجدد احزان واحقاد بلبيس يمكن تفطس ونزوج المتورط فيها ونكسب اجر فيه وفي العالم ونرتاح 😂😂😂😂🙈🙈🙈🙈 وبس توضيح صغير تراااني طيييبة خالص بس هم زعلوني شوية ولازمن اعبر عن مكنوناتي 😂😂😂🙈🙈🙈 صح يا سنبلة الإبداع ❤❤❤ ما شاء الله ❤❤❤


في الجزء السابق اذكر كانت فيه جملة عن القدر كان للقدر كلمته او شيء زي كذا 🙈🙈🙈 حسب ما اذكر ،، اول ما جاء على بالي جملة شاء القدر وطبعاً هي ما تجوز فنبدلها بجملة شاء الله وكذا ،، بس في جملتك صراحة ما عرفت الحكم فقلت أسألك عشان نتأكد عشان ما شاء الله عملك من الروعة تبارك الله اللي تخلي الواحد ما يبغى اي شيء ممكن يخدش هذا الجمال ❤❤❤❤ الله يحميك يا رب ❤❤❤




ايوا صح والله يسلم حنين وجنينها ويقر قلب وعين بسام بهم وجعل الولد يتولد من هنا شييطين يسفرق من هنا والسااااااامع يقوووول آاااااااامييييييييين كللللللللللللووووووووووووووووش 😈😈😈😈😈😂😂😂😂😂😂😂 الى اللقاء بإذن الله 🙋🏻🙋🏻🙋🏻🙋🏻🙋🏻 و في الختام اهدااااااء يدل درررربه يقوللللل 🎹🎺🎹🎤🎺🎹🎤نصووورري يحبني 🎤🎺🎹🎤🎺🎤🎹🎺😏😏😏😏😏😈😈😈😈😇😇😇😂😂😂😂😂😂

أبها 18-03-19 08:26 AM

رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
 
أسعد الله صباحك. سمبلنيس ،، وجميع المتابعات ..🍃

طلال ..
اتضحت صورة الحادث المشين ،،،،
اتفاق بلقيس مع الشيطان، لاثبات خيانة طلال ونور،، 🤭
طلال كان هشًّا،، حظّه من الوازع الديني قليل،
ضعيف أمام رغبته الداخليه في الحصول على نور..لذا استمر في المعصية.
ولولا لطف الله ،، لانزلقت أقدام في وحل الخطيئة 😓

بلقيس ...
يا الله كيف يعمي الحقد أعين مبصرة ؟
أظن أن أن أنسب لقب يطلق عليها هو : بلقيس ابنة ابليس ..🤔
مع أن اسم بلقيس يرتبط في ذهني بصورة امرأة طيبة وجميلة 😁
رغم انكشاف جزء من ألاعيبها أمام زوجها وعبدالله،، وانكسارها المزعوم ، مازالت تنشر سمّها وخبثها على طلال في أول زيارة له بعد انقطاع، وتذكّره بجريمة هي من صنع يديها،،
( تسمحين لي سمبلنيس ،ودّي اخنقها هالحرمة 😡 )


سلطان ..
بلع الطُعم الذي ألقته فاتن ،، كيف سيكون لقاءهما ؟
تُرى.. هل ستنطلي حيلتها عليه أم سيتمكن من التعرف عليها ؟

ياسمين ..
واضح جدا أنها العنصر الخاسر في هذه المسرحية،، ورغم معرفتها بذلك إلا أنها مستمرة في المشهد . 😕

ملاك ..
سماحها لمحمد باقتحام خلوتها أولى الخطوات الصحيحة لانكسار الحواجز 👍🏼
اكتشافها الوشم وهو نقطة من بحر الغموض الذي يلفُّ محمد ،،
هل سيكون بداية لجلسة مصارحة ، وفضفضة لهموم أثقلت ذاته المتعبة ؟
تروالي بعد حركة الكوماندوز اللي سواها مع ملاك تحرّم تدخل غرفته مرة ثانية 😂

عبدالله ..
الحمدلله على سلامة الوصول ،،
مهما طال الزمن ، لابد للعودة لأرض الوطن ولأحضان الأحباب ،
اعتقد أن الهدية التي تدل على أنه راضٍ بقدره، وسامح من أخطأ بحقه، هي من نصيب طلال ونور ..😉

كل الشكر والتقدير للمبدعة سمبلنيس ..
بانتظارك بإذن الله ..🍃🌸🍃


الساعة الآن 05:30 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية