رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم توكلتُ على الله الجزء الثاني والخَمسون الفصل الأول لامَت نَفْسَها كَثيرًا على تَسرّعها.. لا تدري من أين أَتتها الثقة التي دَفَعتها لإطلاق وَعْدٍ تَعْلَمُ يَقينًا أنَّها لَن تَسْتَطيع الوَفاء به.. الأَمر ليس مُسْتَحيل.. لَكن في وضعها فهو مُسْتَحيل وجدًّا.. بالطَّبع لَن تَذهب للمستشفى لِتُحادِث طَبيب شَقيقها.. لا قُدْرة لَها على مُواجهة رَجُل غَريب، هي حتى لو تَحَدَّثت مع إحْدى المُمرضات بالتَّأكيد سَيَطْلِبَن منها التَّكلم مع الطَبيب مُباشرة.. فهن لا يَمْلِكَن الصَّلاحية لإصدار أوامر بخصوص المَرْضى.. إذن ماذا تَفْعَل؟ هل تَصْمت وتنطوي على ذاتها وكأنَّ شَيئًا لَم يَكُن؟ لَم تَسْلَخ الدُّموع وَجه والدتها ولَم يَنْهَش الأَسى قَلْبها لِفراق ابْنها؟ تَدّعي النسيان وتَنْكِر وَعْدًا نَطَقَ بهِ لِسانها؟ لا أَبدًا.. يُسْتَحال أن تَتلاعب بِحُزْنِ والدتها.. هي وَعَدت وما دامت لَم تَفِ فهي مَدينة لها حَتَّى هذه اللحظة.. ولو حَتَّى بلقاءٍ خاطِف بَينها وبَين وَليد قَلْبها في يَوْم العيد.. لَعَلَّ الكَمَدَ المُعَرْبِد بَيْن حَنايا رُوحها يَعْتَذِر عند اللقاء في ذلك اليوم، لِتغدو الرُّوح خَفيفة، وبها سِعة قادِرة على تَشَرُّب وَجَع ابْنها.... لكن كَيْف؟ كَيف سَتفي بالوَعْد! زَفَرت بحيرة أَضْنَت فِكْرها خلال الساعات الماضِية.. زَفْرَتها كانت مَسْموعة.. وَرُبَّما كانت مَحْسوسة من قِبَلِ الجالس على يَمينها.. رَفَعَ رأسه لها باحِثًا عن سَبَبًا لهذه الزَّفْرة المأهولة بالتَّعب.. توَقَّف عن مَضغ اللقمة حينما رَأى وَجْهها وَهُو مُسْهب في غرقه.. واضحٌ جِدًّا أَنَّها تَعيش صِراعًا بِصَمْت.. أَخْفَض بَصره لِطَبقها.. مُحْتواه من الأساس قَليل ومع ذلك لَم تَأكل منهُ الكَثير.. وكَأَنَّها لَم تَمسّه أَصْلاً.. المَلْعَقة في وَسَطه وهي مُمسكة بها بارْتخاء وعَيْناها مُتَعَلِّقَتان بشيءٍ لا يَراه، شيءٌ تُخْفيه عنه.. رُبّما هو الشيء ذاته الذي أَبْكاها فَجْرًا... ابْتَلَع ما في فَمه، مرّر لسانه على شَفتيه ثُمَّ نَاداها بهُدوء..: مَلاك "احْتاج أن يُناديها ثانِية لِيطْفو وَعْيها" مَــلاك الْتَفَتَت إليه.. نَظَرت لهُ بِضياع مُحاولةً فَصْلَ واقعها عن غوغاء عقلها.. اسْتوعبت بعَد لحظات، نَحَت عَينيها عنه وهي تُجيب بهمس: نعم أَشارَ لِطَبقها وعَيْناه لَم تُفارِقان مَلامحها: البارحة ما تسحرتين واللحين ما أشوفش تفطرين! نَظَرَت للطَّبق وكأَنَّها للتو تنتبه له.. قالت وهي تتناول شيئًا بَسيطًا بالملعقة: قاعدة آكل تاَبعها مُطَوَّلاً وهي تأكل.. كانت بالكاد تُحَرّك فَمَها لتَمضغ الطَّعام.. لُقمتان فَقط ومن ثُمَّ تَوَقَّفَت لِتعود لزوبعة أَفْكارها.. ما بها! بسرعة تَجاهل السؤال.. لا يُريد أن يُكَذِّب على نفسه ويُعاملها كالإنسان الطَبيعي ويُطيع تَساؤلاته.. سَيَحْبس اسْتنكاراته واسْتفساراته.. أمَّا اهْتمامه فهو لَن يَلْتَفِت لَهُ مَرَّة أخرى.. فبعد الذي حَصَل فَجْرًا، لن يَتَقَمَّص مُجَدَّدًا دور الزوج الحَنون العاطِف على زَوْجته.. لا يُليق به هذا الثوب.. لا يُليق بهِ أبَدًا. عندما أَبْعَدَ عَيْنيه عَنها حَرَّكت هي عَيْنيها إليه.. وكان دَوْرها للاستماع إلى تساؤلات ذاتها.. لِماذا لا تطلب من محمد المُساعدة؟ أليس ارْتباطهما في المَقام الأوَّل كان من أجل التعاون معها؟ وهذا تعاون.. صَحيح أنَّ الموضوع بعيد عن قضية والدها.. ولكنّهُ يَشْمل شخْصًا لهُ علاقة بخفايا القَضِيِّة.. أخيها يُوسف المُتَضَرّر الأكبر من القضية.. فليس خَطأً إن طَلبت منهُ المُساعدة.. فقد يكون ذلك في صالح القضية... حسنًا، انتهت من تحوير الأسباب وتَرميمها لِتَظْفَر بِسَببٍ مُقْنِع يَدفعها لِطَلب المُساعَدة منه.. لكن الآن، كيف سَتَتجاوز عَقَبة خَجَلها؟ انْتَبهت لِوقوفه.. حَمَل طَبَقه وكأسه لِيَتَّجه للمغسلة.. نَظَرت بِمَلل لِطَبقها، هو أنهى طَعامه وهي لَم تأكل أكثر من لُقْمَتَيْن.. على الرغم من عدمِ تَناولها أي شيء منذ فطور البارحة، إلا أَنَّها لا تشعر بالجُوع، مَعدتها فقط بَدأت بِمُعاقَبِتها ببضع آلام مُنذ ساعات العَصْر الأخيرة.. لكن الجُوع لا مَكان لهُ بين مَشاعرها.. فَكُلُّها مُتَّخِم بِفكرة واحدة. اسْتَدارَ بعد أن غَسَلَ طَبقه، الْتَقَت عَيْناها بِعَينيه.. تَرَكت المَلْعَقة لِتَنخفض يَدها في حضنها لِتشد على اليَد الأُخرى.. التَّردُّد الذي غَمَرَ مُقْلَتيها أَرْغمه على عدم التَّحرك.. وكأَنَّها تُريد أن تُكَلّمه.. نَطَقَ عندما لم يَصْدر منها فعل آخر: تبين تقولين شي؟ أَشاحت عنهُ بِسُرْعة وبِخَجَلٍ لَطيف بَدأت رُوحه تَألفه.. مَسَّت خدّها بطرف سَبَّابتها وهي تُجيب: بس كنت... كنت أبي يعني.. أسأل.. أبي أسألك هَزَّ رأسه: أي تفضلي اسألي رَشَّحت صوتها من التَّردد بِبَصر مُسْتَقِر على ذراعيه المَعْقودتيْن على صدره: يصير نطلب من دكتور يوسف إن يطلعه من المستشفى حق العيد؟ "وَضَّحت" أمي المسكينة كاسرها إن يمر العيد وهو مو حولها.. قلت لها بتصرف "حَرَّكت يَدها بتخَبَّط دلالة على بَعثرتها" بس ما أدري.. يعني ما أعرف شنو أسوي تَخَلَّصَت من تنهيدة أخرى بعد أن أنهت كلامها، ولكنّها لَم تَسْتَطِع أن تَتَخَلَّص من ملامح البؤس المُحْتَكِرة وَجْهها.. هُو الذي وَضَحت له الصُّور كامِلة، اتَّكأ بِساعديه على الكُرسي وجسده يَنحني قليلاً.. اسْتَفسر: يعني تبيني أكلم دكتوره؟ هَمَسَت وهي تُلقي عليه نظرة لحظية تورات من خلف أهدابها حاجة مُحْرَجة: إذا مو كلافة عليك : أكيد مو كلافة.. جان من البداية قلتين لي بدل ما تشغلين بالش "حَرَّكت كَتِفها تشرح تَيْهها وهُو واَصلَ بنبرة واثِقة" اعتبري الموضوع خالص رفعت عينيها وبتعجّب: شلــوون! وَضَّح وهو يَسْتقيم في وقوفه: يعني يوسف بيكون معاكم في العيد تَساءلت: يعني عادي.. يرضون المستشفى؟ أَكَّد: اي يرضون.. أصلاً المريض إذا تحسَّنت حالته يعطونه إجازة.. وإنتِ من آخر زيارة قلتِ إنّه كان زين هَزَّت رأسه: اي الحمد لله وهُو يَسْتعد للخروج من المطبخ: خلاص يعني.. ريحي بالش ابْتَسَمت له بامْتنان وبتلّات الخَجَل زاحَمت بؤس ملامحها: مشكـوور هَمَسَ آمِرًا ذاته بغض البَصَر عن زَهْر خَدَّيها: واجــب ,، بِعِناية فائِقة اخْتارت أَنواع الحَلويات التي سَتُرْسِلها.. أَطْباق كَبيرة فضّية وأَنيقة رُتِّبَت فيها قِطع الحلوى.. كؤوس ذهبية حَوَت نوعًا آخر من الحَلويات تَزَيَّن سَطحها بإضافات جَذَّابة ومُلْفِتة.. أَشكال ونكهات مُخْتِلفة من الكعك الصغير والكَبير والفطائر أيضًا.. كانت وَليمة من الحَلويات. اعْتَنَت بهذه الطَلِبية بِشكْلٍ واضح دَفَع أحد الطَّباخين للتعليق: يبدو أنَّها لشخصٍ مُهِم جَدًّا ضَحَكَت بِسِعة قَبْلَ أن تُجيب وَمِن عَيْنيها الْتَمَع حُسامَ حَرْبها: نعـم.. مُهِم جدًّا جدًّا أَضافَ: هذا كرم منكِ آنستي أن تُرْسلين للمباني المُجاورة حلوى العيد مالَ رأسها وبنعومة: شُكرًا للطفك "كَذَبت" أُحِب أن أتَعَرَّف على ناس جُدد.. والحلويات أَشهى هدية تعارف هَزَّ رَأسه موافقًا: هذا صَحيح "تَساءَل بعد أن جَهَّز الذي بيده" هل تُريدين شيء إضافي أم هذا كافٍ؟ : لا هذا جيّد.. لكن لا ترسلونهم الآن.. انتظروا حتى يَصِل الوَرد وارسلوهم معًا ضَحك بعلو: أيضًا ورد! الآن أنا أشعر بالفضول.. أريد أن أعرف من هو هذا الشخص المهم.. حلوى وكعك وورد.. هذا كثيــر تَمْتَمَت بابْتسامة جانِبية: لا هذا قليل.. قليـــلٌ جدًّا ,، تَطايرت أوْراق الخَريف الغافِية بانْهزامٍ على أَرْضٍ لا هي التي دفنتها لِتُنهي حَياتها.. ولا هي التي احْتَضَنتها لِتُجَدِّد الحَياة فيها لتنمو من جَديد وتَحْظى بعائلة تَحُفَّها.. اليومُ يَنْطَفئ الحُزْن لفترة، يَخلع الليل سواده تَبْجيلاً للعيد المُتباهي بِسَناهُ المُشْرِق.. الوُجوه دَعَكَت تَرَسُّبات الأسى.. غَسَلت بغيث العيد شوائب ما مضى.. وَزَرعت بين ثناياها ابْتساماتٍ تُعانِق أرواح الأَحِبِّة.. فللعيد دفءٌ خاص لا يَحْتَضِنك إلا حينما تكون بين أحْبابك. ثَبَّتت تاج الزُّهور على شَعْر صغيرتها والابْتسامة قَد تَوَسَّعت حتى غَمَرت رُوحها.. عيدها الأوَّل مع ابْنتها.. مَذاقٌ جَديد للعيد وشُعورٌ يَخْتلف عن كل الذي عاشته من قَبْل.. قالت بحُب وهي تُلْقي نَظْرة شامِلة عليها: بعد عُمري طالعة أحلى من القمر ضَحَكت بخجل وهي تلمس خصلات والدتها المُتحرّرة: إنت بعد حلوة ماما "وبإعجاب تراقصَ وَسَط عينيها" حلو شعرش وثيابش.. حتى مكياجش حلو قَبَّلت خَدَّيها بخفّة: حيــاتي عيونش الحلوة حبيبتي " وقفت متَّجهة للمنضدة حيثُ تستقر مجوهراتها البسيطة.. تَساءلت وهي ترتدي الأقراط" ماما متى تبين تروحين لبابا فيصل؟ أَجابت وهي التي جلست على المقعد تُراقبها بانْدماج: أنا للحين زعلانة عُقْدة خَفيفة بين حاجبيها وابْتسامة: ومتى بيخلص الزعل؟ بيصير لش أسبوع زعلانة هَزَّت رأسها: اييي "كَرَّرت" للحين زعلانة سؤال آخر: انزين ماما إنتِ ما قلتين لي من شنو زعلانة؟ يمكن بابا ما كان قصده يزعلش صَمَتَت لثواني وأصابعها تَعْبث بحاجيات والدتها فوق المنضدة.. همست: ماما ليلى قالت ليي إن اللي سويته غلط.. وأنا بس عرفت.. لكن بابا صرخ علي رَفعت ذقنها وبرقّة: ماماتي جنى.. بابا إذا في مرة صرخ فهو ما يقصد.. بس لأن يكون معصّب فيرتفع صوته.. هو يحبش وما يحب يشوفش تسوين شي غلط نَظَرت لها وببراءة: أنا بعد أحبــه.. بس أنا ما كنت أدري إن غلط.. والله.. بس ماما ليلى قالت لي لأن البابا ما يصير يشوف شعرش وما يصير يلمس يدش.. أنا ما يصير أخليه يشوف ثيابش تَساءلت وكأنَّها لا تدري: أي ثياب؟ بخجل أجابت وصوتها ينخفض أكثر: كنتِ بتوحشيني ماما.. وأنا أحب ريحتش.. أخذت قميصش معاي.. أشمها إذا بنام.. أحبـها أَرْخَت عاطِفة عَميــقة جِفْنيها، وابْتسامة من حُنو لاطفت شَفتيها بعذوبة.. انْحَنت لها مُحْتَضنة مَلامحها البَريئة.. قَبَّلت وَجْنتيها: بعد قلبي وعمري إنتِ.. بس مثل ما قالت ماما ليلى.. ما يصير بابا يشوفهم أَفْصَحَت الطِفلة عن سؤال من بين ضَجيج الأسئلة داخلها: ماما يعني إنتِ وبابا خلاص ما يصير تتصالحون؟ أَجابت بهدوء: ماما احنا مو متهاوشين : زين ليش للحين ديفورس؟ "عَبَّرت عن مُشْكلتها المُرْهِقة قلبها الصَّغير" أبي أَنام معاكم اثنينكم.. إذا أنام معاش يوحشني بابا.. وإذا أنام مع بابا توحشيني إنتِ "بنفاذ صبر تنهدت" متــى يخلّص الديفورس؟ ازْدَردت غَصَّتها بصعوبة.. أهدابها تَحَرَّكَت بسرعة مُحاولةً منع فِرار دمعة ساخِنة لَسَعت عَيْنها.. أوجعها هذا البوح من صغيرتها.. وكَسَرت قلبها نبرتها المُتْعَبة.. لا أُريد لِروحكِ العَياء صغيرتي.. لا أُريد أن تَشوب براءتكِ مُخَلَّفات ناضِجان أَفْسَدا الماضي مُتَجَهِلان الضَرر الذي قَد يَلْحقهُ الفَساد بالمستقبل. أَبْعدت خصلاتها عن عَيْنيها وهي تُحاول أن تُعيد رَسْم الابتسامة.. أَشارت لِيسار صَدْر جَنى هامِسَةً: ماما إنتِ قلبش أبيض مثل القطنة.. عشان جذي الله يحبش، وإذا طلبيتن منه أي شي بيعطيش.. ادعي ماما.. ادعي حبيبتي باللي تبينه وربي بيعطيش بأمل تَساءلت: يعني إذا طلبت منه يخلّص الديفورس بيخلّص؟ نَفَس عَميــق.. ارْتجاف نَبْض..: اي مـاما.. اي.. بيخلّص الديفورس ,، أَوْصَت جَميلة بوصايا لا تُعَد ولا تُحْصى.. حتى أَنَّ الأخيرة قالت بضحكة: والله والله بردهم لش كاملين.. ما بناخذ منهم ايد ولا رجل بَرَّرت لقلقها: لا تلومني جميلة.. أول مرة بيفارقوني اثنينهم.. خاصة بيان.. شوي عبود يروح المدرسة.. بس بيان كلش ما تتركني ابتسمت وهي تَنظر لبيان المُندمجة في الحَديث مع جُمانة داخل السّيارة: شوفيها مستانسة حدها "بثقة قالت" أنا قايلة ما يصلح لها إلا عزيز أيَّدتها: والله صادقة.. عبد الله أخوي وأبوي حاولوا أي كثر يخلونها تطلع معاهم ما ترضى إلا إذا كنت أنا معاها.. هذي أول مرة تروح مكان بدوني غَمَزَت لها: ومو آخر مرة إن شاء الله مازحتها: لا عاد لا تزودونها.. مو حلاوة هي كل مرة كل مرة أشارت لنفسها: أنا ممكن أستجيب لأوامرش.. بس عزيز مُسْتحيــل.. خلاص صارت بنته الثالثة "رفعت هاتفها الذي رن كاشِفًا عن رسالة" ها الطيّب عند ذكره.. يقول لي تأخرنا "قَبَّلت خَد غَيْداء" يلا حبيبتي أشوفش بعد جم ساعة نَبَّهتها: خلّي التيلفون معاش.. بكلمش كل بين فترة وفترة أتطمن عليهم ضَحَكت: أوووكــي أم عبّوود.. إنتِ بس تركي المحاتاة كَرَّرت والخوف يُراوغ اطْمئنانها: تحملوا فيهم جميلة أَشارت لعينيها: في عيوني "لوَّحت" مع السلامة هَمَست بابْتسامة مُرْتعشة وهي تُودّع صغيريها عن بُعْد: مع السلامة.. في حفظ الله انْتَظَرت حَتى غابت السَّيارة عن مَجال رؤيتها ثُمَّ عادت للداخل.. زَفَرت قَلقها وهي تجلس على الأريكة بالقرب من والدتها التي عَلَّقت: أشوفه هالعزيز حده مهتم في بيان وعبد الله.. حتى طلعة العيد ماخذهم مع عياله وهي تخلع غطاءها وابْتسامة حُب لفقيد قلبها تُعانق شَفتيها: من كثر ما يحب عمّار الله يرحمه تساءلت بنبرة لها معانٍ لَم تستوعبها غيداء: متأكدة بس عشان عمّار؟ عُقْدة حاجبين خَفيفة: اي يُمّه عشان عمّار.. هو قال لعبد الله إن واجد يحس نفسه قصّر من بعد وفاته.. فيبي اللحين يعوضهم وهي تسكب لها الشاي: اي زين فيه الخير " رفعت الكوب لفمها وقبل أن ترتشف قالت وعَيْناها حَوت رسائل اسْتعصى على غيداء قراءتها" بس تذكري يُمّه.. الرجال ما يخطون أي خطوة بدون سبب.. وترى قلوبهم مو مثل قلوبنا تمشيها العاطفة.. قلوبهم تمشيها رغبات ثانية ,، لِقاء يُوسف لا تُبْصِر منهُ العَين فَقط.. بَل يَحْيا بهِ القَلب وتُزْهِر منهُ الرُّوح.. مُنذ البارحة وحتى الآن رُبَّما احتضنته وقبَّلتهُ عشرون مرَّة.. أو أكثر.. تروح وتَجيء تنظر إليه، تُسَلِّم على عَيْنيه وتُعايدها مثلما تَمَنَّت.. تَطْمَئن بِحنانها على صَفاء ابْتسامته، وتَتَأكَّد من تَحُرّر حواسه من أَلمٍ أو وَجَع.. سَعيدة هي اليوم.. سَعيــدة والحُزْنُ أضاعَ الطَّريق ولَم يَعد يَتَسَكَّع بين حُجرات قَلْبها.. كانت تحمد الله وتشكره في كل قيامٍ وَقعود وكُلَّ ما عانَقت رُوحها ظِل ابْنها. قالت برجاءٍ مُتَلَهِّف: يُمّه يوسف اقعد معانا أكثر من أسبوع ضَحكَ بخفّة: والله يُمّه ما أدري مُحَمَّد بتوضيح: الدكتور قال إن إذا ما صار انتكاس في حالة المريض عادي يمددون له إجازته حُور التي لَم تفارقه: لا إن شاء الله ما تنتكس حالتك.. اقعد معانا أكثر "وبتردد أضافت وهي تُراقب ملامحه" ولو بعد الإجازة تتحول إلى رخصة وتقعد معانا على طول أحسن وافقها مما جعلها تبتسم بسعة: أنا بعد أقول جذي.. أحس إنّي مو محتاج للمستشفى.. أبي أرجع للبيت والشغل شجعته والدته: اي بعد عمري.. بس اكتفيت من المستشفيات.. والله هي اللي تزيد المرض.. اطلع وارجع لحياتك حبيبي.. أهم شي تكون مستمر على دواك حُور بحماس وهي تشد على يده: بنكلم الدكتور الأسبوع الجاي وإن شاء الله يوافق تَمْتم بابْتسامة: إن شاء الله كانوا جميعهم مُندمجون بموضوع الإجازة والمستشفى.. إلا هي كانت مُندمجة به.. عَيْناها قَد حَطَّتا على أرْضه السَّاكِنة لِتُعيد شُكْره مرة أخرى.. شَتَّان ما بين الأيام الماضية وبين اليوم.. والدتها وحُور كما حَمامتان قَد أُفْرِج عن فَرحهما.. تُحَلِّقان حَوْل يُوسف ببهجة وسعادة عظيمة.. كل واحدة لا تدري ماذا تفعل لِتُرضي يُوسف وتريّحه.. هي مُتَيَقِّنة لو أَنَّ الذوات تُهْدى.. لأهدت كُل واحدة منهما ذاتها له، ذات تكون بَدلاً عن ذاته المُشَوَّهة. هذا المشهد المُتَّخِم بالفرح تُدين به لمُحَمَّد.. فهو وَفى بوعده وَغَرَسَ في قلبها بذرة ثِقة ستترك سُقياها على عاتقه.. ستنتظر وسترى ما هي نهاية هذه البذرة.. شَجَرة كريمة تنهل عليها بالبركات.. أم جذور مَسْمومة تَزيد من علّتها. ,، تَنظُرُ إلى هاتفِها.. تُشْغِل نَفْسَها بهِ هَرَبًا من نِقاشٍ تَكْرهه؛ لأنها تعلم أَنَّ جَوابها لَن يتغير، وَأَنَّها لَن تَكشف أَسْبابه البَتَّة.. فَمن المُسْتَحيل أَن تُعَرّي غُرورها أَمام أَيًّا كان، حتى ولو كُنَّ شقيقتيها.. فَعينيها تَرْفضان أن تَسْكنهما نَظْرة حَرِجة، أو أَن يَجْبرهما خُزيٌ على الإشاحة.. فهي غير مُعتادة على نَظْرة الشّفقة، وأُذْناها لا تَقْبلان أن تَبْتلعان كلماتٍ تُنْطَق بنبراتٍ مُنْهَزِمة.. حتى الآن هي لَم تُهْزَم.. بغض النظر عن هجرته الغريبة، إلا أَنَّها لا تقبل بالاستسلام.. لَن يُثنيها إلا جَوابًا قاطِعًا.. أو رُبَّما صَفْعة تُوقظها من حُلْمٍ طالَ حتى الْتفَّ حَوْل عُنقِها وبات يخنقها. تَساءلت مَنار: للحين مصرة على جوابش؟ رفعت عَينيها ببرود وبنبرة حَوَت حِدّة مخفية: يعني تتوقعين تغيّر رايي عن قبل ساعة! قلت لكم لا يعني لا باسْتنكار: زين ليــــش! ما في أي سبب مُقنع للرفض مَرام بتوضيح: المُشكلة مو في رفضش يا مروة.. المُشكلة في إنَّ أسبابش واهية! ارْتَفَعَ حاجبها: دراستي سبب واهي! أَكَّدت: أي واهي.. اللي يسمعش يقول هذي توها في بداية دراستها والضغط لفوق راسها.. مو جنش متخرجة من سنة! عَلَّقت بسخرية: اييه لأنّي اللحين أسرح وأمرح.. ما كأنّي أشتغل ليل نهار.. حتى نوم مثل الأوادم ما أنام.. ما شاء الله علي فاضية عشان ألتزم بزوج وبيت وعيال منار بتعجّب: اللحين من اللي جاب طاري العيال! ليش إنتِ بتتزوجين اليوم وباجر بيصير عندش عشرة! : والله إذا عقدنا بتقولون ها متى بتعرسون؟ وإذا عرّسنا.. متى بتحملين؟ تأخر حملش.. روحي تعالجي.. وإذا جبت واحد.. ها متى بتجيبين الثاني؟ وهذي هي السالفة.. ما بنخلص لين ما أموت عُقْدة اشْتَدَّت بين حاجبي مَرام: إنتِ ليش جذي! ليش ما تعرفين تتكلمين وتتفاهمين مثل الأوادم إذا تكلمنا في هالموضوع؟ تشبّين علينا مرة وحدة حتى ما يمدينا نتكلم! : لأنكم تقهرون.. ما كأنها حياتي.. تبون تمشوني على كيفكم.. أنا أدري متى أبي أتزوج تساءلت منار وهي تطوي يدها على خصرها: ومتى إن شاء الله؟ أشارت لرأسها: كيـفي.. ياخي مو مستعدة حاليًا.. انا أدرى بنفسي نَطَقَت بنبرة مُلْتوية ذات معنى وهي تَرنو لها بطرف عينها: خوفتي بس الوقفة عند الدريشة تطوّل وفي النهاية ما يجي أحد احْتَدَّت نظراتها حتى شعرت منار أَنَّها تَرى لَهيب مُحَذِّر وَسطهما: شقصــدش! مرام بمُجاراة: والله قصدها واضح "أشارت للأعلى قاصِدة نافذة غُرفتها" إذا ناسية فالكلام المكتوب على حواف دريشتش بيذكرش وَنَفَسُها المُرْتعش المُتسارع يُنْذر بانفجارٍ قَريب: ترى واصلة لي لين اهني "وهي تُشير لأنفها" اتــقوا شرّي ووقفوا استفزاز أحســن لي ولكم وخلّوا هالعيد يعدّي على خير تَبادلتا مَرام ومَنار النظرات مُصْمتتان كلماتهما بامْتعاضٍ وعدم رِضا، فكلاهما مُقتنعتان بأنَّ رفض شقيقتهما المُتكرّر للخطّاب خاطئ ولا يَصُب في مصلحتها.. فهي تكبر سنة بعد سنة لا تصغر.. والعُمر لا ينتظر والحياة كذلك لن تقف من أجلها.. وهي جُل تركيزها واهتمامها من صالح دراستها وعملها، وكأنَّ لا شيء غيرهما يستحق الالتفات إليه. هي عادت لهاتفها، أَنفاسها الهائِجة تصطدم بالشاشة بحَنَق مَكْتوم غَصْبًا.. حَرَّكت إصْبعها على الشاشة ببعثرة لتَبديد غضبها.. اخْتارت أَحد التطبيقات لِتُوَجّه انتباه عقلها لغير الحديث الذي انطوى قبل ثواني.. لا تُريد أن تُفَكِّر في معنى الكلمات التي نَطقت بها الشقيقتان، عقلها يحتاج إلى راحة وهي أساسًا في فترة استجمام وتصفية بال.. فلن تُرهق أعصابها بكلماتهما الاستفزازية.. كان تطبيق "الانستقرام" الذي وقع الاختيار عليه.. أخذت تَتنقل بين الصور من غير تركيز، فهي لا زالت مشغولة بإزالة العوالق التي من شأنها أن تُعَكِّر صَفو بالها.. ظلت لدقائق تُمرر إصبعها بسرعة وبلا هدف والعُقْدة لَم تُبارح وَجهها.. وأثناء ذلك لَفَت نَظرها وَجْه.. وَجْهٌ بارَحَهُ الغَيْم سامِحًا بِلُقيا بَينه وبَين زُمُرّدتيها.. ازْدَرَدت ريقها وهي تَسْتشعر نُمو الغَصَّة؛ غَصَّة اللقاء.. تَحَرَّكَ إصْبعها بارْتجاف للصورة.. كُلّها كان يَرْتجف.. ضغطَت عليها، أَصبحت أكبر.. أَصبَح الوَجْهُ أَقْرَب.. أَشْرَقَ وَجْهها والليْلُ انْحنى باعْتذارٍ لِيَنسحب.. أَلَمان كانا يَسْكُنانها في تلك اللحظة، أَلم ارْتطام النبض بجُدران قَلْبها.. وأَلَم الشهقة التي فَرَّت من رُوحها.. أَهْدابها اضطَّربت، فَعينيها لَم تقويا على امْتصاص النُور الذي بَزَغ من ابْتسامته.. يا إلهي مُنذ متى لَم تُبْصِر هذه الابتسامة؟ صورته ظَهرت لها من العَدم.. فاجَأتها مثل حُلْمٍ أَتى بعد عامٍ من الكوابيس.. لا تدري كيف انتهى بها الأمر إليها.. رُبَّما إحدى زميلاتها الطبيبات قَد منحتها إعجابٍ أو تَركت أسفلها تَعليق.. لَم تُفَكِّر كَثيرًا.. رَفعت عَينيها لتتأكد.. كان حسابه الخاص.. عادت ونظرت للصورة.. تطمَئن على ملامحه.. على شَفتيها بانت ابْتسامة خَفيفة لاطفها حَنانٌ مُوارب.. لا زالت ملامحه مثلما هي.. سَمْحة.. مثل دفء الرَّبيع وبهجته.. لكن لَم يَخْفَ على فؤادها خَيط الحُزْن المُشاغب حَوَرَ عينيه.. اسْتنكرته ولكنها رَبطتهُ باختفائه الغَريب.. ما هُو سرّك عبد الله؟ اعْتدلت في جلوسها مُسْتَجيبةً لتعليمات نبضها المُتَحَمِّسة.. حَبَسَت أَنْفاسها.. تحرّك إصبعها من جَديد لينتقل بها إلى ملفه الشخصي.. مَرَّرت عَينيها على الصور الأخيرة بنظرة سريعة ومُتفحّصة.. نظرة في مُنتصفها تَعرقلت بمَلامحٍ أنثوية.. مَلامح كانت النَّقيض لِبَقِيَّة الصُور التي احْتَضَنت وَجْهه أو وُجوه بعض الزملاء أو حتى بعض المناظر الطبيعية.. اتَّجهت سريعًا لها.. للصورة التي جَمعت بينه وبين أُنثى تراها للمرة الأولى.. أُنثى لَها وَجْهٌ قَمري وَلونٌ يَكاد يُصَيِّره الشحوب شَبَحًا من شِدَّةِ بياضه.. بشرتها كانت رقيقة جدًّا للحد الذي أَظْهرت عُروقها.. تلك الأنفاس التي حَبَسَتها ها هي تَنطلق بهوجاء وبلا سيطرة.. عَيناها تَتخَبَّطان على كُل جُزء من الصورة، تَتفحصها بدقة، تُرَكّز في التفاصيل وتُحاول أن تُقَدِّر المسافة الفاصلة بينه وبين هذه الفتاة.. كانا واقِفان ومن خلفهما مَبنى لا تدرِ ما هُو.. رُبَّما مَعلمًا سياحيًا أو شيء كهذا.. لا يهم.. كانا واقِفان جَنْبًا إلى جَنب، مَسافة بَسيــطة جدًّا تلك التي كانت بينهما. مَسافة رآها جواها المُغتاظ أَصغر من الحَقيقة.. الشَمس كانت تُداعبهما بأشعتها التي تبدو دافئة من خلال النظر لملابس عبد الله الثقيلة.. كان هُو الذي يُصَوّر.. أما هي فكانت تقف بابْتسامة ناعِــمة بشكل مُسْتَفِز، وَيَدها قَد اسْتَقَرَّت أَعْلى حاجبيها مَظَلَّة تَحْمي عَينيها الغير واضحتين من الشمس.. وشعرها الأَشْقر قَد انْسَدل على كَتفيها بتموجات جَريئة. أَخفضت الصفحة للأسفل تنظر لتاريخ الصورة.. كانت قبل حوالي الشهر.. عادت ونظرت إليها لِتُزيد من الحَطب داخلها.. مُسْتَفِزَّة.. مُسْــتَفِزة الصورة وابْتسامته الواسعة أَكثر اسْتفزازًا.. وعنوان الصُورة كان عُود الثقاب الذي أَشْعَل النيران داخلها.. كان العنوان "مارتينا" بالإنجليزية وبجانب الاسم قَلْبٌ أَحْمَر! انتقلت سَريعًا لصورته عند اسمه لتكتشف المَزيد، أو لِتُحْرِق داخلها المَزيد.. ضغطت لتظهر لها صورة لطاولة بأطباق عديدة ومتنوعة.. أعقبتها صورة لتلك المارتينا وهي تحمل طبق كبير نسبيًا برأس مائل وبذات الابتسامة المُستفزة.. صُورة أخرى لطبق يبدو طبقه.. كان فارغًا إلا من السكين والشوكة وتعليق مَرِح "فاتكم غدا العيد الإيرلندي".. صورة أخرى تجمعه بصاحبة الابتسامة المُستفزة وبرَجل لا تدري من هُو لكن مارتينا كانت متعقلة بذراعه بكلتا يديها.. رُبما شَقيقها أو صديقها أو زوجها.. لا تدري.. أما الصورة الأخيرة فكانت الأكثر وَقاحة بالنسبة لها.. هُو ومارتينا يقفان عند الفُرْن بانْسجامٍ وانْدماج.. والتعليق "نعلمها تسوي قهوة عربية جان نخطبها" وختمها بأيقونة لوجهٍ يَضحك.. انتهت الصور.. وانتهى مَخْزون الأنفاس المُتَّزِنة.. كُل الذي بَقى مُخَلَّفات للوَغى التي التهبت داخلها.. كانت تَسْتنشق الغيرة والقَهر لِتزفرها جَذوة تُرْمِد الهواء حَوْلها.. ضَغَطَت على الهاتف وهي تُعيد مُشاهدة الصور.. بل تُعيد جلد قَلْبها.. هُو هُناك مُرْتاح وَسَعيد وَيستهل حَياةً جَديدة.. وهي هُنا تَحْترق وتعرق وتزفر اشْتياقًا إليه وغيرة عَليه.. أي عَدْلٍ هَذا! تبًا له.. تبًا لك عبد الله.. تبًا لك ولمارتينا المُستفزة. ,، تَم العَقَد.. تَم التَوقيع على حُلْمه.. تَمَّت مُوافقتها على خَوض الحَياة مَعه.. تَمَّت ولادته.. ها هُو يُوْلَد من جَديد، يُولَد بابْتسامة لا بصرخة تركل الدُّنيا... يُولَد بقلبٍ تَتراقص فيه النَّبضات زَهْوًا وَطَرب.. يُولَد بالتماع عَين وارْتعاش أطرافٍ وارْتباك حَواس.. الليلة هُو سيتعرف على طَلال جَديد، وهي أيضًا ستتعرف على طَلال جَديد.. طَلال آخر غير ذاك الذي صَفعتهُ الدُّنيا وصالت وجالت بَين قَلبه وَرُوحه وعَثَت فَسادًا.. آآآه ما ألذ الشُّعور.. ما ألذّه وأشهاه.. أهذا هُو شُعور المرء حينما يَلمس حُلْمه؟ شُعور التحَليق في السماء.. الغوص في بَحْرٍ من أَفراح.. التقَلّب عَلى أَرْضٍ من رَبيع وأَزهار.. الليلة هُو جُزْءٌ من لَوْحة حالِمة قَد عُلِّقَت على أحد جُدْران الدّنيا انتصارًا، والناس من حوله يتأملون الحُب النابض فيها. صَحيح أنَّ عقدهما قَد تم قَبْلَ فترة.. لكن الليلة وبعد تصديقه في المحكمة.. وبعد تسليم نسخة منه لناصر.. وبعد تلقّيه التَهاني والتبريكات.. اسْتَشعرَ حُلْمه بكيانه كُلّه.. تَأكَّد بأنّه حَقيقة.. لَيْس وَمْضة عابِرة في المَنام.. ولا سِرًّا يَخشى هَتك ستره. : شوي شوي على وجهك لا ينشق من الابتسامة نَظرَ لرائِد الذي يقف على يساره وبذات الهَمْس: خلنـي.. خلني أعيش اللحظة اللي انتظرتها نص عمري ابْتَسمَ لَهُ بِعَطْف اتَّضح في عَينيه وهُو يقول بِمُشاكسة: زيــن إثْقل شوي وخفّف من الابتسامة لا تفشلنا عند الرجال هَمَسَ لهُ بحاجب مرفوع: ما يهمنـي انْتَبه لفيصل الذي يقترب.. وقف عنده ليقول بابْتسامة: هــا بتروح اللحين؟ تَساءَل بعدم فهم: وين؟ ضَحَكَ رائد: شفيك.. ما تبي تشوف زوجتك؟ ازْدَرد ريقه وبسؤال: عادي يعني اللحين؟.. أقصد يعني الرياييل موجودين.. عادي أطلع؟ رائِد بِمُزاح: اللحين مو توّك تقول ما يهمونك؟ وَضَّح: أقصد يعني أمشي وهم موجودين أَجاب: بس خلصوا من المبارك والتسليم.. ما بتسوي لهم شي بوجودك.. احنا موجودين وما أعتقد اللحين بعد بيجي أحد.. ها شقلت بتروح لو بتنتظر لين طلعتكم؟ رائِد بتشجيع وحماس: رُوح رُووح خوك.. شتبي في الرجال.. روح لمرتك تَحمحم وبهمسٍ باسِم: زيــن رَتَّب لهُ رائد غترته ثُمَّ مَسَح على كَتفيه وبابْتسامة واسِــعة: قَمــر قَمــر ضَحَكَ بخفّة لرفيق دربه وبهمسٍ راجي: دعواتك غَمَزَ لهُ وبمحبّة: الله ويّاك خُـــوك مَشَى مع فَيصل تارِكان المَجلس الخارجي قاصِدان داخل المنزل.. فتح فيصل الباب وبصوتٍ جَهور تُمازجه بحّته المُميّزة: يـــا الله... يـــا الله تَأكَّد من خلو المَكان من النساء ثُمَّ الْتفت لطَلال قائِلاً وهُو يُشير للداخل: ادخل.. هي في المجلس.. أعتقد تدله ما يحتاج أدلك نَطَقَ بتعجّب: بتخليني أدخل بروحي! ضَحَك: شفيك طَلال صاير طفل؟ ما بتاكلك إختي.. للحين هي نتفة مثل ما تركتها تَساءل عندما رآه يبتعد عن الباب: انزين إنت وين بتروح؟ : بروح للرجال حق العشا "رَبَّت عَلى كتفه ثُّمَّ دفعه بخفّة" توكّل توكّل داخل دَخَلَ باسْتجابة مُتردّدة.. أغلق الباب ثُمَّ خَطى بهدوء ناحية المَجْلس.. وَقَف أَمام الباب، نَظَرَ إليه وعَيْناه تَرْسمان لهُ صُورًا عَديدةً لها.. هي في الدّاخل الآن.. بأي شَكلٍ تنتظرهُ.. بأي وجه وبأي نَظْرة؟ هل هي مُبْتَسِمة، أَم أن عُبوس الماضي لا يَزال يُقَوِّس شَفتيها الصَّغيرتين؟ عَلى خَدّيها تَضَّجِع حُمْرة الخَجَل أم جَمْرة غضَب؟ أَهدابها الطَّويلة قَد شاركهما الكُحل لِتَزيين عَينيها أم أَنَّهما كانتا للدّموع مُسْتَقَر؟ هَل ارْتَدَت إليهِ الأبْيَض أم أنَّهُ جاء مُتَأخّرًا بَعد أن طَلَّقته من ألوان حياتها؟ تَساؤلات كَثيرة كانت تَحْتدم داخله.. وهَواجس شَتَّى تُعَرْقِل مَسيره إليها.. ظَلَّ واقِفًا عند المَجلس بشَجاعة مَبْتورة.. خائفًا من اللقاء، ومُعَرَّى من ثِقة لَم يَخِط عَباءتها مُنذ ليلة الخيانة.. اسْتَمَرَّ وقوفه لفترة لا يعلمها، واقفٌ والأفكار تَتلقف عَقله وتُضْعِف من عَزيمته.. وهُو مُنَشَدِه لغرقه لَم يَنتبه لباب المَنزل وهُو يُفْتَح.. ولا للخطوات التي أخذت تقترب منه.. ولَم ينتبه لوقوفها بجانبه.. كان مَشْغولاً بكامل حَواسه بارْتباكه وتَردّده.. إلا أَنَّ مَسًّا ناعِمًا، أُنثويًا وحَنونًا نَبَّهه.. احْتضان كَف تَزْخَر بالعَطْفِ والدَّفء غَمَرَ يده.. حانت منه الْتفاتة ليلتقي رَماد عَيْنيه بوجهٍ فارقهُ لِأكثر من عامين.. ابْتَسَمَت لهُ بِحُــب بَحَثَت عنهُ ذاته اليَتيمة في هذه الليلة.. هَمست بملقٍ لَم تتوقع أن يتفجّر في نفسها عند لُقياه: مَبـرووك حَبيــبي نَطَقَت دَمْعة فَرَّت من ماضي طِفْلٍ مَنبوذ؛ لترعى وَسَط عَيْن أربعيني شابت رُوحه من الدّنيا.. هَمَسَ ببحّة والدّمعة تَرسم طَريقها على خَدّه: غَيــ ـداء ارْتفعت يَدها وبرقة مَسَحت دمعته وهي تهز رأسها تَنهاه عن البُكاء، وهي التي لَم تستطع كَبْح لِجام بُكائها.. احْتضنها بِشَوْقٍ عارم وامْتنانٍ عَميـق اسْتشعرته بقلبها.. الحمد لله أنَّها أطاعت عبد الله وحضرت.. الدّهشة التي عانقت وجهه عندما رآها وَخَزت ضَميرها.. وكأنّهُ طِفل قَد تحققت إحدى أمنياته المُستحيلة. وَصَلها هَمْسه القريب من أذنها: غيداء اللي في عمري عيالهــ ـم طولهم.. وأنا توني بدخل على زوجتي.. بدخل عليها بشيبتي ابْتعدت عنهُ قَليلاً لترى وجهه وهي تَقول: طَلال خيـ ــرة.. صدقني خيرة.. كلنا ما ندري وين الحِكمة من اللي صار.. يمكن لو كانت لك قبل بيكون ضرر لك ولها.. ما تدري هَزَّ رَأسه بتفهم وابْتسامته تتسع.. قَبَّل جبينها بصمت وهي قالت بعد أن شَدَّت على يده: خلنا ندخل عشان تشوفها اسْتفسر: إنتِ شفتينها؟ : لا والله.. توني جاية من بيتنا.. اللحين بشوفها معاك "تساءلت بابتسامة جانبية" مستعد؟ اسْتَنشق نَفَسَ عَميق أَعقبه بزَفيرٍ تَخَلَّصَ معهُ من كُل الضياع الذي داخله.. هَزَّ رأسه: إن شاء الله طَرَقَت الباب بخفّة ثُمَّ فتحته وهي تقول بمرح: ســلام يا عرووس لَم يرفع رَأسه لكن وَصَلتهُ شَهْقَة نُور المصدومة ونبرتها الباكية وهي تنطق بـ"غيــدااء".. تركت غيداء يده متجهة لها وهُو عَلَّقَ بصره بالوَرد الأبيض والزَّهري المُحْتَضِن خاتَمي الزواج الذي اختراهما هُو.. لَم يلتقِ مع نُور مُنذ آخر لقاء في شقته.. نعم هُو قابلها وهي زوجته عدّة مرات.. بل واقترب منها واحتضنها.. لكن الليلة كُل شيء مُختلف.. كُل شيء كما لو أنَّه المرَّة الأولى. حَشَرَ يَده في جَيْب ثَوْبه يَعْبَث بمفاتيحه، يُلْهي ارْتباكه.. كانت لا تزال تتحدث مع غيداء بكلماتٍ هامِسة لَم يُرَكِّز فيها.. بَصره وَقَع عَلى كُل شي في المَجْلِس عَداها.. كان يتجنّبها ويتَجَنّب المَجال المُحيط بها. عادت إليه غَيْداء وهو لا زال في مكانه.. نظرَ لوجهها المُحْمَر من البُكاء.. كانت تبتسم على الرَغم من سَحابة الحُزن المُسْتَقِرَّة عند ناصية وَجهها.. لا يَلومها.. لا يلومها أبدًا.. هَمست لهُ: أنا بروح اللحين للبنات داخل.. إنت اقعد شوي مع زوجتك بروحكم.. عشان عقب شوي تجيكم المصورة هَزَّ رَأسه بابْتسامة مُرْتَعِشة.. مَسَحت بحنان على كَتِفه قَبل أن تُوَدّعه بابْتسامة... تجاوزته وظَلَّ يُناظرها حتى خَرَجت من المَجْلس وأغلقت الباب من خَلْفها.. عادَ وأَدارَ وجهه لجهة زوجته ويَده تترك جَيْبه.. قَبضَ بيده على ثوبه ومن ثُمَّ بَسَطها بخفّة، وكأنَّهُ يَتَخَلَّص من آخر شُعورٍ مُرْتَبِك.. لَم يَتَحَرَّك، لَكن عَيْناه تَسَلَّمتا المُهِمَّة.. حَبَت العَيْنان على الأرْضِيَّة الرُّخامِية كما طِفل يُجَرّب الحُرِّية للمرَّة الأولى، بلهفة وبنَبْضٍ مُتَحَمِّس.. تَوَقَّفَتا عند قَدَميها المُنتَعِلَتين خُفٍّ ناعِم يُلامس الأرض.. تَبَسَّمَ، فهي تَستقبله بطولها الذي يُحِب، بداية مُبشِّرة... واصَلَ رِحلته عابِرًا ساقِيها المَكْشوفتين حتى توَقَّفَ عند طَرَفِ فُستانها وَأَمرَ أَنفاسه كذلك بالوقوف.. أَبيْـض.. تَرْتَدي أَبْيض.. رَمَشَ مَرّاتٍ مُتتالية، شَحَن طاقة أَنفاسه لِيُكْمِل الرحلة.. حيثُ في مُنتصفها الْتقى بِكَفَّيها الرَّقيقّتيْن المُمسكتين بباقة ورد بَسيطة جدًا، وبَيْضاء أيضًا.. واصَلَ وَتنهيدة بطول سنوات انتظاره تَسْتعد لإطلاق سراحها.. وَهُناك.. عِندَ شاطئ العَيْنين أُفْرِجَ عنها، تَرَكت قَلْبه لِيَسْكنهُ وَجْه حَبيبته.. آآه.. تَرَفَقي بي.. ترفقي بقلبي.. ترفقي بذاتي المَعْطوبة.. ذاتي التي لَم تَعْتَد على هذا الكَرم من الدُّنيا.. هل كُنتِ في السابق هكذا جَميلة؟ أَم أنَّ الحرمان يَجْعل الأشياء عند اللقاء أَجْمل؟ لا لَيس الحرِمان.. أَنت جَميلة مُذ كانت ذراعاي تَتسعان لجسدكِ الصَّغير.. أَتذكر ذلك جيّدًا.. أَتذكر أَنَّ عَيْناي لَم تُبْصِران قَمَرًا كَوجْهَكِ.. كُل الوُجوه كانت ليالٍ حالِكة.. وَوجْهَكِ النُّــور الذي يُهْديني لطريق السّماء.. طَريق الحُلْم الذي أَضَعته مُذ خُسِفَ قَمَركِ. أخيرًا تَحَرَّكت قَدماه.. خَطى إليها تَحت ناظريها.. لَم تَكن تنظر إلى وجْهه.. ولكنّها كان ترى خُطواته.. كان يَمْشي على نَغْمِ نَبَضاتها.. يَمْشي إليها كما لَو اَنَّهُ يأتيها للمرة الأولى.. شَدَّت على وَرْدها عندما تَوَقَّفَ أَمامها، بقُرْبها.. يُبْصِر ارْتباك أَهْدابها ويُصْغي لِبَعْثَرة أَنْفاسها.. ها هي يَدهُ تَتحرّك.. لا تدري إلى أين وجهتها ولكنّها تقترب منها.. توقفت عند كَتفها، مَرَّر ظاهرها على خصلاتها الغافِية فوقه بنعومة قَبْل أن تنتقل لِعُنقها، أَغْمَضَت مُسْتَشْعِرة الدّفء الذي بُثَّ منها وَرأسها قَد أمالتهُ نسائم الهَوى المُنتشي منها المَكان.. حَرَّكَ إبهامه مُتَحَسِّسًا نَبْضَها كأنَّما يَطْمَئن على الشَّوق المُتَّخِم داخلها.. أَبْصَرت وهذه المَرَّة العَينُ في العَيْن.. ابْتَسَمتَ لَهُ والكُحل الذي لازمَ خياله ها هُو يُعانِق جِفْنيها المُحْمَرَّين.. يُعانِقهما بجُرأة أثارت غيرته، لذلك أمَرَ شَفَتيه بالاقْتراب لِتَقْبيل جِفْنَي النُّور.. اتَّسَعَت ابْتسامته لِضحكتها المكتومة بحرج، عاد ليتأمَّل وجهها والصَّمتُ لَم يُفارقه.. فالكَلامُ يُصَيِّرهُ اللقاء ابْتذالاً يعتزله المُحبّون.. فبالصَّمتُ يُطَهَّر الحُب من خَطايا اللسان.. فَيعلو صَوْت نَبْض الفؤاد.. وتُنَظِّمُ العَيَنُ أَشْعارًا تُلْقى على وزن بحر الرّمش والهَدَب. رحلته هذه المَرَّة أرادت به أن يَسْتَقِر.. فَقد تَعِبَ الجَوى من مَسافات قَطَعها لسنواتٍ وَسَنوات.. وَهُناك عند مُفْتَرِق الغِياب والسَكَر أَنْهى رحلة البَحث عن النُور.. مُبْتَدِئًا رِحلة جَديدة يُمازجهُ فيها.. رِحلة بها يُلْقي كُلَّ الذي مَضى خَلْف ظهره.. يَرْمي بالذكريات في قعر مُحيطٍ لَن يَجوب بحاره.. رِحلة يَعْزِم فيها على حَرْق آثامٍ خَلَت، وعلى تَبديد السّواد عن رُوح التي بَيْن ذراعيه.. هذهِ الأُنثى التي اخْتارها القَدَر لتكون الدّواء لذاته. أَبْتَعَدَ عنها قَليلاً، تَفَحَّصَ عَيْنيها مُنَبِّشًا عن أَثَرٍ لِتَلك الليلة.. نظرت إليه هي أيضًا.. لَم يَر شيء.. لَم يتَّضح لهُ شيء غير الخَجَل الذي ضاعَفَ من حُسْنها الأخَّاذ. هَمَسَ بِبَحَّة المشاعر المُتَّقِدة سامِحًا للسانه بالتَّعبير: يا بعد قلبي ورُوحي وكل دنيتي.. رجعتين لي.. رجعتين لي نتفتي احْتَضَنت خَدّه بيدها المُرْتَعِشة وبهمس: شلونـك؟ أَمْسَكَ بيدها، قَبَّلَ باطِنها ثُمَّ أَجاب بسؤال: وشلونه العطشان إذا لقى ماي قلبه؟ "احْتَضَنها دافِنًا وجهه في عُنُقها حيثُ قُيِّدت الذات.. هَمَسَ لِيعترف لها بأشهى أحلامه" أبي أرتوي وأرْتوي.. لين أنسى العطش ولياليه ووجعه.. أبي نبدا من يديد وننولد من يديد.. أبي أعيش حياة خالية من كل اللي كان.. حياة ما فيها إلا إنتِ عانقتهُ هي وشَدَّتهُ إليها كموافقة على حُلْمه المُعَنْوَن بالحِرمان.. هي أيَضًا تُريد أن ترتوي إلى حد النسيان.. تُريد أن تشطب كُل الذي خَطَّته على صَفحات الذكريات.. تُريد أن تَحيا مع الذي تَمَنَّاهُ قَلْبها المُراهِق وعقلها النَّاضِج.. لا يَهمّها من هُو ومن هي.. فالامتيازات تسقط في الحُب.. لَم يهمها ذلك أَبَدًا.. لَم يهمها اللقب الذي يَسْبق اسْمها.. وَلم تَلتفت لفروقٍ يُبهرجها المُجْتَمع لِيَضعها حاجزًا بينهما.. تُريدهُ عَقلاً وقَلْبًا ورُوحًا.. تُريدهُ أمانًا ودفئًا.. تُريده حُضْنًا وقُبْلة.. وتُريدهُ ظَهْرًا وسَنَدًا وَرَجُل.. لا تُريد شيئًا آخر.. تُريد طَلال وَكَفى. ,، الأيَّامُ انْطوت لليالٍ وَمَضَت الأَشْهر وهي تَخْفي بَين جنباتها خبايا قُلوبٍ وكلماتٍ تَرَدّدت بالبَوْح فاختارت الصَّمت والمُشاهدة.. البعضُ لا زال يَرْقُدُ فَوْقَ السَّحابِ في السَّماء.. والبعض يَتَوَسَّدُ أَرْضًا مَسكية وقاحِلة لا تملك جواب.. والبعض تائه بين هذه وتلك.. أَما جَنى فاليومُ هي تَخْطو لبداية مُتَحَمِّسة لها.. بداية في مدرستها الجَديدة.. يَدٌّ مُمسكة بكف والدتها.. والأخرى مُمسكة بكف والدها.. تنظر لأحدهما ثُمَّ تنظر للآخر بابْتسامة تَتَّسِع بسعادة.. وقلبها البريء يَتمنى لو أَنَّ ظلَّهما يَحْتضنها دومًا. دخلت المدرسة برفقتهما وعَيناها تُلاحقان الطُّلاب والطّالبات.. وتُوزعان نظرات التفحص والاهتمام على الأرجاء.. الصفوف والساحات.. والمُعلمات والمُعلّمين.. داخلها رَهْبة بسيطة من الجَو الجَديد وخوفٌ بسيط من المُسْتقبل.. تُرى مع من ستعقد صداقتها؟ من سيدرسها مادة الرياضيات التي تُحِب؟ وفي حصص الرياضة هل سيلعبون الجُمباز الذي تخاف؟ انْحَنت لها والدتها التي لَم يَفُت أُمومتها الارْتباك المُشاغِب أهدابها.. مَسَّت ذقنها برقة وهي تقول: أشـووف "تفَحَّصَت وجهها ثُمَّ قالت بثقة" لا واضح عدل إنش متحمسة للمدرسة.. صح؟ هَزَّت رأسها بابْتسامة مُتردّدة وجنان واصلت كلماتها المُحَفَّزة وهي ترتب غرّتها على جبينها: ماما بتستانسين وااجد.. خالو ندى قالت لي إن أول يوم يسوون لكم أشياء حلوة ويعطونكم هدايا بعد.. استانسي وتعرفي على الطلاب والطالبات اللي معاش بالصف.. وقولي لي إذا رجعتين شنو صار أوكي؟ والحَماس بدأ ينمو داخلها: أووكي ماما رَفَعت رأسها لوالدها الذي تَساءَل: ها بابا مستعدة تروحين لصفش؟ هَزَّت رأسها: ايييه ابْتَسَمَ لها: مشينا اتَّجها بها إلى صَفّها المعرّف لهما مُسْبَقًا.. وَقَفا عند الباب، هُو قَبَّل جَبينها ثُمَّ قال بحُب: بالتوفيق حبيبتي جِنان احْتَضَنت يَديها بِمَلَق: ماما أنا راح أجي آخذش نهاية الدوام نَظَرَت لوالدها باسْتفسار وهُو أجابَ على سؤال عينيها بطفولة: بابا أنا رئيسهم.. لازم أطلع آخر واحد.. ما أقدر أجيش حبيبتي.. بس كل يوم بوصلش الصبح هَمَست برِضا: أوكي قَبَّلت وَجْنتيها جِنان ثُمَّ ناولتها حَقيبتها: يلا يا عمري.. استانسي وصيري مؤدبة وشطورة "قُبْلة أخرى ثُمَّ لوَّحت لها" مع السلامة بادلتها التلويح وبابْتسامة قبل أن تدخل الصف: مع السلامة تابَعتها بِعَينيها الحارِسَتَين حتى اخْتارت لها مقعد وجلست فيه.. تَلَفتَّت يُمْنة وشمالاً وهي تلعب بأصابعها الصغيرة.. حَنَّ قلبها لمنظرها التائه وبنبرة باكية: فيصل شوفها.. كأنها تايهة وَضَّح: وضعها طبيعي.. مدرسة جديدة وجو جديد غير اللي كانت فيه.. أكيد بتخاف وبتقلق وبتحس بعدم إنتماء وهي لا تزال تُراقبها: أحسها غاصَّة بصيحتها ضَحكَ وبمُشاكسة: والله إنتِ اللي غاصة بصيحتش.. شوي شوي وبتتعود.. لا تحاتينها هَمَست وهي تبتلع بُكاءَها: إن شاء الله أَخْرَج منديل من جيبه ومَدَّهُ لها: خذي ابْتَسَمت له بامْتنان: شُكْرًا وَدَّعت صَغيرتها بنظرة أخيرة ودعوة قلبية بالحماية والتوفيق.. ثُمَّ تَحرَّكت مع فيصل لِيخرجان من المبنى.. كُل ذلك حَدَثَ تحت أنظار الواقف بالقرب من السُّلَّم.. مُذ رآها لَم تَغِب عن باله.. ثوانٍ تلك التي رآها فيها ولكن لا يدري لِمَ لَم تُغادِر فِكْره.. انْتظر أن يَراها في الأشهر الماضية في المدرسة.. أو رُبَّما في أي مَكان.. فالبَلدُ صَغيرة، واحتمال رؤيتها ليست بمُسْتحيلة.. تَصَوَّر في خياله كُل السيناريوهات والمواقف التي قَد تَجمعهما حينما يَلتقيان.. لَكنّهُ أبَدًا لَم يَتصوَّر هذا الموقف وَلم يخطر على باله.. لَم يتوقع أبَدًا أن تكون أُمًّا لإحدى الطالبات! على الرغم من أنَّهُ التَّوقع الأكثر واقعية.. لكن رُبَّما اهتمامه بها تجاهل هذا الاحتمال لِيُكْمِل قُصّة خياله الغبية. : نادر... نادر انْتبه للصوت.. كان زميله.. أجاب بهدوء وعقله لا زال يُحاول أن يستوعب: نعم؟ تَساءَل باستغراب: شفيك؟ صار لك مدة واقف اهني وتطالع ذيك الجهة.. في شنو مفهّي؟ أَجاب بنبرة عادية: لا ولا شي.. بس انْدمجت وأنا أشوف الطلاب يدخلون : انزين شوي بعّد عن الدرج خلهم يركبون.. مضايق عليهم هو الذي للتو ينتبه لمكان وقوفه: أووه ما انتبهت تَساءَلَ بشك: من صدق ما في شي نادر؟ كرّر بجدّية: صدّقني ما في شي.. يعني شنو بيكون في؟ هَزَّ رأسه: زيـن "استطرد" حتى ما مداني أبارك لك بالسنة الدراسية الجديدة.. كل عام وإنت بخير ابْتسمَ لهُ بخفّة: وإنت بخير رَفع يده: أشوفك بعدين انْتَظَرَ حتى ابْتَعَد زميله ثُمَّ تَحَرَّك للصف الذي دخلتهُ جَنى.. تَوَقَّفَ عند الباب وعَيْناه تَبْحثان عنها.. كانت تتحدث للطفلة التي تجلس بجانبها.. دَقَّق في ملامحها جيّدًا.. على ما يبدو أنها تشبه والدتها.. لحظة.. رُبَّما ليست والدتها.. من الممكن أنَّها تكون عمّتها أو خالتها.. رَفع رأسه لأعلى الباب يستعلم رقم الصف.. من الجَيِّد أَنَّهُ رَفيقًا لِعلاء الذي هُو المُشْرِف على صُفوف رِياض الأطفال.. يَحتاج أن يعرف أكثر عن هذه الطفلة.. أن يعرف أكثر عن الأنثى التي شَغلته في الأشهر الماضية.. وعن ذاك الذي كان يَمشي معها بغُرورٍ مُسْتَفِز. انتهى |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
اقتباس:
مَشكورة حبيبتي على المُساعدة.. يعطيش العافية. اقتباس:
هههههه حيا الله بأم العَريس واضح الحب العمَيق لنصووور *_^ نورتين حبيبتي. |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مَساء الخير جَميعًا لفت نظري تعليق لإحدى الجَميلات وقلت ممكن تكون الفكرة عند الجميع أو البعض، فقلت أوضّح. قصة أي من الأبطال لم تَنتهِ بَعْد.. موقف طَلال ونُور ليس دليل على نهاية قصتهم، أو أي موقف آخر لباقي الشخصيات.. هذه المواقف ما هي إلا بداية للنهاية.. توجد الكثير من الأمور غير المكشوفة لحد الآن.. وأعتقد إن عندكم تساؤلات بخصوصها. النهاية أقرب من السابق.. ولكن لم نصل إليها بَعْد. |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يا سلام عليك يا سوسو شو اتحفتينا بهالبارت كمية و زخم جمالي مو طبيعي ما شاء الله لقاء طلال بغيداء ونور كان مستعصي على التعبير مؤثر مؤثر مؤثر جداً ادمعت عيناي بصراحة جنان هل ممكن يكون نادر تذكرة عبورها لحياة فيصل ولا النار اللي رح تحرق جسور الوصل بينهم ...؟ عندي شعور انه رح يستجاب لجنى إن شاء الله يسلمو ايديك يا سوسو العسل كلي شوق للآتي تقبلي خالص ودي |
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
السلام عليكم
سلمت يمناك سمبلنيس .. اعتبره جزء هادئ، خالي من الأعاصير ، إلا من مشاعر تدفقت من بعض أبطالنا .. ملاك& .. الزوج عون لزوجته ، وسند تتّكأ عليه ، وشجرةٌ وارفة تستظل بفيئها.. لا ينبغي للحرج أن يتواجد بينهما.فلِم الخجل .! محمد & .. البسمة التي رسمتها على شفاه النسوة الثلاث ، سيكون لها أثرها الطيّب في نفوسهن .. حتماً ستجني ثماره قريباً .😉 طلال&.. ألف مبروك تحقق الحلم💗 سمبلنيس .. خوفتينا على نور وطلال 😓 بعد حرمان السنين ومرارة الأيام لا نريد لطلال سوى السعادة ولَمّ شمله مع نور . جنان& فيصل . اصطحابكما لجنى إلى مدرستها معاً، عمل تربوي عظيم،👍🏼🍃 له أثره البالغ على نفسية جنى الحاضرة والمستقبلة.. نادر .. من وين طلع ؟؟؟. 🤔 حسبنا دوره ثانوي وانتهى ..الله يستر . كل الشكر والتقدير لك سمبلنيس 🍃💐🍃 |
الساعة الآن 07:42 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية