منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f498/)
-   -   ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي (https://www.liilas.com/vb3/t200312.html)

missliilam 19-02-19 02:15 PM

رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
 
❤❤❤❤❤❤ جيت طيران الله يحييك ويبقيك يا سنيلة الإبداع ما شاء الله 😻😻😻😻😻 هلا هلا بأم طلولي وعبودي وحمودي ونصوري كلهم على العين والراس الا بلقيسوه الشريروه الحاقدوه بنت ابليسوه 😂😂😂😂 طلول ايش صار عليه اكيد مداه يتعلم يقفل ازاريره بنفسه البزر الكبير ده 😂😂😂😂 والله لك وحشة يا بت جعلها آخر الغيبات ان شاء الله ❤❤❤❤❤

bluemay 20-02-19 11:55 AM

رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
 
ههههههههه


ربنا يسعدك يا لي لي

عسل انت وتعليقاتك



بإنتظارك على احر من الجمر يا سوسو

simpleness 22-02-19 04:52 AM

رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
 
السّلام عليكم ورحمة الله و بركاته

في البداية بس بحذركم إنّي راح أهذر.. فاللي مو حاب يقرأ هذرتي ينتقل للجزء مُباشرة.. بس لأنّي أعتقد إنّ من حقكم تتوضح لكم بعض الأمور بعد هذا الغياب الطّويل.

أول شي شلونكم؟ شخباركم جميعًا؟ يعلم الله إنّي اشتقت لكم وبشدّة.. ما كأنها سنة اللي مرّت، أحسها أكثر.. أشعر بالغرابة من هذه العودة.. لكن أتمنى إن الأمور بترجع طبيعية شوي شوي.

السنة اللي فاتت وبعد الحادثة اللي واجهتني تغيرت الحياة بالنسبة لي، نظرتي للحياة تبدلت.. نفسي صارت ثانية، وفقدت شغفي في كُل شيء أحبه.. كُل شيء بلا استثناء.. وأوَّلها الكتابة والرواية تحديدًا.. كرهت الرواية للحد اللي خلاني أندم على كتابتها.. تشاءمت منها لدرجة كبيرة.. وحتى الشخصيات كرهتها.. حاولت ولمرات عديدة إنّي أكملها.. بس كنت أضعف من ذلك، كنت أكتب سطرين وأمسح عشرة.. فقدت اهتمامي فيها وهجرتها، كنت وبكامل حواسي عالقة في تلك الليلة.. وتيقنت إن من السهل على الإنسان إنّه يتألم.. لكن من الصعب عليه إنّه يشوف اللي يحبهم يتألمون.. وكان هذا الأمر يوجعني ويعيدني لنقطة الصفر كُل مرة.. حتى سنتي الدراسية كانت الأصعب والأكثر ضغطًا من بين كل سنواتي.. فكانت النتيجة تذيّل الرواية لقائمة اهتماماتي.

لكن الحمد لله.. السقوط في بعض الأحيان نعمة.. عشان يكون الوقوف أقوى وأكثر ثقة وثبات.. لا أقول لكم أنّي شُفيت تَمامًا من فقدي لتلك الحَمامة.. لكنّي أفضل ولله الحمد.. وأرجو منكم الدّعاء لها بالرحمة ولعائلتها الصغيرة براحة القلب.

كان المفروض الجزء ينزل قبل أيام.. لكن انشغلت مع إجراءات التخرج والبحث عن وظيفة.. وقَد تلاحظون من الجزء أن العودة رُبّما مُختلفة.. لا أدري، ولكن أشعر أنّي فقدت الكثيــر من قُدراتي الكتابية.. لذلك اخترت أن يكون أول فصل بعد العودة خَفيف نسبيًا.. بعيدًا عن المواقف الصعبة والمعقدة والتي تحتاج قُدرة وتركيز كبيران.. لكي لا تكون النتيجة رَكيكة.

مُمكن تحتاجون تسترجعون الأحداث السابقة.. وحابّة أذكركم إنّ آخر موقف من الجزء السابق.. موقف عبدالله تحديدًا، كان فيه نقلة زمنية بسيطة.. قرابة الشهرين ونصف.. لذلك بتشوفون بعض الأحوال تبدّلت.. وأي موقف سابق لم يكتمل.. بيكتمل إن شاء الله في باقي الأجزاء حسب المُخطط له.

أعتذر على الغياب الطويل.. أعتذر على البعثرة في حديثي.. وأعتذر على الجزء إن كان مُحبِط.


قراءة مُمتعة.

simpleness 22-02-19 05:03 AM

رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
 
بسم الله الرحمن الرحيم
توكلت على الله

الجزء الحادي وَالخَمسون
الفصل الأول


أَبْصَرتْ الصَّباح مُشْرِقًا يُخامره بِضعُ دِفء.. صَحيح أَنَّ الشَّمْسَ كانت مُتَسَيِّدة.. مُلْتَهِبة وَحارِقة.. إلا أَنَّها اسْتَشْعَرَت نَسيمًا دافئ أَيْقَظ رُوحها مِن سُباتٍ كان هُو حاديها في أَيَّامٍ خَلَت.. رُبَّما هذا النَّسيم وَليد الابْتسامة التي أَلانت مَلامح أخيها المُرْهَقة.. هي زارتهُ قَبْلَ أَيَّام.. كان واعٍ تَمامًا.. خِلافًا للزّيارات السَّابِقة والتي كان فيها بِنصف وَعي.. في بعض الأيَّام لَم يَسْتَطع التَّعرف على أَي واحدة منهن.. فَعَيْناه تَظلَّان تَجوسان المَلامح بِصَمْتٍ وَغِياب.. وَكَأنَّهما تُبْصِران عالَمًا آخر وَحياة غَير التي تَحْمِل جَسَده.. وَكَأَنَّما الرُّوح قَد هاجَرت لِمَكانٍ غَامض.. وَبَقِيَ الجَسَد مُعَرَّى من الوُجود وَمَبْتور الشُّعور..،
ارْتَفَع صَدْرُها بِهُدوء لِتَلْتَقِط ذَرَّات هَواء نَقِيَّة بها تُجَدّد الأَنْفاس.. اسْتَنْشَقَت بِعُمق وَمِن ثُمَّ انْخَفَضَ وَفي جُعْبَته نَسائم صَبْر وَحياة...ابْتسامة تَوْأمًا لابْتسامة شَقيقها لاطَفت شَفَتيها وَدقائق الزّيارة الأخيرة لا تفتأ أن تطرق باب ذاكرتها.....

،

يَدا حُور الرَّقيقتان صَيَّرهُما الشَّوْق حُضْنًا يَتَّسِع لِكَفِّه العَريضة.. تُناظره وَابْتسامة الحَنان مُتَشَبِّعة بها مَلامحها.. مَضَت ثَمانُ دَقائق مُذ شَاركَهما الجُلوس بَعد أن ناداه المُمَرض.. وَطوال تِلْك الدَّقائق لَم توَجّه بَصَرها لِغَيْره.. هُو وَلِحُسْنِ الحَظ هذه المَرَّة، كان مُنْتَبِهًا وَبِدِقَّة لِطُيور الشَّوْق التي تَبْعثها لهُ بِناظِرَيها وَلَمَسات أَناملها الشَّبيهة بالهَمْس.. وَكَأنَّها بِهن تَسْرِد على صَفْحة كَفّه رَسائل اللَّوْعة وَالكَمَد التي غَزَتها مُذ غابَ طَيْفه عَن رُوحها..، هُو كان بين الثَّانِية وَالأخرى يَضْغَط بِحَنوٍ وَمَلق على يَدها.. اسْتجابة لِفَيْضها العَذب الراوي عَطَش ذاته المَسْقومة.. نَطَقَ بِبَحَّة مُوَجِّهًا الحَديث لِشَقيقته، وَابْتسامة مائلة زارت شَفَتيه: صار لكم اسبوعين
هَزَّت رَأسها وَهي تُبادله الابتسامة: ايــه.. مرّوا اسبوعين
تَصَدَّعت مَلامحه قَليلاً لِتَشي عَن ضِيقٍ يُخامر خاطره وَهُو يَقول: كنت أتمنى أكون موجود يوم زواجش.. وَأنا اللي أسلّمش لزوجش "انْتَصَفت كَلماته تَنهيــدة أَسَف" بــ ـس..ماكان بيدي
تَقَدَّمَ جَسَدها للأمام حَتَّى الْتَصَق بَطْنها بإطار الطَّاولة المُتَوَسِّطة جُلوسهم.. هَبَطَت يَدُ أُخوَّتها على كَفّه المُرْتاحة فَوْقَ الطَّاولة.. ضَغَطَت بِشِدَّة حانِية كَأَنَّما تُقَوّيه: ما عليه حَبيبي.. هذا اللي الله كاتبه.. وترى كنت معاي طُول الوَقت في قلبي وعقلي
تَساءَلَ لِتَقر رُوحه بالاطمئنان: وشلونه محمد معاش؟
عادت لِجُلوسها السَّابق.. أَسْنَدَت ظَهْرها بالمقعد وَهي تضع ساق على الأخرى وَتُجيبه بابْتسامة خَفيفة: الحمد لله.. ما شفت منه إلا الخير
ارْتَفَعَ حاجبه وَفي عَيْنيه بانَ الْتِماع مُشاكِس مع إفْصاحه عن سؤاله: وإنتِ شلونش معاه؟ إن شاء الله مو مسببة له ضيق أو تعب
اتَّسَعَت ابْتسامتها بِسعادة للانْشراح الذي تَراه يسبغ فيضه على روح شَقيقها.. فَرحت من محاولته للمُزاح لِيُزيح بَعْضًا من غُبار الكآبة الذي تَكَوَّم عَلى حياتهم الأسابيع الماضية.. أَجابتهُ بثقة: لا تخاف عليه.. هُو في مأمن مدام أنا موجودة
عَقَّبَت والدتها: إختك مرأة فاهمة وعاقلة.. لا تحاتي.. إن شاء الله كل أمورهم بخير
أَرْخى حَنانٌ أُخوي مُرَكَّز الشُّعور مَلامحه.. رَمَشَ بِخِفَّة وَهُدوء.. كَما لَو أَنَّه يُبارك لَها حَياتها الجَديدة بِلُطْفِ أَهْدابه.. هَمَسَ لها بِحُب صادِق نَقي: الله يسعدكم ويجعل التوفيق رفيقكم وما يفرّقكم أبَدًا.. وإن شاء الله نشوف عيالكم قريب
تَمْتَمَت بِبَصَر أَخْفضَتهُ الخَفايا التي لا يَعلموها: إن شاء الله
حُور التي كانت صامتة شاركَتهم الحَديث وَلكن بهجوم خَفي وَجَّهت سهامه لِمَلاك.. قالت وَهي تُناظر زَوْجها: خسارة لكن.. ما رضت نسوي لها حفلة
ارْتَفَعَ بَصر مَلاك مُباشرة ناحية حُور.. أَرْسَلت لَها شَرارت تَهْديد عَن بُعْد.. لَم تُعرها حُور اهْتمام.. نَطَقَ يُوسف وَالتَّعجب يُأطِّر وجهه: ما سويتوا حفلة! توني أدري.. ليــش! أحد يتزوج بالسَّكتة!
والدته أَوْضَحت وجهة نظر مَلاك التي كانت مُنْتَبِهة لِتَعارك أناملها الغارِقة بِعَرق التَّوَتُّر: تقول لا إنت موجود ولا أبوها الله يرحمه.. ما تبي تنزف له بروحها.. وعلى قولتها الحفلة والفستان وهالأمور كلها شكلية وما لها داعي.. وبعد إسراف
حاجِباه أَرْفعهما اسْتنكار خالَطهُ تَعَجُّب لَم يَغِب عَن نَاظِرَي مَلاك: إسْراف! ليش إنتِ شنو بتسوين! شي بسيط مافي تَكلُّف.. كل بنت في الدنيا تهتم في هالأمور ملاك.. ليلة زواجها تحلم فيها والفستان الأبيض تتمناه من وهي طفلة
حُور بِقَهر صَريح: قلت لها عالأقل البسي فستان أبيض بسيط.. وتزيّني وروحي معاه صوروا انتوا الإثنين.. ذكرى حلوة
بِنَبْرة هادِئة انْتَصَفتها ابْتسامة بارِدة: هذا كان قرارنا أنا ومحمد واثنينا مرتاحين للطريقة اللي تم فيها الزواج
يُوسف أَفْصَح عَن ضِحْكة قَصير ماهي إلا مُخَلَّفات تَعَجُّب كَبير: غَريــــب!

,

ابْتسامتها تَلَوَّنَت بِسُخْرِية مَريرة بانَ وَجَعُها في عَيْنَيها.. هي كَأيِّ فَتاة.. وَإن نَطَقَ لِسانها بعدم رَغبتها بالزواج.. إلا أَنَّها رَسَمَت في مُخَيِّلتها حَفْلَ الزَّفاف.. خَطَّطت لهُ على صَفَحات قَلْبها الزَّهْري.. وَخاطت من ضَوءِ أَحْلامها المُشِع بالبَياض ثَوْبًا يَحْتَضِن جَسَدها العُــ ـذ... ..ر.. ..ي
أَسْدَلَت جِفْنيها لِتغمض بِشِدَّة مُغْلِقة المَنْفَذ الذي تَفر منهُ دُموعها.. لا تُريد أن تَبْكي.. سَئِمت البُكاء.. قَلْبُها هَمَسَ لها ذات فَجْرٍ بِضَعف.. ضاق ذرع نَبْضي وأَرْهَقني الوَجَع.. يَكْفيني ما مَضى.. لِنَتَجاهل.. لِنُطْعِم الرُّوح النسيان.. وَلِنُلَوِّح للَألم بأيْدينا المُحَنَّاة بِالمآسي.. هذه الأَيَّامُ تسبقنا بَعْدَ أن تَنْهَب جُزء من أَنفاسنا.. وَنَظل مَع كُل صَدْمة وَمُصيبة نَشْهق.. وَكَأنَّ الرِّئتان تَمُدَّان يَدًا تَسْتَجدي نَفَسًا يُصْمِت فَراغ الرُّوح...،

: شعندش واقفة في هالحر يا عرووس؟ ادخلي لا تذوبين من الشمس.. بعدين شلون بتقابلين الحَبيب؟

أَزاحت جِفْنيها بَعْد أَن جَمَّعت الكَمَد في زاوِية بَعيدة عن الرُّؤية.. درْأً للشَّفقة التي قَد تَطعنها بِصَمْتٍ قاتل.. الْتَفَتت لِفاطِمة بَعْدَ أن رَسَمَت ابْتسامة نِصفها مُزَيَّف.. فهي وَليدة فَرَح مُشَوَّه.. نَطَقَت بهدوء: صدق هالشهر ذبحتنا الشمس.. بس أحس اليوم صايرة حنونة.. دافية مو مثل كل يوم تسلخ جلدنا.. يمكن لأنّه الخَميس؟
غَمَزَت لها وَهي تَقول بِمُداعبة: هذا كله من سوايا الحُب.. لا الشمس حَنونة ولا شي.. والله إنها لاعبة بحسبتنا لعب.. والدفا جاي من الحَبيب يا مَلاك
تَبَسَّمت لها ابْتسامة لَوَّنتها بِخَجَل مُزَيَّف.. فَهي لا تَسْتطيع أَن تَرْتَدي عَباءته.. حَتى لَو كان الخَجَل فِطْرة لا بَد أن تَتَأَصَّل في دِماء الإناث.. إلا أَنَّها دُون الإناث جَميعًا.. لَيس من حَقِّها أَن تَخْجَل.. نَجْسٌ هِي، وَخرقة بالية تُواصِل تَشَرّب مُخَلَّفات قَتْل والدها..، انْتَبَهت لِيَد فاطِمة التي امْتَدَّت لها.. أَخْفَضَت بَصَرها فاتَّضَحَ لها ما كانت تُمْسكه.. كيس مُتَوسّط الحَجم.. أَقرب لأن يَكون كَبير.. كَيف لم تَنْتبه له مُنذ البِداية؟ رَفَعت بَصَرها لِفاطمة التي كانت تَنظر للكيس وإمارات الحَرَج ألانت مَلامحها بوضوح.. نَطَقَت بنبْرة مُنْخَفِضة وَلَكِنَّها مَسْموعة: هذي هدية زواجش.. أعتذر لأنها متأخرة.. بس كنت أخاف أعطيش إياها في وقت غير مناسب
ابْتَسَمَت لها بِتَفَهم.. فهي تَعني بكلماتها ظروفهم مع أخيها.. تناولت منها الكيس قائِلة: ليش تكلفين على روحش؟ تكفيني مباركتش ودعواتش الصَّادقة
أجابت: لا حبيبتي مو كلافة ولا شي "داعبت خدّها بلُطْف" وإنتِ عروس لازم ندلعش
اتَّسَعت ابْتسامتها: تسلمين بعد قلبي



كَتِفٌ يَسْتَنِد عَلى إطار نافِذة تُطِلُّ عَلى صُبْحٍ مُتَرَدِّد.. وَكَتِفٌ يَقع على الضِّفة الأخرى.. بلا سَنَد ولا يَد مُرَبِّتة.. هَبَطَت دَمعة عَلى خَدّها الشاحِب، بَقَت لثوانٍ تَلتمع قَبَل أن ترتفع كَفّها وُتُزيحها بظاهرها.. ظَلَّت تَرمش بِوَهنٍ وَيَأس.. أَهدابها الطَّويلة غَزَتها سُحُبٌ ماطِرة.. أَغرقتها حَتى أمالتها بِحُزنٍ خائِب الأَمل.. مَرَّت ساعة وَهي على هذا الوقوف.. اسْتحمت وارْتَدَت ملابسها وَأتت تَزور نافذتها الصَّامتة.. لا صوت يرتفع سوى الضَجيج المُحْتَدِم داخلها.. كَلامٌ كثير.. عِتاب.. بُكاءٌ وَدُموع.. وُجوهٌ تَتمازج بملامح مُتناقضة.. الجميع مَسجون داخلها وهي التي فاتها إطلاق سَراح رُوحها.. فَظَلَّت معهم مَسْجونة.. بهواجسها وقَلَقِهَا الصَّدِئ .. تآكلت رُوحها.. وها هي على مَشارف المَوت.. فَلِمَ البَقاء والجَميع يُحاربها؟ والدتها لَم تُحادثها منذ تلك الليلة المَشؤومة.. تشاجرت معها.. صرخت وحَنَقت في وجهها المَصْدوم.. لامتها وتلفَّظت بكلمات طَعنتها.. لازالَ ألمها يَتَسَكَّع بين حُجْرات قلبها

"بتخليني أصدّق الكلام اللي قالته بلقيس عنش وعن طَلال"
"جم واحد رفضتين من طلقش عبد الله؟ ولا فوق العشرين واحد.. يوم قررتين توافقين.. وافقتين على خاله!"
"اللي بينش وبين طَلال ما كان بريء.. ما كان بريء أبدًا.. لكن الشره عَلَي وعلى أبوش.. كنا واثقين فيه وفيش يا دكتورة"

أغمضت بأسى مُر.. اسْتطعمت مَرارته في حلقها الغاص بوجع قلبها.. لِمَ تُوَجَّه إليها أصابع الاتهام كُلّما تَعلّق الأمر بعلاقتها مع طَلال في الماضي؟ هي واثقة أنها كانت بريئة.. حتى عندما كانت تَتَصيّد المواقف لتزوره خلسةً لَم يُخالجها شُعور سيء أو رغبة دنيئة لا سمح الله.. اعترفت لنفسها بأخطائها.. نَدمت ولامت وعاتبت ذاتها.. لكن أيستحق ذلك الخطأ كُل هذا العِقاب؟ أولاً بلقيس.. ثًم والدتها.. من التالي؟ رُبما عبدالله.. عبد الله الذي طَلَّق الوَطَن وأدار ظهره لعائلته وهَجَرهم.. سافرَ بَعيدًا بعد أن تَواجه مَعَ طَلال.. تَكاشفا بَعيدًا عَن أعين الجَميع.. لَم يَعلمَ أحد ما دارَ من جِدالٍ "رُبّما" بينهما.. لا تدري أَهو جِدالٌ فعلاً ذاك الذي تَوسَّطهما.. أم كان حَديثٌ عادي، يَخلو من كُل شيء.. حَتى من الوِد كان عاريًا.. فهل يُعْقَل أن يُزْهِر الود بَينهما بعدَ الذي كُشِف؟ وما الذي كُشِفَ أسَاسًا.. يا إلهي.. سَتَرَت ضَياع الأسئلة الجَليَّة على مَلامحها بِكَفّيها الفَقيرتَيْن من جَواب.. زَفَرَت بإرهاقٍ شَديد.. لَم تَنم مُنذ تلك الليلة.. وإن غَلَبَ النّعاس عَينيها المُتَرَقّبَتين، قاطعَ تَعَبها كابوس يَحمل على جَنحَيه السوداوَين وجه بَلقيس.. وعَيني عبد الله المُعاتِبَتَيْن.. البارحة أخبرها والدها بإن موعد حفلة الزواج البسيـــطة جدًا سيكون بعد العيد بيومين.. يعني بعد أقل من أسبوعيْن من اليوم.. لا تدري كيف حصلَ هذا.. ووالدتها! عبد الله المهاجر.. بلقيس.. غيداء والجَميع!.. رُبما اسْتَجَدَّ الكَثير بينما هي مُختَبئة في كَهف عزلتها الصامت.. لَم تصلها أي أصوات أو أخبار.. حتى جُود بعد أن ظَلَّت لأيّام تُطْرِق باب غرفتها استسلمت في النهاية وغابت معهم.. وكأنهم في عالمٍ يُوازي عالمها.. وَيُستحال أن يحصل الالتقاء إلا إذا هي تَجَرَّأت وَتجاوزت الخط الذي رسمته... أَخفضت يدها وعقلها لا زال يُحاول أن يستوعب المُدّة المُتَبقيّة.. أيام قليلة فقط.. هي ليست جاهزة من جَميع النَّواحي، ليست مُسْتَعدة نفسيًا وجسديًا وعقليًا.. رُوحها هَشَّة وبها ثُقوب كثيرة تَشخب منها السعادة يومًا بعد يوم وهي ساجِنة نفسها في هذه العُزْلة.. تائِهة هي، والمَوْج يَتَلَقَّفها عَلى هواه ثُمَّ يُلْقيها كُلَّما اشْتَهى البَحْر أن يُغْرِقها في نفسه.. كيف تهتدي.. وإلى من تهتدي ومتـ

: ماما نُــور

من حَنْجَرتها هَتَفَتْ شَهْقة طِفْلة صَغيرة، عانَقَ قَلْبها صَوْت والدتها بعد ليالٍ من زَعيق نَبْضٍ ضائع مُضطَّرِب.. الْتَفَتَ وَجْهها دُون جَسَدها.. وَكأنهُ كان خائف من أن يَلسعهُ جَليد المَكان الفارغ من وُجودها، فقد يَكون حُلْم سينتهي بعدَ ثوانٍ.. لكن عَينيها الْتَقَتا بِبَوَّابَتي الدّفء، وابْتسامة مِن حنو خيطت حَتَّى صَيَّرها اللقاء مِعطفًا مِن أَمَل احْتَضَنَ ارْتعاش رُوحها.. تَزاحَمتَ الدُّموع سَريعًا في عَينيها، وَكأنّها لَم تَسْكنها لليالٍ.. هَبَطت على وَجْنتيها بالتوالي مع ارْتفاع صَدْرها كاشِفًا عَن شَهْقة جَديدة.. أَعمْقَ وَأكثر حِدّة.. نادت والدتها تَسْتنجد بها قَبَل أن تَسْتعطفها: مـا مــ ـا
شَدّتها بلطف من ذراعها حَتى أَوْدَعَتها حُضْنها.. كَفٌّ تَمْسح على رَأسها، وَكَفٌّ تُلْقي بالحِمْل الذي بَدأَت صُخوره تُغادر كَتِفَيْها. نُور تَشَبَّثَت بوالدتها بيَدَيْن كان الارتجاف قُفَّازًا لهما.. كانت ترتعش كَمحمومة والدُّموع تَنسكب من مُقلَتيها كَسَيْلٍ هُدِّمَ السَّد الذي يمنعه.. نَطَقَت من بين تَسْميات وَصلوات والدتها: مامــ ـا والله.. . والله ما ... ما سويت شـ ـي... .. .. . والله
عَقَّبَت بسرعة لِتُهْدي ابْنتها راحة كانت مُسْتحيلة: أدري يا ماما أدري.. أدري حبيبتي.. "قَبَّلت جانب رأسها قَبل أن تُكْمِل" أبوش وطلال قالوا لي كل شي
رَفَعت رأسها لِتَنظر لها مُسائلة وعَدستاها اللامعتان تَطوفان على وجهها الرَّقيق: يعنــ ـي مسامحتني ؟
ابْتَسَمت لها بِسِعة وحَنانٍ انْتَعَشَ لهُ قَلْبها الفَزِع: مو زعلانة منش عشان أسامحش.. بس كنت خايفة عليش يُمّــه
هذه المرّة هي التي ابْتسمت.. وأَخيرًا ابْتسمت بَعد ليلٍ طَويــلٍ من البؤسِ والعَبوس.. عادت إلى عُش والدتها وعَيْناها تُغْمضان لِتَسْتَشعر برُوحها النَّعيم، وَأَنفها يَسْتنشق الاطمئنان مع كُل شَهيقٍ وَزفير.. حمدًا لله.. حمدًا لله.. وَكأن الكابوس قد طَعنَ شَيطانيته بَريق أَمل كاد أن يَموت قبل دقائق.. هَمَسَت من أعْماق رُوحها: الحمــد لله

صَوْت يُجابه مُشاغبة البُكاء: آسفـ ـة على مقاطعة المشهد.. بس لازم نتحرك بسرعة.. ما في وقت يا عروس
ابْتعدت عن والدتها لتنظر لجود التي تقف عند الباب بابْتسامتها المعتادة التي اشْتاقتها.. وبضع دَمعات كانت تَطل من عينيها تَأثُّرًا.. همست: جُــود!
اقْتربت جُود وهي تَقول بعد أن لاحظت شعر نُور المُبلّل: زين إنّش متسبحة.. بس بدلي ملابسش عشان نروح السّوق.. ما في وقت
والدتهما نطقت مُعارِضة: خليها تاكل لها لقمة قبل
جُود باسْتنكار: يُمَّـــه أي أكل! البنية صايمة
ضَرَبَت جَبينها بخفّة وهي تغمض للحظة: استغفر الله ياربي.. راح عن بالي كلش إن احنا في شهر رمضان "أشارت لوجه نُور" شوفي إنتِ وجهها شلون أصفر من قلّة الأكل
تَساءَلت ببحّة وهي التي لا عِلَم لها بشيء: ليش السوق!
جُود باسْتغراب قابلتها بسؤال: بابا ما خبّرش عن الحفلة!
مَرَّرَت لسانها على شفتيها وهي تبعد خصلتها خلف أذنها: بلى قال لي
هَزَّت رأسها وهي تبتسم ابْتسامة واسعة: ايــه يا عروس.. نحتاج تجهيزات الدنيا.. ترى ما اشترينا شي.. غير النفنوف طبعًا
عُقْدة خفيفة بين حاجبيها: النفنوف؟
أجابت هذه المرّة والدتها وهي تُشير لجود: أَصَّرت إنها تفصله.. قالت إنها تعرف ذوقش وشنو تحبين
أكملت جُود: والمقاسات تقريبية من عندي.. جهز من يومين.. واليوم العصر عندش أول بروفة
اعْترضت نور والعُقْدة تزيد: من قال بلبس نفنوف!
ارْتَفَعَ حاجِبَي جُود باسْتنكار: لا والله ؟ وشنو بتلبسين إن شاء الله إذا ما لبستين نفنوف مَدام طَلال؟
أَجابتها بارْتباك وذراعها تتحرك لخلف ظَهرها، وَنبضها يَستجيب لاسمه الذي غاب عن سَمْعها: أي شي.. بس مو نفنوف "وبتردد أضافت" أصلاً ما له داعي للحفلة
جُود شَهَقَت وَهي تَهْوي بِباطن كَفَّها على صدرها: شنـــو!
أَدارت وَجْهها بعيدًا عن نظراتها: اللي سمعتينه
قالت والدتها بِمَلَق اعْتادتهُ منها: امشي اللحين حبيبتي تجهزي وروحي مع أختش وبعدين نتفاهم على كل شي.. وما بيصير إلا يرضيش



المَشْفى جامِــد، أَبيضٌ يَتَصادم مع أَبيض.. حَتَّى المِعْطف الذي تَرْتَديه أَبْيَض.. وَحِذاءْها اليوم كَذلك أّبيض.. جَميل هُو الأبيض إذا دَلَّ على النَّقاء والسَّلام والسَّعادة.. لَكنّهُ يُصْبِح شَبَحًا إن دَلَّ على المَوْت.. نَعْم المَوت. نَشيجٌ لَحْظي باغتَها وهي مُسْتَسْلِمة لِذُبولها، تَنَبَّهَت فَخَنَقَت الغَصَّة وَبَدأَ حَلْقها في تَوَرُّمه.. أَخْفَضَت رَأسها لِيَتَوارى البَحْر المُغْرِق عَيْنَيها عن الأَنظار.. أَغْمَضَت بقوَّة وَكَأَنَّها تُريد أَن تَبْتَلِع الدَّمع لِتُعيده إلى رُوحها، هُناك سَتَسْتَطيع أن تَتَعامل مع الجَفاف الذي سَتُكَوّنه مُلوحته المُتَّكِئة على الجِرْح.. هي مَجْروحة، مَجْروحة من ذاتها العَوْجاء.. مَجْروحة من الشَّوق الذي باتَ رَفيق سَهرها.. مَجْروحة من قَلْبها المُنْغَلِق على نَفْسه، والذي يَرْفض أن يَلْتَفِت لأيَّامٍ تَخْلو من وُجوده.. سَيَمضي شَهْران عَلى رَحيله.. أو هِجْرته.. لا تدري ماذا تُسَمّيها.. لكنّهُ اخْتفى بلا مُقَدّمات ولا وداع.. غادرَ حَيَاتها على غَفْلة، هُو لَم يَسْكن حَياتها فعلاً، وَلكنّهُ مَسَّ بحضوره المُضطرب أَبواب هذه الحَياة التي تَكْره.. فكيف لَهُ أن يَرْحَل دُون أن يطْرق الأبواب؟ آآآه.. ارْتَفَعَت يَدها والرَّعشة تُضعِف حَركتها، اسْتَنَدَت بباطنها على جَبينها والدَّمعة خالفَتها ومَضَت تَرْسم أَثَرًا على وَجْنتها.. نَبْضة حُرِمَت من خَفَقانٍ يُوَلِّدهُ حَوَرَ عَيْنيه هَمَسَت: مَتى سَتعود؟
هي الآن ضائِعة، فَقَدَت ذاتها بين عَيْنيه، ولا سَبيل لها للعودة.. نَسِيَت حَتَّى الانتقام الذي تَوَقَّفَ نُمو شَجَرة زَقّومه حُزْنًا على غِيابه.. هي لَو عادت عَينيه الآن لِتُصافح رُوحها، تُقْسِم أَنَّها سَتُطَلِّق الانتقام وستدفنه في الذَّاكِرة المنسية.. تُقْسِم.. عُد.. عُــد عبد الله.. عُد لَعَلّي أرى وَجْهك فَتَتَمَثَّل لي والدتك فأعود لِأصَدِّق كذبتي بأنّي أَبْغضك.. عُد لَرُبَّما شاجرتني أو قَذفتَ كرامتي بنظرةٍ باردة.. عُد فبعودتك قَد يُخاصِمك الفؤاد لِوَجَعٍ أَضْرَمتهُ فيه مُهَدِّدًا اسْتقراره.. عُد... فإنّي والله قد اشتقتُ إليـك.

: يُبه عَسَى ما شر؟

شَهَقة مَبْحوحة مَرْعوبة فَرَّت منها مع ارْتفاع رَأسها وانْخفاض يَدها.. تَجَمَّدَت لثوانٍ مُحاولة أن تُعيد تَوْجيه اسْتيعابها.. نَظَرت للذي يَقِف أَمامها، اسْتَطاعت من خَلْف غِشاء الدّمع أن تُبْصِر الاسْتغراب على ملامحه والتَّساؤل في عَيْنيه، رَشَّحَت حَلْقها من مُخَلَّفات البُكاء لِتُجيب بصوتٍ خَرَج كَناجٍ من مَعْرَكة: نَعم دكتور
أَعاد الطَّبيب حُسين سؤاله باهْتمام: عسى ما شر دكتورة؟ صار لش فترة مو عاجبتني "أشار لوجهها المُبَلَّل" واللحين الواضح إنّش تصيحين.. إذا في مُشْكلة قولي لي يمكن أقدر أساعدش
وَقَفَت بسرعة وهي تبحث في جَيبي معطفها عن مناديل.. لَم تَجد شيء فاسْتعانت بِيَديها المُحْتَفِظَتَيْن بارتعاشيهما لِتنفض ثِقْل مُقْلَتيها عن وَجْهها.. وبارْتباك واضح قالت: مـمـ ـا.. ما في شي دكتور.. بـس.. بس شوي.. تعبانة
سَأل لِيَطْمَئن: أكيد ما في شي غير؟ قولي يُبه لا تستحين
هَزَّت رأسها مؤكدة: ايه دكتور.. أكيد.. بس شوية تعب وضيق
بعتاب قال: زين يُبه ليش ما قلتين لي عشان أعطيش إجازة يوم يومين تريحين.. لأن وجودش في المستشفى يحتاج منش تركيز تـام.. ما يصير يشغلش أو يشتتش أي شي عن شغلش
اسْتَنْشَقَت الهواء بقهَرٍ مَكْبوت.. غبيَّة غبيَّة.. اسْتسلامها المَجْنون لصدمة رحيله سيعرضها للمشاكل.. هي ضعيفة مهما تَصَنَّعت القوّة، تكره هذه الحقيقة، تكرهها للحَد الذي يدفعها إلى مُحاربتها عن طريق إقناع نَفْسها بحقدها وبغضها لأي شخص أو أي شيء يُضْعِفها.. وأَوَّلهم عبد الله.. وَأسَفًا أنَّها تعلم يقينًا في أعماقها أنها كاذِبة.. وغيابه هذا فَضَحها أَشد فَضيحة. مَرَّرَت لسانها على شفتيها قَبْل أن تُعَقِّب بهدوءٍ وأَدَب: صح كَلامك دكتور.. وأنا أعتذر بشدّة على أي تصرف صدر منّي من غير قصد.. بس فعلاً الأمر خارج عن سيطرتي وغير مُتَعَمّد
هَزَّ رأسه بتفهم: أنا عارف هالشي.. وأدري إنّش طبيبة مُجتهدة ومُلتزمة.. عشان جذي اسْتَنكرت وضعش.. لذلك بسمح لش تمشين اليوم وتاخذين باجر إجازة
عارضته بسرعة: لا دكتور ما يحتاج صدقنــ
قاطعها: ما عليه يُبه.. تحتاجين راحة.. ابْتعدي شوي عن جو المستشفى وصفّي بالش وارتاحي.. عشان ترجعين لنا بطاقة متجددة
تَنَهَدت باسْتسلام: أعتذر مرة ثانية دكتور.. وإن شاء الله ما بتشوفني بهالوضع مرة ثانية
ابْتَسَم لها بمشاعر أبوية: إن شاء الله دكتورة مروة "وبثقة" أنا متأكد من عودتش "اسْتَطْرَد" تقدرين تتفضلين اللحين.. ننتظرش يوم السبت
ابْتَسَمَت لهُ بامْتنان: إن شاء الله.. مشكـور دكتور

تَحَرَّكت مُبْتَعِدة عنه لِتَخْرج من مَقْهى المُسْتَشفى مُتَوَجِّهة إلى مكتبها.. جَمَعت حاجياتها البسيطة في حقيبة يدها.. تَفَقَّدت هاتفها المَنسي عَمْدًا على المَكْتب، عدّة تنبيهات من "الواتس أب" مُعْظمها من مَجْموعة أَخواتها.. حَرَّكت أصبعها على الشاشة لترى من أين بدأ الحَديث وعقلها يُحاول أن يَتَشَبَّث بأي خيط ينقذه من الغرق في بحر عبد الله وغيابه.. اسْتطاعت أخيرًا أن تفهم زبدة الموضوع كما يَقولون.. خاطِب جَديد!
لَم تُفَكِّر كَثيرًا في الموضوع، ولَم تَقْرأ الباقي من النّقاش فيما بَيْنَهن.. ألْقَت الهاتف بإهمال في الحَقيبة ثُمَّ تناولت مفاتيحها قَبْل أن تُغادر مكتبها ومن بعده المَشْفى بأكمله.. اسْتَقَرَّت في سَيَّارتها، الحقيبة والمعطَف الأبيض مَرْكونان على مَقْعَد الرَّاكِب.. ضغطت زِر التَّشغيل، أَزالت مَظلَّة الشمس.. شَغَّلت المُكَيّف.. ثُمَّ بهدوء رَفَعت عَيْنيها وتَقابلَت مع ملامحها في المرآة.. مالت شَفتاها القَحِطَتان بِسُخْرِية على حالِها هذا.. وجهها فعليًا بلا لَون.. فهي إلى جانب تَعاقدها مع مَوْسِم الصَّبيب المالح، اعْتَزَلت الطَّعام.. كانت تَأكل فقط لتستطيع أن تفتح عَيْنيها وتقف لتواصل يَومها.. حتى جَسَدها ارْتَدى النُّحول حَتى باتَ هَزيلاً.. لَم تَقِف على ميزان، ولكنَّها مُتَيَقِّنة أَنَّها خَسَرت الكثير من وزنها خلال الفترة الماضية.. هُو هاجَر هذه الأرض، فهاجرَ كُل ما فيها معه.. حَتى باتت جَسَدٌ فَقط.. جَسَدٌ مُجَوَّف خَلا من الرّوح والقَلب. حَرَّكت مركبتها، ثوانٍ فقط وَتَوَقَّفت.. نظرت للمواقف التي على يَمينها.. تَرَكَّزَت عَيناها على موقفه المَهْجور وَسؤالٍ أَرْهَقهُ الاتكاء على قَلْبها عادّ وارْتَفَع صوته داخلها: لماذا ذَهب؟ عادت وحَرَّكت المركبة وعقلها يَبْدأ بِحياكة تساؤلات جَديدة تَتَشابك على هيئة اسْتنكارات.. من خَلال بحثها الدّقيق والحَذِر تَأَكَّدت أنَّ طلب السَّفر جاء منه، هو الذي طلب أن يُواصل عمله في إيرلندا بل وَأَصَر.. وَلم يُحدّد المُدّة التي سَيغيبها، وقد سَمِعت من البعض أنَّهُ يُفَكّر في الاستقرار هُناك.. لماذا! لِمَ كُل هذا التَّغيير الخَطير والمُفاجئ.. وَكأنَّهُ تَخَلَّى عن حياته لِيُعيد كتابة حَياة جَديدة في وَطن جَديد ومع بَشَر جُدَد.. ما الذي دفعه لاتّخاذ هذا القَرار المَجْنون؟ ما هُو ذلك الشيء العَظيم الذي اضطَّر بسببه أن يتخلّى عن كُل شيء.. عن كُل شيء فعلاً.. حتى هي! لِوَهْلة ظَنَّت أنَّها مَسَّت مَكانًا مَخْفِيَّا في ذاته.. وأَنَّها باتت تُشَكِّل مصدر اهْتمام له.. لَكن رَحيله هذا خَتَمَ بالشَّمع الأحمر على كُل خيالاتها التافهة.. لَم تَكن شيئًا في حياته.. أو رُبَّما كانت.. كانت فقط كائنًا مُزْعِجًا شَاغبه لفترة من الزمن.. يبدو أن الأشهر التي تَعَرَّف فيها عليها لَم تُدَوَّن في ذاكرته بين التَّواريخ المَهِمة.. هي هامش فقط لا أكثر.. وكُل الذي شعرت به ظُنون واهية لا يُعَوَّل عليها.. رَحَل عبد الله يا مَرْوة.. رَحَل بلا موعدٍ لِعَوْدَةٍ بها تَحْيا رُوحكِ المَيِّتة من جَديد.



مــاء بارد مُنْعِش أعادَ لِبَشْرَتها طرَاوتها بَعْد أن شَنَّجتها الشَّمْس.. طَريقها من المَدرسة إلى المنزل كان تَحْت حَرارة تجاوزت الخمسون.. حتى مُكيف السيارة فَشَل في مُجابهة هذا القَيظ.. لَم يَكن الجَو هَكذا في الصَّباح! ابْتَسَمت عندما تذكرت حديث فاطمة قبل ساعات.. هَمست وهي تُجَفّف شَعرها بالمنشفة بخفّة: صدق لاعبة بحسبتنا لعب الشمس

ارْتَجَفَت بِفَزع من صوت طرْق الباب الذي فاجَأها.. وَضَعَت يَدها على صدرها براحة عندما اسْتوَعَبت.. إذًا انتهى من عمله لليوم.. عاد الطرق من جَديد.. أخفضت المنشفة في حضنها وهي تأذن لهُ بالدّخول بصوت مَسْموع: تفضَّل

فَتَح الباب بهدوء فَظَهَرَ لها وجهه المُتَّكِئة عليه بضع زَخَّات عَرق، أبْعَدَت بَصَرها سريعًا لجهة عشوائية.. لَم تَعْتد حتى الآن على النَّظر إلى وجهه وعينيه مُباشرة وبأريحية.. هُو الذي ظَلَّ واقفًا عند الباب بيد تمسك بالمقبض والأخرى مُسْتَنِدة على طرفه لَم تَفته هذه الإشاحة الخَجولة، بل وَجَذَبته.. حَياؤها عَفوي وَيُليق بها.. يُليق بملامحها الرَّقيقة.. كان واضِحًا أنَّها قَد انتهت من الاستحمام للتو.. شعرها المُبلل يلتوي بنعومة على كَتفيها، وبعض الخصلات كانت تُلامس عُنْقها الطَّويل.. بِجامة سوداء واسعة مُكونة من قميص ذو أَكمام طويلة وسروال طويل تستر جَسَدها النَّحيل.. وجهها صافٍ وبه لَمْعة نَضِرة.. لا شيء أكثر.. إذن لماذا يَشْعر بانْجذاب عَميــق نَحْوها؟ هذه المشاعر التي تَشْتَعِل شَرَارتها في نفسه كُلَّما وَقَعت عَيناه عليها تُثير اسْتغرابه.. فهي جَديدة عليه وَجدًا.. وهُو غير قادر على فَهْمها!
في هذه اللحظة، وهي أمامه بكامل طَبيعتها.. باغتَتهُ رَغْبة جامِحـة في أن يَظل يَتَأملها إلـى.. لا إلى أي وقت.. أن يَتأملها بلا وقت ولا زَمن.

تَساءَلت عندما طالَ صَمْته: تبي شي محمد؟

تَنَحْنَح وهُو يَمس أنفه بظاهر سَبَّابته يُخفي تَشَتّته الغَريب.. بهدوء أجاب: كنت أبي أخبرش إنّ بنتفطر في بيت أبوي العود الليلة.. فلا تطبخين
صَمَتَت لثواني وكأنَّها انصدمت.. لَم تُفَكّر في لقائهم من قبل.. لا تعتقد أنَّها مُسْتَعِدَّة.. لاحظَ رِياح قَلق بَدأت تَجوس بَيْن مَلامحها فقالَ بِحَذر: إذا تتضايقين عادي بعتذر منهم
نَفَت بسرعة: لا.. لا.. بالعكس.. عادي، لا تعتذر "اسْتَفْسَرت لِتُبَدّد توترها" السَّاعة جم بنروح؟
نَظَرَ لِساعته: قولي قبل نص ساعة من الأذان.. يعني بتصلين هناك.. عشان لا نتأخر
هَمَست: أوكي
فَتَحَت فَمها للحظة ثُمَّ أغلقته بتراجع.. وكأنَّها أرادت أن تقول شيء.. هُو كان مُنتَبِهًا لِكُل حَرَكاتها لذلك نَطقَ يشجعها: قولي اللي تبينه
ارْتَعَشَ فكّها بحرج: لا بس كنت أبي أسأل "حَكَّت خَدَّها بطرف سَبَّابتها" انتوا تقعدون كلكم مع بعض؟
فَهَمَ ما تعنيه فأجاب بوضوح تام: أي كلنا مع بعض.. يعني بتحتاجين تلبسين العباية على طول
هَزَّت رأسها بتفهم وبهمس: تمام.. شُكرًا
رَدَّ بذات الهمس: العفو "تراجع للخلف" يالله أشوفش بعدين

أغلق الباب وَأغْلَقت هي باب عَيْنيها.. وَضَعت كَفَّيها على وجهها لِيَسْتَقْبل باطنهما زَفْرة مُرْتَعِشة.. القلق بَدأ يتراكم داخلها.. لَم تلتقِ مع عائلته كُلّها من قبل.. بالطَّبع الْتَقَت مع والديه وشقيقته وشقيقه.. ولكن العائلة الكبيرة لَم تتعرف عليها حتى الآن.. لا تعرف منهم سوى حَنين.. هي حتى الآن غير جاهزة لِتَلْتَقي مع الغُرباء.. خُصوصًا الرِّجال.. يكفيها البَشَر المُتواجدون مُسْبَقًا في حياتها.. لا قُدرة لها على التَّصادم مع جُدد.. تَحَرَّكت يَداها حتَّى اسْتَقَرَّتا فَوقَ خَدَّيها.. كيف سيمضي الوقت هُناك؟ ماذا ستقول؟ مع من ستتكلم؟ الأجواء والأحاديث والطعام والشخصيات.. كُل ذلك كيف سيكون؟ اسْتَغفرت بهمس.. لا تُصَعّبي الأمر مَلاك.. الأمور ستكون طبيعية.. أنتِ فقط تصرفي بأريحية قدر المُسْتطاع.. ولا تحاولي للحظة أن تُظْهري خوفكِ ونقصك هذا.. لا أحد يعلم بفقدك.. لا أحد يعلم بحقيقتك.. أنتِ مَلاك زوجة مُحمد فقط.. تعارف بسيط ومُجاملات.. تحتاجين فقط لذهنٍ حاضر يَتجاوب معهم وابْتسامة.. لا شيء أكثر. تركت المقعد الذي كانت تجلس عليه أمام المرآة ثُمَّ توجهت لسريرها.. سَتأخذ قيلولة لمدة ساعة، تُصفّي بها حواسها التي تلوثت من التوتر الذي خَلَّفه الخَبر.. تحتاج أن تسترخي وأن تُهدّئ نفسها التي بالغت في ارْتياعها.. اضَّجَعَت بعد أن فتحت المُكَيّف.. الْتَحفَت وهي تُفَكّر في طبق خفيف تُعِدّه.. فليس من اللائق أن تدخل منزلهم للمرَّة الأولى تلبيةً لدعوة فطور دون أن تأخذ معها شيء.. طبق حلوى مثلاً.. أغمضت، شَدَّت الغطاء حتَّى أَسْفَل ذقنها.. بَدأت تَتَحاور مَع أَنْفاسها.. تُحاول أن تُوَجّهها للطريق الصَّحيح.. لا تُريدها أن تَتَعَثَّر بهلوسات رُوحها.. سيكون كُل شيء على ما يُرام.. ستمضي الليلة على خير.. إن شاء الله.



جَلَسَت عَلى المَقْعَد لأحد المَقاهي المُغْلِقة في مثل هذا الوقت من النّهار في شهر رَمضان، أَخْفَضَت الأَكْياس على الأرْض وَهي تَتنفس بِتَعب قائلة: خـلاص جُود.. بس خل نرجع، تعــبت
وهي تَتَفَقَّد المُلاحظات في هاتفها: بعد باقي محلّين لليوم ونخلص
هَزَّت رَأسها رافضة: بس ما أقدر.. تعبت وريقي نشف "نظرت لساعة معصمها وهي تُكْمِل" شوفي الساعة صارت أربع ونص.. واحنا من الصّبح اهني! خلينا نرجع
جَلست على المقعد أَمامها وهي تهز رأسها بالموافقة: أوكي بنرجع "مالت شَفتاها بابْتسامة تَلَوَّنت بالمَكْر" بس بشرط.. باجر تجين معاي لبروفة النفنوف
اتَّسَعَت عَيْناها وبنبرة لا نقاش فيها: مُسْتَحيــــل.. جُود ما بلبس نفنوف.. حتى الحفلة بقول لأبوي مابي.. ما يحتاج.. ماني صغيرة ولا هذي أول مرة لي أتزوج
بِاعْتراض قالت: مــوو عذر! في ناس في زواجهم الثاني أو حتى الثالث يسوون لهم حفلات وكبيــرة بعد.. يعيشون ليلتهم ويستانسون
بِحِدَّة عَقَّبَت: النّاس مو أنا
نَبَّهتها: انزين نُور القرار مو بس قرارش "نَظَرت لها نور باسْتفهام وهي واصلت بتوضيح" طَلال من حقه بعد يقرر.. يمكن هو خاطره يشوفش بالفستان الأبيض
تَحَرَّكَت عَدَسَتاها على وَجْه جُود وَعْقلَها حَلَّقَ بها إلى حُلْمٍ نَبَذَتهُ غَصْبًا.. طَلال وهي بفستان أبيض.. لَم تَتَأَمَّل هذا الحُلْم مُنذُ سَنوات.. أَمَرَت أُمْنياتها وَخيالها بالتَّخلي عنه مُذ أَدْلَت بموافقتها على عبد الله لوالدها.. لَم تَعْتَقِد يَومًا أَنَّ العصا التي سَتُحَوِّلهُ إلى حَقيقة ستكون في يَدها.. لكن.. مُسْتَحيـــل وصعب جدًا.. لا تتخيَّل نفسها وهي مُطَلَّقة وفي التَّاسعة والعُشْرون تَرْتدي فُسْتانًا أبيضًا لزوجها الذي هو خال طَليقها! أَغْمَضَت بِتَعبٍ وخَيْبة من هذا التَّعْقيد، مال رَأسها بخفَّة وَيُدها ارْتَفَعت لِتُمَسّد صدغها وقلبها يُصْغي لجُود التي كانت تتحدّث بجديَّة ومشاعر عَميقة نــادرًا ما تزورها: نُور أنا أكثر وحدة أدري شكثر حبيتين طَلال، وشكثر كنتِ تنتظرين اليوم اللي تكونين حَلاله ولابسة له الأبيض.. مو عيب ولا غلط ولا حرام إنّش تكونين عروس للمرة الثانية.. لا تعقدينها أرجوش وبلا هالأفكار.. إنتِ دكتور وفاهمة ومثقفة.. ما يصير تفكرين هالتفكير!
رَفَعت جِفْنيها لتنظر لها بِعَيْنَين تَبْحثان عن الهُدى.. تَبَسَّمَت لها شَقيقتها بِحُب اتَّضَح في صوتها وهي تقول: كان من المُستحيلات إنّش تكوين حَلاله.. بس بقدرة الله صار.. فمو مُسْتحيل إنّش تلبسين له الأبيض "أَوْضَحت" وبعدين النّفنوف كلـــش بسيــط.. ناعـم وبيعجبش.. مو منفوش.. فستان عادي.. سِمْــبل مثل ما تحبين
بِحيرة هَمَست: مــادري
اقْتَرَحت عليها: شوفي احنا باجر بنروح المحل.. لبسيه وشوفيه عليش.. صدقيني إذا ما عجبش بنكنسله وبنكنسل الحفلة بعد
تَساءلت: أكيــد؟
أكَّدَت: والله "أضافت وهي تحمل الأكياس مُسْتَعِدة للوقوف" حَنين وجنان بعد بيجون معانا
أَفْصَحَ قَلْبها سؤاله عن التي لَم يُفارق اسْمها فِكْرها القَلِق: وغيداء؟
نَظَرت لها جُود بصمتٍ يَخْلو من رَدَّة فعل للحظات، قَبْلَ أن تَرْفع كَتِفها بِرأسٍ مائل وَشَفتين مَزْمومَتَيْن دَلالة على افْتقارها للإجابة: ما كلمتني ولا أنا كلمتها
اسْتَفْسَرت بلهفة: تدري صح؟
: كل من يدري " أَوْضَحت" وبعد هي طَلال كَلّمها عقب ما كلّم أمي
باسْتنكار قالت: ما ظل أحد ما كلمه طلال! شنو قال لهم؟!
ببساطة: أسأليـــه
وَضَّحت: من ذيك الليلة ما كلمته ولا كلمني "انْعَقَد حاجِبَاها عندما تَخَيَّلت وضعهما والحوار الذي قد دارَ بينهما.. تساءلت" انزين إنتِ ما تدرين شصار بينه وبين غيداء؟
:لا والله.. حتى عبد الله وطَلال.. محد يدري شصار بينهم.. بس عرفنا إنّه كلّمه وبعدين صدمنا عبد الله بسفره المُفاجئ
زَفَرت بَعْثَرتها وقلقها الذي تآكلت منهُ رُوحها وهي تُلَمْلِم ذُبول مَلامحها بِكَفَّيها: يا ربـــي
طَمْأنتها وهي تقف: ترى ما صارت مشاكل.. الواضح إنهم تفاهموا بهداوة وما حبّوا إنّ تكثر الأطراف والتدخلات فيما بينهم.. إنتِ بس اتركي هالمحاتاة ووكلي الأمور لله
وَقَفت وَداخلها رَجـاءٌ حام: إن شـاء الله يا رب.. إن شاء الله



تَقِفُ أَمام المرآة الطَّويلة التي تَعْكِس صُورتها كاملة.. حينًا تَلْتَفِت لليَمين، وَحينًا لليَسار وَيَداها تَتَلَمَّسان بَطْنها كَما لَو أَنَّهما تَكْتَشفانه.. وَعَيْناها تُدَقِّقان فيه من جَميع جهاته.. هي حَتَّى قاستهُ عِدَّة مَرَّات لِتُقارن القياسات الحالية بالقياسات السّابقة.. لكن لم يتغير شيء. أَخْفَضَت القَميص بملامح عابِسة يَتَخَلَّلها عَدم رِضا مع دُخوله للغرفة.. هَزَّ رَأسه بقلّة حيلة عندما رأى مَكان وقوفها.. عَلَّق بابْتسامة جانبية وهو يقترب منها: صدقيني عيونش بتحول من كثر ما توقفين قدام هالمنظرة
قالت لهُ بِضيق وهي تُشير لبطنها: بسّــااام ما تغيّر شي
وَقَفَ أَمامها ليقول بخفوت وعَيْناه تُلاحِقان الزَّعل المُؤطّر عَيْنيها: أكيد ما بيتغير شي.. توّش قبل ساعة قاعدة تتأملين.. شلون اللحين بيتغير؟
كَرّرَت سؤالها للمرة الألف مُنذُ ظهور النتيجة: زين متى بيتغير؟ أبيــه يكبر.. أبي أحس فيه "وبقهر" حتى نَساة مثل الأوادم ما تنسّيت.. مافي إلا هاللوعة اللي تجيني الصبح.. وبعدين طول اليوم تختفي.. ما كأنّي حــاامل
اتَّسَعت ابْتسامته هامِسًا بنبرة مُشاكِسة: اللي يجوف حماسش واهتمامش اللحين، ما يصدق إنش ما كنتِ تبين البيبي
رَفَعَت حاِجبها وبثقة لاطفتها ابْتسامة إحراج: كانت عندي أسبابي
هَزَّ رأسه وبجدية مُصْطنعة: أووكي اقتنعت "تَجاوزها مُتَّجهًا للباب" أقول ماما حَنين اتركي عنش المنظرة والبسي لا نتأخر على الناس
هَمَسَت وهي تُلقي آخر نظرة على بطنها المُسَطَّح: أوكي

هُو ظَلَّ مُبْتَسِمًا حتى بعد أن خَرج من الشّقة.. شَتَّان ما بَيْن حالها الآن وحالها قبل شَهران.. كانت كَمن صُدِمَ بالجَحيــم.. عندما أَخبرتهم الممرضة بالنتيجة كُل ما فيها تَجَمَّد.. وَكَأنَّ كَيانها انْقَلَب عَلى عَقِبَيه.. ظَلَّت لِأسْبوع تَعْتَكِف لساعات في غرفتها الخاصَّة، غُرْفة الباليه.. جاِلسة بِساقَيْن مَرْفُوعَتَيْن بانْطواء حَتَّى يَسْتَقِر ذِقْنها فَوْقَ رُكْبَتيها.. جالِسة أمام ذكريات طُفولتها المُعَلَّقة على الحائِط على شَكْلِ صُوَر تنظر لها بِصَمْتٍ وَغِياب.. رَفَضت وبشدّة أن يُبَشِّر عائلته أو عائلتها بِخَبَر حَمْلها.. هي كانت ترفض الطعام أيضًا.. وفي كثيرٍ من الأحيان تَصوم عن مُحادثته.. الكثير من الأسئلة كانت تَعْبر قلبه ثُمَّ تَعود إليه بِخَيْبة عاريةً من جَواب.. هُو وبسبب حالها هذا اضطَّرَ أَن يطلب إجازة من العَمَلَ حتى يُداريها ويُراقبها أيضًا.. لوهلة خَشِيَ أن تَضُر نفسها لتتخلص من الجَنين.. صَحيح أَنَّها لَم تنطق بشيء.. لكنَّه لَم يصعب عليه أن يفهم أَساس الصَّدمة التي تَعيشها.. هي بالطبع لا تُريد الحَمل.. لكن لماذا... لمـــاذا؟! هل لأنهُّ هُو الأب؟ فهي لا تُريد أن تَتَشارك معهُ هذه النّعمة.. لا تُريد أن يَكون لزواجهما ثَمَرة.. لا تُريد أن يَقوى الرّباط بَينهما.. أو لأَنَّها لا تُحب الأطفال؟ أو ربّما لديها مُخَطّط آخر.. طفل بعد عام أو عامان من الزواج.. لا يدري لا يدري.. الحيِرة أَقْلَقت صَحْوته ونَومه.. وجُمودها هذا اتَّكأَ غُرابًا على رَأسه ناشِرًا جِنْحَي كَوابيسه. بَعْد تفكير عَميــق.. وتردد واقْترابٍ وهُروب.. تَشَجَّع وجَلَسَ عندها.. أو جَلَسَ خلفها.. أزاح الأسئلة جانِبًا، وَأَصْمَتَ نَبْرة الاسْتنكار في حلقه.. اسْتَقَرَّ خَلْفَها بهدوء.. أَحاط خِصْرها بِذراعيه لِيُقَرِّبها منه.. لَم تُعَسِّر الأَمر عليه، كانت مُسْتَسْلِمة لهُ بكافَّة حواسها.. الْتَصَقَ ظَهْرها بصدره مما أَجْبَرها على إسْبال ساقيها قَليلاً.. أَبْعَدَ خُصْلاتها عن وَجْهها لِيُقَبِّل جانِبه بِحَنْوٍ خاص بها.. هَمَسَ لها برقّة: ترى أنا موجود.. وقلبي موجود عشان يسمعش ويفهمش.. وراح يكون معاش في كل الأحوال.. من غير اسْتثناءات
شَدَّها لُهُ أَكْثَر وَكُل ما فيه كانَ مُلْتَفِتًا إليها بانتْباه.. شَعَر بجسدها يَرْتَخي شَيئًا فَشيء.. أَنْفاسها بَدَأت تَصْطَدم بوجهه بِتَعَثُّرٍ وَثِقْل.. وَكَأنَّها كانت تُجاهِد سَيْلاً عارِمًا من الدُّموع.. رَكَّزَ بَصره عَلى عَيْنَيها، قَطْرَتا العَسَل اخْتَلَطتا بماءٍ مالِح عَكَّرَ صَفْوَهما.. ثانيتان فقط وَهَتَفَت شَهْقة كانت هي البداية لرحلة البُكاء التي اسْتَمَرَّت لفترة ليست بالقصيرة.. ساعة أو رُبَّما أكثر قَضتها تَسكب أجاجًا على قَلْبه وَرُوحه الفاتِحان باعيهما لهذا المَوْج الصّادِم.. لَم يُقاطِع مَسيرها.. تَركها تُفْرِغ ما تَكَدَّسَ داخلها لأيّام.
لا يَدري كَم مَرَّ من الوقت.. ولا يدري كَيف انْتَهت المَعْزوفة الحَزينة لِيَحل مَكانها صَمْتٌ مُوْحِش، قَبْلَ أن تَقْتَطِعهُ كَلِمة واحِدة.. : خـــا يفـ ــة
احْتضانهُ تَضاعف، وَكأنَّ ذراعاه المُحيطان بها تُشَجِّعانها على مُواصَلة الكَلام.. وهي اسْتجابت لسياسته: خــ ـايفة .. على البيبي.. .
عَقْدة تَجَمَّعت فيها كل مَعاني الاسْتنكار وَعَدم الفَهْم بانت بَيْن حاجبيه... تَراكمت الأسْئلة على طرف لسانه لكنّه تَجاهلها مُواصِلاً صَمْته واسْتماعه.. وهي أَكْملت ببحَّة مؤلمة: أخـ ـاف يموت.. في بطنـ ـي.. مثل أخواني.. أخواني اللي أمي ما شافتهــ ـم.. حسّت فيهم وانتظرتهم.. لكن ماتــوا.
ارْتَخَت ملامحه قَليلاً عندما اتَّضَحَ لَهُ السّبب.. لكن هي واصلت مُضيفة أَسْبابًا أُخْرى عَدّدتهم على أَصابعها المُرْتَجِفة: ما أعــ ــرف للأطفال.. ما أعرف أكون أم... بسّـام.. ما أقدر أتصوّر نفسي مسؤولة عن طفـ ـل! أخـاف أضــ ـرّه.. وو.. ويمكن يصير مثلي وحيــ ـد.. ما عنده أخوان ولا أخوات "ابْتَعَدَت عنهُ قَليلاً وعَيْناها المُحْمَرَّتان تَتسعان بخوف اسْتِجابة لخيالاتٍ تَطوف بينهما" يمكن.. . يمكن يصيدني مثل أمي.. أسقط جم مرة.. وبعدين يشــ... يشيلون رَحمـ ـي! "احْتَضَنت جانِبَي وَجْهها بِكَفّيها والفَزَع قَد تَمَكَّن منها.. نظرت إليه لتُكْمِل بنبرة عَرْقلتها دُموع جَديدة" بسّـ ـام يخوّف.. يخــ ـوّف الشـــي
هُو الذي تَنَفَّسَ الصُّعداء مَسَحَ بظاهر سَبّابته على خَدّها بهمسٍ مُطَمْئن: أُششش.. حَبيبي اهْدي
أَرادت أن تشْرح لهُ أَكثر لكنّهُ قاطعها بابْتسامة تَمَثَّل فيها الحَنان بأجمل صوره: أدري إنّش خايفة.. وأدري إنش متشتتة اللحين وتفكرين في الأيام اللي جاية.. والماضي مأثر عليش ومضاعف قلقش.. فاهم كل شي.. وتراه طَبيعي كلـــش "نَظَرت لهُ باهْتمام وهُو واصَل بحنكته" أي بنت تعيش هالتجربة راح يجيها خُوف منها.. ونسبة الخُوف تختلف من وحدة للثانية.. وفي بنات عادي يكون الأمر بالنسبة لهم بل منتظرين الحَمْل.. وهذا الخوف يكون ناتج عن تجارب سابِقة أو بسبب تكوين شخصية البنت "قرص خَدّها بنعومة وابْتسامته اتَّسَعت حتى بَدأت تَطال قَلْبها المُتَضخِّم فَزَعًا" وإنتِ يا حبيبتي دلوعة ماما وبابا.. طُول عمرش ما كنتِ مسؤولة عن شي.. يمكن أشياء بسيطة مثل الدراسة والشغل.. أو حتى الزواج.. والحَمل أول مسؤولية حقيقية.. فعادي يسكنش هذا الخوف
كَرَّرت: لكن أنا ما أعرف شي.. صدقني بسّام ما أعــ ــرف
نَطَقَ بصدق: وأنا بعد ما أعرف.. ما أعرف شلون يعني أكون أب.. بس أدري إن أول ما بتطيح عيوني على ولدي وبحمله بين ايديني بعرف.. هو بيعلّمني وبيعلّمش معنى الأمومة.. يمكن كل واحد فينا عنده مشاعر بسيطة اتّجاه أي طفل.. لكن المشاعر الحقيقية والعميقة بتنولد مع ولادة طفلنا.. والمسؤولية بتحملينها على عاتقش بكل حُب من أول صيحة بيصيحها ولدش يعبّر فيها عن جوعه وحاجته
أَراحَت رَأسها على كَتِفه وكلامه بَدأ يَنغرس في عَقْلها، قلبها ورُوحها بِمَلَقٍ وَحُب.. لكن رياح الخَوف لا زالت تُزَعْزع اطْمئنانها.. هَمست وهي تنظر لعينيه المُبْتَسِمَتين: وإذا صار لي مثل أمي؟
اسْتنكر: ليش تقدمين الشر؟ مو شرط اللي مقدّر لأمش يكون مقدّر لش.. عيشي اللحظة ولا تحرمين نفسش من هالنّعمة العظيمة "وضع كَفّه على بَطْنها مُنَبِّهًا" وترى الجَنين يتأثّر بالحالة النفسية للأم
أَراحت كَفّها فَوْقَ كَفّه هامِسًة: أدري.. بس "صَمتت للحظة" واجد أشياء ما أعرفها ولا أدري عنها
ببساطة عَقَّب: عــادي.. كلش عادي.. بتتعلمين خطوة بخطوة مع كل مرحلة.. اللحين الحياة تطورت.. أي سؤال عندش بسهولة بتلقين له إجابة في كل مكان "شَبَكَ كَفّه بكفّها مُرْدِفًا بنبرة أَشْعَرتها وكأنَّما الدفء احْتضنها" وقبل كل هذا أمش وأبوش وأنا وياش.. كلنا بنشاركش هالتجربة "وبمُزاحٍ لَطيف" تَراه ولدنا بعد مو بس ولدش
ابْتسمت بِخفّة وهي تَسْترخي في حضنه وبهمس: يمكن بنتنا.. . مو ولدنا
شَدَّها إليه أكثر وهُو يُهْمِس قَبْلَ أن يُهدي وَجْنتها قُبْلَة عَذْبة: ولد بنت كلّه واحد.. أهم شي يكون بصحة وعافية
تَمْتَمَت وهي تُغْمِض مُسْتَشْعِرةً الرّاحة التي بَثّها إليها: إن شاء الله



: هــلا هـلا بالعروس.. هلا بالغالية
قَبّلت رأس جَدّته التي تَلتقيها للمرّة الأولى بِخَجَلٍ كَبيـر تَجَلَّى بَجمال على وَجْنتيها المُتَوَرّدَتَيْن: هلا فيش عمتي
وهي تمسح على رأسها بود: شلونش يُمّه وشلون ولدنا وياش؟
ابْتَسَمت: الحمد لله أنا بخير.. ومحمد مو مقصّر
قَبَّلت خَدّها: الله يهنيكم ويسعدكم "بأسف اسْتطردت" والله كان خاطري أزفكم.. بس الله ما كتب "تساءلت باهْتمام" صحة أخوش زينة؟
هَزَّت رأسها: الحمد لله بخير
: الحمد لله الله يقومه بالسلامة.. سلمي عليه وسلمي على أمش.. قولي لها نبي نشوفها.. خلها تزورنا، البيت اللحين صار بيت بنتها يعني بيتها
تَبَسَّمت لها بمحبة: إن شاء الله عمتي يوصل
والدة مُحَمَّد أَشارت للجَد الذي كان يجلس بجانب زوجته: مَلاك هذا أبوي
نَظَرت لهُ بذات الخَجَل.. مَدَّت كَفَّها إليه مُسَلّمة تَحْت نظرات مُحَمّد القَلِقة.. يخشى أن يُحْرجها جدّه بردة فعله.. رُبما قَد يتجاهل سلامها مثلما يتجاهل سَلامه دائمًا.. علاقة جدّه به وبكل شيء يخصّه مُتوترة، والسبب بالطَّبع اختفاءه الغَريب. لكن وبمُفاجَأة صادِمة له ابْتَسَم لها بوِقار وصافحها بل وَسَمح لها بتقبيل رأسه! غَريـــب.. لكن الغرابة لَم تَدُم.. فوالدته اقْتربت منه هامِسةً بضحكة: أبوي معارض.. يقول هالوجه السَمح ما يستاهله محمدو الألماني
ارْتَفَع حاجِباه بِتَعَجُّب.. إذن راقت لهُ مَلاك! تَحَرَّكت عيناه تبحثان عنها.. وجدها مع جِنان والبنات تسلّم عليهن والخَجل تَوأمًا لا ينفصل عنها.. ابْتِسامة بالكاد تبان شَدّت شَفَتيه وعَيْناه تَتأملان ملامحها السَّمحة.. يبدو أَنَّها تملك وَجْهًا لهُ القُدْرة على تغيير الأَحوال.. وحاله أكبر مثال... .



ها هي اللَّمسات الأخيرة تَسْتَعِد لإبراز المَحل أو المَتْجَر أو لنكون أكثر دِقَّة المَخْبَز.. مَخْبَز يُقَدِّم أَشْهى أنواع الكعك والفطائر والبسكويت.. مُتَنَوّع في خياراته، يَبْدأ من الحلويات الشعبية الشهيرة في البَلد.. وَيمتد إلى حلويات الوطن العَربي المُنتشرة هُنا، وينتهي بالوصفات الفاخِرة من الحلويات الفرنسية والإيطالية.. فهي قَد اسْتفادت من سِنين هُروبها بين هذه الدّول بأن جعلت بعضًا من أَطباق الحَلوى الشهيرة ضمن قائمة مَخبزها.. قبل شَهر تم التعاقد مع رئيس طُهاة ذو خِبْرة ممتازة.. واثنين من الطهاة المُساعدين قد وَصلوا قبل أُسْبوعَيْن.. وَبالتَّأكيد لَم تنسَ أن تتعاقد مع ثلاث نادلات نساء.. واثنَين من الرجال.. شعار المَخْبز قَد تَم تثبيته أعلى الباب من الخارج، وتَم تزيين الأطباق والكؤوس وحتى المناديل به.. اخْتارت أن يَكون المَكان في منطقة حَيَوية وراقية في الوقت ذاته.. فالمَخْبَز يَسْتَقِر على يَسار إحْدى الشركات المَرْموقة.. يفصل بينهما أربع مبانِ فَقط.
كانت تَتناقش مع رَئيس الطُهاة أثناء ما هُو يَتَفَقَّد المَكان بِعَينين مُتَفَحصَتين.. يَداه في جَيبي بنطاله الرّسمي وَهُو يَدُور حَوْل المَكان لِيُقَيّمه.. المخبز واسع جدًا، قسم للخَبْز والطهي حيث الأفران والأدوات والمكونات بشتَّى أنواعها.. ثُمَّ قسم المُحاسبة حيث أَمين الصّندوق والذي تستقر أمامه واجهة لعرض بعض الحلويات والمَخْبوزات المُميَّزة.. ثُمَّ بعد ذلك يَأتي الرُّكن الذي يجلس فيه الزَّبون.. طاولات ومقاعد أنيـقة وَمُريحة.. فهي قَد تَكَلَّفت وجدًا في الأثاث والدّيكور لتجعل العُيون تَتَلَذَّذ بالنَّظر قَبْلَ أن تَتَلَذَّذ البُطون بالمَذاق.. عَملها هذا حتى الآن تُكافأ عليه بالعلامة الكامِلة.. مُمتاز وجدًا.. لكن العَمل الأهم والأخطر.. الخطة لَم تبدأ بعْد، وَهُو غير مُقْتَنِع بها حتَّى الآن. اقْتَرَبت منه بعد أن انتهت من حَديثها، بِحَماس تَساءلت: هــاا قولي، شرايك بعد ما تم كل شي؟
الْتَفَت لها وفي عَيْنيه الرّضا والإعجاب: مُمتاز.. كل شي مُمتاز.. بس للحين مو قادر أتخيل شلون بتوصلين له من خلال محل حلويات!
ابْتسامة مائلة ظَهَرت على وجهها وبضحكة: مو تقولون إن الطريق إلى قلب الرجل معدته؟
اقْتَرَبَ منها مُعَقِّبًا بِحاجِبَيْن أرفعتهما السُّخْرية: وإن شاء الله إنتِ تبين توصلين إلى قلبه؟
أَجابت: هُو أَساسًا ما عنده قلب، لو كان عنده قلب جان حَوى امرأة.. لكن داخله شي أقسى من الحَجر.. فبحيلة بسيــطة وتافهة جدًا، والأهم ما تخطر على باله.. بقدر أوصل له وأكسر هالحجر اللي داخله سَم.. سَم منه وفيه، بيفنيه من أولّه لآخره
تَقَلْقَلت عَيناه بين مَلامحها ليهمس: يكفي هالحقد اللي في عيونش.. هو بس قادر على إنّ يفنيه
هَزَّت رأسها بالنّفي لِتُعَقّب بذات الهمس: ما يكفي إنّ ينحبس هذا الحقد في عيوني.. آن الأوان إنّه يتفجّر.. كفاية صمت وكفاية تأجيل.. نهاية سلطان قرّبت "وبكره حـاد وحارق" غُروره وتكبّره.. فلوسه وشركاته وتجاراته المشبوهة.. كل هذا بينهار قدام عيونه، وبيطيح طيحة بتحمل معاها صورة كل إنسان ظلمه وقهره.. بتمر الصور في عقله، مثل لمح البصر، ما بيقدر يمسها لعلَّى وعسى يغيرها.. راح يغص بالنّدم قبل لا يعض أصابعه منه.. بينهدم العرش اللي نصَّب روحه عليه وبداله راح يتوسّد تراب السّجن اللي بيحمله إلى حبل المشْنقة.
انْتَهت من سَرْد تفاصيل النّهاية التي تُخَطّط لها رُوحها المَعْطوبة.. كان صَدْرها يَرْتفع ويَنْخَفض بثقل، فتسارع نَبْضاتها الحاقِدة أَجْهَدَ أَنْفاسها.. نَطَقَ بَنَبْرة شاغبها الشَك وَهُو يُصْغي لِنَفَسَها الذي خَرَج مُرْتَجِفًا: أتمنى إنّ الأمور تمشي مثل ما إنتِ مخطّطة لها "كرَّر" أتمنى
لَم تَسْتَسِغ جُمْلته ومعانيها المُبَطَّنة، لذلك قالت بتحذير وحاجِبان مَعْقودان: رائد أرجوك إذا ما عندك ثقة فيني تراجع.. تونا في البداية، إذا خايف لا تشاركني.. لأنّي أبدًا ما أبي كلام سلبي.. وما راح أحتاجك إذا كنت بتحبّطني
ارْتَفَعَ حاجبه: والله مو على كيفش.. غصبًا عنش بكون معاش.. سواء كنت واثق أو لا.. أنا من بداية الطريق ماشي معاش، وافقتش بل سهّلت لش كل خططش المجنونة.. اللي آخرها كانت انتحارش الوهمي
ابْتَسَمت باسْتمتاع وهي تتذكر كيف انتشر الخبر في وسائل التَّواصل الاجتماعي والصُّحف.. الكبير والصغير شغله هذا الحدث.. أستاذة جامعة تنتحر! صور الجُثَّة، الدّماء والمبنى المهجور.. اسْتَمَرَّ الحَديث وتواصلت البلبلة.. والأقاويل كانت كثيرة وكذلك القصص التي اخْتلقها البعض ونَشَرها جَذبًا للنّاس.. كُل ذلك انْتهى بعد أن أعلنت لجنة التّحقيق أَنَّ الأستاذة تُعاني من مرض نفسي بسبب ظُروف طفولتها القاسية.. اسْتَمَرَّ المرض وتمَكَّن منها مما دفعها للجوء إلى الانتحار.. آخر باب تقصده لترتاح.. فكانت ردود الفعل..

"الله يسامحها ويغفر لها" "مريضة ما عليها شره.. ادعوا لها بالرحمة" "وهل على المريض حرج!" "إن شاء الله ما كانت في وعيها عشان لا تروح النار"

ابْتَلَعَ البَحْر المَوْجة العملاقة.. فَسَكَنَ ماؤه.. فَصَمَتَ الجَميع.. ولَم تُغَسَّل ولم تُكَفَّن ولَم يُصَلَّ عليها.. وَدُفِنَت فاتن في قبرٍ لا أَرْضَ له.. وَصَمَتت الألسن عن نطق اسْمها.. فقد نُسَيَت بسرعة انتشار الخَبَر.. هذا ما ظَنَّته قَبْلَ أن يُفْصِح رائد
: تدرين إنّ خالتي هناء قاعدة تشتغل على بناء مسجد باسْمش
نَظَرت لهُ بصدمة اتَّضَحت في عينيها.. تبني مَسْجِد.. بإسمي!.. تساءلت بارْتباك لَعْثَمَ لِسانها: لــ ــ لــ ــيــش!
أَجاب بسخرية: صدقة عن روحش، وعشان كل من يدخل هالمسجد يدعي لش بالرحمة والمغفرة
تَكَتَّفَت بارْتعاش.. مَرَّرَت باطن كَفَّها على ذراعها وهي تقول بابْتسامة شَاحِبة أَنْحَر الخَبَر الغَريــب لَوْنها: علاقتنا سطحية جدًا.. زميلات لا أكثر.. ليش زاعجة نفسها فيني وبانتحاري وبآخرتي!
هَزَّ رأسه: صحيح إن علاقتكم سطحية.. "مال رأسه وعلى شَفَتيه تَربَّعت ابْتسامة معناها رَفْرَف حَوْلَ قَلْب فاتن المُولي ظهره للحَياة" بس للحين في الدنيا ناس داخلها قُلوب.. فلا تعتقدين إن كل الناس داخلها حَجَر سلطان



تَبدين لَطيفة.. عَلى جِفْنَيكِ اسْتراح مَوْجٌ أَسْود لَم يَفُز بِعناقٍ مع جَيش أَهدابكِ المُلتوي.. أَرى مَلامحًا جَديدة على وجهكِ.. وَكأنّي أرى وَجهًا آخر.. تَبدين مُرتاحة وَسعيدة.. هذا جيّد، فالأيام.. لحظة.. فالسنوات التي مَضَت كانت قاسية عليكِ.. كما كانت حَربٌ خاسِرة لي.. نعم تبدين سعيدة.. ما سِر هذه السعادة يا تُرى؟

: مامـــا قصّي للبابا من كيكتي

رفعت رَأسها بعد أن نَبّهها صَوت صَغيرتها.. كانت تُجهّز الأطباق لتقديم الكعكة التي عاونتها صغيرتها في تَحضيرها.. انتقلت عَيناها من جَنى إلى وجه ذاك الذي يقف أمامها.. ابتسم لها.. فعلاً ابتسم لها.. إلهي مُنذ متى لَم يُبْصر قَلبها هذه الابتسامة؟ اسْتقامت مُسْهِبة في التَّذكر، تُفتش بين ضَباب الذكريات المُلَونة عن آخر ابْتسامة أودعها في قلبها.. لَمحات مُشوشة تَزاحمت بِحَماس أَمام عَيْني رُوحها.. فهي لَم تطرق باب الذكريات المُلونة مُنذ زَمنٍ بَعيد.. فَصَداقتها عَقَدتها مع رَمادية خَبيثة لَم تفتأ أن تَطمس ضَوء الفَرح عَن حَياتها.. ارْتَجَف النَّبض وَارْتَبَكت أَنفاس مُشْتاقة حينما نَطق والابتسامة تُراقص كلماته: أَصَّرت أجي اهني آكل من الكيكة قبل أي أحد
ازدردت ريقها وهي تُبعد عَينيها عن وجهه الجَديد.. حادثت جَنى بلُطف: ماما جَنى اللحين بوديها برا وكل من بياكل منها
بإصرار قالت وهي تقترب من الطاولة المتوسطة المطبخ حيث تقف جِنان: لا ماما.. أبي بابا يذوقها أوّل
ضَحك بخفة لحماس هذه البريئة: تقول تعبانة عليها
هذه المرّة هي ابْتسمت.. بَعد أن مَرّت بعينيها عليه للحظة.. داعبهُ شيء ناعم في صدره.. وَكأنهُ ضَوء رَقيق يَنفذ من بين فراغات أَشجارٍ يانعة لِيُداعب الوَرد.. فَقلبهُ قَد أزهر لِيُصافح وَليد ابْتسامتها..الضَّوْء.. نطقت وهو يُصغي حَتى للنَفس الذي يِصل بين كلامتها: إذا على التعب.. فهي فعلاً تعبانة.. من الصبح قاعدة بس عشان تسوي الكيكة
أَشارَ برأسه للكعكة: زين ذوقينا.. خل نكافئ تعبها
هَمَست والابتسامة لَم تُفارق شَفَتيها.. وَلم تُفارق عَيْنيه: ثواني
أَعْطتهُ الطَّبق بَعد أن تَوَسَّطته قطعة من الكعكة التي أَعَدَّتها بمُساعدة جَنى.. غَرَسَ الشَّوكة فيها لِيَقْتَطَع منها الشيء القَليل.. كانت كَعْكة شوكولاتة ذابت في فمه بلذّة مُضاعفة.. فهي من صُنْع يَدي الجِنان.. مَرَّر لسانه على شفتيه بعد أن ابْتلع ما في فمه، ثُمَّ عَلَّق بإعجاب كَبير تَراقصت لهُ عَدَستا جَنى زَهْوًا: أحلى كيكة أكلتها في حياتي "اتَّسعت ابْتسامته مُضيفًا بِصدق" والله
تَقَدَّم حيثُ تَقِف صَغيرته لِيْنَحني لها، احْتَضَنَ كَفَّيها القطنيّين، قَبَّل الأيْمَن ثُمَّ الأَيْسَر قَبْلَ أن يَقُول بِحُب أَبوي تَهواه تلكَ الجِنان: تسلم الأيادي بعد قلبي جناني
رَفَعت رَأسها تَنْظر لوالدتها والفَرَح يَغْمر حواسها البَريئة بوضوح، قابلتها جِنان بِغَمزة وابْتسامة لَطِيفة قَبْل أن تَلْتَفِت لوالدها مُعَقِّبة: شُكرًا بـابـا حَبيــبي
: العفو يا عيون بابا "اسْتَدْرَك وَهُو يُحيط خصرها النحيف بذراعه القويّة" زين بابا جَنى خل نطلع برى ونذوقهم الكيكة اللذيذة
أحاطت عُنقه بذراعيها وبحماس: أووكــي

استقامَ واقِفًا وهو يحملها بذراع والأخرى مُدَّت يدها لتحمل الطَّبق الذي يحوي قطعته، أشار للخارج برأسه مُحادِثًا جِنان التي لا زالت مُسْتَسْلِمة لِهَدْهدة هذا المَشْهَد الرَّقيق.. لِوَهْلة شَعرت أَنَّهم عائلة تعيش بين السَّحاب..: نطلع؟
هَزَّت رَأسها بِخفَّة والابْتسامة التي كانت تُلاطف شَفَتيها شاغبَها فُتور لَم يَلْحظه لأنّه كان قَد اسْتدارَ مُتَقَدِّمًا للخارج.. تَنْهيدة مُخَفَّفة من أَثْقال غادرت رئتيها.. وَهَمْسٌ داخلي طَبْطَب عَلى رُوحها قائلاً "اسْتمتعي بهذه الفرص النّادِرة.. امْتزجي مع كُل شُعور يُولَد من وُجوده.. احْتفظي بالذكريات الجَديدة.. فهي جَميلة وإن كانت مَبْتورة"
تَبِعَتَهما للخارج حيث الجَميع.. النساء في زاوية قَد تَجَمَّعن.. والرِّجال في الزاوية المُقابلة.. وفي الوسط كان يسْتَقِرَّان الجَدَّان.. وَكَأنَّهما الشمس التي تنشر الدفء على الضَّفَتَيْن.
المشاعر الرَّقيقة التي كانت تَحْتَضِن هؤلاء الثلاثة جَلِيَّة جِدًا للجَميع.. فالحُب الصَّامت في قَلْبي فَيْصَل وجِنان مُتَمَرِّد.. تَراهُ على هَيْئة نُجوم تَلْتَمِع في عَيْنيهما.. وتُلاحظه بَيْن ارْتِعاش أناملهما المُرْتَبِكة.. والابتسامة التي على الشَّفَتين تُشْعرك كَأنهما يَرْتشفان من كَأس النَّشوة ذاته.... جُود التي كانت تجلس بِجانب حَنين هَمَسَت بنَبْرة يَتَّضِح فيها القَهَر: يا ربّـــي.. شوفيهم شلووون
حَنين التي فَهمت بوضوح ماذا تعني جُود أَيَّدت: فعلاً الوضع يقهر.. يجنّنون وهم عايلة وقلوبهم على بعض
نُور التي كانت تُنْصِت لهما أَكْمَلت: كل واحد ميّت على الثاني ويكابر
جُود باعتراف يُقَيّده الحَرَج: صراحة أنا استانست يوم عرفت إنّ ياسمين ما بتجي اليوم
حَنين اسْتَفْسَرت وكأنها تَذكَّرت: أي صح كنت بسأل عنها يوم ما شفتها.. ليش ما جت؟
أَجابت جُود: يقول فيصل معزومة على غبقة مع صديقاتها.. زين صارت عزيمتها في نفس هاليوم.. عشان لا يتلاقون هي وجِنان.. يصير الوضع كلـــش متوتر وكريــه
نَبَّهتها حَنين لِقدوم جِنان بِضَرْبة خَفيفة على كَتِفها لِتَصْمت.. أَعيْن النِساء الثلاث كانت تُتابع وَجْه جِنان بِدقَّة.. يَتَفَحَّصْن مَلامحها، يُنَبِّشْن عَن أَحاديث كَثيــرة لا تَبُوح بها.. رُبما هي تَبُثَّها لِنَدى.. لكن لهن هن.. لَم تَنطق بشيء مُنذُ زَمَن. جَلَست بِجانب نُور وَعَيْناها مُسْتَقِرَّتان عَليه، هُو وَجَنى التي تَعْتلي وَجْهها ابْتسامة خَجِلة تَفاعُلاً مَع مَديح وُثَناء أَفْراد العائلة على كَعكتها.. اقْتَرَبَت شَفَتاه من أُذنها هامِسًا بِكلِمات لَم تُطْرَب أُذْناها بِسماعها، وَلم يَتَسَنَّ لِعَيْنيها قِراءتها وَهي تعبر فَمه.. ثوانٍ وَضَحَكَت الطّفلة، وتَعَلَّقت يَداها الضَّئيلتان بِكَتِفَي والدها.. وجَسَدها النَّحيل الْتَصَق أَكْثَر فَأكثر بِصَدره، لِتُسَلِّم عَلى دفءٍ رافقها طوال سنوات عُمْرها القَليلة.. تَنْهيدة اجْتَرَّها القَلْب من أَعْمــاق الرُّوح لِتخْرج زَفيرًا ثَقيلاً.. وَكَأنَّ القَلْب كان يُريد أن يَتَخَلَّصَ منها.. فهي كانت تَجْتذبهُ بوَخَزَاتِها للأَسْفل.. حَيثُ الهاوية والاسْتسلام.. الْتَفَتَت لِجُود التي يبدو أنَّها تُناديها من فَتْرة.. نَظَرَت لها دُون أن تَنْطق بشيء.. وَعلى شُرْفة عَيْنيها لاحَ تَيْهٌ جَلي.. تَساءَلت جُود بجرأة: ليش تركتينه لياسمين وإنتِ تموتين فيه هالكثر؟
ارْتَفَع حاجبها باسْتفزاز وَهي غير مُبالية لِنُور التي نَهَرتها بِنَبْرة حادَّة: جُــود.. اكبري شوي.. شهالحجي!
أَدارت جِنان وجهها عنهن ولكن ليس إليه هذه المرَّة.. ظَلَّ بَصَرها مُتَعَلّقًا بنقطة لا مرئية تَصطدم فيها الأَفْكار بِضَياع وعَشْوائية. حَنين أَيَّدت نُور: كلش ماله داعي كلامش جُود
رَدَّت وهي تُرخي ساقَ على الأخرى وباسْتنكار مُصْطنَع: وَأنا شقلت! هذي الحقيقة اللي هي تعرفها وكلنا نعرفها ونقولها لبعض.. ليش اللحين مسويين روحكم مصدومات؟ "عادت وَوَجَّهت نَظرات كانت سِهام تَوْجيه وَصَحْوة.. تُريد بها أن تُزَعْزِع مَشاعر جِنان المُتَوارية.. وبِنَبْرة حَوَت خَبَثًا مَرِحًا يُناسبها" الاثنيــــن ميْتين على بعض
ابْتَسَمَت بانْتصار حينما الْتَفَتت جِنان بِلهفة طَغَت عليها صَدْمة اتَّضَحَت في عينيها المُتَوَسّعتَيْن، حيثُ كانت عَدَسَتاها تَتَحركان باضطراب.. ازْدَرَدت ريقها بصعوبة.. وَكَأنَّها تُحاول أَن تُمَرِّر صَخْرة من خلال حَلْقها الذي تَوَرَّم من الوَجع.. شَعَرَت بِنَفْسها مَكْشوفة أَمام الجَميع.. مَفْضوحة بلا سِتْر ولا "غُرور" كغروره الذي يُبْقي هامته مَرْفوعة.. أَيْنَ هامتها هي؟ لا هامة.. لا ارْتفاع.. وإنَّما سُقوط وَتَمَرّغ في وَحْل الخيانة الذي صَنعهُ فَيْصل باتّهاماته.. لكن.. . لكن جُود قالت الاثنين.. الاثنيــن.. هـل هذا يعنـ ـي.. يعنــ ـ.. يعنــي أنّه هُو أَيْضًا؟ أَيُعْقَل! .. ولكن ياسمين؟ مُستحيل، مُسْتَحيـــل.. هُوَ كَرَهها.. ولا زالَ يَكْرهها.. رُبَّما لَو نَمت طَبَقة جَديدة من الجِلْد فَوق الجرح الذي أَحْياه وسط فَحذها.. لَرُبَّما صدَّقت أَنَّهُ لا زال" مَيّت عليها" كما قالت جُود.. لكن هذا مُستحيل.. بل ما وراء المُستحيل.. هي جِنان ابْنة عَمَّته والتي احْتَضَنَت طِفلته لتسعة أَشهر فقط.. فقط.. هي حتى لا تعتقد أَنَّها في نظره واعْتباره أُم.. فثَوْب الأُمومة لا يُعْقَل أن يَكون في مَقاس جَسَدٍ خائن.. رَكَّزَت بَصَرَها على جُود التي بَدا على ملامحها التَّرَقُّب.. هي لا تدري ما الذي ترمي إليه بحديثه هذا.. لكنَّها تدري، وتعلم يَقينًا أن الحُب لَم يَمُت في قلبها هي فقط.. أما قلب فَيْصل فقد ماتَ فيه الحُب مُذ وَقَعَت عَيْناه عَليها وهي تجلس أَمام أحمد في ذلك المطعم المَشْؤوم.. قلبهُ الآن خاويًا من كُل المشاعر اتّجاهها.. ما خلا الحقد الذي يَرفض أن يستمع لتبريرها الرَّكيك.. لَرُبَّما مات هُو أيضًا.. لِيُمْسي قَلْبهُ فعلاً خاويًا من أي مشاعر اتّجاهها.. لِتَكون بذلك امْرأة.. فقط امْرأة عادية تُضاف لمجموع النّساء في العالم عند إحصاء عددهن.. هي لا شيء بالنسبة لفيصل.. لا شيء.

: ماما عادي أطلب طلب؟

هذا الهَمْس الرَّقيق.. زَقْزَق عِنْدَ أُذْنيها.. يُناديها لِتَلْتفت عن الزَّوبعة التي تَدور فيها.. يُذَكّرها بأن هُنالك كائن لَطيف.. بريء.. هُو أَهْلٌ لِكَيانها وَوجودها.. كُلَّها يَجِب أن يصغي ويَنتبه لهذه الحَمامة الصَّغيرة. الْتَفَتت لها وهي تُزَيِّن شَفَتيها بابتسامة ناعِمة لِتُجيبها بهمسٍ حَنون: حبيبتي إنتِ اطلبي اللي تبينه
تَبَسَّمت بِخَجِلٍ بانَ في صوتها وَجِفْناها اللذان هَبَطا بِخفَّة وَأدب: يصير الليلة أنام ويّا بابا؟

إلهــي.. كيفَ لِسؤالٍ أن تَكون لهُ أَشْواكٌ تَتَّخذ القلب والرُّوح فَريسة! حَبَست أَلمها لِيتعاضد مع الأشواك في نَهْشِ دواخلها.. هَمَسَت لطفلتها المُتَرَقِّبة وهي تَمس ذقنها النّاعم بإبهامها: أكيد ماما.. يصير تنامين ويّاه أي يوم تبين
أَشْرَقَت عَيناها والفَرْحة تُومض وَسَطهما.. عانَقَت والدتها بِحَماس وِشَفَتاها بِقوَّة قَبَّلتا خَدَّها قَبْل أَن ينطق لِسانها السُّكَّر: ثانكيووو ماما حَبيبتي
ضَحَكت بخفَّة لردَّة فعلها التي غَمرتها بمشاعر لَذيذة، ابْتعدت عنها قائلة بذات الحَماس: بروح أقول لبابا
لاَحقتها عَيناها إلى حيثُ يَسْتقر ذلك المَغْرور.. كم تعشق هذه الطفلة.. وكم.. تعشقه! سَجَنَت آه البُكاء في صَدْرها، وَبَقِيَت تُجاهد الدُّموع المُحاصِرة مُقْلَتيها، تُهَدّدها بهطولٍ غَزيـر قد يُضَعِّف فَضيحتها.. حاولت وبصعوبة اسْتطاعت أن تُغادر عيناها المَشْهد الذي بَتَرها الزَّمن منه.. هُو وطفلتهما مُنْسَجِمان في حَديثٍ سَعادته مَرْسومة على وَجْهيهما المُبْتسِمان.



كان خُروجهما مُبَكِّر.. ارْتاحت لذلك، فهي مُذ أَخْبرها بِأنَّهما سَيَفطران في منزل جدّه الْتَبسها الارتباك وَبَدأ يَسير بَيْن أَوْصالِها القَلق.. هي لَم تكن هكذا من قبل.. أَبَدًا أَبَدًأ.. والقريبون منها يعرفون ذلك.. لكن بعد تلك الحادِثة تَغَيَّرَ فيها الكَثير.. وَكَأنَّها قَد اسْتُفْرِغت من شَرْنقة وَلّدتها من جَديد.. تلك الحادِثة انْتَجَت خَلَلاً في تَكْوينها الرُّوحي والجَسَدي.. كُل ما فيها تَبَدَّل.. حَتَّى شُعْلة الحَماس التي كانت تَعيش فيها وَتُحَفّزَها للعَمَل على قَضِيَّة والدها المَهْجورة قَد انْطَفَأت.. داخلها ظَلامٌ يرفض الاتّكاء على هَفيف ضَوْء.. وذلك الذي يجلس على يسارها لا تعتقد أَنّهُ يَألف الشَّمس.. لذا لن يُحاول أن يشرق على أَرضها لإعادة إحياءها.. ويقينها بهذه الحَقيقة دَفعها لِقُبول الزَّواج منه.. فهي غير مُضطَّرة أن تُحارب ذاتها الجَديدة من أَجْل إرْضائه أو من أَجْل الاندماج معه بطبيعية.. والنتيجة الكُبْرى من هذا السَّواد الذي يحاوطه كانت عدم خوفها منه!.. فهي لا تخافه ولا تنفر منه كباقي الرِجال.. أَرْجَعَت هذا الاطْمئنان للظَّلام الذي يتشاركانه.. فما الذي يستطيع أن يفعله رَجُلٌ يَسْبَح في الظَّلام؟ فهو مُقَيَّد بالكامل، وإن جَهلت مَصْدر وسَبَب القَيْد.. إلا أَنَّها مُمْتَنَّة له.. فمن غيره لكانَ المَضي في الحَياة معه أَكْثَر صعوبة.. بل قد لا تَقْبل الزواج منه من الأَساس. اسْتَيْقَظَت من غَفْوة أَفْكارها عندما تَوَقَّفَت السَّيَّارة.. تَحَرَّكَت عَيْناها على المَنْزل من خلف النَّافِذة.. ثوانٍ قَبْل أن تسْتوعب وتلتفت إليه بِنَظرات مُتسائلة.. أَجابها بهدوئه المُمَيَّز: آخر مرة شفتينهم يوم تزورون يوسف في المستشفى
لَم تَمْنع ابْتسامة الامْتنان من أَن تَشد شَفَتيها.. فَتَحت الباب وَقبل أن تُغادر سألته: بتنزل؟
أَجاب وهو ينظر لساعته: لا بروح الكراج.. تأخرت على الشباب هناك.. إذا جيت آخذش بنزل أَسلّم على عمتي
هَزَّت رأسها: أوكي.. مع السَّلامة
هَمَسَ: مع السَّلامة

زَفْرة طَويــلة فَرَّت من صَدْره.. أَغمض بِتَعَب وَيَده تَمْسح جَبينه بحيرة.... .. وَحَرَج.. نَعَم حَرَج.. هُو مُحْرَج من نَفْسه.. لا يدري ما به.. لا يعرف أن يترجم ما يشعر به.. هُو لا يدري ما هُو هذا الشيء الذي يُخالجه! هل تُسَمَّى مَشاعر.. أو .. أو يُمكن أن نطلق عليها لِقاء مَع الشَّمْس؟ أو العثور على نَهر من بعد مَسيرٍ في الصَّحراء وهو ظمآن؟ أو ما هو؟ ما هو ذلك الشيء الذي يُبعثر دواخله مُذ أَصْبَحَت زوجته؟ حتى البُرود الذي هو حَليفه ورفيق دربه لسنوات.. بات يشعر بذوبانه، وبالتالي هو يُبَلّله.. يُبَلّله ليرتعش ويَصْحو من السّبات الذي كان مَسْجونًا فيه.. مَرَّت أسابيع قَليلة مُذ جَمعهما سَقْفٌ واحِد.. لَم يعتقد أَنَّ في هذه المُدَّة البَسيطة سَتُهاجمه مَلاك بأنوثتها الصَّارِخة.. لا زال همس جِنان المُعْجَب يَرن في أُذْنيه

"محمد زوجتك نــااااعمة.. أول مرة أشوف بنت بهالنعومة.. ما شاء الله!"

وكأنَّ كلماتها كانت جَرس إنذار يُحَذّره من تَبِعات ومُخَلَّفات هذه النعومة الأنثوية.. لا يدري هل لِعُزْلته دَخَلاً في الذي يحصل الآن؟ فهو في شخصية ديميتري قابَل عشرات الإناث.. بعضهن كُنَّ حَبيباته لفترة تَبَعًا لخطة آستور.. رُبَّما للقبض عليهن.. أو حتى على فرد من أفراد عائلتهن.. لكنّه بشخصيته.. بذاته المُهَشَّمة.. هُو مُحَمَّد لَم يَقْتَرِب من أُنثى قَط.. أَنثى يَحِل لِعَينيه أن تعبران مَلامحها دُون خَوْفٍ من عقابٍ أَو إثْم.. اُنثى يَكْتشفها من خلف سِتار بروده الذي بَدأَ يَنْفك عنه.. كَيف سيتصرف عندما يَصبح أَعْزَل من سلاحه الأَعْظَم؟ ابْتَسَم بِخِفَّة للجُنون الذي يَعْترم داخله.. الذي يراه من الخارج بسُكونه واسْتقامته.. لا يُفَكّر ولو للحظة أَنَّ عاصفة في الدَّاخل تعمل على إحياء الذي مات والذي انْتَحَر.
حَرَّك السَّيَّارة مُبْتَعدًا عن المنزل الذي كانت تجلس داخله مَلاك بالقُرب من والدتها، وَقد بَدأت وَسَط رُوحها بَذْرة الاطْمئنان لمحمد بالنّمو.. دُون أن تعلم أنَّ من بين أَزِقَّة الظُّلْمة التي تَسْكنها نَجا شُعاعٌ باهِت.. اسْتجابتْ لَهُ ذات مُحَمَّد المَحْرومة.

،

في المَنْزِل كان الهُدوء مُناقِض للنَّشاط الذي يَعِم بَيت جد مُحَمَّد.. هُناك الجَدَّان بالأولاد والأحفاد مُجْتمعون.. والأصوات من هُنا وهُناك.. والأحاديث تَتَشابك بشَعواء تمنعك من اسْتيعابِها في نفس اللحظة.. لكن هُنا وَسط هذا المنزل الواسع حَجْمًا.. والضَّيّق في جَوْهره.. يوجد فقط هي ووالدتها وحُور التي لا يصعب على المَرء مُلاحظة نصفها المَبْتور حَتَّى ولو حاولت أَن تَسْتره بِمَرح هَزيل.. كانت تَسْتفسر منها: شخبار الفطور هناك؟
أَجابت بابْتسامة خَفيفة: تَمـام.. أوَّل مرة أشوف أهله كلهم.. طيبين
بضحكة قالت: حَنين كتبت لي إنّش مستحية وااجد
شاركتها الضّحكة وهي تمس صدغها بسَبَّابتها وبتبرير: أكيــد بستحي.. أوَّل مرة أتعرف عليهم.. طول الوقت ساكتة.. أتكلم إذا أحد كلَّمني بس
هَزَّت رَأسها بتفهم: شوي شوي وبتتعودين عليهم
تَمْتَمت: إن شاء الله

الْتَفَتَتَ لوالدتها الصَّامِتة مُنذُ دُخولها.. هي فقط بادلتها التَّحيَّة ومن ثُمَّ غَرَقَت بَين تلاطم أَفكارها.. لا تدري لأيِّ عُمْقٍ قَد وَصَلت.. نَادَتها بخفوت وَبَاطن كَفَّها يَسْتَقِر فَوق ظاهِر يَدها: يُمّــه..... يُمّه
انْتَبَهت لها سَريعًا.. رَمَشَت مَرَّات مُتَتالية ثُمَّ تَسَاءَلت وَكَأَنَّها تَجْلس فَوق نارٍ تَتَقِد: شنـوو.. شصار!
حاولت أن تُلْبِس شَفتيها ابْتسامة لا تدري هل بَرَزت أم لا.. وبهدوء ظاهري أَراحتها: ما في شي يُمّـه.. شنو فيه يعني؟ "اسْتَطْرَدت" بس كنت أبي أتطمن عليش.. ما نطقتين بولا كلمة من دخلت
تَنهيدة اجْتُثَّت من رَحِمٍ يَنُوح على وَليده كانت هي الجَواب الذي عَصَف بقلْبَي مَلاك وَحُور الواقِفة على شَفا الانهيار.. عَقَّبَت هي ببحَّة تُجاهد البُكاء: سلامتش يُمّـ ـه من الآه
هَزَّت رَأسها بالنَّفي والغَصَّة تُعَرْقِل كَلِماتها: ما في سَلامـ ـة يا ملاك.. ما في سَلامة.. شهر الله جم يوم وبيودعنا.. والعيـ ـد يُمّـه جاي، بس شلوون.. .. شلون.. يجي العيد وولدي.. . ولدي غايـ ــب عن عينـ ـي!
حَلْقها وفكّها أَثَّقلَهما صَبيب البُكاء المَكْتوم.. فهي بصعوبة جَرَّت الكلمات مُحاولة أن تُطَبْطِب عَلى وَجَع والدتها: ما عليه يُمّـه.. هذا كله في صالحه.. والعلاج.. شفتينه يوم نروح له، الحمد لله تحسّنت صحته
دُموع الأُم المَخلوع جِنحها لَبَّت نِداء الوَجْنَتين المُتَجَعّدَتيْن من الهَم لا من عُمْرٍ بَريء.. تَلَقَّفَت كفَّ ابْنتها.. جِنحها الثاني المَكْسور، وبِرجاءٍ تَقَطَّعَ لَهُ قَلْبَ مَلاك: تكفين مَلاك... تكفيـ ـن يمّه كلميهم.. كلمي المستشفى يطلعونه.. بس هالجم يوم.. أبيه عنــ ــ ــدي.. أبي أداريـ ـه وأبي أعايـد على عيونه
دمعها فَشل في معركته وبات وَجهها أَرْضًا لمصارع البُكاء.. ارْتفعت أَهْدابها المُبَلّلة لِجَسد حُور التي فَرَّت هارِبة من هذا العذاب الذي أخذ يَسْتَفحِل بلا تَوَقّف ولا مُهْلة.. أصْبَحن يتخبَّطن بضياع دُون أَن يَهْتَدين لعلاج يستأصل هذا السَّرطان ويُفنيه بلا عَوْدة.. زيارتهن ليوسف مرَّت بسلام.. فهو كان بخيــر.. بخير جدًا والحمد لله.. أفضل من كُل الزّيارات السَّابقة.. لكن على ما يبدو أَنَّ هذا ليس كافيًا بالنسبة لوالدتها.. هذا "الخَيْر" لا يُثَبّط زَعْزَعة نَبْضها الملهوف على بِكْرها وقُرّة عينها.. عادت ومَرَّغَّت بَصَرها برَماديَّة هذه اللوحة الكَئيبة، شَدَّت على اليَد المُرْتَعِشة وَسَط كَفّها وبنبرة غَلَّفتها بدفءٍ خَريفي: ما عليـ ـه يُمّـه.. بكلّم المستشفى.. إنت لا تفكرين وتحاتين "وبثقة لا تدري من أين جاءَت بها" صدقينـــ ــي.. قبل لا عيون الأوادم تشووف هلال العيد.. عيونش بتكحّل نظرهــ ــا بوجه يوسف



للتَّو خَرَج العُمَّال من الشِّقة، بَقيَ القَليل حَتَّى تَصْبح جَديدة بالكامل.. يَشْعُر بِزَهو أَنَّهُ اسْتطاع تَجْديدها بواسطة أَمْواله التي ادَّخَرَها لِسَنواتٍ من الحُلم.. هذهِ الأموال سُمِّيَت باسْمها.. اسْم حَبيبته نُور.. حتى بعد أَن صَفعهُ ناصِر برفضه القاسي لَم تَتَطاول يَده على دينارٍ منها.. على الرَّغم من المَرَّات الكَثيرة التي اخْتَنَقَ فيها بضوائِق ماديَّة، إلا أَنَّه لَم يفَكِّر للحظة أن يَخُون حُلْمه الذي نُحِرَ أَمام عَيْنَي رُوحه.. وها هُو المال يُصْرَف في سَبيل جَعْل هذا الحُلْم حَقيقة. رائِحة الأَصْباغ تَشَبَّع منها رَأسه حتَّى باتَ يَشْعُر بِأنَّهُ مُصْمَت، يَحتاج إلى كوب قَهْوة وَسيجارة يُعيدان فَتْح المَسار لِمُرور الدِّماء في عَقْله.. يَحْتاج أن يُفَكِّر في الأيَّام الآتية، لَم يَتَبَقَّ إلا القَليل.. لا بُدَّ لهُ أن يُعيد تَرْتيب الفَوْضى داخله، فلا يكفي مَسْكَنًا مُرَتَّبًا.. حَياتهما تَحْتاج إلى ذات مُرَتَّبة أَيضًا.. ذات مُضَمَّدة الجِراح، حَتَّى لا يُغافله الجرح وَيَسْتَفْرِغ دِماءً سَتُلَوِّث عَيْشَهما. دَخل المَطْبَخ قاصِدًا القَهْوة.. لَكِن خطواته مَنَعتهُ من المُواصلة إلى حَيث أَراد وَأَجْبَرتهُ على الوقوف عند المزهريَّة المُهْمَلة.. بَعد الذي حَصَلَ مع عبد الله حاولَ أن يَتَخَلَّصَ منها، نَعم حاول.. لَكنّهُ فَشَلَ في النّهاية، فهو بتخلّصه منها يَكون قَد أَلْقى بِشعورٍ نَقي أَهْدَتهُ لِرُوحه نُور على هَيْئة زُهور.. وَكأَنَّهُ بفعلته يرفض مشاعرها.. لذلك انتهى بها الأمر مَرْكونة إلى جانب الزّبالة حتى ذَبُلت زُهورها ومالت كَعُنِقٍ تَمَّ شَنْقه. انْحَنى لها، مَسَّ البِتِلَّات برؤوس أَصابعه.. كانت مَسْحة وَداع قَبْلَ أن يَدْفنها في قُعْر الزّبالة وذاكرته تَعود بهِ لتلك اللحظات المُلْتَهِبة.

،

: شَكلي خَيّبت توقعاتك!

أَطْبَقَ شَفَتَيه دُون يَنْطق بِكَلِمة.. لِيَكْتَفي بازْدراد ريقه الغاص بالقَهَرِ وَالغَضَب والنَّدم وَكُل مَعاني الأَسَى وَالحُزن.. تَمْتَمَ ناطِقًا اسْمهُ لِيَصْفَع أَحْلامه الوَقِحة وَيَنْتَشِلها من سَكَرِها: عبـد الله
تَسَاءَل وَهُو يُبْصِر الضّيق الذي جَثَمَ على وجه خاله: طَلال يعني مو مرحَّب فيني؟ "أَدارَ كَتِفه وَكَأَنَّه يَسْتَعِد لِلرَّحيل وَهُو يَقول" عادي بَروح إذا ما تبيني أدخل.. بس كنــ
قاطَعَه بِهَمْسٍ مَيّت وَبِيَده قَبَضَ عَلى عضده: لا.. لا تَروح "شَدَّه للدَّاخل" تَعال.. تفضل
تَساءَل وَهُو يُراقِب كَيف يُشيح وَجْهه وَيَهْرب بِعَيْنَيه بَعيداً عَنه: شفيك طَلال؟ "أَعادَ وُهُو يَشِد ذراعه من قَبْضَته" وَالله إذا مو مرتاح لجيّتي بطلع.. نتكلم وقت ثاني
اسْتَدار لَهُ كاشِفاً عَن وَجْهٍ تَنْتَصِف جُموده ابْتسامة يَجْتَذِبَها العُبوس لِلأَسْفل.. عَلَّقَ بِضِحْكة أَراد بِها أن تَلْطيف الجَو المَشْحون: إنت شفيك صاير حَسَّاس! بَلا دَلع وامش اقعد
جَلَسَ عَلى الأريكة حَيْث أَشار وَلِسانه يُواصِل اطْمئنانه: صدق شفيك طَلال؟ حسّيتك تضايقت يوم شفتني
أَجاب وَهُو يَجْلِس قُبالته وَعَيْناه تَتَقَلْقَلان على المَكان دُون أن تَطَآن وَجْه ضَيْفه: وَلا شي.. بس ما توقعت جيّتك.. ما توقعت أشوفك مرة ثانية عقب ليلة الملجة "تَنْهيدة لا نِهاية لَها حَوَت كَلِماته" وَاللحين احنا مَع بعض.. بعد السنتين.... ... .. يعني
تَعْقيبه أَتاه مُطَعَّماً بالوِد: وتظن إنّي بتركك عَلى غيابك بَعد ما شفتك وعرفت مَكانك؟
نَظَرَ لهُ لِلَحْظة ثُمَّ اسْتَفْسَر: من عَطاك العنوان؟
بِهُدوء وَعَيْناه مُسَمَّرَتان عَلى وَجْه خاله لالْتقاط رَدَّة فِعله: عَمّي ناصر.. أمس التقينا وَعطاني عنوانك "صَمَتَ بُرْهة وَمَلامح طَلال لازالت لا تَشي بِشيء.. أَكْمَلَ بِنَبرة خافِتة وَهُو يَتَقَدَّم بِجِذْعه للأَمام " وَكلمني في موضوع يخصّك...ويخص نُور
أَنْهى حَديثه مَع اتّكاء مِرْفَقه عَلى فَخْذيه وَتَشابُك أَصابع يَديه.. بَصَره مُوَجَّهاً لِطَلال لا لِشيء آخر.. طَلال الذي لَم يُحَرِّك ساكِناً.. وَلم يُدْنِ بِطَرْفه إليه.. ظَلَّ جامِداً وَالصَّمْت قَد صُبَّ عَليه مِن رَأسه حَتَّى أَخْمَص قَدَميه.. كُل ما فيه ساكِن.. حَتَّى صَدْره خَلَع الأَنْفاس وَارْتَدى كَفَنَ الاخْتناق.. ناداه وَهُو الجاهِل بِما يَدُور في جَوْفه: طَـــلال!
اسْتَجاب للنّداء الحامِل مَعَهُ لَحْنَ رَجاء َكَشَفَ عَن تَجُدِّد الأَلَم العَتيق المُقْتات عَلى اخْضرار عَيْنيه.. ذاكَ أَكْمَل وَالحيرة تَجُر كَلِماته: ليــش ما قِلت لي؟ "تَخَبَّطَت عَدَستاه على المَكان وَحَلَّت اليَدان تَشابك الأصابِع لِيَتَّضِح خَواء خُطوطهما مِن الجَواب" ليش ما حاولت تصارحني باللي في قلبك؟ "ضِحْكة قَصيرة أَغْرَقَها التَّعَجُّب واللا تَصديق" كنت أظنّك تشوفها مثل ما تشوف غَيْداء.. تحبهــ ـا.. لطفولتها اللي تعلقت فيك..مـا.. .. ما توقعت اللي في قلبك أكبر وأعمق من هالمشاعر! "ناظَر يَسارَه حَيْثُ تَسْتَقِر زُهورها مُنْصِتة ثُمَّ ناظَرَ يَمينًا جِهة المَوْضِع الذي يَتَغَذَّى من ضَوء الشَّمس العابِر من السَّتائِر.." ما تخيلت وَلو للحظة إنّك تحبها وتبيها...وخطبتها.. بعد "عادَت عَيْناه تَتَجولان في المَكان تُتَرْجِمان صَدْمته واسْتنكاره وَهُما تَمُرَّان على الضّوء والأبواب.. لتستقر على الأزهار مُجددًا" ليش ما قلت لي إنَّ عمّي رفضك؟ ليش كنت خاش عني من البداية! أنا مو فاهم سَبب لصمتك.. يعني قَبل لا أقول إنّي أبيها.. كان عندك فرصة إنّك تشاركني سرّك.. أَو أَو على الأَقل قلت لَغيداء.. المهم كنت تتحجى.. تقول لأحد.. كنّا بنكون معاك.. لا تفــ ... ــالورد.. "أشار بيده له" من وين الورد؟
رَأسه كان مُنَكَّسَاً وَنَدَم العالَم أَجْمع يَتَساقَط عَليه سِجّيلاً.. وَحينما أَفْصَح عبد الله عَن سُؤاله الغَريب وَجِدًّا رَفَعَ رَأسه سَريعاً لِيَراه وَهُو يُشير بإصْبعه للمَزْهَرِيَّة الشَّفافة المُهداة من نُور وَالعُقْدة قَدْ لاصَقَت حاجِبَيه.. تَفاعَل نَبْضه مَع المَوْقِف وَبَدأ بِتَعْذيب حُجْرات قَلْبه.. الحُروف تَكَدَّسَت جُثَثاً أسْفَلَ حَلْقه.. لَم يَكُن قادِراً أَن يَعْثُر عَلى نِصْف حَرْفٍ يُنْقِذه.. بانَت لَهُ ابْتسامة خَفيفة زاحَمت عُقْدة مَلامحه وَهُو يَقُول وإصْبعه لا زال يُواجه الزَّهْر: ذكرني بنُور.. نوعها المُفضل من الوَرد.. وتحب هالتنسيق.. وما تتعامل مع غير هالمحل
صَمَت لثواني وَالعُقْدة لا زالت بَيْنَ حاجِبَيه.. وَكَأَنَّها تُنَبِّش عَن سؤالٍ يُصْمِت الغَوْغاء التي بَدأت تَحْتَدِم داخله.. أَخْفَضَ يَده بفاهٍ مَفغور اسْتعدادًا لإطلاق السؤال.. هُو ذَكي، وَليس من الصَّعب عليه رَبْط الخُيوط وإن كان بَعْضَها خَفي.. ما حَصَلَ مُؤخَّرًا جَعَلَ عَقْله يَتَمَهَّد لاسْتقبال السّؤال الذي قَد يَكون جَوابه السّكِين التي تَفْتَح جِرْحًا في ظَهْره.. تَحَرَّكت عَدسَتاه ببطء إلى حيث يجلس طَلال.. إلى حَيْث النار المُتَوَقِّدة.. سَألَ وَمَلامح طَلال السَّوداء أَوْحَت لهُ بالجَواب قَبْلَ أن ينطق لِسانه: إنـ ـت.. إنــت.. تلتقي فيها؟... .. تشوفها؟.. ... تشوف نُــور؟



أَخْبَرها بأنَّه سَيَعود لِيأخذ جَنى في الساعة الواحدة.. لَم يُخْبِرها إلى أين هو ذاهب، لَكنّها اسْتطاعت أن تفهم من خلال تحفظه أنَّه ذاهِبٌ إليها.. إلى ياسمين.. وها هي الساعة الآن الواحِدة والرّبع بعدَ مُنْتَصف الليل، وها هُو رَنين هاتفها يَرْتَفِع وشاشته تُوْمِض.. تَناولته من على السَّرير لتَسْتَعْلم عن المُتَّصل.. كان هُو.. ثوانٍ فقط وانْقَطَعَ الاتّصال، ثمَّ تبعتهُ مُباشرة رِسالة نصيَّة يقول فيها "أنا برا".. ألْقَت الهاتف على السَّرير وهي تُنادي جَنى: يلا ماما جَنى بابا ينتظرش
لَم يَصِلَها جَواب من ابْنتها التي دَلفت لِغُرْفة ملابسها مُنذ دَقيقة تقريبًا.. عُقْدة اسْتغراب خَفيفة قَرَّبت ما بَيْن حاجبيها وبهمس: شتسوي داخل؟
تحركت ناحية غُرفة المَلابس، نادتها من جديد وهي تقترب: جَنى
مع وُقوفها عند الباب أَقْفَلَت جَنى الحَقيبة الطّفولية بسرعة وارْتباك مَلْحوظان وهي مُديرة ظَهْرها للباب.. كان واضِحًا جدًا أَنَّها أخْفَت شيء داخلها.. ارْتَفَعَ حاجِبا جِنان بِتَعَجُب وابْتسامة تَذَيَّلت بضحكة مَكْبوتة لاطفت شَفتَيها.. تَساءلت وهي تَتَّكئ بباطن يدها على جانب الباب: شنو فيها الشنطة؟
جَنى اسْتَدارت ببطء، أَخْفَضَت جِفْنَيها حتى لا تلتقي عَيْنيها المُرْتَبِكَتَيْن بِعْينَي والدتها المُسْتَفْسِرة، أجابت بصوت بالكــاد يُسْمع: ولا شي
هي التي كانت تُنْصِت بدقَّة اسْتطاعت أن تفهم ما قالتهُ مُسْتَعينةً بِحَرَكة شَفَتيها الصَّغيرَتَيْن.. سُؤال آخر حَشَرَ جَنى في الزَّاوية: ما دام ما فيها شي ليش بتاخذينها وياش؟
أَطْبَقَت شَفَتيها بقوَّة وبصعوبة اسْتطاعت أن تُكْبِح الضّحكة وهي ترى كَيف انْشَدَّت ملامح صغيرتها بتوَرّط.. تَحَرَّكَت أَهْدابها بسرعة رَفْرَفة جِنْحي فَراشة تَهرب من الهُجوم.. اسْتَمَرَّ صمتها لنصف دقيقة قبل أن تُجيب بثقة ولكن مع بَقاء بصرها للأسفل: بحط فيها أغراضي اللي في بيت بابا ناصر
هَزَّت رأسها باقْتناع جُزئي.. فَالإجابة منطقية، لكن حَركتها قَبْلَ ثوانٍ في إقفال الشنطة سريعًا وهي تُخَبّئ شيء وكذلك ارْتباكها اللذيذ، يجعلانِها تَشك في أمر هذه الحَقيبة.. لكن لا تَعْتَقِد أنَّ هُنالك شيء خَطير. قالت لها وهي تَأخذ عباءَتها وحجابها: زين حَبيبتي خل ننزل.. بابا من زمان ينتظرنا برا
تَقَدَّمتها وهي تحتضن الحَقيبة إلى صدرها بكلتا يديها: أوكي

ثَوانٍ وكانا عند باب المنزل، انْتَقَلت يَدُها من كف جِنان إلى كَف فيصل الذي اعْتَذَر: آسف تأخرت.. بس تعرفين الشوارع هالحزَّة في شهر رمضان مأساة
هَزَّت رأسها بتفهم: لا عادي "اسْتَطْرَدت وهي تنظر لجَنى" تعشّت وغَسَّلت.. باقي بس تلبس بجامتها.. يعني جاهزة للنوم
ابْتَسَم لها للمرَّة الــ.. لا تدري كم.. اليوم ابْتَسَم كَثيرًا لها.. هي سعيدة..: تَمام
وهي تُكْرِم عَيْنيه بابْتسامة: مع السلامة "انْحَنَت وقَبَّلت جَبين صَغيرتها" تصبحين على خير حَبيبتي
جَنى رَدَّت القُبْلة لِخَدّها: وإنت من أهله ماما
اسْتقامت وهي تُلَوّح لها بعد أن ابْتعدا عن المنزل.. تَحَرَّكَت بهما السَّيارة لِتعود هي إلى الدّاخل هامِسَةً والوحشة بَدأت تَتَسَلَّل إلى رُوحها: مادري شلون بنام اليوم بدونها!

،

تَوَجَّها مُباشرة إلى الأعلى عندما وَصلا لمنزل والده.. كانت تَتَقَدّمه إلى الشّقة وحقيبتها التي أثارت اسْتغرابه لا زالت مُلْتَصِقة بِصَدْرها.. طوال طَريقها إلى هُنا لَم تُفارقها.. كانت تَحْتضنها بشِدّة ورفضت حتى أن يحملها عنها.. وَكأنَّها خائفة عليها أو على شيء داخلها.. دخلا الشّقة وهو قال: يالله بابا خل نغيّر ملابسنا عشان تنامين.. تأخر الوقت
بطاعة ركضت للغرفة: أووكي.. بختار لي بجامة
دخل بعدها الغرفة بثواني وهي كانت في غرفة الملابس.. أَخْرَج مفاتيحه ومحفظته وَوضعهم على منضدة المرآة.. ترك هاتفه هُناك أيضًا.. وأَثناء ما كان يَخْلع ساعته خَرَجت جَنى بعد أن أَبْدَلت ملابسها.. كانت قَد ارْتَدَت بِجامة عبارة عن فستان نُوم قُطْني قَصير لهُ لونٌ كالبَحْر.. وشَعرها حُرِّرَ من الرَّبطة لِيُلامس كَتِفَيها بحُرِّية وراحة.. وفي يدها قطعة بَيْضاء لَم يَسْتطع من خلال مَكانه أن يتعرّف عليها.. كانت تَحْتضنها بنفس الطَّريقة التي احْتَضنت بها الحَقيبة، لذلك اسْتَنتج أنَّها الشي الذي كانت تُخْفيه داخلها.. لكن ما هُو يا تُرى؟ ترك ساعته على المنضدة قَبْلَ أن يقترب من السَّرير حَيثُ اسْتَقَرَّت جَنى.. جَلَس بِقُرْبَها بينما كانت هي تُقَلِّب القطعة البيضاء بين يَديها وَتُقَرِّبها إلى أَنْفها لِتَسْتَنْشِقها بعاطِفة طُفولية رَقيــقة.. تَساءَل بِتَعَجُّبٍ كَبيـر مع اقْتراب كَفّهُ منها: جِناني شنو هذا اللي قاعدة تحضنينه وتشمينه؟
نَظَرت لهُ بابْتسامة خَجُولة، وببساطة أجابت في اللحظة التي مَسَّتها فيها يَده: هذا قَميـص ماما جِنان
كَهْرباء بقوة بَرْقٍ مُدَمّر مَرَّت بين أَوْصاله حَتَّى طالت قَلْبه وَأَرْعَدته... سَحَبَ يَدُه بِسُرْعة وَتَواليًا نَفَر جَسده مُبْتَعِدًا عن السَّرير كمن يُريد أن يَنْجو بذاته.. هَمَسَ دون اسْتيعاب وَبِعَيْنَي أَوْسَعتهما الصَّدْمة: شنـــو؟ شلون يعني قميـ ـ.. قميص أمش!
وَضَّحت ببراءة: مالها.. كانت لابسته اليوم حق بيت بابا عود.. فيه ريحتها "مَدَّتهُ لهُ بابْتسامة عَريضة" خذ شمها.. ريحتها حلووة
تَراجع للخلف وهو يَزْدرد ريقه الذي جَفَّ من الموقف الغير مُتوقع.. قال بنبرة حاول أن يُصْقلها بالهُدوء والاتّزان وشيء من اللطف: ما عليه بابا جَنى.. روحي اللحين رجعيه الشنطة
اتَّسَعت عَيْناها وبشهقة: ليــــش؟
مَرَّر أصابعه بين خُصلات شعره مُحاولاً تفريغ شُحنات الارْتباك المُتَوَلَّدة من طاقة نَبْضه القَريبة من الذروة: حبيبتي ما يصير.. إنتِ بتنامين معاي وفي حضني صح؟ ما يصير يكون في حضنش القميص.. رجعيه حبيبتي
عُقْدة عِناد تَكَوَّنت بين حاجِبَيها: مابي
اسْتَنْشَقَ نَفَس عَميق قَبل أن ينظر لها بجدّية: بابا جَنى، صيري مؤدبة وطاوعيني
بحدّة أشاحت وجهها عنه: مــابــي
ناداها بتحذير: جَنــــى
أَدارت وجهها له وبإصرار: مــاابي.. أبيه معاااي أشم ريحتها
بلا شُعور منه ومن شِدَّة توتره وتبعثره من الذي بين يَديها ومن الموقف كَكُل ارْتَفع صوته غَضَبًا: جَنـــى.. صدقيني إذا ما طاوعتيني ما في نومة معاي مرة ثانية
ثَانيتان فَقط وَكَزَّ على أسنانه بنَدم على صُراخه الذي انْفَلَت منه، وهو يُبْصِر كَيف مالت شَفتاها للأسفل بارْتعاشٍ كان مُقَدّمة لِبُكائها الذي اعْتلى بحدّة.. اقَتَرَب منها بحذر وعيناه على القَميص الذي هو بالنّسبة لهُ كالقُنْبلة التي سَتُدَمّر غُروره وتفضحه أمام ذاته المُقَيَّدة.. ناداها بِنَبْرة لَيِّنة: جِناني حَياتي
مَسَّ كَتفها، وقبل أن يَقبض عليه بِحَنْو ابْتعدت عنه لِتَترك السَّرير مُتَّجِهةً إلى الباب بخطوات سَريعة وصَوتُ بُكاءها يَسْبقها مُتَرَدّدًا بَين الأرْجاء.. لَحِقها وَلِسانه لَم يَكُف عن مناداته التي لَم تَسْتَجِب لها، بل ولَم تَسْمعها من شِدَّة انْدماجها في الصُّياح.. كانت تمشي بِقَدميها الحافِيَتين والقَميص جُزْءٌ بَسيط منه كان مُجَعَّد وَسَط قَبْضَتها الصَّغيرة، والجُزء الأكبر كان يَزْحف من خَلْفها على الأرْض.. نَزلت العَتبات والقَميص وفَيْصل يلْحَقانِها.. وَصَلت لِوجهتها، فَتحَت الباب بلا اسْتئذان وَجَرت مُلْقِية بنفسها في حضن جَدّتها التي نَطَقَت بخوف: بسم الله الرحمن الرحيم.. يمّه جَنى شفيش ليش تصيحين؟
دَفَنَت وَجْهها في صَدْرها وَجوابها كان نَحيبها ودُموعها المُنَسَكِبة بِسَلاسة.. رَفعت رَأسها لابْنها الذي توَقَّف أمامهما، كَف عند خصره.. وكَف بين خُصلات شعره.. تَساءلت بِقلَق: اسم الله عليها بنتك شفيها؟ ليش كل هالدموع والصراخ
قالَ بنفاذ صبر: اسْأليها يُمّه.. اسْأليها شمسوية
أَخْفَضَت رَأسها لها مُتسائلة: جَنى حبيبتي شمسوية؟
أَبْعَدَت وَجْهها المَغْسول من فَيْض عَيْنيها لِتُجيب ببحَّة وبلحن البُكاء: والله ماما ليلى ما سويت شـ ـي "رفعت القميص" بس أخذت قَميص ماما جِنان.. فيه ريحتها.. أحب اشمهـ ـا إذا بَنام "تَنَشَّقت بارْتجاف" اليوم ما بنام عندها.. بتوحشنـ ـي "الْتَفَتَت لوالدها بملامح مَعْقودة وَأشارت إليه باتّهام" بابا ما يبيـــه.. قال لي أرجعه الشنطة "مالت شَفتاها وبزعل عَميـــق" صَرَّخ علـــ ــي
اقْتَرَبَ منها مُحاولاً أن يُفَهِّمها: يا بابا يا حبيبتي.. ما يصيـــر.. عيــب.. ما يصيــر يا جَنى "نَظَرَ لوالدته وبشكوى" شفتين يُمّه شمسوية؟
قَذَفتهُ بنظرة سَهمية: ما عليــه فيصل.. البنت بتشتاق لأمها.. خلها تنام مع قميصها
أَوْسَعَ عَيْناه بعدم تصديق: يُمّه شتقوليــن!
والده الذي كان مُتَفَرِّجًا نَطَق باسْتنكار: إنتَ بتخلّي راسك براسها؟ نام في طرف وهي في طرف مع قميص أمها.. ليش تكبّر السالفة وتصرخ على الجاهلة؟
أَرْجع ذراعه خلف ظَهْره وَبملامح ضائِقة: يُبه أنا متعوّد إنها تنام في حضني
جَنى التي توقفت عن البُكاء قالت بعقدة حاجِب وَرَأسها مُرْتاح على صَدر جَدّتها: أصلاً ما بنام معاك.. أنا خلاص ما حاجيك.. "وبعتاب أكملت" إنت صرخت علي.. ما حاجيك
قال لها باسْتعطاف: بس أنا مشتاق لش جِناني
هَمست: بنام عند ماما ليلى وبابا ناصر
دفنت وَجْهها في حُضن جَدّتها علامةً على انْتهاء الحَديث، زَمَّ شَفتيه بِحَنَق وهُو يُشاهد منظرها هذا.. كانت لا تزال مُتَشَبّثة بالقميص حتى أنَّ أطراف أصابعها احْمَرَّت من شِدَّة قَبْضها عليه.. حَرَّكَ عَيْنيه لوالديه اللذيْن رَحَّبا بِها وَأوسعا لها بينهما على السَّرير لتنام.. هُو قادر على اسْتيعاب عدم تَفَهُّم ابْنته بسبب طفولتها وبراءتها.. لكن والداه.. كيف لهما ألا يَفْهمان عُظْم هذا الموقف! ألا يَسْتطيعان رؤية بُرْكانه الذي نَشِطت حُممه؟ اضطراب حواسه وتلعثم قلبه؟ هذا التبعثر الذي نَسَفَ رَجاحة عقله.. تَيْهه وَمرض رُوحه.. ألا يشعرون بشيء؟
قالت والدته بصوت مُنْخفض لكن حـاد: انْزل مع أبوك تحت.. بس بنتظرها تنام وبجي أحط لكم السحور
أَرْسَلَ لها سِربًا من نظرات مُرْهقة عَلَّها تَسْتجيب له.. لَكنّها أشاحت وجهها عنه لِحفيدتها لتهمس لها بحُب وحَنان وتمسح عَلى شعرها.. وفي جَوفه نَطَقَ سؤالٌ خائِب: لماذا يُصِرّون على عَدَمِ فَهْمي؟



السَّاعة الواحدة والنّصف.. بقيت ساعتان تقريبًا على موعد أذان الفَجْر.. يقف وَسَط مَطْبخه المُظلِم إلا من مصباحٍ أصفر خافِت.. يَد مَطوية عِنْد خصره والأخرى ارْتفعت لِوجهه داعِكًا بأصابعها شعر لحيته.. يَجب أن يتسَحَّر.. لكن ماذا يأكل؟ فتح الثَّلاجة مُنْحَنِيًا ليُلْقي نَظْرة على مُحْتوياتها.. فيها كُل ما لَذَّ وَطاب، ولكن لا شيء يصلح كَسحور.. يُريد شيئًا خفيفًا ولذيذًا في الوقت نفسه.. تُرى مَلاك ماذا أَكلت؟ اسْتَقامَ ثُمَّ الْتَفَت ناحِية باب المطبخ.. يُطالع خارجه الفارغ من بَشَر.. هي مُباشرة دَلَفت لغرفتها عندما عادا.. وطوال الطَّريق من منزل أخيها إلى هُنا لم تنطق بكلمة واحدة.. هُو عندما دخل لِيُسَلّم على والدتها، اسْتَشَفَّ بحواسه اليَقِظة شُحنات التَّوتر الغاص بها المكان.. وَلم يَخْفَ علَى عَيْنيه الدّقيقتَيْن آثار البُكاء المُتَصَدّع لها وَجْه مَلاك ووالدتها.. بالإضافة إلى أَنَّهُ لَم يَلْتقِ بزوجة يُوسف.. في العادة تكون مُتواجدة بجلوسٍ خَجِل في إحْدى الزّوايا.. وكُل ذلك أَكَّدَ لهُ بأنَّ الجَو العام لهن أَدنى من الطَّبيعي بدرجة كَبيـرة. أَغْلَقَ الثَّلاجة ومن ثُمَّ تَحَرَّك خارِجًا من المَطبخ.. تَوَجَّه بخطوات قصيرة إلى غرفتها.. الباب مُغلق بالتَّأكيد.. وَقَفَ أَمامه وعقله يَعمل بإتقان لربط الخُيوط والبحث من خلال الأفعال والتَّحليل.. هي بالطَّبع لَم تأكل شيء.. اقْتَرَبَ من الباب أَكثر، رفع يده ليطرقه، لكن ثانيتان وتَراجع.. مالَ رأسه مُرْهِفًا السَّمع.. نَحيــب.. صَوْت بُكاء وَنَحيب.. أَخفض يَده بالتَّوالي مع انْخفاض رَأسه.. إذن شُكوكه صَحيحة.. للأسف... تَراجعَ خُطوة ثُمَّ اسْتَدار.. وَقَبلَ أن يَمشي مُبْتَعِدًا مَنعهُ شيء من الهُروب.. هو الشيء نفسه الذي تَساءَلَ عنه قبل ساعات في السَّيارة.. ضَمَّ شَفتيه للدَّاخل ويداه قد صَيَّرتهما قِلَّة الحيلة قَبْضة تَشْتَد كُلَّما حَلَّقَت إلى قلبه بِتَعب شَهْقتها المبحوحة.. عاد وتَقابَلَ مع الباب.. فَضَّ يده واقْتَرب مُجَدَّدًا، هذه المرّة أَمسك بالمقبض قَبْل أن يُخَيّره التَّردد بين الوُلوج لتجربة جَديدة أو الهُروب إلى دائرة أمانه المُحْكَمة الإغلاق.. هُو يعترف أَنَّه خبيرًا بالنّساء.. أو بالأحرى ديميتري خبيرٌ بالنّساء.. يَعرف جَيّدًا أي الخُطوات يَتَّخِذ لِيَصل عَبْرَ أقصر مسافة وأَسهل طريق إلى قُلوبهن.. حتى كلماته، فهو من خلال خبرته اسْتطاع أن يَتَّقِن اللغة التي تنجذب إليها الأُنثى.. فلكل أُنثى لغة خاصَّة بها، عليك أن تكتشفها لِتَتَعلَّمها وتَتّقِنها لِتَسْتَطيع أن تُحادِث قَلْبها.. لكن مُحمد فقيــر.. بل مسكينٌ في الحُب.. لحظة، لا نستعجل.. لنترك الحُب جانِبًا.. مُحمد وببساطة لا يعرف كيف يتعامل مع زوجته! من أين يبدأ وكيف يبدأ؟ بأي الأفعال يَسْتَعين وبأي الكلمات ينطق؟ الأمر أشْبَه بِرَجُل يَقِف على الشَّاطئ.. البحر من أَمامه، يقترب منهُ موجه بمَدٍّ خَجِل.. ومن خلفه قَحَط التراب وجَفافها الحارِق.. هُو لا يَتّقِن السِّباحة في هذا البحر.. وإن حاوَلَ وَغَمَرَ نفسه فيه مُعَلِّقًا زِمام المُسْتَقْبَل على ذلك الشيء المُتَحَمّس في رُوحه، لا يدري في النهاية هل سَيُسافر به البحر إلى الضِّفة الأُخرى من الحياة، حيث الجَنَّة المُتَمَثِّلة على هَيئة مَلاك؟ أم أنَّ البحر سَيُمارس غدره ويبتلعه؟ ولا يدري ما هُو شُعور المَرء عندما يَكون البَحْر قَبْره. وَعى من أَفْكاره حينما حاوَطهُ الهُدوء.. صوت بُكاءَها انْقَطَع.. هل اسْتَنزفت جميع دُموعها؟ أو رُبَّما أَنْقَذَها النَّوم من اخْتناق؟ يحتاج إلى جَواب.. عليه أن يتصـ... فَتْحَها المُفاجئ للباب أَنْفَرَ يَده عن المِقْبض لِتَرْتَفع بعدم اسْتيعاب وتقف في الهواء.. كان وَجْهها مُوْجِع.. مُوْجِع للحَد الذي أَثارَ شَعْب نَبْضه.. بَحثَت عَيْناه عن ذلك اللون الأسْمر.. تلك الرّمال النّاعِمة.. لكنَّهما تَعَثَّرتا بِجمرٍ أحْمر.. يَتَّقد من وجهها وكَأَّنهُ يَشْتعل فيه.. هي نَظَرَت لهُ بتساؤل اتّضَح في عَيْنيها الرَّطبتين.. لأوَّل مرة مُنذُ زَمن يُكَبّلهُ الارْتباك هَكذا.. أَحسَّ بنفسه تَصْغُر للحد الذي يُريد أن يَرْكلها لِيَتَخَلَّص من هذا الجُنون المُتزايد ساعة بعد ساعة.. انطق مُحمد، هي تُريد سَبَبًا لوقوفك هذا أمام غرفة نومها.. تَكَلَّم؟ مُنذ متى يَنال منك الارْتباك كمراهق كُشِفَ اسْتهتاره؟
مَلاك عندما لَم تَجد منهُ جَواب تَكلمت وصَوتها يَحْمِل بَقايا البُكاء: كنت أبي أسألك شنو تبي سحور.. آسفة تأخر الوقت وما سويت لك شي
تَحَرَّكت يَده لِتَستَقِر خلف عُنُقه.. هَزَّ رأسه بالنّفي ونَطَقَ أخيرًا وكأنَّهُ قَد تَحَرَّر من تعويذة الصَّمْت: لا لا.. عــادي.. أنا أصلاً كنت جاي.. "الْتَفت للمطبخ مُشيرًا إليه".. يعني كنت أبي أشوفش، إذا ما تسحرتين.. بسوي لنا شي خفيف.. أنا.. ما يحتاج إنتِ تسوين شي
أَجابتهُ والبحَّة اسْتَولت على صَوْتها: شُكرًا.. أنا مابي
لَم يؤيّدها: ما يصير.. لازم تتسحرين
تَغَضَّنت مَلامحها بضيقٍ جَلي: ما عليه محمد.. مو مشتهية
اسْتَدارت لِتَعود للدّاخل لكن سؤاله الذي كان شُجاع بالنّسبة لذاته أوقفها: ليش كنتِ تصيحين قبل شوي؟
لَم تَصْدر منها حَركة.. وكأنَّ التَّصلب الذي أصابه قبل دقيقة انتقلَ إليها.. ظَلَّ واقِفًا ينتظر منها جواب.. بل وعازِمًا على ألا ينام الليلة إلا وَقد ظَفَر بجواب يُرْضيه.. جواب حقيقي وكامل.. ليس ناقِصًا وليس كذبة بيضاء كما يقولون.
هَمْسٌ سـاخن كجذوة وَثَبَت من لَهيب النّيران وجاءت لتُرْمِد أَطْراف رُوحه: تعبــ ـانة
تَقَدَّم قَليلاً.. لا زالت بَعيدة عنه.. بُعْدًا من جَميع النَّواحي.. لكنه تَقَدَّم بمسافة حَذِرة... لكيلا يصطدم بردَّة فعل تُزَعْزع ثباته قَبل أن تُفزع اطْمئنانها إليه.. عادَ وَأَفْصَح عن سؤال آخر مَنعها من الهُروب مُجَدَّدًا: من شنو تعبانة؟
شَهْقة.. اسْتنشاق عَسِر.. ثُمَّ جَواب: تعبانة ووبس
سؤال ثالث: صار شي في بيت أخوش؟

هُو قال "أخوش" لِيَصل البُكاء إلى ذَروة لَم يَتعامل معها قَط.. شَدَّت ملامحه الصَّدمة التي كَوَّنتها صرختها المُتَعَثِّرة وهي تستدير إليه بحدّة.. كانت صرختها مُنخفضة بطريقة غريبة.. لا يعرف كيف.. ولكن كانت كأَنها تَصرخ وصراخها يعبر حائطًا صَلب فَيَصِل إلى مَسْمَعيه بانْخفاض مَكْتوم.. هُو لَم تصدمه الصَّرخة.. بل صَدَمه الوَجع الذي تَفَجَّر من حواسها: ايــه صــاااار.. وبعــ ــد بيصير.. ما بينتهـي هالتعب.. ما له نهايـ ــة... أنا وصلت لنهايتي وهو بعده.. ياكل فينّـ ــا.. نار تحرقنا كلنا.. أبــ ــوي.. .. . وو .. يوسف.. واللحيــن "انْخَفَضَ صوتها أكثر.. فالصَّرخة الضعيفة قد تبعثرت" اللحين.. ايدي على قلبـ ـي.. خايفة إنها تحرق أمـ ـي

انْهارَ جَسَدها مُسْتَجيبًا لِنداءٍ سُفْلي، حيثُ الاسْتسلام "للتَّعب".. تَهاوت على الأرضية الرّخامية لِتَّتخذ هيئة أَعادتهُ لماضٍ نَسِيَه.. أو تَناساه.. ماضٍ كانت تُقرفص فيه جِنان حاشِرةً رأسها بين رُكبتيها لتبكي بعد شِجارٍ طُفولي مع إحْدى أَتْرابها.. ردَّة فعله كانت بسيطة في ذلك الزَّمن.. سَهلة وَيسيرة.. احْتضان أُخوي، كَفْكَفة دُموع حَنونة.. قُبْلة رَأس وبِضع كَلمات لَطيفة.. أَيَجُوزُ له تَطْبيق هذا العِلاج مع مَلاك؟ والسّؤال الأَهم.. أَلهُ القُدْرة والشَّجاعة على تطبيقه؟
تَزاحمت الأسئلة في عقله، وصراع ذاته المحرومة مع بُروده المُهَدّد بالانقراض احْتَدم.. ظَلَّ واقِفًا عندها بلا أي رَدَّة فعل.. وهي بَقِيَت تَتَكاشف مع الأَرْض، تَبُثُّ لها الشَّكوى على هَيئة سُقيا مالحة، تَموت منها الأرض فلا يَنْبت منها الرَّبيع.







انتهى

missliilam 22-02-19 07:33 AM

رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
 
👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻 👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👍🏻👍🏻👍🏻 👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻❤❤❤❤❤❤❤❤🌹🌹🌹🌹🌹🌹❤❤❤❤❤❤🌹🌹🌹🌹❤❤💃🏻 💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻😍😍😍😍 😍😍😍😍😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😍😍😍😍😍😍😍😍😍😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻🌹🌹🌹🌹🌹🌹 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹❤❤❤❤❤❤❤❤🙋🏻🙋🏻🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹❤❤❤❤❤👍🏻 👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻 👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻 👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻ما شاء الله ما شاء الله ما شاء الله الله يحميك يا سنبلة الإبداع ويبارك في موهبتك يا بنتي والحمدلله اللي رجعك لنا سالمة غانمة 😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭 والله وانا اقرأ الفصل حسيت انك وحشتيني مررررررة 😭😭😭😭😭😭😭 طبعاً اللي فوق هذا ساندويتش الإعجاب سويته مخصوص عشانك انت بس ❤❤❤❤❤❤ والله ومن دون مجاملة هذا الفصل لامسني جداً حزنت عليهم كلهم حتى الدكتورة الباحثة عن الانتقام من بلقيسوه بنت ابليسوه النسرة الحيزبون ام عبودي المهضوم المنظوم المهاجر بحثاً عن الحب 😭😭😭😭 طليطل العطيلوه الغرقانوه في حب نورو الام النفنوفوه البسيطوه الأبيضوه 😭😭😭😭 فيصلوه المغروره ابو جالكبرياؤه المفقوشوه على نافوخوه والله حزني وضحكني جعله من ذا الحال واردى الين يرجع لجنان صح انها قهرتني اول وهي متزوجة احمد بس خلاص حرمها من بنتها خمسة ينين كافي عذاب الله يعذب شيطان ياسين المعفن الكريه الشرشبيل 😭😭😭😭 محمد الطيب اللي باقيله تكة ويدوب في دباديب ملاك الهي يا رب عاجلاً غير آجل 😈😈😈😈 حبيييت ملاك بس هذا ما يمنع اني غرت من نعومتها الناعمة المنعمة اللي شكلها تستخدم لها غطا صغير من كومفرت تدوم لأربعطعشر يوم 😂😂😂 ما شاء الله عشان ما تروح من كيس أهلها 😭😭😭 وحبيت يوسف الجديد وعلاقته بحور جعل سليطين العلة المعلعلة اللي تفتت كبد شيطانه المجرم اللي ما يخاف الله 😭😭😭😭 مفروض اعصب بس دموعي غلبتني ام يوسف كمان حزنتني جعل سليطين نفس العلة السابقة اس تريليون مضروبة في ذات العلة من جديد 😭😭😭 جد محمد حسيت اننا ممكن نبقى صحاب حلوين اوي لو مراته تسمح 😂😂😂 تخيلي حتى حنين الدلوعة حبيت دلعها اليوم وطبعاً حبيت بسام أكثر لدرجة ابغى ابكي 😭😭😭😭😭 جناني اللطيفة الله يحميك يا بنتي والله يقويك على فصيل جعل النكبة تحل على شيطان فصيل كانه متبهدل ومبهدلنا معاه 😭😭😭 والله اني ادعي عليه بكل حب 😭😭😭😭 بلقيسوه مبارك مفارقة ولدك لحضنك جعل الغنايم تغرقه ولو اني ما كنت ابغى مروة تاخذه بس عناداً فيك الفرح عليَّ بس انت فارقي 😈😈😈 ايوا ونسيت اقول لك ترى ناصر نصوري يحبني يلا موتي بغيظك 😈😈😈 😂😂😂😂 اتمنى لك فنقشةً مفنقشة تفنقش روحك عن جسدك وتنفنقشين عن قصتنا ياللي تفنقشت عنك السعادة وحنوزع ام علي الحلوان مش طنط ام علي ومحمد 😂 في عزاك عشان نحلي على أصوله 😈😈😈 ويلا خدي ياسمين معاك مرتن واحدة واهو تعملي شوية خير في الأمة العربية والإسلامية يا محراث الشر يا حيزبون النقعة يا جنية النية يا شيطانية الغاية 😈😈😈 وبالنسبة للمواطن الصالح اللي رضي يرتبط بيك ويضحي بسعادته لازم الدولة تصرف له بدل نكد و بدل تعاسة زوجية وبدل تلوث أكسجين وبدل مغثة وبدل صحة وبدل مصاريف زواج الحسرة الأبدية عاد ساعتها حيصير من اصحاب الحلال والهوامير المريشين وحيصير فارس أحلام الملايين وحأرسل لك دعوة بس يا ويلك لو جيتي مش ناقصين نكد 😈😈😈 وهذه رقصة على اعصابك التلفانة 💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻 😂😂😂😂 سنبلتي الجميلة والله عجبني الفصل بكل ما فيه حتى الفواصل وصراحة خلاني احس فعلاً انه مكانك في الساحة ما شاء الله ما يليق الا بك ❤❤❤😻😻😻😍😍😍 زي ما فيصل ما تليق له الا جنان الأهبل المهبول المدمغ المتنيل على عينه جعل الهناء يصيبه يا رب 😂😂😂 ولا تزعل يا محمد انت كمان مو لايق لك الا ملاك السعادة الأبدية 😍😍😍 وطلول البراءة جعل نور تشيخ في حضنك يا شيخ ولا تزعل 😂😂😂 عاد نصوري انت خليك على جنب عشان الحجية ما تزعل 😂😂😂 وجد محمد عاد لا تقطعنا حجي معجباتك كثير 😂😂😂😂 بسامو العشقانوه الولهانوه حتى انت يا پرنس الغومانسية ما تليق فيك الا حنين الدلوعة ترقص على الحان غزلك المحبوب 😂😂😂😂😂 والله شكلي احبكم كلكم فارقتكم شياطين بلقيس بنت ابليس يا اختي عليكم وعلى جمالكم 😻😻😻😻😂😂😂😂😂 الى اللقاء 🙋🏻🙋🏻🙋🏻 نصوري هذه لك 🌹🌹❤❤ من طنط ليلى هااه جالك كلامي ل ي ل ى 😂😂😂😂😂 الى اللقاء بإذن الله ❤❤❤❤


الساعة الآن 05:29 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية