انتزعت فيليبا يديها بسرعة :"تذكر وضعك ، أرجوك ." قالت ثم عادت إلى لوح الرسم .
كانت بدايتها سيئة ، وراحت تطرح ورقة وراء ورقة . "هل من خطب ؟" سأل آلان أخيرآ :"تبدين منزعجة ، ربما من الأفضل أن أرتدي ثيابي ، وأجد لك إناء زهور ." عضت على شفتها :"كلا ، شكرآ . ربما كان وضعُك خاطئآ ." جلس آلان وهو يهز كتفيه ."يمكن معالجة ذلك بسهولة ." أسند رأسه على مرفقه وثنى قدمآ واحدة ."هل هذا أفضل ؟" "نعم ." اقرت مكرهة . بدا مسترخيآ تمامآ ، وكأننه كان يمارس العرض طوال حياته. أتمنى لو أكون بهذه الجرأة ، فكرت . حاولت أن تتظاهر بعدم الاكتراث وهي تتفحصه وتلاحظ خطوط جسده المتناسقة . في الوقت نفسه ، لاحظت أن هناك شيئآ مميزآ بوضعه ... شيئآ توقعيآ وجارحآ . كان هذا باديآ في ابتسامته ، وعينيه . كانت مثيرة ... وغامضة . لم ترتبك ولم تتلاعب بالخطوط . هذه المرة كانت يداها وعيناها تعملان بتناسق تام . عليها أن تنجح ،فكرت بحماس . لا يمكنها أن تخسر . ليس الآن . منتديات ليلاس "هل يمكنني أن آخذ قسطآ من الراحة ؟" افترض موافقتها . جلس آلان وأمسك رداءه. وضعت فيليبا قلمها ، وأحست بتشنج عضلات كتفها وعنقها . "هل تسمحين لي برؤيتها ؟" وقف آلان إلى جانبها . "عندما تنتهي ." قالت بصوت أجش ، وضع يديه على كتفيها وبدت لمسته لاذعة ، وحافلة بذكريات الليلة السابقة ، فكرت بتململ . "حان وقت استراحتك أيضآ ." داعبت أصابعها كتفيها . "جسمك بحاجة إلى الإسترخاء ." بدأ بتدليك عضلات عنقها وكتفيها بلطف أولآ ثم بقوة . حاولت أن تنسحب ."إنني بخير ، حقآ ." "كفي عن ذلك ."قال :" دعيني أقوم بذلك ." استسلمت لخدماته بتنهيدة عميقة . كانت لمسته سحرية ، حميمية ، وموضوعية بطريقة غريبة . لكن كانت حركاته العنيفة ، تخلق توترآ وتشنجآ في كل مكان من جسمها . "استرخي ." أمرها بلطف . كيف باستطاعتها ذلك ، وها هي تتجاوب وتنتعش مرة ثانية تحت لمسته . شعرت بأصابعه تنزلق ببطء على كتفيها . "كلا !" حاولت أن تبعد يديه . "اهدئي ." قال :" ثقي بي ." تراقصت شرارات صغيرة وراء أجفانها المطبقة . ثقي بي ، هذا ما قاله ، ولكن الخيانة كانت مرة ثانية تصدر من ذاتها . من الحاجة إليه . ثم فجأةً انتهى كل شيء . توقفت يداه الدافئتان عن وخزها وتحرك بنشاط . أمسك لوح رسمها ، و القلم وناولهما لها . " هل نتابع ؟" |
حدقت فيليبا باللوحة حتى أصبحت الخطوط تتراقص أمامها . كانت ترتجف لدرجة أنها لم تستطع أن تمسك بالقلم ، وكان فمها جافآ . كانت تلتهب ، وكأنها مصابة بحمى. توسع التوق الذي في داخلها إلى ألم وجوع ، لا يمكن إنكارهما بعد الآن .
أوقعت لوح الرسم على الأرض ووقفت ، واقتربت منه . لم يتكلم آلان أو يتحرك ، لكنها سمعت صوت أنفاسه وهو يراقبها . جثت على ركبتيها إلى جانبه ." آلان ؟" كانت ترتجف ." إني أتوسل إليك ؟" هل أجعلك تتوسلين إليّ ؟ لقد أجابت الآن على سؤاله باستسلام تام . "يا إلهي !" قال بحدة . حملها عن الأرض وأجلسها على المنضدة . بدت عيناها واسعتين وغير واضحتين ، وهي تنظر إليه وكل عصب فيها يساوق مع هذا السحر الجديد و الخطير . كانت حواسها تضعف ، وتغرق في بهجة متموجة ودافئة حملتها إلى أرض الأحلام . كانت راضية من النتيجة ومن نفسها . لقد استسلمت له أخيرآ . لكن أحست بالبهجة لأول مرة . فتحت فيليبا جفنيها ، ووجدت نفسها مستلقية على منضدة ذهبية . شعرت للحظة وكأنها فاقدة الحس ، وأنها كانت نائمة تحلم . عندما اصطدمت بالواقع ورأت حقيقة عالمها الذهبي ، بدأت تتذكر ... منتديات ليلاس كانت شمس فترة مابعد الظهر تتدفق من خلال نوافذ المحترف تنير كل زاوية ، وكل شق بضوء دافئ . كانت فيليبا ممددة على الأرض يلفها شرشف ذهبي مطرز . جلست ببطء ، ودفعت شعرها بعيدآ عن عينيها تستوعب ، تستكشف ما حولها . بدأ احساسها بالكسل يتلاش ، أين آلان ؟ تساءلت . أرادته بقربها عندما تستيقظ . أرادت ذراعيه حولها . ربما أتعبته . فكرت وهي تشعر بالذنب والابتهاج . لا تعرف كم من الوقت مرّ. لم تتصور أبدآ حتى في أسوأ أحلامها ، أن بإمكانها أن تصل إلى هذا العمق . لابد أن آلان قد ذهب ليجد مكانآ أكثر راحة لينام . كان لوح الرسم مرميآ على الأرض ، التقطته فيليبا ونظرت إليه مبتسمة . لن أنهي هذا ، فكرت . سوف أحفظه في مكان ما حتى يذكرني دائمآ بهذا اليوم ، بداية حياتي الباقية مع آلان . حملت اللوح بين يديها ، ونظرت نظرة أخيرة إلى المحترف قبل أن تذهب إلى الطابق الأرضي . توقعت أن تجده في الغرفة ، ورائحة قهوته منتشرة في كل مكان . لكن الغرفة كانت فارغة . لم يكن هناك أي صوت في البيت . في الواقع لا أثر لأي حياة . إذآ لا بدّ أنه نائم . وضعت فيليبا لوح الرسم على الأرض وصعدت ثانية . دفعت باب غرفة آلان ووقفت للحظة ، تحاول أن تستوعب ما رأته . |
كانت الغرفة مهجورة ، فارغة ، و السرير عاريآ ومطويآ بترتيب . أمسكت عضادة الباب بطريقة آلمت أصابعها من كثرة الشد .
سمعت صوتها يرتجف ويقول :" لا ... يا إلهي ، أرجوك ... لا ." لكن لا جدوى من الانكار . لقد ذهب آلان من دون أي شك ... كما وعدها أن يفعل . كل ماحدث بينهما . كل الحاجات اللاهثة و الملحة والتي لم تعرف أي حدود ، كل هذه البهجة المخيفة و المربكة لم تؤثر على قراره . نزلت السلالم ، وفتحت الباب بعنف ، لم تجد أي أثر لسيارته ، أحست فجأة بدوار وهي تجثو في المدخل . بدا دفء الشمس على وجهها ، وكأنه يسخر منها الآن . منتديات ليلاس أرادت أن تبكي ، لكن لم تسعفها الدموع . كيف بإمكانه أن يرحل من دون أن يكلمها، حتى كلمة واحدة . نعم ، لقد اتفقا على الانفصال ، لكن كان ذلك من حياة ماضية . ألم يلاحظ كم تغيرت ؟ وكيف تشعر الآن ؟ الحقيقة المرفوضة واجهتها ... لقد لاحظ بالتأكيد ، لكنه لم يبالِ . ربما هو معتاد على هذا النوع من التجاوب مع نسائه . الحب بالنسبة له شيء فارغ . كما أفهمها مرارآ ، لقد امتلكها ، هذا كل مافي الأمر . لقد استمتع أيضآ بانتصاره ، فكرت بحزن . استمتع بانهيارها . دمر كل مقاومتها ، وحولها إلى حيوان صغير خانع . أحب أن أربح ، أخبرها بذلك ليلة البارحة . وقفت ومشت إلى الطاولة ، هذا ما رأته في لوحتها ، لكنها لم تلاحظ ذلك من كثرة إثارتها . لقد تلاعب بها بشكل مثير للشفقة ! أمسكت اللوحة ومزقتها حتى دُمرت نهائيآ . ثم جمعت أجزاءها ، ووضعتها في الفرن وراحت تراقبها ، و النار تلتهمها . كانت تحترق هي أيضآ ... بتذلل وندم . يا إلهي ، ألم تنل ما يكفي من التحذيرات ؟ عليها أن ترحل هي أيضآ ، لايمكنها أن تبقى هنا في هذا البيت و الذكريات تطوقا من كل مكان . عليها أن تجد بيتآ في مكان آخر ، وتنظم حياتها من جديد قبل أن يعود كيفين . ستحزم حقائبها ، وتتوجه إلى مونتاسكو ، وتركب أول قطار إلى أي مكان . عليها أن ترتب المحترف أولآ ، فكرت . لا يمكنها أن تأخذ معها كل معداتها . ستُبقي البعض منها هنا . ربما سترجع يومآ ما لإحضارها . منتديات ليلاس اقتضى منها بعض الوقت حتى نقلت أغراض الرسم من المحترف إلى الطابق الأرضي . كان المسند ثقيلآ ووجدت صعوبة في حمله ، لكنها كانت مسرورة لأنه جعلها تركز على عملها وتنسى آلان قليلآ . تركت أقمشتها غير المستعملة . وضعت لوح الرسم و الطاولة في احدى الزوايا وغطتها بشرشف سميك . كانت على وشك أن تصعد إلى غرفتها وتوضب ثيابها عندما سمعت سيارة . توقفت وهي تحملق إلى الباب المفتوح . سيارة آلان ، فكرت وعضلات حلقها تتقلص على نحو مؤلم . لايمكن ذلك . لابدّ أنها تهذي . لقد ذهب آلان ولن يرجع. |
راقبته مذهولة وهو يترجل من السيارة ، يعبر ساحة البيت إلى الباب . لم تعرف سبب رجوعه ، ولم ترد أن تعرف .
لن تستطيع مواجهته ... لا تستطيع أن ترى علامة الانتصار في عينيه،أو الشفقة . حاولت أن تغلق الباب ، لكن آلان سبقها و دفعه بكتفه بعنف . "هل أنت مجنونة ؟" سألها ، وهي تتراجع عنه بعيدآ . نظر حوله ورفع حاجبيه : "لماذا كل أغراضك هنا ؟" "لأنني راحلة . وسأرسل عنواني إلى محاميك بعد أن استقر ." ردد وراءها ببطء :" محاميك بعد أن استقر ... عما تتحدثين بحق السماء؟" "الطلاق ." رفعت ذقنها ." ألم نتفق على ذلك ؟ لاداعي لقول المزيد .لمَ عدت؟" بقي صامتآ للحظة . بدا وجهه شاحبآ ثم ابتسم . "حسنآ ، كما تريدين ، يا مدام . لن أضيف شيئآ . اعتقدت بأن علينا أن نودع بعضنا البعض . لكنني لن أؤخرك أكثر ." تجاوزته فيليبا ، وصعدت السلالم إلى غرفتها . فتحت الباب ووقفت . كانت الفوضى تعم الغرفة ، وكأن لصآ قد دخل الغرفة . ثم ، وببطء أدركت سبب هذه الفوضى . صدمت لأن ما رأته كان ملابس آلان . وجالت بنظرها على قمصانه وكنزاته وحقيبته الجلدية وكل أغراضه المبعثرة على السرير . منتديات ليلاس سمعت خطواته ، واستدارت ببطء . كان وجهه خاليآ من أي تعبير . قال باتزان : "إني آسف ، لقد تصرفت بوقاحة ، ربما من الأفضل أن أحزم أغراضي أولآ ." كان يهم بالمرور أمامها ، فأمسكت فيليبا بذراعه . سألت بصوت أجش :" لماذا وضعت أغراضك في غرفتي ؟" "هل أنت بحاجة إلى هذا السؤال حقآ ؟" وأضاف بصوت قاسٍ :" لأنني فكرت ... وتمنيت أن أنام هنا أخيرآ ."ضحك . "كم كنت غبيآ ! لم تعن لك شيئآ الجنة التي تشاركناها منذ ساعة أو ساعتين ." أبعد يدها على كتفه ." لا تلمسيني ." "آلان ، لا ، أصغ إليّ." أمسكت قميصه ."أعتقدت أنك رحلت وأنك هجرتني إلى الأبد . قلت إنك ستفعل ذلك بعد أن تنتهي من تصليح السيارة . لم أرك عندما استيقظت ولم أبحث هنا ، لم أعتقد ..." أخذت نفسآ عميقآ ."كنت تعيسة جدآ . أردت الموت . ولهذا كنت راحلة لأنني لا اتحمل أن أبقى هنا بمفردي ." بدا آلان غير مصدق ، لكنه لم يبعدها عنه ." أترككِ ؟ هل حقآ تعتقدين ذلك؟" هز رأسه ."لا ، يا حبيبتي ، لم أنوِ ذلك أبدآ على الرغم مما قلته . حتى من دون تدخل السيد دي تييري ، كنت سأجد عذرآ ما لأبقى ، وأحقق ما جئت من أجله ." "ماهو ؟" همست . ابتسم ."أنت ، يا زوجتي الصغيرة . جسدك ، قلبك و عقلك العنيد ." أمسكت يداه يديها ، ولاحظت أنهما يرتجفان . قال :" فيليبا ، لا تتظاهري بعد اليوم . انت تعرفين أنني أحبك . هل تبقين هنا معي ونمضي شهر عسل من جديد ؟ ونبدأ زواجنا على أساس الحب و الصدق ؟" |
"آلان ، أنت الذي يتظاهر . أنت الذي لا يريدني ، بل تريد البارونة . أنا لا أستطيع أن أتحمل ذلك مهما كنت أحبك . هذا كثير عليّ ."
قال بلطف :" لم أكن أبدآ مهتمآ بماري لور . عندما التقيتها أول مرة وجدتها مغرية ، كانت تجربة مثيرة ، هذا كل مافي الأمر ." "كيف يمكنك أن تقول ذلك ؟" همست :" لقد رأيتكما معآ ، في الحفلة ، على الشرفة . أنت تعلم ذلك . كنت تعانقها ..." "كلا ." عانقها وداعب شعرها . " لقد انتهى كل شيء بيننا منذ وقت طويل . هي التي لحقت بي ورمت بنفسها عليّ . وفي تلك اللحظة عرفت ..." "عرفت ماذا ؟" كان صوتها ينم عن التهديد . "إنها استؤجرت مثل صديقك فابريس من قبل عمي ." قال عابسآ . نظر إلى عينيها وهز رأسه ." أنت تجدين الأمر صعب التصديق . وأنا كذلك ... في البداية . التقيت بتلك المرأة مصادفة . أوضحت لي أنها تريدني . وأنا صدقت كل ما تريدني ، هي أن أصدقه ." منتديات ليلاس ابتسم بسخرية :" أصابتني الصدمة عندما انتشرت الفضيحة . لم أكن الرجل الأول في حياتها . كان كل شيء مرتبآ بطريقة ما . قمت ببعض التحريات ، واكتشفت أنها غارقة في الديون . كان البارون رجلآ غنيآ ، لكنه لم يكن كريمآ ، وكانت هي تحب المغامرة . لايوجد أي كازينو في جنوبي فرنسا لم ترتده . كانت السلاح المثالي لعمي. لذلك انهيت علاقتي بها ..." توقف قليلآ ثم استطرد :" كان لدي بالطبع العذر المثالي كنت عازمآ على الزواج ." "فهمت ." "كلا ، لم تفهمي أبدآ ، يا زوجتي ." داعب وجهها بيده . "اوقفت كل علاقاتي منذ تلك الليلة في لاودن حيث رأيتك لأول مرة . ألم تعرفي ذلك ." "وكيف لي أن أعرف ؟ لم أكن جميلة ولم أكن انتمي لعالمك ..." "لست جميلة ؟" سألها بنعومة :" أنت لا ترين جيدآ بالنسبة لفنانة . وما يعرف العالم الذي أنتمي إليه عن إخلاصك وحبك ؟ وجدت نفسي أفكر الليلة بأنك لا تهتمين سوى بوالدك أو أنك ستفكرين يومآ ما بي . لم أكن أصدق ما كان يحدث لي . عندما كنا في الفندق ، كنت حائرآ أسأل نفسي ، ماذا عليّ أن أفعل ، إذا لم تأتي إليّ ، مع أنني كنت أعرف بأنني سألاحقك أينما ذهبت ." منتديات ليلاس نظرت إلى عينيه ، رأت ألمها ، وترددها منعكسين فيهما . " آلان ..." عندما رفع رأسه التمعت عيناه . " قولي بأنك تحبينني . قولي ذلك حتى تصبحي زوجتي بصدق هذه المرة . قولي بأنك لن تتركيني أبدآ مرة ثانية ." "أنت الذي كنت دائمآ ترحل ." احتجت . "كنت دائمآ بمفردي في باريس . وتلك الليالي التي كنت تتغيب فيها عن الشقة ..." "هل اعتقدت أنني كنت سأتحمل البقاء معك ، أراقب كرهك لي ونفورك مني كلما حاولت التقرب منك ؟ لم ألمْك لذلك . كنت أنوي أن انتظر وأصبر ، لكنني تصرفت كالوحش ." |
الساعة الآن 07:27 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية