الجزء الثاني عشر....
في بحور الحزن سار ... لا يعلم من الهم مفر ... لا يدري أين المفر ... وأين قدماه سوف يقودانه ... فالطرق جميعها أغلقت أمام وجهه ... فبات بلا عنوان ... - خسرتهن كلاهما ... بسبب ضعفي ... و جبني ... الآن أين المفر ... أين ؟ ونسلت من عينيه دمعة .. فاالهم في داخله يزداد في كل دقيقة تمر... ................... كانت تخرج من السيارة بعض الأكياس ... حنا هجم على مسمعها صوت سيارة الإسعاف .. فالتفتت لا أرادين ناحيتها ... لتفتح عينيها على مصراعيهما و هي ترى الشخص المستلقي بلا حراك ... يخرج منها ... وتتبعه المرأة التي خطفته منهم ... لتجد شفتيها تتحركان ... لتنسجان بصوت يكاد يخرج من حنجرتها : - أبي ..!!! ................... هوى بيده على الطاولة ... و هي ممسكة بأوراق نقدية ... و قال بصوت يخرج من صدره المثقل بالضيق : - ها هي نقودك الوسخة .... وهذه أول مرة وآخر مرة أفعل هذا الشيء... أفهمت . خط ابتسامة سخرية ... وقال بصوت ساخر: - لا سوف تفعلها مرة ...و اثنتان و ثلاث ... فأنت لا تستطيع أن تعيش بدونهن ....فلا تنفعل هكذا ... و ترمي بكلام ليس له معنى .( وزاد من سعة ابتسامته ) الأمر الذي استفز عمر ... و جعل بصيرته تصاب بالعمى ... رمى بالمال في وجه فريد ... وأعطاه ظهره ... وخطى مبتعدا عنه ... في حين أن فريد ..قال بصوت بالكاد يسمع : - حسنا يا عمر ... سوف تعود ... وحينها سوف نتحاسب ... سوف نتحاسب . .................... دخلت إلى غرفة نجوى ... التي كانت معها أمها التي سبقتها ... و في وجهها لمحة خوف ورعب مما رأت ... سألتها أمها وفي عينيها علامة استفهام : - أين الأغراض يا رنا ؟!!! لم ترد عليها .. بل قالت لها بصوت مغلف بالرعب: - أمي أريد أن أحدثكِ في أمر مهم . - وما هذا الأمر المهم ؟ نظرة ناحية نجوى المستغربة من تصرفات رنا ... ثم أعادت عينيها ناحية أمها ... وأضافت قائلة: - أريد أن أكلمكِ على انفراد إذا أمكن, فالأمر مهم حقاً. .................. كانت واقفة أمام الباب مباشرة, و عينيها الغارقتان بدمع متسمرتان ناحية ذلك الباب الذي طال سكونه, و قلبها يكاد يسقط إلى قدميها من الخوف من القادم... -( يا الله أنقذه أرجوك يا الله , لن أسامح نفسي إذا جرى لغسان شيء, لن أسامح نفسي) قطع لحظة انتظارها صوت شخص مرعوب... و هو يصرخ بحرقه: - غسان ... غسان أهو بخير؟ ألتفتت ناحية مصدر الصوت ... لتقع عينيها على منى آخر شخص تريد أن تراه في هذه اللحظة... بسرعة البرق هوت بعينيها ناحية الأرض... ولم تجد جواباً لسؤالها ... فهي نفسها تريد جواباً لهذا السؤال.. هجم إلى مسمعها سوت مشحون بالغضب: - ما الذي جرى لأبي, تكلمي ؟ هزت رأسها, وبصوت أعياه البكاء: - لا أعلم, لا أعلم. وانفجرت باكية. هجمت عليها رنا, و أمسكتها من ذراعيها, و صرخت بها قائلة: - كيف لا تعلمين, كيف ؟ قول لي ما الذي جرى لأبي, تكلمي. - رنا .... توقفي . ( خرجت صرختها لتتمرد على الدمع ) ألتفتت ناحية أمها الشبه منهارة, و قالت: - لكن أمي... بترت جملتها بقولها: - رنا أبوك في العمليات, وأنتِ تتكلمين في أمور ليس لها داعي, يجب أن ندعوا له بأن ينجيه بدل الصراخ على بعضنا البعض. حررت يدي هند الساكنة بلا حراك, و تراجعت ناحية والدتها التي لم تعد قدمها تحملانها, فأسندتها هي.... و استسلمتا للانتظار المغلف بالخوف القاتل من القادم. ............................... دخل عليها وهو محطم, متمسك بآخر شعرة تعيده للحياة, دخل وهو منكس رأسه, وجدها مستلقية على سريرها كعادتها, وقعت عينها عليه, فتغيرت تعابير وجهها, لتصبح مغتمة, جاءه صوت ملتهب من خلفه: - ما الذي جاء بك إلى هنا؟ ألم ننتهي منك . بصوت عانى من أجل أن يخرج من حنجرته, قال: - لقد جئت لأكلم زوجتي. عاد صوتها الغاضب إلى مسمعه: - لم يعد بينك و بين أختي أي كلام, فخرج. صوب بصره ناحية عيني هدى التي لا تزال على سريرها, وبصوت حاني قال: - هدى يجب أن نتكلم, أرجوكِ, أصغي إليه هذه المرة , ومن ثم قرري ما تشائين , أرجوكِ. طال الصمت المصحوب بلغة العيون, ليقتله صوت مشحون بالغضب: - هدى لا تعطيه فرصة أخرى, فهو يريد أن يضحك عليك كعادته. حررت عينيها من عينيه, و نقلتهما إلى أختيها, و قالت بنبرة صوت لا يعرف ما ورائها من مشاعر: - أرجوك دعينا لوحدنا. بخيبة أمل قالت: - لكن... بترت جملتها قائلة: - لا تخافي عليه عزيزتي , فأنا لم أعد هدى القديمة ( وأعادت عينيها ناحية عينيه وأكملت قائلة) لن يستطيع أن يخدعني من جديد. التهمت الهواء التهاما , قبل أن تقول: - حسنا , كما تشائين, سوف أكون في الخارج إذا احتجتِ أي شيء. هزت هدى رأسها بنعم , و خرجت بعد أن ألقت نضرة احتقار على تامر.... لم يعد في الغرفة سوى هو و هي... افتتحت الحديث بسؤالها : - ما الذي عندك يا تامر؟ أخذ يخطو ناحيتها, جلس على طرف السرير, ورفع يده ليسكنها خدها, لكنها قابلته بصد, فأبعدت خدها, و قالت: - ما الذي جاء بك يا تامر؟ - لقد خفت عليك ِ حقاً عندما تعبتِ هذا الصباح, كيف حالكِ الآن؟ - بخير, ما دمت بعيداً عني. رفع حاجبيه و هو يقول بصوت مخنوق بالذهول: - ألهذه الدرجة تكرهنني؟!!! - أنت الذي جعلني أكرهك, حولت كل الحب الذي كنت أحمله اتجاهك إلى كراهية بجبنك و بخذلانك لي. أغمض عينيه, ومن ثم قال : ماذا تريدين مني, أتريدين أن أخبر نجوى بزواجنا, حسناً , سوف أبشركِ بأنها باتت تعلم بكل شيء بي و بك ِ و بابننا , بكل شيء. فتح عينيها و هو يضيف قائلاً: - ها هو تحقق الذي رغبتي به , هل ارتحتِ ؟ أطلقت تنهيدة طويلة, و هي تقول بأسى: - لن و لن تعرفين قد يا تامر, كيف ارتاح على تعاسة الآخرين, أنا لست من هذا النوع. - هدى أنا تعبت, و الله تعبت , هناك نجوى تكرهني و تنقضني و تريد الطلاق, و هنا أنت أيضاً تكرهيني و تريدين الطلاق, ماذا أفعل , قول لي , فأنا لم أعد قادراً على التفكير , أرجوكِ قول لي ما الحل؟ وأخذ يجاهد من أجل ألا تخذله دموعه المتربصة له. - تامر يجب أن تعترف و لو لمرة , بأنك أنت الذي وضع نفسه بهذه الدوامة, إذا كنت منذ البداية واضح لما جرى شيء من هذا القبيل. أخذ يهز رأسه, و على محياه ابتسامة و هو يقول: - نعم, أنا المخطأ , أنا المجرم, أنا صاحب كل الصفات الكريهة, وأنتن الملائكة...............( لحظة صمت قاتل... صارع فيها دموعه .... ) - يبدو بأنكِ أنتِ أيضاً لم تعودي ترغبي بي. أخذت تحدق به, ووجهها مجهول المشاعر, ومن ثم قالت: - أتعلم لماذا لم أعد أرغب بك, لأني لم أعد أعلم إذا كنت تحبني كما تقول و إلا لا, لماذا أحارب من أجل شخص ربما كان لا يبادلني نفس المشاعر, قل لماذا ؟ تشابكت عينيها المتسائلة, بعينيه المذهولتان ... لينتهي الكلام ... و تبدأ لغة العيون.... ليتبعها صمت رهيب.... قام من مكانه... وانتصب واقفاً .... حاول أن ينطق ... لكن لسانه خذله ... فخرج بدون أن ينبس بأي حرف.... و في قلبه كلام كثير... عجز عقله عن فهمه ... و استيعابه تلك اللحظة.... أما هي فما إن أغلق الباب ... حتى انهارت حصونها التي تحتمي بها .... و تدفقت حشود الدمع من مقلتيها .... .................... أخيراً ... وبعد طول انتظار... تحرك ذلك الباب الساكن ... ليخرج من ورائه الطبيب ... ليخمد نار الترقب ... بكلماته ... أقبلت كل منهن ناحية الطبيب, الذي كان وجهه لا ينبأ بالخير... بادرت رنا بسؤال: - خيراً يا دكتور, كيف حال أبي؟ - لازال الوقت مبكراً لكي نعلم ما حالته, يجب أن ننتظر 24 ساعة, ونرى حاله. هند لم تعد قدمها تقويان على حملها أكثر من ذالك , فلجأت إلى الجدار , وتكأة عليه , ودمعها الذي لم يجف بعد زاره دمع جديد... أما منى فقد استندت على ابنتها, و شدت من قوت مسكتها بيد أبنتها, التي لم تعد تستطيع استيعاب الذي جرى ... - عن إذنكم. خرجت عربة ... محملة بجسده الساكن بلا حراك ... هرعت ناحيته رنا وأمها ... وكذالك هند ... لكن نضرت رنا الحارقة أوقفتها ... لتتبعها كلماتها اللاذعة : - ما الذي تريدينه منه بعد, ألا يكفي أنه في المستشفى بسببك, أغربي عنا, و تركنا بحالنا, لقد نلنا ما كفانا منكِ. وأعطتها ظهرها, و ابتعدت عنها لتحق بأمها و أبيها.... في حين أن هند... انهارت ... و خارت آخر قواها .... واستسلمت لدوامة الأحزان التي تسحبها شيئا فشيئا ناحية النهاية... ................................... كانت واقفة لوحدها .... حين وجدها فرصة ليعتذر عما بذر منه ... تردد كثيراً ... لكنه في النهاية عقد العزم ... و مشى قدماً ناحيتها... - صباح الخير... دخل طبلة أذنها صوته, فردت عليه : - صباح النور. - أنا .... أنا ع بترت جملته بقولها: - أعلم من أنت. بصوت مرتبك ... مهزوز...قال: - آه... حسن ... في الحقيقة جئت ... لكي ... لكي أعتذر... لما بذر مني البارحة .... فأنا حقاً كنت أمر بظروف صعبة .. لهذا ... لا أعلم ماذا أقول حقاً ... أنت ِ ... أنا ... قاطعته لمرة الثانية : - لا بأس لم يحصل شيئاً. - كلا بل حصل, كان يجب ألا أعاملك ِ بتلك الطريقة, لو كنت أملك شيئاً سوى الاعتذار لقدمته لك ِ. زينت شفتيها بابتسامة ساحرة سلبت لبه .... و قالت: - أنا لست طماعة, يكفيني كلمة آسف. وجد نفسه يرسم ابتسامة هو الآخر لا إراديا.... - شكراً لكِ. - لا داعي لشكر, فجميعنا يمر بظروف تقلب كياننا. - نعم هذا صحيح, لماذا أنت ِ واقفة هنا تحت هذه الشمس الحارقة ؟ - أنتظر أحدهم. - أتنتظرين صديقتكِ تلك؟ - نعم, عندها اجتماع لهذا تأخرت. - أأنت ِ طالبة هنا ؟ - كلا, أنا مدرسة. - ماذا!!!!!!!!!! زادت من حجم ابتسامتها و هي تقول: - لماذا أنت متفاجئ هكذا, أيعني أني عمياء بأني لا أصلح للعمل؟ - كلا لم أقصد هذا, أنا آسف حقاً. - لا بأس , هذا أمر أعتدت عليه. - أيمكنني أن أسألك ماذا تعملين؟ - بطبع, أنا مدرسة هنا, أدرس ألعمي. أخذ يحق بها و هو في داخله يقول: - ( يالك ِ من فتاة, غريبة عجيبة, لم أقابل مثلك أحد ) - ماذا بك صمت هكذا؟ - لا لشيء. - أسمع ليس من الآئقي وقوفنا لوحدنا هكذا, لهذا إذا أمكن ... - أوه .... نعم بتأكيد سوف أذهب الآن.... مع السلامة .. - مع السلامة. صحيح أنه ابتعد عنها... لكنه كان يشعر بأن شيئاً منه قد تركه معها... ما هو لا يعلم .... يتبع.... |
الجزء الثالث عشر...
ألم يعصر قلبها, و يسكب دمعها, ليخلف قلباً مهشماً, هشمه الحبيب, فما أقصاه من حبيب.... - لا أعلم لماذا فعلت بي هكذا يا تامر, أعطيتكِ كل شيء, و لم أطلب منك سوى أن تعطيني قلبك, لكنه بدل أن تعطيني إياه, أعطيتني ألام لا يدوى, كم أكرهك يا تامر, كم أكرهك, خنتني, وطعنتني في ظهري, و سلبت مني ابني, أكرهك, أكرهك. ................................. لحظة الانتظار ما أقصاها, و ما أوجعها, تسلب روح الإنسان رويداً رويداً , لتزيد من عذابه.... - بقت ساعة, يا الله أنقذه , أنقذه وأعيده إلينا سلاماً. ( قلتها أم تامر, و هي رافعة يديها تضرعاً لرب العباد) - أفففففففففف, كلاهما لازالا مغلقان هاتفهما, لماذا ؟ - حاول مرة أخرى. - اتصلت بهم مليون مرة , لا فائدة, دائماً هكذا عندما نحتاجهما لا يكونان معنا. - حسنا, أجلسي يا رنا, لن ينفعك المشي يمنتاً ويساراً هكذا. - لا أستطيع, لا أعلم أشعر بأني عاجزة, أريد أن أفعل شيئاً, لا أستطيع أن أرى أبي هكذا و أضل جالسة. ( قلتها بصوت ينذر بالبكاء ) قامت أم تامر, واقتربت من ابنتها التي تكاد تنهار, و تفقد جلدها, وأحاطتها بذراعيها, و ضمتها إلى حضنها, لتدخل السكينة في قلب ابنتها الذي حاصره الخوف من كل جانب, و قالت لها بصوت جاهدت من أجل أن يكون قوياً, لكي تمد صغيرتها بالأمل: - بإذن الله أبوك سوف يكون بخير, فأباك رجل قوي, فلا تخافي عزيزتي. غرست جسدها بحضن أمها فهو منبع الآمان لها.... ................................ صمت لم يكون يريده, كان ينتظر جواباً شافياً يعيد إلى قلبه الأمل... - ألن تقول شيئاً؟ ألتفت ناحيته, وأعطى البحر الثائر ظهره, وقال بصوت ذو نبرة غريبة: - ماذا تريدني أن أقول لك يا تامر؟ - رأيك يا خالد. أنزل رأسه لبضع ثواني, ومن ثم رفعه ليرميه بكلماته : - أنت تعلم جيداً رأيي, لكنك في الحقيقة لا تريد أن تسمع رأيي بل تريد أن تسمع الآتي, أنت ترديني أن أقول لك بأنك أنت الضحية الوحيدة, بأنهن هن اللاتي آذينك, في حين أنك أنت لم تفعل لهن إلا كل خير, أليس هذا الكلام الذي تريد أن تسمعه يا تامر؟ قام من على تلك الرمال الدافئة, و وجهه يخط قسمات الضيق, ومن ثم قال: - ظننتك بأنك سوف تفهمني, يبدو بأني أخطأت. وأعطاه ظهره و شرع بالسير بعيداً عنها, لكن صوت خالد رافقه, ليتسلل إلى طبلتي أذنيه رغماً عنه: - نعم أهرب كعادتك عندما تواجه الحقيقة, لكن حل الهرب لم يكون يوماً حلا مناسباً, لا بد من يوم سوف تندم على هربك, و سوف تجبر في النهاية على مواجهة حقيقتك. أكمل المسير كأنه لم يسمع شيئاً.... .................................. كانت جالستاً في تلك الزاوية, التي رغم الإضاءة التي تحيط بها, إلا أنها تشعر بأن ظلمة خانقة تشد الخناق عليها, لتخنقها, و تسلبها أنفاسها.... - هند.... رفعت رأسها لتكشف عن وجهه سلبت منه الحياة... ارتعبت ريم عندما رأت وجه صاحبتها ... فهرعت إليها و جلست بالقرب منها... أحاطتها بيدها... و قالت : - عزيزتي هند, ما الذي جرى؟ كانت في عالم آخر... عالم من الظلمة ... التي تبعث منها الأحزان... فلم تصلها كلمة مما قالتها صاحبتها... فهي في عالم آخر... غير هذا العالم... لهذا ضلت تنظر إلى صاحبتها بعينيها الواسعتين... بدون أن تنبس بكلمة... ضلت ريم تانهال عليها بالأسئلة ... و هند مكتفية بالنظر إلى صاحبتها ... و الصمت .... لكن صمتها لم يطل ... فدمعها تفجر دفعت واحدة ... ليجيب عن كل أسئلة ريم .... وألقت برأسها على صدر ريم, التي استقبلتها بحفاوة, و طوقتها بكلى يديها... لتجد نفسها هي الأخرى تسكب الدمع... فالموقف لا يوجد مكان فيه للكلمات..... ................................. بعينين مفتوحتان أوسع ما يكونان, وبذهول مصبوغ بالصدمة قالت: - عمي أصيب بجلطه!!! كيف و متى؟ - اهدئي أرجوك يا نجوى, فهذا ليس جيد لصحتكِ. - لماذا لم يخبرني أحد؟ - لم نرد إزعاجكِ - يا الله, أهو بخير الآن؟ - نعم , الحمد لله, لقد تعد مرحلة الحرجة. بوجهه بدأت تنتشر فيه معالم الراحة, و الطمأنينة, قالت: - الحمد لله, لم تخبريني, كيف حصل له هذا, كيف أصيب بالجلطة ؟ قطبت حاجبيها وهي تقول بصوت يشتعل كراهية: - من غيره, تلك التي تدعى هند, بتأكيد هي السبب بأن يصاب أبي بالجلطة. - رنا, لا تتهمي المرأة هكذا. - منذ دخلت حياتنا, انقلبت حياتنا رأساً على عقب, في البدء أخذت أبي منا, ومن ثم أقنعته بأن يطلق أمي, و الآن جعلته يقاطعنا نهائياً, وكما يبدو بأن مخططها الآتي بأن تقتله لكي تتحرر منه و ترثه. - رنا, ما هذا الكلام, لا تجعل قلبكِ أسوداً هكذا. قاطع حديثهما صوت قرع الباب... أخذت تنظر رنا ناحية نجوى باستغراب و هي تسألها قائلة: - أتنتظرين أحدهم ؟ هزت نجوى رأسها بلا و هي تقول: - كلا. ومن ثم قالت بصوت عالي: - من هناك ؟ رد عليها صوت رجولي: - أنا خالد, هل يمكنني الدخول؟ تبادلت كلاهما نظرات التعجب و الاستغراب, قبل أن ترد عليه نجوى بنفس طبقة الصوت: - لحظة فقط. ومن ثم انتشلت حجابها الذي كان موضوعاً على الطاولة المجاورة لها, في حين أن رنا سألتها و على محياها لمسة من التعجب: - ماذا يردي هذا؟ ردت عليها و هي تعدل من حجابها: - لا أعلم. ومن ثم أذنت له بدخول: - تفضل. دخل الغرفة وهو مطأطأ رأسه ناحية الأرض, و في يده باقة من الورد الطبيعي التي فاحت رائحة العطرة, و بصوت بالكاد يسمع : - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ردت كلهما: - و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته. - كيف حالك يا نجوى و يا رنا؟ ردت كلاهما: - بخير الحمد لله. وأردفت نجوى: - كيف حالك يا خالد؟ - الحمد لله بخير, الحمد لله على السلامة, و بإذن الله يعوضكِ بغيره, المهم صحتك. بوجه بدأت تعابير الحزن تتفشى به قالت نجوى: - الله يسلمك, تفضل. - لقد أحظرت هذه الباقة المتواضعة. - لم يكن هناك داع لذلك . - أنه لا شيء. ( ومد يده لتمسك بها رنا) - شكراً لك خالد. قالت رنا: - سوف أقوم بوضعها في المزهرية. - فأمسكت بالمزهرية القابعة على الطاولة المجاورة لنجوى من اليمين, ومن ثم توجهت ناحية الحمام, ليصبحا لوحدهما نجوى و خالد... - تفضل خالد. ( وصوبت يدها ناحية الكرسي المقابل لها ) - شكراً. جلس على الكرسي و هو مازال منكساً رأسه ناحية الأرض.. - أتريد أن تشرب شيئاً؟ - لا شكراً, في الحقيقة يا نجوى أنا ..... ( تملكه الارتباك, و بعثر كلماته و أفكاره ) أنا جئت... جئت ... أخذت تنظر أليه نجوى باستغراب, و هي تراه مرتبك, فحاولت أن تساعده على الكلام, فقالت: - خيراً يا خالد, ماذا هناك؟ بعد تنهيدة طويلة قال: - أنا في الحقيقة ... في الحقيقة أخطأت في حقك...و أريد أن أعتذر. وزاد من انحناء رأسه ناحية الأرض... رفعت حاجبيها إلى أعلى و هي تحدق به بتعجب... وسألته بصوت يميل إلى الاستغراب مما دخل الأذان: - تعتذر مني, لماذا؟!!! أزدرد ريقه بصعوبة, فحلقه جف من الرعب مما هو ناوون على قوله: - أنا ... أنا كنت ...كنت أعلم بزواج تامر... لكن ...لكن أقسم لكِ بأني حاولت أن أردعه ... لكن بلا فائدة....ومن ثم ... حاولت أن أخبركِ لكن تامر أجبرني على أن أحلف بألا أخبركِ... ومن ثم ماذا سوف أقول لكِ ... بأن زوجكِ تزوج من غيرك... هذا صعب... حقاً أنا كنت في موقف صعب ... صعب... لكن هذا لا يبرر تصرفي... كل الأعذار لا تغفر لي عملتي.... فأرجوك ِ سامحني ... فأنا متضايق من تصرفي... فعذريني .... أول ما تناهى إلى مسمعه... صوت نفسين يسحب ... ليليه زفرة مصحوبة بكلمات ... مغلفة بهدوء أعصاب: - لا داعي لتعتذر... لأنك لم تفعل شيئاً خطأناً لكي تعتذر منه.... المجرم الأول و الأخير هو تامر.... لقد غدر بي ... و بحبي له.... ( لجأت لصمت فدموعها تحاول أن تباغتها و تنسكب ) صمتها طال... فخاف أن تكون تشتكي من شيء... فرفع رأسه .... لتقع عينيه عليها .... و دمع قد انتصر على دروعها .... ألمه ما رآه ... فأنزل رأسه على الفور... وقال: - أنه لا يستحق أن تبكي عليه.. فدموعك أغلى من أن تنسكب على تامر. رفعت رأسها هي الأخرى ... لتجده قد قام من على كرسيه.... ويقول: - يجب أن أذهب الآن... أرجوك ِ أعتني بنفسك... هزت رأسها بنعم, وأردف قائلة: - شكراً لك على زيارتك. من تحت ذلك الهم الذي كان يعتلي وجهه... شقت ابتسامة طريقها على شفتيه ... لتنشر السكينة و الطمأنينة في روحه... - مع السلامة. - مع السلامة. أخذت تتبعه بعينيها ... وهي في داخله تتساءل... : ( ألازال هناك أناس شرفاء مثله...) - يا لهو من رجل. انتشلها من تساؤلها صوت رنا ... فوجهت بصرها ناحية مصدر الصوت لتجد رنا واقفة أمام باب الحمام... فقالت: - كنت تتنصتين إذا؟ .............................................. - شدة و تزول يا أم تامر. - بإذن الله يا أبو عادل.. بإذن الله. - أين عمر و تامر؟ ارتبكت ... و لم تعلم ماذا تقول له ....: - في الحقيقة يا أبو عادل .... لا أعلم ... نتصل بهما وهواتفهما مغلقه. ( وازدردت ريقها ) لم يعجب أبو عادل ما سمعه ... فهز رأسه ... و قبل أن يرد ... قاطعه صوت الباب و هو يفتح.... ليكشف من وراءه عن نجوى التي كانت على الكرسي المتحرك و رنا التي كانت وراء الكرسي المتحرك.... وقت عينا رنا على آخر شخص تريد أن تراه في هذا العالم .... لقد قضا عليها مجلد رأيته بابتسامته الساحرة التي تعتلي وجهه ... تسمرت مكانها ... و شل تفكيرها ... و هي تنظر إليه وهو مقبل عليها... - السلام عليكم يا بنات . - و عليكم السلام يا عمي. ( جاء الرد من نجوى , في حين أن رنا ضلت صامتة بلا حراك ) - السلام عليكم نجوى , السلام عليكم رنا. تسلل إلى مسمعها صوته ليقضي على حاسة السمع لديها ... و يزيد من معاناتها .... - وعليكم السلام حسن, كيف حالك؟ - بخير, الحمد لله , كيف حالك أنتِ, لقد سمعة بالذي جرى, أنا آسف حقاً, بإذن الله الله يعوضكِ؟ بابتسامة صفراء ردت عليه, وأردفت قائلة: - بإذن الله. رفع رأسه , لتشتبك عينيه العسليتين بعينيها, لتكتمل المجزرة .... و تنضم عينيها في عداد المصابين من سهامه .... - كيف حالكِ رنا؟ لم يرده رد منها ... مما زاد من تعجب الجميع .... قالت أم تامر... محاولة تدارك الأمر: - رنا ... ردي على حسن و عمكِ.... رنا .... بصوت شخص عاد من عوالم أخرى قالت, بصوت ضائع في أفكار مشوشة , و قلب ينبض بسرعة البرق: - ها .... أمي ...ماذا هناك؟ - ردي على عمك وحسن, فهما يسلمان عليكِ. أنزلت رأسها باستحياء ... و قالت بصوت مخنوق من الخجل: - وعليكم السلام. - ماذا بكِ بنيتي, هل أنتِ تشكين من شيْ؟ زاد لون وجهها احمراراً وهي تسمع سؤال عمها الذي لا تستطيع أن تجاوبه بالحقيقة... فأنقذتها نجوى من هذا الموقف المحرج بقولها: - المسكينة لم تنم منذ البارحة, لهذا هي تعبة , ومشوشة الفكر, وأيضاً خوفها من حالة عمي. - آه ... لا داعي للخوف يا بنيتي , أخي قوي , و الحمد لله تجاوز مرحلة الخطر, لهذا اذهبي و ارتاحي في بيتكم. قالت نجوى مؤيدة: - هذا صحيح رنا, يجب أن تذهبي و تأخذي قصدا من الراحة , فأنتِ تحتاجينه. وغلفت يد رنا التي على الكرسي المتحرك بيدها .. لتعيدها من عالمها ... إلى عالم الواقع... وجدتها رنا فرصة لتهرب من هذه الغرفة التي تكاد تنهار عليها .... و تتحرر منه .... فهزت رأسها , وأردفت بصوت متداعي من التعب الداخلي: - عن إذنكم. وخرجت برجليه المرتعشتان, وما إن أغلق الباب الذي يفصل بينها و بينه , حتى التهمت الهواء التهاماً, وانهارت دروع الصمود أمام دموعها الساخنة, التي حرقة وجنتيها. ..................................... مدت يدها المحملة بكأس من العصير... تبعتها بكلماتها: - تفضلي هند, فعصير الليمون سوف يهدأ أعصابكِ. هزت رأسها بلا ... و هي تقول: - ليست لديه رغبة بشرب شيء. - لكن عزيزتي... بترت جملتها...: - أرجوكِ ريم, حقاَ أنا لا أشتهي شيئاً. هزت رأسها بأسى, و هي تجلس بجوارها, وقالت بنبرة صوت حزينة: - إلى متى سوف تضلين هكذا؟ - حتى أطمأن عليه. - قلت لكِ بأني ذهبت إلى الطبيب, و قد قال بأنه تجاوز مرحلة الخطر. أنزلت رأسها إلى أسفل, و قالت: - لكنه لا يزال في المستشفى, لن أطمأن عليه حتى أراه و أكلمه, رغم أنني أعلم بأنه لن يرغب بالحديث معي, و لا حتى أن يراني. ( قلتها و عبرة تسللت على طرف عينها ) وضعت ريم كأٍس العصير بالطاولة المجاورة لها, وأخذت نفساً عميقاً , قبل أن تقذف هند بسؤلها الناري: - هند أأنتِ تحبين غسان ؟ ..................................... وضعت كفها على ظهريه, و هو جالس متسمر كالتمثال, سند ذقنه على يديه المتعانقتان, هائم بعينيه في ألا شيء, فعلقه لازال يعيد شريط تلك اللحظة عندما رأى تلك النظرة التي خرقت قلبه إلى نصفين .... فقالت له مستفسرة: - أين كنت لليلة البارحة, لقد قلقة عليك كثيراً, عندما لم تعد للبيت. كانت كلماتها كالشرارة التي أشعلت بركانه الذي أخمده بالمال فترة طويلة... فتمرد على عقله... واتحد مع قلبه... لينفجر عليها قائلاً: - كفى ... كفى .. لم أعد أحتمل... لم أعد أطيق الحيات معكِ.. خسرت حياتي و عمري معكِ... و خسرت حب حياتي بسببك و بسبب جشعي... فاتركيني وشأني... وأريحيني من بأوسي .... لم أعد أطيق الحياة بدونها ... لم أعد أعيش كإنسان بدونها ...لم أعد قادراً ... لم أعد ...فكفى ...كفى... وهجم على ذالك الباب الفخم... و فتحه بسرعة .... وهو يردد : - لم أعد أطيق العيش بدون هند ... لم أعد .... وهي من شدة الصدمة شلت حركتها ... و تسمرت مكانها ... و الذهول يجتاح قسمات وجهها ... الذي أعيته السنين .... يتبع .... |
سلاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ااااام
قصة رائعه احب اهنيك عليهاااااااااااااااااااااااااا واللي عجبني انهاااااااا تحي عن عائله كاملة رنا والزوج لتقرب من حبيبها الاول تامر وخسارته زوجاته نجوى والخيانة وفقدان طفل انتظرته اكثر من عشر سنوات جنان وحب غريب عمر وتدهور المستمر غسان و ترك ابنائه وزوجته من اجل متعته هند والقرار الخاظىء بزواج من غسان خليل محاولت ارجاع حبه القديم خالد لم ارتااااااااااااااااااااح له مطلاقا اشتكي |
اقتباس:
وأرجو بأن تعجبك القصة حتى نهايتها و لا تحرمينا من أطلالتك البهي في ثنايا قصة :) دمتي بألف خير... |
الجزء الرابع عشر...
دموع حبست طويلاً في مقلتيها... حتى باتت حملناً ثقيلاً عليهما ... فقد حبست منذ شهر مضى ... وجاء هو ليحررها .... لتنسكب بغزارة غير آبهة بمحاولاتها للكف عن الانهمار من مقلتيها ... تسلل صوته إلى مسمعها, ليخرجها من دوامة الدموع : - رنا, لماذا تبكين ؟!! ألتفتت ناحية مصدر الصوت, لتصطدم عينيها بعينيه المذعورتان... ابتلعت ريقها بصعوبة... و هي تحاول أن تتدارك الأمر... ففكرها مشوش ... لقد قلبت رأيتها لحسن أفكارها ... و شتتها ... فلم جد سوى الصمت الحل الأنسب وهي في هذه الحالة ... عاد صوته الذي غلفه الخوف ليصب على إذنيها... - رنا أرجوكِ , لا تضلي صامتة هكذا, أخبريني , أجرى شيء لعمي ؟ عندما رأت قسمات وجهه التي ترسم الخوف و القلق .... هزت رأسها بلا ... حتى تطفأ نار الخوف الذي بدأت تشتعل في صدره... تنهد تنهيدة راحة ... وأغمض عينيه ليرحهما ... بعد حالة الذعر التي اجتاحته عندما رآها تبكي بحرقة ... ومن ثم قال: - الحمد لله, الحمد لله .... ومن ثم خطر في باله شيء... ففتح عينيه ... وصوبهما ناحيتها .... وأخذ يمعن في تعابير وجهها ... و سيول الدمع التي تنساب من مقلتيها إلى و جنتيها .... ومن ثم قال: - لماذا تبكي إذا ؟ ! هربت من عينيه التين تلتهمانها بأنظارهما ... و لجأت ناحية الأرض... و هي في داخلها تعجز عن أيجاد جواب ينجدها من قول الحقيقة .... عاد صوته الذي لم يرحمها من أسألته إلى مسمعها : - رنا , ماذا هناك , ما الذي جرى لك ؟ طال صمتها ... و طال صبره ... و الجواب لا يبدو بأنه في الطريق إلى مسمعيه ... - رنا .... بترت جملته ... بكلماتها التي تخرج من حنجرتها بسرعة البرق...: - عادل أنا مستعجلة .... يجب أن أذهب.... و شرعت بالمسير ... بخطوات واسعة .... فهي لم تعد قادرة على تحمل نظراته ... و لا أسئلته ..... في حين أنه أخذ يتبعها بعينيه المذهولتان .... ..................................... قامت من على المقعد... و في عينيها حيرة ... تبعتها هي الأخرى و قامت .... أخذت تلحقها بعينيها المترقبتان لجواب على سؤالها ... طال صمتها المصحوب بأنفاسها المتسارعة .... فنطقت أخيراً بعد نفس عميق ... ليعيد الحياة إلى رئتيها ... و ينعش حنجرتها ... لتنضح بالجواب : - إذا كنت ِ سألتني هذا السؤال قبل أن يحدث هذا, لأجبتك بسرعة بلا, لكن الآن ..... الآن... بعينين متسعتان ... متشوقتان لسماع الجواب قالت: - لكن الآن ماذا يا هند ؟ التفتت إلى خلفها ... أخذت تحدق بصاحبتها لثواني قبل أن تقول بصوت متهالك: - لا أعلم ... لا أعلم إذا كنت أحبه أو أكره ... لا أعلم يا ريم ... لا أعلم ... وهوت برأسها ناحية راحت كفها ... ..................................... - أين الجميع ... أين اختفوا؟! غريب حقاً. لم يدم تساؤله طويل ... حين جاءه الجواب من وراء الباب الذي فتح على عجل ... لتخرج من وراءه رنا و الدمع لا يزل ينهمل من مقلتيها التين باتتا محمرتين ... لم تنتبه له ... فتفكرها منصب لذهاب ناحية غرفتها ... و تفجير كل ما في صدرها من تراكمات ... ضلت حبيسة صدرها لشهر كامل... فضلت تركض قدما ناحية الدرج ... حين استوقفها صوته و هو يناديها : - رنا ...... تسمرت مكانها .... لكنها لم تجرئ على الالتفات إلى وراءها ... فهي لا تريد أحداً بأن يراها بهذه الحال ... أخذ صوت خطواته تتعالى و هو يقترب منها .... و هي لازالت متسمرة مكانها على الدرج... توقف أخيراً ... و قال: - ماذا هناك يا رنا ؟ أين كنت , وأين أمي و نجوى ؟ أخذت تجمع شتات صوتها المتداعي من البكاء... و تمده بالقوة و الجلد ... حتى لا يفضحها ... ومن ثم قالت: - جميعهن في المستشفى..... قوس حاجبيه إلى أعلى ... و هو يسألها قائلا : - في المستشفى ... لكن لماذا ؟ لم تعد تستحمل أكثر من ذلك ... فقوها تكاد تخذلها ... فقالت دفعة واحدة : - أذهب إلى هناك يا عمر ... و أعرف بنفسك ... فهن في مستشفى ______ وأكملت مسيرها ركضاً ... تاركة إياه في مومعة التساؤلات ... ...................................... بعد أن عدلت من جلستها ... خطت ابتسامة على شفتيها ... و هي تقول له : - شكراً لك يا عادل ... لم يكن هناك داعي بأن توصلني إلى هنا... كنت سوف أتدبر أموري ... رد عليها بابتسامة أوسع ... ومن ثم قال: - لا تقول هذا الكلام يا نجوى .... أنا لم أفعل شيئاً ... أنه مجرد تحريك هذا الكرسي .. لا غير... - تفضل ... وأشارت له بالجلوس... سحب كرسيا ً .... و جلس بالقرب من سريرها .... ليغلف جود الصمت أرجاء الغرفة ..... أخذ يحدق بها .... و هو محتار .... أيقولها أم لا .... أما هي فضلت تزين شفتيها بابتسامة .... قرر أخيراً ... و حزم أمره ... لا بد من أن يسألها ... فطعن الصمت بخنجر صوته ... المتردد : - نجوى .... أيمكننني أن أسألك سؤالاً؟ - بطبع ... سحب ما يقدر عليه من أكسجين إلى رئتيه .... و عندما أخرجه من صدره قال : - أأنت ِ بخير؟ بابتسامة باهتة قالت: - نعم ... الحمد لله. فهرع ليقول: - لا أقصد جسداً بل نفسياً. أخذت تحدق به لبضع ثواني .... قبل أن ترد عليه .... وتحني رأسها للأسفل ... بصوت واهي ... بالكاد يمكن سماعه قالت: - نعم ... ( وازدردت ريقها ) - اسمحي لي بأن أقول لك , بأنك تكذبين. رفعت رأسها من فورها ... و في وجهها لمست من الذهول .... لكنها لم تلبث أعادت عينيها للأسفل... - نجوى ... أنتِ تعلمين بأنك ِ يمكنكِ تحدث معي ... إذا كان هناك شيء يضايقكِ. - لا تخف عليه عادل ...فأنا بخير ... و لا أشكو من شيء... شكراً على اهتمامك. أخرج ما أدخله إلى صدره دفعة واحدة وهو يقوم من مقعده ... ومن ثم قال: - حسناً... كما تشائين ....لكننٍ لازلت أحس بأنكِ لست بخير كما تتدعين ..... مع السلامة... ونصرف تاركاً إياها جالست لوحدها ... تواجهها الذكرى الأليمة ... و تدمي قلبها .... ........................................ بأقدام مترددة ... حائرة أتكمل المسير ... أم تعودان أدراجهن .... أخذت تمضي .... ليقاطعها صوت صاحبتها وهي تقول: - ألا زلت مصرة يا هند على الدخول؟ توقفت ... ومن ثم قالت: - نعم ... فهو زوجي ...ومن واجبي أن أبقى معه .... والتفتت ناحية صاحبتها ...وأكملت قائلة ... بعد أن رسمت ابتسامة خادعة ... تخفي ورائها ارتباك و خوف....: - شكراً لك ِ ريم لقد أتعبتك ِ مع ... لكن كنت حقاً محتاجدة لأحد لكي يكون بجنبي .... و والدتي كما تعلمين مع خالتي .. لهذا لم أجد سواك أطلب عونه... - لا تقول هذا الكلام.... ومن ثم إذا لم تتصل بي لقتلتك... وخطت ابتسامة على شفتيها .... - يمكنك الذهاب الآن ... فأنا أفضل حالاً... - كلا لن أتركك أبدا ...فأنت بحاجة لمن يكون بجانبك ... وخاصة في هذه الظروف. - ريم عزيزتي... صحيح أنهم يكرهوني ... لكنني لا أزال فرد من عائلتهم ... فلا تخافي عليه ... و اذهبي لبيتك ... لقد أتعبتك بما فيه الكفاية . - تعبك راحة... على العموم سوف أذهب و سوف أعود بعد ساعتين ... أتريدين أن أجلب لك شيئاً؟ - لا شكراً. - حسنا ... مع السلامة . - مع السلامة . أعطتها ظهرها ... وأخذت تمضي مبتعدة عنها ... لتصبح واحدها ... سوف تواجههم لوحدها ... بدون سندين تتكئ عليه... كانت دائما تقابلهم و معها غسان .... لكن الآن الأدوار اختلفت ... باتت لوحدها ... و غسان ... و غسان .... لن يكون في صفها .... فيا لهو من موقف صعب.... التهمت الهواء التهاماً ... ومن ثم رفعت يدها المتثاقلة ... و هوت بها ناحية الباب.... ............................................ تلخبطت أوراقه .... و تدمرت خططه ... فقط لأنه لم يقدر حبها في قلبه .... لم يتوقعه كبيراً لهذه الدرجة ... ضنه بأنه يقدر على نسيانه ... و الاستمرار بدونه ... لكن هيهات ... فالقلب لا يستسلم عن حبه بهذه السهولة ... - آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه منكِ يا هند, حبك شل تفكيري ... لم أعد أعلم ما الذي يجب أن أفعله و ما الذي يجب أن لا أفعله .... كم أشعر بأني مشتت .... بلا وجهة .... هند ... هند .... لثانية واحدة أغلق عينيه ... لكي يسمح لدموعه التي حرقة مقلتيه بأن تنزل ... و تريحه ... لكن هذه الثانية كانت كفيلة بأن تقلب حياته .... أو حتى أن تنهيها ... ............................................ - لم أرى عمي بهذا الضعف من قبل... كم آلمني رأيته هكذا ... ساكن بلا حراك. - بإذن الله سوف يقوم ...و سوف يعود مثل أول وأحسن. - بإذن الله .... أتعلم يا عادل... الجميع قد تأثر بما جرى لعمي... حتى رنا المسكينة ...كان يبدو عليها الإرهاق ... اليوم كنا أن وأبي نكلمها ..لكنها لم تكون معنا كما يبدو .... يبدو بأنها خائفة على عمي . - ها ... أحقاً .... إذا هذا سبب ....( توقف عن الكلام فجأة ...) مما جعل حسن يستغرب ...فسأله : - سبب ماذا يا عادل ...أكمل؟! - لا شيء.. لا شيء ... - يبدو بأنكم سوف تطرون لتأجيل عقد القران . - بطبع ... فحالة عمي لا تسمح. - ألن يزعجك هذا الشيء. - ماذا تقصد ؟! - تأجيل عقد القرآن. هز رأسه ... بلا و من ثم أردف قائلاً: - كلا ... خرجت من فمه بدون تفكير: - ماذا !! غريب. - وما الغرابة في هذا؟ - ألست مشتاقاً لكي تكون رنا في عصمتك ؟ لم تتحرك شفتيه بالجواب ... فقد فضلتا الصمت .... لكنهما في نهاية الأمر تحركتا ... لكن ليس لقول الجواب الذي ينتظره حسن بل لقول: - ها قد وصلنا للمنزل. نزل .... تارك حسن معلق في حيرة من تصرف أخيه ... ............................................ أخذت تحدق بأختها المنهمكة مع العب مع ابنها ... و الابتسامة تعتلي شفتيها .... ومن ثم نبست قائلة: - هدى ... ألازلت مصرة على الخروج من المستشفى ؟ ألتفتت ناحية أختها .... والابتسامة لم تفارقها : - بطبع ... لقد سمعتي الطبيب ... يمكنني أكمال العلاج في المنزل... كما أني لم أعد أطيق البقاء في المستشفى ... أريد أن أبقى بينكم في آخر أيامي .... بعينين يكاد الدمع أن يخرج منهما قالت: - أرجوك توقفي عن هذا الكلام السخيف... لقد تعبت من كثرة سماعه منك... فأرجوك توقفي. زادت من سعت ابتسامتها .... وأخذت تأشر لأختها بالقدوم ناحيتها ... و تقول في نفس الوقت: - تعالي حبيبتي ... تعالي... استجابت لدعوتها ... و هرولت ناحيتها ... و الدمع يتناثر من مقلتيها .... استقبلتها بحضنها ... و ضمتها بأحد يديها ... و هي تقول : - حبيبتي ... لا تبكي .... فأنت ِ تعلمين كم يؤلمني رأيتك وأنت تبكين . بنبرة صوت شوهها البكاء قالت: - سوف أتوقف عن البكاء... لكن على شرط ألا تتفوهي بهذا الكلام مرة أخرى . - حسناً... لكن حبيبتي يجب أن تدركي بأن هذا مصيري و لا مفر منه ... فهناك احتمال كبير بألا .... قطعت الطريق على كلماتها بيدها اتلي سد فمها .... وقالت: - و هناك احتمال بأن ينجح العلاج و تعيشي ... ففكري بهذا الاحتمال أيضاً ... و لا تنسيه . لم ترد عليها ... بل أكتفت بضمها أكثر إلى حضنها .... و كبت عبراتها في مقلتيها .... ....................................... كانت الأعين مسلطة عليها .... لم يعتقوها منذ دخلت تلك الغرفة ..... مما زاد من خوفها ..... : (( يا الله الجميع ينظر إليه ... كأني مجرمة .... يا رب صبرني ... يا رب..)) كسر حاجز لصمت صوت مرهق .... : آآآآه ... ألتفتت الجميع ناحية مصدر الصوت .... لتقع أعينهم عليه ... و الحركة تدب في أوصاله ... فوقفت منى ... يتبعها أبو عادل... و أقبل ناحيته و الفرحة تلتمع في عينيهما ... في حين أنها تجمدت مكانها ... فعقلها قد توقف عن العمل... بادرت منى في الكلام: - غسان ... أتشكو من شيء... أيؤلمك شيء؟ فتح عينيه ببطء .. وأخذ يتعين تلك الوجوه التي تنظر إليه ... جاهد لكي تخرج الكلمات من حلقه ... فقواه خاوية ... أخيراً خرجت كلمة من فمه رغم الصعاب التي واجهتها ...: - هند ... اجتاحت الصدمة منى ...وأبو عادل... لكن الصدمة كانت أشد و أوجع على منى ... التي فضلت أن تتراجع .... و تعود في الظل كعادتها .... ففتحت المجال لهند ... التي لم تصدق ما تسلل إلى مسمعها ... فقامت من على كرسيها ببطء... و قلبها ينبض بسرعة .... أخذت تخطو ببطء ناحيته .... وقلبها المتمرد يريد أن يخترق صدرها من شدت نبضه .... وقفت أخيراً ... فها هي قد وصلت إليه ...و باتت قريبة منه ... ألقى عليها نظرة تأمل ... ومن ثم حرك يده ... الموصولة بأجهزة .... وأشار لها بأن تنحني ناحيته .... انحنت .... وباتت أذنها ملاصقة لشفتيه ... تحركت شفتيه لتنسج كلمات ... جعلت حدقت عيني هند تكادان تخرجان من محجريهما ........................................ خرجت من صدره تنهيدة طويلة .... تعكس ما في صدره من هم و غم ..... و صراع داخلي أتعبه .... - آآآآآآآآآآآه , ما الذي أفعله .... أًصحيح هو أم خطأ ..... لكن لا بد من أن أفعل هذا ... لكي ..لكي ... أفففففف ... لا بد ... إنها تحبه ... تحبه .... يجب أن أتعذب وأتألم ...لأجلها ...لأجلها ( رفع عينيه الى أعلى ... و بصوت راجي قال ) .... يا الله .... أعني ... أعني .... أنا خائف أن أستسلم وأنهار ....أرجوك يا الله ألهمني الصبر .. أرجوك ... قاطعه صوت الباب وهو يفتح ... تبعه صوت حسن التي كانت الابتسامة على محياه ... - هيا يا عادل ... العشاء جاهز .... يتبع... |
الساعة الآن 09:23 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية