منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f498/)
-   -   ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي (https://www.liilas.com/vb3/t200312.html)

simpleness 18-04-16 04:58 AM

رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
 
بسم الله الرحمن الرحيم

تَوكلتُ على الله

الجزء التاسع و الثلاثون

الفصل الأول


،:نحن قد نُواجه عَقَبة تَقف سَيفاً مَسلولاً بيننا و بين المُتابعة..و هُنا يَظْهر الإختلاف،فذَّاتي غَيْر ذَّاتك..فقد تنحني ذَّاتي للسيف و تدعهُ ينتصر عليها،تستفرغ دماء قوَّتها لتبقى جَرْداء من وُجود،فقط رُوح تتنفس بإعياء..و في المُقابل ذَّاتك تَتَقلَّد ذلك السيف تُحاربهُ به،بحدَّته،طَعناته و أوْجاعه..تكسره بقوَّتها و شجاعة روحها و القَلبُ يتألم و لكن ألمٌ مُبْتسم..فهو يَرى النَّصْر يُرَفْرف عن قُرب حتى يمتزج معه..فيموت السيف و تنتصر الذَّات..،
اسْتدارت تُلقيهم ظَهرها بل تُشيح عن أَعْيُنَهم تَصَدُّعات البؤس التي طالت ملامحها..ازدَرَدت ريقها و قدماها تَخطوان للمكتب بثَباتٍ تناقض مع الارتعاشات القابضة على نَبَضاتها..مَرَّرت لسانها على شفتيها المَطليتين كالعادة ثُمَّ أكْمَلت و هي تَجْلُس على المَقْعَد برأس مُنْخَفِض و صَوْت تُعَلّيه الثِقة بِلَكْنة بريطانية تَحن لها ذاكرتها،:هكذا هي الحياة..تُواجهنا بأقسى ما تَمْلك و الضَّعيفُ منا يستسلم من الصَّفعة الأولى لتراشق حَجَرها..غير عالم أنَّ في بَطن هذه القَسوة يَقْبَع الرَخاء و السعادة تَطفو من بين تلاطمات أمواجها العاتية..و أسَفاً أن بعضاً من ضُعفاء الحياة باعوا ذَّواتهم لها ليصبحون عَبيداً ظانين بأنَّهم لو قَبَّلوا قَدميها لَرُبما تُزْهِر لهم..لا يَدرون أَنَّهم كُلَّما اسْتَصغروا أنفُسَهم و بَخسوا الذَّأت حَقَّها ضاعفت هي تَعذيبها للحد الذي يُفْقِدَهم تلك الذَّات المسكينة..،
ضَمَّت شَفتيها للداخل..اسْتَنْشَقَت نَفَساً لم يَكُن عَميقاً بالقَدْر الكافي لتزفر ضيقها..فرئتيها لا تزالان مَضْنيتان من بُكاء البارحة،فالشهقات قَد أحالتهما قِرْبة مَثْقوبة لا تحتفظ بالأنفاس..،أَراحت ذراعيها على المَكْتَب و هي تُشْبِك أصابعها..رَفَعَت رأسها لتبتسم بنعومة بعد أن أرْخَت شفتيها..تَساءلت و عيناها تَطوفان على وُجُوهِهم المُنْدَمِجة بانشداه..،:هل فعلاً يُمكن أن تُفْقَد الذَّات،و اذا كان الجواب نعم فما هي أسباب فَقْد الذَّات ؟ هذا هُو السُؤال الذي أُريد إجابته المُحاضرة القادمة"مال رسغها لتنظر للساعة و هي تُواصِل بالعَربية" اليوم محاضرتنا قصيرة "عادت لتنظر إليهم لتُرْدِف بحاجب مُرْتَفِع و الابتسامة لم تَبْرَح شفتيها" بترتاحون من هذرتي
عَقَّبوا بأصْوات مُتَفَرّقة عن إعْتراضهم على ما قالته،فمُحاضَرَتِها هي الأمْتَع و لطالما تَمنَّوا أن تَكون أطَول و لأكثر من ثلاثة أيَّام في الأسبوع..فهم يأتون هُنا من أجْل الظَّفْر بفائدة يُصْلِحون بها عُطْب ذَّواتهم..بلا دراية بأنَّ هذه التي تَحكي عن كَمال الذَّات فاقِدة لها..فالماضي قَد لاكَ ذَّاتها بين أنْيابه حتى بَصَقَها لحماً نَتِناً تقتات عليه ديدان الأرْض بلا رَحْمة..،



أرْهَقَني ذاكَ التَزَمُّت القابع بين عَيْنيك،و كأَنَّك الشَّخصُ الأذْكَى في هذا العالم،لقد سَئِمت من كِبرياء جَعَل من قَلْبي مَدَاساً له،يخلع نعليه يُنَفّض عَنْهُ غُبار الشَّوق ثم يَرْتَدِيه و يذْهَب..ببرود يَذْهب،دون أن يُطيل النَظَر لنَبْضٍ تَهاوى صَرِيعاً أسْفَل قَدَميه..،أَخْبرني،مُنْذُ مَتى صار قَهَري سُكَّراً تَتَلَذَّذ بهِ نَفْسُك المَغرورة؟أَنَسِيتَ يَداً مَرَّت على أَرْضِ كَتِفَيك تُناغي تَعَباً وليداً للحظة؟ تُهَدْهِدُه،تَجْمَع شَتاتَهُ برِقَّة،ثُمَّ تُلْقيه عن كاهلك،تُلْقيه دونَ اكْتِراث للألَم الذي أَسْبَغَهُ انْتشالها بين كَفَّي روحي..نعم روحي التي ظَنَّت أنَّكَ الوَطَن،و لم تَعْلَم أنَّ الوَطَن هُوَ أكْبَرُ خائِن،يَلِدُ الإنْسان ليُبْصِقُه شَريداً بين تَخَبّطات الحياة،كُنتَ وَطَناً،و كالأوطان كُنتَ خائِناً لماضٍ رَفَعَ عَلَمَكَ فَوْقَ قارِعة القَلْب..،أَخْبرني..هل نَسِيتَ خَمْراً ارْتَشَفَتْ منهُ شَفَتيك في ليالي السَّهر الوالِهة ؟ نَسِيتَ طَرفاً ناعِساً تَدَثَّرْتَ بأهْدابِهِ ذَّات ضيقٍ و كآبة ؟ أَنسيتَ كُل هذا ؟ ما أقساك من رَجُل يَرْفض الخُضوع لاعتذار امْرأة أخْطَأت بعد أن صَفَعتها الدُّنيا التي أسَفَاً أنَّك كُنْتُ وَريثها الأكْبَر..وَريث الجَلْدِ و نَحْت الجِراح..،كلماته شَوْكاً تَراشَقَ جهة قلْبُها قاصِداً نَبْضة بَلْهاء كانت تحتضن اسْمه..تَخافُ أن يَسْرُقَهُ منها الزَّمن كما سَرَقَ قُرْبه..،:تبيها من الآخر ؟ عشان لا تقول ألف و أدور وياك ؟! "صَمَت لوَهْلة يسمع الجَواب على الطَرَف الثاني ثَمَّ أكْمل ببرود قاتِل و سَيفهُ يُلَوّح لها بخبث" ايــه هَدفي اقهرها،احرق قلبها مثل ما حرقت قلبي مــ "يبدو أنَّ الطَرَف الآخر و الذي مُتَيَقّنة أنَّهُ سَلمان قاطعه ليُجيب بعد ثوانٍ بحدَّة اقْتَطَعت ما اتصل من أوْردة بقلبها" يكفي إني أشْفَقت عليها يوم جتني مثل المَجنونة تسأل عن بنتها اذا عايشة..ما تستاهل أعذرها أكثر
إلهي رُحماك..ضاقت أَنْفَاسُها و الكَفُّ غادرت لصَدْرها تُطَبْطِب بانقباض على انكسارات قَلْبه، الدَّمعُ قَدَ انْتَبَذّ في عينيها مِحْراباً يُقيم صلاة البُكاء،و الشَّفَتان مُطْبَقَتان من خُشُوعٍ تلاشت على إثْره الكلمات و حَلَّ الصَّمْتُ و لا غيره..صَمْتٌ تُباغتهُ الشَّهقات..،
واصَلَ حَرْبَ اغْتياله،:و ليش أظْلم ياسمين ؟ البنية تحبني و مافي شي ينقصها "أكْمَلَ بسُخرية اقْتَلَعت آخِر نَبْضة من أَرَض حُبّه" اصلاً كل اللي كان ينقص جنان لقيته فيها
تَراجعت و رياحه المُلَغَّمة تُفَجّرها،تُصَعّد أَنْفَاسَها بَراكين تُلْهبها..تَحْرِق دماءَها لترتفع نتانة تُسَمَّى في بلد الجِنان القَحِطة خُذْلان..خُذْلانٌ سُمِعَ لهُ دَوي وسط روحَها الفارِغة من وَعْدٍ تَلاشى صَداه..،أغْمَضَت عينيها النَّازِفَتان بألم و تَنَشُّقات مُتَقَطّعة ترتفع من صدرها و قَلْبُها يَهْمس بهَضيمة..سَامَحَكَ الله فَيصل..سامَحَك من شَهِدَ على كَمالي بين يديك..فأنا يُرافقني السُّهاد اذا ما زاركَ مَرَضٌ ناهِشاً طاقتك،أُوَسّدَكَ روحي ليلتحف جسدك بشرايين قلبي و أوْرِدته التي أظَلُّ أغْزُلَها طوال فَجْرٍ احْتَفَظَ في ذاكرته بملامح و َجهي القَلِقة عليك..كُنْتُ و أسَفاً أنّي لا زُلت أحْملك فوق سَحابة دُعائي،أرْفَعكَ للسَّماءِ عَسى أن يحفظك رَبّي..لطالما غَفَت يدي بين خُصْلاتك،أمْسَح بأناملي على تَعَبك..و أنا التي شارَكَتكَ دُموعي الفَرَح و عيناي تُبْصِران نَجاحاتك..كُنْتَ وَسْماً جَمَّلَ جَيْدي أَفْخَر بِكَ و كأنني من رَبَّيتك..فهل نَسَيْتَني و أنا اُم أُغْلِق عَليك وسط رَحْمَ مَحَبَّتي ؟ أسْقَيكَ شَهْدَ عِشْقٍ أَبَدي لم تُسَجَّل لهُ نهايات،و أُغَذّيك من قُوت ابتساماتي..هَمَساتي و قُبْلاتي المَنحوتة فوق جَبينَك..كُنْتُ لكَ كُل شيء إلا أنّي كُنْتُ في نَظَرِ كبْريائك جِنان..المَكْسورة بنُون النَّقص..،اسْتَدارت عائِدة من حَيْثُ أَتَتَ،بيدان تُخْفِيان قَوسَ الحُزن الرَّاسِمَتَهُ شَفَتيها..ارْتعاش ذقنها و الانْحِدار الذي تنتحر عنْدَهُ الدَّمْعات..عادت إلى مَكْتَبها لتُغْلِق على نَفْسها و تَبكي..تَبكي نَفْسَها و تنعاها،تَبكي حُبَّاً لم يُقَدَّر و ضاع ثَمَنَهُ بين مَوجٍ يتلاطم بكبْرياء..فكَيْفَ يُرْضَى كبرياء تَعَدَّى على قُدْسية الحُب ؟ انْتَحَبَت فَوق مَقْعَدِها و الجُدران من حَوْلِها تَجْتَرِع المَشْهَد لتَبيعه على الذّكرى التي أَقْسَمت أن تَرْفَع رايات الأسـى بعد أن تُنَكّس أعْلامَ السَّعادة..،تَحَرَّكت يديها قاصِدَتَان صَدْرَها.. و هُناك فَوْقَ الذي ارْتَدى السَّواد حِداداً على مَوْت حُب اسْتَقَرَّتا لتضغط بوَهْن هامِسةً و الرَّجاءُ لَحْنُها،:يــارب...يارب



أَيُّ ضيقٍ ذاك الذي يَنعى أسْفَلَ عَيْنَيْكِ ؟ بل أيُّ مَوتٍ ذاك الذي يُكَفّن وُجودكِ ؟ فأنا أراكِ بلا رُوح تُنازعين ما بين بَقاءٍ و تَحليق لسماء تَتَسّع للبُكاء المَسْجون حَوْلَ حَنْجَرتكِ..فالأرضُ ضَيّقة عَزيزتي، تَجْمَعنا في ثُقْب لا يَخْتَرقهُ ضَوء حياة ولا قَطْرة غَيث تَروي ذَّات عُطْشى..ضَيّقة للحد الذي يُسْتَعصى علينا الابتسام،فَنَحْنُ حينما نَبْتَسِم تُكَشّر هي عن أنيابها و تُعْلِن حَرْبها قاصِدة شفاهنا لتَنْزَع الإبتسامة و تَحْتَل ببؤسها قُلوبنا..ها أنا أراكِ كيف تَرْفُضين البَقاء بين بلاقعها الخاوية من سَعادة..هي أرْضٌ تعاقدت مع الأسَى و لا غَيْره،تجانَست مع الحُزن و لا سواه..و اليَوم ها هي تَضَع كَفّها وَسَط كَف الذَّبح النَّاهِب أُنوثتكِ المُغْتَصَبة..،اسْتَيْقَظَ صَباحاً ليَصْطَدِم بَصَرهُ الغائب خَلف أسْوار النُعاس بعَشَرات الاتصالات من والدته..حادَثها على عَجَل و هو لا يَزال يَسْكُن سَريره يَسْتَشْعر ما غَفى بين طَيّاته من دِفئ..و بصَوْتٍ تَزُفَّهُ الانْكِسارات أتاهُ جَوابها مَسْبِيَّاً بقوافل الشَّهَقات،:إخْتك ضاعت يُوسـف..مَلاك ضاعت يا ولدي..ضاعـ ـت
ذلك الضَّياعُ الذي راَفَقَ مَسيرَ كلماتها تَسَاقطَ جَليداً جَمَّدَ أطْرافه..هُو حتى لم يَسْتَطِع أن يُحَرّك لسانه ليَنْطُق سُؤالاً يُنَبّش بهِ عن ماهية هذا الضَّياع ! لا يدرِ كيف غادَرَ السَّرير ليُغْرِقَ وَجْهه بمياه أرَادها أن تُوْزِع عَليه صَحْوة تُعينه على لُقْيا والدته و تلك التي ضاعت..ارْتَدى ملابسه على عَجل دو أن يُلاحظ ألْوانها أو إذا كانت مَقْلوبة،فجُلَّ وَعيه كان يَسْتَرْجِع تلك النَّبرة المَخْنُوقة و الكَلمات الغارِقة بالحَسْرة..هُوَ حتى لم يَنتبه لحُور التي لَحِقَته بعد أن شَهِدَت على غِياب ملامحه خلف أطنانٍ من جَليد وَخَزَ قلْبَها تَوَجُّساً..،ها هو يَقِف أمام من وُضِعَت أمانة أسْفَل جَناحيه..من عُقِدَت روحها المَحْرومة برُوحه المَذْبوحة..تِلك الصَّغيرة التي شَوَّهَت طُفولتها دماء أغْشَت وَجْه من غَفَت بين أحْضانه لسنواتٍ مَعدْودات..دماء ما إن أبْصَرَتها حتى كان للبُكاء أُغْنيته مَشْروخة الناي،و الصُّراخ لحْنٌ كان زَعِيقَهُ يَعزْف على أوْتار رُعْب نَهَشَ وعْيَها،تلك الليلة سَقَطَت و اليُتْم فُستانها المُلَطَّخ بغُرْبة..و اليوم كان السُّقوط مَوْتٌ مُحْتَم لا طَريق عَوْدة له..،خَطَى و عيناه تَتَسَلَّقان سُورها المُحَطَّم المَحشَور في الزَّاوِية،اقْتَرب مُبْصِراً انْكماشَها المُرْتَعِش..الذُّعر المُحَلَّق فوق قارعة وَجْهها المَلطوم،المَسفوكة نُعومته..اقْتَرَب و نَبْضُهُ يَكاد يَفُر من بين أضْلاعه مُعْلِناً عن صَرْخة رَجُل مَقهور،و للزَمَنِ مَواقفه ليَحكيها عن رِجال ماتوا قَهراً..،كانت تَجْلس في الزاوية،بالقُرب من النَّافذة التي غَفَت فوق زُجاجها بَصمات أصابعها الباحِثة عن شَجَرة منزلهم القَديم،المَهجور قِسْراً..تَحْتَضن ساقيها لصَدْرها لا يدرِ هل كانت تُحيط نَفسها بأمان أم أنَّها تُخفي عن أعْيُن الوَقت نَوح قَلْبها..جَلَس أمامها و عيناها المُغَيَّبتان تُسْرَد منهما حكايات وِحْدة و مَوْت خَلاص..ناداها و صَوْتُهُ المَبحوح يُعَزّيه فَقْد شَقيقته،:مـــلاك
غَيْرُ الأنَين لم يَرْتَفع و سَيْلُ الدَمعات لم يُوقِف عُبوره بَوَّابتيها الجاحظتين و كأنَّ المَشهد يُعاد أمامها بوَحْشية تَتَضاعف كُلَّما بَقِيَت روحها حَيَّة تتنفس هواء اجْتَرَع انتهاك أنوثتها..ناداها من جَديد و دَمْعٌ مَرير تَعَدَّى على رُجولته سَكَنَ عَيْنيه،:مــــلاك
رَفَعَ يَدَهُ المُرْتَجِفة ليَحُط بِها على أرْضِ خَدّها المَبْلولة،و هي ما أنَّ أحَسَّت بمَلْمَسٍ غَريب يَعْتَدي على حُصُونها حتى فاضت من صَدْرها شَهْقة نَثَرت قَشْعَريرة هَوْجاء عَبَرت خلاياها..دَبَّ الرُّعب في نَفْسِها و تلْقائياً بَعَثَت خلاياها إشارات الدّفاع لعقلَها المَسْجون خلف قُضبان الحادثة الشَّنعاء،نَفَرت يَدَهُ عن خَدَّها بفَزَع و بالتوالي بَدأت تدفعهُ عنها و صَرْخة مَشْروخة الصَّوت غادرت حَلْقَها،:يُمَّــــــ ـه
اتَّسَعَت حدقتاه و هو يَراها كيف تَتَعَفَّر بلا وَعي و النَّجْدَة لسانها..حاول أن يَتَلَقَّف هَلَعها،أن يَنْثِر عليها من ذَّاته سُكُوناً مَهزوزاً لرُبَّما يَهَدّأ من رَوْعِها..لكن كان ليَدِها المُكَبَّلة بصَدْمة الموقَف الجَواب..فهي لم تُتيح لإهتراء يديه أن تُمْسِكانها..و صُراخها بدأ يُخالِطَهُ نَحيبٌ ظَنَّ أنَّ "يُمَّـــه" تلك لن تأتي مُجَدَّدَاً،و أنَّ الذّئب سَيَقْتَلِع زُهورها بأنيابه السامَّة ليُصَيّرَها يَباباً مَسْلوب الرّداء..رِداء العفَّة الذي أَحاكَت من خُيوط سَواد الليل بَديلاً عنه بعد أن قُدَّ بيدين لم يَمْسَسْهُما ماءٌ يُطَهّر الجَسد لمُقابلة الله،يَدين لهما بَصَمات شيطان و خُطوط إجْرام تَهْوى الذَّبْح..،رائِحة تَحْمِل دِفْئاً حَماها لثمانية و عُشْرون عاماً شَعرت بها تحتويها،و هَمْسٌ تعاضَدَ مع مَسْحِ حَنون عَبَر مَسْمَعها المُتَشَرّب هَمْسٌ آسـِن أصَمَّها بكلماتٍ قَذِرة تَلَثَّمَت بشهوانية مُقْرِفة..،تَمَسَّكَت بها و فَجْر الشُّؤم يَتَلَصَّص عليها من باب ذاكرتها،تُخَبّئ وَجْهَ طُفولتها..مُراهقتها و شَبابها بين حَنايا صَدْرٍ كان يَتَأوّهَ بوَجَع،بَكَت و البُكاء يُعْلِن احْتلاله أرْضَها اللا"عَذْراء"،بَكَت و العَيْنُ إبْيَضَّت من سَعاداتٍ أبَت أن تَسْكن روحها..نادَتَها و الرَّجاءُ يسُوق كلماتها المُرْتَعِشة،:يُمَّــ..يُمَّـ ـه ..لا تخلينـي يُمَّـه
شَدَّت عليها بذراعين أوْهَنَهُما تَساقُط وريقات صَغيرتها التي لم تَتَفَرَّع أغْصانَها بعد،بل لَن مُؤكّدة ها هي تُلَوّح لهما عن قُرب..نَطَقَت بوَجْسٍ تَمَنَّى لو كان حاضِراً ساعة الذَّبح العَظيم،:انا اهني يُمَّــه،اهني...ما بخليش يا عُمري



الليلة الماضية

اليَومُ انْقَضى و الشَّمسُ قد غابت نَعِسة مُكَلّفَةً القَمَر بمُهِمَة تَسيير هذا الكَوْن الفَسيح..و الذي على قدر اتّساعه كانت تَشْعُر بهِ يَضيق حَوْل عُنُقِها بحبال قَهَر وَهْمِيَّة أَخْنَقَتها..،حيناً تَجْلُس على الأريكة تُمارس اهْتزازاً بساقيها على الأرْضية الخَشبية..و حيناً تَقْطَع غُرْفَة الجُلوس تَحْفُر بصمات أصابع قدميها المُلْتَحفة بجورابٍ قَصير بياضه تناقض مع السَّواد الحائم فوق رأسِها..أظافرها المسكينة وَقَعت أسيرة بين قُضْبان أسنانها المُتَوَتّرة..تقضمها بحَنَق ثُمَّ تَعضُّ على أصابعها بقلَّة حيلة قَبْل َ أن يَرْتَفع من حَنْجَرَتِها صَوْتٌ غَليظ تَتَضّح تَصَدُّعاته بين طَيَّات ملامحها المُنْتَشِية قَهراً..و أخيراً تُلْقي بجَسَدِها على الأريكة التي يَتَلَقَّف قماشها الناعم جلدها الرَّقيق دون أن يُسَبّب لهُ خُدوش..،هي كَرَّرت الدَوْرة هذه سبع مَرَّات خلال خَمس دقائق،فالسَّاعة انتقلت من الرُّبع إلى الثُّلث فقط..،زَفَرة مُرْهَقة عَبَرَت الفُوَّهة الصغيرة المُتَوَسّطة شفتيها..رأسَها تَحَرَّكَ جانباً و هي على اسْتلقائِها المائِل ليَلْتَقِط بَصَرَها هاتفها الغافي على وجهه..تناولتهُ بكَسَل و بحاجبين تُقَرّبهما عُقْدة..ضَغَطَّت الزر أسْفَل الشاشة ليَميل فَمَها بازْدراء بعد لحظات قبْل أن تَهْمس من بين أسنانها،:ما عليه،ما عليه احقرني..احقرني لكن بتشووف
رَمَت الهاتف المَسْكين مُجَدَّدَاً ثُم جَذَبت جسدها بقوَّة غاضِبة مُعيدةً دورتها للمرة الثامِنة..و مع انْحشِار طَرف سَبَّابتها بين أسنانها فُتِحَ الباب و بان وَجْهُه الذي انتَظَرته لخمسة عَشَر ساعة كانت بطول أعْوام..،أَغَلَقَ الباب ثُمَّ تَجاوزَ المَمَرّ الواصل بينه و بين غُرْفة الجُلُوس..سَلَّم بهمس عندما التقت نظراتهما لتَرُد هي التَحِيَّة بصَوْت مَسْموع كان لَحْنُه سُخْرِية أرْفَعَت حاجبه،:و عليكم السلام يا باش مهندس "أشارت للساعة المُعَلَّقة و هي تُرْدِف" لااا جان انتظرتها تصير وحدة و بعدين رجعت !
التَقَطت أسنانه طرف شَفته السُفلى يُخْفي ابْتسامة و هو يَقْترب منها و يداه تتلقفان مفاتيحه ليَنْطُق بعد أن وَقَفَ أمامها،:والله كنت بقعد ويا الشباب لين الوحدة بس صراحة كسرتين خاطري..تركتش من الصبح ما يصير بعد اطوّل أكثر
اسْتَقَرَّت بيدها على خصرها مُعَقّبة بذات السُخرية و عيناها تُرْسِلان لهُ شَرَارات أحْرَقَت سُتر ابتسامته،:ماشاء الله عليــك حَنوون !
هَزَّ رأسه يُجاريها،:شفتين شلون ..ماشاء الله علي !
اسْتَقامت في وُقوفها و عُقْدَتِها عادت لتسكن ما بين حاجبيها ناطقةً و سَبَّابتها ترتفع بتَحذير،:بَسَّـــام ترى مو قاعدة امزح
تَجَاوزها لغُرفة نومهما مُعَقّباً ببرود،:و من قال إنّي قاعد امزح ؟!
لَحِقَته و صوتُها المُعْتَرِض يسبقها،:تراك زودتها..صار لك يومين تطلع من الصبح و ما ترجع إلا على الثنعش و حولها " أكْمَلت بلحنٍ مُبَطَّن و هو يُلْقيها ظَهْره وسط الغُرفة "لا يكون هذي حقيقتك..و المثالية اللي لعبتها علي بداية زواجنا انتهت ؟!
قابَلها و هو يَفتح أزرار قَميصه مُتسائلاً بابتسامة مائلة على مُنْحَدَر اسْتهزائه،:و انتِ شنو تتوقعين مَدام حَنين ؟ هذي حقيقتي فعلاً ؟
ارْتَفَعَ صَدْرها مُفْصِحة عن استنشاق عَميــق التَقَطَت بهِ جُزيئات الأكسجين أجْمع لتُهَدّأ من حَنَقِها..عادت لتَرْفَع سَبَّابتها أمام وجهه ناطِقةً من بين أسنانها و الزَّفرة قد ألْهَبَت حُروفها،:بسَّام..للمرة الألف اقول لك لا تكلمني بهالأسلوب
خَلَعَ قَميصه ثُمَّ ألقاه على السَرير بإهمال قبْلَ أن يَتَقدَّم منها مُتسائِلاً بعَدم فَهم،:أي أسلوب ؟!
ارْتَفَع صوتها و صَبْرُها الهَش هَوى بنفاذٍ الْتَمَستهُ حواسه الحافِظة أسرار شخصيتها العَوجاء،:بسَّــــام لا تجنني..أسلوبك التافه اللي قاعد تعاملني فيه من بعد ما عرفت بموضوع ملجتي "صَمَتَتَ لوَهْلة و حدقتاها تَتّسعان بصَدمة قبْل أن تُرْدِف بصوت أخْفَضَته الفِكرة التي اخْتَرَقت عَقلها" لا يكون قاعد تعاملني بهالأسلوب كعقاب لأني ما قلت لك من قبل ؟!
عُقْدة بانت بَين حاجبيه و رأسه مال بخفَّة مُسْتَنْكِراً،:انا ابي افهم شفيه أسلوبي اللي مو عاجبش ؟
تَجَاهلت سُؤاله و اتّساع حَدقتاها في ازدياد ناطِقةً بعدم تَصديق،:لا مو معقولة ! شهالتفاهة ! عشان تبيّن إنّك زعلان من الموضوع قمت تتعامل معاي بهالأسلوب الغبي !
زَفَر و هو يُشيح وجهه بمَلل،:رجعنا للأسلوب
عَلا صَوْتُها ليُعيد وجْههُ إليها و نَظَراته بدأ يَتَسَيَّدها جَليد لم تحترز من شظاياه،:ايــه لأنَّ أسلوبك التــافه هذا مو عاجبني "أشارت لنفسها و حاجباها يَستَجيبان لغُرورها المُنْفِر و هي تُكمِل باسْتنكار مَذهول" أنـا...أنـــا حنين تعاملني بهالمعاملة..ما تسأل و لا تهتم و لا كأني موجودة وياك في البيت ! عشان حضرة جنابك زعلان "أخْفَضتهما و عيناها كَساهما اسْتصغار طالَ خَيط رَجاحته و هُدوءه" اكتشفت إنَّ تفكيرك تفكير أطفـــااال !
كان رَدَّهُ قاسِياً لغُرورها الأرْعَن..هو الْتَقَط ذراعها المَكشوفة ضاغِطاً بقوَّة لم يُخَفّف منها إلا حينما عَبَرت مَسَامعه آه من حنجرتها المُكْتَظَّة بكلماتٍ تَمْرَق فُؤاده العابد أُنوثتها العَصِيَّة..نَطَق من بين أسْنانه مُتَقَلّداً بسِهام تَعرف الطَّريق جَيّداً للذي تَرفع رأسها عالياً فَخْراً به،:و انا اكتشفت إنش انسانة وقحة و ما عندها أي احترام لزوجها "هَزَّها يُريد أن يُوَّعيها مُواصِلاً و هو يَرى كيف تَخَبَّطت عدستاها بصَدمة من كلماته" انا زوجش يا ماما..زوجش مو وحده من صديقاتش عشان تكلميني بهالطريقة "عَضَّ شفته يُمَثّل خَطأه قَبْل أن يُواصِل بملامح مُرْتَخِية أتْقَن تَدثيرها بعباءة الشَّفَقة" اووه آســـف..نسيت إنّش أساساً ما عندش صديقات و السبب هالغرور اللي شوي و تغرقين منه
صَخْورٌ ذات نتوءات سامَّة شَعَرت بها تَهوى على صَدْرها مُهَشّمة أضلاعها..و شَعْبٌ من غَصَّات ها هُو يُباغت حَلْقَها..كلماته الناقِعة بالسُّخرية صَفَعتها..أحْرَقتها حتى أرْمَدتها و نَثَرتها هباءً سَحَقتهُ نظرات شَفَقته القاتِلة..ازْدَرَدت ريقها بصُعوبة قَبْل أن تفتح فَمَها باحِثة بتَيه عن حُروف تمزجها لتَرُد لهُ الصَّفعة..لكنَّ سَبَّابته ارْتفعت بالقُرب من فَمه هامِساً ببرود لَسَعَ قلْبَها مُثيراً جُنون نَبْضاتها،:و لا كلمة "أرْخاها على شفتيها اللتان أطْبَقتهما بضَعف مُرْدِفاً و عيناه تجلْدانها" واجد اليوم ارْتَفَع صوتش "مال رأسه مُتَّخِذاً الطَّريق ذاته الذي استعانت بهِ قبل دقائق و هو يُضيف" لا يكون الرّقة و النعومة كانت كلها تمثيل ؟!
حَرَّرها دون أن يَنتظر جَواب..فتَحليق سُرب الدُموع وَسط مُقْلتيها، تَنَشُّقاتها المُخْتَرِقة صَدرها..تَقَوُّس شَفتيها و ارْتعاش ذقنها الدَقيق أرْغَموه على التَراجُع..فهو خَشي أن يَضعف و يَجْتَذبها إليه..يُخَبّئها بين أَحْضانِه يُراضيها و يُداري خاطِرها الذي كَسَره..لكنَّه داسَ على نفسه و أصَمَّ أُذنيه عن صوت نَبْضاته ليَقول بصوت كَساهُ عَدم إهتمام،:اذا تبين تصيحين اطلعي برا..انا رجال قاعد من الصبح و تعبان مابي اصدّع راسي !



اليوم

الظَّلام يُحاصِرَهُ بوِحْشة أعادتهُ لسنينٍ عِجاف كانت قَحِطة من أهَلٍ و دفئٍ حَنون..سنين اغْتراب و فَقْدٌ تَباين في أوْجاعِه حتى بات كُل وَجَع يُنافس الآخر..و هو المُتَضَرّر الوَحيد،و بكُل ما للكلمة من مَعْنى وَحيد..،رأسُهُ مَدْفون أسْفَل وسادته هارباً من ذِكْرى أهانت الرُّجولة التي كان يَتَعَرَّف عليها للتو،رُجولة حَديثة لم يَشتد عَودها بَعْد،فالعُود انْكَسَر قَبْل أن يَرْفَع هامَتَه..كان يُحاول أن يَنْسَلِخ من رَجْفَة تلك الليلة،أن يَنْتَزِع الخَوف من نياط جَواه و الذي رُغْمَ انقطاعه إلا أنَّ مَسير الذّكرى لا زال يَعْبُره مُجَدّداً الألم..،بأصابعه المُرْتَعِشة يَشد على الوسادة من فوق رأسه و كأنَّه يُريد أن يُفَتت الأحْداث المُقَهْقِهة بخباثة تُثير قَهَرَاً لا يَتَفَجَّر،فهو يَحوم وَسَط الرّوح يَبْحَث عن بوَّابة عُبور لكنَّهُ يَصْطَدم بذَّات مُحَنَّطة تَحول بينه و بين العُبور..فيَخْمُد،و مع كُل انْخماد يَتَوَسَّع جرح رُجولته..،أغْمَضَ عَيْنيه بقوَّة آلَمَته يُريد بها مَحو الصور المُتَرَبّعة خلف أجْفانه،و هي تُعانده،تَعود و كل عَوْدة أقْسى من سابقتها،و هذه المَرَّة كانت العَوْدة مُذَيَّلة بصاحبة الابتسامة..مَلاك التي أعادهُ انْتهاك أُنُوثَتِها البَشِع لتلك الليلة التي وُئِدَت فيها أحلام رُجولته..،

،

رأسٌ يَغفو فوق نافِذة الأَمل..لا ! بل مقْصَلةُ الأمَل،يُناظِر من خلف قُضْبانٍ لم تُشْفِق عَليه فتَتَّسِع ليَهْرُب،من قُيودٍ أخْنَقَت روحه يَهْرب، ومن بُعْدٍ أحالهُ كائناً لا يَعْرف الشَّمس..فهل لا زالت الشَّمس تَزهو في الأُفق أم أنَّ ظُلمَ بني آدم أصْمَت إشْراقها ؟ كان على مَوْضعهِ الذي لا يُغَيّرهُ ليلاً و لا نهارا،مُسْتَنِداً للحائط المَنحوتة عليه جِراح ظهره المَفْتوحة،لم تُدواى و غارت بقَسْوة حتى تَبَلَّد من شُعور و لم يَعُد يتألَّم،فحَنْجَرَته قد باعت على مَسامع الزَّمن كل آهٍ سَكَنتها..،كانت الساعة تُشِير إلى الواحِدة و الرُّبع صَباحاً،الهُدوء تُرَفْرِف أشْرِعَته حَوْل المَكان و ما بين زنزانة و أُخرى يَقْبَعُ سُكون غَريب،أَشْبَه بالخواء الذي يَبْتَلع المَيادين بعد وَطيس حَرْب مُحْتَدِمة..و اثنان من الحُرَّاس يَطوفان المَجال أمام الزِنْزَانات جيئةً و ذَهاباً،يَعْبُران خرائط الدَم التي تراشقت من جُلودهم عُنْوة تحت أعْيُن الظُّلم المُدْقَع..و َقْع خُطواتهما الخَشنة اخْتَلَطَ مع صوْت ارْتطام قَطرات الماء المُتَسَرّبة من أحد الأنابيب،مُشَكّلين مَعاً جُمْلة موسيقية مُعْوَجة المفتاح..،عَيْناه لم يَحبْسَهُما إغْماضٍ يَنتشِلَهُ لعالمٍ من رؤيا تُهَدْهِده بين ذراعي أحْبَّاء فُقِدوا..تُرى ما هو حالُهم،و حالُ عَينا والدته ؟ أَبالدَّمعِ هي مُتَكِحَّلة ؟ و بغُبار الشَّوق مُخَضَّبة ؟ و تلك الجنان المُزْهِرة عُمْراً يَعْبُر بها لأُنوثة رَقيقة..كيف هُو حال أُخَوّتها المَفْقودة ؟عَلي و طُفولته و والده المُتَعاقِد مع زمنٍ "أحْياناً" يَرمي بهِ إليهم..كيف حالُهم من غَيري؟ أحْنت أهْدابه يَدُ تَلْويحها تُحَيّي بإذلال وُجُوهاً نال منها البُعْد حتى صَيَّرها وُجُودٌ سَرْمَدي..و من بين انحناءاتِها المُتَحَسّرة فَرَّت مثلَ طَيرِ مَسْجُون دَمْعَة لها الْتماعة وَهِنة يَكاد أن يَجْترعها التَّلاشي..خَطَت فَوق تَصَدُّعات ملامحه حتى تَشَرَّبتها شُعيرات لحيته المُلتَحِفة دماً جُفَّ و لم تَتَطهَّر من نجاسته..،
،:أتَمَنَّى لكَ حِراسة مُمتعة يا صَديقي
،:بالتأكيد ستكون مُمتعة
حَرَّكَ عَدَسَتيه ببطئٍ مَيّت مُلْتَفِتاً لصوتيهما التَّابِعة لهما ضِحكة مُتَشَدّقة تنْفرها الرُّوح النَقِيَّة..غادرَ أحَدَهُما و بَقيَ الآخر يُواصل خطواته و ما بين خُطوة و الأخرى يُلْقي نَظْرة على مُحَمَّد الغارق بين أمْواجٍ لها تَيَّار ضَعيف لا يَقدُر على حَمْله لوَطنه الأم..،دقيقتان و تَوَقَّفت الخُطوات أما باب الزنزانة المُحْكَم..تناول المفاتيح المُعَلَّقة عند جَيْبه و بهدوء حَشَر المفتاح في القُفل ليَكون جَسَده بعد ثوانٍ شَريكاً مع جَسَد مُحَمَّد وَسَطها..غَيرَ أنَّهُ حُر من قيود..و حُرٌ من اغْتراب..،تَسَاءَلَ بهَمْس بعد أن اسْتَقَرَّ على الأرض برُكْبتيه أمامه،:كيف حالك أيَّها الصَّغير
لم يَنْطَلق جَواب من بين شَفتي مُحَمَّد الذَّابلتين..هُو حتى لم يُحاول أن يُحَرّك عُنُقَه المُتَصَلّب ليُلقي عليه بنظرة احْتقار تُليق بمكانته الدَنيئة..هذا لو كانت لهُ مَكانة ! ذاكَ لم يَكتفِ..فيَدُهُ الشاهِدة يَوْمَ غَدٍ بما سَوَّلَ لها دَنَسُ نَفْسِه امْتَدَّت لذقن مُحَمَّد يُريد لوَجْهه مُقابلته،لكنَّ يَداه و رُغم قَيدهما نَفَرَتاها بحدَّة تراشقت من عينيه لترتفع منهُ ضِحكة بَلْهاء أعْقَبها بكلماتٍ تَمَرَّغت بوَحْلٍ من خَبَث،:لا تَكُن قاسياً أيَّها الصَّغير "أَخْفَضها ببطئٍ ماكِر مارَّاً بها على صدره المُتَدَثَّر بخرقة بالية و هو يُرْدِف بفحيحٍ نَتِن" لا تَخف سأكون لَطيفاً معك
أَنْهَى جُمْلَته بالتوالي مع إحكام قَبْضته على مُقَدّمة سروال مُحَمَّد الذي تَخَلَّى عن جُلُوسه المائل دافِراً يَدُ ذاك الهاوية مآرب قَذِرة بدأ عَقْله يَسْتوعبها..خَرَجَ صَوْتَهُ من قُعر حلقه المَسْقوم من البَحَّات،:ابْتَعد عني
ارْتَفَعَ حاجبه من نَظرة القوَّة المَهْزوزة التي أغْشَت عَيني هذا الأسيرالمُثير رَغبات نَفْسه المَريضة..لم يَكُن رَجُلاً سَويَّاً و هو يَعْلَمُ ذلك جَيَّدا..تَركَ زَوجته بعد إسْبوعان من الزواج فقط..فهو اكتَشَف أنَّها لا تُشْبِع رَغْبته بل الإناث جميعهن لا يُشْبِعن رغبته المُسْتَرِقة النَّظَرَ على أبْناء جِنْسِه..،دَفَعَهُ للحائط ناطِقاً بقُبْحٍ تَجَلَّى على ملامحه الكَريهة،:أعدُكَ أنَّنا سنستمتع
بروحٍ أُجْهِضَت منها القُدْرة..بذراعين كان للقَيْد كَلِمَتهُ عليهما..و بصَوْت خانتهُ حباله المَقْطوعة بخناجر الإعياء واجَهَهُ..تَصَدَّى لإجْرامه القَذِر و بُفتات قُوَّته حاول أن يَتَلَقَّف رُجُولته و يَنجو بها..أن يَحْضن سنوات عُمْرهُ التسعة عَشَر و يَحْفَظَها بين ضلعٍ و قَلْب،يَحميها من اعْتداءٍ كان السَّيف النَّاحِر آخِر وُجود لمُحَمَّد..مُحَمَّد الذي أصبح يَحْتَقِر ذَّاته،يَجْتَرِعها قَسْراً ثُمَّ يَبْصُقها يتَقَزّز مَرير..هُم أفْقَدوه سعادته..أحلامه و عائلته..و لم يَكتفوا..فهُم أهانوا رُجُولة لم يَكتمل نُضْجَها بين أزْقّة الإغتراب

،

يَذْكُر أنَّهُ بَكى لليالٍ ثَلاث..طِفْلٌ صَغير سُرِق منهُ وَطَنه و حالوا بينه و بين الإنْطواء وَسَط حُضنِ أم كانت آخر كلماتها لهُ دَعواتٍ صادقة بأن يأتيها و الشَّهادة وسامه..و أسَفاً أنَّهُ أتاهم و الجِراح وسامه..بعد أعوامٍ من فِراق كَهلت منهُ الأشواق و انْطَفَأت من انْتظاره الذّكريات المَحْمومة مَشاعر كان يَتَدَفَّأ بها اذا ما زارَهُ شتاء الوِحْدة الذي احْتَكَرهُ على الرَّغم من تَحليق هاينز المَرح فوق سَمائه المَبْنِيَّة بيدي الفَقْد..، صَوْت الهاتف تَدَاخَل مع نَحيب الذّكرى..اسْتَجاب لهُ مُبْعِداً الوسادة عن رأسه قبْلَ أن يَرْفَع جَسده ليَجْلُس باسْتنادٍ للسرير..تناوله من جانبه و هو الذي كان يُضيء وسط الظَّلام ليُجيب ببرود قاتل،:نعم عدنان
تَساءَل عدنان باستغراب،:محمد ليش للحين ما نزلت الكَراج ؟ باقي ساعة على أذان الظهر و إنت ما بَيَّنت !
يَدُهُ رَفيقة القَيْد فيما مَضى ارْتَفَعت تَمْسَحُ تَعَباً لا مَرئي عن وَجْهِه الجامد و هو يُجيب،:شوية إرهاق،ما نمت الا بعد ما طلعت الشمس
عَقَّبَ بتَفَهُم،:زيــن ارتاح،احنا بنستلم شغلك
أرْخَى كَفَّه على عُنُقِه و هو يَميل رأسه هامِساً،:تَمـام..يعطيك العافية
أنْهى الإتّصال ليُخْفِض الهاتف عن أُذّنه..راقَب بعَيني تَكْسوهما جِدية لا تَقْبَل المُناقَشة الرَّقم الذي حادثتهُ منه والدتها..حَفَظَهُ عند عَوْدته باسم"مَلاك" و إصْرار في داخله يَدْفَعهُ لخَوَض خطوته التالية..،









~ يتبع



اعتذر منكم جداً..كنت مقررة اخذ وقتي في كتابة الجزء هذا..بس للأسف نفسيتي صارت ضدي
و ما استفدت من الأيَّام..بالكاد قدرت اكتب هالفصل :/
الجزء باقي له أحداث و شخصيات بتظهر..مثل ما وعدتكم يكون شامل
ان شاء الله الفصل الثاني خلال اليوم الفجر أو باجر يكون عندكم..،
سامحوني على القصور :"(





،

simpleness 18-04-16 01:23 PM

رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبها (المشاركة 3605261)
موفقة يا simpleness


تسلمين حبيبتي أبْها،شُكراً لروحش النَقِيَّة
والله اني مفتشلة منكم..بس والله لولا الظروف اللي مريت فيها و اللي أَثَّرت على نفسيتي جان اللحين الجزء كامل عندكم..
من غير ما اضطَّر اقسمه لفصلين

لكن الحمد لله..يمكن تكون خيره نزوله على قسمين
ان شاء الله خلال اليوم و باجر يكون الفصل الثاني مَوجود


يعطيش العافية على التواجد الدائم


سلمتِ



،

simpleness 19-04-16 02:09 AM

رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

صَبـاح الخيـر يا أرواح الخير

الفصل الثاني للجزء التاسع و الثلاثين شوي و يكون عندكم
حبّيت إنّي أدرج الجزء بالكامل..الفصلين مع بعض يعني
اللي قرأ الفصل الأول أمس يقدر يتجاوزه و ينتقل للفصل الثاني
بس لأني ابي أرضي نَفسي بطريقة ما ^_^


الجزء دقايق و يكون عندكم




،

simpleness 19-04-16 02:15 AM

رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
 
بسم الله الرحمن الرحيم

تَوكلتُ على الله

الجزء التاسع و الثلاثون

الفصلان الأول و الثاني


،:نحن قد نُواجه عَقَبة تَقف سَيفاً مَسلولاً بيننا و بين المُتابعة..و هُنا يَظْهر الإختلاف،فذَّاتي غَيْر ذَّاتك..فقد تنحني ذَّاتي للسيف و تدعهُ ينتصر عليها،تستفرغ دماء قوَّتها لتبقى جَرْداء من وُجود،فقط رُوح تتنفس بإعياء..و في المُقابل ذَّاتك تَتَقلَّد ذلك السيف تُحاربهُ به،بحدَّته،طَعناته و أوْجاعه..تكسره بقوَّتها و شجاعة روحها و القَلبُ يتألم و لكن ألمٌ مُبْتسم..فهو يَرى النَّصْر يُرَفْرف عن قُرب حتى يمتزج معه..فيموت السيف و تنتصر الذَّات..،
اسْتدارت تُلقيهم ظَهرها بل تُشيح عن أَعْيُنَهم تَصَدُّعات البؤس التي طالت ملامحها..ازدَرَدت ريقها و قدماها تَخطوان للمكتب بثَباتٍ تناقض مع الارتعاشات القابضة على نَبَضاتها..مَرَّرت لسانها على شفتيها المَطليتين كالعادة ثُمَّ أكْمَلت و هي تَجْلُس على المَقْعَد برأس مُنْخَفِض و صَوْت تُعَلّيه الثِقة بِلَكْنة بريطانية تَحن لها ذاكرتها،:هكذا هي الحياة..تُواجهنا بأقسى ما تَمْلك و الضَّعيفُ منا يستسلم من الصَّفعة الأولى لتراشق حَجَرها..غير عالم أنَّ في بَطن هذه القَسوة يَقْبَع الرَخاء و السعادة تَطفو من بين تلاطمات أمواجها العاتية..و أسَفاً أن بعضاً من ضُعفاء الحياة باعوا ذَّواتهم لها ليصبحون عَبيداً ظانين بأنَّهم لو قَبَّلوا قَدميها لَرُبما تُزْهِر لهم..لا يَدرون أَنَّهم كُلَّما اسْتَصغروا أنفُسَهم و بَخسوا الذَّأت حَقَّها ضاعفت هي تَعذيبها للحد الذي يُفْقِدَهم تلك الذَّات المسكينة..،
ضَمَّت شَفتيها للداخل..اسْتَنْشَقَت نَفَساً لم يَكُن عَميقاً بالقَدْر الكافي لتزفر ضيقها..فرئتيها لا تزالان مَضْنيتان من بُكاء البارحة،فالشهقات قَد أحالتهما قِرْبة مَثْقوبة لا تحتفظ بالأنفاس..،أَراحت ذراعيها على المَكْتَب و هي تُشْبِك أصابعها..رَفَعَت رأسها لتبتسم بنعومة بعد أن أرْخَت شفتيها..تَساءلت و عيناها تَطوفان على وُجُوهِهم المُنْدَمِجة بانشداه..،:هل فعلاً يُمكن أن تُفْقَد الذَّات،و اذا كان الجواب نعم فما هي أسباب فَقْد الذَّات ؟ هذا هُو السُؤال الذي أُريد إجابته المُحاضرة القادمة"مال رسغها لتنظر للساعة و هي تُواصِل بالعَربية" اليوم محاضرتنا قصيرة "عادت لتنظر إليهم لتُرْدِف بحاجب مُرْتَفِع و الابتسامة لم تَبْرَح شفتيها" بترتاحون من هذرتي
عَقَّبوا بأصْوات مُتَفَرّقة عن إعْتراضهم على ما قالته،فمُحاضَرَتِها هي الأمْتَع و لطالما تَمنَّوا أن تَكون أطَول و لأكثر من ثلاثة أيَّام في الأسبوع..فهم يأتون هُنا من أجْل الظَّفْر بفائدة يُصْلِحون بها عُطْب ذَّواتهم..بلا دراية بأنَّ هذه التي تَحكي عن كَمال الذَّات فاقِدة لها..فالماضي قَد لاكَ ذَّاتها بين أنْيابه حتى بَصَقَها لحماً نَتِناً تقتات عليه ديدان الأرْض بلا رَحْمة..،



أرْهَقَني ذاكَ التَزَمُّت القابع بين عَيْنيك،و كأَنَّك الشَّخصُ الأذْكَى في هذا العالم،لقد سَئِمت من كِبرياء جَعَل من قَلْبي مَدَاساً له،يخلع نعليه يُنَفّض عَنْهُ غُبار الشَّوق ثم يَرْتَدِيه و يذْهَب..ببرود يَذْهب،دون أن يُطيل النَظَر لنَبْضٍ تَهاوى صَرِيعاً أسْفَل قَدَميه..،أَخْبرني،مُنْذُ مَتى صار قَهَري سُكَّراً تَتَلَذَّذ بهِ نَفْسُك المَغرورة؟أَنَسِيتَ يَداً مَرَّت على أَرْضِ كَتِفَيك تُناغي تَعَباً وليداً للحظة؟ تُهَدْهِدُه،تَجْمَع شَتاتَهُ برِقَّة،ثُمَّ تُلْقيه عن كاهلك،تُلْقيه دونَ اكْتِراث للألَم الذي أَسْبَغَهُ انْتشالها بين كَفَّي روحي..نعم روحي التي ظَنَّت أنَّكَ الوَطَن،و لم تَعْلَم أنَّ الوَطَن هُوَ أكْبَرُ خائِن،يَلِدُ الإنْسان ليُبْصِقُه شَريداً بين تَخَبّطات الحياة،كُنتَ وَطَناً،و كالأوطان كُنتَ خائِناً لماضٍ رَفَعَ عَلَمَكَ فَوْقَ قارِعة القَلْب..،أَخْبرني..هل نَسِيتَ خَمْراً ارْتَشَفَتْ منهُ شَفَتيك في ليالي السَّهر الوالِهة ؟ نَسِيتَ طَرفاً ناعِساً تَدَثَّرْتَ بأهْدابِهِ ذَّات ضيقٍ و كآبة ؟ أَنسيتَ كُل هذا ؟ ما أقساك من رَجُل يَرْفض الخُضوع لاعتذار امْرأة أخْطَأت بعد أن صَفَعتها الدُّنيا التي أسَفَاً أنَّك كُنْتُ وَريثها الأكْبَر..وَريث الجَلْدِ و نَحْت الجِراح..،كلماته شَوْكاً تَراشَقَ جهة قلْبُها قاصِداً نَبْضة بَلْهاء كانت تحتضن اسْمه..تَخافُ أن يَسْرُقَهُ منها الزَّمن كما سَرَقَ قُرْبه..،:تبيها من الآخر ؟ عشان لا تقول ألف و أدور وياك ؟! "صَمَت لوَهْلة يسمع الجَواب على الطَرَف الثاني ثَمَّ أكْمل ببرود قاتِل و سَيفهُ يُلَوّح لها بخبث" ايــه هَدفي اقهرها،احرق قلبها مثل ما حرقت قلبي مــ "يبدو أنَّ الطَرَف الآخر و الذي مُتَيَقّنة أنَّهُ سَلمان قاطعه ليُجيب بعد ثوانٍ بحدَّة اقْتَطَعت ما اتصل من أوْردة بقلبها" يكفي إني أشْفَقت عليها يوم جتني مثل المَجنونة تسأل عن بنتها اذا عايشة..ما تستاهل أعذرها أكثر
إلهي رُحماك..ضاقت أَنْفَاسُها و الكَفُّ غادرت لصَدْرها تُطَبْطِب بانقباض على انكسارات قَلْبه، الدَّمعُ قَدَ انْتَبَذّ في عينيها مِحْراباً يُقيم صلاة البُكاء،و الشَّفَتان مُطْبَقَتان من خُشُوعٍ تلاشت على إثْره الكلمات و حَلَّ الصَّمْتُ و لا غيره..صَمْتٌ تُباغتهُ الشَّهقات..،
واصَلَ حَرْبَ اغْتياله،:و ليش أظْلم ياسمين ؟ البنية تحبني و مافي شي ينقصها "أكْمَلَ بسُخرية اقْتَلَعت آخِر نَبْضة من أَرَض حُبّه" اصلاً كل اللي كان ينقص جنان لقيته فيها
تَراجعت و رياحه المُلَغَّمة تُفَجّرها،تُصَعّد أَنْفَاسَها بَراكين تُلْهبها..تَحْرِق دماءَها لترتفع نتانة تُسَمَّى في بلد الجِنان القَحِطة خُذْلان..خُذْلانٌ سُمِعَ لهُ دَوي وسط روحَها الفارِغة من وَعْدٍ تَلاشى صَداه..،أغْمَضَت عينيها النَّازِفَتان بألم و تَنَشُّقات مُتَقَطّعة ترتفع من صدرها و قَلْبُها يَهْمس بهَضيمة..سَامَحَكَ الله فَيصل..سامَحَك من شَهِدَ على كَمالي بين يديك..فأنا يُرافقني السُّهاد اذا ما زاركَ مَرَضٌ ناهِشاً طاقتك،أُوَسّدَكَ روحي ليلتحف جسدك بشرايين قلبي و أوْرِدته التي أظَلُّ أغْزُلَها طوال فَجْرٍ احْتَفَظَ في ذاكرته بملامح و َجهي القَلِقة عليك..كُنْتُ و أسَفاً أنّي لا زُلت أحْملك فوق سَحابة دُعائي،أرْفَعكَ للسَّماءِ عَسى أن يحفظك رَبّي..لطالما غَفَت يدي بين خُصْلاتك،أمْسَح بأناملي على تَعَبك..و أنا التي شارَكَتكَ دُموعي الفَرَح و عيناي تُبْصِران نَجاحاتك..كُنْتَ وَسْماً جَمَّلَ جَيْدي أَفْخَر بِكَ و كأنني من رَبَّيتك..فهل نَسَيْتَني و أنا اُم أُغْلِق عَليك وسط رَحْمَ مَحَبَّتي ؟ أسْقَيكَ شَهْدَ عِشْقٍ أَبَدي لم تُسَجَّل لهُ نهايات،و أُغَذّيك من قُوت ابتساماتي..هَمَساتي و قُبْلاتي المَنحوتة فوق جَبينَك..كُنْتُ لكَ كُل شيء إلا أنّي كُنْتُ في نَظَرِ كبْريائك جِنان..المَكْسورة بنُون النَّقص..،اسْتَدارت عائِدة من حَيْثُ أَتَتَ،بيدان تُخْفِيان قَوسَ الحُزن الرَّاسِمَتَهُ شَفَتيها..ارْتعاش ذقنها و الانْحِدار الذي تنتحر عنْدَهُ الدَّمْعات..عادت إلى مَكْتَبها لتُغْلِق على نَفْسها و تَبكي..تَبكي نَفْسَها و تنعاها،تَبكي حُبَّاً لم يُقَدَّر و ضاع ثَمَنَهُ بين مَوجٍ يتلاطم بكبْرياء..فكَيْفَ يُرْضَى كبرياء تَعَدَّى على قُدْسية الحُب ؟ انْتَحَبَت فَوق مَقْعَدِها و الجُدران من حَوْلِها تَجْتَرِع المَشْهَد لتَبيعه على الذّكرى التي أَقْسَمت أن تَرْفَع رايات الأسـى بعد أن تُنَكّس أعْلامَ السَّعادة..،تَحَرَّكت يديها قاصِدَتَان صَدْرَها.. و هُناك فَوْقَ الذي ارْتَدى السَّواد حِداداً على مَوْت حُب اسْتَقَرَّتا لتضغط بوَهْن هامِسةً و الرَّجاءُ لَحْنُها،:يــارب...يارب



أَيُّ ضيقٍ ذاك الذي يَنعى أسْفَلَ عَيْنَيْكِ ؟ بل أيُّ مَوتٍ ذاك الذي يُكَفّن وُجودكِ ؟ فأنا أراكِ بلا رُوح تُنازعين ما بين بَقاءٍ و تَحليق لسماء تَتَسّع للبُكاء المَسْجون حَوْلَ حَنْجَرتكِ..فالأرضُ ضَيّقة عَزيزتي، تَجْمَعنا في ثُقْب لا يَخْتَرقهُ ضَوء حياة ولا قَطْرة غَيث تَروي ذَّات عُطْشى..ضَيّقة للحد الذي يُسْتَعصى علينا الابتسام،فَنَحْنُ حينما نَبْتَسِم تُكَشّر هي عن أنيابها و تُعْلِن حَرْبها قاصِدة شفاهنا لتَنْزَع الإبتسامة و تَحْتَل ببؤسها قُلوبنا..ها أنا أراكِ كيف تَرْفُضين البَقاء بين بلاقعها الخاوية من سَعادة..هي أرْضٌ تعاقدت مع الأسَى و لا غَيْره،تجانَست مع الحُزن و لا سواه..و اليَوم ها هي تَضَع كَفّها وَسَط كَف الذَّبح النَّاهِب أُنوثتكِ المُغْتَصَبة..،اسْتَيْقَظَ صَباحاً ليَصْطَدِم بَصَرهُ الغائب خَلف أسْوار النُعاس بعَشَرات الاتصالات من والدته..حادَثها على عَجَل و هو لا يَزال يَسْكُن سَريره يَسْتَشْعر ما غَفى بين طَيّاته من دِفئ..و بصَوْتٍ تَزُفَّهُ الانْكِسارات أتاهُ جَوابها مَسْبِيَّاً بقوافل الشَّهَقات،:إخْتك ضاعت يُوسـف..مَلاك ضاعت يا ولدي..ضاعـ ـت
ذلك الضَّياعُ الذي راَفَقَ مَسيرَ كلماتها تَسَاقطَ جَليداً جَمَّدَ أطْرافه..هُو حتى لم يَسْتَطِع أن يُحَرّك لسانه ليَنْطُق سُؤالاً يُنَبّش بهِ عن ماهية هذا الضَّياع ! لا يدرِ كيف غادَرَ السَّرير ليُغْرِقَ وَجْهه بمياه أرَادها أن تُوْزِع عَليه صَحْوة تُعينه على لُقْيا والدته و تلك التي ضاعت..ارْتَدى ملابسه على عَجل دو أن يُلاحظ ألْوانها أو إذا كانت مَقْلوبة،فجُلَّ وَعيه كان يَسْتَرْجِع تلك النَّبرة المَخْنُوقة و الكَلمات الغارِقة بالحَسْرة..هُوَ حتى لم يَنتبه لحُور التي لَحِقَته بعد أن شَهِدَت على غِياب ملامحه خلف أطنانٍ من جَليد وَخَزَ قلْبَها تَوَجُّساً..،ها هو يَقِف أمام من وُضِعَت أمانة أسْفَل جَناحيه..من عُقِدَت روحها المَحْرومة برُوحه المَذْبوحة..تِلك الصَّغيرة التي شَوَّهَت طُفولتها دماء أغْشَت وَجْه من غَفَت بين أحْضانه لسنواتٍ مَعدْودات..دماء ما إن أبْصَرَتها حتى كان للبُكاء أُغْنيته مَشْروخة الناي،و الصُّراخ لحْنٌ كان زَعِيقَهُ يَعزْف على أوْتار رُعْب نَهَشَ وعْيَها،تلك الليلة سَقَطَت و اليُتْم فُستانها المُلَطَّخ بغُرْبة..و اليوم كان السُّقوط مَوْتٌ مُحْتَم لا طَريق عَوْدة له..،خَطَى و عيناه تَتَسَلَّقان سُورها المُحَطَّم المَحشَور في الزَّاوِية،اقْتَرب مُبْصِراً انْكماشَها المُرْتَعِش..الذُّعر المُحَلَّق فوق قارعة وَجْهها المَلطوم،المَسفوكة نُعومته..اقْتَرَب و نَبْضُهُ يَكاد يَفُر من بين أضْلاعه مُعْلِناً عن صَرْخة رَجُل مَقهور،و للزَمَنِ مَواقفه ليَحكيها عن رِجال ماتوا قَهراً..،كانت تَجْلس في الزاوية،بالقُرب من النَّافذة التي غَفَت فوق زُجاجها بَصمات أصابعها الباحِثة عن شَجَرة منزلهم القَديم،المَهجور قِسْراً..تَحْتَضن ساقيها لصَدْرها لا يدرِ هل كانت تُحيط نَفسها بأمان أم أنَّها تُخفي عن أعْيُن الوَقت نَوح قَلْبها..جَلَس أمامها و عيناها المُغَيَّبتان تُسْرَد منهما حكايات وِحْدة و مَوْت خَلاص..ناداها و صَوْتُهُ المَبحوح يُعَزّيه فَقْد شَقيقته،:مـــلاك
غَيْرُ الأنَين لم يَرْتَفع و سَيْلُ الدَمعات لم يُوقِف عُبوره بَوَّابتيها الجاحظتين و كأنَّ المَشهد يُعاد أمامها بوَحْشية تَتَضاعف كُلَّما بَقِيَت روحها حَيَّة تتنفس هواء اجْتَرَع انتهاك أنوثتها..ناداها من جَديد و دَمْعٌ مَرير تَعَدَّى على رُجولته سَكَنَ عَيْنيه،:مــــلاك
رَفَعَ يَدَهُ المُرْتَجِفة ليَحُط بِها على أرْضِ خَدّها المَبْلولة،و هي ما أنَّ أحَسَّت بمَلْمَسٍ غَريب يَعْتَدي على حُصُونها حتى فاضت من صَدْرها شَهْقة نَثَرت قَشْعَريرة هَوْجاء عَبَرت خلاياها..دَبَّ الرُّعب في نَفْسِها و تلْقائياً بَعَثَت خلاياها إشارات الدّفاع لعقلَها المَسْجون خلف قُضبان الحادثة الشَّنعاء،نَفَرت يَدَهُ عن خَدَّها بفَزَع و بالتوالي بَدأت تدفعهُ عنها و صَرْخة مَشْروخة الصَّوت غادرت حَلْقَها،:يُمَّــــــ ـه
اتَّسَعَت حدقتاه و هو يَراها كيف تَتَعَفَّر بلا وَعي و النَّجْدَة لسانها..حاول أن يَتَلَقَّف هَلَعها،أن يَنْثِر عليها من ذَّاته سُكُوناً مَهزوزاً لرُبَّما يَهَدّأ من رَوْعِها..لكن كان ليَدِها المُكَبَّلة بصَدْمة الموقَف الجَواب..فهي لم تُتيح لإهتراء يديه أن تُمْسِكانها..و صُراخها بدأ يُخالِطَهُ نَحيبٌ ظَنَّ أنَّ "يُمَّـــه" تلك لن تأتي مُجَدَّدَاً،و أنَّ الذّئب سَيَقْتَلِع زُهورها بأنيابه السامَّة ليُصَيّرَها يَباباً مَسْلوب الرّداء..رِداء العفَّة الذي أَحاكَت من خُيوط سَواد الليل بَديلاً عنه بعد أن قُدَّ بيدين لم يَمْسَسْهُما ماءٌ يُطَهّر الجَسد لمُقابلة الله،يَدين لهما بَصَمات شيطان و خُطوط إجْرام تَهْوى الذَّبْح..،رائِحة تَحْمِل دِفْئاً حَماها لثمانية و عُشْرون عاماً شَعرت بها تحتويها،و هَمْسٌ تعاضَدَ مع مَسْحِ حَنون عَبَر مَسْمَعها المُتَشَرّب هَمْسٌ آسـِن أصَمَّها بكلماتٍ قَذِرة تَلَثَّمَت بشهوانية مُقْرِفة..،تَمَسَّكَت بها و فَجْر الشُّؤم يَتَلَصَّص عليها من باب ذاكرتها،تُخَبّئ وَجْهَ طُفولتها..مُراهقتها و شَبابها بين حَنايا صَدْرٍ كان يَتَأوّهَ بوَجَع،بَكَت و البُكاء يُعْلِن احْتلاله أرْضَها اللا"عَذْراء"،بَكَت و العَيْنُ إبْيَضَّت من سَعاداتٍ أبَت أن تَسْكن روحها..نادَتَها و الرَّجاءُ يسُوق كلماتها المُرْتَعِشة،:يُمَّــ..يُمَّـ ـه ..لا تخلينـي يُمَّـه
شَدَّت عليها بذراعين أوْهَنَهُما تَساقُط وريقات صَغيرتها التي لم تَتَفَرَّع أغْصانَها بعد،بل لَن مُؤكّدة ها هي تُلَوّح لهما عن قُرب..نَطَقَت بوَجْسٍ تَمَنَّى لو كان حاضِراً ساعة الذَّبح العَظيم،:انا اهني يُمَّــه،اهني...ما بخليش يا عُمري



الليلة الماضية

اليَومُ انْقَضى و الشَّمسُ قد غابت نَعِسة مُكَلّفَةً القَمَر بمُهِمَة تَسيير هذا الكَوْن الفَسيح..و الذي على قدر اتّساعه كانت تَشْعُر بهِ يَضيق حَوْل عُنُقِها بحبال قَهَر وَهْمِيَّة أَخْنَقَتها..،حيناً تَجْلُس على الأريكة تُمارس اهْتزازاً بساقيها على الأرْضية الخَشبية..و حيناً تَقْطَع غُرْفَة الجُلوس تَحْفُر بصمات أصابع قدميها المُلْتَحفة بجورابٍ قَصير بياضه تناقض مع السَّواد الحائم فوق رأسِها..أظافرها المسكينة وَقَعت أسيرة بين قُضْبان أسنانها المُتَوَتّرة..تقضمها بحَنَق ثُمَّ تَعضُّ على أصابعها بقلَّة حيلة قَبْل َ أن يَرْتَفع من حَنْجَرَتِها صَوْتٌ غَليظ تَتَضّح تَصَدُّعاته بين طَيَّات ملامحها المُنْتَشِية قَهراً..و أخيراً تُلْقي بجَسَدِها على الأريكة التي يَتَلَقَّف قماشها الناعم جلدها الرَّقيق دون أن يُسَبّب لهُ خُدوش..،هي كَرَّرت الدَوْرة هذه سبع مَرَّات خلال خَمس دقائق،فالسَّاعة انتقلت من الرُّبع إلى الثُّلث فقط..،زَفَرة مُرْهَقة عَبَرَت الفُوَّهة الصغيرة المُتَوَسّطة شفتيها..رأسَها تَحَرَّكَ جانباً و هي على اسْتلقائِها المائِل ليَلْتَقِط بَصَرَها هاتفها الغافي على وجهه..تناولتهُ بكَسَل و بحاجبين تُقَرّبهما عُقْدة..ضَغَطَّت الزر أسْفَل الشاشة ليَميل فَمَها بازْدراء بعد لحظات قبْل أن تَهْمس من بين أسنانها،:ما عليه،ما عليه احقرني..احقرني لكن بتشووف
رَمَت الهاتف المَسْكين مُجَدَّدَاً ثُم جَذَبت جسدها بقوَّة غاضِبة مُعيدةً دورتها للمرة الثامِنة..و مع انْحشِار طَرف سَبَّابتها بين أسنانها فُتِحَ الباب و بان وَجْهُه الذي انتَظَرته لخمسة عَشَر ساعة كانت بطول أعْوام..،أَغَلَقَ الباب ثُمَّ تَجاوزَ المَمَرّ الواصل بينه و بين غُرْفة الجُلُوس..سَلَّم بهمس عندما التقت نظراتهما لتَرُد هي التَحِيَّة بصَوْت مَسْموع كان لَحْنُه سُخْرِية أرْفَعَت حاجبه،:و عليكم السلام يا باش مهندس "أشارت للساعة المُعَلَّقة و هي تُرْدِف" لااا جان انتظرتها تصير وحدة و بعدين رجعت !
التَقَطت أسنانه طرف شَفته السُفلى يُخْفي ابْتسامة و هو يَقْترب منها و يداه تتلقفان مفاتيحه ليَنْطُق بعد أن وَقَفَ أمامها،:والله كنت بقعد ويا الشباب لين الوحدة بس صراحة كسرتين خاطري..تركتش من الصبح ما يصير بعد اطوّل أكثر
اسْتَقَرَّت بيدها على خصرها مُعَقّبة بذات السُخرية و عيناها تُرْسِلان لهُ شَرَارات أحْرَقَت سُتر ابتسامته،:ماشاء الله عليــك حَنوون !
هَزَّ رأسه يُجاريها،:شفتين شلون ..ماشاء الله علي !
اسْتَقامت في وُقوفها و عُقْدَتِها عادت لتسكن ما بين حاجبيها ناطقةً و سَبَّابتها ترتفع بتَحذير،:بَسَّـــام ترى مو قاعدة امزح
تَجَاوزها لغُرفة نومهما مُعَقّباً ببرود،:و من قال إنّي قاعد امزح ؟!
لَحِقَته و صوتُها المُعْتَرِض يسبقها،:تراك زودتها..صار لك يومين تطلع من الصبح و ما ترجع إلا على الثنعش و حولها " أكْمَلت بلحنٍ مُبَطَّن و هو يُلْقيها ظَهْره وسط الغُرفة "لا يكون هذي حقيقتك..و المثالية اللي لعبتها علي بداية زواجنا انتهت ؟!
قابَلها و هو يَفتح أزرار قَميصه مُتسائلاً بابتسامة مائلة على مُنْحَدَر اسْتهزائه،:و انتِ شنو تتوقعين مَدام حَنين ؟ هذي حقيقتي فعلاً ؟
ارْتَفَعَ صَدْرها مُفْصِحة عن استنشاق عَميــق التَقَطَت بهِ جُزيئات الأكسجين أجْمع لتُهَدّأ من حَنَقِها..عادت لتَرْفَع سَبَّابتها أمام وجهه ناطِقةً من بين أسنانها و الزَّفرة قد ألْهَبَت حُروفها،:بسَّام..للمرة الألف اقول لك لا تكلمني بهالأسلوب
خَلَعَ قَميصه ثُمَّ ألقاه على السَرير بإهمال قبْلَ أن يَتَقدَّم منها مُتسائِلاً بعَدم فَهم،:أي أسلوب ؟!
ارْتَفَع صوتها و صَبْرُها الهَش هَوى بنفاذٍ الْتَمَستهُ حواسه الحافِظة أسرار شخصيتها العَوجاء،:بسَّــــام لا تجنني..أسلوبك التافه اللي قاعد تعاملني فيه من بعد ما عرفت بموضوع ملجتي "صَمَتَتَ لوَهْلة و حدقتاها تَتّسعان بصَدمة قبْل أن تُرْدِف بصوت أخْفَضَته الفِكرة التي اخْتَرَقت عَقلها" لا يكون قاعد تعاملني بهالأسلوب كعقاب لأني ما قلت لك من قبل ؟!
عُقْدة بانت بَين حاجبيه و رأسه مال بخفَّة مُسْتَنْكِراً،:انا ابي افهم شفيه أسلوبي اللي مو عاجبش ؟
تَجَاهلت سُؤاله و اتّساع حَدقتاها في ازدياد ناطِقةً بعدم تَصديق،:لا مو معقولة ! شهالتفاهة ! عشان تبيّن إنّك زعلان من الموضوع قمت تتعامل معاي بهالأسلوب الغبي !
زَفَر و هو يُشيح وجهه بمَلل،:رجعنا للأسلوب
عَلا صَوْتُها ليُعيد وجْههُ إليها و نَظَراته بدأ يَتَسَيَّدها جَليد لم تحترز من شظاياه،:ايــه لأنَّ أسلوبك التــافه هذا مو عاجبني "أشارت لنفسها و حاجباها يَستَجيبان لغُرورها المُنْفِر و هي تُكمِل باسْتنكار مَذهول" أنـا...أنـــا حنين تعاملني بهالمعاملة..ما تسأل و لا تهتم و لا كأني موجودة وياك في البيت ! عشان حضرة جنابك زعلان "أخْفَضتهما و عيناها كَساهما اسْتصغار طالَ خَيط رَجاحته و هُدوءه" اكتشفت إنَّ تفكيرك تفكير أطفـــااال !
كان رَدَّهُ قاسِياً لغُرورها الأرْعَن..هو الْتَقَط ذراعها المَكشوفة ضاغِطاً بقوَّة لم يُخَفّف منها إلا حينما عَبَرت مَسَامعه آه من حنجرتها المُكْتَظَّة بكلماتٍ تَمْرَق فُؤاده العابد أُنوثتها العَصِيَّة..نَطَق من بين أسْنانه مُتَقَلّداً بسِهام تَعرف الطَّريق جَيّداً للذي تَرفع رأسها عالياً فَخْراً به،:و انا اكتشفت إنش انسانة وقحة و ما عندها أي احترام لزوجها "هَزَّها يُريد أن يُوَّعيها مُواصِلاً و هو يَرى كيف تَخَبَّطت عدستاها بصَدمة من كلماته" انا زوجش يا ماما..زوجش مو وحده من صديقاتش عشان تكلميني بهالطريقة "عَضَّ شفته يُمَثّل خَطأه قَبْل أن يُواصِل بملامح مُرْتَخِية أتْقَن تَدثيرها بعباءة الشَّفَقة" اووه آســـف..نسيت إنّش أساساً ما عندش صديقات و السبب هالغرور اللي شوي و تغرقين منه
صَخْورٌ ذات نتوءات سامَّة شَعَرت بها تَهوى على صَدْرها مُهَشّمة أضلاعها..و شَعْبٌ من غَصَّات ها هُو يُباغت حَلْقَها..كلماته الناقِعة بالسُّخرية صَفَعتها..أحْرَقتها حتى أرْمَدتها و نَثَرتها هباءً سَحَقتهُ نظرات شَفَقته القاتِلة..ازْدَرَدت ريقها بصُعوبة قَبْل أن تفتح فَمَها باحِثة بتَيه عن حُروف تمزجها لتَرُد لهُ الصَّفعة..لكنَّ سَبَّابته ارْتفعت بالقُرب من فَمه هامِساً ببرود لَسَعَ قلْبَها مُثيراً جُنون نَبْضاتها،:و لا كلمة "أرْخاها على شفتيها اللتان أطْبَقتهما بضَعف مُرْدِفاً و عيناه تجلْدانها" واجد اليوم ارْتَفَع صوتش "مال رأسه مُتَّخِذاً الطَّريق ذاته الذي استعانت بهِ قبل دقائق و هو يُضيف" لا يكون الرّقة و النعومة كانت كلها تمثيل ؟!
حَرَّرها دون أن يَنتظر جَواب..فتَحليق سُرب الدُموع وَسط مُقْلتيها، تَنَشُّقاتها المُخْتَرِقة صَدرها..تَقَوُّس شَفتيها و ارْتعاش ذقنها الدَقيق أرْغَموه على التَراجُع..فهو خَشي أن يَضعف و يَجْتَذبها إليه..يُخَبّئها بين أَحْضانِه يُراضيها و يُداري خاطِرها الذي كَسَره..لكنَّه داسَ على نفسه و أصَمَّ أُذنيه عن صوت نَبْضاته ليَقول بصوت كَساهُ عَدم إهتمام،:اذا تبين تصيحين اطلعي برا..انا رجال قاعد من الصبح و تعبان مابي اصدّع راسي !



اليوم

الظَّلام يُحاصِرَهُ بوِحْشة أعادتهُ لسنينٍ عِجاف كانت قَحِطة من أهَلٍ و دفئٍ حَنون..سنين اغْتراب و فَقْدٌ تَباين في أوْجاعِه حتى بات كُل وَجَع يُنافس الآخر..و هو المُتَضَرّر الوَحيد،و بكُل ما للكلمة من مَعْنى وَحيد..،رأسُهُ مَدْفون أسْفَل وسادته هارباً من ذِكْرى أهانت الرُّجولة التي كان يَتَعَرَّف عليها للتو،رُجولة حَديثة لم يَشتد عَودها بَعْد،فالعُود انْكَسَر قَبْل أن يَرْفَع هامَتَه..كان يُحاول أن يَنْسَلِخ من رَجْفَة تلك الليلة،أن يَنْتَزِع الخَوف من نياط جَواه و الذي رُغْمَ انقطاعه إلا أنَّ مَسير الذّكرى لا زال يَعْبُره مُجَدّداً الألم..،بأصابعه المُرْتَعِشة يَشد على الوسادة من فوق رأسه و كأنَّه يُريد أن يُفَتت الأحْداث المُقَهْقِهة بخباثة تُثير قَهَرَاً لا يَتَفَجَّر،فهو يَحوم وَسَط الرّوح يَبْحَث عن بوَّابة عُبور لكنَّهُ يَصْطَدم بذَّات مُحَنَّطة تَحول بينه و بين العُبور..فيَخْمُد،و مع كُل انْخماد يَتَوَسَّع جرح رُجولته..،أغْمَضَ عَيْنيه بقوَّة آلَمَته يُريد بها مَحو الصور المُتَرَبّعة خلف أجْفانه،و هي تُعانده،تَعود و كل عَوْدة أقْسى من سابقتها،و هذه المَرَّة كانت العَوْدة مُذَيَّلة بصاحبة الابتسامة..مَلاك التي أعادهُ انْتهاك أُنُوثَتِها البَشِع لتلك الليلة التي وُئِدَت فيها أحلام رُجولته..،

،

رأسٌ يَغفو فوق نافِذة الأَمل..لا ! بل مقْصَلةُ الأمَل،يُناظِر من خلف قُضْبانٍ لم تُشْفِق عَليه فتَتَّسِع ليَهْرُب،من قُيودٍ أخْنَقَت روحه يَهْرب، ومن بُعْدٍ أحالهُ كائناً لا يَعْرف الشَّمس..فهل لا زالت الشَّمس تَزهو في الأُفق أم أنَّ ظُلمَ بني آدم أصْمَت إشْراقها ؟ كان على مَوْضعهِ الذي لا يُغَيّرهُ ليلاً و لا نهارا،مُسْتَنِداً للحائط المَنحوتة عليه جِراح ظهره المَفْتوحة،لم تُدواى و غارت بقَسْوة حتى تَبَلَّد من شُعور و لم يَعُد يتألَّم،فحَنْجَرَته قد باعت على مَسامع الزَّمن كل آهٍ سَكَنتها..،كانت الساعة تُشِير إلى الواحِدة و الرُّبع صَباحاً،الهُدوء تُرَفْرِف أشْرِعَته حَوْل المَكان و ما بين زنزانة و أُخرى يَقْبَعُ سُكون غَريب،أَشْبَه بالخواء الذي يَبْتَلع المَيادين بعد وَطيس حَرْب مُحْتَدِمة..و اثنان من الحُرَّاس يَطوفان المَجال أمام الزِنْزَانات جيئةً و ذَهاباً،يَعْبُران خرائط الدَم التي تراشقت من جُلودهم عُنْوة تحت أعْيُن الظُّلم المُدْقَع..و َقْع خُطواتهما الخَشنة اخْتَلَطَ مع صوْت ارْتطام قَطرات الماء المُتَسَرّبة من أحد الأنابيب،مُشَكّلين مَعاً جُمْلة موسيقية مُعْوَجة المفتاح..،عَيْناه لم يَحبْسَهُما إغْماضٍ يَنتشِلَهُ لعالمٍ من رؤيا تُهَدْهِده بين ذراعي أحْبَّاء فُقِدوا..تُرى ما هو حالُهم،و حالُ عَينا والدته ؟ أَبالدَّمعِ هي مُتَكِحَّلة ؟ و بغُبار الشَّوق مُخَضَّبة ؟ و تلك الجنان المُزْهِرة عُمْراً يَعْبُر بها لأُنوثة رَقيقة..كيف هُو حال أُخَوّتها المَفْقودة ؟عَلي و طُفولته و والده المُتَعاقِد مع زمنٍ "أحْياناً" يَرمي بهِ إليهم..كيف حالُهم من غَيري؟ أحْنت أهْدابه يَدُ تَلْويحها تُحَيّي بإذلال وُجُوهاً نال منها البُعْد حتى صَيَّرها وُجُودٌ سَرْمَدي..و من بين انحناءاتِها المُتَحَسّرة فَرَّت مثلَ طَيرِ مَسْجُون دَمْعَة لها الْتماعة وَهِنة يَكاد أن يَجْترعها التَّلاشي..خَطَت فَوق تَصَدُّعات ملامحه حتى تَشَرَّبتها شُعيرات لحيته المُلتَحِفة دماً جُفَّ و لم تَتَطهَّر من نجاسته..،
،:أتَمَنَّى لكَ حِراسة مُمتعة يا صَديقي
،:بالتأكيد ستكون مُمتعة
حَرَّكَ عَدَسَتيه ببطئٍ مَيّت مُلْتَفِتاً لصوتيهما التَّابِعة لهما ضِحكة مُتَشَدّقة تنْفرها الرُّوح النَقِيَّة..غادرَ أحَدَهُما و بَقيَ الآخر يُواصل خطواته و ما بين خُطوة و الأخرى يُلْقي نَظْرة على مُحَمَّد الغارق بين أمْواجٍ لها تَيَّار ضَعيف لا يَقدُر على حَمْله لوَطنه الأم..،دقيقتان و تَوَقَّفت الخُطوات أما باب الزنزانة المُحْكَم..تناول المفاتيح المُعَلَّقة عند جَيْبه و بهدوء حَشَر المفتاح في القُفل ليَكون جَسَده بعد ثوانٍ شَريكاً مع جَسَد مُحَمَّد وَسَطها..غَيرَ أنَّهُ حُر من قيود..و حُرٌ من اغْتراب..،تَسَاءَلَ بهَمْس بعد أن اسْتَقَرَّ على الأرض برُكْبتيه أمامه،:كيف حالك أيَّها الصَّغير
لم يَنْطَلق جَواب من بين شَفتي مُحَمَّد الذَّابلتين..هُو حتى لم يُحاول أن يُحَرّك عُنُقَه المُتَصَلّب ليُلقي عليه بنظرة احْتقار تُليق بمكانته الدَنيئة..هذا لو كانت لهُ مَكانة ! ذاكَ لم يَكتفِ..فيَدُهُ الشاهِدة يَوْمَ غَدٍ بما سَوَّلَ لها دَنَسُ نَفْسِه امْتَدَّت لذقن مُحَمَّد يُريد لوَجْهه مُقابلته،لكنَّ يَداه و رُغم قَيدهما نَفَرَتاها بحدَّة تراشقت من عينيه لترتفع منهُ ضِحكة بَلْهاء أعْقَبها بكلماتٍ تَمَرَّغت بوَحْلٍ من خَبَث،:لا تَكُن قاسياً أيَّها الصَّغير "أَخْفَضها ببطئٍ ماكِر مارَّاً بها على صدره المُتَدَثَّر بخرقة بالية و هو يُرْدِف بفحيحٍ نَتِن" لا تَخف سأكون لَطيفاً معك
أَنْهَى جُمْلَته بالتوالي مع إحكام قَبْضته على مُقَدّمة سروال مُحَمَّد الذي تَخَلَّى عن جُلُوسه المائل دافِراً يَدُ ذاك الهاوية مآرب قَذِرة بدأ عَقْله يَسْتوعبها..خَرَجَ صَوْتَهُ من قُعر حلقه المَسْقوم من البَحَّات،:ابْتَعد عني
ارْتَفَعَ حاجبه من نَظرة القوَّة المَهْزوزة التي أغْشَت عَيني هذا الأسيرالمُثير رَغبات نَفْسه المَريضة..لم يَكُن رَجُلاً سَويَّاً و هو يَعْلَمُ ذلك جَيَّدا..تَركَ زَوجته بعد إسْبوعان من الزواج فقط..فهو اكتَشَف أنَّها لا تُشْبِع رَغْبته بل الإناث جميعهن لا يُشْبِعن رغبته المُسْتَرِقة النَّظَرَ على أبْناء جِنْسِه..،دَفَعَهُ للحائط ناطِقاً بقُبْحٍ تَجَلَّى على ملامحه الكَريهة،:أعدُكَ أنَّنا سنستمتع
بروحٍ أُجْهِضَت منها القُدْرة..بذراعين كان للقَيْد كَلِمَتهُ عليهما..و بصَوْت خانتهُ حباله المَقْطوعة بخناجر الإعياء واجَهَهُ..تَصَدَّى لإجْرامه القَذِر و بُفتات قُوَّته حاول أن يَتَلَقَّف رُجُولته و يَنجو بها..أن يَحْضن سنوات عُمْرهُ التسعة عَشَر و يَحْفَظَها بين ضلعٍ و قَلْب،يَحميها من اعْتداءٍ كان السَّيف النَّاحِر آخِر وُجود لمُحَمَّد..مُحَمَّد الذي أصبح يَحْتَقِر ذَّاته،يَجْتَرِعها قَسْراً ثُمَّ يَبْصُقها يتَقَزّز مَرير..هُم أفْقَدوه سعادته..أحلامه و عائلته..و لم يَكتفوا..فهُم أهانوا رُجُولة لم يَكتمل نُضْجَها بين أزْقّة الإغتراب



يَذْكُر أنَّهُ بَكى لليالٍ ثَلاث..طِفْلٌ صَغير سُرِق منهُ وَطَنه و حالوا بينه و بين الإنْطواء وَسَط حُضنِ أم كانت آخر كلماتها لهُ دَعواتٍ صادقة بأن يأتيها و الشَّهادة وسامه..و أسَفاً أنَّهُ أتاهم و الجِراح وسامه..بعد أعوامٍ من فِراق كَهلت منهُ الأشواق و انْطَفَأت من انْتظاره الذّكريات المَحْمومة مَشاعر كان يَتَدَفَّأ بها اذا ما زارَهُ شتاء الوِحْدة الذي احْتَكَرهُ على الرَّغم من تَحليق هاينز المَرح فوق سَمائه المَبْنِيَّة بيدي الفَقْد..، صَوْت الهاتف تَدَاخَل مع نَحيب الذّكرى..اسْتَجاب لهُ مُبْعِداً الوسادة عن رأسه قبْلَ أن يَرْفَع جَسده ليَجْلُس باسْتنادٍ للسرير..تناوله من جانبه و هو الذي كان يُضيء وسط الظَّلام ليُجيب ببرود قاتل،:نعم عدنان
تَساءَل عدنان باستغراب،:محمد ليش للحين ما نزلت الكَراج ؟ باقي ساعة على أذان الظهر و إنت ما بَيَّنت !
يَدُهُ رَفيقة القَيْد فيما مَضى ارْتَفَعت تَمْسَحُ تَعَباً لا مَرئي عن وَجْهِه الجامد و هو يُجيب،:شوية إرهاق،ما نمت الا بعد ما طلعت الشمس
عَقَّبَ بتَفَهُم،:زيــن ارتاح،احنا بنستلم شغلك
أرْخَى كَفَّه على عُنُقِه و هو يَميل رأسه هامِساً،:تَمـام..يعطيك العافية
أنْهى الإتّصال ليُخْفِض الهاتف عن أُذّنه..راقَب بعَيني تَكْسوهما جِدية لا تَقْبَل المُناقَشة الرَّقم الذي حادثتهُ منه والدتها..حَفَظَهُ عند عَوْدته باسم"مَلاك" و إصْرار في داخله يَدْفَعهُ لخَوَض خطوته التالية..،





يتبع

simpleness 19-04-16 02:26 AM

رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
 

ماضٍ

اسْتَنشَقَت العَبير المُتَصَاعِد من زُهور اليَاسمين التي نَسَّقتها بعناية خالَطَها حُب في الإناء الزُجاجي المُسْتَقِر فَوق المِنْضَدة الجانبية للسرير..لامست بأطراف أناملها البتلّات الرَّقيقة المُرْتَدِية بَياض نَقِي يَمْلُك مَفاتيح قَلْبها..يُطَهّره من ضيقٍ أو كآبة قد يُباغتانِه..الْتَفَتت لليسار ليَحْتَضِن بَصَرُها وَجْهَها المُسْتَكين بملائكية فَريدة..هي مَلاكها الجَميل مُذ كان جَسَدَها يَتَّسِع لحُضنَها السَماوي..أحَبَّت الياسمين بسببها،و هي تَقْتَنيه من أجْلِها،من أجْلِ أن تَرى الإبتسامة تُعانق ملامحها المُفْتَقِدة لماء حَياة..،تَراجعت للخلف قاصِدةً النَّافِذة لتُشَرّع أبواب الستائر سامِحة لأشِعَّتِها بالوُلوج للغُرفة الغافي المَرَض بين زواياها،عَلَّ ضَوءَ يَومٍ جَديد يُرَشَّح خلاياها من آلامٍ اقتاتت على يَنَعِها..فرُوحها لم تَعُد هي ..أصْبَحَت جَرْداء من أمَل،هي جَواء لا يُقْرَع فوق أرْضِه سوى طُبول ضَمير أُدْمِيَ من تأنيبه.. عيناها،أُقصوصة الحَنان المُتَرّبع بين حَنايا ثلاث زَهَرات،أَمْسَتا سَحابتان تَلِدان قَطَراتٍ لا مَذاق لها سوى الوِحْشة..وِحْشة دَثَّرت عَيْشها لأَشْهُر كانت هي و المَرض توأمان سياميان لا ينفصلان..،عادت إليها جالِسةً بجانبها على السَرير،احْنَت ظَهْرَها بخفَّة و معها انْحَنَت خصلاتها المُجابِهة الشَّمسَ في إشْراقها..و بنعومة قَطْرة نَدى شَفَّافة لامست جَبينها بشفتيها الكَرَزِيَّتين مُوْدِعة قُبْلة الْتَمَسَت عن طَريقها غَرابة عَقَّدَت مابين حاجبيها..ابْتَعَدت بهدوء،جالت عَدَسْتيها على ملامحها المُرْتَخية،الهادئة،السَّاكِنة و جِـداً ! نادَتها بوَجْسٍ مَبْحوح،:مـامـا !
رَفَعت يَدها و الارْتعاشات أساورها لتَحُطُّ بها على خَدّها..هي لَحظات فَقط التي مَسَّت فيها جلْدها المُحْتَكِرَتهُ تجاعيد تباينت في حَكَاياها،لتَرْتَد يَدَها و الارْتِعَاشة صَيَّرتها البُرودة القابِضة على جلدها ارْتجافات تَكاد تُسْقِطَها في فخ الهيستيرية..نادَتها مُجَدَّداً و الصَّوت لم تَرْتَفع مَوْجاته،فهو قد اخْتَنَق قَبْل أن يُغادِر حَنْجَرتها..،مثل مَلْسوعة تَرَكَت السَرير و حَواسَها تَصَنَّمَت عند فِكْرة واحدة،فالعَينان تُبْصِران بياض كَفَنٍ يَتُم تَجْهيزه بأيْدٍ عَزيزة،و الأنْفُ يًسْتَنشق تُرْبة طَرِيَّة تَجانست رائحتها مع العِطر الفِطْري المَغْزول مع خُيوط ردائها..و لسَانها بدأ يَسْتَشْعِر مَذاق الحَياة بلا أُم..تَبْدو مُرَّة،بل عَلْقَماً يُسْتَعْصى اجْتراعه..،خلال ثوانٍ وصلت للطابق السُّفلي،حيثُ يَسْتَقِر والدها وشقيقتاها..وَجْهُها المَخطوف،المَسْلوب الرَّاحة اقْتَحَم جُلوسهم الهادئ..فَزَّ والدها ناطِقاً بخوفٍ بدأ يَخطو مُقْتَرِباً من قَلْبه،:يُبه مَروة ليش وجهش جذي..امش فيها شي ؟
تَراشُق الدَّمعات من عينيها كان كَفيلاً بسَفْك الذُّعر على وجوهِهم..تساءلت الكُبْرى بحدَّة هَلِعة،:مَرْوة تحجي امي فيها شي ؟!
تَنَشَّقت بصُعُوبة و فَمَها المَفغور يُحاول أن يَدْفَع الكَلمات بمَشَّقة لتخرُج لهم..لكنَّ الشَّهقات ما كان يَصْطَدِم بمسامعهم،هَرَعوا جميعاً للأعلى و هي لَحِقَتهم بقَدَمين وَهِنَتين تَكادان تُصَيّران مَسيرها زَحْفاً مَبْتور الأطْراف..تَوَقَّفت أمام باب الغُرفة مُحْتَضِنةً جَسَدها المُرْتَعِد و حدقتاها لازَمهما ضَياع قَلَّصَ عُمْرها لأيَّام..رَضيعة مُمسِكة بالحياة بقبضتها الصغيرة..فالحياة حينها كانت إصْبَع أُمّي ولا غير..صَوْت أُمّي وبَسْملتها،حَليب ثدييها و نَومٌ هَانئ بين نَبْضِها و جَواها الحَنون..،تَقَدَّمت ببطئٍ شَديد يُخيل للناظِر أنَّها لا تَمشي..و هُناك عند قَدَمي والدتها انْحَنى كاهِل مَرام و البُكاء منها ارْتَفَع مُزَلْزِلاً حُصُونَها التي حاولت أن تَتَصَدَّى لجيش الفَقْد مُنذُ أن خان المَرَض روح مَلاكَها..اقْتَرَبت أكْثَر و العَين واصلت مَسيرها تَبْحَث عن مَشْهَدٍ يُلْغي الوَداع،يُنْهيه و يُبَدّله ببدايات إكليلها الفَرح..لكن بوَجْهِ منار المُحْتَقِن اصْطَدَمت أُمْنياتها و حُروف النَّعي العابِرة لسانها عَزَّتها لارتفاع روح أمَانِها..لم تَسْتَسلِم و والدُها كان آخِر آمالها..نادَتهُ برَجـاء أن لا تَفْجَعني أبي..لا تَسْحَق زَهْرَتَك الصَغيرة،لا تُسَمّم مَنْبَتي..،:بـابا..أمي عايشة صـ ـح ؟
تَعَثَّرَ بَصَرُها بمنظَره،مُطَأطِئاً الرَّأس و غُتْرة رأسهِ صَيَّرها البُكاء منديلاً يَتَشَرَّب دَمْعَ رَجُلٍ انْطَفَأت شَمْعته المَضوية نصف عُمْره..بفراقها سيَمسي وَحيداً يُعاين الدُّنيا بلا بَصَر..،هَوَت على رُكبَتَيها و الوِصال أصْبَح مُسْتَحيلاً..هَمَسَت و النَّوحُ قد اتَّخذّ من حَنْجَرَتِها مَباتاً لغَصَّاتها،:يُمَّـه..حبيبتي أمـي.. قومي يُمَّـ ـه
تَمَسَّكت أناملها بالأرض تُطالبَها بقوَّة تُقَربها من ذلك الجَسَد الطَّاهر..زَحَفَت بضَعف و من أسْفَلِها تناثرَ الدَّمْعُ ناحِتاً خرائِط وَجَعٍ مَرير..مَريرٌ للحد الذي يُفْقِدَك القُدْرة على الاستقامة فوق هذه الأرض القاسية..،أَصْبَحَ وجْهُها المُستكين جَليَّاً لقَلْبِها..جَسَدها ها هي تَرنو إليه..اجْتَذَبَت رداءها بارتعاش،تَشَبَّثت به،قَرَّبتهُ من أنْفَها..حاولت أن تَستنشق ولكن لم يَعْبُرها شيء،لم تُداعِب روحها رائحة تَغَذَّت عليها وهي بين ظُلماتٍ ثلاث..أجْهَشَت و لسَان حالها بدأ يَجُرُّ أبيات عِتابه..لا زال الوَقتُ مُبّكراً أمي..لا زالت بعض خصلاتك حُرَّة من بياض..بياضٌ إلْتَبَسَتْهُ لا لعُمْر بل لحِمْلٍ لم يَسْتَوْعِبَهُ قَلْبُكِ الطَيَّب المَعْقودة نِيَّته بالخير و لا غيره..أمَّاه لا تأخُذي كُلَّ شيء..دَعي رائحَتكِ..و كَفُّكِ الحانية ابقِها فوق رأسي..و لا تنسي أن تَترُكي صَوْتَكِ يَهْتُف هامساً بدُعاء وسط مَسْمَعي..أُمَّـاه، سَأغْتَسِل بدموعي و سأُكَفّن جَسَدي بقماط طُفولتي ثُمَّ آتي لأسْكُن أحْشائكِ..إلهـي،لماذا لا يُحْفَرُ الرَّحمَ قَبْراً اذا ما نَهَب المَوْتُ أُمّي ؟ أُمَّاه لا تَغمضي و بُثّي من عَيْنَيكِ مُسْتَقْبَلي..و إن كُنتِ من الدَّنيا قَد أُرْهقتي فَوَسّديني جفنيك لعَلَّي الْتَمِس منهما قَبَساً يُضيء ظُلْمة عَيْشي..،



حاضِر

سَماء دُبْلُن مُلَبَّدة و السُّحُب مُثْقَلة من دُموع ها هي تَسْتَعِد لإجْهاضِها..لَعَلَّها تَمسي بخِفَّة سَحابة صَيف كاهلها حُر من أَثْقال مُبْهَمة تَسْتَل يَنَعَ الرُّوح ببرود مُوْجِع..الشَّمسُ مَخْفية عن عَيْنان سَكَنَهما الإرْهاق..و عن قَلْبٍ الْتَحَفَ بسَماء من سُهاد لها قَمَرٌ سَطْحهُ مرآة ينعكس فيها قَباحة كابُوس نصفهُ ناقِع في نَهْر واقعها..ليُنَجّسها و يَسْتَفْرِغ شوائِب كُلَّما تَلَّقَّفَتْهَا اليَد تَسَرَّبت من فراغات ماضٍ مَحْجوب الرُّؤية..،للتو تَخرْجان من المَشْفى الذي يُطَبّقون فيه تَدْريبهم المُلْحَق بالوَرْشة..اليَوم كانت لها الفُرْصة للتعامل مع مَرْضى السُّكري دون السَّابِعة..إلهى ما ألْطَفَهم،طُيورٌ لها أجْنِحة من جُنَّة طاهِرة..شُيّدت فيها قُصور لمن لم تُشَوَّه نُفوسَهم..لهم ابْتسامات عَذْبة تُناقِض عُبوس وُجُوه تَكاد تَتَحوّر لمَسْخٍ دَميم،لهُ عَينان مُدْلَهِمَّتان و من أنْفِه تشتعل صَياخيد تَأكُل الفَرَح و تُصَيّرهُ رَماداً لا يعرف الابْتسامة..هي الآن مَسْخٌ مُتَدَثّر بالكَمَد،و اسْتنْشاقة الرَّخاء قد حُرّمَت عليها..،زَفَرت بعُمْق،فَتَجانس ضيقَها العابِر صَدْرَها مع ذَرَّات الهواء الرَّطبة ليُكَثّفها حتى باتت ضباباً أْغشى روحها..نَطَقت سارة التي كانت تَمشي بجانبها،:خلاص نُور..انسي شوي و حاولي تركزين في شغلش
أجابت و ذراعي الحيرة المُضطَّرِمة بضياع انْعَقَدت على صْدْرها و هي تُجيب،:ما اقدر انسى سارة..انتِ نفسش بس وصفت لش الموقف حسيتين بالغرابة..فانا ما انلام
ألْبَسَت نظراتها حِدَّة لم يَجْتَرِعها بَصَر نُور المُتَخَبّط على الأرجاء بهُروب مُحْرَج..لكنَّ الصَّوت مَرَقَ مسَامعها غَصْباً،:انتِ مو متأكدة نُور،و الدليل حالش هذا..ما يصير تقعدين تربطين حياتش بذنب ما تدرين اذا هو صار فعلاً لو مجرد أوهام..ياختي عيشي حياتش خلاااص !
التَفَتت لها و في العَين تراقصت شُهُبٌ لامعة تُنْذِر بالهُطول،:حتى لو كان مُجَرَّد كابوس..ما اقدر اتقَبَّل نفسي اللي حلمت فيه بهالطريقة
اتَّسعت عيناها و أطْياف اسْتنكار تَعَلَّقت بأهدابِها مُعَقّبة،:نــــور..حلم حلم..يعني شي لا إرادي..شلون تلومين نفسش على شي مالش قدرة فيه !
تَصَدَّعت مَلامحها و صَوْتُها قد نالت منهُ غَصَّة مَقهورة،:خايفة..خايفة اكون خنت عبدالله و انا مو حاسة
تَجاوزتها لتقف أمامها تَمْنَعها من المُواصَلة..تَوَقَّفت نُور باستِجابة مع تسَاقُط الوَدق الذي أضفى انتعاشاً للأجواء..نَطَقَت سارة و الجِديَّة تَحْتَكِرها،:نُـور انتِ صنتين عبدالله و تجاهلتين كل شُعور كنتِ تحسين فيه اتجاه طلال..و انا كنت شاهدة على هالشي..هذي كلها وساوس من إبليس..اخزيه و اتكلي على ربّش
تَنَشَّقت الهواء بتَقَطُّع و مِثْلَ طِفْلة ارْتَفَعت يديها ليَتَشَرَّب ظاهرها ملحها العابث بمُقْلَتيها..هَمَست بفمٍ تَقوَّس من ثِقْل بُكاء،:انزيــــن
نَفَخَت خَدَّيها مُفْرِجة عن زَفْرة قَبْل أن تَقول،:جبتين لي الكآبة "اسْتَدارت جانِباً لتُرْدِف و هي تَرنو إليها بطرف عينها" ما بيتعَدَّل مزاجي الا اذا عزمتيني على الغَدا
بانت ابْتسامة خفيفة على شفتيها الصَّغيرتين..فَتَحَت فَمَها لتُعَقّب لكنَّ رَنين الهاتف قاطَعها..أخْرَجته من جَيب معطفها العُشْبي لتُجيب مُباشرة،:الو
أتاها صَوْتهُ الحَبيب،:سلام يُبه شلونش ؟
مَشَت مُواصِلة الطريق مع سارة و هي تُجيب،:هلا بابا الحمد لله..انت شلونك
،:الحمدلله بخير "تساءل بُسرعة بعد أن لَحِظَ التَّغَيُّر" يُبه شفيه صوتش ؟
تَنَحْنَحت تُزيح الحَشْرجة المُتَعَلّقة بحنجرتها لتُجيب و هي تَمس أنْفَها بظاهر سَبَّابتها،:و لا شي يُبه..بس شكلي بزكّم من الجو
،:يبي لش تتدفين عدل..زيـن بابا نُور انا عازمش انتِ و سارة على الغدا ويانا انا و طلال
الْتَفَتت تنظر لسارة المُتَفَرّعة نظراتها على الحَيّز المُتْرَف بالطَّبيعة..أخْفَضَت بصرها تُراقِب خطواتها على الأرض الإسفلتية و هي تسمع سُؤاله،:ها تجون ؟
مَرَّرت لسانها على شفتيها ثُمَّ أجابت و هي تُحَرّك رأسها بخفَّة دلالة على رِضاها،:اوكي بنجي
،:تمــام..بعد نص ساعة بمركم الفندق
،:اوكي..صار
أنْهَت الإتصال مع اسْتدارة سارة التي تساءلت،:هذا ابوش ؟
هَزَّت رأسها بالإيجاب ثُمَّ نَطَقَت بنصف ابْتسامة،:جتش عزيمة أحسن من عزيمتي
عُقْدة عَدم فَهم بانت بين جابيها و هي تتساءل،:عزيمة شنو ؟
أجابت مُوَضَّحة و يداها تَنْحَشِران وسط جيبا معطفها الصُّوفي،:بابا عازمنا انا وانتِ نتغدى معاه وو مع
صَمَتت لتستفسر سارة بحاجِب مُرْتَفِع ،:ايــه مع من ؟!
هَمَسَت بعد أن أفْرَغت تَنهيدة مُرْتَعِشة غَفَى الخَوف بين طَيَّاتها،:طــلال



وَضَع المَلَف على المَكْتَب و من بين عَيْنَيه تَطايرت وريقات شَوق حَطَّت على صَدْر آستور الذي نَطَقَ يُحادثه،:يبدو أنَّكَ مُشتاق إليه جداً ؟
أجابَ و هو يتَأمَّل صُورته المَلْصوقة عند بداية الصَّفحة المًسْتَهِلَّة المَلَف،:نعم جـداً..لا ادري كيف مَرَّ الأسبوع دون أن أراه
تساءَلَ ليتأكَّد و هو يتناول المَلف،:تُحادثه بالتأكيد ؟
أومَأ بالإيجاب،:نعم آخر مُكالمة بيننا كانت اليوم صَباحاً..أخبَرني أنَّه سيبدأ بالعَمل على قَضيته
عَقَّب و الثّقة اتَّخَذَت من ملامحه حَيّزاً،:و أنا واثق أنَّهُ سينجح في حلّها
تَساءَل و شذرات من تَوَجُّس هَرَبَت مع كلماته،:و لكن ألن يحتاج للمُساعدة ؟
أجابَهُ بسؤال و هو يُشير للملف الذي يَتَصَفَّح أوْراقِه،:و ما رأيُك أنت ؟ أعتَقِد أنَّ خمس دقائق للاطّلاع على هذا الملف تُعطيكَ الجواب " رَفَع عينيه ليُرْدِف بابتسامة مائِلة" او أنَّكَ لا تحتاج للاطّلاع ؟ فأنت كُنتَ شاهِداً على كُل قَضيَّة أُدْرِجَت فيه
عَقَّبَ و أناملهُ تَعبُر خصلات شعره الفاتِحة،:أعْلم أنَّ كُل قضاياه حلَّها دون أي مُساعدة "زَفَر بقَلَق بدأ بتشييد بُنْيانه وَسَط قَلْبه مُنذَ أن غادَرهم ذاك..واصَل مُوضّحَاً" هذه المَرَّة هو بعيد..و الأدّلة تَكاد تَكون مَعْدومة..و هم خَطرين..حَتْماً سيحتاج أحد ليكون بجانبه
مالَ جسده لليمين يفتح أحد أدْراج المَكْتَب قائلاً،:لا تَقلق كروس..أَزْيز ذَكي و يعرف كيف يَتَصرَّف خُصوصاً في الأحوال المُعَقَّدة "أخرَج السيجارة من العُلْبة..ثَبَّتها بين شفتيه ثُمَّ أضاف بثِقة تامَّة" و بالمُناسبة..هو سيلتقي بمن سيُساعده
علامات اسْتفهام اسْتَقَرَّت فوق رأسه و بين حاجبيه اتَّضَحَت عُقْدة عَبَّرت عن عَدم فهمه الذي بان في سؤاله،:ماذا تقصد ؟ من هذا الذي سيلتقي به ؟!
نَفَثَ الدُّخان بهدوء ثُمَّ أجاب بزاوية فم مائِلة بانْتشاء،:بنَقيضه الذي سيُكَمّله



جَمَعت دُموعها في إبْريقٍ أبْيَض،زَيَّنتهُ بألوانٍ بَهِيَّة لا تَعرف الكآبة..و اتَّخَذت من اللحظة كوباً كُلَّما مارسَ كبريائهُ قَسْوة عليها،صَبَّت الدُّموع و اجْتَرَعت ضعفها لعَلَّها تَقوى !قُرابة الرَّابعة مَساءً كانت تَجْلُس أمام المِقْود على مَقْعَد سَيَّارتها المَرْكونة في موقفها الخاص..مَضَت بضع دَقائق و هي تنتظر خُروجه،و كالعادة هو آخر الخارجين..،تنتظرهُ بذراعين مَعْقودتان على صَدْرها الذي كانت أُغْنيته لسنوات شَجَنٌ تَرْقُص على ألْحانِهِ الأنْفاس..ملامحها قد اكْتَساها بُرود قاتِم كان عَصِيَّاً على سُيوف الشَّمس التي فَشَلت في إذابته..و بين عَيْنَيها كانت تَحوم كَرامة تُوَشْوِش لها بأن السَّيلَ قد بَلَغَ الزُّبى..و أرْضُ الجِنان لا بُدَّ أن تَسْتَفيق..فالإحتلالُ قد طالَ ذَّاتَها..،مع إتمام السَّاعة للرابعة و دقيقتان بانَ طَيْفُه خارِجاً من باب المَصْرِف البعيد نسبياً،اسْتطاعت أن تُمَيّزه من مَشْيته الواثِقة بخَيْلاء بَغيضة..حَرَّكت عَدَستيها و بالتوالي التَفَتَ رأسها تُتابعه و هو يُواصِل مَسيره لمَرْكَبته..فَتَحَها عن بُعْد قَبْل أن يَقف أمام الباب و يُشَرّعه..خَلَع معطف بذلته وألقاه داخلها..و مع انْحشار جسده فيها تَرَكت هي مَرْكبتها و بَدأت تَخطو إليه بهدوء و عَقْلُها يُشاهِد باندماج تَكمْلة روتينه على صَفحة خيالها..فهو حَتْماً بعد أن اسْتَقَر وسط مَقْعَده بدأ بفك أزرار قَميصه عند عُنُقِه..ثلاثة أزْرار لتَتَّضِح تُفَّاحة آدم النَّافِرة و الجُزء العلوي من صَدْره..ثُمَّ يَنتقل لأزرار كُمّه الأيسر..يفتحها ليُطويه إلى المِرْفَق و بالتوالي يُمارس الفعل نفسه لكُم ذراعه اليُمنى..و أخيراً تَقصد يُمناه خُصْلات شعره النَّاعمة..يُبَعْثرَها بأنامله ثُمَّ تأتي أصابعها لتُرَتّب ما بَعْثَرَه...لحظة..يَدُها ليست بجانبه..هي بَعيدة،بل و مُحَرَّمة! تَوَقَّفت أمام الباب تُرسِل نظرات للنَّافذة المُظَلَّلة..بالكاد اسْتطاعت أن تسترق النَّظَر عليه و هو يَعْبث في هاتفه..رفعت يَدها و بظاهر سَبَّابتها طَرَقتها..ثوانٍ و انزاح الفاصِل بينهما لتَلْتَقي معالم وجْهه المُكْتَظَّة بلامُبالاة تَهْوى إثارة حَنَقَها..بوَجْهها المُوَقّع عَقْداً جَديداً مع البُرود.. و مابين اللّقاء زَحَفت ذَّرات عطره و تَشَبَّثت بقلبها تُناغي ذكريات بالية..جالَ بَصَرُها على هَيأته لتَتَأكَّد من حُصول ذاكِرتها على العلامة الكامِلة..،رَفَع حاجبهُ يَسْتَفْسِر الوقوف لتنطق هي بلحن جديَّة،:ابي اكلمك بموضوع
ازداد عُلو حاجبه و هو يُعَقّب بسُخْرية،:ثمان ساعات موجودين في نفس المكان ليش ما جيتين تكلميني في هالموضوع الا اللحين ؟!
أجابت مُوَضّحة و ذراعيها ترتفعان بعُقْدة إلى صَدْرها و كلماتها عَقَدت فِكْره لوَهْلة،:جيت لك..بس كان عندك مُكالمة مُهِمَّة ما حبيت ازعجك
ارْتَخى حاجبه و عقله تَصَنَّم عند السَّاعة التي كان يُحادث فيها سَلمان..أيُعْقَل أنَّها سَمِعَته ؟! انْتَبَه لصوتها و هي تُضيف،:دقيقتين بس ما بأخرك
زَمَّ شَفتيه يَرْسِم لها ضيق لم تَلْتَفِت إليه..فهي قَد ثَبَّتت عباءة البُرود جَيَّداً..تَرَاجعت خطوة للخلف عندما فَتَح الباب..أغْلَقَهُ من خلفه قَبْل أن يَسْتَنسِخ وُقوفها بذراعين مَعْقودتين..،نَطَقت هي دون مُماطَلة،:كنت ابي استفسر عن تعليم جَنى "مالَ رأسها بخفَّة مُرْدِفة" اكيـد كنت مدخلها مدرسة صح ؟
هَزَّ رأسه،:ايــه و سَجَّلتها اهني بعد
ارتفاع نال من حاجبيها لتتساءل باستغراب،:سَجَّلتها ؟.. وين ؟ ما اشوفها تداوم !
بَلَّل شَفتيه و هو يحل عُقْدة ذراعيه قبْل أن يُجيب،:لأن الفصل طاف منه أكثر من النص فبتبدأ دوام الفصل الجاي ان شاء الله
أعادت سُؤالها،:زيين وين..أي مدرسة ؟
وَضَّح،:نفس المدرسة اللي فيها بنت نَدى
اسْتقام رأسها لتَهزّه بتفَهُّم هامسِةً،:اووكي..تمام
واصَلَ بتلقائِيَّة و هو يَدعك صدْغه بظاهر إبْهامه،:ما سَجَّلتها فيها إلا بعد ما اتأكَّدت من صلاحيتها و سمعتها
هَمْهَمت قبْل أن تُضيف،:ايــه اسمع ندى تمدحها "أضافت بسرعة" زيــن مشكور..و عُذْراً أخْرتك
ارْتَفَع حاجبه بخفَّة و هو يُوْمِئ برأسه هامِساً،:العفو..حصل خير !
خَطَت مُبْتَعِدة و هو اسْتَدار يَتَتَبَّعها بروحه قَبْل بَصَرِه..يُناظرها من خلف قُيود كبريائه،يَتَلَصَّص على سَكَناتها بعينان إحداهما مُغْمَضة و كأنَّهُ يَخشى أن يُبْصِرها بكامل حَواسه فتنهار رُجُولته عند أعْتاب حُبّها..،ثوانٍ و تَحَرَّكت سَيَّارتها لتنْجَرِف مع التيًّار المُزْدَحِم أمام المَصْرِف..جُمْلتها عادت و تَرَدَّدت على مَسْمَعه..تساءل في داخله..هل سَمِعت ما قاله..كلماته الجارحة هل مَسَّتها ؟ لحظات و هَمَسَ بابْتسامة تَشَرَّبت اللُّؤم،:خلها تسمع..مو هذا اللي تبيه يا فيصل !



حَوْل طاوِلة في وَسَط المَطْعَم كانوا يَجْلسون..هي بجانب سارة التي تُقابِل والدَها كانت تَنْطوي..و المَقْعَد أمامها يَخلو من جَسَدٍ بالتَّأكيد هو صاحبُه..ما بين الفينة و الأخرى تُطْلِق زَفَرات مُرْتَعِشة تَتَسَبَّب بقَشْعَريرة تَطال خلاياها أجْمَع ثُمَّ تَتَفَرَّع من أطْرافِها البارِدة بوضوح..،قدماها المَحشورتان وسط حِذاء رياضي تَرْتَطِمان بالأرْضَ مُحْدِثتان جَلَبة مُزْعِجة اسْتَنْكَرَها والدها الذي قال،:يُبه نُور وقفي رجلش..ما تجوزين عن هالحركة ؟
تَوَقَّفت تلقائِيَّاً عن فعْلَتها الفاضِحة تَوَتُّرَها..ضَمَّت شَفَتَيها للداخل و هي تهرب ببصرها عن عينيه السَّابِرة أغْوارَها..لكنَّها بعد لحظات عادت إليه عندما نَطَق و الإبْتسامة على محياه وهو ينظر للذي خلَفها،:و هذا طَلال وصل
سارة اسْتَدارت بعَفَويَّة لتَنْظُر..أمَّا هي فكانت تُعايِن البَعْثَرة التي صُبَّت على حواسِها..تَصَافُق مُرْتَبِك اسْتَحْوَذَ على شَعْبِ أهْدابِها..رَجْفَة مُؤلِمة اخْتَرَقَت عظامها و قُلُنْسوة من جَليد دَثَّرت أطْرافها..زَحَفَت بيدها اليُمنى شابِكة أناملها بأنامل اليُسْرى و في جَوْفِها تَرَدَّدت غَوْغاء زادت من اضطرابها..اهْدَئي نُور..تَماسكي و لَمْلُمي شتاتكِ،كوني سِتْراً لنفسكِ و لذاتكِ المُبْتَلية بذَنْبٍ نصف مُرْتَكَب..لا تظهري ضعفكِ و احْجُبي عن عَيْنَيه ضياعكِ المَرفوعة راياته عند حُضوره..كوني قَويَّة و لا تخافي قَلْباً تَراكم الغُبار على باب حُبّه..،
،:السلام عليكم
ثَغْرة نَجاة تَوَسَّطت شفتيها و من خلالها اجْتَذَبَت ذّرات الأُكْسجين لتُعينها على مُجابَهة هذا المَدّ المُسْتَعِر الأمواج..كالبَحْر الهائج حُضوره..وَرَثَ اتّساعه الذي يَنْهَل أوْجاع البَشَر بلا كَلل..و كان لهُ من مُلوحته الشيء الكَثير و التي يَنْكأ بها جراح ذَّاته المَفْقودة عند أنقاض عُمْرٍ عاشِر..هو مثلما قال سابِقاً..تائه البَحْر ! شَتَّتت نظراتها على المَجال حَوْلِها عندما جَلَسَ أمامها..سارة و التي كانت شاهِدة على حَرْب صديقتها دَنَت منها هامِسةً عند أُذْنها بمُزاح بجُمْلَتِها المُعْتادة،:ما شاء الله..شكله ما تغير من يوم ما كنَّا في الثانوية " و باسْتنكار مُتعَجّب أضافت" شنو هذا ما يكبر !
تَسَلٌّقت مُقْلَتاها الهواء بصعوبة عابِرةً صَدْره العَريض المُتَدَثّر ببلوزة سَوداء صُوفيَّة تَمْتَد حتى أسْفَل ذقْنه الذي تَوَقَّفت عنده مُتَعَثّرة بغُرَزِ جرحه دون أن تُحاول ثانية عُبور الطَريق المُؤدّي لعينيه..،أتى النَّادل ليَسْتلم طلباتهم ..هي كَلَّفت والدها بالاختيار مُلْتَزِمةً الصَّمت الذي امْتد حتى بعد وُصول الأطْباق..كانت تأكُل و رأسها مُنْخَفِض لطَبقها و كأنَّها تُعيد طَهوه في عَقْلِها..لكنَّها كانت غارِقة وسط أفْكارِها المُتَشَبّثة بتلك الليلة..فمن غَير المَعقول أن تجتمع الرَّزايا في ليلة واحدة صُدْفَةً ! بالتأكيد يُوْجَد رابط.. و كما يَتَّضح لها أنَّه خَيْطٌ رَفيع حَواسَها غير قادِرة على الْتقاط بدايته..فهو يَتَأرْجَح بمَكْر مُمارِساً تَعذيباً سادياً على ضَميرها المُنْهَك..،داعبت حَبَّات الأرُز الصَّغيرة بالشَّوكة و وسط عَدستيها المُغَيَّبتان انْعَكَسَت الأحْداث..تَحَسُّن علاقتها مع والدة عبدالله..سَفَره المُمتد لأسبوعان..الإجازة الإضطرارية التي اتَّخَذتها..الكابوس و اسْتفراغها،أمْر والدته القسري و من ثُمَّ اختفاء طلال لعامان ! من غير المَعقول أن يُكون كُل هذا صُدْفة..،
،:والله ؟ يعني في بنت في بالك ؟
رَفَعت رأسها مُلْتَفِتة لسارة التي كان يَتَّضِح على وجهها الإندماج في حديثٍ ما مع والدها و طلال الذي أجاب بضِحْكة،:لا والله مافي "أشار برأسه لوالدها و هو يُرْدِف" كَلَّفت ناصر بمهمة البحث عن بنت
انْتَقَلَ بَصَرُها لوالدها الذي اعْتَلت ضحكته الجهورة قَبْل أن يُعَقّب،:و كأنّي أنا اللي بتزوجها مو إنت !
دَعَكَ ذْقنه بذَيل الشَوكة و هو يَقول بابْتسامة مائلة نَفَثت لناصِر فَحوى تَشَرَّبتها حواسه،:مو إنت صاحب فكرة زواجي ؟ فإنت لازم اللي تختار لي شريكة حياتي
تَكَوَّمَت الصَّدْمة وَسَط حَلْقِها و سُؤال مُصْمَت ارْتَطَم بأضْلاعها..سيتزَوَّج ؟! طلال سيتزَوَّج ! سارة نَطَقَت مُؤَيّدة،:انا أأيّد فكرة عمّي..لين متى بتظل عزوبي ! الا في عمرك عيالهم طولهم..اتزوج خل يجيك جم واحد ينادونك بابا
تَراجَعَ للخلف مُسْنِداً ظَهره للمَقعد و ضِحْكة مَبْحوحة فَرَّت من حنجرته،:انتوا خلاص زوجتوني و خليتوني ابو بعد !
صوت حاد كان نتاج اصْطدام السّكين و الشَوكة التابعتان لنُور بالطَّبق..تَعَلَّقت الأنْظار بها عندما وَقَفت..تَقَلَّصت ابْتسامته و هو يَلْمَح غَرابة مُوْحِشة تَبْتَلِع ملامحها النَّاعِمة..تَساءل والدها باسْتغراب،:وين يُبه..ما خلصتين أكلش !
أجابت بجُمود تَوَجَّسَت منهُ حواس طلال،:الحمد لله شبعت " اسْتدارت يساراً و هي تُكْمِل" بروح اغسّل

،

نَثَرت المياه للمرَّة الثالثة على وجْهها و الكَلِمة تلك لم يُصْمَت زَعيقها..حَشَرت كَفّيها من جَديد أسْفَل الصُنبور تحتضن بضع قَطرات لتُلقيها على وجْهها المُتَهَدّل الملامح..هَمَسَت تُريد أن تَقْطَع البَلْبَلة المُحْتَدِمة في جواها،:خل يتزوج..احسن له يتزوج نُـــور !
رَفَعت رأسَها تُقابِل صورتها المَنْعَكِسة في المرآة و صوتٌ داخل عَقْلَها بدأ يَرسم الحكاية بصورة تستسيغها حَواسها التي اعْتادت أن تَرى طلال حُرٌّ من نساء....عداها ! فليتزوج هذا أفْضَل له..و لها،عَوْدة لرَبّه..عَمل ثُمَّ زواج..حياة كان يَسْتَحقّها مُنذُ زَمَن..و ارْتباطهما ذاك الذي رَقَصت على ألْحانه أحلامها المُراهِقة تَأكَّدَت اسْتحالتها مُنذُ أن أصْبَحت حَليلة لعبدالله..،تحَرَّكت ببطئ مُجْتَذبة بضع مناديل جَفَّفت بها وجهها المُستَسلِم لغَزو المياه..لعَلَّها تَصْحو و تَجِد نفسها الضائعة ! رَتَّبت حجابها على رأسها..اسْتَنشَقَت بعُمْق قَبْل أن تَزْفر ثاني أُكسيد الكَربون مُذَيَّلاً ببضع الْتباسات قَيَّدت أفكارها..ثوانٍ و كانت تَخطو لطاولتهم التي لم تَجد حولها أثراً لهم ! تَلَفَّتَت بعُقْدَة حاجبين تَبحث عن وَجْه أحَدِهم..لكنَّها خَرَجت حينما لم يلْتَقِطهم بَصَرِها..تَقَدَّمت خطوتان لليمين بعد أن تجاوزت باب المَطعم لكن صَوْته الهادئ باغتها من الخلف،:لحظة نُــــور



مَسـاءً

نَطَقَت برجاءٍ هو سلاحها الوَحيد،:يُمَّــه أرجوش والله مابي اروح
بحدَّة قالت و هي تَرنو لها بطرف عَيْنها مع ارْتفاع صوت جَرس المنزل،:إلا بتروحين..زودتيها وانتِ حابسة عمرش في هالبيت..اطلعي شوفي العالم
باعْتراض ساحِق،:مابــي يُمَّه مابي..مرتاحة جذي..مو غصب السالفة
ببرود عَقَّبت ،:بـلى غَصَب..و ياليت من اللحين تقومين تجهزين
قالت و هي تبحث عن حُجَّة،:زين يُمَّه عيالي ما اقدر اخليهم بروحهم
قَضَمت من حبَّة الفراولة التي في يدها قبْل أن تُعَقّب مع اقْتراب الخادمة،:مو بروحهم..ابوش اهني و عبدالله ما يطلع بعد ما يرجع من شغله..و زود الخدَّامات موجودين..فلا تتحججين
،:بس مــ
قاطعها حَديث الخادمة المُوَجَّه إليها،:ماما غيداء في واحد رَجَّال يبي انت برا
عُلو مُتَعَجّب نالَ من حاجبيها مُتسائِلة باسْتنكار،:رجال يبيني ؟! من هذا !
أجابت مُباشَرة،:بابا أزيـز
تَهَدَّل ذقنها فاغِرة فاهَها بعدم فَهِم..أطْبَقت شفتيها ثُمَّ عادت لتفغر فاهها هامِسةً،:عَزيــز !
تساءلت والدتها،:انتِ تعرفين واحد اسمه عَزيز
دَعَكَت خدَّها بأطراف أناملها مُجيبةً باسْتغراب طَغى على ملامحها،:لااا ! من وين اعرف واحد اسمه عزيز..اصلا ليش اعرف رجال غريب ؟!
أشارت للباب،:زين قومي شوفي شنو يبي..يمكن واحد من أهل عَمَّار
هَزَّت رأسها و هي تقف مُتَجّهة للخارج بعد أن ارْتَدَت إحدى عباءات الرَّأس الخاصَّة بوالدتها..تجاوزت المساحة الفاصِلة بين باب المنزل الداخلي و الحَديقة الواسِعة لتَتَّضِح لها معالم جَسد رجولي باسْتقامة يُلْقِيها ظَهره و ذراعه اليُسْرى مَطْوية خلفه..تَوَقَّفت تارِكة بينهما ثلاث خطوات..فَتَحت فَمها لتُناديه لكنَّهُ اسْتدار بطَريقة فاجَأتها..ازدردت ريقها بارْتباك و هي تُبْصِر ملامحه الغَريبة عن مَعْرفَتِها..تُرى من هذا ؟!
هُوَ نَطَقَ بعد أن أطال النَّظَر بإسْهاب و كلماته الغَريبة أَبَت أن تَعْبُر عَقْلَها،:والله إنَّه ما جَذَب !


~ انتهى



،




الحمدلله أخيراً انتهيت من هالجزء اللي سبب لي عُقْدة..ما اجذب عليكم و صلت لمرحلة إنّي خلاص ما بكمل الرواية :"(
النفسية كانت مأســأة..لكن الحمد لله بفضل الله وبفضل ناس عزيزين قدرت اتجاوز هالمرحلة
و ان شاء الله تكون آخـر الأزمات..،
و تجاهلوا إنّي جذبت على نفسي يعني إنّي نزلت الجزء بأكمله في يوم واحد بدون تقسيم
ما عليه هذا نوع من أنواع إرْضاء النَفس العَنيـدة :/


أتمنى يكون الجُزء مُرضي و لو قليلاً..لأن رضاكم بيصمت ضميري
ما كان هذا الجزء اللي مخططة له..بس في النهاية ما يصير الا اللي الله كاتبه
فالحمد لله..،
*قُبلات مع دعوات لكن

تُصْبحون على فَرَج

*نسألكم الدُعاء




سلمتن





،


الساعة الآن 05:34 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية