طبيب عربي مسلم قدم مساهمات مهمة في مجال الدورة الدموية الرئوية ، أو دوران الأوعية الدقيقة ، كما دعا إليها علماء الأحياء ، وهو رابط مهم بين الأطباء القدامى والأطباء الحديثين
ابن النّفيس هو الطبيب والفقيه علاء الدين بن أبي الحزم القرشي الدمشقي، والملقّب بابن النّفيس، وهو أحد أكبر أطباء العرب والمسلمين الذين حقّقوا إنجازات كبيرة وكان لهم دور كبير في الطبّ الإسلامي، وقد عُرِفَ عنه بأنّه من أعلم النّاس في عصره، وهو من أشهر العلماء علماً بوظائف أعضاء الجسم في القرون الوسطى، ومُكتشف الدورة الدموية الصغرى الذي سهل على العالم الإنجليزي وليام هارفي اكتشاف الدورة الدموية الكبرى في عام 1628م، فيُعدّ ابن النّفيس عالماً وطبيباً ومؤلفاً عظيماً وفقيهاً شهيراً له مؤلفات في الفلسفة والطبّ والحديث.[١][٢]
مكان ولادة ابن النفيس
ولد ابن النّفيس في مدينة دمشق في عام 1210م/607هـ في عهد السلطان سيف الدين، وقيل إنه ولد على مشارف الغوطة الدمشقيّة، أمّا لقب القرشي فيعود إلى نسبه التابع لقرية القريشية القريبة من دمشق، ونشأ ابن النّفيس وتعلّم في مجالس دمشق وعلى يد علمائها، فقد كانت في ذلك الوقت مزدهرة بالعلم لوجود الأيوبيين الذين عُرِفَ عنهم الاهتمام بالعلم عموماً والطبّ خصوصاً، كما كانت دمشق قد ورثت مجدها الطبيّ من بغداد، فنهضت بعلمائها نهضة كبيرة من مظاهرها إنشاء المكتبة التي أسّسها نور الدين زنكي ووضع فيها العديد من الكتب الثمينة، كما كان من مظاهر نهضة دمشق الطبيّة إنشاء البيمارستان الذي جلب أمهر الأطباء إليه وكان معظمهم من بغداد ومن تلاميذ الطبيب النصراني الشهير ابن التلميذ، وهو بغدادي الأصل، وكانوا هؤلاء الأطباء يحملون معهم أشهر المؤلفات مثل قانون ابن سينا،[٣][٢] أمّا وفاة ابن النّفيس فكانت في عام 1288م/687هـ في مدينة القاهرة عن عمر يناهز الثمانين عاماً، وتبرع قبل وفاته بأملاكه وكتبه جميعها للمستشفى المنصوري الذي كان يعمل فيه.[٤][٥]
نشأة ابن النفيس
اهتمّ ابن النّفيس في بداية حياته بحفظ القرآن الكريم، كما درس اللغة، والنّحو، والحديث، والفقه، والمنطق، وغيرها من العلوم الأُخرى، أمّا الطبّ فدرسه عندما أتم الثّانية والعشرين من عمره وكان ذلك في عام 1231م/629هـ، وتلقى ابن النّفيس الطبّ على يد واحد من كبار الأطباء وهو طبيب العيون مهذب الدين عبد الرحمن والمعروف باسم الدخوار، وكان في ذلك الزمن من أطباء البيمارستان العظيم، ومن الأساتذة الآخرين لابن النّفيس في الطبّ رضي الدين الرجي وعُمران الإسرائيلي، وفي سنة 633هـ انتقل ابن النّفيس وزميله ابن أبي أُصيبعة إلى القاهرة، وعملا معاً في البيمارستان الناصري؛ حيث استلم فيه ابن النّفيس الرئاسة، وكان عميداً لمدرسة الطبّ التابعة له، كما اهتمّ بدراسة كُتب ابن سينا وجالينوس وأبقراط،[١] أمّا طريقة تعلّمه في البيمارستان فاعتمدت على الفحص والتدقيق في حالة المرضى ومتابعة الأعراض التي تطرأ عليهم، كما كان يتابع مدى استجابة المريض للعلاج.[٣]
إنجازات ابن النفيس في الطبّ
قدّم ابن النّفيس مجموعة من الإنجازات المهمة في الطبّ، وفيما يأتي معلومات عنها:
اكتشف الدورة الدموية الصغرى المعروفة بالدوران الرئوي.[٢] أوّل من تحدث عن تغذية عضلة القلب من الشرايين الإكليلية أو الشرايين التاجية.[٢] فرّق بين الإبصار والتخيل، وبيَّن أن لكلّ منهما مركزاً خاصاً له في الدماغ.[٢] أوّل من أشار إلى لزوم الاعتدال في تناول الملح؛ حيث وصف أخطاره وتأثيره في ضغط الدم.[٢] شرّح الحنجرة والجهاز التنفسي وأبدع في ذلك إبداعاً كبيراً كما درس وظائف أجزائهما.[٢] أثبت أن الجدار الفاصل بين البطين الأيسر والبطين الأيمن هو عبارة عن جدار لا مسامي، وخالف بذلك الاعتقاد السائد في السابق.[٥] ساهم في الحدّ من انتشار أحد الأمراض المميتة والخطيرة في مدينة القاهرة في عام 1271م بعد استغراقه عدّة شهور من العمل للسيطرة عليه.[٥]
مؤلفات ابن النفيس
ألّف ابن النّفيس العديد من المُؤلفات في الكثير من المجالات، وفيما يأتي معلومات عن أهمّ مؤلفاته:
المؤلفات في الطبّ
ساهم ابن النّفيس بتأليف العديد من المؤلفات في الطبّ، ومنها:
شرح تشريح القانون: هو عبارة عن كتاب ضخم مكون من ثلاثمئة صفحة، ويُعدّ من أهم كتب الطبّ العربيّ، ويحتوي هذا الكتاب بين صفحاته على وصف للدورة الدموية الصغرى، وكيفية اكتشاف ابن النّفيس أن عضلات القلب تتغذى من الأوعية الموجودة في داخلها وليس من الدم الموجود في تجويف القلب، وفي هذا الكتاب نقد كلام أعظم طبيبين معروفين عند العرب، وهما ابن سينا وجالينوس، ممّا يدل على عظم ثقته في علمه، ونُشِرَ كتاب شرح تشريح القانون في عام 1988م/1408هـ، بتحقيق من الدكتور سلمان قطابة.[٦][١] المهذب في الكحل المجرب: هو كتاب مشهور في عهد ابن النفيس، ولكن لم يصل لنا منه سوى نبذة صغيرة تتعلق بأمراض العيون والرمد الذي يصيبها، وكان إبراهيم الشاذلي هو من اقتبس هذه النبذة من الكتاب، ونُشِرَ هذا المؤلف في الرباط في عام 1986م/1407هـ بتحقيق من محمد رواس قلعة جي وظافر الوفائي.[١][٦] الموجز في الطبّ: هو عبارة عن مؤلَّف مكوّن من أربعة أجزاء ويُعدّ مرجعاً مهماً لكلّ من يريد أن يدرسَ الطبّ؛ حيث امتلك منزلة عظيمة على مرّ العصور وتناقله العلماء بين بعضهم وكانت الشروحات التي تناولته كثيرة، كما تُرجِمَ إلى عدّة لُغاتٍ أجنبية، ويعتبر هذا الكتاب شرحاً موجزاً لكتاب القانون في الطبّ لابن سينا؛ حيث تناول في طياته جميع أجزاء القانون في الطبّ بلغةٍ سهلةٍ ومفهومة باستثناء الجُزء الخاص بالتشريح ووظائف الأعضاء، وتوجد للكتاب نسخ في باريس، وميونيخ، وأكسفورد، وفلورنسا، ونُشِرَ في عام 1985م/1406هـ في مدينة القاهرة بتحقيق من عبد المنعم محمد عمر.[١] الشامل في الصناعة الطبية: هي عبارة عن موسوعة طبيّة كتبها في ثلاثمئة جزء إلّا أنه لم ينهِ منها سوى ثمانين جزءاً وُجدت في مكتبته بعد وفاته، وتوجد حالياً في البيمارستان المنصوري في مدينة القاهرة،[٦] ويُعدّ الشامل في الطبّ من أعظم مؤلفات ابن النفيس؛ حيث جمع فيه جهود المسلمين المختلفة في الطب والصيدلة على مدى خمسة قرون من العمل الدؤوب المتواصل، ونُشِرَ منه ثلاثة أجزاء في عام 2001م/1422هـ.[١] المختار من الأغذية: هو كتاب يهتمّ بالغذاء عند الإصابة بالأمراض الحادة.[٦] شرح فصول أبقراط: هو كتاب خاص بأشهر كتابات أبقراط التي كان ابن النّفيس معجباً بها،[٦] ونُشِرَ في بيروت في عام 1988م/1409هـ بتحقيق من يوسف زيدان وماهر عبد القادر.[١] شرح تقديمات المعرفة: هو مؤلف يحتوي على تعليق ابن النفيس على تكهنات أبقراط.[٦] تفاسير العلل وأسباب الأمراض.[٦] شرح مسائل حنين بن إسحاق.[٦] شرح مفردات القانون.[٦] الهداية في الطب.[٦] شرح تشريح جالينوس.[٦] تعليق على كتاب الأوبئة لأبقراط.[٦]
المؤلفات في المجالات المتنوّعة
قدّم ابن النّفيس العديد من المؤلفات في مجالات متنوّعة، وهي:[٧]
مجال الشريعة والسيرة النبوية والحديث: كتاب الرسالة الكاملية في السيرة النّبوية، وكتاب مختصر في علم أصول الحديث، وكتاب فاضل بن ناطق.
مجال الفقه: شرح كتاب التنبيه في فروع الشافعية لأبي إسحاق إبراهيم الشيرازي.
مجال النحو: كتاب طريق الفصاحة.
مجال المنطق: شرح كتاب الهداية في الفلسفة لابن سينا، وكتاب شرح الإشارات لابن سينا.